اللاهوت الروحي

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

لسقوط وقيام كثيرين

41- لسقوط وقيام كثيرين

” هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في بني
إسرائيل، ولعلامة تقاوم” (لو2: 34)

كانت نبوءة من سمعان الشيخ عن السيد المسيح إنه:
“لسقوط وقيام كثيرين
for the fall and rising of many ولعلامة تقاوم” (لو2: 34).. فمتي تحققت هذه النبوءة؟ وهل
كانت عن مناسبة الميلاد فقط، أم امتدت إلى نهاية هذا الدهر؟

كون مجئ المسيح لقيام كثرين، هذا أمر معقول
يقبله لكل.

ولكن عجيبة حقاً هي عبارة ” لسقوط.. كثيرين
” فكيف ذلك؟

سنشرح كيف تمت هذه العبارة، ولنضرب المثل الأول:

إن كان المجوس قد فرحوا فرحاً عظيماً لما رأوا
النجم الذي أرشدهم إلى مكان الرب (مت1: 10)، فذهبوا وقدموا له هداياهم.. فإنه في
نفس الوقت قيل عن هيرودس الملك إنه لما سمع عن ميلاد المسيح ” اضطرب وجميع
أورشليم معه” (مت2: 3).

 

كان ميلاد المسيح سبب فرح للمجوس، وسبب اضطرب!
أهو ملك حقاً؟ وهل يوجد ملك غيري؟! وكيف أتركه يملك؟! إن هذا مستحيل. لذلك اضطرب
وفكر أن يقتل المسيح!

 

مسكين أنت يا هيرودس! هل ظننت في جهلك أن السيد
المسيح قد جاء لينافسك في ملكك! حقاً إنه ملك الملوك، ولكن مملكته ليست من هذا
العالم (يو18: 36). هل أنت خائف منه لئلا يهو عرشك ويسلبك تاجك؟ اطمئن. إن لعبة
التيجان تليق بالصغار أمثالك يتلهون بها. أما السيد المسيح فهو اسمي من التيجان
واسمي من العروش.

 

السماء هي عرشه. والأرض بما فيها عرشك هي موطئ
قدميه (مت5: 34).

 

لقد جاء السيد المسيح من أجلك أيضاً، ليحررك:
يحررك من عبودية الذات، ومن عبودية الشهوات، ويحررك من إغراء التيجان والعروش.
يجعل نفسك طليقة تعلو في السماء كالنسور. تعلو مستوي التيجان والعروش والنياشين.

 

لو كان هيرودس يفكر في خلاص نفسه، لفرح بمجئ
المسيح.

 

وكان يمكنه أن يفرح أيضاً، لو كان يهمه خلاص
العالم، أو على الأقل كان يفرح لأن النبوءات تحققت في عهده. ولكنه كان أحد الذين
سقطوا لأنه تمركز حول ذاته لذلك فكر أن يقتل المسيح

 

أراد أن يقتل من بيده مفاتيح الحياة والموت،
الذي حياة هيرودس معلقة بمشيئته. ولإرادة هيرودس لم تكن عن جهل، بل عن معرفة، بعد
أن سأل الكهنة والكتبة وسمع النبوءة. وفي غضبه تحدى الله.

 

فهل أنت يأخى كهيرودس تخاف أن يكون المسيح
ملكاً؟

 

فترفض أن يملك عليك، لئلا يحطم اصناماً داخل
ذاتك.. وتري أن ملك المسيح هو صليب سوف تحمله، يقف ضد رغباتك الخاطئة.

 

هل تخاف أن حريتك بدخول المسيح في حياتك. وتقول
خير لي أن المسيح لا يوجد، لكي أوجد أنا [حسب منطق الوجوديين]؟!

 

كان المسيح لقيام كثيرين كيوحنا المعمدان الذي
قال: “ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقض” (يو3: 30). وكان لسقوط كثيرين
مثل هيرودس الذي انطبقت عليه عبارة: “من وجد نفسه يضيعها ” (مت10: 39).

 

42- سقوط وقيام

كثيرون لا يفرحون بمجيء المسيح لأنهم غير
مستعدين للقاؤه.

لو عرفوا أن المسيح قد جاء يخافون أن يكشفهم، أو
يضبطهم في خطية، أو يحرمهم من مشغوليات تبهجهم، وهم غير متفرغين له!

 

كذلك في المجيء الثاني سيكون المسيح لسقوط وقيام
كثيرين!

 

سيفرح المؤمنين الحقيقيون بمجيء الرب، إذ يأخذهم
معه على السحاب في المجد، ويكونون مع الرب كل حين. بينا آخرون “يقولون للجبال
غطينا، وللتلال اسقطي علينا” (رؤ6: 16) لأنه “مخيف هو الوقوع في يدي
الله الحي” (عب10: 31). إنها ساعة يتقرر فيها المصير، مثل عبور البحر الأحمر،
كان سبب خلاص أولاد الله، وسبب هلاك فرعون وجنوده.

 

من الذين سقطوا بمجيء المسيح؟ لاشك أولهم
الشيطان.

 

قال الرب عنه: “أبصرت الشيطان ساقطاً مثل
البرق من السماء” (لو10: 18). نعم إن كل ما فعله الشيطان وما سيفعله ضيعه
الرب كله حينما قال على الصليب قد أكمل.. فصار تعب الشيطان باطلاً بالنسبة إلى
المفديين. وختم الرب على هذا السقوط بقوله: ” رئيس هذا العالم قد دين”
(يو16: 11). وعبارة سقوط كثيرين لا تعني الشيطان فقط بل كل جنده أيضاً، إذ قد طرح
الذي كان يضل العالم ” وطرحت معه ملائكته” (رؤ12: 7 9).

 

من الأعداء الكثرين الذين يسقطون: الإنسان العتيق.

 

إن الرب بتجسده وفدائه، منح نعمة للمؤمنين
ينالونها في المعمودية، إذ يسقط الإنسان العتيق، يموت ويدفن (رو6).؟ ويقوم إنسان
آخر في ” جدة الحياة ” قد لبس المسيح (غل3: 27). حقاً في المعمودية سقوط
وقيام كثرين.

 

ومن الأمثلة الجميلة للسقوط والقيام، شاول وبولس:

 

سقط شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة، يجر
رجالاً ونساء إلى السجن، وقام مكانه بولس الرسول الذي تعب في الكرازة أكثر من
الجميع وصنع معجزات، وأسس الكنائس، وأرسل الرسائل، ونال إكليل الشهادة.

 

وسقط كهنة اليهود، ليقوم كهنة على طقس ملكي
صادق.

 

قال السيد المسيح في تغيير هؤلاء الوكلاء:
“إن ملكوت الله ينزع منكم، ويعطي لأمه تصنع ثماره” (مت21: 43).. وبالمثل
فعل مع الناموسيين والصدوقيين، وشهد العالم سقوط وقيام كثيرين. وقام كهنوت على طقس
ملكي صادق.

 

سقط المعلمون الكذبة وفي مقدمتهم الكتبة
والفريسيون والشيوخ.

 

سقطت هيبتهم في أعين الناس، وسقط تعليمهم، وسقطت
كبرياؤهم وافحمهم السيد المسيح في كل مناقشة، وأثبت للكل فساد ما يفعلون به. ورأي
الناس أنه قد قام معلم عظيم “بهتوا من تعليمه” يعلمهم بسلطان وليس
كالكتبة. وأخيراً تحطم الكتبة والفريسيون بقول السيد لهم في (مت23): “ويل لكم
أيها الكتبة والفريسيون المراءون”.. حيث شرح في تفصيل شديد كل أخطائهم
وانتهوا من تاريخ اليهود، ليقوم مكانها معلمون آخرون اختارهم الرب.

 

43- هذا قد وَضِعَ لسقوط وقيام كثيرين

وفي سقوط كثرين نذكر أيضاً الوثنية بكل رجالها

كل فلسفاتها قد سقطوا، سواء مدرسة الإسكندرية
الوثنينة التي سقطت بقيام مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي أقامها مارمرقس. أو
مثلما حدث في قصة أسطفانوس الشماس الأول الذي قيل عنه إنه وقفت ضده مجامع
الليبرتينيين، والقيروانيين، والإسكندريين، مع الذين من كيليكيا وآسيا ” ولم
يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به” (أع6: 9، 10).

 

وقامت المسيحية منتصرة في صراعها مع الأديان
الأخري.

 

قال السيد المسيح: “ما جئت لألقي سلاماً
على الأرض بل سيفاً ” أي الصراع الذي يقوم بين الإيمان وكل معارضيه. أما الذي
سقط في هذا الصراع فهو الأديان الأخري كلها: الأديان الرومانية بزعامة جوبتر،
والأديان اليونانية بزعامة زيوس، والأديان المصرية بزعامة رع، وأديان أخري كثيرة
في الشرق، مع عبادات الأرواح والنار والأجداد.. وسقطت الوثنية وكل فلسفتها وكل
حكمتها. وشهد العالم فترة من الكرازة ومن الاستشهاد، ظهر فيها سقوط وقيام كثيرين..

 

وتحقق قول الرسول: “اختار الله جهال العالم
ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء
العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود” (1كو1: 27، 28).

 

وإذا بالصبا الأمي يقف أمام اساطين مجمع
السنهدريم، ليقول لهم في شجاعة ” ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس “.
ويقف السيد المسيح ليقول: “أحمدك أيها الآب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء
والفهماء، وأعلنتها للأطفال” (مت11: 25) وشهد التاريخ في إنتشار المسيحية
سقوط وقيام كثيرين.

 

لذلك كان المتواضعين في مقدمة الذين قاموا.

 

لقد تحققت تسبحة العذراء التي قالت فيها:
“انزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتواضعين” (لو1: 52). هنا انزال ورفع:
سقوط وقيام..

 

هذه العذراء المسكينة اليتيمة التي سلموها لنجار
يرعاها، أصبحت جميع الأجيال تطوبها. ومزود البقر مزاراً للعالم كله، مكاناً
مقدساً، تنحني أمامه رؤوس الأباطرة والملوك تطلب بركة ترابه. والصيادون الفقراء
صاروا قادة العالم وكهنته ورعاته ومعلميه.

 

” الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد
صار جديداً” (2كو5: 17).

 

ومن الكثرين الذين سقطوا، مفاهيم كثيرة..

 

مفاهيم الناس السابقة عن العظمة والقوة والحرية
وما أشبه، تغيرت إلى العكس سقطت وأقام السيد مكانها مفاهيم جديدة. فلم يعد القوي
هو الذي يضرب غيره على الخد والخد الآخر. إنما القوي هو الذي يحتمل، كما قال
الرسول: “يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتل ضعفات الضعفاء” (رو15: 1).

 

و العظمة صارت في الاتضاع وليس في الكبرياء.
ووضع الرب هذه المبادئ الجملية ” من رفع نفسه يتضع. ومن وضع نفسه
يرتفع”، “من وجد نفسه يضيعها. ومن أضاع نفسه من أجلي يجدها”.

 

إننا على أبوابها عام جديد. ونريد أن تنطبق
علينا عبارة ” قيام كثيرين “.

 

فيقيمنا الرب بنعمته وبروحه القدوس، وبعمله الدائم
فينا. يقيمنا عن يمينه ويقول لنا: “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد
لكم منذ تأسيس العالم” (مت25: 34).

 

إنه أقام كثيرين لا نستطيع أن نحصي عددهم، ربوات
ربوات وألوف، اولئك الذين ينشدون للرب أغنية جديدة في ملكوته.. فلنكن من هؤلاء.

بقي أن نقول إن السقوط والقيام على الأرض هو
بصفة مؤقته يمكن أن تتغير بعد حين، لتعد لسقوط أو قيام أبديين. وليت الجمع يهتمون
بأبيتهم من الآن.

وليتنا نتناول باستحقاق في بداية هذا العام
ولنعرف:

إن التناول هو أيضاً وسقوط كثيرين

قيامهم في حالة الاستحقاق، إذ يثبتون في الرب
(يو6: 56)

السقوط في حالة عدم الاستحقاق، إذ يتناولون
دينونة لأنفسهم (1كو11: 29).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار