علم الكتاب المقدس

الكتاب المقدس يشهد لنفسه



الكتاب المقدس يشهد لنفسه

الكتاب
المقدس يشهد لنفسه

إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم.. من لا يصدق الله فقد جعله
كاذبا لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله (1يوحنا 5: 9، 10)

سنستعرض
بمعونة الرب في هذا الفصل الشهادة التي يشهدها الكتاب المقدس عن نفسه. وقد يعترض
واحد بالقول: ما قيمة أن تثبت وحي الكتاب من الكتاب نفسه؟ وردّنا هو:

نحن
لا تعوزنا الأدلة الخارجية على الوحي، فهي كثيرة، وسنقدمها في الفصول التالية. تلك
الأدلة الخارجية تنفع في تثبيت المؤمنين والرد على الكافرين، لكنها لن تنفع
الإنسان حتى ولو أقنعته، ما لم يؤمن أولاً بالكتاب، وبالله معطى الكتاب، لأنه
« بدون إيمان لا يمكن إرضاء (الله) » (عب11: 6). الله يقول: إن آمنت ترى
(يو11: 40)، وأيضاً « بالإيمان نفهم » (عب11: 3)؛ أما الإنسان فإنه يريد
أن يرى وأن يفهم لكي يؤمن. لكن عزيزي القارئ الفارق كبير بين الاقتناع وبين
الإيمان. فمثلاً إذا صدقت شخصاً لأن شخصاً آخر أثق فيه، أخبرني أن ما قاله الأول
صحيح، لا أكون في تلك الحالة وثقت في الشخص الأول على الإطلاق، بل كل ما حدث أني
حصلت على استنتاج معقول مستمد من شهادة كافية بالنسبة لي بأن ما قيل حقيقي، دون أن
أكون قد آمنت بالقائل نفسه. وهكذا أيضاً من يؤمن بالوحي استناداً إلي البراهين
والحجج المنطقية، يكون إيمانه سطحياً، إذ هو إيمان بعقله وذكائه الذي أعطاه
الاقتناع، وليس إيماناً بالله معطي الكتاب.

إن
ما سنقدمه في الفصول التالية قد يزيد معلومات المؤمن بالنسبة لأدلة الوحي، لكنه لا
يزيد إيمانه بوحي الكتاب. هذا الإيمان البسيط المطلق الذي ليس للحكمة ولا للفهم
دخل فيه « أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال » (لو10:
21). فهذه الأدلة إذاً ليست بديلاً عن الإيمان كقول الرسول بولس « كلامي
وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة، لكي لا
يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله » (1كو2: 4،5).

بعض
من اليهود لما رأوا الآيات التي صنعها يسوع في أورشليم، آمنوا باسمه. لكن إيماناً
كهذا لم يُشبِع قلب المسيح « يسوع لم يأتمنهم على نفسه » (يو12: 23-25).
ويقول يوحنا أيضاً عن المسيح « مع أنه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم
يؤمنوا به (أي إيماناً حقيقياً). ليتم قول إشعياء النبي الذي قاله يا رب من
صدّق خبرنا 
» (يو12: 37، 38).

والآن
ماذا يقول الكتاب المقدس عن نفسه؟ هل فيه ما يفيد فعلاً أنه وحي الله وكلامه؟ نعم.
وسنسرد الآن شهادات ثلاث عن ذلك « والخيط المثلوث لا ينقطع
سريعاً » (جا4: 12).

 

أولاً: ماذا يعلن الكتاب المقدس عن نفسه؟

نجد
في كتابات موسى تكراراً ملفتاً لعبارة « كلم الرب موسى (أو موسى وهرون..)
قائلاً »؛ ترد هذه العبارة في سفر اللاويين مثلاً (الذي هو أصغر أسفار موسى
حجماً) نحو 36 مرة. وقد حسب أحد الدارسين تكرارات هذه العبارة ومرادفاتها، فوجد
أنها تُذكر في أسفار موسى الخمسة نحو 500 مرة! ثم بعد موسى بنحو ألف سنة تحدث عزرا
عنها باعتبارها « شريعة موسى التي أعطاها الرب إله إسرائيل »
(عز7: 6).

على
هذه الأسفار أطلق داود، في مزمور 40: 7، هذا التعبير الفريد « درج
الكتاب ». ويقتبس الرسول بولس في عبرانيين 10: 7 هذه العبارة التي يمكن
تطبيقها هناك على كل أسفار العهد القديم*، تلك الأسفار التي تنبأت عن المسيح.

أما
الأنبياء فإنهم واحد تلو الآخر افتتحوا كلامهم بعبارة « قال لي الرب »
(إش8: 1)، أو « كانت كلمة الرب إليَّ قائلاً » (إر1:
2، 4، 11 و2: 1..الخ)، أو « الكلام الذي صار إليَّ من قبل
الرب » (إر30: 1، 2)، أو « قول الرب الذي صار إلى..» (هو1:
1، مي1: 1)..الخ.

يقول
الرسول يعقوب في رسالته إن الأنبياء في العهد القديم تكلموا « باسم
الرب » (يع5: 10)؛ أي نيابة عنه. لهذا فإن عبارة « هكذا قال الرب »
تتكرر في النبوات تكراراً ملفتاً. فتذكر في نبوة حزقيال وحدها 206 مرة، وفي نبوة
إرميا 173 مرة على الأقل، وفي نبوة ملاخي – الصغيرة – 24 مرة بالإضافة إلى 22 مرة
عبارة «يقول رب الجنود». وقد أحصى واحد جميع المترادفات التي وردت في النبوات
وتفيد أن أقوال الأنبياء هي كلام الرب نفسه فوجدها نحو 1200 مرة. كما ذكر آخر أنه
ورد 3808 تعبيراً مختلفاً يفيد أن أقوال العهد القديم هي ذات أقوال الله.

لهذا
قال الرب لإرميا « إذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فَمي تكون »
(إر15: 19). عكس ذلك كان الأنبياء الكذبة « يتكلمون برؤيا قلبهم لا من فم
الرب..
لو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي » (إر23: 16، 22).

ولهذا
أيضاً يسمي إشعياء كتب الوحي هذه التسمية الفريدة إذ يقول « فتشوا في سفر
الرب
واقرأوا » (إش34: 16). وأما دانيآل فإنه يسميه « كتاب الحق »
(دا10: 21).

وعندما
نصل إلى العهد الجديد نجده يتميز بكثرة الاقتباسات من أسفار العهد القديم؛ ففيه
نحو 284 اقتباساً من 25 سفراً من العهد القديم موزعة على 17 سفراً من العهد
الجديد. وسنجد أنه يشير إلى أسفار العهد القديم بكل احترام وتقديس، ويطلق عليها
« المكتوب » أو « الكتاب » أو « الكتب »؛ حيث ترد
هذه التسميات 50 مرة. وهذه التسميات تحمل دلالة هامة، وهي أن الكتاب المقدس كان
آنذاك مقبولاً لا بصورة عامة، بل بشكل محدد ومعروف، لا بروحه فقط بل بحرفه كذلك
(مت5: 18). لقد قُبل كما هو بين أيدينا الآن تماماً، وكان له سلطان كامل على
القلب، ويُنظَر إليه باعتبار أنه “كتاب الله”.

ويشار
إلي أقوال المزامير في العهد الجديد بصريح العبارة أنها أقوال الرب « أيها الرب..
القائل بفم داود فتاك.. » (أع4: 24،25مع مز2: 1)، كما يشار إليها
أيضاً بأنها أقوال الروح القدس « كما يقول الروح القدس: اليوم إن
سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم » (عب3: 7، 8 مع مز 95: 7، 8).
بل حتى بالنسبة للأقوال التي قالها كتبة المزامير بالوحي ويبدو في ظاهرها أنها طلب
شخصي للنقمة، يُضفي العهد الجديد عليها نوراً، مؤكداً أنها أقوال الروح القدس
(أع1: 16-20مع مز69: 25، 109: 8). ونفس الأمر أيضاً مع أقوال الأنبياء
حيث يشار إليها بأنها أقوال الروح القدس « حسناً كلم الروح القدس
آباءنا بإشعياء النبي» (أع28: 25-27، إش 6: 9،10). « ويشهد لنا الروح
القدس
أيضاً » (عب10: 15-17، إر31: 33،34).

ثم
نلاحظ أن الاقتباسات تستخدم صيغة المضارع لا الماضي، مما يؤكد أن الكتاب المقدس هو
كلمة الله، وأنه لا زال يحمل معه السلطان حتى اليوم. فنقرأ « كيف يدعوه داود
بالروح رباً » (مت22: 43)؛ وليس كيف دعاه، كما يقول المسيح عن أسفار الوحي
« هي التي تشهد لى »؛ وليس شهدت لي (يو5: 39)، ويقول الرسول بولس
« ماذا يقول الكتاب » (رو4: 3)؛ وليس ماذا قال، أنظر أيضاً
أعمال2: 25، 7: 48،49، رو9: 25،10: 11، عب3: 7،13، 4: 7..الخ.

والجميل
حقاً أن الرسول بولس لا يستخدم فقط هذا التعبير الملفت بدلالته « يقول
الكتاب »، بل إنه أيضاً يستخدم تعبيراً أكثر دلالة « والكتاب إذ سبق فرأى
أن الله بالإيمان يبرر.. » (غل3: 8)! نعم، الكتاب يقول، والكتاب رأى، والكتاب
أيضاً أغلق (غل3: 22)!!

ثم
لاحظ أيضاً القول « أما قرأتم ما قيل لكم » (وليس ما قيل للآباء)
(مت22: 31،32)، وأيضاً « حسناً تنبأ عنكم » (مت15: 7)، وأيضاً
« إنه من أجلنا مكتوب » (1كو9: 9،10)، وأيضاً « يشهد لنا
الروح القدس » (عب10: 15،16)، وأيضاً « نسيتم الوعظ الذي يخاطبكم
كبنين » (عب12: 5،6)، وأيضاً « هذه الأمور.. كُتِبت لإنذارنا »
(1كو10: 11). كل هذا يؤكد أن الكتاب المقدس هو كتاب حي، لأنه كتاب الله الحي!

 

ثانيا: شهادة الرسل -أواني الوحي ومؤسسي الكنيسة- عن كلمة الله

لقد
صدق الرسل على وحي أسفار العهد القديم باقتباساتهم المتنوعة والكثيرة منها في
كتاباتهم، والتي بلغت (إذا أضفت إليها أيضاً الإشارات) زهاء الخمسمائة، وشملت كل
أسفار العهد القديم تقريباً.

فعظة
الرسول بطرس يوم الخمسين والتي تتكون من 23 آية، نجد أن فيها 12 آية (أكثر من
النصف) اقتباسات من العهد القديم. وكذلك الرسول بولس في بيسيدية كانت عظته تتكون
من 26 آية، اقتبس 15 آية من العهد القديم.

لقد
كانت عادة الرسول بولس فى كرازته أن يتحدث دائماً من الكتب (أع17: 2). لكن ليس فقط
فى عظاته بل أيضاً في حياته اليومية كان للمكتوب مكان عظيم. فأمام السنهدريم لما
قيل لبولس « أتشتم رئيس كهنة الله؟» ماذا كان رد الفعل عنده؟ لقد سحب قوله
على الفور معتذراً بالقول « لم أكن أعرف أيها الإخوة أنه رئيس كهنة لأنه
مكتوب
رئيس شعبك لا تقل فيه سوءاً» (أع23: 4، 5) فورود نص صريح في كلمة
الله عن هذا الأمر (خر22: 28) لم يدع أمام بولس مجالاً للاختيار؛ إنها كلمات الله،
فكيف يتعداها. ثم بعد ذلك في أعمال 24: 14 يوضح أنه مؤمن بكل ما هو مكتوب في
الناموس والأنبياء. وفي أعمال 26: 22 يؤكد أنه لا يتكلم شيئاً إلا ما قاله
الأنبياء وموسى. وبعدها مباشرة قال لفستوس إنه تكلم بكلمات الصدق والصحو، ثم تحول
إلى الملك أغريباس سائلاً إياه « أتؤمن أيها الملك أغريباس
بالأنبياء؟ ».

ومرة
ثانية نلتقي بهذه الكلمة « كما هو مكتوب » بصدد اقتباس بولس من مزمور
14. والحقيقة لو أن هناك جزءاً في الكتاب المقدس يمكن اعتباره أقوالاً بشرية لا
أكثر، فهو سفر المزامير والأمثال. لكن الإشارة إليه بالقول « كما هو
مكتوب » يمنعنا من الوقوع في هذا الخطأ. وبولس استناداً على آية واحدة في هذا
المزمور، أمكنه أن يضع كل العالم مذنباً أمام الله (رو3: 10-12)، تماماً كما أمكنه
أن ينحي كل النظام اليهودي جانباً استناداً على آية واحدة من النبوات (عب8: 13مع
إر31: 31).

ثم
لاحظ كيف يمتدح كاتب سفر الأعمال أهل بيرية ويعتبرهم شرفاء، ليس لأنهم صدقوا كلام
بولس في الحال عندما سمعوه، بل لأنهم فحصوا أقواله على ضوء الكتب « هل هذه
الأمور هكذا؟ » (أع17: 11)، فكانت الكتب المقدسة هي السلطة الأعلى بالنسبة
لهم، وكان حكمها نهائياً.

وبالمثل
امتدح الرسول بولس ابنه تيموثاوس لأنه كان منذ الطفولية يعرف أسفار العهد القديم
التي يسميها « الكتب المقدسة القادرة أن (تحكمه) للخلاص »، ثم يضيف بعد
ذلك قائلاً بصريح العبارة أن « كل الكتاب (أو بالحري كل « كتاب »
من الأسفار المقدسة) هو موحى به من الله »، كما يقول أيضاً إن أسفار الكتاب
المقدس تجعل الإنسان كاملاً (2تي 3: 15-17). هل سمعت عن أية كتابات بشرية قال
عنها كاتبوها إن من يقرأها يصبح كاملاً؟!

والرسول
بولس يشير صراحة إلى أن أقواله هي وحي الله (انظر 1كو11: 23،15: 3، 1تس4: 15،
1تى4: 1). ولقد وضع ختم الوحي الإلهي على ما كتبه هو بالروح القدس في قوله
« أم منكم خرجت كلمة الله؟ أم إليكم وحدكم انتهت؟ إن كان أحد يحسب نفسه نبياً
أو روحياً فليعلم ما أكتبه إليكم أنه وصايا الرب » ثم يردف محذراً
« ولكن إن يجهل أحد فليجهل » (1كو 14: 36-38) – أي يتحمل نتيجة
رفضه لكلمة الله. فكلمة الله كافية للشهادة عن نفسها.

وهكذا
بطرس أيضاً وضع الختم الإلهي على أقواله بالوحي عندما قال « أما كلمة الرب
فتثبت إلى الأبد » ثم يضيف قائلاً « وهذه هي الكلمة التي بُشِرتم
بها » (1بط 1: 25).

أما
الرسول يوحنا فيقول في رسالته « نحن من الله (مشيراً إلى الرسل والأنبياء
الملهمين من الله لتعليم الكنيسة) فمن يعرف الله (أي كل مؤمن حقيقي) يسمع لنا، ومن
ليس من الله لا يسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال »
(1 يو 4: 6).

ونلاحظ
أن بولس وضع كتابات العهد القديم فى نفس مستوى التقديس مع كتابات العهد الجديد
عندما قال في 1 تيموثاوس 5: 18 _« لأن الكتاب يقول » ثم أتى
باقتباسين؛ أحدهما من العهد القديم، من التثنية 25: 4 « لا تكُم ثوراً
دارساً » والثاني من العهد الجديد، من لوقا 10: 7 « والفاعل مستحق
أجرته ».

كذلك
فعل بطرس أيضاً إذ وضع كتابات العهد القديم والعهد الجديد معاً في نفس المستوى إذ
قال « تذكروا الأقوال التي قالها سابقاً الأنبياء القديسون (أى كتبة العهد
القديم) ووصيتنا نحن الرسل (الموجودة في كتابات العهد الجديد) – ثم يضيف، لإعطائها
قدسية وكرامة – وصية الرب والمخلص» (2بط 3: 2).

وبطرس
يقرر أن من يُسيء تفسير (رسائل بولس) أو (باقي الكتب) أي أسفار الوحي، فإنه يعمل
على هلاك نفسه (2 بط 3: 15، 16) وواضح أنه ما كان ممكناً أن يقال
هكذا عن تلك الرسائل والأسفار لو لم تكن هي أقوال الله.

 

ثالثا: شهادة الرب يسوع عن وحي الكتاب

دعنا
أولاً وقبل ذكر شهادة الرب عن وحي الكتاب نرى قيمة وعظمة شهادته. ففي مرقس 13: 32
نقرأ « وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة
الذين في السماء، ولا الابن إلا الآب» في هذه الآية نجد ثلاث درجات متصاعدة في
المعرفة: معرفة أو علم الناس، ثم علم الملائكة، وأخيراً علم الابن. فما لا يعرفه
الناس جميعاً قد تعرفه الملائكة. لكن هذه الساعة لا تعرفها الملائكة أيضاً،
ولذا ينتقل الرب إلى مستوى أعلى في المعرفة، وهو مستوى الابن. وهكذا إذ نتخطى جميع
البشر فإننا نصل إلى الملائكة في سمو معرفتهم، ثم إذ نتجاوز الملائكة جميعاً فإننا
نصل إلى الابن وعلمه الأسمى. فحتى في إنجيل مرقس الذي يحدثنا عن المسيح الذي أخلى
نفسه، آخذاً صورة عبد، فإنه في معرفته أسمى بكثير من البشر جميعاً ومن الملائكة
أيضاً. أما في إنجيل يوحنا، إنجيل ابن الله الأزلي، فنقرأ كلمات المسيح العجيبة عن
كمال معرفته ومساواتها بمعرفة الآب، إذ يقول « الحق الحق أقول لك إننا إنما
نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا » (يو3: 11).

والآن
تُرى ما هي شهادة المسيح عن أسفار الكتاب المقدس؟ لقد كانت أحداث الكتاب المقدس
بالنسبة للمسيح تاريخاً مقدساً، لا خرافات أو أساطير الأقدمين كما يقول بعض
اللاهوتيين الكفرة اليوم.

فلقد
أشار الرب إلى خلق آدم وحواء (مت19: 4،5)، وقتل هابيل (لو11: 51)، ونوح والطوفان
والفلك (مت24: 37)، وإبراهيم وإيمانه (يو8: 56)، والختان وإعطائه للآباء (يو7:
22،23)، وهلاك سدوم وإنقاذ لوط وهلاك امرأته (لو17: 29،32)، واسحق ويعقوب كشخصين
حقيقيين (لو20: 37)، ودعوة موسى (مر12: 26)، والناموس وإعطائه لموسى، وسماح
الناموس بالطلاق، وكذا تطهير الأبرص (يو7: 19، مت19: 8، 8: 4)، والوصايا
العشر (مت19: 18)، والمن (يو6: 31-51)، والحية النحاسية (يو3: 14)، وحادثة أكل
داود من خبز التقدمة (مت12: 3)، وملكة سبا (مت12: 42) وحكمة سليمان ومجده (مت 12:
42، 6: 29)، وإيليا وأرملة صرفة صيدا (لو4: 26)، وإليشع ونعمان السرياني (لو4:
26)، ويونان النبي وابتلاع الحوت له، وأهل نينوى (مت 12: 40،41) وشر سكان صور
وصيداء والدينونة التي وقعت عليهم (مت11: 21)، وموت زكريا بن يهوياداع بين المذبح
والهيكل (لو11: 51)، ونبوة دانيآل (مت 24: 15). ونحن نعرف أن الكثير من هذه
الحوادث ينظر إليها أصحاب النقد الأعلى على اعتبار أنها مجرد خرافات (مثل قصة الخلق
والطوفان ويونان).

ثم
إن الرب له المجد – بخلاف ما نادى به أصحاب النقد الأعلى – أشار إلى الكثير من
أسفار العهد القديم، ونسبها إلى كاتبيها. فأشار إلى التوراة وإلى أن كاتبها هو
موسى (مت 8: 4، مر 10: 3، لو 24: 44، يو 7: 19..الخ). كما أشار إلى
ما قاله داود في المزامير (مت 22: 43-45 مع مز 110: 1) وإلى ما تنبأ به
إشعياء (مر 7: 6-9 مع إش 29: 13)، وإلى ما تكلم به دانيآل النبي (مت 24: 15 مع دا
9: 27، 12: 11). تُرى أيتجاسر هؤلاء الناقدون فيدّعون أنهم يعرفون أكثر من
الرب يسوع! وإن قالوا إن الرب كان يتمشى مع العرف الجاري والتقليد، نقول لهم أكان
الرب حقاً يبالي بأفكار الناس؟ ألم يكرهه البشر لأنه لم يجامل أحداً قط، ولأن كل
خضوعه كان لله ولكلمته؟! ما أكثر ما هاجم اليهود على تمسكهم بالتقاليد
والطقوس، وفهمهم الخاطئ للناموس، ونظرتهم السطحية للطهارة الخارجية، وتمسكهم المنحرف
بالسبت، ونظرتهم الخاطئة للملكوت، بل وللمسيا نفسه. فلو كان عند الرب رأي مخالف عن
وحي أسفار العهد القديم الكامل لكان هاجم تلك الأسفار بكل وضوح وشجاعة، تماماً كما
هاجم تقاليد الشيوخ. لكن هذا لم يحدث قط، بل العكس هو الصحيح. ثم أن المسيح حتى
بعد القيامة، وفي أحاديثه الخاصة مع تلاميذه أشار إلى ما قاله موسى (لو 24: 44)
فمن كان يجامل وقتها؟! كلا، بل إن الرب باقتباساته هذه قد وضع ختم المصادقة على
صحة أقوالهم، وعلى صحة نسبتها إليهم.

والمسيح
لم ينسب هذه الأقوال لكاتبيها البشريين فحسب، بل نسبها لله نفسه. فالله هو الذي
تكلم بها (مت22: 31،32 و15: 4)، وهى وصايا الله (مت15: 3،6)، وقد قالها الأنبياء
بالروح (مت22: 43). وكثيراً ما كان الرب له المجد يحيل سامعيه إلى الكتب مبرزاً
قيمة قراءتها كقوله « أما قرأتم قط فى الكتب؟» (مت 21: 42، 19: 4)، وفى
مكان آخر « قال لهم أليس لهذا تضلون إذ لا تعرفون الكتب!» (مر 12:
24). فلو لم تكن هذه الكتب هى كلمة الله لما أمكنها أن تحفظنا من الضلال. بل وأكثر
من ذلك قال الرب لليهود « فتشوا الكتب لأنكم تظنون (أو تقولون) أن لكم
فيها حياة أبدية
وهي التي تشهد لي » (يو 5: 39).

والرب
لم يدعها فقط الكتب، بل أيضاً « الكتاب »، مبرزاً وحدتها (يو 7:
38، 17: 12، 19: 28). ومن أحلى هذه المرات، المرة التي وردت بالارتباط بالصليب
« فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان ». إننا نقول بكل احترام إن المسيح لم
ينزل من السماء لكي يتمم كلام الناس بل كلام الله.

وهل
لاحظت المركز الذي أعطاه الرب لهذه الكلمة بحكم كونها مكتوبة فى كتاب، اذ أعطى
الرب لها السلطان الأسمى عندما قال لليهود « إن كنتم لستم تصدقون كتب
(موسى) فكيف تصدقون كلامي؟» (يو 5: 47). والرب عندما اقتبس آية من مزمور 82
فقد شهد أن هذه هي « كلمة الله» ثم أضاف هذا القول القاطع الثمين « ولا
يمكن أن ينقض المكتوب 
» (يو 10: 35). فأقوال مَنْ التي يستحيل نقضها؟
أقوال البشر أم أقوال الله؟

وفي
موعظته الشهيرة من فوق الجبل قال « الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض
لا يزول حرف واحد ولا نقطة واحدة من الناموس » (مت5: 18). وفي قصة الغنى ولعازر
أوضح الرب أن من لا يؤمن بما تقوله أسفار العهد القديم، لن تنفع معه أعظم المعجزات
« ولا إن قام واحد من الأموات » (لو16: 29-31).

ثم
أخيراً نقول إن الرب أثناء تجربته من الشيطان (مت 4، لو 4) قد ألقى بنفسه على
الكلمة واقتبس منها ثلاث مرات، مبتدئاً كل اقتباس بالقول « مكتوب »، فهو
لم يجب إجابة واحدة من عنده، ولا قرر أمراً جديداً، فكل الأمور مقررة فعلاً ومدونة
في الكتاب. أليس اتخاذ الرب هذا الأسلوب وهو منقاد بالروح دليلاً على سمو الكتاب؟!
ثم هل كان ممكناً أن يخاف الشيطان – وهو أقوى من البشر- من أقوال بشرية؟ أليس
انهزامه أمامها دليلاً على أنها أقوال الله؟!

أما
بالنسبة لأسفار العهد الجديد فواضح أن الرب لم يُشِر إليها إشارات مباشرة إذ لم
تكن قد كُتبت بعد، لكنه أشار إليها ضمناً في صلاته لأبيه (يو 17: 6، 8، 14،
17، 20) وكذا في خطابه الوداعي للتلاميذ وهو يعدهم بإرسال الروح القدس.

فعندما
قال المسيح لتلاميذه « وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي فهو
يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم » (يو 14: 26)، فلقد تمت هذه
في الأناجيل الأربعة حيث استطاع البشيرون بعد سنوات كثيرة أن يقوموا بعملهم
المذهل؛ تسجيل المشاهد الهامة في حياة المسيح، وتسجيل ذات العبارات التي نطق بها،
حتى تلك التي لم تُفهَم في وقتها، وبالتالي ما كان أسهل نسيانها (يو 2: 18-22)،
وكذا اختيار الأحداث ذات الدلالة، وتسجيلها لبركة الأجيال المتعاقبة (يو20: 30،
31)، مع ذكر كل الحوادث وملابساتها بكل دقة.

وعندما
قال المسيح أيضاً «إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن
تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذلك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق »
(يو 16: 12، 13)، فلقد تمت هذه في الرسائل التي قدمت لنا الإعلان الكامل للحق
الخاص بالوضع الجديد الحالي، الذيعبر عنه بولس بالقول « تتميم كلمة
الله » (كو 1: 25).

وأخيراً
عندما قال المسيح عن الروح القدس إنه «يخبركم بأمور آتية» (يو 16: 13)
فقد تمت جزئياً في بعض الرسائل، لكن بالأكثر في سفر الرؤيا.

 

بعد
هذه الشهادات الواضحة والصريحة من الكتاب عن نفسه، لا يبقى أمامك سوى اختيار حاسم.
فإذا رفضت الاعتراف بأن الكتاب المقدس هو كلام الله فإنك بكل يقين تعتبره كاذباً،
وبالتالي أبعد كل الكتب عن الانتساب إلى الله!

لكن
أيمكن حقاً أن يكون كاذباً ومزوَّراً؟؟ فكيف إذاً أنتج في البشر أنبل الصفات وأروع
الفضائل؟ إن المياه لا تقدر أن تسمو فوق مصدرها، فكيف لكتاب هو أكذوبة أن ينشئ عنه
الصدق والتقوى؟ هذا هو المستحيل بعينه.

فكر
جيداً يا صديقي قبل قرارك الذي ستتخذه عن هذا الكتاب. فعلى أساس قرارك هذا ستتحدد
أيضاً علاقتك مع الله وبالتالي مصيرك الأبدي.

أما
أنا فأشكر الله على إيماني بالكتاب المقدس مرساتي الأمينة. هذا الكتاب الذي قال
عنه “هاينريش هايني” أحد مشاهير الشعراء الألمان «ياله من كتاب عظيم.
فإنه كبير كالعالم ومتسع كالكون. أساساته في عمق أعماق قلب الخليقة، وأعاليه في
قبة السماء الزرقاء. الشروق والغروب، الوعود والتتميم، الولادة والموت؛ بالإجمال
كل أحداث حياة الإنسان فيه، واحتجابه يعنى عودة الخليقة إلى الفوضى، وانقراضه
تأبين للتاريخ، فحقاً هو كلام الله لأن سموه سمو وحي الله، وأما كل كتاب آخر سواه
فهو بدرجة عقول البشر».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار