مقالات

القديس الأنبا ابرآم أسقف الفيوم و الجيزة

فضائلة ومواهبة

1– صلواته :

كان القديس الأنبا ابرآم رجل صلاة بالحقيقة فقد أحب الصلاة من كل قلبه فحفظ المزامير فى طفولته وكرس عمره لحياة الصلاة وتمجيد الله وكانت الصلاة عنده تمتع بالأحضان الأبوية الإلهيه كما يقول القديس مار اسحق السريانى ” أحب الصلاة كل حين لكى يستنير قلبك بالله” وكان يقضى الليل كله فى السهر مواظباً على صلاة نصف الليل فى مخدعة يومياً حتى قال عنه الآب دروثيئوس ” الله شاهدى أننى لم أرى هذا الإنسان ممدداً رجليه وراقداً كما يفعل الإنسان ولم ينم على حصير من سعف النخل أو غيرة بل تعود أن يعمل طول الليل فى خياطة السلال ليعول نفسه بالخبز والطعام اليومى الذى يلزمه وبينما كان يعمل بيديه كان يغلبه النعاس فيغلق عينيه كما هو وكنت أرجوه من وقت لآخر أن يستلقى على حصيرة ليستريح قليلاً فكان يجيبنى إذا استطعت أن تقنع الملائكة أن تنام تستطيع أيضاً أن تقنعنى بذلك”

وقد أتقن القديس بالروح القدس الثبات فى الصلاة فلم يكن يقطع صلاته أو حتى يضطرب مما حدث فكان يشعر بالحضرة الإلهية ولا يوجد شئ يجعله يلتفت حوله حتى فى شيخوخته كان مستمر فى صلاته بقوة لا تعرف الكلل بقوة الروح القدس الذي يجدد مثل النسر شبابه… وبلغ القديس درجات عالية فى الروحانية وفى حياة الصلاة المملوءة بالأسرار ولقد صار من الآباء السواح ولم يكن القديس يتحدث مطلقاً عن هذه الأمور نظراً لإتضاعه وهروبه من المجد الباطل ولعدم قدرته على التعبير عما رآه… وكانت صلواته ذو فاعليه فى استجابتها حتى قيل عنه انه لم يضع صليبه على رأس أحد إلا وهبطت الاستجابة سريعاً.. لقد اتقن أيضاً الجمع بين حياة الصلاة والخدمة حتى سلم جميع شعب إيبارشيته روح الصلاة.

2- حياتة بحسب الإنجيل :

قاد الروح القدس القديس الأنبا ابرآم إلى أعماق كلمة الله لكى يتغذى ويشبع بها ويستنير قلبه ويفيض على الآخرين من غنى الروح وظهر ذلك فى محبته للكتاب المقدس حباً شديداً وقال عن المؤرخ الألمانى F.A. Meinardus Otto أنه كان يحفظ نصوص الكتاب المقدس غيباً وليس فقط يحفظها لكن يعيش بوصايا الله وكان يقدس الوصية جداً فعاش بالصلاة الدائمة وفى جهاد مستمر وظهرت محبته للجميع بلا تمييز بين مسيحى أو أممى ولا بين غنى وفقير وفى محبته نفذ وصية التسامح وغفر للمسيئين إليه وكان التسامح عنده هو صليب محبوب ودَرَجُ يصعد عليه إلى مجد الصليب.. وكذلك كان يتميز بإضافة الغرباء حتى دون فحص نواياهم وإضافة المرضى حتى أصبحت الأسقفية مثل بيت حسدا والملاك الذى يحرك الماء هو أسقف الإيبارشية الذى فى حب لا يعرف الكلل فكان يصلى دائماً لينال شفاء للنفوس المتألمة.. وفى حياته بحسب الإنجيل نلاحظ مداومته للتعليم وتفسير الكتاب المقدس لشعبه حتى جعل الكتاب المقدس كتاباً شخصياً يحوى رسائل من الله لكل إنسان وكان غيور على الإيمان والتعليم الأرثوذكسى.

السلام للقديس الأنبا ابرآم الذى أحب الوصايا من كل قلبه فكرمته الوصايا ورفعته إلى مرتبة القديسين.. الذى صار نوراً للعالم وملحاً للأرض وبأعماله الصالحة تمجد الأب السماوى.. الذى بحكمته قاد أولاده إلى ينابيع المعرفة الحقيقية.

3– حياته النسكية:

لقد استطاع الروح القدس أن يقدم لنا فى سيرة القديس أيقونة حية للكنيسة القبطية وهى فى أوج مجدها ككنيسة نسك فى عهد الأنبا أنطونيوس والأنبا باخوميوس وأبو مقار وغيرهم كثيرين.. لقد عاش بمبدأ الفقر الإختيارى وتجرد من كل قنية ومن أقواله المشهورة ” لا حُزنا ولا عُزنا ” لا امتلكنا شيئاً ولا صرنا فى حاجة لشئ”وقد قيل عن تركته التى تركها بعد نياحته انها لم تتعدى مرتبة بسيطة ووسادة ولحاف ودكة خشب وسرير صغير وكراسى قديمة وكنبة وغرفة للغرباء أما خزينته فقد كان بها كشوفات بمصروفات شهرية تقدم للعائلات الفقيرة وكان يعتبر أن قنية أى شئ حتى ولو كان تافهاً معطلاً لخلاص النفس.. كانت ثياب القديس الأنبا ابرآم بسيطة وبالية ورفض تماماً أن يغير ملابسه ليرتدى ثياباً فخمة لكن ثيابة البالية هذه كانت مكرمة جداً فى أعين الله فقد كانت معطرة برائحة القداسة ورائحة البخور والصلوات المرفوعة أمام الله.. حتى مبانى الأسقفية كانت فى منتهى البساطة رائحتها تدل على النسك العجيب الذى عاشه الأنبا ابرآم فكانت أشبه بمزود بيت لحم فى بساطتها فأحبها القديس وتمسك بها لأنه تذوق فيها اتضاع المزود وعشق فيها رائحة طفل المزود غير المنظور وسط قصور أورشليم…

وظهرت أيضاً حياته النسكية فى محبته للأصوام فكان طعامه الرئيسى الفول والعدس وفى أيام الفطار الجبنة القريش وخيار اخضر بلبن بلا دسم… وكان حنان قلبه تجاه المذلولين والجائعين والغرباء والعرايا هو الذى أعطى لصومه قيمته المقبولة أمام الله ولم يكن القديس الأنبا ابرآم يقمع جسده كتدريب إرادى بلا هدف بل كان أمام عينيه شهوة الطعام الباقى الذى للحياة الأبدية و لم يكسر القديس قانون صومه حتى فى الحفلات العامة..

كذلك كان يؤمن فى أعماقه انه لا يمكن الجمع بين المجد الإلهى ومجد الناس فكان يهرب من كل كرامة بشرية وعندما كان يكرم الكرامة التى تليق به كأسقف كان يعتبر هذه الكرامة لا لشخصه بل لسر الكهنوت المقدس ودرجة الأسقفية الجليلة التى إئتمنه الرب عليها وكان يرفض الركوع أمامه أو الجلوس علىكرسىعال فى الكنيسة ولم يسمح للشمامسة أن يقولوا عبارات التبجيل الخاص بالأسقف وعندما أراد قداسة البابا كيرلس الخامس أن يرقيه مطراناً رفض مكتفياً بدرجة الأسقفية ورفض أن يقرأ كتاباً عن تاريخ حياته خوفاً من الكرامة والمجد الباطل… لقد كان متضعاً جداً متجرداً من روح الرئاسة ولم يدع أحداً من الخدام لكى ينظف له مسكنه. ورغم كل هذا كان مكرماً ومهاباً فى أعين الكل حتى كان كل حكام الفيوم يهابونه لتقواه ويحترمونه احتراماً ليس له مثيل.

4– حامل الصليب :

كان القديس الأنبا ابرآم يستخدم الصليب فى كل تحركاته وأعماله وفى خدمة المذبح كان يستخدمه حسب الطقس القبطى كأحد الأوانى المقدسة ويستخدمه أيضاً فى إخراج الشياطين وحفظ بيوت اولاده من الأوبئة … أما حمل الصليب عند القديس الأنبا ابرآم فقد تعدى مستوى ارتدائه على الصدر إلى مستوى حمله كحياة.. كان حاملاً صليب الفقر الإختيارى مجاهداً فى إماتات بالغة للذات.. كان حاملاً صليب التسليم لله والتخلى عن المشيئة الذاتيه والطاعة أينما قاده الله… كان حاملاً صليب الآلام والتجارب التى سمح بها الرب منذ طفولته فقد توفيت أمه وهو فى سن الثامنة وتذوق طعم الحرمان من حنان الأم وتحمل صليب الطرد من الدير من أجل محبته وعطفه الشديد على أخوة الرب… كان حاملاً صليب التسامح محتفظاً بنقاوة قلبه تجاه مضطهديه المزدرين به.. كان حاملاً صليب الخدمة بازلاً ذاته من أجل شعبه وكانت نفسه تُسكب سكيباً أمام كل قصة حزينة تمر أمامه..

لقد تعلقت روح القديس الأنبا ابرآم بالصليب فهى العلامة التى ستظهر عند مجئ ابن الإنسان فى السماء ولهذا ظلت روحه منطبعة بطابع الصليب المقدس فهو علامة ابن الإنسان الذى أحبها ولن يفارقها.

5– حياته الكنسية:

كان القديس الأنبا ابرآم يوصى أولاده دائماً بضرورة الشركة فى قداسات الأحد والأعياد السيدية وكان يؤمن بفاعلية وقوة الروح القدس العامل فى الأسرار الإلهية.. أحب الممارسات الكنسية من أعماقه فقد كان يرى وراء كل حركة وكل طقس يد الله العاملة بقوة وجوهر المسيح المختفى فى الأسرار.. كان مجتهداً فى حفظ وحدانية الكنيسة أخذاً مواقف حازمة ممن يُسببون الشقاقات ويفرح بعودة الضالين إلى أحضان الكنيسة.. كان ملتزماً بتنفيذ قوانين الكنيسة الخاصة بالزواج والطلاق.. كان مدققاً فى اختيار الآباء الكهنة وكان دائماً يسترشد بالبابا البطريركية وهو فى الأسقفية وعندما أصدر الخديوى أمراً باستبعاد البابا كيرلس الخامس إلى دير البراموس بتحريض بعض أعضاء المجلس الملى كان القديس من أوائل الأساقفة الذين قرروا إرسال طلب تظلم من ذلك القرار وطلب رجوع البابا إلى كرسيه.

وكان مهتماً ببناء الكنائس وتعمير الأديرة وفى عهده تم بناء (11) كنيسة وتجديد (6) كنائس وأهتم بـ (5) أديرة.

6– حبيب الفقراء :

كان القديس الأنبا ابرآم يؤمن تماماً بأن كل ما يفعله بأحد أخوة المسيح الأصاغر فبالمسيح نفسه قد فعله وقبل أن يفتح يده للفقراء فتح قلبه لهم وكان يعطى كل من يسأله بدون فحص من هو مستحق ومن هو غير مستحق وكان يؤمن أن الروح القدس يدبر من يعطى وماذا يعطى ومتى يعطى ومن يأخذ ولماذا يأخذ أما هو فإنه الآنية المختارة التى يستخدمها روح الله لهذه الكرامة ولم يمتنع أن يعطى للمؤمنين وغير المؤمنين للمحتاجين أو للذين أرادوا استغلاله.. لا شك أن القديس الأنبا ابرآم يقدم درساً لهذا الجيل لكى ينفتح القلب بالمحبة وأحشاء الرأفات ببساطة ونقاوة دون أن نقوك بإجراءات وأبحاث نسكب بها نفسية الفقير والمحتاج ونشعره بالمهانة بل ونفقد بها كثير من الفرص لعمل الرحمة.. وكان واثقاً من قبول العطية عند الله سواء قُدمت لزوى الحياة الصالحة أو الطالحة فكل ما يقدم باسم المسيح هو للمسيح فعلاً بغض النظر عمن يتناوله فى يده.. وكان يعطى بسخاء من كل ما عنده ولم يدخر لنفسه شيئاً ولم يبق رصيداً للأسقفية يستند عليه فى أى من أمور المستقبل وأنتصر على ما أسماه قداسة البابا شنودة الثالث “شيطان الرصيد” ولم يكن يفحص قيمة العطية المقدمة له بل كان يعطيها لمن يسأله مؤمناً أن هذا هو ترتيب الله الذى أرسل العطية وأعدها لمن هو فى حاجة لها. وكان يعطى أولوية مطلقة لإحتياجات الفقراء على أى شئ أو مشروع آخر حتى أن ولائم الأنبا ابرآم (الاغابى)تشهد بمحبته الفائقة للفقراء والمساكين وكان يطمئن بنفسه على حالة الطعام المقدم لهم ولم يكن يسمح بأن يقدم إليه أو إلى موائد الأغنياء طعام أفخر مما يقدم للفقراء.. ودائماً يوصى الأغنياء أن يهتموا بالفقراء وكان كلما يعطى تمتلئ خزانته أكثر فأكثر وأفاض الرب عليه بالبركات والمجد السمائى الذى لا يوصف من أجل محبته للفقراء.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار