علم

الفصل العاشر: عدم تغير الابن



الفصل العاشر: عدم تغير الابن

الفصل
العاشر: عدم تغير الابن

 

35-
أما بخصوص قولهم أن الكلمة متغير، فان مناقشة هذا الأمر غير ذات نفع، لأنه يكفى
فقط أن أسجل ما يقولونه لتوضيح مدى جسارتهم وعدم تقواهم. فها هى الأقوال التى
يهذون ويثرثرون بها متسائلين: “هل هو حر (فى ذاته) أم هو ليس كذلك؟ هل هو
صالح من تلقاء نفسه بحسب هذه الحرية الذاتية وهل يستطيع بذلك أن يتغير – أن أراد –
لكونه من طبيعة متغيرة أم أنه مثل الحجر والخشب، لا يملك حرية الحركة والاتجاه الى
هذه الناحية أو تلك؟ “فليس غريباً على هرطقتهم أن يتكلموا ويفكروا بمثل هذه
الأمور. ففى احدى المرات أخترعوا لأنفسهم مثل هذه الأقوال التى تناسب المخلوقات.
وحيث أنهم فى مجادلتهم مع رجال الكنيسة يستمعون منهم عن كلمة الآب الوحيد الحقيقى.
ومع ذلك يتجاسرون أن يتفوهوا عنه بمثل تلك الأقوال، فمن يستطيع اذن أن يرى أدنس من
هذه العقيدة؟.

 

ومن
هو الذى بمجرد استماعه لهؤلاء، لا ينزعج ويصم آذانه – حتى ان لم يكن فى وسعه أن
يدحض أقوالهم – ويقف مشدوهاً من تلك الأقوال التى يرددها هؤلاء، وهو يستمع إلى
كلماتهم المبتدعة التى يعتبر مجرد النطق بها كفراً وتجديفاً؟ لأنه ان كان الكلمة
متغيراً وقابلاً للتحول، ففى أى نقطة إذن سيتوقف (عن التغيير)، وماذا ستكون نهاية
عملية تطوره هذه؟ وكيف يمكن أن يكون المتغير مشابهاً لغير المتغير؟ وكيف يمكن أن
يعتبر الذى رأى المتغير أنه قد رأى غير المتغير؟ وما هى الحالة التى يجب أن يصير
إليها حتى يستطيع الواحد منا أن يرى الآب فيه؟

 

إذ
يكون من الجلى (حسب افكارهم) أننا لن نرى الآب فيه فى كل الأوقات. إذ يكون الابن
دائم التغير. ويكون من طبيعة متغيرة دائماً. ولأن الآب غير متغير وغير متحول. وهو
دائماً هو نفسه كذلك (أى بدون تغير). أما الابن فان يكن بحسب أفكارهم متغيراً. وهو
ليس دائماً هو ذاته. بل تكون له طبيعة دائمة التغير. كيف يمكن أن يكون مثل هذا هو
صورة الآب. وهو ليس مثله فى عدم التغير.؟ وكيف يمكن أن يكون (الابن) فى الآب كلية،
ان كان هدفه وقصده مشكوكاً فيه؟ بل ربما بسبب كونه متغيراً. ودائم التقدم. فلا
يكون كاملاً بعد.

 

ولكن
فليتلاشى مثل هذا الجنون الذى للآريوسيين، أما الحق فليلمع ويبرق ليكشف أنهم
مجانين.

 

لأنه
كيف لا يكون كاملاً هذا الذى هو مساو لله؟ أو كيف لا يكون غير متغير هذا الذى هو
واحد مع الآب، وهو نفسه ابنه من ذات جوهره؟ ولأن جوهر الآب غير متغير. فبالضرورة
يكون نتاجه الذاتى أيضاً غير متغير.

 

فإن
كانوا يفترون هكذا بنسبتهم التغير للكلمة. فليتعلموا مدى الخطورة الكامنة فى
فكرهم، لأن “الشجرة تعرف من ثمرها” (متى33: 12)، ولهذا أيضاً “فان
من قد رأى الابن فقد رأى الآب” (يو9: 14)، ولهذا أيضاً فان معرفة الابن هى
أيضاً معرفة الآب.

 

36-
ولذلك فان صورة الله غير المتغيرة ينبغى أن تكون ثابتة غير متغيرةن لأن “يسوع
المسيح هو هو أمس واليوم والى الابد” (عب8: 13). وداود يقول مترنماً به:
“أنت يا رب منذ البدء أسست الأرض، والسموات هى عمل يديك. هى ستتلاشى وأنت
ستبقى، وكلها كثوب ستبلى وكرداء تطويها فتتغير ولكن أنت أنت وسنوك لن تنتهى”
(مز26: 102-28، و2عب10: 1-12).

 

والرب
نفسه يقول عن نفسه بواسطة النبى “أنظروا إلى فترون أنى أنا هو” (تث39:
32) وأيضاً “لا أتغير” (ملاخى6: 3) وربما يقول أحد أن المقصود هنا هو
الآب، ولكنه يناسب أن يطلق هذا على الابن أيضاً. وخاصة لأنه حينما يصير أنساناً،
فإنه يظهر شخصيته كما هى ويظهر عدم تغيره. وذلك بالنسبة لأولئك الذين يتصورون أنه
بما أنه أتخذ جسداً فإنه قد تغير وصار آخراً.

 

أن
القديسين أصدق عهداً وأمانة من سوء نية عديمة التقوى فكم بالاحرى يكون الرب. فإن
الكتاب – كما جاء فى قراءة المزمور سالف الذكر – عن طريق اشارته إلى السماء
والأرض، يذكر أن طبيعة كل المخلوقات وكل الكائنات، هى متغيرة ومتحولة وبإستبعاده
الابن عنها (المخلوقات). فإنه يبين بأنه (أى الابن) ليس مخلوقاً على الاطلاق بل هو
بالاحرى يغير الأشياء. بينما هو نفسه لا يتغير. كما يعلم (الكتاب) بقوله “أنت
أنت وسنوك لن تنتهى” (عب12: 1) أنه (أى الابن) لا يتبدل ولا يتغير. وهذا حقاً
أمر طبيعى، لأن الأشياء المخلوقة بما أنها نشأت من العدم، ولكونها لم تكن كائنة
قبل أن تخلق، لذلك فإن لها طبيعة متغيرة حيث أنها عموماً قد خلقت من العدم. أما الابن
فإنه كائن من الآب وهو من ذات جوهر الآب، لذلك فه غير متغير أو متبدل مثل الآب
نفسه. لأنه ليس من العدل أن يقول أحد أن من جوهر غير المتغير يولد كلمة متغير.
وحكمة قابلة للتحول. إذ كيف يمكن أن يكون هو الكلمة أن يكن قابلاً للتغير؟. أو كيف
يمكن أن تكون حكمة تلك التى تكون قابل للتحول؟ إلا إذا كان عرضاً فى الجوهر – كما
ربما يريدون أن يبينوا أنه هكذا: أى أنه فى حالة جوهر ما. تكون هناك نعمة ما أو
ممارسة فضيلة بشكل عارض. وهكذا يسمون هذا أنه كلمة وابن وحكمة بحيث يكون قابلاً
للانتقاص منها أو الاضافة عليه. لأنه يعتقدون بمثل هذه الأمور. وكثيراً ما تحدثوا
عنها. إلا أن عقيدتهم هذه ليست من الإيمان المسيحى لأنهم لا يظهرون أنه الكلمة
وابن الله بالحقيقة. ولا (يظهرون) أن الحكمة هى حكمة حقيقية.

 

لأن
ما يتحول ويتبدل وليس ثابتاً على نفس الحال الواحد كيف يمكن أن يكون حقيقيا؟.

 

بينما
يقول الرب “أنا هو الحق” (يو6: 14)، فإن كان الرب نفسه يقول هذا القول
عن ذاته وهو يشير بهذا الى وجوب عدم قابليته الذاتية للتغير. والقديسون تعلموا نفس
هذه الحقيقة وشهدوا بها. فان كانت الأفكار عن الله تعرف هذا الأمر بورع وتقوى فمن
أين إذن ابتدع هؤلاء الناس عديمو التقوى. هذه الآراء؟ نعم. أنهم من قلوبهم.
يتقيأون هذا الفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار