المسيحية

القسم الثاني من سورة النساء



القسم الثاني من سورة النساء

القسم
الثاني من سورة النساء

في
القسم الثاني من سورة النساء يحدد القرآن موقفه صراحة من اليهود (149 – 161) ومن
“الناس” العرب المشركين (162 – 169) ومن النصاري (170 – 172).

أولاً:
حملة القرآن على اليهود لكفرهم بالمسيح وأمه: النساء 149 – 161.

النوع
الأول من أباطيلهم: ايمانهم ببعض الأنبياء دون البعض: آمنوا بموسى والتوراة وكفروا
بعيسى والانجيل (الرازي).

149[1] – إن الذين يكفرون بالله
ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون
أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً:

 

150
اولئك هم الكافرون حقاً. واعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً.

 

151
والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم اولئك سوف يؤتيهم اجورهم وكان
الله غفوراً رحيماً.

 

النوع
الثاني من اباطيلهم وجهالاتهم:

152
قالوا: ارنا الله جهرة..ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم الوأن الذين اختلفوا فيه
لفي شك منه. ما لهم به من علم إلا اتباع الظن 153 ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم.

154
فيما نقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الانبياء بغير حق، وقولهم: “قلوبنا
غلف” – بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً.

155
وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً.

156
وقولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم.

وما
قتلوه! وما صلبوه! ولكن شبه لهم.[2]

وإن
الذين اختلفوا فيه لفي شك منه. ما لهم به من علم الا اتباع الظن.

157
وما قتلوه يقيناً! بل رفعه الله إليه. وكان الله عزيزاً حكيماً.[3]

158
وإن من أهل الكتاب ألا ليؤمنن به قبل موته. ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً”.

في
هذا المقطع يحمل القرآن حملة شعواء على كفر اليهود بالمسيح وأمه. فيعدد لهم صنفين
من مظالمهم: أولاً بطلان إيمانهم ببعض الأنبياء دون بعض، ثانياً كفرانهم بمعجزات
الله بطلبهم رؤية الله جهرة واتخاذهم العجل إلهاً يوم العهد يرفع الطور فوقهم.

ثم
يعدد خمساً من جرائمهم: نقض العهد، وكفرهم بآيات الله ومعجزاته، وقتلهم الأنبياء
وقولهم “قلوبنا غٌلف” ليست بحاجة إلى وحي، وقولهم على مريم بهتاناً
عظيماً، وقولهم: إنا قتلنا المسيح. ويرد على مقالتهم بقتل المسيح أن محاولتهم فشلت
بمعجزة من الله: ألا وهي رفع المسيح إلى السماء.

وظاهر
الآية 156 ينفي قتل المسيح وصلبه. فهل هذا صحيح؟ وهل يتفق مع أقواله عن موت عيسى
في سورة مريم وعن وفاته في آل عمران وفي المائدة؟ سنرى ذلك في غير موضع.

ويختم
بالوعيد لليهود أنهم لابد لهم من الإيمان بالمسيح: “وما من اليهود أحد لا
ليؤمنن قبل موته بعيسى” (الزمخشري).

 

ثانياً:
موقف القرآن “من الناس” المشككين بنبوته” النساء 162 – 169.

جاء
في أسباب النزول للسيوطي” روى ابن اسحاق عن ابن عباس قال: قال عدي بن زيد: ما
نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء، فنزلت:

162
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى ابراهيم
واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود
زبوراً.

163
ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك. وكلم الله موسى تكليماً.

164
رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وكان الله عزيزاً
حكيماً.

165
لكن الله يشهد بما أنزل إليك – أنزله بعلمه – والملائكة يشهدون. وكفى بالله شهيداً.

 

169
يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم. وان تكفروا فإن
الله ما في السماوات والأرض، وكان الله عليماً حكيماً”.

 

نرجح
أن الخطاب للناس عامة (169) جواباً على المشككين بنبوة محمد: عن كيفية الوحي إليه
(162 – 164)، وعن صحة هذا الوحي (165) مع دعوة عامة لقبوله (169).

هنا
يظهر عيسى حلقة من سلسلة أنبياء الوحي: يعدد القرآن منهم اثني عشر سوى موسى، وتسميتهم
كما تلاحظ لا تتبع التاريخ المتسلسل. ويظهر أن هذا النص ما وضع هنا الا ليخفف من
سمو ما اختص به عيسى من الكرامات في رفعه (156) كما ورد في المقطع السابق، وفي
ألقابه كما يصرح في المقطع التالي (170).

 

ثالثاً:
تحذير النصارى من الغلو في اكرام المسيح وأمه: النساء 170 – 173.

“اعلم
أنه لما أجاب عن شبهات اليهود تكلم بعد ذلك عن النصارى في هذه الآية. والتقدير يا
أهل الكتاب من النصارى لا تغلوا في دينكم أي لا تفرطوا فيل تعظيم المسيح: وذلك
لأنه لما حكى عن اليهود أنهم يبالغون في الطعن في المسيح، وهؤلاء النصارى يبالغون
في تعظيمه، وكلا طرفي قصدهم ذميم، فلهذا قال للنصارى لا تغلوا في دينكم”
(الرازي).

 

170
يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم! ولا تقولوا على الله إلا الحق!

 

انما
المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته – القاها إلى مريم – وروح منه.

فآمنوا
بالله ورسله. ولا تقولوا: “ثلاثة”!

انتهوا!
خيراً لكم: إنما الله اله واحد. سبحانه أن يكون له ولد!

له
ما في السماوات وما في الأرض! وكفى بالله وكيلاً!

 

171
لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله – ولا الملائكة المقربون – ومن يستنكف عن
عبادته ويستكبر، فيحشرهٌٌمٌ إليه جميعاً.

 

172
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم. ويزيدهم من فضله. وأما الذين
استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً. ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا
نصيراً.

في
هذا النص الجوهري يحذر القرآن النصارى من “الغلو” في تعظيم المسيح
وتكريمه – مستطرداً إلى تعظيم الملائكة المقربين – ولكن لا يسمى هذا الغلو شركاً
أو كفراً.

ويعطى
عن عيسى ابن مريم هذا التعريف الجميل: أنه مسيح الله! ورسول الله! وكلمة الله!
وروح الله! وهذه الألقاب لا يصف بها أحداً من الأنبياء وسائر المخلوقين.

ويقول
هنا أنه كلمة الله وفي آل عمران “كلمة منه” تعالى. ويقول هنا أيضاً
“روح منه” تعالى. فالمسيح كلمة الله وكلمة من الله. وروح الله وروح منه
تعالى. والتعبير “من” يعني المصدرالذي صدر منه المسيح بدون واسطة مخلوقة
أياً كانت كما يقول البيضاوي. وفي ترادف اللقبين “كلمة وروح” تفسير لهما
وتعريف بهما.

ولكن
هذه النعوت السامية لا تجعل المسيح “ولداً” لله فإنما الله إله واحد
سبحانه أن يكون له ولد بل كل ما في السماوات والأرض ملك له وعبيد. وكفى الله
والمسيح ومريم متوهمين ومُوهمين “أن المسيح ومريم إلهان من دون الله”.
لا يُستنتج من هذا النص أنه يعني حتماً تثليث الله أو تثليث الآلهة: وسيأتي ذلك في
سورة المائدة.

لاحظ
أن الخطاب في القرآن لأهل الكتاب من يهود الحجاز ونصارى الحجاز لا يتعداهم إلى
سواهم. فإن أتهمهم القرآن بتفريط أو بإفراط فهذا لا يعني سواهم من يهود العالم
ونصارى العالم. فلا يجوز منا التعميم حيث قصد القرآن التخصيص.



[1] الآيات 149 – 150 “الكافرون حقاً هم الذين يؤمنون ببعض الرسل
ويكفرون ببعض (المسيح) كاليهود؛ أو يؤمنون بالله ويكفرون بالرسل كالمشركين (عن
الزمخشري).

[2] الآيات 152 – 153 يذكر لهم ثلاث جنايات فاضحات بعد بينات من المعجزات
واضحات.

الآيات
154 – 156 يذكر فيها خمسة أسباب لظلمهم (158) أو خمساً من مظالمهم ومنها قولهم على
مريم بهتاناً عظيماً بنسبتهم اياها إلى الزنى. وإنما صار هذا الطعن بهتاناً عظيماً
لأنه ظهر عند ميلاد عيسى عليه السلام من الكرامات والمعجزات ما دل على براءتها من
كل عيب (الرازي) ومنها قولهم إنا قتلنا المسيح!

آية
156 – فيها أقوال: 1) اليهود أعداء المسيح فكيف يعترفون بالقابه ورسالته “إنا
قتلنا المسيح – عيسى ابن مريم رسول الله”! “قالوه استهزاء؛ ويتحمل أن
يكون استئنافاً من الله بمدحه أو وصفاًً للذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح”
(البيضاوي والرازي) – لاحظ قولهم “إنا قتلنا المسيح”

هي
مقالة شعب برمته يؤكد ذلك بالتواتر منذ ست مئة سنة. ولا يجوز الطعن في المتواتر
وإلا لما بقى للاخبار التاريخية من مستند.

2)
“وما قتلوه! وما صلبوه! ولكن شبه لهم”: ما معنى قوله شبه لهم؟
“شبه” مسند إلى ماذا؟ أن جعلته مسنداً إلى المسيح فالمسيح مشبه به وليس
بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول (زعموا أن اليهود قتلوا آخر شبيهاً بعيسى) فالمقتول
لم يجر له ذكر! قلت هو مسند إلى الجار والمجرور “لهم كقولك خيل إليهم كأنه
قيل وقع لهم التشبيه؛ ويجوز أن يُسند إلى ضمير المقتول (الزمخشري والرازي).

وهناك
خلاف بين المفسرين: اقتل أحد بدل المسيح أم لم يقتل؟ “ولكن وقع لهم التشبيه
بين عيسى والمقتول، أو في الأمر على قول من قال “لم يٌقتل أحد” ولكن
أرجف بقتله فشاع بين الناس (البيضاوي).

أما
الذين قالوا أن ثم قتيلاً فيبررون تواتر مقالة اليهود بخلق شبه للمسيح يقتل عوضه؛
قال الرازي: “اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضوع وذكروا طرقاً: الأول، قال
كثير من المتكلمين إن اليهود لما قصدوا قتلوه رفعه الله تعالى إلى السماء فخاف
رؤساء اليهود من وقوع القتنة من عوامهم فأخذوا إنساناً وقتلوه وصلبوه ولبسوا على
الناس أنه المسيح. الثاني، أنه تعالى القى شبهه على إنسان آخر، ثم فيه وجوه: 1 دخل
طيطاوس اليهودي بيتاً كان المسيح فيه فلم يجده وألقى الله عليه شبهه فلما خرج ظن
أنه عيسى فأخذ وصلب؛ 2 وكلوا بعيسى رجلاً يحرسه فرفع عيسى إلى السماء وألقى الله
شبهه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول لست بعيسى؛ 3 تطوع أحد أصحابه فألقى اللع شبه
عيسى عليه فأخرج وقتل، ورفع عيسى؛ 4 نافق أحد تابعيه ودلهم على عيسى ليقتلوه فلما
دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله تعالى شبهه

 

 

 

 

عليه
فقتل وصلب. – وهذه الوجوه متعارضة متدافعة والله اعلم بحقائق الأمور”.

وقال
أيضاً (في آل عمران): فكيفما كان ففي القاء شبهه على الغير اشكالات (الاشكال
الأول) أنه ان جاز أن يقال أن الله تعالى يلقى شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح
باب السفسطة وأيضاً يقضي إلى القدح في التواتر: ففتح هذا الباب وله سفسطة وآخره
أبطال النبؤات بالكلية؛ (والاشكال الثاني) أن الله أيده بروح القدس جبريل فهل عجز
هنا عن تأييده؛ وهو كان قادراً على احياء الموتى فهل عجز عن حماية نفسه؛ (والاشكال
الثالث) أنه تعالى كان قادراً على تخليصه برفعه إلى السماء فما الفائدة في القاء
شبهه على غيره وهل فيه الا القاء مسكيي في القتل من غير فائدة إليه؛ (والاشكال الرابع)
بإلقاء الشبه على غيره اعتقدوا (اليهود) أن هذا الغير هو عيسى مع أنه ما كان عيسى
فهذا كان القاء لهم في الجهل والتلبيس وهذا لا يليق بحكمة الله؛ (والاشكال الخامس)
أن النصارى (واليهود) على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح
وغلوهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما
ثبت بالتواتر والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء؛
(والاشكال السادس) إلا يقدر المشبوه به أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسى، والمتواتر
أنه فعل. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من ذلك علمنا
أن الأمر ليس على ما ذكرتم”. ويحاول أن يذكر الجواب على تلك الاشكالات ويختم
قوله “وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض
الوجوه” – لذلك يجب رفض خرافة الشبه الشائعة بين المسلمين. ورفضها لا يغير من
موقف القرآن ومقالته شيئاً. وبقى قول.

[3] من قال: لم يقتل أحد ولكن أرجف بقتله فشاع بين
الناس، وإليه يميل الرازي والبيضاوي. وعليه نجيب كيف يمكن نقض مقالة اليهود
والنصارى العامة المتواترة مدة ست مئة سنة قبل سورة النساء!

فقوله
“شبه لهم” لا يمكن أن يٌسند نصاً إلى المسيح أو إلى المقتول المزعوم كما
يشهد الرازي والزمخشري. بقى أن معناه “خيل إليهم الأمر” أو “وقع
لهم التشبيه في الأمر” أي اشتبه عليهم الأمر ويفسره ما يرد بعده، كما يفسره
الزمخشري والرازي.

3)
“وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه” لفي تردد، وكما أن الشك يطلق على ما
لا يٌرجح أحد طرفيه يطلق أيضاً على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم ولذلك أكده
بقوله “ما لهم به من علم الا اتباع الظن”. ثم من هو فاعل
“اختلفوا”؟ قالوا أنهم النصاري اتفقوا على أن اليهود قتلوا المسيح،
واختلفت النسطورية والملكانية واليعقوبية في كيفية وقوع القتل على الناسوت دون
اللاهوت، وقالوا أيضاً أن المراد بالذين اختلفوا هم اليهود” (الرازي) – ونقول
ليس من محل لذكر النصارى في النص كله. بل الكلام كله في الآية والمقطع عن اليهود.

آية
157 – 4) “وما قتلوه يقيناً” قتلاً يقيناً أو متيقنين (الزمخشري والبيضاوي)
أو يجعل يقيناً تأكيداً لقوله وما قتلوه (الزمخشري).

5)
“بل رفعه الله إليه”: رد وانكار لقتله وإثبات لرفعه (البيضاوي)
“ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء ثابت بهذه الآية. ونظير هذه الآية قوله في
آل عمران: أني متوفيك ورافعك إلي”. ودل ذلك على أن رفعه إليه أعظم في باب
الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية. وهذه الآية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار