كتب

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل
السادس

من
هو كاتب هذا الكتاب؟

أين
ومتى كتب؟

 

درس
العلماء، علماء الآثار وعلماء الكتاب المقدَّس، المخطوطة الإيطاليَّة لهذا الكتاب
المزيَّف، وبعد البحث والدراسة إتَّضح لهم أنَّها لا يمكن أنْ ترجع لما قبل نهاية
القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر بأيَّة حالٍ من الأحوال. فنوع الورق
إيطاليّ مميَّز، والحبر المستخدم لم يُعرف قبل النصف الثاني من القرن السادس عشر،
ونوع الخطّ المستخدم، وهو إيطاليّ، لا يرجع لأبعد من القرن السادس عشر، كما أنَّ
أسلوبه إنشائيّ ولا يتَّفق مع أسلوب السيِّد المسيح السامي في البساطة، ولغته هي
الإيطاليَّة، لغة أهل توسكانيا مع تعابير من لغة فينسيا، وهذه اللغة وهذا الأسلوب
لم يُستخدما ولم يُشيعا في الكتابة قبل استخدام الشاعر الإيطاليّ ” دانتي
ألريجييري المتوفى سنة 1321م، علمًا بأنَّ الأناجيل القانونيَّة (الصحيحة) كُتِبَت
باليونانيَّة والآراميَّة، والكتابات الأبوكريفيَّة كُتِبَتْ باليونانيَّة
والآراميَّة واللاتينيَّة والسريانيَّة والقبطيَّة، وهي اللغات التي كانت سائدة في
القرون الأربعة الأولي للميلاد، ولم يكنْ للإيطاليَّة أيّ وجود قبل بداية القرن
الرابع عشر الميلاديّ.

وهناك
ملحوظة هامَّة وهي: أنَّ كاتب النصّ الأصليّ الإيطاليّ إستخدم كلمة ديناريوس
Denarius (1) الأسبانيَّة في قوله ” لأن من يأخذ بالصرافة قطعة ذهب (golen denarius) يجب أن يكون معه ستون فلسُا ” (ف22: 54). وهذا يدلّ علي
البيئة الأسبانيَّة والأصل الأسبانيّ لهذا الكتاب!!

أمَّا
النصّ الأسبانيّ فمن الواضح أنَّه لا يرجع لما قبل القرن السادس عشر وهو أقرب
تاريخ للنصِّ الإيطاليّ ويري أغلب الدارسين أنَّه مكتوب في نفس وقت وزمن النصّ
الإيطاليّ، وقد خرج كلاهما من بين جماعات المورسكوس وأنَّ كاتبه كان يعرف
الإيطاليَّة جيدًا ويبدو أنَّه عاش لفترة راهبًا بعد تحوُّله إلي المسيحيَّة وهذا
يُفسِّر لنا الأفكار والأحاديث النسكيَّة الرهبانيَّة الكثيرة في هذا الكتاب.
ويذكر لنا تاريخ المورسكوس أنَّ الكثيرين منهم، خاصَّةً الذين اعتنقوا المسيحيَّة
برغبتهم، بعد سقوط الأندلس وقبل سقوط غرناطة، دخلوا الأديرة وصاروا رهبانًا
ونساكًا واختير منهم عددًا من الكهنة والكرادلة. وربما يكون من دعي ب “فرا
مارينو” أحد هؤلاء وارتدَّ عن المسيحيَّة وعاش في إيطاليا، إنْ كان له وجود
أصلاً.

 

فمن
هو كاتب هذا الكتاب المزيف؟

يري
النقَّاد والدارسون الذين درسوا هذا الكتاب المزيَّف والمدعو زورًا بإنجيل برنابا
أنَّ الكاتب هو أحد الفئات الثلاث الآتية:

أولاً:
جماعة المورسكوس الأندلسيِّين:

يرى
أكثر الدارسين حالياً، خاصَّة المتخصِّصين في الدراسات الأندلسيَّة الخاصَّة
بالمورسكوس
Moriscos (2) أو المورسكيِّين، بعد تقديم الكثير من الأدلَّة والبراهين التي
تثبت أنَّ كاتب هذا الكتاب المزيَّف، سواء بنصِّه الإيطاليّ أو الأسبانيّ، هو أحد
المسلمين الأندلسيِّين، العرب المتنصِّرين – المورسكوس، الذين أُجبروا علي
الارتداد عن الإسلام والدخول في المسيحيَّة بعد سقوط غرناطة سنة 1492م وانتهاء
الحكم الإسلاميّ في الأندلس نهائيًا. وقد كتبه في نهاية القرن السادس عشر أو بداية
القرن السابع عشر. ويقف علي رأس هؤلاء الدارسين:

البروفيسور
مايكل دي إبالزا
de Epalza, Prof. ولويس برنابي L.Bernabé , ود. جيرارد ويجرز Dr.
Gerard Wiegers
وجارسيا جوميه E.Garcia Gomez وفان كونينجزفيلد P.S.van
Koningsveld
وجان سلوب J.Slomp ود. سوكس D.Sox , و Christine Schirrmacher
00
إلخ
(3)

ويري
هؤلاء أنَّ البيئة الأندلسيَّة التي عاش فيها هؤلاء المورسكوس هي الوسط الذي كُتب
فيه هذا الكتاب المزيَّف. ومن أهم الأدلَّة علي ذلك:

(1)
وجدت إشارة في مخطوطة كتبها أحد هؤلاء المورسكوس ويُدعي إبراهيم الطيبيلي أو الطيب
على
Al – Taybili، في تونس، وهو أندلسيّ المولد من توليدو بأسبانيا وله اسم أسبانيّ
هو جوان بريه
Juan Perez. وترجع لحوالي سنة 1634م، تتكلَّم عن إنجيل برنابا الذي يُبَشِّر
بمجيء محمد.

وهي
محفوظة الآن بمكتبة مدريد بأسبانيا تحت رقم (
BNM MS 9653) وكان قداأكتشفها لويس كارديلاك Louis Cardaillac.

وقد
كان إبراهيم الطيبيلي هذا، والذي كتب عددًا من الأعمال الإسلاميِّة التي ظهرت في
أرجوان هو أوَّل من أشار إلي إنجيل برنابا وشاركه في ذلك محمد روبيو
Muhammad Rubio، إلي جانب مصطفي العرندي.

(2)
وفي مقالة بعنوان ” أصل أسبانيّ ” كتب كلٍّ من جارسيا جوميه ودي إبالزا
يقولان؛ وكان هؤلاء المورسكوس قد برعوا في القرن السادس عشر في المزيَّفات
الإسلاميَّة – المسيحيَّة، والمسمَّاة (
Jofores) أي النبوَّات
والتي نسبوها لمسلمين قدماء وبعض قدماء المسيحيَّين، وهي تتنبَّأ عن عودة المسلمين
ثانية إلي الأندلس وإعادة غزوها من جديد. وقد جاء إنجيل برنابا كجزء من هذه
المزيِّفات التي تحتوي علي ثقافة مزدوجة (إسلاميَّة – مسيحيَّة) لإدخالها في
المجتمع الأسبانيّ.

(3)
كما قدَّم دي إبالزا الكثير من الأدلَّة التي تُبرهن علي أنَّ المكان الذي وُجد
فيه وخرج منه إنجيل برنابا المزيَّف هو بين جماعة المورسكوس في أسبانيا وفي الأغلب
في غرناطة حيث كُتبت هناك كلٍّ من النسختَين الإيطاليَّة والأسبانيَّة. كما يذكر
دي إبالزا أيضًا أسماء العديد من العلماء والرحَّالة والديبلوماسيِّين الذين كانوا
وسيلة لنقل كلاً من النسختَين الأسبانيَّة والإيطاليَّة إلي إنجلترا و
Netherlands.

(4)
ويجب أنْ لا يغيب عن بالنا شخصيَّة مصطفي العرندي أحد هؤلاء المورسكوس والذي كان
له دورٌ هامٌّ في خروج وظهور هذا الكتاب المزيَّف، فهو الذي زعم في مقدِّمة
المخطوطة الأسبانيَّة أنَّه الذي قام بترجمتها في استانبول من الإيطاليَّة إلي
الأسبانيَّة، ومن الواضح أنَّه يتميَّز بمعرفة جيِّدة للثقافتَين الأسبانيَّة
والإيطاليَّة فضلاً عن الإسلاميَّة وروايته لرواية الراهب المزعومة ودوره في كتابة
هذا الكتاب المزيَّف وتأليفه.

(5)
ويذكر دي إبالزا ظهور الكثير من الكتب المسيحيَّة المزيَّفة في غرناطة في تلك
الفترة والتي سُمِّيَت برسائل القدِّيس يعقوب، وأعمال سيِّدنا يسوع والعذراء مريم،
وكتاب حقيقة الإنجيل برواية العذراء مريم عن القدِّيس يعقوب، وفيه تجيب عن أسئلة
تلاميذ المسيح. وكانت هذه النصوص المزعومة تُعَدّ لظهور هذا الإنجيل المزعوم الذي
وصفوه بالإنجيل الحقيقيّ الذي سينطلق من أسبانيا. وقد اِنتقلت هذه المزيَّفات إلي
شمال أفريقيا بواسطة أندلسيّ من غرناطة، كان يعرف العربيَّة والأسبانيَّة وله
علاقات مع الأندلسيِّين في المنفي بالمغرب ومصر وتونس واستنبول، اسمه أحمد
الهاجري.

(6)
وقد برهن البروفيسور دي إبالزا، سنة 1987م في دراستَين إحداهما بالأسبانيَّة
والأخري بالألمانيَّة عن المورسكوس، من خلال تحليله لقصيدة إسلاميَّة هامَّة
لإبراهيم الطيبيلي أشار فيها إلي محمد رسول الإسلام كالمسيَّا، وأيضًا في بحث
مكَوَّن من 834 صفحة في خمسة أجزاء قُدِّم إلي جامعة
Alican t
سنة 1992م، علي أنَّ مصدر إنجيل برنابا هو جماعة المورسكوس وأنَّه كُتب بواسطتهم
وخرج من عندهم ولا يُوجد له أيّ مصدر مسيحيّ.

ويتَّفق
مع دي إبالزا علي أنَّ كلَّ الأفكار اليهوديَّة والمسيحيَّة الموجودة في هذا
الكتاب المزيَّف ترجع لتراث يهوديّ مسيحيّ إسلاميّ مشترك في أسبانيا.

(7)
ويذكر لويس برنابي أنَّ كاتب الإسلاميَّات الهولنديّ إدريان ريلاند
Adriaan Reeland كان قد سمع سنة 1705م عن تأليف إنجيل جديد في مخطوطة عربيَّة أسبانيَّة

 

المورسكوس
ولقب المسيَّا:

ثم
يقول برنابي لماذا إختار الكاتب المزيَّف لقب المسيَّا لمحمد ونزعه من يسوع؟
ويُجيب لأنَّ لقب المسيَّا كان يُقدَّم لهؤلاء المورسكوس عند تعليمهم العقيدة
المسيحيَّة باعتباره، كما جاء في نبوَّات العهد القديم، اللقب الذي يتعلَّق به كلّ
ما يختصّ بالمسيح كالفادي والمخلِّص ومشتهي كلّ الأمم والإعلان النهائيّ وختام
النبوَّات الذي تمَّت فيه جميع النبوَّات. وهذا ما لم يقبلْه هؤلاء المورسكوس مثل
الطيبيلى!! ومن ثمَّ انتزعوا اللقب من المسيح وأعطوه لمحمد لأنَّ محمد في الإسلام
هو خاتم الأنبياء الذي جاء للعالمين، أمَّا المسيح، من وجهة نظرهم، فقد جاء لليهود
فقط، لذا فمحمد يستحق اللقب أكثر من يسوع من وجهة نظر بعض هؤلاء المورسكوس!!

ويتساءل
د. جيرارد ويجرز
Dr. Gerard Wiegers عن وضع لقب المسيَّا لمحمد وليس ليسوع وإنْ كان هنالك أي أثار على
ذلك عند المورسكوس؟ ويُجيب متَّفقًا مع كلِّ من دي إبالزا ولويس برنابي، كانت فكرة
نسب لقب المسيَّا لمحمد كامنة عند جماعة صغيرة من المورسكوس في بداية القرن السابع
عشر. وقد وجد الدارسون للفترة وكتابات المورسكوس ذلك في المخطوطة ”
BNM MS 9655 ” والمحفوظة بمكتبة مدريد. هذه المخطوطة والمعروفة برقم
” 9655 ” كتبها، هي وعدة كتابات أخري، شخص يُدْعَي جوان ألونسو
Juan Alonso من أراجون بأسبانيا فيما بين سنة 160-1612م ضد اليهوديَّة
والمسيحيَّة في هجومه علي عقائد الكنيسة الكاثوليكيَّة الرومانيَّة. وكانت هذه
الكتابات بين أيدي بعض المورسكوس. وكان جوان هذا مسيحيًا ودارسًا للاهوت ثم ترك
المسيحيَّة وارتد إلي الإسلام.

وقد
كُتبت هذه المخطوطة بالأسبانيَّة وكُتب علي هوامشها تعليقات باللغة العربيَّة
بالخطّ العربيّ المغربيّ. وعند دراستها وجد الدارسون (وعلي رأسهم د. جيرارد ويجرز
ودي إبالزا ولويس برنابي) عدد من النصوص المتماثلة بشكلٍ ملحوظٍ بينها وبين إنجيل
برنابا المزيَّف، ومن أهمِّ هذه النصوص والأفكار المتماثلة:

(1)
إعطاء لقب ” المسيَّا ” لمحمد ونزعه من يسوع، فقد زعم كاتب المخطوطة
أنَّ يسوع هو “مسيَّا الإنجيل –
Evangelico
mesias
” الذي كانت رسالته
لليهود فقط! وأنَّ محمد هو ” المسيَّا العام –
mesias genera l ” الذي جاء للعالم كلّه! وهذا ما قاله كاتب هذا الكتاب
المزيَّف بالتفصيل في (ف16: 82) ووضعه علي لسان المسيح نفسه في حواره مع المرأة
السامريَّة ” أجاب يسوع: ” حقًا أنِّي أُرسلت إلي بني إسرائيل نبيّ
خلاص، ولكن سيأتي بعدي مسيَّا المرسل من اللَّه لكلِّ العالم الذي لأجله خُلق كلّ
العالم “.

(2)
حديث هذه المخطوطة المتكرِّر عن فساد وتحريف كلٍّ من العهد القديم والعهد الجديد!!
هذا الموضوع الذي كرَّره إنجيل برنابا كثيرًا.

(3)
قام كاتب المخطوطة بعمل مقارنة بين شعائر الديانات التوحيديَّة الثلاث مثل الصلاة
والوضوء (الاغتسال) والصوم إ0الخ ثمَّ يقول إنَّ من أهم علامات فساد الكنيسة هو
معاقبتها للذين يختنون أولادهم مثل المورسكوس والمارانوس (
Marranos
– اليهود المتحوَّلين إلي المسيحيَّة مثل المورسكوس) والذين كانوا يمارسونها سرًا.
ويمثِّل موضوع الختان هذا قضيَّة كبري في هذا الكتاب المزيَّف.

قال
في مقدِّمة إنجيله المزيف ” أيَّها الأعزاء إنَّ اللَّه العظيم العجيب قد
افتدانا هذه الأيام الأخيرة بنبيِّه يسوع المسيح برحمةٍ عظيمةٍ للتعليم والآيات
التي إتَّخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوي التقوي مبشِّرين بتعليمٍ شديدِ
الكفر داعين المسيح اِبن اللَّه ورافضين الختان الذي أمر اللَّه به دائمًا “.
وفي (ف23) يذكر رواية خرافيَّة طويلة عن أصل الختان.

(4)
كما تتحدَّث المخطوطة عن الشعائر الإسلاميَّة بتعبيرات مسيحيَّة! وعلي سبيل المثال
يدعو الكاتب قراءة الفاتحة بالصلاة الربانيَّة!! وهذا ما يفعله كاتب هذا الكتاب
المزيَّف دائمًا. ويقول جان سلوب
Jan
Slomp
” وقد رأيت بنفسي
استخدام كاتب المخطوطة لكلمة ” سينوفيجا –
Cenophega
” لعيد المظال ” وهذا ما فعلة كاتب إنجيل برنابا المزيَّف في (ف30).

(5)
كما لاحظ الدارسون أخطاء ألونسو في وصفه للأفكار الإسلاميَّة والمسيحيَّة أيضًا.
وهذا ما يتكرَّر كثيرًا في إنجيل برنابا المزيَّف.

أخيرًا
يقول ويجرز أنَّ هذه المتماثلات بين المخطوطة (
BNM MS no 9655) وإنجيل برنابا المزيَّف لا يمكن أنْ تكون مُجَرَّد مصادفة بحتة،
لكنَّها توضِّح تأثير المخطوطة علي الكتاب المزيَّف لأنَّها الأقدم ولا يمكن أنْ
يكون العكس لسببٍ بسيطٍ هو أنَّ المخطوطة يُذكر بها عبارة ” يسوع ملك دمشق
” وليس ” يسوع ملك اليهود ” كما في هذا الكتاب المزيَّف، وقت الصلب،
ومن ثمَّ فقد صحَّح كاتب الكتاب ما جاء في المخطوطة.

ويقول
برنابي أنَّ المزيِّفون خطَّطوا لنشر هذا الكتاب في أسبانيا ولكن ذلك لم يتحقَّق
لأنَّ الحكومة الأسبانيَّة قامت بإجلائهم فيما بين سنة 1609 و1614م وذهبوا حاملين
هذا الكتاب إلي شمال أفريقيا ومنها إلي تونس وتركيا.

ثم
يتساءل مع دي إبالزا لماذا اختاروا البابا سكتس الخامس بالذات ليزعموا أنَّ الكتاب
خرج من المكتبة البابويَّة في عهده؟ ويُجيبان: هذه حيلة أدبيَّة للخداع وخلط
الأكاذيب بالحقيقة، فهذا البابا هو الذي أعطي الإذن للتحقيق في أصل المكتشفات التي
اكتُشفت في غرناطة سنة 1588و1595م، ولأنَّ هؤلاء المورسكوس أرادوا أنْ يُعطوا
للنسخة الإيطاليَّة مصداقية لذا زعموا قصَّة سرقة الراهب لها من مكتبة هذا
البابا!!

ويتساءلان
أيضًا لماذا اِختاروا اسم “فرا مارينو”؟ ويُجيب لويس برنابي أنَّ اسم
“فرا مارينو” هو نموذج لعالم الشرقيَّات الراهب العظيم “فراي ماركو
ماريني
Fray Marko Marini
“(1542-1594
م) الذي كان في خدمة البابا سكتس الخامس والذي أعاد كتابة
تاريخ الكنيسة بإيجاد مخطوطات قديمة جدًا، ومن ثمَّ وضعوا اِسم “فرا
مارينو” كنموذج له وجعلوه في موضع الذي أعاد اكتشاف الإنجيل!!

ثانياً:
أحد المسيحيِّين الذين ارتدُّوا عن المسيحيَّة:

و
يرى البعض، خاصَّة من الذين درسوا الكتاب في النصف الأوَّل من القرن العشرين وما
قبل ذلك وقبل ظهور الدراسات الخاصَّة بالمورسكوس والوثائق الأندلسيَّة مثل لونسدال
ولورا راج مترجمَا الكتاب من الإيطاليَّة إلي الإنجليزيَّة الذَيْن قالا ”
يمكننا الجزم بأنَّ كتاب برنابا الإيطاليّ إنما هو كتاب إنشائيّ وسواء قام به
كاهنٌ أو علمانيٌّ أو راهبٌ أو أحدُ العامَّة، فهو بقلم رجلٍ له إلمام عجيب
بالكتاب المقدَّس اللاتينيّ، يقرب من إلمام دانتي وأنَّه نظير دانتي متضلِّع في
المزامير، وهو من صنع رجلٍ معرفته للأسفار المسيحيَّة تفوق كثيرًا إطِّلاعه علي
الكتب الإسلاميَّة فيُرَجَّح إذاً أنَّه مرتدّ عن النصرانيَّة “.

كما
يقول وليم تمبل جاردنر فيقول في كتابة الذي كتبه بعد صدور الترجمتَين الإنجليزيَّة
والعربيَّة مباشرة ” إنَّ الكاتب كان واسع الإطِّلاع علي تعاليم الديانة
المسيحيَّة، وعلي الإنجيل الصحيح، قد حذا في أوائل فصوله حذو البشيرَين متَّي
ولوقا ولكنَّه يدلّ علي أنَّه لم يكنْ مسلمًا في الأصل، وأنَّ معرفته بالديانة
الإسلاميَّة كانت حاصل ما سمعه من أقوال الشُرَّاح والمفسِّرين وما عَلِمَه من
الأحاديث والتقاليد، مما يدلّ علي أنَّ الكاتب نصرانيّ من العصور الوسطي، أسلم
وأخذ قدح في النصرانيَّة وينصر الإسلام ” (4).

ويقول
الأب الحداد أيضًا، في بداية الخمسينات ” فإنجيل برنابا في تفكيره وتعبيره،
ومواضيعه وأسلوبه، الذي يذخر بالرواسب المسيحيَّة والمقالات الإسلاميَّة يدلّ علي
أنَّ واضعه مسيحيَ أسلم. فمن هو يا تُري؟ لاشكّ عندي أنَّ واضع إنجيل برنابا هو
الراهب الإيطاليّ الأخ مارينو المسلم الذي تذكره مقدِّمة الترجمة الأسبانيَّة التي
قام بها مصطفي العرندي الأندلسيّ كما نقلتها الترجمة الإنجليزيَّة وعرَّبها صاحب
الترجمة العربيَّة … إنَّ الأخ مارينو الراهب الذي أسلم هو واضع إنجيل برنابا
المنحول بمساعدة مصطفي العرندي الأندلسيّ مترجمه إلي الأسبانيَّة، لا مكتشفه في
مكتبة البابا في أواخر القرن السادس عشر، وقصته الملفَّقة تدلّ عليه ” (5).

 

ثالثاً:
يهوديّ ترك اليهوديَّة إلي المسيحيَّة ثم إعتنق الإسلام:

وهذا
الرأي قال به بعض الكتَّاب العرب سواء المسيحيِّين منهم أو المسلمين مثل الدكتور
خليل سعادة المسيحيّ اللبنانيّ مُترجم الكتاب من الإنجليزيَّة إلي العربيَّة الذي
قال ” الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب يهوديّ أندلسيّ اِعتنق الدين الإسلاميّ بعد
تنصُّره وإطِّلاعه علي أناجيل النصاري، وعندي أنَّ هذا الحلّ هو أقرب إلي الصواب
من غيره، لأنَّك إذا أعملت النظر في هذا الإنجيل وجدت لكاتبه إلمامًا عجيبًا
بأسفار العهد القديم لا تكاد تجد له مثيلاً بين طوائف النصاري … ومما يؤيِّد هذا
المذهب ما ورد في هذا الإنجيل عن وجوب الختان والكلام الجارح الذي جاء فيه من أنَّ
الكلاب أفضل من الغلف، فإنَّ مثل هذا القول لا يصدر من نصرانيّ الأصل … ومما
يقرِّر هذا الرأي أنَّ هذا الإنجيل يتضمَّن كثيرًا من التقاليد التلموديَّة التي
يتعذَّر علي غير يهوديّ معرفتها وفيه أيضًا شيئًا من معاني الأحاديث والأقاصيص
الإسلاميَّة الشائعة علي ألسنة العامَّة … فالرأي الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب
الأصليّ يهوديّ أندلسيّ اِعتنق الإسلام “.

وقال
بذلك أيضًا كلاً من الأستاذ عوض سمعان والقسّ صفاء داود (6) استنادًا إلي إشارة
الكتاب لبعض الأمور التي لا يعرفها غير اليهوديّ مثل إشارته إلي قصَّة سوسنة
والشيخَين (ف50: 25)، وإسناد قبض الأرواح إلي ملاك يُدعَي روفائيل (ف25: 4-5)
وتركيزه علي أهمِّيَّة الختان، وقوله الجارح أنَّ الكلب أفضل من رجل غير مختون
(ف22: 2)، وزعمه أنَّ غير المختون محروم من دخول الفردوس (ف23: 17)، وقد كتبه
للانتقام من المسيحيِّين لاضطهادهم الشديد لليهود قبل فتح العرب للأندلس.

كما
قال بذلك أيضًا الكاتب السوري يحيى الهاشمي في جريدة تحالف العالم الإسلاميّ والذي
يري أنَّ الكاتب يهوديّ أراد أنْ يخلق عداوة بين المسيحيِّين والمسلمين.

وقال
بذلك أيضًا الأستاذ أحمد جبريل ” والحقيقة المؤكَّدة من خلال تلك الأخطاء
الفادحة أنَّ كاتب إنجيل برنابا … يهوديّ اِعتنق الإسلام ودرس ما يتَّصل به من
قرآن ولغة وأحاديث نبويَّة وقدسيَّة وعلوم وفلسفة. ثمَّ ألَّف هذا الإنجيل ونسبه
إلي برنابا ” (7).

ولكن
يقول دي إبالزا علي أنَّ كل الأفكار اليهوديَّة والمسيحيَّة الموجودة في هذا
الكتاب المزيَّف ترجع لتراث يهوديّ مسيحيّ إسلاميّ مشترك في أسبانيا.

 

—-

(1)
John Gilchrist. Origin and
Sources of the Gospel of Barnabas.
Ch. 4.6.

(2)
كلمة مورسكوس
Moriscos من كلمة Moors الأسبانية وتعني المسلمين الذين بقوا في أسبانيا بعد سقوط الأندلس
وقد ظلوا يتمتعون بكامل حريتهم الدينية حتى سقوط غرناطة سنة 1492م. وبعد ذلك
ولأسباب كثيرة على رأسها خوف الملك والملكة من خطر تعاونهم مع الدول الإسلامية
لعودة الحكم الأندلسي مرة ثانية، كما خشيا أيضا من خطر تحالفهم مع أمراء الغال
بفرنسا الذين كانت لهم أطماع في أسبانيا، وذلك إلى جانب ضغط الكثيرين من رجال
الكنيسة، تنصر جميع المسلمين الذين بقوا في غرناطة وبقية أسبانيا إجباريا , ومع
ذلك فأن الكثيرين منهم بقوا مسلمين في روحهم وسريرتهم. وقد دعوا منذ ذلك التاريخ
(1492م) بالموريسكوس (المورسكيين) أي العرب المتنصرين. ونتيجة لاحتفاظهم بالروح
الإسلامية وممارسة بعضهم للشعائر الإسلامية سراً فقد طاردتهم محاكم التفتيش
الأسبانية وعاملتهم معاملة قاسية جداً ولم تفرق في ذلك بين أحد منهم، سواء الذين
عاشوا المسيحية التي تحولوا إليها مثل بقية المسيحيين الآخرين أو الذين كانوا
يحتفظون بمظهرهم العربي والإسلامي وكانوا يمارسون شعائرهم الأصلية سراً. (أنظر
محمد عبد الله عنان ” دولة الإسلام في الأندلس ج 7: الكتاب الثاني نهاية دولة
الإسلام في الأندلس، والكتاب الثالث مراحل الاضطهاد والتنصير من ص 188- 376
“).

(3)
See the Gospel of Barnabas in the
Recent Research /BARNABAS/barnarom.htm

(4)
وليم تمبل جاردنر ” إنجيل برنابا ” ص 58و59.

(5)
الأب الحداد ” إنجيل برنابا شهادة زور على القرآن ” ص 41-42.

(6)
عوض سمعان ” إنجيل برنابا إنجيل مزيف ” ص 148 ؛ والقس صفاء داود ”
إنجيل برنابا المزور ” ص 14.

(7)
جريدة المساء الصادرة في 19/1/1970 الصفحة الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار