اللاهوت الدفاعي

الفصل السابع عشر



الفصل السابع عشر

الفصل
السابع عشر

ابراهيم
في رسائل بولس

يأتي
بولس على ذكر إبراهيم في المواضع التالية من كتاباته:

1-
رسالته إلى كنيسة رومه، الفصل الرابع، في معرض مناقشته لجدلية (التبريربالإيمان).

2-
رسالته إلى كنيسة رومه، 9: 6 – 9 وف 11، في معرض مناقشته لجدلية (خلاص إسرائيل).

3-
رسالته إلى كنيسة غلاطية، الفصل الثالث، في معرض كلامه عن جدلية العهد/الوعد
والشريعة.

4-
رسالته إلى كنيسة غلاطية، 4: 21-31. وهذه الفقرة رمز تطبيقي الموضوع السابق:
عبودية في الشريعة أم حرية في العهد/الوعد.

هذا
وقد استثنينا الرسالة الى العبرانيين إذ أنه لا يوجد توافق بين علماء الكتاب
المقدس على أن بولس هوالكاتب.

من
أسهل الطرق وأبسطها لمناقشة هذا الموضوع هي أن نتناول كل مرجع من كتابات بولس عن
إبراهيم بمفرده ونعالجه. لكن الموضوع ليس بهذه البساطة ونخشى التكرار، إذ أن بولس
يتناول أحياناً نفس الموضوع في موضعين مختلفين من نفس الرسالة أوفي رسالتين
مختلفتين أويستطرد إلى عدة مواضيع في نفس المقطع البيبلي. لذلك، سنعمد الى معالجة
هذا الموضوع متناولين المواضيع اللاهوتية التي كان يعالجها بولس وأتى فيها بأحداث
من قصة إبراهيم.

 

1
– الخلفية الكائنة وراء فكر بولس في ما كتب عن إبراهيم

عندما
اقتبس بولس من قصة إبراهيم، ثم لجأ إلى تأويلها في رسالته إلى كنيسة روما فصل 4
ورسالته إلى كنيسة غلاطية فص 4 و5، انطلق أساسًا من جدليته المعروفة (الإيمان
والأعمال). ويوجد رأي يقول أن هذه الجدلية، وما يتفرع منها، هي الفكر الأساس في
كتابات بولس، بل و(مركز تفكير بولس)(1). أما في رسالته إلى كنيسة رومة ف 9-11،
فخلفية بولس كانت طرح موضوع خلاص إسرائيل ووعود الله المقطوعة لهم.

أما
المصادر التي استقى منها بولس فكره فهي أولا تفسيره لحياة المسيح وتعاليمه، خاصة
الصلب والقيامة، على ضوء خبرة طريق دمشق. فهويقول للكورنثيين: (فأنا من الرب تسلمت
ما سلمته إليكم) (1كو11: 23) و(سلمت إليكم قبل كل شيء ما تلقيته) (1كو15: 3) وفي
1كو 7 يساوي رايه برأي الرب. لكن هذا الموضوع لا يخلومن المعارضة والإشكال، فكثير
من المواضيع التي علما بولس لا توجد في تعاليم الرب يسوع ولا في تعاليم الرسل
الأوائل(2). ثم لا نستطيع أن ننكر على بولس المخزون اللاهوتي الكبير المتراكم في
ذهنه وكان قد جمعه من دراسته اليهودية، فالعهد القديم القانوني و(كتابات ما بين
العهدين). فهو الفريسي الذي (تعلم عند فدمي غملائيل) (أع 22: 3)، (ويكون هذا
الأخير حفيد هلّيل الذي تنظر إليه الحركة (الفريسية) كأب مؤسس)(3). بولس يكتب عن
نفسه في رسائله: (وأفوق أكثر أبناء جيلي من بني قومي في ديانة اليهود وفي الغيرة
الشديدةعلى تقاليد آبائي) (غلا 1: 14). وراح بعيداً ليقول أنه كان بلا لوم من جهة
تطبيقه لطقوس الشريعة (في 3: 6)، واضطهاده للمسيحيين، التي برى صورة عنها في
استشهاد استفانوس وفي رحلته إلى دمشق. كانت طريقة تفسير النصوص المقدسة عند
الفريسين تميل إلى الحرفية الصارمة مع أنه كانت توجد في زمن بولس مدارس تفسيرية
مختلفة: الحرفية والمدرشية والوعظية والرمزية(4). والكتابات التلموذية رافقت بولس
في كل تفكيره، لكنه سلط عليها ضوء خبرته المسيحية(5). نحن من المعتقدين أن علوم
النقد التي نعرفها اليوم والتي ساعدتنا كثيراً في معالجة نصوص العهد القديم من
الناحية التاريخية، هذه العلوم لم تكن معروفة في زمن بولس. لذلك كانت النصوص
تُعالج بطريقة حرفية وروايات الآباء تُقرأ قراءة تاريخية.

يجب
أن لا يغيب عن ذهننا أن وراء جدلية (الايمان والاعمال) وإشكالياتها التي سنأتي على
ذكرها، تطفو الاختلافات والخلافات التي حصلت بين المسيحيين اليهود (المتهوّدين)
والمسيحيين الغوييم (الامم). فأولئك أصرّوا على الغوييم المهتدين الى المسيحية أن
يخضعوا للطقوس اليهودية ويمارسوها، حينئذ تصدّت لهم فئة من قادة الكنيسة الفتية
بقيادة بولس، ورُفع الامر الى مشايخ كنيسة أوروشليم وانعقد المجمع الكنسي الاول
الذي أكّد على صحّة رسالة بولس. ويظهر أن آراء هؤلاء المتهوّدين قد غزت الكنائس
وأدخلت المسيحيين في جدالات عقيمة كثيراً ما كانت تؤدي الى خلافات. الامر الذي دفع
بولس الى تصحيح الامور في أذهان قادة الكنائس عن طريق كتابة الرسائل.

أما
لماذا لجأ بولس إلى إبراهيم بالذات، فهذا الأخير يشكّل، في تاريخ العهد القديم
كلّه وفي زمن العهد الجديد، نقطة مرجعية كان يعود اليها الاسرائيليون ومن ثم
اليهود كلما شعروا بالخطر على ديانتهم وقوميتهم. نأخذ مثلاً واحداً من كل حقبة:
قال الله لموسى عندما ظهر له في العليّقة (أنا اله آبائك. اله إبراهيم واسحق
ويعقوب) (خر 3: 6). كتب إشعياء (أنظروا الى إبراهيم أبيكم والى سارة التي ولدته
دعاه الرب وهورجل واحد وباركه وكثّر نسله) (اش 51: 2). أجاب اليهود الرب يسوع
عندما لمّح لهم بأنهم ما زالوا عبيداً ولم يعرفوا الحرية: (نحن ذرية إبراهيم، وما
كنا يومًا عبيدًا لأحد!). وإذا أتينا الى الكتابات التلموذية: المشنا والمدراش،
نجد أيضًا ذكراً متكرراً لإبراهيم وللطريقة التي اتّبعها ليصبح خليل الله.

وبينما
تُشكّل جدليّة (الايمان والاعمال) العامود الفقري في جسم لاهوت بولس، غير أنه فيها
يستطرد إلى مناقشة إشكاليات فرعية هي بمثابة عناصر لهذه (الجدلية). وهذه
الإشكاليات هي التالية:

1-
اشكالية النعمة والشريعة (وجه آخر لإشكالية الإيمان والأعمال).

2-
اشكالية الختان الحقيقي والختان الطقسي

3-
اشكالية نسل إبراهيم: الاسرائيلي الحقيقي والاسرائيلي بحسب الجسد، اليهودي الحقيقي
واليهودي بحسب الجسد، نسل إبراهيم الحقيقي وذرية إبراهيم بحسب الجسد.

4-
إشكالية وعد/عهد الله لإبراهيم بالميراث.

غير
أن هذا لا يعني أن بولس، فيما كتب عن إبراهيم، لم يطرح مواضيع أخرى. وفي استعراضنا
للنصوص البيبلية، سنتوقف عند هذه المواضيع.

 

2
– استعراض النصوص البيبليّة(6)

1.
رسالة بولس الى الرومانيين، فصل 4

بعد
أن يشرح، في الفصلين الثاني والثالث، موضوع عمومية الخطيئة: (ما من أحد بار لا
أحد) (3: 10) وعجز الشريعة(7) عن تبرير الإنسان: (.. ليسكت كل إنسان ويخضع العالم
كله لحكم الله. فالعمل بأحكام الشريعة لا يبرر أحدا عند الله، لأن الشريعة لمعرفة
الخطيئة) (3: 19-20)، يبدأ بولس بشرح عقيدة التبرير بالإيمان بالرب يسوع المسيح
(3: 21-5: 21). ينهي بولس الفصل الثالث بطرحه ثلاثة أسئلة ويعطي إجاباتها باقتضاب:

1.
(فأين الفخر؟لا مجال له. وبماذا نفتخر؟ أبالأعمال؟ لا، بل بالإيمان. فنحن نعتقد أن
الإنسان يتبرر بالإيمان، لا بالعمل بأحكام الشريعة). (آ 28 و27).

2.
(أفيكون الله إله اليهود وحدهم؟ أما هوإله سائر الأمم أيضا؟ بلى، هوإله سائر
الأمم. لأن الله واحد يبرر اليهود بالإيمان، كما يبرر غير اليهود بالإيمان). (آ 29
و30).

3.
(وهل يعني هذا أننا نبطل الشريعة بالإيمان؟ كلا، بل نثبت الشريعة). (آ 31).

تشكّل
هذه الأسئلة والأجوبة سلسلة منطقية: لوكان الخلاص بالشريعة لكان الله إله اليهود
فقط لأن (الغوييم) لا يخضعون للشريعة (توراه). غير أن الله واحد وهو إله اليهود ة
وال (غوييم) وعنده وسيلة واحدة للتبرير هي الإيمان. إذا، وفي هذه الحال، هل نُبطل
الشريعة ونقول أن الله غير رأيه وبدل طرقه الخلاصية؟ كلا؟ بل بذلك نحن نثبت
الشريعة لأن الشريعة نفسها تنص على التبرير بالإيمان. وهذا ما سيشرحه بولس في
الفصل الرابع مستعيناً بإيضاح إبراهيم.

1.
الافتخار بأعمال الشريعة مرفوض لأن التبرير لم نكتسبه بها بل أُعطي لنا نعمة
بالإيمان. والبرهان على ذلك هوأن إبراهيم نفسه، (أبانا حسب الجسد، لم يفتخر.
(فلوأن الله برره لأعماله لحق له أن يفتخر، ولكن لا عند الله). لقد برره الله
بالإيمان، (فالكتاب يقول: آمن إبراهيم بكلام الله، فبرره لإيمانه). (آ1-8). (يقتبس
بولس تك 15: 6).

2.
الله ليس لليهود (أهل الختان) فقط بل لسائر الأمم (أهل الغرلة أوغير المختونين)
أيضًا. والبرهان على ذلك هوأن الله برر إبراهيم بناء لإيمانه بكلام الله وقبل أن
يختتن وأهل بيته، (وقد نال الختان علامةوبرهانا على أن الله برره لإيمانه قبل
ختانه، فصار إبراهيم أبا لجميع الذين يبررهم الله لإيمانهم من غير المختونين).
(آ9-12). هنا يستطرد بولس إلى إشكالية الختان والغرلة وإشكالية ذرية إبراهيم
الحقيقية.

3.
لا يعني هذا أن الشريعة تبطل بالإيمان، فالشريعة ضرورية لإظهار معصية الإنسان وغضب
الله: (لأن الشريعة تسبب غضب الله، وحيث لا تكون الشريعة لا تكون معصية). والعكس
غير صحيح أيضا، فالإيمان لا يبطل بالشريعة إذ أنه أتى قبلها. (فالوعد الذي وعده
الله إبراهيم ونسله بأن يرث العالم لا يعود إلى الشريعة، بل إلى إيمانه الذي
برره). وهنا يقتبس بولس بتصرف تك 21: 2 و3 و17: 4-6. (آ 13-17). هنا يستطرد بولس
إلى إشكالية الوعد بالميراث ويعود إلى إشكالية (نسل إبراهيم الحقيقي) التي كان قد
بدأها في الفقرة السابقة.

يكرس
بولس ما تبقى من الفصل (آ 18-25) ليصف جوهر إيمان إبراهيم مستندا دائما على رواية
سفر التكوين بتفاصيلها فيما يتعلق بإيمان إبراهيم الثابت بوعد الله له ألا وهومنحه
ذرية لبركة العالم (ليرث العالم كما في آ 13 أعلاه) بالرغم من أنه (رأى أن بدنه قد
مات وأن رحم امرأته ساره مات أيضًا) (آ 19). ثم ينتقل بول من الكلام عن إبراهيم
وإيمانه بالله إلينا (نحن الذين نتبرر بإيماننا بالله الذي أقام ربنا يسوع من
الأموات) (آ 24). وهذه هي القمة التي تسلق إليها بولس: من إبراهيم إلى المسيح.

 

2.
رسالته إلى كنيسة رومه، 9: 6 – 9 وف 11

يطرح
بولس في هذا القسم من الرسالة موضوع (خلاص إسرائيل) نسل إبراهيم الجسدي، فيستهل
كلامه برسم صورة رومنسية يعبر فيها عن أسفه من أجل إخوته بني قومه في الجسد الذين
انحرموا من المسيح، هؤلاء (هم بنوإسرائيل الذين جعلهم الله أبناءه، ولهم المجد
والعهود والشريعة والعبادة والوعود ومنهم كان الآباء وجاء المسيح بالجسد) (9: 4
و5). ويشير هنا بولس إلى خر 4: 22 وتث 7: 6 وهو11: 1 ومواضع أخرى من العهد القديم.
ثم يجيب على سؤال ضمني تقديره: (هل خاب وعد الله إلى بني إسرائيل؟) إذ أن الوعد
الذي قطعه الله لبني إسرائيل بمنحهم البركات المسياوية كما وصفها في الفصل الثامن،
وخاصة القسم الأخير، لم يستفيدوا هم منها بل الغوييم (الأمم). وهنا يضع بولس نفسه
في الإطار القومي الإسرائيلي (بحسب الجسد). ثم يجيب بعد أن يخرج نفسه من (إسرائيل
الجسدي) إلى (إسرائيل الروحي): (ولا أقول إن وعد الله خاب فما كل بني إسرائيل هم
إسرائيل (الروحي)، ولا كل الذين من نسل إبراهيم هم أبناء إبراهيم الروحيون) (9: 6
و7). ويتابع بولس ليوضح أن نسل إبراهيم الحقيقي هوالنسل الروحي الذين آمنوا بوعد
الله إلى إبراهيم بأنه سيعطيه إسحق. يعود بولس هنا إلى إشكالية نسل إبراهيم.

يعود
بولس في الفصل الحادي عشر فيطرح موضوع (خلاص إسرائيل)، نسل إبراهيم الجسدي فيسأل:
(هل نبذ الله شعبه؟) ويجيب: (كلا! فأنا نفسي من بني إسرائيل، من نسل إبراهيم
وعشيرة بنيانين. ما نبذ الله شعبه وهوالذي سبق فاختاره). (11: 1 و2). ويتابع بولس
موضحًا أن الله اختار بنعمته وخلص (البقية التقية) (أما الباقون فقست قلوبهم) (11:
7). ويسأل: (هل زلت قدم اليهود ليخلصوا إلى الأبد؟) ويجيب: (كلا! بل بزلتهم صار
الخلاص لغير اليهود.. فإذا كان في زلتهم غنى للعالم وفي نقصانهم غنى لسائر الشعوب،
فكم يكون الغنى في اكتمالهم؟) (11: 11 و12). ثم يتابع، في بقية الفصل، مناقشة
(خلاص إسرائيل) وتحتد المناقشة ليدافع عن (اختيار إسرائيل) في وجه بعض الغوييم
الذين دخل التكبر إلى قلوبهم فابتدأوا يشيعون بأن إسرائيل الجسدي قد سقط من نعمة
الله ورُفض إلى الأبد. ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الصفحات القادمة.

 

3.
رسالته إلى كنيسة غلاطية، الفصل الثالث

ينطلق
بولس هنا ايضا من جدلية الإيمان والأعمال، فيبسط المقارنة بين الإيمان والشريعة
ليستشهد باختبار إبراهيم الروحي وتبريره بالإيمان تماما كما في رسالته إلى رومة
الفصل 4. (1-6). وكنتيجة لهذا النمط من التفكير يقول: (إذا، فأهل الإيمان هم أبناء
إبراهيم الحقيقيون) (آ 7)، مستطرداً بذلك إلى الكلام عن بركة إبراهيم المؤمن إلى
كل المؤمنين إيمان إبراهيم. ثم يصل إلى اللعنة الحاصلة عن عدم العمل بالشريعة
ليخلص إلى القول أن (المسيح حررنا من لعنة الشريعة بأن صار لعنة من أجلنا) (8-13).
يؤمّن بولس الربط بين المسيح وإبراهيم في قوله: (وهذا ما فعله المسيح لتصير فيه
بركة إبراهيم إلى غير اليهود فننال الروح الموعود به) (آ 14). سنعود إلى هذا الربط
الذي لا يخلومن الصعوبة. يبقى أن نشير أن ما يدعوه بولس (تبريراً) في رو4 يدعوه
هنا (الحصول على الروح القدس) (ق آ 2 و4 و5 و14).

وفي
الآيات 15-18 يناقش بولس موضوع عهد/وعد الله لإبراهيم بمنحه الميراث الذي جاء
زمنيا قبل الشريعة بأربعمئة وثلاثين سنة (آ 17). فكما أنه (لا يقدر أحد أن يبطل
عهد إنسان أويزيد عليه إذا كان ثابتاً) (آ 15)، هكذا لا يستطيع أحد أن يُبطل
عهد/وعد الله لإبراهيم بالإيمان أويزيد الشريعة عليه. ولا يمكن أن تكون الشريعة
عهدا/وعدا.

في
الآيات المتبقية من الفصل، (19-29)، شرح بولس لزوم الشريعة في الفترة من موسى إلى
المسيح. الشريعة هي وسيلة لإظهار خطيئة الإنسان (آ 22)، و(كانت مؤدباً لنا إلى أن
يجيء المسيح) (آ 24). وينتهي بولس إلى القول: (فإذا كنتم للمسيح فأنتم، إذا، نسل
إبراهيم ولكم الميراث حسب الوعد) (آ 29).

 

4.
رسالته إلى كنيسة غلاطية، 4: 21-31

يعرض
بولس في هذا القسم من الرسالة مقارنة بين نسل إبراهيم الجسدي ونسل إبراهيم الروحي.
يلجأ بولس إلى مَثَل هاجر وساره ويرسم خط المقارنة بين ابن إبراهيم من هاجر
(الجارية)، المولود حسب الجسد، ونسله؛ وابنه من سارة (الحرة) (إسحق)، المولود حسب
الوعد، ونسله.(آ 21-23). فهاجر جارية (عبدة) مصرية تذكر بجبل سيناء حيث نشأت
الشريعة فكل التفاصيل تذكر بذرية إبراهيم الجسدية، هؤلاء اليهود الذين أصبحوا
عبيداً للشريعة. وهم متعلقون بأوروشليم الأرضية، وكانت آنذاك مستعبدة للرومان. هذا
هوالنسل الإبراهيمي الجسدي الذي ما زال مستعبدا للشريعة. وبمقابل ذلك، يستعرض
الرسل النسل المولود من ساره الحرة بحسب الوعد. وساره تشير إلى أورشليم السماوية
الحرة وأولادها أحرار. هؤلاء هم أولاد الموعد الذين حررهم المسيح.

بعد
هذا الاستعراض للنصوص البيبلية، نجمع المعلومات تحت ثلاث جدليات عقائدية ناقشها
الرسوال مستعيناً بإبراهيم.

 

3
– الجدليات العقائدية التي ناقشها بولس في حدود قصة إبراهيم

 

1.
التبرير بالإيمان

أ.
بولس والتبرير

(التبرير)
(dikaio6unh من الفعل (dikaiow إحدى
الكلمات المهمة التي استعملها بولس في كلامه عن عمل المسيح الفدائي وتطبيق الله
لهذا العمل على الإنسان. فالإنسان الذي يبرره الله هوالذي يعلنه مبررًا
(dikaion) وليس بارا
والفرق بين الإثنين واضح، فالبار هومن لم يعمل خطيئة، بينما المبرر هومن اقترف
خطيئة وغفرت له فرفعت عنه عوافبها فأصبح مبررا تجاه الله وعدالته. استعمل بولس
الفعل (برّر) أربع عشرة مرة و(التبرير) إثنتي وخمسين مرة(8). وما يلفت الانتباه
هوأن هذه التعابير مركزة في رسالته إلى كنيسة رومه وتلك إلى كنيسة غلاطية، وتوجد،
خارج هاتين الرسالتين، فقط في 1كو 6: 11 وتي 3: 7(9).

إن
مصدر تعليم بولس عن التبرير هوطبعا العهد القديم وثم اليهودية الربية. و(الكلمة
العبرية (صِدِقْ) و(صِدَقه) (الكسرة بالإمالة) المستعملة في العهد القديم هي ليست
بالدرجة الأولى صفة خلقية. فالمعنى الأساسي للكلمة هوالمعيار في شؤون الكون الذي
على الأشياء والبشر أن يتطابقوا معه وبه يقاسون)(10). فيقال (شيء مطابق) و(إنسان
سوي). أما في اليهودية الربية فإن (البر هورغبة قوية عند اليهودي في أن يكون
مرضياً لدى إلهه، والطريقة هي طاعة كاملة للوصايا التي يتضمنها التوراة والتقليد
وهدف هذه الطاعة هوحفظ العهد.. فالبر عند اليهود تبرير في المستقبل وليس في الزمن
الحاضر)(11). إذا التبرير في العهد القديم قضائي عدلي وليس خلقي. تعلم اليهودية
الربية أن (كل من يعمل فرائض الرب يحكم له الرب في اليوم الأخير بأنه بار، وكل من
لا يحفظها ولا يفعلها فإن خطاياه تحسب عليه. وفي اليوم الأخير سوف يجد كل إنسان
حسابه أمامه، ما له وما عليه وإن كثر الأول تبرر وإن كثر الثاني فقد دين)(12). وسوف
يدان الذين من الأمم لأنهم احتقروا الشريعة و(لم يؤمنوا بالوصايا) (4عز 7: 24)
وكان قبول الشريعة في إسرائيل عمل إيمان الذي ينتج أعمالا صالحةمطابقة للشريعة (4
عز 9: 7؛ 13: 23؛ رؤيا برنابا 2: 59).

واضح
أن بولس يختلف مع اليهودية الربية اختلافا بيناً. فقد علم: (ولكن الآن ظهر كيف
يبرر الله البشر من دون الشريعة، كما تشهد له الشريعة والأنبياء (العهد القديم
كله). فهو يبررهم بالإيمان بيسوع المسيح: ولا فرق بين البشر (رو3: 21 و22). فبولس
يضع أساسًا للتبرير ألا وهوموت المسيح ووسيلة للحصول عليه ألا وهي النعمة من قبل الله
والإيمان من قبل الإنسان. يلجأ بولس إلى طلب شهادة الشريعة والأنبياء: العهد
القديم، على صحة تعليمه لذلك فهوينتقل في جدليته من مناقشة نظرية إلى برهان حسي
تاريخي من العهد القديم وهذا ما يقوده إلى قصة إبراهيم.

ب.
إبراهيم والتبرير (البولسي)

إبراهيم
هو شاهد بولس بأن التبرير، حتى في العهد القديم، كان بالإيمان. وأحرص في هذه
الفقرة أن أسلّط الضوء على إبراهيم وبولس، وليس على التبرير وبولس. في العهد
القديم والعهد الجديد، إبراهيم رمز روحي مهم يظهر (اختيار الله). ويسأل سائل لماذا
إبراهيم ليس نوح مثلا الذي قطع الله معه عهدا قبل إبراهيم. الجواب بسيط، (فبينما
اختيار نوح وعائلته عنت هلاكا لبقية الجنس البشري، اختيار إبراهيم وعائلته عنت
بركة لبقية الجنس البشري)(13).

إن
الآية التي ينطلق منها ويركز عليها بولس في دفاعه هي (فآمن أبرام بالرب، فبرره
الرب لإيمانه) (تك 15: 6). فهويقتبسها ويؤولها في رو 4: 3 وغلا 3: 6. والمشكلة
التي علينا أن نعالجها هي: هل فعلا تبرر إبراهيم بالإيمان؟ وهل يستطيع القارئ
اليهودي، غير المؤمن بالمسيح أن يتوصل إلى هذه النتيجة من مجرد دراسته المعمقة
لقصة إبراهيم؟

دعونا
أولا نركز على الظروف النفسية التي كان فيها إبراهيم عندما كتب عنه الكاتب الملهم
هذه الآية. الله يؤكد لإبراهيم بأن أجره سيكون عظيماً لأنه اطاع وترك بلاده وشعبه.
لكن إبراهيم يتساءل: ما نفع الأجرة؟ إذ ليس لي نسل تذهب له هذه الأجرة بعد موتي،
ووارث بيتي هوالعبد أليعازر الدمشقي. لاحظوا معي أن الأجرة التي يفهمها إبراهيم هي
بركات مادية يمكن أن يتمتع بها في هذه الحياة ويورثها لنسله بعده ولم يفكر أبدًا
إبراهيم بالبركة الروحية في هذه الحياة وعلى الأخص بعد الموت، وليس مستغربًا فلا
إبراهيم ولا الكاتب الملهم يفقهان شيئا من الإسخاتولوجيا وخاصة ما بعد الموت. وهنا
يتدخل الله ويعده بنسل يخرج من صلبه وهذا النسل بالذات هوالذي سيرثه (تك 15: 1-6).
إذا استطاع أي كاتب أو قارئ أن يضع نفسه في ظروف إبراهيم ويحدد معارفه الدينية
بمعرفته، فبالتأكيد سوف لن يدرك ما هوالإيمان وما هوالتبرير كما في مفهوم بولس.
وحتى بالنسبة للقارئ اليهودي العادي الذي يرى إبراهيم من بعيد في قصته التي وصلته،
فهويرى الكل وليس الجزء فيرى أن (عمل) إبراهيم قد طغى على (إيمان) إبراهيم ولا
يفصل بين إيمانه كنشاط عقلي وعمله كنشاط مادي. هكذا قرأ يعقوب الرسول قصة إبراهيم
برأينا: قراءة بسيطة للنص مع تفسير ارتكز على بعض التقاليد المدراشية السطحية.

إذاً،
هل يتكلم بولس في الفراغ وهل يقرأ النص بفكر غرضي وغائي؟ مبتعدا عن التفسير
الموضوعي؟ إن من يعرف بولس يقول معي لا، فهوالضليع بقواعد التفسير اليهودية
والعارف قارئيه وسامعيه حق المعرفة، لا يسمح لنفسه ابداً أن يكون سطحياً لهذا الحد
فيحرف الحقائق (ليسوّق) عقيدته. كان يوجد بين اليهود من اتبع نفس النمط التفكيري
الذي يبرز في كلام بولس. (إن كلام فيلو يظهر أيضا تشابها ملحوظا مع فكر بولس: (لأن
النفس، وهي ملتصقة باتكال على رجاء صالح ومعتبرة أن الأشياء غير المرئية في الزمن
الحاضر والتي هي بحكم المحققة في الزمن الحاضر وذلك بسبب ثبات ذاك الذي وعد بها،
ربحت كمكافأة لإيمانها، فضيلة صالحة؛ إذ نقرأ بعد هذا بقليل الكاتب في بداية قصة
إبراهيم، إبراهيم آمن بالله)(14). لم يعلِّم بولس عقيدة التبرير بالايمان في فراغ.
فالايمان يجعل الانسان مبرّراً قضائياً وفعليًّا لان الايمان يُنتج علاقة خصوصية
يُعبّر عنها بولس في اصطلاحه المشهور: (في المسيح). هنا أنقض نفسي وأتوقف عن
الدفاع عن أولئك الذين لم يروا هذه الحقيقة قبل بولس من حكماء اليهود، فالموضوع لا
يحتاج إلى قواعد تفسير، فمجرد القراءة المعمقة الواقعية المنطقية للنص في سفر
التكوين ترينا بوضوح أن لله برر إبراهيم:

1.
ليس لأنه أطاع وترك أرضه وبيته وعشيرته وأتى إلى أرض كنعان، فالتبرير أتى بعد هذه
الخطوة.

2.
ليس لأنه دخل في (بِريث) (عهد أوميثاق) معه، فهذا حصل بعد التبرير.

3.
ليس لأنه اختتن كعلامة للبريث، لأن هذا حصل أيضا بعد التبرير.

4.
بل لأنه آمن بوعد الله بأن هذا الأخير سيعطيه نسلا من صلبه.

(وفي
الأوقات العصيبة التي كان يمر فيها الشعب الإسرائيلي، كان كاتب التوراة يعود دائما
إلى مبدأ (الإيمان) ويشير إليه على أنه العامل الحاسم في معاطاة الله مع نسل إبراهيم.
(أنظر خر 4: ،5 31؛ 14: 31؛ 19: 9)(15). (يتساءل المرء من أي مصدر استقى الكاتب
معرفة حدث يحمل ما هوأكثر حمامة بين الله وإبراهيم.. لأن هذه الكلمة [برره الله]
أصبحت المعادلة الثابتة لعمل الدخول في حالة الخلاص)(16).

نستطيع
أن نقول أن روما 4 وغلاطية 3 هما مدراش بولسيّ لقصة إبراهيم. يظهر أنه من المؤكد
أن قصة إبراهيم تشكّل الاساس لعقيدة التبرير بالايمان في الفكر البولسي (وأن الآية
من الانبياء) حب 2: 4 التي وردت عرضياً في استعراض بولس (قد أُضيفت كتفسير وتطبيق
للمبدأ المعروض في سفر التكوين)(17). ان تكوين 15: 6 يُرينا تبرير الله إبراهيم
بواسطة نعمته (مجاناً أوبدون استحقاق). فإبراهيم أطاع الله وترك أور الكلدانيين
آتياً الى كنعان ووعده الله بأجرة لكنه عاجز عن الاحتفاظ بهذه الاجرة لأنه قد شاخ
وكذلك امرأته ومن المستحيل بشرياً أن يكون له ولد ولعازر الدمشقي هومن سيرثه، وهذه
صورة معبّرة عن عجز إبراهيم. هنا تتدخل نعمة الله فيعد الرب إبراهيم بولد من صلبه
ليكون له الميراث بعده. إبراهيم أمام تجربة: أ يثق بقول الرب أم يركّز على عجزه.
وانتصر الاختيار الاول فإبراهيم وثق بالرب أي سلّم أمره ونفسه وكل ما يتعلق به الى
الرب ووثق بوعده، فحسب له الرب هذا التصرف برّاً أي عملاً مطابقاً للمعيار الالهي.
ان ايمان إبراهيم لم يُمسك فقط بوعد الله له بل يتعلق بالله نفسه وبأمانته. لم
يكتسب إبراهيم رضى الله (برّه) بعمل قام به، فحتى عندما قام بعمل الطاعة استحق
أجرة ووعده بها الله لكن لم يبرّره. أما عندما آمن بالله، بقدرته وأمانته، كتب
الكاتب المُلهم بأن الله برّره.

بالمقارنة
بين نصّي روما 4 وغلاطية 3 تتبيّن لنا فروقات مهمّة، بالطبع قصدها بولس. ففي رومة
4 يذكر بولس أن إبراهيم تبرّر بالايمان قبل أن يُختتن، وعلى أساس هذا التبرير
َقِبل الختان الذي هوختم التبرير بالايمان. يُبيّن بولس بهذا أن الختان لا يُقدّم
ولا يؤخّر في قضية التبرير، والايمان وحده هوالعامل الاساس. نسأل أولاً لماذا لم
يلجأ بولس الى هذا البرهان في رسالته الى كنيسة غلاطية فلربما كان سنداً داعماً في
وجه حزب الختان. من الصعب أن نقبل أن بولس لم تخطر له الفكرة عندما كتب الى
غلاطية. يظن أحد الشرّاح “بأنه لربمالم تكن هذه وسيلة ملائمة للغلاطيين.
فلربّما قالوا: (كان إبراهيم مبرراً بالايمان هذا صحيح وهكذا نحن. لكن إبراهيم
اختتن نتيجة لذلك؛ هذا صحيح، وهذا ما نحن نعرضه على أنفسنا. تقول بأن ختان إبراهيم
كان ختماً لتبرّره بالايمان الذي حصل عليه عندما كان غير مختون؛ صح، فلماذا لا
يعني الختان لنا نفس الشيء)(18). يسير بولس في كتاباته، خاصة رسالته إلى كنيسة
روما ضمن خطة مدروسة، ففي غلا 3 أراد أن يتفادى الدخول في إشكالية الختان بينما
أراد أن يعالجها في رو4. الامر الثاني، عند مناقشته لتبرير إبراهيم بالايمان في
رومة،4 لم يلجأ بولس الى ايضاح اسماعيل واسحق ليوضّح المعنيين المختلفين لنسل
إبراهيم. فبدلاً عن ذلك هو يُشير الى رواية تكوين 17 حيث تبديل اسمه من أبرام الى
إبراهيم يترافق مع وعد الله له: (لأني جعلتك أباً لأمم كثيرة) (تك 17: 5). ذلك لأن
بولس لم يرد الدخول في إشكالية النسل بل في موضوع شمولية إيمان إبراهيم. ونسأل بأي
معنى يُصبح إبراهيم أباً لأمم كثيرة (غوييم)؟ بالطبع بالمعنى الروحي يقول بولس
وهذا يعني بأن إبراهيم أب لكل الامم (غوييم) الذين سيؤمنون. بينما كونه أباً لنسله
الطبيعي: من اسماعيل واسحق يترافق مع الوعد له بأرض كنعان، فأبعاد أوسع قُدّرت له
بالعلاقة مع نسله الروحي: فمن خلال التبرير بالايمان أتى الوعد لإبراهيم ولنسله
بأنه سيرث العالم (رو4: 13).

 

2.
خلاص إسرائيل

يناقش
بولس هذا الموضوع في روما الفصول 9-11. الموضوع الذي يعالجه بولس في هذا النص
هومضمون السؤال الذي يطرحه بولس ضمناً قبل روما 6: 9 وصراحةً في روما 1: 11. في
المرجع الاول نفهم السؤال من الجواب: (ولا أقول أن وعد الله خاب)، فيكون السؤال:
(ما دام الله وعد نسل إبراهيم (الاسرائيليين أواليهود) بالبركة وكوننا نراهم رفضوا
الخلاص بالمسيح، فهل خاب وعد الله؟) والسؤال الثاني الصريح هوأوضح: (هل نبذ الله
شعبه (نسل إبراهيم)؟) يُجيب بولس على كلا السؤالين بالنفي. (ولا أقول أن وعد الله
خاب. فما كل بني إسرائيل هم إسرائيل، ولا كل الذين من نسل إبراهيم هم ابناء إبراهيم.
قال الله لإبراهيم: باسحق يكون لك نسل. فما أبناء الجسد هم أبناء الله بل أبناء
الوعد هم الذين يحسبهم الله نسل إبراهيم) (روما 9: 6-8). يشرح بولس بأن وعد الله
لم يخب إذ أن نسل الوعد، المؤمنين ايمان إبراهيم، قد خلصوا. الوعد اذاً قائم
وتحقق. وضمن نسل إبراهيم الروحي، توجد (بقية) من نسل إبراهيم الجسدي، ويلمح بولس
على أن خلاص هذه ال(بقية) هوتحقيق لما جاء في سفر إشعياء: (وإن كان بنوإسرائيل عدد
رمل البحر، فلا يخلص منهم إلا بقية.. لولا أن رب الجنود حفظ لنا نسلاً، لصرنا مثل
سدوم وأشبهنا عمورة) (رو 9: 27-29. أنظر إش 10: 22-23 و1: 9). الكلمة (نسل) في
رومة هي (بقية) في إشعياء. وبرأينا تغيير الكلمة في الاقتباس مقصود، ف (البقية) هي
(النسل) الإبراهيمي الجسدي المؤمن بالمسيح. وعلى السؤال الثاني يُجيب بولس: كلا لم
ينبذ الله شعبه، نسل إبراهيم فقد طالت نعمته قسماً منهم، وهوواحد منهم. ويدعوبولس
هذا القسم من اليهود الذين آمنوا البقية، فكما في أيام ايليا كانت أكثرية الشعب قد
ذهبوا وراء عبادة الاوثان الا أن الله قال لإبراهيم: (أبقيت سبعة آلاف رجل ما حنوا
ركبة لبعل). (روما 11: 4، 1مل 19: 10، 18). ثم يتابع بولس: (وفي الزمن الحاضر أيضًا
بقيّة من الناس اختارها الله بالنعمة). (روما 11: 5). يأتي بولس على ذكر مصطلح مهم
في العهد القديم هو (البقيّة التقيّة) وهذا ما نتوقف عنده بعد قليل. ماذا حدث اذاً
لاكثرية نسل إبراهيم الجسدي (الاسرائيليين أواليهود) ويُجيب بولس: (ان قسماً من
بني اسرائيل قسَّ قلبه الى أن يكمل عدد المؤمنين من سائر الامم. وهكذا يخلص جميع
بني اسرائيل). (روما 11: 25 و26. ماذا تعني هذه العبارة: (يخلص جميع بني اسرائيل).
وهذا أيضًا ما سنشرحه. وإن كان العهد القديم علّم عن البقيّة التقيّة، فخلاص جميع
إسرائيل بالمسيح اجتهاد بولسيّ جاء بمثابة نبوّة أوتطبيق لنبوّة أتت في العهد
القديم وستتحقق لاحقاً.

أ.
خلاص (البقيّة التقيّة) من نسل إبراهيم

ما
يعنيه بولس ب (البقية)، كمعنًى مباشر طبعاً، هو الاقلية الصغرى من اليهود الذين
آمنوا بيسوع كالمسيّا المنتظر. ان الكلمة اليونانية
(leimma) المستعملة في (آ 5) هي مشتقّة من الفعل (katelipon
= أبقيت) في (رومة 11: 4). والله في الزمن الحاضر قد أبقى (شكّل بقيّةً) من اليهود
على غرار البقية التقية في أيام ايليا. (بالنسبة للبعض، البقية استمرّت وبقيت
طبقاً لاختيار النعمة، هذا الاختيار الذي تمتّع به الاسرائيليون كشعب اختير من قبل
الله، ووجوده يُبرهن بأن الاختيار لم يُلغَ. وبالنسبة للبعض الآخر، البقيّة قد
تشكّلت في الزمن الحاضر] بتطبيق مبدأ الاختيار بالنعمة: اختار الله، من بين الشعب
الذي بقي في عدم الايمان، اولئك الذين اقتبلوا الايمان وأصبحوا يشكّلون شعباً
جديداً)(19). لكن من السهل نقد التفسير الثاني، لأن الفصول 9-11، لا تتضمن إلا
اختيار شعوب وليس اختيار أفراد. صحيح أن الآية 7 تتكلم عن اختيار أفراد لكن هؤلاء
الافراد يشكّلون (البقية) بالمقابلة مع (الباقين الذين تقسّوا). فالفكرة
الاعتراضية التي تأتي في الآية 6 تُفهم بشكل أفضل كإختيار فردي منه كإختيار
قومي)(20). ان خلاص هذه البقية كنتيجة لاختيار نعمة الله هوتأكيد على أن اختيار
إبراهيم بالنعمة، ما زال قائماً وقد تحقق في (بقية) من نسله الجسدي. ولربما هذه
البقية هي عربون كل النسل. وهذا ما ندرسه أدناه. لا شك أن بولس استوحى مفهوم
(البقية) من نصوص من العهد القديم لها معنى تاريخي أحياناً ودلالة لاهوتية دائماً.
وكثيرا ما ترافقت فكرة (البقية التقية) مع رسائل الدينونة الجماعية التي كان
يطلقها الأنبياء لكي تنكسر كبرياء الشعب ويعلموا أن (امتيازات الولادة) من نسل
إبراهيم لا تفيدهم إذا لم يرضوا الله وأن الله، في الغضب، يختار بنعمته (بقية)
للنجاة.

ب.
خلاص كل اسرائيل

بعد
أن يعالج بولس موضوع (البقية التقية)، يعود إلى طرح مشكلة (الباقين) من النسل
الإبراهيمي الذي تقسوا في الزمن الحاضر ورفضوا الإيمان بالمسيح. ويسأل: (هل زلّت
قدم اليهود ليسقطوا إلى الأبد؟) ويجيب: (كلا! بل بزلتهم صار الخلاص لغير اليهود
حتى تثور الغيرة في بني إسرائيل) (رو11: 11). يثم يكشف بولس أمراً جديداً لقارئيه:
(فأنا لا أريد، أيها الأخوة، أن تجهلوا هذا السر لئلا تحسبوا أنفسكم عقلاء، وهوأن
قسما من بني إسرائيل قسى قلبه إلى أن يكمل عدد المؤمنين من سائر الأمم. وهكذا يخلص
جميع بني إسرائيل،..) (رو11: 25).

ما
هي هوية (إسرائيل) في هذا المقطع؟ اعتقد كالفن أن هذه إشارة إلى الكنيسة. (أوسع
كلمة إسرائيل لتشمل كل شعب الله.فعندما تكون الأمم قد أتوا وعاد اليهود، فخلاص كل
إسرائيل الله، الذي يجب أن يتألف من الفئتين،يكون قد كمل)(21). صحيح أن بولس في
غلا 6: 16 يشير إلى الكنيسة ك (إسرائيل الله)، لكنه في الرسالة إلى رومة يتكلم عن
إسرائيل كمجموعة قومية بالمقارنة مع (الغوييم) أوالأمم. وهذا واضح في (11: 25 و26)
ولا تفهم الكلمة بغير ذلك. والتفسير الطبيعي لهذا (السر) هو أن إسرائيل كجماعة
قومية قد تقست حيال قبول المسيح، وما زالت حتى أيامنا. وأولئك الذين آمنوا بالمسيح
من اليهود يدخلون في عداد البقية التقية. ويدوم هذا التقسي حتى يدخل سائر الأمم في
الإيمان المسيحي أي حتى يقبل اليهود أن الوعد المسياوي يمتد إلى كل الشعوب وأن
بركة إبراهيم بحسب الوعد هي بركة تشمل سائر الشعوب. هذا المفهوم يقبل به في أيامنا
كثير من المفسرين المعاصرين(22). ماذا تعني (كل)؟ فلو كان اهتداء اليهود في زمن
الرسول لسهل الأمر، أما الآن وقد مر زهاء ألفي سنة ومات عشرات الأجيال من اليهود
الذين لم يؤمنوا بالمسيح. إن (كل) لا تعني كمية بل قومية، وبحسب تعليم بولس هذا
فاليهود كجماعة (ربما كدولة) سيأتون إلى الإيمان المسيحي.

 

3.
الوعد والعهد

كثيرة
هي الإشارات إلى الوعد والعهد في كتابات بولس عندما كتب عن إبراهيم:

(الوعد
الذي وعد الله إبراهيم ونسله بأن يرث العالم) (رو4: 13).

وعد
الله له بنسل من صلبه (رو4: 19-21).

(فكيف
بوعد الله لإبراهيم ولنسله؟ هولا يقول: لأنساله بصيغة الجمع، بل لنسله بصيغة
المفرد، أي المسيح) (غلا 3: 16).

(..أن
الشريعة لا تقدر أن تنقض عهداً أتبته الله، فتجعل الوعد بطلاً. فإن كان ميراث الله
يستند إلى الشريعة، فهولا يكون وعداً، ولكن الله أنعم بالميراث على إبراهيم بوعد)
(غلا 3: 27 و18).

(..
إلى أن يجيء النسل الذي جعل الله له الوعد) (غلا 3: 19).

(..
حتى ينال المؤمنون الوعد لإيمانهم بيسوع المسيح) (غلا 3: 22).

(فإذا
كنتم للمسيح فأنتم، إذاً، نسل إبراهيم ولكم الميراث حسب الوعد) (غلا 3: 29).

(..
وأما الذي من الحرة فولد بحسب وعد الله) (غلا 4: 23).

(وفي
ذلك رمز، لأن هاتين المرأتين تمثلان العهدين.. هاجر من جبل سيناء تلد للعبودية..
وهاجر تعني أورشليم الحاضرةالتي هي وبنوها في العبودية. وأما أورشليم السماوية
فحرة وهي أمنا) (غلا 4: 24-26).

(فأنتم
يا أخوتي أبناء الوعد مثل إسحق) (غلا 4: 28).

>
نجمّع ما قاله بولس في سياق الوعد الإبراهيمي، فهوأتى على ذكر: الوعد، العهد،
النسل، والميراث.

يجب
أن أقول هنا أن بولس لم يحاول أن يعالج موضوع الوعد أوالعهد بحد ذاته، فكان تركيزه
على أشياء أخرى (التبرير) و(النسل). لكن لا يمكن أن نعالج موضوع (النسل) دون
التطرق إلى الوعد فالعهد.

في
كل إشارات بولس إلى العهد ضمن إشاراته إلى قصة إبراهيم، توجد إشارة واحدة فقط إلى
ال (بِريث) الموسوي (غلا 4: 24). والبقية تشير إلى العهد الإبراهيمي الذي يختلف
بشكل أساسي عن الأول. ال (بريث) الموسوي هو بمثابة معاهدة بين الله والشعب على
مثال تقريبي للمعاهدات التي كان يعقدها الملوك مع الشعوب الضعيفة. ويستعمل العهد
القديم مصطلح (الوضع تحت الجزية). وبموجب هذه المعاهدات، الشعب الضعيف يدفع الجزية
مقابل أن يترك الملك القوي للشعب الاستقلال والحرية. وهذا النوع من المعاهدات كان
شائعا جدا في تاريخ الشرق الأدنى ونملك كثيراً من النصوص المشابهة. بموجب ال
(بِريث) الموسوي، كان على الشعب أب يعبد يهوه وحده ويحفظ شعائره ويحترم وصاياه (كل
هذا يدعى الشريعة)، وبالمقابل يهوه يعطي الشعب الأرض والخصب والازدهار والتقدم
والعدل والسلام(23).

عندما
يتكلم بولس عن العهد الإبراهيمي، فهو يعود بالتأكيد إلى (تك 15: 7-21)، فبعد أن
قام إبراهيم بالطقس المتوجب، كتب الكاتب الملهم: (في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام
عهداً قال: لنسلك أهب هذه الأرض..). فموضوع العهد هو الأرض، والمستفيد منه هو نسل
إبراهيم بموجب الوعد وليس بموجب الجسد.

يجب
أن نشير إلى ملاحظة مهمة جداً وهي أن العهد أتي نتيجة لوعد أعطاه الله لإبراهيم،
ولإيمان بالوعد من قبل إبراهيم، ولتبرير عمله الله تجاه إبراهيم، وعلى هذا الأساس
(قطع الرب مع أبرام عهداً). الوعد قبل العهد، العهد على أساس الوعد، الوعد أهم من
العهد.

للوعد
والعهد عنصران: النسل والميراث، لنرَ كيف عالجهما بولس:

 

1.
النسل

في
معالجته لموضوع النسل، يتجاوز بولس الحدود الجسدية والعرقية إلى الأبعاد الروحية
والإيمانية فيقول بأن نسل إبراهيم هم المبررون بالإيمان على مثال إبراهيم من
اليهود والأمم معاً، هؤلاء هم (البقية التقية) كما رأينا، وأبناء الوعد على مثال
إسحق. وعلى القارئ أن يعود إلى استعراض النصوص البيبلية أعلاه. لكن ليس الموضوع
بهذه السهولة، فأحياناً ينتقل بولس، في موضوع (النسل) من إبراهيم إلى إسحق إلى
المسيح، والنص الأصعب هو (غلا 3: 16): (فكيف بوعد الله لإبراهيم ولنسله؟ هولا
يقول: لأنساله بصيغة الجمع، بل لنسله بصيغة المفرد، أي المسيح).

(إن
التمييز بين المفرد والجمع في غلا 3: 16 هو موثق في التلموذ؛ ويوجد شك بسيط أن
يكون الرسول قد قبل بهذه المبادئ الربية بما يتعلق بهذا)(24). والسؤال المطروح هو
هل بولس، وهو يستعمل هذا التأويل المستند على قواعد اللغة، يدخل في جدال يؤدي إلى
برهان سطحي ووهمي؟ وحجة بولس هي: إذا كان سليلو إبراهيم هم المقصودون لكان الجمع
(زُرِعيم) قد استعمل في نص العهد القديم (تك 12: 7 وغيره) لكن كون الله استعمل
المفرد (زِرَع) فهو بالتأكيد يعني واحداً وهو المسيح. إذا كانت هذه بالفعل حجة
بولس، فيجب أن يكون جاهلاً لقواعد اللغة العبرية وحتى يونانية العهد القديم. إن
كلمة “زِرَع”، وهي مفرد، تعني جمع النوعية (
plural collective)، والشيء نفسه في اللغة العربية، فالمفرد (ذرية) يعني جمعاً.
ومدارس التفسير التلموذية ترفض هذا المنطق(25). غير أن بولس ليس سطحياً لهذا الحد
حتى يلجأ إلى حجة تعبر عن جهل صاحبها.

إذا
استبدلنا كلمة (نسل) في الترجمة بكلمة (ذرية) تزول برأيي نصف المشكلة: قصد الله (ذرية)
إبراهيم وليس (ذريات) إبراهيم. لا ننسى أن الجدل قائم في رسالة غلاطية بين اليهود
المسيحيين (المتهودين) والمسيحيين من الأمم ويمثلهم بولس. بالنسبة لليهود، أُعطي
الوعد ل (ذرية) إبراهيم من إسحق، ومنها تكونت الأمة الإسرائيلية التي استلمت
الشريعة وقطعت ال (بِريث) مع الله. ودخول الأمم على الوعد لا يحفظ وحدة النسل الذي
أعطي له الوعد. بولس يقول لو كان يوجد خلاص بالشريعة، وخلاص بالمسيح (ويقبل بهذا
اليهود المسيحيون) لكانت وجدت ذريتان لإبراهيم وهذا مناف لقول الله: (وفي نسلك)،
لكن بما أن (ذرية إبراهيم) واحدة لا تجزأ، فذرية إبراهيم الحقيقية هي (بالمسيح)
وأولاد إبراهيم الحقيقيون هم المؤمنون إيمان إبراهيم من اليهود والأمم. يريد
الرسول أن يبرهن أمرين:

1.
لا يوجد خلاص بالشريعة وآخر بالمسيح، بل يوجد خلاص واحد هو بالمسيح الذي هو نسل
إبراهيم بحسب الوعد.

2.
لا توجد قوميتان بين المؤمنين بالمسيح: يهود و(غوييم)، بل يوجد شعب واحد هو نسل
إبراهيم الحقيقي.

والبرهان
على صحة هذا التفسير هو أن بولس يختم كلامه بهذه الفكرة قبل أن ينتقل إلى موضوع
آخر: (ولا فرق الآن بين يهودي وغير يهودي،بين عبد وحر،بين رجل وامرأة،فأنتم كلكم
واحد في المسيح يسوع. فإذا كنتم للمسيح فأنتم، إذا، نسل إبراهيم ولكم الميراث حسب
الوعد (غلا 3: 28 و29). ثم عندما يعود بولس إلى مناقشة نسلي إبراهيم: من هاجر
فإسماعيل، ومن ساره فاسحق؛ نسل الجارية الذي يذكر ب(بريث) جبل سيناء هو نسل
العبودية، ويجمع إليه أبناء أورشليم الحاضرة المستعبدة (للرومان). هؤلاء اليهود،
من نسل إسحق ولكن رفضوا المسيح. وبالمقابل، هناك الذين يتبعون (أورشليم السماوية)
الحرة، هؤلاء هم المؤمنون بالمسيح من نسل إسحق ومن نسل إسماعيل وغيرهم، وهم نسل
إبراهيم الحقيقي.

 

3.
الميراث

الميراث
المتعلق بالوعد والعهد في النصوص البولسية التي استعرضناها هو: العالم (غلا 4:
13)، البركات المسيحية (غلا 3: 29). العالم هو شمولية الدعوة المسيحية: (ويتبارك
بك جميع عشائر الأرض) (تك 12: 3)، (لا تسمى أبرام بعد اليوم، بل تسمى إبراهيم،
لأني جعلتك أباً لأمم كثيرة) (تك 17: 5).

إن
موضوع (الميراث) أصبح قضية سياسية في منطقتنا ولجأت بعض الأطراف ل(تسييس) علم
التفسير البيبلي ليعطي الحق بالأرض لشعب معين. أود أن أؤكد أنه، في إطار الوعد
الإبراهيمي الذي أبحث فيه، لم يوجد في كلام بولس أي توجه نحو ميراث أرض. فالميراث
لإبراهيم ولنسله بركة إلهية بالمسيح. حتى عندما ناقش موضوع مستقبل إسرائيل في رو
9- 11، كان واضحاً جداً، فهو ينظر إلى حاضر ومستقبل الأمة من زاوية خلاص الشعب
بالرب يسوع المسيح. ثم ما دام النسل (نسل إبراهيم) روحياً وإيمانياً فكيف يمكن أ،
يكون الميراث أرضياً فيما بعد؟ إسرائيل الحقيقة في نظر بولس هي (إسرائيل الله)
(غلا 6: 16)، عائلة الله، الكنيسة التي هي جماعة أرضية وروحية من كل الأم والقبائل
والشعوب وميراثها الموعود به هو ميراث روحي.

 

الخاتمة

4.
بولس الخارج من الفريسية عملياً وليس شكلياً، يرى العهد القديم من منظار مسيحي.
قاعدته اختبار طريق دمشق وخلوة العربية والرسالة المسيحية التي شكلها. العهد
القديم كتابه ليبشر بالمسيح والتفسير الربي آلته ليبرز المسيح في نصوص الععد
القديم.

5.
إبراهيم مرجعية مرموقة في التارخ الديني اليهودي وفي ذهن بولس، وجده مثالاً (
type) مهما وحجة قوية ليبرهن به لليهود عقيدة الخلاص بالإيمان وأمور
أخرى.

6.
إختيار الله لإبراهيم هو مثال لاختيار الله البشر بنعمته للإيمان بيسوع المسيح.

7.
إيمان إبراهيم وتبرير الله إياه على أساس هذا الإيمان مثال لشرح عقيدة التبرير
بالإيمان.

8.
نسل إبراهيم الحقيقي هم المؤمنون بالمسيح المتبررون بالإيمان. وإسرائيل الحقيقي هو
(إسرائيل الله)، عائلة الله، الكنيسة.

9.
الله يبقى أمينا لوعده لإبراهيم، ف(البقية) التقية قد خلصت باختيار الله بالنعمة،
وتقسي بقية النسل هي إلىحين، حتى يدخل الأمم في الخلاص، وسيخلص (كل إسرائيل) بعد
ذلك.

10.
وعد إبراهيم وعهد الله معه ما زال قائما، بينما انتهت بالمسيح (اعتراضية) ال(بريث)
الموسوي. نسل الوعد هو المسيح والذين في المسيح وموضوع الوعد ميراث سماوي لا يضمحل
ولايزول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار