المسيحية

القتل والإرهاب فى الإسلام



القتل والإرهاب فى الإسلام

القتل
والإرهاب فى الإسلام

قصص
حقيقية من واقع كتب السيرة الإسلامة وإبن كثير
وصحيح
البخارى وصحيح مسلم

 

مقتل أبي البختري بن هشام

قال ابن إسحاق وإنما
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه وكان ممن
قام في نقض الصحيفة فلقيه المجذر بن ذياد البلوى حليف الأنصار فقال له: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن قتلك. ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة وهو
جنادة

 

في مقتل أمية بن خلف

قال ابن إسحاق وحدثني
يحيى بن عباد بن عبد
الله بن الزبير
عن أبيه وحدثنيه أيضا عبد الله ابن أبي بكر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف قال:
كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة وكان اسمي عبد عمرو فتسميت حين أسلمت: عبد الرحمن.
فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه أبوك؟ قال: فأقول:
نعم. قال فإني لا أعرف الرحمن فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به أما أنت فلا تجيبني
باسمك الأول وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: وكان إذا دعاني: يا عبد عمرو لم
أجبه قال فقلت له يا أبا علي اجعل ما شئت قال فأنت عبد الإله قال قلت نعم قال فكنت
إذا مررت به قال يا عبد الإله فأجيبه فأتحدث معه حتى إذا كان يوم بدر مررت به
وهو واقف مع ابنه علي وهو آخذ بيده قال: ومعي أدراع لي قد استلبتها فأنا أحملها
فلما رآني قال يا عبد عمرو فلم أجبه فقال يا عبد الإله فقلت نعم قال هل لك في فأنا
خير لك من هذه الأدراع التي معك؟ قال قلت نعم ها الله. قال: فطرحت الأدراع من يدي
وأخذت بيده وبيد ابنه وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجة في اللبن؟ ثم خرجت
أمشي بهما.

قال ابن إسحاق حدثني
عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال:
قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذا بأيديهما: يا عبد الإله من الرجل
منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قال قلت حمزة قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال
عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة
على الإسلام فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال قلت أي بلال
أبأسيري؟ قال لا نجوت إن نجا قال ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله رأس الكفر أمية
بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة فأنا أذب عنه. قال: فأخلف
رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط. قال قلت أنج
بنفسك ولا نجاء فوالله ما أغنى عنك شيئا. قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
قال فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالا فجعني بأدراعي وبأسيري.

وهكذا رواه
البخاري في “صحيحه” قريبا من هذا السياق فقال في الوكالة: حدثنا عبد
العزيز هو ابن عبد الله حدثنا يوسف هو ابن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال:
كاتبت
أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة فلما ذكرت
الرحمن قال: لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية. فكاتبته عبد عمرو
فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على
مجلس من الأنصار فقال: أمية بن خلف؟ لا نجوت إن نجا أمية فخرج معه فريق من الأنصار
في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه ثم أتوا حتى تبعونا
وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا قلت له: ابرك. فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه
بالسيوف من تحتي حتى قتلوه وأصاب أحدهم رجلي بسيفه. فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا
ذلك الأثر في ظهر قدمه.
 سمع يوسف
صالحا وإبراهيم أباه. تفرد به البخاري من بينهم كلهم. وفي مسند رفاعة بن رافع أنه
هو الذي قتل أمية بن خلف.

 

مقتل أبي جهل لعنه الله

قال
ابن إسحاق ولما
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى وكان
أول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس وعبد الله بن أبي
بكر أيضا قد حدثني ذلك قالا قال معاذ بن عمرو بن
الجموح
أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة وهم يقولون أبو الحكم
لا يخلص إليه فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته
ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت
مرضخة النوى حين يضرب بها. قال وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة
من جنبي وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني
وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها قال ابن إسحاق ثم عاش
بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته
وتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي
جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني
أنظروا إن خفي عليكم في
القتلى إلى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن
جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبته فجحش في إحدهما جحشا
لم يزل أثره به قال ابن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه قال وقد
كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني ولكزني ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال
وبماذا أخزاني؟ قال أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: قلت: لله
ولرسوله.

قال
ابن إسحاق وزعم
رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي
الغنم قال ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول
الله هذا رأس عدو الله فقال آلله الذي لا إله غيره؟ وكانت يمين رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله فحمد
الله. هكذا ذكر ابن
إسحاق
رحمه الله.

وقد
ثبت في “الصحيحين” من طريق يوسف بن يعقوب بن الماجشون عن صالح بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال
إني
لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار
حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم أتعرف أبا
جهل؟ فقلت نعم وما حاجتك إليه؟ قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك
فغمزني الآخر فقال لي أيضا مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس
فقلت ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه
ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله قال كل منهما أنا
قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قالا لا قال فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في
السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والآخر معاذ بن
عفراء
 

وقال
البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال قال عبد
الرحمن: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري
فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم
أرني أبا جهل فقلت يا بن أخي ما تصنع به قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت
دونه فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله قال فما سرني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت
لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء.
 

وفي
“الصحيحين” أيضا من حديث سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
ينظر ما صنع أبو جهل قال ابن مسعود أنا يا رسول الله فانطلق فوجده قد ضربه ابنا
عفراء حتى برد قال فأخذ بلحيته قال فقلت أنت أبو جهل فقال وهو فوق رجل قتلتموه أو
قال قتله قومه
 

وعند
البخاري عن أبي أسامة عن إسماعيل عن قيس عن ابن مسعود
أنه
أتى أبا جهل فقال هل أخزاك الله فقال هل أعمد من رجل قتلتموه.
 

وقال
الأعمش عن أبي
إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة ومعه
سيف جيد ومعي سيف رديء فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى
ضعفت يده فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدائرة لنا أو علينا ألست
رويعينا بمكة قال فقتلته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت قتلت أبا جهل فقال
الله الذي لا إله إلا هو فاستحلفني ثلاث مرات ثم قام معي إليهم فدعا عليهم

وقال
الإمام أحمد: حدثنا وكيع ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله:
انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو يذب الناس عنه
بسيف له فقلت الحمد الله الذي أخزاك الله يا عدو الله قال هل هو إلا رجل قتله قومه
قال فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فندر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته
قال ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أقل من الأرض فأخبرته فقال
آلله الذي لا إله إلا هو فرددها ثلاثا قال قلت آلله الذي لا إله إلا هو. قال: فخرج
يمشي معي حتى قام عليه فقال الحمد لله الذي قد أخزاك الله يا عدو الله هذا كان
فرعون هذه الأمة
 وفي رواية أخرى قال ابن مسعود فنفلني سيفه

وقال
أبو إسحاق الفزاري عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقلت قد قتلت أبا جهل فقال آلله الذي لا إله
إلا هو فقلت آلله الذي لا إله إلا هو مرتين أو ثلاثا قال فقال النبي صلى الله عليه
وسلم الله أكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال انطلق
فأرنيه فانطلقت فأريته فقال هذا فرعون هذه الأمة
 ورواه أبو
داود والنسائي. من حديث أبي إسحاق السبيعي به.

وقال
الواقدي: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال
رحم الله
ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله
ومن قتله معهما قال الملائكة وابن مسعود قد شرك في قتله رواه البيهقي.

وقال
البيهقي: أخبرنا الحاكم أخبرنا الأصم حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير
عن عنبسة بن الأزهر عن أبي إسحاق قال: لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاثة أيمان بالله الذي لا إله إلا هو لقد
رأيته قتيلا فحلف له فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا.

ثم
روى البيهقي، من طريق أبي نعيم عن سلمة بن رجاء عن الشعثاء امرأة من بني أسد عن عبد الله بن أبي أوفى
 أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين حين بشر بالفتح وحين جيء برأس أبي جهل
 

وقال
ابن ماجه: حدثنا أبو بشر بكر بن خلف حدثنا سلمة بن رجاء قال: حدثتني شعثاء عن عبد الله بن أبي أوفى
 أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين
 

وقال
ابن أبي الدنيا حدثنا
أبي حدثنا هشيم أخبرنا خالد عن الشعبي
أن رجلا قال لرسول الله
صلى الله عليه وسلم إني مررت ببدر فرأيت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة معه
حتى يغيب في الأرض ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة

وقال
الأموي في “مغازيه”: سمعت أبي ثنا المجالد بن سعيد عن عامر قال: جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت رجلا جالسا في بدر ورجل يضرب رأسه
بعمود من حديد حتى يغيب في الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أبو جهل
وكل به ملك يفعل به كلما خرج فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة

وقال
البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال: قال
الزبير لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه وهو يكنى
أبا ذات الكرش فقال أنا أبو ذات الكرش فحملت عليه بعنزة فطعنته في عينه فمات قال
هشام فأخبرت أن الزبير قال لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتها وقد
انثنى طرفاها قال عروة فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه فلما قبض
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه فلما قبض أبو بكر
سألها إياه عمر فأعطاه إياها فلما قبض عمر أخذها ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها
فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبد الله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل
 

وقال
ابن هشام حدثني
أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي أن عمر بن الخطاب قال
لسعيد بن العاص ومر به: إني أراك كأن في نفسك شيئا أراك تظن أني قتلت أباك إني لو
قتلته لم أعتذر إليك من قتله ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة فأما أبوك
فإني مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فحدث عند وقصد له ابن عمه علي فقتله.

قال
ابن إسحاق وقاتل
عكاشة بن محصن بن حرثان الأسدي حليف بني عبد شمس يوم بدر بسيفه
حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب فقال: قاتل
بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده
طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك
السيف يسمى “العون” ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى قتله طليحة الأسدي أيام الردة وأنشد طليحة في ذلك قصيدة منها
قوله

وقد
أسلم بعد ذلك طليحة كما سيأتي بيانه.

قال
ابن إسحاق وعكاشة
هو الذي قال حين بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بسبعين ألفا يدخلون الجنة
بغير حساب ولا عذاب أدع الله أن يجعلني منهم قال
اللهم
اجعله منهم
 وهذا الحديث مخرج في الصحاح والحسان وغيرها.

قال
ابن إسحاق وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني
منا خير
فارس في العرب قالوا ومن هو يا رسول الله قال عكاشة بن محصن فقال ضرار بن الأزور
الأسدي ذاك رجل منا يا رسول الله قال ليس منكم ولكنه منا للحلف.

وقد
روى البيهقي عن الحاكم من طريق محمد بن عمر الواقدي حدثني عمر بن عثمان الجحشي عن
أبيه عن عمته قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله صلى
الله عليه وسلم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل فقاتلت به حتى هزم الله المشركين ولم
يزل عنده حتى هلك.

وقال
الواقدي: وحدثني أسامة بن زيد عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل عدة
قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله
صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال اضرب به فإذا سيف جيد
فلم يزل عنده حتى قتل

 

رده عليه السلام، عين قتادة

قال
البيهقي في “الدلائل”: أخبرنا أبو سعد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي
حدثنا أبو يعلى حدثنا يحيى الحماني ثنا عبد الرحمن بن سليمان ابن الغسيل عن عاصم
بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان
أنه أصيبت
عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته فأرادوا أن يقطعوها فسألوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال لا فدعا به فغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عينيه أصيبت وفي
رواية: فكانت أحسن عينيه وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه
لما أخبره بهذا الحديث عاصم بن

 

فصل قصة أخرى شبيهة بها

قال
البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد بن صالح أخبرنا الفضل بن محمد
الشعراني حدثنا إبراهيم بن المنذر أخبرنا عبد العزيز بن عمران حدثني رفاعة بن يحيى
عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه رفاعة بن رافع بن مالك عن أبيه قال: لما كان يوم
بدر تجمع الناس على أمية بن خلف فأقبلت إليه فنظرت إلى قطعة من درعه قد انقطعت من
تحت إبطه قال فطعنته بالسيف فيها طعنة فقطعته ورميت بسهم يوم بدر ففقئت عيني فبصق
فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء وهذا غريب من هذا
الوجه وإسناده جيد ولم يخرجوه. ورواه الطبراني من حديث إبراهيم بن المنذر.

قال
ابن هشام ونادى
أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين لم يسلم بعد فقال أين مالي يا
خبيث؟ فقال عبد الرحمن:

يعني
لم يبق إلا عدة الحرب وحصان – وهو اليعبوب – يقاتل عليه شيوخ الضلالة هذا يقوله في
حال كفره.

 

ذكر طرح رءوس الكفر في بئر بدر

قال
ابن إسحاق وحدثني
يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في
درعه فملأها فذهبوا ليخرجوه فتزايل لحمه فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب
والحجارة فلما ألقاهم في القليب وقف عليهم فقال يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم
ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا قالت فقال له أصحابه يا رسول الله أتكلم
قوما موتى فقال لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق قالت عائشة والناس يقولون لقد سمعوا
ما قلت لهم وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علموا

قال
ابن إسحاق وحدثني
حميد الطويل عن أنس
بن مالك
قال: سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله من جوف الليل
وهو يقول يا أهل القليب يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا
أبا جهل بن هشام فعدد من كان منهم في القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد
وجدت ما وعدني ربي حقا فقال المسلمون يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتنادي قوما
قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني
 وقد رواه
الإمام أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس فذكر نحوه. وهذا على شرط الشيخين.

قال
ابن إسحاق وحدثني
بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل القليب بئس عشيرة
النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني
ونصرني الناس هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا

قلت:
وهذا مما كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تتأوله من الأحاديث -كما قد جمع ما
كانت تتأوله من الأحاديث في جزء – وتعتقد أنه معارض لبعض الآيات وهذا المقام مما
كانت تعارض فيه قوله: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي
الْقُبُورِ
 وليس هو بمعارض له والصواب قول الجمهور من
الصحابة ومن بعدهم للأحاديث الدالة نصا على خلاف ما ذهبت إليه رضي الله عنها
وأرضاها.

وقال
البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذكر
عند عائشة رضي الله عنها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت
يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت وهل رحمه الله إنما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن قالت وذاك مثل قوله إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم
ما قال قال إنهم ليسمعون ما أقول وإنما قال إنهم الآن ليعلمون إنما كنت أقول لهم
حق ثم قرأت ” إنك لا تسمع الموتى ” ” وما أنت بمسمع من في القبور
” تقول حين تبوءوا مقاعدهم في النار
 

وقد
رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة به. وقد جاء التصريح بسماع الميت بعد دفنه في
غير ما حديث كما سنقرر ذلك في كتاب الجنائز من “الأحكام الكبير” إن شاء
الله.

ثم
قال البخاري: حدثني عثمان ثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر قال: وقف
النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ثم قال إنهم
الآن يسمعون ما أقول لهم وذكر لعائشة فقالت إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم
إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت ” إنك لا تسمع
الموتى ” حتى قرأت الآية
 وقد رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي أسامة
وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع كلاهما عن هشام بن عروة.

وقال
البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد سمع روح بن عبادة ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
قال: ذكر لنا أنس
بن مالك
عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث
وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر
براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته
حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا
فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل
وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها
فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
 قال قتادة
أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما وقد أخرجه بقية
الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن سعيد بن أبي عروبة.

ورواه
الإمام أحمد، عن يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال: حدث أنس بن مالك فذكر
مثله فلم يذكر أبا طلحة وهذا إسناد صحيح ولكن الأول أصح وأظ

وقال
الإمام أحمد: حدثنا عفان ثنا حماد عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ترك قتلى بدر ثلاثة أيام حتى جيفوا ثم أتاهم فقام عليهم فقال
يا أمية بن خلف يا أبا جهل بن هشام يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة هل وجدتم ما
وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا قال فسمع عمر صوته فقال يا رسول الله
أتناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون يقول الله تعالى ” إنك لا تسمع الموتى ”
فقال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا
 ورواه مسلم
عن هدبة بن خالد عن حماد
بن سلمة
به.

وقال
ابن إسحاق وقال
حسان بن ثابت

قال
ابن إسحاق ولما
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب أخذ عتبة بن ربيعة فسحب
في القليب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني في وجه أبي حذيفة بن عتبة
فإذا هو كئيب قد تغير لونه فقال يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء أو كما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا
في مصرعه ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام
فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا

وقال
البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان ثنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس:
” الذين بدلوا نعمة الله
كفرا ” قال هم والله كفار قريش قال عمرو هم قريش ومحمد نعمة الله ”
وأحلوا قومهم دار البوار ” قال النار يوم بدر

قال
ابن

وقال
الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكير وعبد الرزاق قالا: حدثنا إسرائيل عن سماك بن
حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال:
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له عليك العير ليس
دونها شيء فناداه العباس وهو في الوثاق إنه لا يصلح لك قال لم قال لأن الله وعدك
إحدى الطائفتين وقد أنجز لك ما وعدك

وقد
كانت جملة من قتل من سراة الكفار يوم بدر سبعين
هذا مع حضور ألف من الملائكة وكان قدر الله السابق فيمن بقي منهم أن سيسلم منهم
بشر كثير ولو شاء الله لسلط عليهم ملكا واحدا فأهلكهم عن آخرهم ولكن قتلوا من لا
خير فيه بالكلية وقد كان في الملائكة جبريل الذي أمره الله تعالى فاقتلع مدائن قوم
لوط وكن سبعا فيهن من الأمم والدواب والأراضي والمزروعات وما لا يعلمه إلا الله
فرفعهن حتى بلغ بهن عنان السماء على طرف جناحه ثم قلبهن منكسات وأتبعهن بالحجارة
التي سومت لهم كما ذكرنا ذلك في قصة قوم لوط كما تقدم.

وقد
شرع الله جهاد المؤمنين للكافرين وبين تعالى حكمه في ذلك فقال:
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا
أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ
مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ
الآية. وقال
تعالى:
قَاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ
وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ
اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
الآية. فكان قتل أبي جهل على يدي شاب من
الأنصار ثم بعد ذلك يوقف عليه عبد الله بن مسعود ويمسك
بلحيته ويصعد على صدره حتى قال له: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم. ثم بعد
هذا حز رأسه واحتمله حتى وضعه بين يدي رسول الله فشفى الله به قلوب المؤمنين كان
هذا أبلغ من أن تأتيه صاعقة أو أن يسقط عليه سقف منزله أو يموت حتف أنفه والله
أعلم.

وقد
ذكر ابن إسحاق فيمن
قتل يوم بدر
مع المشركين ممن كان مسلما ولكنه خرج معهم تقية منهم لأنه كان فيهم مضطهدا قد
فتنوه عن إسلامه جماعة منهم الحارث بن زمعة بن الأسود وأبو قيس بن الفاكه وأبو قيس
بن الوليد بن المغيرة وعلي بن أمية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج قال وفيهم نزل
قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ
قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ
اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَسَاءَتْ مَصِيرًا
وكان جملة الأسارى يومئذ سبعين أسيرا كما سيأتي
الكلام عليهم فيما بعد إن شاء الله منهم من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس بن عبد المطلب وابن
عمه عقيل بن أبي
طالب
ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. وقد استدل الشافعي والبخاري وغيرهما بذلك
على أنه ليس كل من ملك ذا رحم محرم يعتق عليه وعارضوا به حديث الحسن عن ابن سمرة
في

فصل

وقد
اختلف الصحابة في الأسارى أيقتلون أو يفادون على قولين كما قال الإمام أحمد: حدثنا
علي بن عاصم عن حميد عن أنس وذكر رجلا عن الحسن قال:
استشار رسول الله صلى
الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله عز وجل قد أمكنكم منهم قال
فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ياأيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم
وإنما هم إخوانكم بالإمس قال فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه
النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك
فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء قال
فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل منهم
الفداء قال وأنزل الله تعالى ” لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم
إلى
آخر الآية. انفرد به أحمد.

وقد
روى الإمام أحمد – واللفظ له – ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه وكذا علي بن
المديني وصححه من حديث عكرمة بن عمار حدثنا سماك الحنفي أبو زميل حدثني ابن عباس
حدثني عمر بن الخطاب
قال:
نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه يوم بدر وهم ثلاثمائة ونيف
ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة
فذكر الحديث كما تقدم
إلى قوله:
فقتل
منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا
بكر وعليا وعمر فقال أبو بكر يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني
أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم الله
فيكونوا لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا بن الخطاب قال قلت
والله ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه
وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله
أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان
من الغد قال عمر فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر رضي
الله عنه وإذا هما يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن
وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء قد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة
لشجرة قريبة وأنزل الله تعالى ” ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في
الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق
لمسكم فيما أخذتم ” من الفداء ثم أحل لهم الغنائم
وذكر تمام الحديث.

وقال
الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية: حدثنا الأعمش عن عمرو
بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال
لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما تقولون في هؤلاء الأسرى قال فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك
استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم قال وقال عمر يا رسول الله أخرجوك
وكذبوك قربهم فاضرب أعناقهم قال وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظر واديا
كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا فقال العباس قطعت رحمك قال فدخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر وقال ناس
يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة فخرج عليهم فقال إن الله
ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون
أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال ” فمن
تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ” ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال
” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ” وإن
مثلك يا عمر كمثل نوح ” قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ”
وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال ” ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا
يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ” أنتم عالة فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو
ضربة عنق قال عبد الله فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام
قال فسكت قال فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء من ذلك اليوم حتى
قال إلا سهيل بن بيضاء قال فأنزل الله ” ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى
يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من
الله سبق لمسكم ”
إلى آخر الآيتين. وهكذا رواه الترمذي والحاكم من
حديث أبي معاوية وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه ابن مردويه من
طريق عبد الله بن
عمر
وأبي هريرة بنحو ذلك وقد روى عن أبي أيوب الأنصاري بنحوه.

وقد
روى ابن مردويه والحاكم
في “المستدرك” من حديث عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن
مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر قال:
لما أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسر
أسره رجل من الأنصار قال وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم فقال إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه
قال عمر أفآتيهم قال نعم فأتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا لا والله
لا نرسله فقال لهم عمر فإن كان لرسول الله رضي قالوا فإن كان له رضي فخذه فأخذه
عمر فلما صار في يده قال له عمر يا عباس أسلم فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم
الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك قال واستشار رسول الله صلى
الله عليه وسلم أبا بكر فقال أبو بكر عشيرتك فأرسلهم واستشار عمر فقال اقتلهم ففاداهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ” ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى
يثخن في الأرض”
الآية. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وروى
الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث سفيان الثوري عن
هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي قال:
جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال خير أصحابك في الأسارى إن
شاءوا الفداء وإن شاءوا القتل على أن يقتل عاما قابلا منهم مثلهم قالوا الفداء
ويقتل منا
وهذا حديث غريب جدا ومنهم من رواه مرسلا عن
عبيدة والله أعلم.

وقد
قال ابن إسحاق عن
ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس في قوله:
لَوْلَا كِتَابٌ
مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
يقول لولا
أني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم. وهكذا روي عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا واختاره ابن إسحاق وغيره.

وقال
الأعمش سبق
منه أن لا يعذب أحدا شهد بدرا. وهكذا روي عن سعد بن أبي وقاص وسعيد
بن جبير وعطاء بن أبي رباح.

وقال
مجاهد والثوري:
لَوْلَا كِتَابٌ
مِنَ اللَّهِ سَبَقَ
أي: لهم بالمغفرة.

وقال
الوالبي عن ابن عباس:
سبق في أم الكتاب الأول أن المغانم وفداء الأسارى حلال لكم ولهذا قال بعده:
” فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ”
وهكذا روى عن أبي هريرة
وابن مسعود وسعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة والأعمش واختاره ابن جرير وقد
ترجح هذا القول بما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم
أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي
يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة

وروى
الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
لم تحل الغنائم لسود الرءوس غيرنا ولهذا قال تعالى: ” فكلوا مما
غنمتم حلالا طيبا ”
فأذن الله تعالى في أكل الغنائم وفداء
الأسارى.

وقد
قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ثنا سفيان بن حبيب ثنا شعبة عن
أبي العنبس عن أبي الشعثاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة وهذا كان
أقل ما فودي به أحد منهم من المال وأكثر ما فودي به الرجل منهم أربعة آلاف درهم.

وقد
وعد الله من آمن منهم بالخلف عما أخذ منه في الدنيا والآخرة فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ
فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ
الآية. وقال الوالبي عن ابن عباس: نزلت في العباس ففادى
نفسه بالأربعين أوقية من ذهب قال العباس: فآتاني الله أربعين عبدا يعني كلهم يتجر
له قال وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله جل ثناؤه

وقال
ابن إسحاق حدثني
العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال
لما أمسى رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثاق بات النبي صلى الله عليه وسلم
ساهرا أول الليل فقال له أصحابه مالك لا تنام يا رسول الله فقال سمعت أنين عمي
العباس في وثاقه فأطلقوه فسكت فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال
ابن إسحاق وكان
رجلا موسرا ففادى نفسه بمائة أوقية من ذهب.

قلت:
وهذه المائة كانت عن نفسه وعن ابني أخويه عقيل ونوفل وعن حليفه عتبة بن عمرو أحد
بني الحارث بن فهر كما أمره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ادعى أنه كان
قد أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أما ظاهرك فكان علينا
والله أعلم بإسلامك وسيجزيك فادعى أنه لا مال عنده قال فأين المال الذي دفنته أنت
وأم الفضل وقلت لها إن أصبت في سفري فهذا لبني الفضل وعبد الله وقثم فقال والله
إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيء ما علمه إلا أنا وأم الفضل
رواه ابن إسحاق عن ابن
أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس.

وثبت
في صحيح البخاري من طريق موسى بن عقبة قال
الزهري: حدثني أنس
بن مالك
قال:
إن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ائذن
لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه فقال لا والله لا تذرون منه درهما

قال
البخاري: وقال إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس
أن النبي
صلى الله عليه وسلم أتي بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتي
به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني
فاديت نفسي وفاديت عقيلا فقال خذ فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر
بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يستطع
فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت علي قال لا فنثر منه ثم احتمله على
كاهله ثم انطلق فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم

وقال
البيهقي: أخبرنا الحاكم أخبرنا الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن أسباط بن
نصر عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال: كان فداء العباس وابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل
بن الحارث بن عبد المطلب كل رجل أربعمائة دينار ثم توعد تعالى الآخرين فقال:
وَإِنْ يُرِيدُوا
خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ

فصل

والمشهور
أن الأسارى يوم
بدر
كانوا سبعين والقتلى من المشركين سبعين كما ورد في غير ما حديث مما تقدم
وسيأتي إن شاء الله وكما في حديث البراء بن عازب في
صحيح البخاري
أنهم
قتلوا يوم بدر سبعين وأسروا سبعين

وقال
موسى بن عقبة قتل
يوم بدر من
المسلمين من قريش ستة ومن الأنصار ثمانية وقتل من المشركين تسعة وأربعون وأسر منهم
تسعة وثلاثون. هكذا رواه البيهقي عنه. قال وهكذا ذكر ابن لهيعة عن أبي
الأسود عن عروة في عدد من استشهد من المسلمين وقتل من المشركين.

ثم
قال: أخبرنا الحاكم أخبرنا الأصم أخبرنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن
محمد بن إسحاق قال: واستشهد من المسلمين يوم بدر أحد عشر
رجلا أربعة من قريش وسبعة من الأنصار وقتل من المشركين بضعة وأربعون رجلا. وقال في
موضع آخر وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وأربعون أسيرا وكانت القتلى
مثل ذلك.

ثم
روى البيهقي من طريق أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن عقيل عن الزهري قال: وكان
أول قتيل من المسلمين مهجع مولى عمر ورجل من الأنصار وقتل يومئذ من المشركين زيادة
على سبعين وأسر منهم مثل ذلك. قال ورواه ابن وهب عن يونس
بن يزيد عن الزهري عن عروة بن الزبير

قال
البيهقي: وهو الأصح فيما رويناه في عدد من قتل من المشركين وأسر منهم. ثم استدل
على ذلك بما ساقه هو والبخاري أيضا من طريق أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال:
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله
بن جبير فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أصابوا من
المشركين يوم
بدر
أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا.

قلت:
والصحيح أن جملة المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف وقد صرح قتادة بأنهم
كانوا تسعمائة وخمسين رجلا وكأنه أخذه من هذا الذي ذكرناه. والله أعلم. وفي حديث
عمر المتقدم أنهم كانوا زيادة على الألف. والصحيح الأول لقوله عليه السلام
القوم ما
بين التسعمائة إلى الألف
وأما الصحابة يومئذ فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر
رجلا كما سيأتي التنصيص على ذلك وعلى أسمائهم إن شاء الله وتقدم في حديث الحكم عن
مقسم عن ابن عباس: أن وقعة بدر كانت يوم
الجمعة السابع عشر من شهر رمضان. وقاله أيضا عروة بن الزبير وقتادة
وإسماعيل السدي الكبير وأبو جعفر الباقر.

وروى
البيهقي من طريق قتيبة عن جرير عن الأعمش عن
إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود في
ليلة القدر قال: تحروها لإحدى عشرة بقين فإن صبيحتها يوم بدر.

قال
البيهقي: وروى عن زيد بن أرقم أنه سئل عن ليلة القدر فقال ليلة تسع عشرة ما شك
وقال يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.

قال
البيهقي: والمشهور عن أهل المغازي أن ذلك لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان.

ثم
قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن
إسحاق ثنا أبو نعيم ثنا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة يقول: سئل أبو أيوب الأنصاري عن
يوم بدر
فقال إما لسبع عشرة خلت أو ثلاث عشرة خلت أو لإحدى عشرة بقيت وأما لسبع عشرة بقيت.
وهذا غريب جدا.

وقد
ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة قباث بن أشيم الليثي من طريق الواقدي وغيره
بإسنادهم إليه أنه شهد يوم بدر مع
المشركين فذكر هزيمتهم مع قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجعلت أقول
في نفسي: ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء والله لو خرجت نساء قريش
بأكمتها ردت محمدا وأصحابه فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة
فنظرت إلى ما يقول محمد وقد وقع في نفسي الإسلام قال فقدمتها فسألت عنه فقالوا: هو
ذاك في ظل المسجد في ملأ من أصحابه فأتيته وأنا لا أعرفه من بين أصحابه فسلمت فقال
“يا قباث بن أشيم أنت القائل يوم بدر ما رأيت
مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء فقلت: أشهد أنك رسول الله فإن هذا الأمر ما خرج
مني إلى أحد قط ولا ترمرمت به إلا شيئا حدثت به نفسي فلولا أنك نبي ما أطلعك عليه
هلم أبايعك على الإسلام فأسلمت.

فصل

وقد
اختلفت الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر في
المغانم من المشركين يومئذ لمن تكون منهم وكانوا ثلاثة أصناف حين ولى المشركون
ففرقة أحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم تحرسه خوفا من أن يرجع أحد من المشركين
إليه وفرقة سارقت وراء المشركين يقتلون منهم ويأسرون وفرقة جمعت المغانم من
متفرقات الأماكن فادعى كل فريق من هؤلاء أنه أحق بالمغنم من الآخرين لما صنع من
الأمر المهم.

قال
ابن إسحاق وحدثني
عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال:
سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في
النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقسمه بين المسلمين عن بواء يقول عن سواء
وهكذا رواه
أحمد عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق به.

ومعنى
قوله: على السواء. أي ساوى فيها بين الذين جمعوها وبين الذين اتبعوا العدو وبين
الذين ثبتوا تحت الرايات لم يخصص بها فريقا منهم ممن ادعى التخصيص بها ولا ينفي
هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه كما قد يتوهمه بعض العلماء منهم أبو عبيد وغيره.
والله أعلم. بل قد تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذو الفقار من مغانم بدر.

قال
ابن جرير وكذا
اصطفى جملا لأبي جهل كان في أنفه برة من فضة وهذا قبل إخراج الخمس أيضا.

وقال
الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد
الله بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت قال:
خرجنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت
طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على العسكر يحوونه ويجمعونه وأحدقت
طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل
وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها فليس لأحد فيها
نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا منها العدو
وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم خفنا أن يصيب العدو منه
غرة فاشتغلنا به فنزلت: ” يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا
الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين “. فقسمها رسول
الله صلى الله عليه وسلم على فواق بين المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أغار في أرض العدو نفل الربع فاذا أقبل راجعا نفل الثلث وكان يكره الأنفال

وقد
روى الترمذي وابن ماجه من حديث الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث.. آخره. وقال
الترمذي: هذا حديث حسن. ورواه ابن حبان في “صحيحه” والحاكم في
“مستدركه” من حديث عبد الرحمن. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم
يخرجه.

وقد
روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من طرق عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن
ابن عباس قال:
لما
كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا
فتسارع في ذلك شبان الرجال وبقي الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنائم جاءوا
يطلبون الذي جعل لهم فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم ولو انكشفتم
لفئتم إلينا فتنازعوا فأنزل الله تعالى: ” يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ”
وقد
ذكرنا في سبب نزول هذه الآية آثارا أخر يطول بسطها ههنا ومعنى الكلام أن الأنفال
مرجعها إلى حكم الله ورسوله يحكمان فيها بما فيه المصلحة للعباد في المعاش والمعاد
ولهذا قال تعالى:
قُلِ الْأَنْفَالُ
لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
ثم ذكر ما
وقع في قصة بدر
وما كان من الأمر حتى انتهى إلى قوله تعالى:
وَاعْلَمُوا
أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
الآية.
فالظاهر أن هذه الآية مبينة لحكم الله في الأنفال الذي جعل مرده إليه وإلى رسوله
صلى الله عليه وسلم فبينه تعالى وحكم فيه بما أراد تعالى وهو قول ابن زيد وقد زعم
أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قسم غنائم
بدر على السواء بين الناس ولم يخمسها
ثم نزل بيان الخمس بعد ذلك ناسخا لما
تقدم وهكذا روى الوالبي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي وفي هذا نظر.
والله أعلم؛ فإن سياق الآيات قبل آية الخمس وبعدها كلها في غزوة بدر فيقتضي
أن ذلك نزل جملة في وقت واحد غير متفاصل بتأخر يقتضي نسخ بعضه بعضا ثم في
“الصحيحين” عن علي رضي الله عنه أنه قال في قصة شارفيه اللذين اجتب
أسنمتهما حمزة: إن إحداهما كانت من الخمس يوم بدر. ما يرد
صريحا على أبي عبيد أن غنائم بدر لم تخمس
والله أعلم. بل خمست كما هو قول البخاري وابن جرير وغيرهما
وهو الصحيح الراجح

 

مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله

قال ابن إسحاق حتى
إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله
علي بن أبي طالب كما
أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة ثم خرج
حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة ابن أبي معيط.

قال ابن إسحاق فقال
عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فمن للصبية يا محمد قال النار
وكان الذي قتله عاصم
بن ثابت
بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن
عمار بن ياسر. وكذا قال موسى بن عقبة في
“مغازيه” وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الأسارى
أسيرا غيره. قال: ولما أقبل إليه عاصم بن ثابت قال يا
معشر قريش علام أقتل من بين من هاهنا؟ قال: على عداوتك الله ورسوله.

وقال حماد بن سلمة عن
عطاء بن السائب عن الشعبي قال:
لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال
أتقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال نعم أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف
المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران وجاء مرة
أخرى بسلى شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي
قال ابن هشام ويقال
بل قتل عقبة علي بن
أبي طالب
فيما ذكره الزهري وغيره من أهل العلم.

قلت: كان
هذان الرجلان من شر عباد الله وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا وهجاء للإسلام
وأهله لعنهما الله وقد فعل.

قال ابن هشام فقالت قتيلة بنت الحارث أخت
النضر بن الحارث في
مقتل أخيها:

قال ابن هشام ويقال
والله أعلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: لو بلغني
هذا قبل قتله لمننت عليه.

قال ابن إسحاق وقد
تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي
حجامه عليه الصلاة والسلام ومعه زق خمر مملوء حيسا وهو التمر والسويق بالسمن هدية
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منه ووصى به الأنصار.

قال ابن إسحاق ثم مضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل
الأسارى بيوم.

قال ابن إسحاق وحدثني
نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى
فرقهم بين أصحابه وقال:
استوصوا بهم خيرا قال وكان أبو عزيز بن
عمير بن هاشم أخو مصعب
بن عمير
لأبيه وأمه في الأسارى قال أبو عزيز: مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل
من الأنصار يأسرني فقال شد يديك به؛ فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك. قال أبو
عزيز: فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر فكانوا
إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله صلى الله
عليه وسلم إياهم بنا ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها
فيردها علي ما يمسها.

قال ابن هشام وكان
أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث ولما
قال أخوه مصعب لأبي اليسر وهو الذي أسره ما قال قال له أبو عزيز: يا أخي هذه وصاتك
بي؟ فقال له مصعب: إنه أخي دونك. فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي فقيل لها أربعة
آلاف درهم. فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها.

قلت: وأبو
عزيز هذا اسمه زرارة فيما قاله ابن الأثير في “غابة الصحابة” وعده خليفة بن خياط في
أسماء الصحابة. وكان أخا مصعب بن عمير لأبويه
وكان لهما أخ آخر لأبويهما وهو أبو الروم بن عمير وقد غلط من جعله قتل يوم أحد كافرا ذاك
أبو عزة كما سيأتي في موضعه والله أعلم.

قال ابن إسحاق حدثني
عبد الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال:
قدم بالأسارى
حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم
على عوف ومعوذ ابني عفراء. قال: وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب. قال: تقول سودة: والله
إني لعندهم إذ أتينا فقيل: هؤلاء الأسارى قد أتى بهم. قالت فرجعت إلى بيتي ورسول
الله صلى الله عليه وسلم فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة
يداه إلى عنقه بحبل. قالت فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت
أي أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراما؟ فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم من البيت يا سودة أعلى الله وعلى رسوله تحرضين قال قلت يا رسول
الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن
قلت ما قلت
ثم
كان من قصة الأسارى بالمدينة ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد من كيفية فدائهم
وكميته إن شاء الله.

 

البداية والنهاية > الجزء الرابع

اعتراض بعض الجهلة من أهل الشقاق والنفاق على رسول الله صلى
الله عليه وسلم في القسمة العادلة بالاتفاق

قال
البخاري: ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي
وائل، عن عبد الله قال:
لما قسم النبي صلى الله عليه
وسلم قسمة حنين قال رجل من الأنصار: ما أراد بها وجه الله. قال: فأتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتغير وجهه، ثم قال: ” رحمة الله على موسى، قد
أوذي بأكثر من هذا فصبر “
ورواه مسلم
من حديث الأعمش به.

ثم
قال البخاري: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جرير عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله قال:
لما كان يوم حنين آثر النبي صلى
الله عليه وسلم ناسا؛ أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك،
وأعطى ناسا، فقال رجل: ما أريد بهذه القسمة وجه الله. فقلت: لأخبرن النبي صلى الله
عليه وسلم. قال: “رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر”.
وهكذا رواه من حديث منصور ابن المعتمر به.

وفي
رواية للبخاري:
فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها
وجه الله. فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم. فأتيته فأخبرته
فقال: ” من يعدل إذا لم يعدل اله ورسوله؟! رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من
هذا فصبر ”

وقال
محمد بن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن مقسم أبي القاسم
مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال:
خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي،
حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده، فقلنا له: هل
حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين؟ قال: نعم، جاء رجل
من بني تميم يقال له: ذو الخويصرة. فوقف عليه وهو يعطي الناس، فقال له: يا محمد،
قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أجل،
فكيف رأيت؟” قال: لم أرك عدلت. قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ويحك!
إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟!” فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله،
ألا نقتله؟ فقال: “لا، دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا
منه كما يخرج السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح فلا يوجد
شيء، ثم في الفوق فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدم”.

وقال
الليث بن سعد، عن
يحيى ابن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال:
أتى رجل بالجعرانة
النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال: يا محمد، اعدل. قال: “ويلك! ومن يعدل
إذا لم أكن أعدل؟! لقد خبت وخسرت إذا لم أكن أعدل”. فقال عمر بن الخطاب: دعني
يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: “معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل
أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق
السهم من الرمية”.
رواه مسلم، عن محمد بن رمح عن الليث.

وقال
أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا قرة، عن عمرو بن دينار، عن
جابر قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقسم مغانم حنين إذ قام إليه رجل فقال: اعدل. فقال: “لقد شقيت ٍن لم
أعدل”.
ورواه البخاري، عن مسلم
بن إبراهيم، عن قرة بن خالد السدوسي به.

وفي
“الصحيحين” من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد قال:
بينما نحن
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة رجل من بني
تميم، فقال: يا رسول الله، اعدل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ويلك!
ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل” فقال عمر بن الخطاب: يا
رسول الله، أئذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعه
فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا
يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا
يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نصبه -وهو قدحه-
فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم
رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون

 

سرية زيد بن حارثة إلى عير قريش صحبة أبي سفيان أيضا، وقيل: صحبة
صفوان

قال يونس عن
بكير

قال ابن هشام وهذه
القصيدة في أبيات لحسان وقد أجابه فيها أبو سفيان بن الحارث.

قال الواقدي:
كان خروج زيد بن
حارثة
في هذه السرية مستهل جمادى الأولى على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة
وكان رئيس هذه العير صفوان
بن أمية
وكان سبب بعثه زيد بن حارثة أن
نعيم ابن مسعود قدم المدينة ومعه
خبر هذه العير وهو على دين قومه واجتمع بكنانة بن أبي الحقيق في بني النضير ومعهم
سليط بن النعمان وكان أسلم فشربوا وكان ذلك قبل أن تحرم الخمر فتحدث بقضية العير
نعيم بن مسعود وخروج صفوان
بن أمية
فيها وما معه من الأموال فخرج سليط من ساعته فأعلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فبعث من وقته زيد بن حارثة فلقوهم
فأخذوا الأموال وأعجزهم الرجال وإنما أسروا رجلا أو رجلين وقدموا بالعير فخمسها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ خمسها عشرين ألفا وقسم أربعة أخماسها على
السرية وكان فيمن أسر الدليل فرات بن حيان فأسلم رضي الله عنه.

قال ابن جرير وزعم
الواقدي أن في ربيع من هذه السنة تزوج عثمان بن عفان أم
كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وادخلت عليه في جمادى الآخرة منها

 

سرية عمرو بن أمية الضمري على إثر مقتل خبيب

قال الواقدي:
حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه وعبد الله بن أبي عبيدة عن جعفر بن الفضل بن الحسن
بن عمرو بن أمية الضمري وعبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون وزاد بعضهم
على بعض قالوا: كان أبو
سفيان بن حرب
قد قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا فإنه يمشي في
الأسواق فندرك ثأرنا فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله وقال له: إن أنت وفيتني
وخرجت إليه حتى أغتاله فإني هاد بالطريق خريت معي خنجر مثل خافية النسر. قال: أنت
صاحبنا. وأعطاه بعيرا ونمقه وقال: اطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه
إلى محمد. قال قال العربي: لا يعلمه أحد. فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر
الحي يوم سادسه ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المصلى فقال
له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل. فخرج الأعرابي يقود راحلته حتى انتهى إلى
بني عبد الأشهل فعقل راحلته ثم أقبل يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده في
جماعة من أصحابه يحدث في مسجده فلما دخل ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه
إن هذا الرجل يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريده فوقف وقال أيكم ابن عبد
المطلب. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب فذهب ينجنئ على
رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يساره فجبذه أسيد بن حضير وقال تنح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجذب بداخلة إزاره فإذا الخنجر فقال يا رسول الله هذا
غادر. فأسقط في يد الأعرابي وقال دمي دمي يا محمد وأخذه أسيد بن حضير يلببه. فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم: اصدقني ما أقدمك فإن صدقتني نفعك الصدق وإن كذبتني
فقد أطلعت على ما هممت به قال العربي: فأنا آمن قال: وأنت آمن فأخبره بخبر أبي
سفيان وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير ثم دعا به من الغد فقال: قد آمنتك
فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك قال: وما هو؟ فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك أنت رسول الله والله يا محمد
ما كنت أفرق من الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت ثم اطلعت على ما هممت
به مما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق وأن حزب
أبي سفيان حزب الشيطان. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم وأقام أياما ثم
استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده ولم يسمع له بذكر. وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعمرو بن أمية الضمري ولسلمة ابن أسلم بن حريش: أخرجا حتى
تأتيا أبا سفيان بن حرب فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه. قال عمرو: فخرجت أنا وصاحبي
حتى أتينا بطن يأجج فقيدنا بعيرنا وقال لي صاحبي يا عمرو هل لك في أن نأتي مكة فنطوف
بالبيت أسبوعا ونصلي ركعتين. فقلت: أنا أعلم بأهل مكة منك أنهم
إذا أظلموا رشوا أفنيتهم ثم جلسوا بها وإني أعرف بمكة من الفرس الأبلق وإنهم إن
رأوني عرفوني وأنا أعرف أهل مكة إنهم إذا
أمسحوا انفحوا بأفنيتهم فأبى علي فانطلقنا فأتينا مكة فطفنا
أسبوعا وصلينا ركعتين فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني
وقال: عمرو بن أمية وأخبر أباه فنذر بنا أهل مكة فقالوا: ما
جاء عمرو في خير. وكان عمرو فاتكا في الجاهلية فحشد أهل مكة وتجمعوا
وهرب عمرو وسلمة وخرجوا في طلبهما واشتدوا في الجبل. قال عمرو: فدخلت في غار
فتغيبت عنهم حتى أصبحت وباتوا يطلبوننا في الجبل وعمى الله عليهم طريق المدينة أن
يهتدوا لراحلتنا فلما كان ضحوة الغد أقبل عثمان بن مالك بن عبيد التيمي يختلي
لفرسه حشيشا فقلت لسلمة بن أسلم إذا أبصرنا أشعر بنا أهل مكة وقد
انفضوا عنا فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا. قال: فخرجت إليه فطعنته
طعنة تحت الثدي بخنجري فسقط وصاح فاجتمع فأسمع أهل مكة فأقبلوا
بعد تفرقهم ودخلت الغار وقلت لصاحبي لا تتحرك. فأقبلوا حتى أتوه وقالوا: من قتلك؟
قال: عمرو بن أمية الضمري. فقال أبو سفيان: قد علمنا أنه لم يأت لخير ولم يستطع أن
يخبرهم بمكاننا فإنه كان بآخر رمق فمات وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم فحملوه فمكثنا
ليلتين في مكاننا حتى خرجنا فقال صاحبي: يا عمرو بن أمية هل لك في خبيب بن عدي
ننزله؟ فقلت له: أين هو؟ قال: هو ذاك مصلوب حوله الحرس. فقلت أمهلني وتنح عني فإن
خشيت شيئا فانح إلى بعيرك فاقعد عليه فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره
الخبر ودعني فإني عالم بالمدينة ثم استدرت عليه حتى وجدته فحملته على ظهري فما
مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا فخرجوا في أثري فطرحت الخشبة فما أنسى وقعها
دب يعني صوتها ثم أهلت عليه التراب برجلي فأخذت طريق الصفراء فأعيوا ورجعوا وكنت
لا أدري مع بقاء نفس فانطلق صاحبي إلى البعير فركبه وأتى النبي صلى الله عليه وسلم
فأخبره وأقبلت حتى أشرفت على الغميم غميم ضجنان فدخلت في غار معي قوسي وأسهمي
وخنجري فبينما أنا فيه إذ أقبل رجل من بني الديل بن بكر من بني الديل أعور طويل
يسوق غنما ومعزى فدخل الغار وقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من بني بكر. فقال وأنا من
بني بكر. ثم اتكأ ورفع عقيرته يتغنى ويقول:

فقلت في
نفسي: والله أني لأرجو أن أقتلك فلما نام قمت إليه فقتلته شر قتلة قتلها أحد قط ثم
خرجت حتى هبطت فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثهما قريش يتجسسان الأخبار فقلت
استأسر فأبى أحدهما فرميته فقتلته فما رأى ذلك الآخر استأسر فشددته وثاقا ثم أقبلت
به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدمت المدينة أتى
صبيان الأنصار وهم يلعبون وسمعوا أشياخهم يقولون هذا عمرو فاشتد الصبيان إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبروه وأتيته بالرجل قد ربطت إبهامه بوتر قوسي فلقد رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ثم دعا لي بخير وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو
بثلاثة أيام رواه البيهقي.

وقد تقدم أن
عمرا لما أهبط خبيبا لم ير له رمة ولا جسدا فلعله دفن مكان سقوطه والله أعلم. وهذه
السرية إنما استدركها ابن هشام على ابن إسحاق وساقها
بنحو من سياق الواقدي لها لكن عنده أن رفيق عمرو بن أمية في هذه السرية جبار بن
صخر فالله أعلم ولله الحمد.

 

قصة عمرو بن سعدي القرظي حين مر على ديار بني النضير وقد صارت
يباب ليس بها داع ولا مجيب

وقد كانت
بنو النضير أشرف من بني قريظة حتى حداه ذلك على الإسلام وأظهر صفة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من التوراة.

قال الواقدي:
حدثنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل
عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم فرأى خرابها وفكر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في
الكنيسة فنفخ في بوقهم فاجتمعوا فقال الزبير بن باطا: يا أبا سعيد أين كنت منذ
اليوم لم نرك؟ وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتأله في اليهودية قال: رأيت اليوم عبرا
قد عبرنا بها رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل والعقل
البارع قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم وخرجوا، خروج ذل ولا والتوراة ما سلط هذا
على قوم قط لله بهم حاجة وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزهم ثم بيته في بيته
آمنا وأوقع بابن سنينة سيدهم وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم وهم أهل جد يهود وكانوا
أهل عدة وسلاح ونجدة فحصرهم فلم يخرج إنسان منهم رأسه حتى سباهم، وكلم فيهم فتركهم
على أن أجلاهم من يثرب يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا
والله إنكم لتعلمون انه نبي قد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان أبو عمير وابن حراش
وهما أعلم يهود جاءانا يتوكفان قدومه وأمرانا باتباعه جاءانا من بيت المقدس
وأمرانا أن نقرئه منهما السلام ثم ماتا على دينهما ودفناهما بحرتنا هذه. فأسكت
القوم فلم. يتكلم منهم متكلم، ثم أعاد هذا الكلام ونحوه وخوفهم بالحرب والسباء
والجلاء. فقال الزبير بن باطا: قد والتوراة قرأت صفته في كتاب باطا، التوراة التي
نزلت على موسى ليس في المثاني الذي أحدثنا. قال: فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا
أبا عبد الرحمن من اتباعه؟ قال: أنت. قال كعب: فلم، والتوراة ما حلت بينك وبينه قط؟
قال الزبير؟ بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتبعته اتبعناه،

 

 

قصة غورث بن الحارث

قال ابن إسحاق في هذه
الغزوة: حدثني عمرو
بن عبيد
عن الحسن عن جابر بن عبد الله
أن رجلا من بني محارب
يقال له: غورث قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى وكيف
تقتله؟ قال: أفتك به قال: فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيف
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال: يا محمد أنظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم.
فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله. ثم قال: يا محمد أما تخافني؟ قال: لا،
وما أخاف منك. قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني الله منك. ثم عمد
إلى سيف النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه فأنزل الله عز وجل: ” يا أيها
الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم
عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ”

قال ابن إسحاق وحدثني
يزيد بن رومان أنها إنما نزلت في عمرو بن جحاش أخي بني النضير وما هم به هكذا ذكر ابن إسحاق قصة
غورث هذا. عن عمرو
بن عبيد
القدري رأس الفرقة الضالة وهو وإن كان لا يتهم بتعمد الكذب في الحديث
إلا أنه ممن لا ينبغي أن يروى عنه لبدعته ودعائه إليها وهذا الحديث ثابت في
الصحيحين من غير هذا الوجه ولله الحمد.

فقد أورد
الحافظ البيهقي ها هنا طرقا لهذا الحديث من عدة أماكن وهي ثابتة في الصحيحين من
حديث الزهري عن سنان بن أبي سنان وأبي سلمة عن جابر أنه
غزا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته
القائلة في واد كثير العضاه فتفرق الناس يستظلون بالشجر وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم تحت ظل شجرة فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يدعونا فأجبناه وإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال: من يمنعك
مني؟ قلت: الله فشام السيف وجلس
ولم يعاقبه
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فعل ذلك.

وقد رواه
مسلم أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي
سلمة عن جابر قال
أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات
الرقاع وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاءه رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة فأخذ سيف
رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تخافني؟
قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك. قال: فهدده أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه. قال: ونودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم
تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين. قال: فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أربع ركعات وللقوم ركعتان
وقد علقه البخاري بصيغة الجزم عن أبان به.

قال البخاري:
وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر: إن اسم الرجل غورث بن الحارث.

وأسند
البيهقي من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر قال
قاتل رسول
الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم
يقال له: غورث بن الحارث. حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف
وقال من يمنعك مني؟ قال: الله فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم السيف وقال: من يمنعك مني؟ فقال: كن خير آخذ. قال: تشهد أن لا إله إلا الله؟
قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فأتى
أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس
ثم ذكر صلاة
الخوف وأنه صلى أربع ركعات بكل طائفة ركعتين. وقد أورد البيهقي هنا طرق صلاة الخوف
بذات الرقاع عن صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبي حثمة وحديث الزهري عن سالم عن
أبيه في صلاة الخوف بنجد وموضع

 

قصة الذي أصيبت امرأته في هذه الغزوة

قال محمد بن
إسحاق: حدثني عمي صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن عبد الله قال
خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل فأصاب رجل امرأة رجل من
المشركين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا أتى زوجها وكان غائبا
فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد دما، فخرج يتبع أثر رسول
الله صلى الله عليه وسلم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فقال: من رجل
يكلؤنا ليلتنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله
قال: فكونا بفم الشعب من الوادي. وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر فلما خرجا إلى فم
الشعب قال الأنصاري للمهاجري: أي الليل تحب أن أكفيكه أوله أم آخره؟ قال: بل اكفني
أوله. فاضطجع المهاجري فنام وقام الأنصاري يصلي. قال: وأتى الرجل فلما رأى شخص
الرجل عرف أنه ربيئة القوم فرمى بسهم فوضعه فيه فانتزعه ووضعه وثبت قائما. قال: ثم
رمى بسهم آخر فوضعه فيه فنزعه فوضعه فيه قال فانتزعه فوضعه وثبت قائما قال: ثم عاد
له بالثالث فوضعه فيه فنزعه فوضعه ثم ركع وسجد ثم أهب صاحبه فقال: اجلس فقد أثبت.
قال: فوثب الرجل فلما رآهما الرجل عرف أنه قد نذرا به فهرب. قال: ولما رأى
المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت
في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها، فلما تابع علي الرمي ركعت فآذنتك
وأيم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي
قبل أن أقطعها أو أنفذها
هكذا ذكره ابن إسحاق في
المغازي وقد رواه أبو داود عن أبي توبة عن عبد الله بن المبارك عن ابن إسحاق به.

وقد ذكر
الواقدي عن عبد الله العمري عن أخيه عبيد الله عن القاسم بن محمد عن
صالح بن خوات عن أبيه حديث صلاة الخوف بطوله قال: وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد أصاب في محالهم نسوة وكان في السبي جارية وضيئة وكان زوجها يحبها فحلف
ليطلبن محمدا ولا يرجع حتى يصيب دما أو يخلص صاحبته ثم ذكر من السياق نحو ما أورده
محمد ابن إسحاق

قال الواقدي:
وكان جابر بن عبد الله يقول
بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فأقبل إليه
أبواه أو أحدهما حتى طرح نفسه في يدي الذي أخذ فرخه فرأيت أن الناس عجبوا من ذلك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه
رحمة لفرخه فوالله لربكم أرحم بكم

 

مقتل أبي رافع

عبد
الله – ويقال: سلام – بن أبي الحقيق اليهودي، لعنه الله، وكان في قصر له في أرض خيبر وكان
تاجرا مشهورا بأرض الحجاز.

قال
ابن إسحاق ولما
انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحقيق – وهو أبو رافع – فيمن
حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت
كعب بن الأشرف، فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي
الحقيق وهو بخيبر، فأذن لهم.

قال
ابن إسحاق فحدثني
محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: وكان مما صنع الله لرسوله
صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار؛ الأوس والخزرج، كانا يتصاولان مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئا فيه غناء عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام. فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها، وإذا
فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك. قال: ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في
عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الخزرج: والله لا يذهبون بها فضلا
علينا أبدا. قال: فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن
الأشرف، فذكروا ابن
أبي الحقيق،
وهو بخيبر، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فأذن
لهم، فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر، عبد الله بن عتيك، ومسعود
بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة الحارث ابن ربعي، وخزاعي بن أسود، حليف
لهم من أسلم، فخرجوا، وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك، ونهاهم
أن يقتلوا وليدا أو امرأة، فخرجوا، حتى إذا قدموا خيبر أتوا
دار ابن أبي الحقيق ليلا،
فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله. قال: وكان في علية، له إليها عجلة.
قال: فأسندوا إليها حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا، فخرجت إليهم امرأته فقالت: من
أنتم؟ قالوا: أناس من العرب نلتمس الميرة. قالت: ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه. قال: فلما
دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة، تخوفا أن يكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه.
قال: فصاحت امرأته، فنوهت بنا، فابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا، فوالله ما يدلنا
عليه في سواد الليل إلا بياضه، كأنه قبطية ملقاة. قال: فلما صاحت بنا امرأته جعل
الرجل منا يرفع عليها سيفه، ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده،
ولولا ذلك لفرغنا منها بليل. قال: فلما ضربناه بأسيافنا، تحامل عليه عبد الله بن
أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني. أي حسبي حسبي. قال: وخرجنا،
وكان عبد الله بن
عتيك
رجلا سيئ البصر. قال: فوقع من الدرجة، فوثئت يده وثئا شديدا، وحملناه حتى
نأتي به منهرا من عيونهم فندخل فيه، فأوقدوا النيران، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا،
حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه وهو يقضي. قال: فقلنا: كيف لنا بأن نعلم
بأن عدو الله قد مات؟ قال: فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم. فانطلق حتى دخل في
الناس، قال: فوجدتها – يعني امرأته – ورجال يهود حوله، وفي يدها المصباح تنظر في
وجهه وتحدثهم وتقول: أما، سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت: أنى ابن عتيك
بهذه البلاد؟ ثم أكبت عليه تنظر في وجهه، فقالت: فاظ وإله يهود. فما سمعت كلمة
كانت ألذ على نفسي منها. قال: ثم جاءنا فأخبرنا الخبر، فاحتملنا صاحبنا وقدمنا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه بقتل عدو الله، واختلفنا عنده في قتله،
كلنا يدعيه. قال: فقال: “هاتوا أسيافكم” فجئنا بها، فنظر إليها، فقال
لسيف عبد الله بن أنيس: “هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام” قال ابن إسحاق فقال حسان

 

هكذا
أورد هذه القصة الإمام محمد بن إسحاق، رحمه الله.

وقد
قال الإمام أبو عبد الله البخاري، حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا
ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته
ليلا وهو نائم فقتله.

قال
البخاري: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق،
عن البراء قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي
رجالا من الأنصار، وأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت
الشمس وراح الناس بسرحهم، قال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف
للبواب؛ لعلي أن أدخل. فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته،
وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله، إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني
أريد أن أغلق الباب. فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على
ود. قال: فقمت إلى الأقاليد وأخذتها ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان
في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره، صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي
من داخل، فقلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله. فانتهيت إليه، فإذا هو
في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، قلت: أبا رافع. قال: من هذا؟
فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا، وصاح فخرجت من
البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك
الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم
وضعت ضبيب السيف في بطنه، حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب
بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض،
فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة، حتى انطلقت حتى جلست على الباب،
فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته. فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال:
أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز. فانطلقت إلى أصحابي، فقلت: النجاء، فقد قتل الله
أبا رافع. فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال لي: “ابسط
رجلك” فبسطت رجلي فمسحها، فكأنما لم أشتكها قط
.

ثم
قال البخاري، حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، حدثنا شريح، حدثنا إبراهيم بن
يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، سمعت البراء قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أبي رافع عبد
الله بن عتيك
وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانطلقوا حتى دنوا من الحصن فقال
لهم عبد الله بن
عتيك
امكثوا أنتم حتى أنطلق أنا فأنظر، قال: فتلطفت حتى أدخل الحصن، ففقدوا
حمارا لهم، فخرجوا بقبس يطلبونه. قال: فخشيت أن أعرف. قال: فغطيت رأسي، وجلست كأنى
أقضى حاجة، فقال البواب: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه. فدخلت ثم اختبأت في
مربط حمار عند باب الحصن، فتعشوا عند أبي رافع، وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل،
ثم رجعوا إلى بيوتهم، فلما هدأت الأصوات ولا أسمع حركة، خرجت، قال: ورأيت صاحب
الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة، فأخذته ففتحت به باب الحصن. قال: قلت: إن نذر
بي القوم انطلقت على مهل، ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر، ثم
صعدت إلى أبي رافع في سلم، فإذا البيت مظلم، قد طفئ سراجه، فلم أدر أين الرجل؟
فقلت: يا أبا رافع، قال: من هذا؟ قال: فعمدت نحو الصوت فأضربه وصاح، فلم تغن شيئا.
قال: ثم جئت كأني أغيثه، فقلت: ما لك يا أبا رافع؟ وغيرت صوتي. قال: ألا أعجبك،
لأمك الويل، دخل علي رجل فضربني بالسيف. قال: فعمدت إليه أيضا فأضربه أخرى فلم تغن
شيئا، فصاح وقام أهله، ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث، فإذا هو مستلق على ظهره،
فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ عليه، حتى سمعت صوت العظم، ثم خرجت دهشا، حتى أتيت
السلم أريد أن أنزل، فأسقط منه، فانخلعت رجلي، فعصبتها ثم أتيت أصحابي أحجل، فقلت:
انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية.
فلما كان وجه الصبح صعد الناعية فقال: أنعى أبا رافع. قال: فقمت أمشي ما بي قلبة،
فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشرته. تفرد به البخاري
بهذه السياقات من بين أصحاب الكتب الستة.

قلت:
يحتمل أن عبد الله
بن عتيك
لما سقط من تلك الدرجة، انفكت قدمه، وانكسرت ساقه، ووثئت رجله ويده،
فلما عصبها استكن ما به، لما هو فيه من الأمر الباهر، ولما أراد المشي أعين على
ذلك، لما هو فيه من الجهاد النافع، ثم وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
واستقرت نفسه، ثاوره الوجع في رجله، فلما بسط رجله ومسح رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ذهب ما كان بها من بأس في الماضي، ولم يبق بها وجع يتوقع حصوله في المستقبل،
جمعا بين هذه الرواية والتي تقدمت. والله أعلم. هذا وقد ذكر موسى بن عقبة في
“مغازيه” مثل سياق محمد بن إسحاق، وسمى الجماعة الذين ذهبوا إليه كما
ذكره ابن إسحاق

ثم
قال: قال الزهري: قال ابن كعب:
فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
على المنبر فقال: “أفلحت الوجوه”. قالوا: أفلح وجهك يا رسول الله. قال: “أقتلتموه؟

مقتل خالد بن سفيان ابن نبيح الهذلي

ذكره
الحافظ البيهقي في “الدلائل” تلو مقتل أبي رافع.

قال
الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثناأبي، عن ابن إسحاق، حدثني
محمد بن جعفر بن الزبير، عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه قال:
دعاني رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح
الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني وهو بعرنة فأته فاقتله” قال: قلت: يا رسول الله،
انعته لي حتى أعرفه. قال: “إذا رأيته وجدت له قشعريرة”. قال: فخرجت متوشحا
سيفي حتى وقعت عليه، وهو بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلا، وحين كان وقت العصر، فلما
رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة، فأقبلت نحوه،
وخشيت أن يكون بيني وبينه مجاملة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ
برأسي للركوع والسجود فلما انتهيت إليه قال: مَن الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك
وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لذلك، قال: أجل، إنا في ذلك. قال: فمشيت معه شيئا حتى
إذا أمكنني حملت عليه السيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما
قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني قال: “أفلح الوجه” قال: قلت:
قتلته يا رسول الله قال: “صدقت”. قال: ثم قام معي رسول الله صلى الله
عليه وسلم فدخل في بيته فأعطاني عصا فقال: “أمسك هذه عندك يا عبد الله بن
أنيس” قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟ قال: قلت: أعطانيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرني أن أمسكها. قالوا: أولا ترجع إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فتسأله عن ذلك؟ قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت: يا رسول الله، لم أعطيتني هذه العصا؟ قال: “آية بيني وبينك يوم القيامة،
إن أقل الناس المنحصرون يومئذ”. قال: فقرنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه حتى
إذا مات أمر بها فضمت في كفنه، ثم دفنا جميعا
ثم رواه الإمام أحمد،
عن يحيى بن آدم، عن
عبد الله بن إدريس،
عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن بعض ولد عبد الله بن أنيس –
أو قال: عن عبد الله بن عبد الله بن أنيس، عن عبد الله بن أنيس، فذكر نحوه. وهكذا
رواه أبو داود، عن أبي معمر، عن عبد الوارث، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر،
عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، فذكر نحوه.

ورواه
الحافظ البيهقي، من طريق محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن
الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه فذكره. وقد ذكر نحوه عروة بن الزبير، وموسى
بن عقبة في “مغازيهما” مرسلة فالله أعلم.

قال
ابن هشام وقال
عبد الله بن أنيس في قتله خالد بن سفيان:

قلت:
عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام، أبو يحيى الجهني، صحابي مشهور كبير القدر، كان
فيمن شهد العقبة، وشهد أحدا والخندق وما بعد ذلك، وتأخر موته بالشام إلى سنة
ثمانين على المشهور وقيل: توفي سنة أربع وخمسين. والله أعلم. وقد فرق علي بن
الزبير وخليفة بن خياط بينه وبين عبد الله بن أنيس أبي عيسى الأنصاري، الذي روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا يوم أحد بإداوة
فيها ماء، فخنث فمها وشرب منها، كما رواه أبو داود والترمذي، من طريق عبد الله
العمري، عن عيسى بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه. ثم قال الترمذي: وليس إسناده يصح،
وعبد الله العمري ضعيف من قبل حفظه

 

فصل في ذكر السرايا والبعوث

التي
كانت في سنة ست من الهجرة

وتلخيص
ذلك ما أورده الحافظ البيهقي، عن الواقدي قال:

في
ربيع الأول منها أو الآخر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن، في
أربعين رجلا إلى غمر مرزوق، ماء لبني أسد، فهربوا منه، ونزل على مياههم، وبعث في
آثارهم، وأخذ منهم مائتي بعير، فاستاقها إلى المدينة.

وفيها
كان بعث أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة، في أربعين رجلا أيضا فساروا إليهم مشاة،
حتى أتوها في عماية الصبح، فهربوا منه في رءوس الجبال فأسر منهم رجلا، فقدم به على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.

وبعث
محمد بن مسلمة في عشرة نفر، فكمن القوم لهم حتى ناموا، فقتل أصحاب محمد بن مسلمة
كلهم، وأفلت هو جريحا.

وفيها
كان بعث زيد بن حارثة بالحموم،
فأصاب امرأة من مزينة، يقال لها: حليمة. فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا
منها نعما، وشاء وأسرى، وكان فيهم زوج حليمة هذه، فوهبها رسول الله صلى الله عليه
وسلم لزوجها، وأطلقهما.

وفيها
كان بعث زيد بن حارثة أيضا، في
جمادى الأولى إلى بني ثعلبة، في خمسة عشر رجلا، فهربت منه الأعراب، فأصاب من نعمهم
عشرين بعيرا، ثم رجع بعد أربع ليال.

وفيها
خرج زيد بن حارثة في جمادى
الأولى إلى العيص.

قال:
وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع، فاستجار بزينب بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأجارته، وقد ذكر ابن إسحاق – كما تقدم –
قصته حين أخذت العير التي كانت معه، وقتل أصحابه، وفر هو من بينهم حتى قدم المدينة وكانت امرأته
زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هاجرت بعد بدر فلما جاء المدينة استجار بها،
فأجارته بعد صلاة الصبح، فأجاره لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس برد
ما أخذوا من عيره، فردوا كل شيء كانوا أخذوه منه، حتى لم يفقد منه شيئا، فلما رجع
بها إلى مكة وأدى إلى أهلها ما
كان لهم معه من الودائع، أسلم وخرج من مكة راجعا إلى المدينة فرد عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم زوجته زينب بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا ولا عقدا، كما
تقدم بيان ذلك.

وكان
بين إسلامه وهجرتها ست سنين، ويروى سنتان. وقد بينا أنه لا منافاة بين الروايتين؛
لأن إسلامه تأخر عن وقت تحريم المؤمنات على الكفار بسنتين، وكان إسلامه في سنة
ثمان في سنة الفتح، لا كما يفهم من كلام الواقدي، من أنه سنة ست. والله أعلم.

وذكر
الواقدي في هذه السنة، أن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من عند قيصر، وقد أجازه
بأموال وخلع، فلما كان بحسمي لقيه ناس من جذام، فقطعوا عليه الطريق، فلم يتركوا
معه شيئا، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة أيضا رضي الله عنه.

قال
الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن
يعقوب بن عتبة قال: خرج علي، رضي الله عنه، في مائة رجل إلى أن نزل إلى حي من بني
سعد بن بكر، وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن
يمدوا يهود خيبر فسار إليهم
بالليل، وكمن بالنهار، وأصاب عينا لهم، فأقر له أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم
على أن يجعلوا لهم تمر خيبر.

قال
الواقدي رحمه الله تعالى:
وفي سنة ست في شعبان منها، كانت سرية عبد الرحمن
بن عوف، إلى دومة الجندل وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن هم
أطاعوا فتزوج بنت ملكهم”. فأسلم القوم، وتزوج عبد الرحمن بنت ملكهم، تماضر
بنت الأصبغ الكلبية، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف
.

قال
الواقدي: في شوال سنة ست كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا
راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم، فبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم في آثارهم كرز بن جابر، في عشرين فارسا، فردوهم.

وكان
من أمرهم ما أخرجه البخاري ومسلم، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن رهطا
من عكل وعرينة – وفي رواية: من عكل أو عرينة – أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا: يا رسول الله، إنا أناس أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة. فأمر لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها، فيشربوا من
ألبانها وأبوالها، فانطلقوا، حتى إذا كانوا ناحية الحرة قتلوا راعي رسول الله صلى
الله عليه وسلم، واستاقوا الذود وكفرو بعد إسلامهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم
في طلبهم، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وتركهم في ناحية الحرة حتى
ماتوا وهم كذلك. قال قتادة: فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب
بعد ذلك حض على الصدقة ونهى عن المثلة.

وهذا
الحديث قد رواه جماعة عن قتادة، ورواه جماعة عن أنس بن مالك وفي رواية
مسلم، عن معاوية بن قرة، عن أنس أن نفرا من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأسلموا وبايعوه، وقد وقع في المدينة الموم – وهو
البرسام – فقالوا: هذا الوجع قد وقع يا رسول الله، فلو أذنت لنا فرجعنا إلى الإبل،
قال: “نعم، فاخرجوا فكونوا فيها”. فخرجوا فقتلوا الراعيين، وذهبوا
بالإبل، وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين، فأرسلهم إليهم، وبعث معهم قائفا
يقتص أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم.

وفي
“صحيح البخاري” من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أنه قال:
قدم رهط من
عكل فأسلموا، واجتووا المدينة فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له
فقال: “الحقوا بالإبل، واشربوا من أبوالها وألبانها”. قال: فذهبوا
فكانوا فيها ما شاء الله، فقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، فجاء الصريخ إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في طلبهم، فلم ترتفع الشمس حتى أتي بهم، فأمر
بمسامير فأحميت فكواهم بها، وقطع أيديهم وأرجلهم، وألقاهم في الحرة يستسقون فلا
يسقون، حتى ماتوا ولم يحسمهم
وفي رواية عن أنس، قال: فلقد رأيت أحدهم يكدم
الأرض بفيه من العطش. قال أبو قلابة: فهؤلاء قتلوا، وسرقوا، وكفروا بعد إيمانهم،
وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد
روى البيهقي من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن محمد بن عبيد
الله، عن أبي الزبير، عن جابر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث في
آثارهم قال: “اللهم عم عليهم الطريق، واجعلها عليهم أضيق من مسك جمل”.
قال: فعمى الله عليهم السبيل فأدركوا، فأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم
وفي “صحيح مسلم

 

قصة حاطب بن أبي بلتعة

قال محمد بن
إسحاق: حدثني محمد بن جعفر، عن عروة بن الزبير وغيره
من علمائنا قالوا:
لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب
حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة – زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة،
وزعم لي غيره أنها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب – وجعل لها جعلا على أن تبلغه
قريشا فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به، وأتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام
فقال: “أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما
قد أجمعنا له من أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالخليقة خليقة بني أبي أحمد، فاستنزلاها
فالتمساه في رحلها فلم يجدا فيه شيئا فقال لها علي: إني أحلف بالله ما كذب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك، فلما رأت
الجد منه قالت: أعرض. فأعرض، فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه،
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا
فقال: “يا حاطب ما حملك على هذا؟” فقال: يا رسول الله، أما والله إني
لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنني كنت امرءا ليس لي في القوم من أصل
ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب يا
رسول الله، دعني فلأضرب عنقه؛ فإن الرجل قد نافق. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: “وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال: اعملوا
ما شئتم فقد غفرت لكم” وأنزل الله في حاطب:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ
الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ
إلى آخر القصة. هكذا أورد ابن إسحاق هذه
القصة مرسلة وقد ذكر السهيلي أنه كان في كتاب حاطب: إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره
الله عليكم، فإنه منجز له ما وعده. قال: وفي “تفسير ابن سلام” أن حاطبا
كتب: إن محمدا قد نفر؛ فإما إليكم وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر.

وقد قال
البخاري: ثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني
الحسن بن محمد، أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع، سمعت عليا يقول:
بعثني رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: “انطلقوا حتى تأتوا روضة
خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها”. فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى
أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتاب. فقلنا:
لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى
الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم
ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا حاطب ما هذا؟” فقال: يا
رسول الله لا تعجل عليّ إني كنت امرءا ملصقا في قريش – يقول: كنت حليفا ولم أكن من
أنفسها – وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم،
فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله
ارتدادا عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أما إنه قد صدقكم”. فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.
فقال: “إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا
ما شئتم فقد غفرت لكم”. فأنزل الله السورة
يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ
إلى قوله: فقد ضَلَّ
سَوَاءَ السَّبِيلِ
.

وأخرجه بقية
الجماعة إلا ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الإمام
أحمد: ثنا حجين ويونس قالا: حدثنا ليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله،
أن حاطب بن
أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد غزوهم، فدل
رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرأة التي معها الكتاب، فأرسل إليها، فأخذ
كتابها من رأسها، وقال: “يا حاطب أفعلت؟” قال: نعم. قال: أما إني لم
أفعله غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا، قد علمت أن الله مظهر رسوله
ومتم له أمره غير أني كنت عريرا بين ظهريهم، وكانت والدتي معهم، فأردت أن أتخذ هذا
عندهم. فقال له عمر: ألا أضرب رأس هذا؟ فقال: “أتقتل رجلا من أهل بدر وما
يدريك

سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر

قال الإمام
مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل
الساحل، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلاثمائة. قال جابر: وأنا فيهم،
فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد، فأتوا أبا عبيدة بأزواد ذلك الجيش،
فجمع كله، فكان مزودي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني، فلم يكن
يصيبنا إلا تمرة تمرة. قال: فقلت: وما تغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت.
قال: ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الضرب. قال: فأكل منه ذلك الجيش ثماني
عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت
تحتهما فلم تصبهما. أخرجاه في “الصحيحين” من حديث مالك، بنحوه.

وهو في
“الصحيحين” أيضا من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن
جابر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، نرصد
عيرا لقريش، فأصابنا جوع شديد، حتى أكلنا الخبط، فسمي ذلك الجيش جيش الخبط. قال: ونحر
رجل ثلاث جزائر، ثم نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاثا، فنهاه أبو عبيدة. قال: وألقى البحر
دابة يقال لها: العنبر. فأكلنا منها نصف شهر وادهنا، حتى ثابت إلينا أجسامنا وصلحت.
ثم ذكر قصة الضلع. فقوله في الحديث: نرصد عيرا لقريش. دليل على أن هذه السرية كانت
قبل صلح
الحديبية
. والله أعلم. والرجل الذي نحر لهم الجزائر هو قيس بن سعد بن عبادة،
رضي الله عنهما.

وقال الحافظ
البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق، ثنا إسماعيل بن
قتيبة، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا أبو خيثمة، وهو زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن
جابر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر علينا أبا عبيدة، نتلقى عيرا
لقريش، وزودنا جرابا من تمر، لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة.
قال: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: كنا نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها
الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله بالماء فنأكله.
قال: فانطلقنا إلى ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم،
فأتيناه فإذا به دابة تدعى العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة. ثم قال: لا، بل نحن رسل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، وقد اضطررتم؛ فكلوا. قال: فأقمنا
عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، ولقد كنا نغرف من وقب عينه بالقلال الدهن،
ونقتطع منه الفدر كالثور، أو كقدر الثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا،
فأقعدهم في عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه، فأقامها ثم رحل أعظم بعير منها، فمر تحتها،
وتزودنا من لحمها وشائق، فلما قدمنا المدينة
أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: “هو رزق أخرجه الله
لكم، فهل معكم شيء من لحمه تطعمونا؟” قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأكل منه. ورواه مسلم، عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس، وأبو داود، عن
النفيلي، ثلاثتهم عن أبي خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي، عن أبي الزبير محمد
بن مسلم بن تدرس المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، به.

قلت: ومقتضى
أكثر هذه السياقات، أن هذه السرية كانت قبل صلح الحديبية
ولكن أوردناها هاهنا تبعا للحافظ البيهقي، رحمه الله فإنه أوردها بعد مؤتة وقبل
غزوة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار