علم الانسان

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

كيف نتخلص من الذات؟ (من الأنا)؟

8- قهر الذات

يمكننا أن نتخلص من سيطرة الذات بالأمور الآتية:

1) قهّر الذات:

الصوم والعفة يدخلان فى قهر الذات، من جهة ضبط
طلبات الجسد وشهواته. وهناك قهر آخر للذات من جهة شهوات النفس. فقد تشتهى النفس حب
الظهور، وأن تعلن عن ذاتها وتسعى وراء العظمة، فى هذا كله ينبغى أن نقاومها. وسعيد
هو الإنسان الذى يراقب نفسه ويمنعها كلما تشرد وراء التنعمات العالمية، ويقنعها
بأن التنعم بالله أفضل.

إن مالت نفسك أو مال جسدك إلى متع هذا العالم،
أمنعهما بشدة. لا قسوة عليهما، إنما ضماناً لأبديتك. لأن الذى يدلل نفسه هو
يهلكها.

 

والذى يتراخى فى ضبط ذاته، تقوى ذاته عليه،
وتتمرد على سلوكه الروحى. بعكس الذى يدرب ذاته ويروضها فى دروب الرب. إن الوسيلة
التى تبنى بها ذاتك، هى أن تقهر ذاتك وتغلبها. لأنك بقهر الذات وتغلبك عليها، تصل
إلى المجد الحقيقى للذات. الذى هو غير المظاهر الخارجية من العظمة واللذة
والشهرة.. كل هذه الأمور البرانية. بينما ينشد المرتل قائلاً فى المزمور «كل مجد
إبنة الملك من داخل» (مز 45).

 

ثق أن فى قهر الذات لذة روحية، لا تعادلها كل
ملاذ الجسد.

لذلك إن أردت أن تبنى ذاتك، إقهرها من جهة
تطلعاتها الخارجية، لكى تبنيها من الداخل. وحينئذ تجدها فى الله، وتجد الله فيها،
وتبصرها صاعدة نحو الأبدية.

 

ومن هنا كان الزهد من وسائل علاج الأنا.

وفى الزهد تبنى ذاتك – لا فى هذا العالم الحاضر
– إنما فى العالم الآتى. وكما كان يوسف الصديق يخزن قمحاً للسنوات المقبلة، كذلك
أنت إخزن ما ينفعك يوم تقف أمام الديان العادل. وكما خزنت العذارى الحكيمات زيتاً
لحين مجئ العريس (مت25). كذلك أخزن أنت زيتاً من عمل الروح القدس فيك..

 

أقهر ذاتك فى أمور العالم، لأن العالم يبيد
وشهوته معه (1يو2: 17).

إن أرادت نفسك أن تنتصر على الغير، إقهرها،
فالإنتصار الحقيقى هو الإنتصار على الذات.

 

أما الغير، فبدلاً من أن تنتصر عليهم، إكسبهم،
لأن الكتاب يقول «رابح النفوس حكيم» (أم 11: 30).. إن الإنتصار على الناس سهل.
ولكن كسب الناس هو الذى يحتاج إلى مجهود، إن كنت فيه تقهر ذاتك..

 

* نقطة أخرى فى علاج الأنا. وهى محبة الآخرين
وخدمتهم.

 

9- محبة الآخرين وخدمتهم

أخرج من حبس ذاتك داخل نفسك، إلى نطاق الآخرين.

يقول المزمور «إخرج من الحبس نفسى» (مز142: 7).
وأىّ حبس هو أقوى من تحبس نفسك داخل هذه الأنا؟! أخرج منها إذن، واندمج فى العالم
الخارجى، مع الآخرين تحبهم وتخدمهم وتتعاون معهم.

قطعاً، الشخص الذى يحب ذاته، لا تهمه محبة
الآخرين.

حاول إذن أن تخرج من التركيز على الإهتمام
بنفسك، إلى الإهتمام بالآخرين. وثق أنك ستجد فى هذا لذة. وسوف يبادلونك حباً بحب،
وتجد فى محبتهم ما يشبع نفسك.

إنتقل من مجال الأخذ إلى مجال العطاء.

 

تدرب على أن تعطى الغير، تعطيهم خدمة، تعطيهم
وقتاً، تعطيهم حباً وجهداً ومساعدة… وإذا نما الإنسان فى تدريب العطاء، فإنه يعطى
حتى نفسه. وهذا أسمى ما يصل إليه فى الإنطلاق خارج الذات.

 

 وإن كان
من أخطاء (الأنا): البخل. فالعلاج هو العطاء.

 

حيث يتدرب الإنسان على اليد المفتوحة باستمرار.
الممدودة بالعطاء إلى الغير، فى سعة، وفى رفق وحنان… شكرهم سوف يشبعه. ومساعدتهم
ستغير قلبه وتلمؤه بمشاعر نبيلة، فيعطى أكثر، ويزداد فى خدمة الآخرين وفى إسعادهم.

 

ويتعود أن يتعب لأجل الآخرين.

لا يهتم براحة نفسه، إنما براحة غيره. على عكس
الأنانى الذى يجعل راحته على تعب الآخرين. وكلما ينمو الإنسان الروحى فى الإهتمام
براحة الآخرين، قد يصل إلى حياة التكريس. لأن المكرس هو الذى يجعل حياته كلها لأجل
الآخرين.

 

10- التواضع

نقطة أخرى فى معالجة (الأنا)، هى التواضع.

 

3) التواضع:

الإنسان الذى يعيش فى محبة (الأنا)، يهمه أن
تكبر ذاته باستمرار، وفى المقارنة يريدها أن تكون أعلى من غيره. وعلاج ذلك أن يضع
أمامه قول الرسول: «مقدمين بعضكم بعضاً فى الكرامة» (رو 12: 10).

 

وعن ذلك يقول الشيخ الروحانى «فى كل موضع تحلّ
فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم». بل إن السيد الرب يقول «إن أراد أحد أن يكون أولاً،
فليكن آخر الكل وخادم للكل» (مر9: 35). وهكذا يمارس فضيلة (المتكأ الأخير).

 

والمقصود بالمتكأ الأخير، أن يكون الأخير لا من
حيث المكان، بل من حيث المكانة.

فلا تحسب نفسك أهم الموجودين فى المكان الذى
تحلّ فيه. ولا إن رأيك هو أهم الآراء، وقرارك هو أهم القرارات، ومركزك هو الأهم!!
ولا تفكر فى أن ينبغى أن تكون أنت المطاع والمحترم بين الكل!

لا تعط لنفسك كرامة وتفرضها على الآخرين.

إنما اترك الناس يكرمونك من أجل ما يرونه من
تواضعك ووداعتك… لا ترغم الناس على احترامك. فالإحترام شعور ينبع من داخل القلب.
لا يُفرض بالإرغام، إنما بالتقدير الشخصى… قد ترغم إنساناً على طاعتك، ولكن لا
تستطيع أن ترغمه على إحترامك.

 

وفى معاملاتك مع الناس، كن نسيماً لا عاصفة.

كثيرون يحبون صفة العاصفة، لأنها تحمل معنى
القوة. أما النسيم فيمثل الوداعة واللطف، اللذين ينبغى أن يتصف بهما من ينكر ذاته.

وفى تواضعك لا تفضل نفسك على غيرك. على أن يكون
ذلك بعمق الحب وعمق الأتضاع، وبغير رياء.

 

فى إتضاعك، قل أنا. من أنا؟ أنا مجرد تراب
ورماد.

بل قبل أن أكون تراباً، كنت عدماً. خلق الله
التراب قبل منى، ثم صنعنى من هذا التراب… وهنا يختفى منك الإعتداد بالذات. وفى
اتضاعك أيضاً، تصل إلى فضيلة (إدانة الذات).

 

11- إدانة الذات

الإنسان المصاب بالأنا، يكون باستمرار باراً فى
عينى نفسه.

إذا أخطأ لا يعتذر، لأنه يظن أنه على حق ولم
يخطئ! وإذا حدث سوء تفاهم بينه وبين أحد من الناس، لا يذهب إليه ليصالحه. لأنه
يأمل لابد أن يأتى من الطرف الآخر، باعتبار أن الخطأ قد صدر من ذلك وليس منه!

بل حتى مع الله، قد لا يعترف بأخطائه، لأن ذاته
تقنعه أنه لم يخطئ!

 

العلاج إذن أن يحاسب الإنسان نفسه بغير تحيز،
ويدينها.

يدين ذاته فى داخل نفسه. ويدينها أمام الله
وأمام أب اعتراف. ويدينها أمام الغير حينما يلزم ذلك.

 

يدينها فى اتضاع. ولا يجلب اللوم على غيرها، كما
فعل أبونا آدم وأمنا حواء (تك3). ولا يبرر ذاته من جهة أسباب الخطأ وظروفه. فكل
دواعى التبرير سببها الذات وتمسكها ببرها الذاتى…

 

إن الإنسان الذى لا يعكف على تمجيد ذاته
وتكبيرها، بل يهدف باستمرار إلى تنقية ذاتهمما يشوبها من أخطاء ونقائص.. تراه يلوم
نفسه ويدينها، لأنه بهذا يمكنه تقويمها وتصحيح مسارها.

 

فى إحدى المرات زار البابا ثاوفيلس منطقة
القلالى، وسأل الأب المرشد فى ذلك الجبل عن الفضائل التى أتقنوها، فأجابه:

 

«صدقنى يا أبى، لا يوجد أفضل من أن يأتى الإنسان
بالملامة على نفسه فى كل شئ».

 

هذا هو الأسلوب الروحى الذى يسعى به الإنسان إلى
تقويم ذاته: يأتى بالملامة على نفسه، وليس على غيره، وليس على الظروف المحيطة.
وليس على الله!! ظاناً أن الله لم يقدم له المعونة اللازمة!

 

ليتنا ندين أنفسنا ههنا، حتى ننجو من الدينونة
فى اليوم الأخير.

لأننا بإدانتنا لأنفسنا، نقترب إلى التوبة.
وبالتوبة يغفر لنا الرب خطايانا. أما الذى لا يدين ذاته، بسبب اعتزازه بهذه الذات،
فإنه يستمر فى خطاياه، ولا يتغير إلى أفضل. ويكون تحت الدينونة. وصدق القديس
الأنبا أنطونيوس حينما قال:

«إن دنا أنفسنا، رضى الله عنا»

«إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله»

«وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله»

 

كذلك فإن إدانتنا لأنفسنا، تساعدنا على المصالحة
بيننا وبين الناس، يكفى أن يعتذر الشخص ويقول لأخيه «لك حق. أنا قد أخطأت فى هذا
الأمر»، لكى يضع بهذا حداً لغضب المُساء إليه، ويتم الصلح معه. أما إذا استمر
المخطئ فى تبرير موقفه، فإن الخصم يشتد بالأكثر فى إدانته. وما أجمل قول القديس
مكاريوس الكبير:

«أحكم يا أخى على نفسك، قبل أن يحكموا عليك».

 

12- ضع أمامك مثال المسيح

* نقطة أخرى تساعدك على علاج الذات وهى:

 

5) ضَع أمامك مثال المسيح:

إن كان الإنسان الأول قد إنهزم فى حرب الذات،
واشتهى أن يصير مثل الله (تك3: 5)، فإن السيد المسيح الذى بارك طبيعتنا فيه، صحح
هذه النقطة.

وكيف ذلك؟

يقول الرسول عنه إنه:

«أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد، صائراً فى شبه
الناس» (فى2: 7).

وعاش على الأرض فقيراً، ليس له أين يسند رأسه
(لو9: 58) بلا وظيفة رسمية فى المجتمع. وتنازل عن كرامته «ظلم. أما هو فتذلل ولم
يفتح فاه» «وأحصى مع أثمة» (أش53: 7، 12). ولم يدافع عن نفسه.

 

أنكر ذاته من أجلنا. ووضع ذاته لكى يرفعنا نحن.
ووقف كمذنب لكى نتبرر نحن. ذاته لم يضعها أمامه، بل وضعنا نحن..

أليس هذا درساً لنا من هذا الذى عظمته لا تحد..

درساً لنا نحن المحاربين بالأنا، بينما نحن لا
شئ.

السيد المسيح أخلى ذاته من المجد الحقيقى.

أما أنت، فتخلى ذاتك من كل مجد باطل.

إن إخلاء المسيح لذاته موضوع واسع، ليس الآن
مجاله.. يمكنك أن تقرأ عنه مقالاً طويلاً فى كتاب البابا شنوده الثالث (تأملات فى
الميلاد).

 

13- تدريب الميل الثاني

* نقطة أخرى فى علاج (الأنا) وهى:

 

6) تدريب الميل الثانى:

قال السيد الرب:

«من سخرك ميلاً، فاذهب معه اثنين whoever
compels you to go one mile, go with him two
.

من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فأترك له الرداء
أيضاً» (مت5: 40، 41).

وبنفس الوضع تحدث الرب عن الخد الآخر، فقال:

«من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر أيضاً»
(من5: 39).

وكأنه أراد أن يقول:

كن مظلوماً لا ظالماً. وكن مصلوباً لا صالباً.
لا تنتقم لنفسك.

إن الذات تريد أن تأخذ حقها، وتأخذه بنفسها،
وهنا على الأرض، وبسرعة على قدر الإمكان.

أما تعليم الرب لنا فى إنكار الذات فهو «لا
تقاوموا الشر» (مت5: 39).

لا تجعل ذاتك تتدخل، لتنال حقوقك أو لتنتقم.

واذكر الكتاب «لى النقمة. أنا أجازى، يقول الرب»
(رو12: 19).

ومع أن النقمة للرب، لكن لا تطلبها أنت منه
لنفسك.

بل الكتاب يقول:

«المحبة لا تطلب ما لنفسها» (1 كو13: 5).

ولماذا لا تطلب ما لنفسها؟

لأنها بعيدة عن الذات، بعيدة عن الأنا التى
تطلب..

 

14- استخدام القديسين

تدريب آخر فى التخلص من الذات، وهو قول الرسول:
«لأحيا لا أنا..» (غل2: 20).

 

7) إستخدام القديسين:

أما الآباء الأنبياء والرسل والقديسون، فقد
استخدموا كلمة (أنا) فى مجال الأتضاع وانسحاق النفس..

إبراهيم أبو الآباء، الذى باركه الله، وجعله
بركة، وقال له: «وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض» (تك12: 2، 3)، نراه فى مجال كلمة
(أنا) يقول «أنا تراب ورماد» (تك18: 27).

 

وداود النبى، الذى مانت له دالة كبيرة عند الله،
وقد صنع الله به نصراً عظيماً على جُليات (1صم17)، نراه بعد ذلك لما عرضوا عليه
مصاهرة الملك شاول، يقول لهم «هل هو مستخف فى أعينكم مصاهرة الملك، وأنا رجل مسكين
وحقير» (1صم18: 23).. وما أكثر اعترافه فى مزاميره بضعفه. كأن يقول «ارحمنى ياربى
فإنى ضعيف» (مز6: 2).

 

ويوحنا المعمدان، مع أنه كان أعظم من ولدته
النساء (مت11: 11)، يقول للرب «أنا المحتاج أن أعتمد منك» (مت3: 14). ويقول للناس
«يأتى بعدى من هو أقوى منى، الذى لست أنا مستحقاً أن أحل سيور حذائه» (مت3: 11)
(لو3: 16).

 

وبولس الرسول العظيم، الذى اختطف إلى السماء
الثالثة (2 كو12: 2)، قال عن ظهور السيد المسيح للرسل بعد القيامة «وآخر الكل،
كأنه للسقط ظهر لى أنا، لأنى أصغر الرسل، أنا الذى لست أهلاً أن أدعى رسولاً، لأنى
اضطهدت كنيسة الله» (1كو15: 8، 9).

 

هذا هو الإستخدام السليم لكلمة (أنا) بروح
الإنسحاق.

وبنفس الروح، يرسل القديس العظيم بولس الرسول
إلى تلميذه تيموثاوس فيقول:

 

«أنا الذى كنت قبلاً مجدفاً ومضطهداً ومفترياً.
ولكنى رحمت لأنى فعلت بجهل في عدم إيمان» (1تى1: 13). يقول ذلك عن نفسه فى رسالة
إلى تلميذه، بينما العادة أن يفتخر المعلمون أمام تلاميذهم! ولكنه يستخدم كلمة
(أنا) بالطريقة السليمة.

 

ونلاحظ أنه عندما تحدث عن اختطافه للسماء
الثالثة، لم يقل أنا، إنما قال «أعرف إنساناً فى المسيح يسوع» (2كو12: 2).

 

فلم يستخدم كلمة (أنا) فى مجال التمجيد بينما
استخدمها فى الإعتراف بأخطائه.

 

فى تمجيد الذات، اهتم الآباء بتمجيدها فى السماء
لا على الأرض.

 

فى مجد (الأنا) على الأرض، فى هذه الحياة
الحاضرة القصيرة، كان يخيفهم قول الرب عن هؤلاء الذين ينالون مديحاً هنا من الناس:
«الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم» (مت6: 2) وتكررت نفس العبارة فى (مت6: 5:
16).

 

وبنفس المعنى قال أبونا إبراهيم لغني لعازر: «يا
ابنى، اذكر انك استوفيت خيراتك فى حياتك» (لو16: 25).

 

أما الذين أجرهم عظيم فى السماء، فهم أولئك
الذين أخفوا كلمة (أنا)، وعملوا الفضيلة فى الخفاء، أمام أبيهم السماوى الذى يرى
فى الخفاء، وسيجازيهم علانية (مت6).

وأيضاً الذين استخدموا عبارة (لا أنا) وما يشابهها.

 

15- لا أنا

مثال ذلك القديس بولس الرسول الذى قال عن خدمته
الناجحة: «ولكن بنعمة الله، أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لى لم تكن باطلة. بل أنا
تعتبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التى معى» (1كو15: 10). وهنا نركز
على عبارة:

 

«لا أنا، بل نعمة الله التى معى».

ويكرر بولس الرسول نفس المعنى، فيقول «مع المسيح
صُلبت. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فىّ» (غل2: 20). لا أنا الذى يعمل، بل المسيح
الذى فىّ يعمل كل شئ. أما أنا فقد صُلبت معه. لقد صلبت كلمة (أنا) فما عادت تظهر.

 

وهكذا كل الخدام، لا تريد أن (الأنا) تنال
مجداً، بل يقولون:

«ليس لنا يارب ليس لنا. لكن لإسمك القدوس أعطِ
مجداً» (مز115: 1).

نعم، فى مجال التمجيد يقول كل منا: لا أنا، ليس
أنا.

وهذا هو التدبير الذى سار عليه القديس يوحنا
المعمدان. فكان يرفض كل تمجيد موجه إليه، إلى «الأنا» ويحوله إلى السيد المسيح
قائلاً عبارته الخالدة: «ينبغى أن ذلك يزيد، وأنى أنا أنقص» (يو3: 30).

 

ما أكثر ترديد المعمدان لعبارة لا أنا، أو لست
أنا..

 

أما أنا فمجرد «صديق العريس، يقف ويسمعه فيفرح
فرحاً من أجل صوت العريس. إذن فرحى هذا قد كمل» (يو3: 29)

 

وعبارة (لا أنا) نقولها ليس فقط من جهة علاقتنا
بالله، بل أيضاً من جهة علاقتنا ببعضنا البعض..

فمن جهة الكرامة، يقول كل منا: لا أنا، عملاً
بوصية الرسول: «مقدمين بعضكم بعضاً فى الكرامة» (رو12: 10).

 

ومن جهة الرئاسة يقول أيضاً كل منا لا أنا،
عملاً بوصية الرب الذى قال: «من أراد أن يكون فيكم عظيماً، فليكن لكم خادماً. ومن
أراد أن يكن فيكم أولاً، فليكن لكم عبداً» (مت20: 26، 27).

 

وفي عبارة (لا أنا) نتبع وصية الرب فى المتكأ
الأخير.

 

نترك المتكآت الأولى للكتبة والفريسيين الذين
يشتهونها (مت23: 6). وإن عرضت علينا يقول كل منا. لا أنا. بل أخى أفضل منى وأولى.
وهكذا نحيا حياة الأتضاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار