المسيحية

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل
الرابع

القرآن

جمع
القرآن:

بدأت
بعثة محمد وعمره اربعون عاماً وتوفي وعمره ثلاثة وستون عاماً، ونزل عليه الوحي على
مدى ثلاثة وعشرين عاماً. وكان الوحي ينزل عليه في المناسبات عندما يسأله احد عن
اشياء معينة مثل الروح والهلال وما الى ذلك، او اذا ظهرت له مشكلة او اراد ان يسن
سنةً. فنزول القرآن كان في آيات متفرقة، بعضها نزل في مكة وبعضها في المدينة. وفي
حياة محمد، كان زيد بن ثابت كاتب الوحي الرئيسي. كان محمد يملي عليه الوحي من وقت
لآخر فيكتبه علي ما تيسر له من جلدٍ او عظم او جريد النخل. وكان عبد الله بن سعد بن
ابي سرح من كُتاب الوحي كذلك لفترة قبل ان يترك ويرتد عن الاسلام لانه ادعى انه
كان يقترح بعض التعديلات اثناء كتابته الوحي، وكان محمد يوافق عليها، مما جعله
يقول لو كان هذا الوحي من عند الله لما وافق على تعديله. ويظهر ان علي بن ابي طالب
كان يجمع القرآن ويكتبه في صحف خاصة به. ولم يأمر محمد في حياته بجمع القرآن او
تبويبه، وانما اكتفي بان القرآن محفوظ في صدور الرجال.

 

وفي
خلافة ابي بكر اجتمع عمر معه واقترح عليه جمع القرآن في كتاب لان عدداً كبيراً من
الرجال الذين عاصروا النبي وحفظوا القرآن قد قتلوا في الغزوات وخاصة في معركة
اليمامة ضد مسيلمة الكذاب. وقد عارض أبوبكر في بادئ الامر لان النبي لم يجمع
القرآن ولم يأمر بجمعه. وبعد الحاح من عمر وافق أبوبكر على جمعه وطلب من زيد بن
ثابت ان يجمعه. وقد نُسب الى زيد انه قال: ناداني ابو بكر وقال لى: ان عمر قد الح
علي ان اجمع القرآن، وقد كنت معترصاً علي ذلك لان الرسول (ص) لم يجمعه في حياته،
ولو كان جمعه مهماً لأمر بجمعه. ولكن قد قُتل عدد كبير من اصحاب النبي في واقعة
اليمامة، وضاع معهم ما حفظوه من القرآن، واخشى ان يضيع كله ولذلك وافقت علي راي
عمر.

 

واوكل
ابو بكر جمع القرآن لمجموعة من الرجال على رأسهم زيد بن ثابت، وكان وقتها شاباً في
العشرين من عمره. وقد اختلف كُتاب السيرة في عدد واسماء من ساعد ثابت في مهمته.
وجمع ثابت القرآن وبوبه في سور وسلمه الى ابي بكر. وعند موت ابي بكر بعد سنتين في
الخلافة، وُضعَ القران الذي جمعه ثابت في حفظ الخليفة عمر بن الخطاب، وبد وفاته
عُهد به الى حفصة بنت عمر، ارملة الرسول.

 

ونحن
لا نعرف بالتاكيد متى جُمع القرآن، لان اول شئ مكتوب ظهر عن جمع القران كان في
كتاب ” الطبقات” لابن سعد في عام 844 للميلاد، ثم البخاري عام 870
للميلاد وصحيح مسلم عام 874 للميلاد. واذا اخذنا في الاعتبار ان محمد توفي عام 632
للميلاد، تظهر لنا حقيقة هذا التاريخ الذي كُتب بعد مرور اكثر من مائتي عام بعد
وفاة محمد وكله يعتمد على الاسناد من شخص سمع حديثاً ثم رواه لشخص آخر، وهكذا.
وبما انه لم يكن هناك تاريخ مكتوب عن تلك الفترة، فالاعتماد على الاسناد لا يبعث
الثغة في نفس القارئ.

 

وهناك
بلا شك احاديث عديدة ملفقة ومنسوبة للنبي، باسنادٍ جيد. وحتى كتب الحديث المشهورة
مثل صحيح البخاري (توفي عام 238 هجرية) يصعب الاعتماد عليها لانه جمعها بعد حوالي
مائتين عاماً بعد وفاة الرسول. ويقول المستشرق جولدزر(
Goldziher)
أنه لا يمكن القول ان أي حديث هو حديث صحيح قاله النبي، لان صناعة الحديث وصلت
ذروتها في الدولة العباسية التي حاول خلفاؤها تبرير اغتصابهم الحكم من الامويين،
فأوعزوا الى علمائهم باختراع احاديث تساندهم وتذم العلويين. وقد جمع بعض رواة
الحديث أكثر من ثلاثمائة ألف حديث، بعضها مناقض لبعض. وأعتمد البخاري ألفين فقط من
كل هذه الاحاديث واعتبر البقية منحولة. فإذا كذب الناس في الاحاديث المنسوبة
للنبي، كيف نصدق رواياتهم عن جمع القرآن؟

 

فأبن
سعد يخبرنا عن الصحابة الذين جمعوا القرآن في حياة النبي ويذكر منهم: أُبي بن كعب،
ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وابو زيد، وابو الدرداء، وتميم الداري، وسعد بن عبيد،
وعُبادة بن الصامت، وابو ايوب وعثمان بن عفان. على ان نفس الكاتب يخبرنا في صفحة
113 من طبقاته ان الذي جمع القرآن هو عثمان بن عفان في خلافة عمر، وليس في حياة
الرسول كما ذكر اولا ً. وفي حديث آخر يقول ابن سعد ان عمر بن الخطاب جمع القرآن في
صحف.

 

اما
البخاري فيخبرنا ان القرآن جُمع في حياة النبي وجمعه اُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل،
وزيد بن ثابت وابو زيد. وفي حديث آخر يقول جمعه: ابو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد
بن ثابت وابو زيد. وفي صفحة 392 يخبرنا ان القرآن جُمع في عهد ابي بكر وليس في زمن
النبي، فيقول: اخبرنا موسى بن اسماعيل، عن ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد
بن السباك، عن زيد بن ثابت، انه قال: ” بعد معركة اليمامة دعاني ابو بكر وكان
معه عمر بن الخطاب، فقال لي ابو بكر: قد قُتل رجالٌ كثير من حفظة القرآن في
اليمامة، واخشى ان يُقتل آخرون ويضيع شئ من القرآن. وارى ان تجمع لنا القران. فقلت
لعمر: كيف تصنع شيئاً لم يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: والله انه
لعمل عظيم. وظل عمر يرددها حتى اطمأن قلبي لجمعه.

فنفهم
من هذه القصة ان القرآن جُمع في عهد ابي بكر وجمعه زيد بن ثابت.

 

وفي
رواية أخرى أن حُذيفة بن يمان، وكان قد حارب مع اهل الشام في فتح ارمينيا، وحارب
في ازربيجان مع اهل العراق، قد اذهله تعدد القراءات في القرآن، فقال لعثمان: يا
امير المؤمنين، اجمع امر هذه الامة قبل ان يحدث بينها اختلاف في كتاب الله كما حدث
لليهود والنصارى. فأرسل عثمان الى حفصة وقال لها: ارسلي لنا الصحُف لنكتبها في
المصاحف، ثم نردها لك. فارسلت حفصة الصحف لعثمان الذي امر زيد بن ثابت وعبد الله
بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، بجمع القرأن في مصاحف.
وقال لهم عثمان: اذا اختلفتم في شئ، فاكتبوه بلسان قريش لان القرآن نزل بلسانهم.
وعندما جمعوا القرآن في مصاحف، رد عثمان الصحف الى حفصة وارسل مصحفاً الى كل من
الكوفة والبصرة ودمشق ومصر واحتفظ بمصحف في المدينة، وامر عماله في الامصار بحرق
جميع المصاحف الاخرى.

 

وكتاب
” الفهرست” يقول ان الذين جمعوا القرآن في حياة النبي هم: علي بن ابي
طالب، وسعد بن عبيد، وابو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وابو زيد، واُبي بن كعب، وعبيد
بن معاوية. ونرى هنا ان ” الفهرست” اضاف علي بن ابي طالب واُبي بن
معاوية لقائمة الاسماء الذين ذكرهم البخاري وابن سعد.

 

وهناك
رواية اخرى في جمع القرآن تقول ان الذي جمعه هو الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان
(684 – 704) بمساعدة الحجاج بن يوسف. وذُكر ان الخليفة عبد الملك بن مروان قال:
اخاف ان اموت في رمضان، ففيه وُلدتُ، وفيه فُطمتُ، وفيه جَمعتُ القرآن، وفيه
اُنتخبتُ خليفةً للمسلمين. وذكر جلال الدين السيوطي والثعالبي هذه القصة عن عبد
الملك.

 

وهناك
قصة في ” معجم ياقوت” تبين هذا الاختلاف: ” كتب اسماعيل بن علي
الخطبي في كتاب التاريخ قصة رجل يدعى شمبوذ في بغداد كان يقرأ ويدرّس قرآناً يختلف
عن قراءة مصحف عثمان، فقد كان يقرأ بقراءة عبد الله بن مسعود واُبي بن كعب وقراءات
اخرى. وكان يجادل القراء الاخرين ويتغلب عليهم، حتى ذاع صيته واصبح من الصعب
تجاهله، فأرسل اليه السلطان عام 828 واُحضر الى منزل الوزير محمد بن مقلة، الذي
جمع القضاة والقُراء لمحاكمته، ولم ينكر شنبوذ ما كان يُدّرس، بل دافع عنه. وحاول
الوزير اقناعه بعدم قراءة المصاحف التي فيها اختلاف عن مصحف عثمان فرفض ذلك. واصر
الحاضرون على عقابه حتى يمتنع عن تلك القراءات. وعندها امر الوزير بان يُجرّد من
ملابسه ويُجلد حتى يوافق. وبعد عشر ضربات من العصا على ظهره، وافق الا ينشر تلك
القراءات. وقال الشيخ ابو محمد السرفي ان شنبوذ هذا قد سجل عدة قراءات للقرآن.

 

اما
الكندي، وكان نصرانياً وهو غير ابن الكندي المسلم، كتب في زمن خلافة المأمون
سنة830 للميلاد، اي حوالي اربعين عاماً قبل ان يكتب البخاري، الى صديق له مسلم
وقال: (الراهب بُحيرى ” واسمه الاصلي سيرجياس
Sergius
كان راهباً نسطورياً قد طُرد من كنيسته لذنب كان قد اقترفه، فذهب الى جزيرة العرب
متطوعاً ليكفر عن ذنبه. وهناك التقى محمداً وتجادل معه. وعند موت هذا الراهب التقى
طبيبان يهوديان هما: عبد الله وكعب، محمداً وكان لهما اثر كبير عليه. وعند موت
الرسول، وبإيعاز من اليهود، امتنع علي بن ابي طالب من مبايعة ابي بكر للخلافة.
ولما يئس من الخلافة، قدمّ نفسه الى ابي بكر بعد اربعين يوماً من موت الرسول،
وعندما بايع ابا بكر، سُئل علي: يا ابا الحسن، ماذا منعك حتى الان؟ فرد عليهم: كنت
مشغولاً بجمع كتاب الله الذي كلفني به رسول الله (ص). فقال بعض الحضور ان لديهم
اجزاء من القرآن بحوزتهم. واتفق الحاضرون على ان يُجمع كل القرآن في كتاب واحد،
فجمعوا كل ما استطاعوا عليه من صدور الرجال، مثل سورة ” براءة” التي
املاها عليهم احد اعراب البادية، وآيات اخرى من نفر آخرين، وكل ما وجدوه مكتوبا
على الواح من عظام او جريد النخل او حجارة.) واستمر الكندي:

 

(ولم
يُجمع في بادئ الامر في كتاب وانما تُرك كما هو في الواح. ثم ابتدأ الاختلاف في
القراءآت ينتشر بين الناس، فكان بعضهم يقرأ بقراءة علي، وبعضهم قرأ بقراءة ما جُمع
في الالواح المذكورة اعلاه وبعضهم قرأ بقراءة ابن مسعود او اُبي بن كعب. وعندما
جاء عثمان الي الخلافة كانت القراءآت قد اختلفت في كل الامصار، فكان احدهم يقرأ
آيةً مختلفة كل الاختلاف عن قراءة شخص آخر لنفس الاية. ولما عُرض امر اختلاف
المصاحف على عثمان وخاف الانشقاق، امر بجمع كل ما يمكن جمعه من صحف وغيرها، مع
الصحف التي جُمعت اولاً في بداية خلافته، ولكنهم لم يجمعوا ما كان عند علي. أما
اُبي بن كعب فكان قد مات، واما ابن مسعود فقد طلبوا منه مصحفه لكنه رفض تسليمه
لهم. وعندئذ طلب عثمان من زيد بن ثابت ومعه عبد الله بن عباس، ان يجمعا ويصححا
القرآن بالتخلص من كل ما هو مشتبه به. وعندما اكتمل جمع القرآن، كُتبت اربعة نُسخ
بخط كبير واُرسلت نسخة الى مكة، واخرى الى المدينة، وواحدة الى الشام والرابعة الى
الكوفة.

 

ونسخة
مكة ظلت بها الى عام مائتين هجرية حينما اقتحم ابو سراية مكة، وضاعت نسخة المصحف
هذه، ويُعتقد انها اُحرقت. ونسخة المدينة ضاعت في ايام يزيد بن معاوية. وامر عثمان
بجمع وحرق كل قرآن آخر غير النسخة الرسمية، ولكن ظلت اجزاء بسيطة هنا وهناك. ولكن
ابن مسعود احتفظ بمصحفه في بيته وتوارثه احفاده، وكذلك مصحف علي، فقد توارثه
احفاده.

 

ثم
جاء الحجاج بن يوسف وجمع كل المصاحف التي عثر عليها وحرقها، وكتب مصحفاً جديداً
حذف منه اجزاءً كثيرة كانت في مصحف عثمان، منها آيات كانت تخص الامويين وفيها
اسماء بعض الناس من بني أمية.

 

وارسل
الحجاج ستة مصاحف جديدة الى مصر، والشام، والمدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة.
والعداوة التي كانت بين ابي بكر وعلي، وبين عمر وعثمان كانت معروفة لكل الناس،
وكنتيجة لهذه العداوة، ادخل كل منهم في القرآن ما يسند موقفه ويضعف موقف الآخر،
وحذف ما يضر به. فكيف إذاً نستطيع ان نفرق بين الاصل والمضاف؟ وماذا عن الاجزاء
التي حزفها الحجاح بن يوسف؟)

 

ثم
قال الكندي مخاطباً صديقه المسلم: (كل الذي ذكرت لك مأخوذ من ثقاة المسلمين، ولم
اقدم اي اراء من عندي، وانما ذكرت ما كان مبنيٍ على الادلة المقبولة لكم).

 

ولما
راى الخليفة المتوكل رسالة الكندي، طلب من الطبيب العربي المسلم، عليُ بن ربان
الطبري في عام 855 ميلادية، اي بحوالي عشرين عاماً بعد ان كتب الكندي رسالته، ان
يكتب رد الاسلام على هذه الرسالة. فكتب الطبري ” كتاب الدين والدولة”
ردأً على الكاتب النصراني ودفاعاً عن الاسلام. ولكن عندما جاء ليرد علي ما قيل عن
جمع القرآن، لم يقدم اي حُجج، بل اكتفى بأن قال: ” لو كان من المعقول الادعاء
بان اصحاب رسول الله الورعين يمكن ان يزيفوا القرآن، فإذاً يمكن ان نقول نفس الشئ
عن اتباع النبي عيسى بن مريم “. وهذا ردٌ ضعيف للغاية لأننا نعرف ان الاسلام
يقول ان الانجيل والتوراة فيهما تحريف كثير.

 

وكانت
هناك اختلافات في المصاحف، بعضها فيه زيادة وبعضها فيه نقصان. فمثلاً في سورة
المائدة الاية 89: ” لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما
عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او
تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم”.
ويخبرنا الطبري ان اُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود اضافا كلمة ”
متتالية” بعد الثلاثة ايام، وبذلك تصير الكفارة اصعب على المسلم إذ يجب عليه
أن يصوم ثلاثة أيام متتالية.

 

ويظهر
ان محمداً كان يغير الايات أو يضيف اليها اذا اشتكى بعض الناس أو سألوه سؤالاً،
فمثلاً، كما يقول البخاري، لما نزلت الاية 95 من سورة النساء: ” لا يستوي
القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم..” اشتكى رجل
اعمي (ابن أم مكتوم) للنبي قائلاً: اني اعمى ولن استطيع الجهاد ولذلك سيفضل الله
المجاهدين عليّ. فأضُيفت الى الاية ” غير أولي الضرر” واصبحت: ” لا
يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون..”.

 

ونفس
الواقعة يحكيها الواحدي النيسابوري فيقول عن زيد بن ثابت: كنت عند النبي –ص- حين
نزلت عليه ” لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله”
ولم يذكر أولي الضرر، فقال أبن أم مكتوم: كيف وأنا أعمي لا أبصر؟ قال زيد: فتغشّى
النبي – ص- في مجلسه الوحي فأتكأ على فخذي فوالذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي
فخشيت أن يرضها، ثم سُري عليه فقال: أكتب ” لا يستوي القاعدون من المؤمنين
غير أولي الضرر ” فكتبتها.

 

وهذا
هو نفس أبن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه النبي عندما جاء يسأله فعبس النبي وتولى
عنه، فانزل الله: ” عبس وتولى إن جاءه الاعمى”.

 

 ويقول
أبن عباس لما نزلت ألآية 228 من سورة البقرة: ” والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلالثة قرؤء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم
ألآخر” قام معاذ (أي معاذ بن جبل) فقال: يا رسول الله: ما عدة اللائي يئسن من
المحيض؟ وقام رجل آخر فقال: ألا رأيت يا رسول الله في أللائي لم يحضن للصغر ما
عدتهن؟ فقام رجل آخر فقال: أرأيت يا رسول الله ما عدة الحوامل؟ فنزل ”
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن
وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن ”

 

فإذا
صحت هذه الروايات، أصبح من السهل فهم الاختلاف في بعض ألآيات في عدة مصاحف، إذ
يكون أحدهم قد كتبها كما سمعها أولاً ولم يسمع الاضافة بينما سمعها آخرون. ونستطيع
ان نقول مما تقدم ليس هناك اجماع على متى جُمع القرآن في هيأته الحالية. فقد رأينا
اناس يقولون قد جمعه عليُ بعد موت محمد مباشرة، وقال آخرون جمعه زيد بن ثابت في
خلافة ابي بكر، الذي اعطاه لحفصة بنت عمر للاحتفاظ به. وقال آخرون ان عثمان هو
الذي كلف زيد بن ثابت بجمعه. وسمعنا من آخرين ان الحجاج بن يوسف هو الذي كتب
المصحف الحالي. ومما يُرجّح القول الاخير، ان الكتابة العربية حتى عهد الخلافة
الاموية لم تكن بها نقاط على الحروف، ولم تكن هناك همزة وتنوين حتى جاء سيبوي
وادخل علامات الترقيم.

 

ومن
السهل على الانسان ان يتخيل مدى الارتباك الذي كان يواجه من يريد ان يقرأ ما جُمع
من القرآن في صحف، وليس على الحروف نقاط. فلم يكم من اليسير التفرقة بين الباء
والتاء والثاء، وكذلك كان من الصعب التفرقة بين الطاء والظاء وبين الدال والذال
وبين السين والشين وبين الراء والزاء. ويقال ان شخصاً يدعى حمزه كان يقرأ سورة
البقرة، الاية الثانية “ذلك الكتاب لا ريب فيه” ولعدم وجود النقاط على
الحروف، قرأها ” لا زيت فيه”. ومنذ تلك اللحظة سُمى ذلك الرجل ”
حمزة الزيات”. ولهذا السبب كان القرآن يُدرّس بطريقة التلقين بواسطة القُراء
تفادياً للخلط بين الكلمات التي ليس عليها نقاط. ولهذا السبب ظهر الاختلاف بين
الناس كل شخص كان يقرأ حسب ما لقنه معلمه ولم يكن باستطاعتهم التحقيق مما قال
المعلم لان الكلمات الغير منقطة قابلة للتأويل.

 

فنجد
مثلاً في سورة الفرقان الاية 48: ” وهو الذي ارسل الرياح بُشرا بين يدي رحمته
وانزلنا من السماء ماء طهورا”، تُقرأ في بعض الروايات: ” وهو الذي ارسل
الرياح نُشرأ بين يدي رحمته”. ونُشرا تعني متفرقة قُدام المطر. ولهذا السبب
نجد أحمد بن موسى بن مجاهد عدد تسع قراءآت مختلفة. وقال البخاري: حدثنا سعيد بن
عقير، حدثنا الليث عن ابن شهاب، قال اخبرني عروة بن الزبير ان المسور بن مخرمة سمع
عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة النبي (ص)
فاستمعت لقراءته، فاذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (ص)، فكدت
اساوره في الصلاة. فصبرت حتى سلّم فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي
سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله (ص) فقلت: كذبت، فان رسول الله (ص) قد
أقرأنيها على غير ما قرأت،

 

فأنطلقت
به أقوده الى رسول الله (ص) فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم
تقرئنيها، فقال رسول الله (ص): ” اقرأ يا هشام ” فقرأ عليه القراءة التي
سمعته يقرأ، فقال (ص): ” كذلك اُنزلت “، ثم قال: ” اقرأ يا عمر
” فقرأت القراءة التي اقراني، فقال رسول الله (ص): ” وكذلك اُنزلت، ان
القرآن اُنزل على سبعة احرف فأقرؤوا ما تيسر منه”.

 

وواضح
ان النبي نفسه كان يغير قراءة القرآن من وقت لآخر حسب ما يتذكر. فهذا هو هشام سمعه
يقرأ سورة الفرقان وحفظها منه حسب قراءتها، ثم جاء عمر في وقت آخر وسمع النبي يقرأ
نفس السورة بقراءةٍ مختلفة. فحتى في زمن حياة محمد وبموافقته كان القرآن يُقرأ عدة
قراءآت مختلفة، فماذا نتوقع بعد موته. والذي حدث ان القرآن ظل يُقرأ بعدة قراءآت
حتى كتب الحجاج المصحف المرقم، واتفق العلماء على السبعة احرف التي قالها محمد.

 

واذا
كان صحيحاً ان ابا بكر كلف زيد بن ثابت واُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وابا يزيد بجمع
القرآن، وجُمع القران وسُلم له وسلمه بدوره لحفصة بنت عمر لتحتفظ به، لماذا إذاً
كلف عثمان بن عفان زيد بن ثابت مرة اخرى ليجمع القرآن؟ لماذا لم يأخذ عثمان النسخة
المحفوظة عند حفصة ويرسلها للامصار؟ وهو كان على علم بان حفصة لديها كل القرآن
الذي جمعه زيد في خلافة ابي بكر بدليل انه ارسل الى حفصة وطلب منها ارسال الصحف
التي بحوزتها اليه؟ وعندما كلف عثمان زيد بن ثابت ليجمع له القرآن، لماذا لم يأخذ
زيد القرآن الذي جمعه في خلافة ابي بكر ويسلمه لعثمان؟ لماذا اجهد نفسه ومساعديه
بجمع القرآن مرة اخرى على مدى عدة سنوات؟ اللهم الا اذا كان يعرف ان القرآن الذي
جمعه في خلافة ابي بكر لم يكن مكتملاً او انه كان يحتوي على آيات زائدة لم تكن
اصلاً من القرآن؟

 

ونستطيع
ان نقول اما ان المصحف الذي جمعه زيد في خلافة عثمان كان مختلفاً عن المصحف الذي
جمعه في خلافة ابي بكر، وهذا القول يفتح الباب على مصراعيه للقول بان كل المصاحف
كان بها اختلاف، او ان زيداً لم يجمع القرآن في خلافة ابي بكر، وهذا القول يلقي
بالشك في كل مسائل الاسناد وبالتالي في كل الاحاديث المسندة، لان قصة جمع القران
في خلافة ابي بكر مسندة اسناداً لم يكن قد تطرق اليه الشك في الماضي.

 

ومما
لا شك فيه ان المصاحف العديدة التي جُمعت على مدى السنين كان بها اختلاف كثير،
فمثلاً،ابو عبيد القاسم بن سلام، المولود سنة 154 للهجرة، ودرس تحت اساتذة الكوفة
والبصرة، وصار معلماً مشهوراً في بغداد، وعالم لغة وقاضياً، كتب كتاب ” فضائل
القرآن” وقال فيه: ” قال لنا اسماعيل بن ابراهيم عن ايوب عن نافع عن ابن
عمر، انه قال: ليقولن أحدكم قد أخذ القرآن كله، وما يدريه ما كله، قد ذهب منه قرآن
كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر.

وكذلك
قال: ” اخبرنا ابن ابي مريم عن ابن الهيعة عن ابي الاسود عن عروة بن الزبير
عن عائشة، انها قالت: كانت سورة الاحزاب تُقرأ في ايام رسول الله وبها مائتان من
الآيات، ولكن عندما جمع عثمان القرآن لم يتمكن من جمع اكثر مما فيها الان”.

 

وقال
عن زير بن حُبيش انه قال: ” قال لي أبي بن كعب: يا زير، كم آية حسبت او قرأت
في سورة الاحزاب؟ فقلت: اثنان وسبعون او ثلاث وسبعون. فقال: كانت مثل سورة البقرة
في الطول، وكنا نقرأ فيها آية الرجم. فقلت له: وما هي آية الرجم؟ فقال: “الشيخ
والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم” فرُفع
فيما رُفع.

 

وفي
مكان آخر يقول: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن صائب بن ابي
هلال عن ابي امامة عثمان بن سهل عن خديجة، انها قالت: ” كان رسول الله يقرأ
لنا آية الرجم”. وذكر أبن كثير عن عُتبة بن مسعود أن أبن عباس أخبره بأن عمر
بن الخطاب قام في المجلس فحمد الله واثنى عليه وقال” اما بعد، أيها الناس فإن
الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما
أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، واني قد خشيت ان يطول بالناس زمان فيقول
قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة انزلها الله. ولولا أن
يقول قائل، أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس فيه لأثبتها كما نزلت
“.

 

وروى
عبد الغفار بن داود عن لحّي عن علي بن دينار ان عمر بن الخطاب مر برجلٍ وهو يقرأ
من مصحف، فقرأٍ: ” النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم وهو
ابوهم” (الاحزاب/ ألآية السادسة). فقال له عمر: لا تفارقني حتى نأتى اُبي بن
كعب. ولما جاءا اُبي قال له عمر: يا اُبي،هلا سمعناك تقرأ هذه الاية؟ فقرأ اُبي
الاية بدون ” وهو ابوهم” وقال لعمر: انها من الاشياء التي اُسقطت. وروي
نحو ذلك عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن.

 

وفي
مصحف أُبي، حسب تفسير القرطبي، نجد نفس الآية تقول: ” النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم وازواجه أمهاتهم وهو أب لهم”. وقرأ ابن عباس: ” ألنبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم”. ويتضح هنا الاختلاف في
ترتيب الكلمات، وهو أمر يسهل فهمه إذ ظل القرآن يُحفظ في الصدور دون كتاب يُرجع
اليه. فذاكرة الانسان لابد لها أن تخونه مهما كانت قوة ذاكرته.

 

وقال
أبو عبيد حدثنا أبن أبي مريم عن أبن الهيعة عن يزيد بن عمرو المغافري عن أبي سفيان
الكلاعي: أن مسلمة بن مخلد الانصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم
يُكتبا في المصحف، فلم يخبروه، وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك، فقال أبو مسلمة:
” إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا
وأنتم المفلحون” و” الذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب
الله عليهم أولئك لا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرةٍ أعينٍ جزاءً بما كانوا
يعملون”. فأبو عبيد يدعي أن هاتين ألآيتين أُ سقطتا من المصحف وهو كان قد
حفظهما عن ظهر قلب.

 

ويقول
ابو عبيد: ” هذه الحروف التي ذكرنا في هذه الصفحات من الاشياء الزائده، التي
لم يتداولها العلماء لانهم قالوا انها تشبه ما بين دفتي الكتاب، ولكنهم كانوا
يقرأونها في الصلاة. ولذلك لم يكفّروا من انكر وجود هذه الحروف الزائدة لان الكافر
في نظرهم هو من انكر ما هو مذكور بين دفتي الكتاب”.

 

وهناك
آيات نزل بها الوحي: كما زعموا، وظلت لفترة تُقرأ ثم اختفت. فهذا هو محمد بن مرزوق
يحدثنا عن احدى هذه الآيات، قال: حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة قال: حدثنا اسحاق بن
طلحة فقال حدثني انس بن مالك عن اصجاب النبي الذين ارسلهم الى اهل بئر معونة، قال:
ارسل النبي اربعين او سبعين رجلاً الى بئر معونة، وعلى ذلك البير عامر بن الطفيل
الجعفري، فخرج اصحاب الرسول حتى اتوا غاراً مشرفاً على الماء قعدوا فيه. فخرج ابن
ملجان الانصاري ليبلّغ اهل بئر معونة رسالة رسول الله، فخرج اليه من كٍسر البيت
رجلٌ برمح فضربه به حتى خرج من جنبه الاخر، فقال: الله اكبر، فزتُ ورب الكعبة!
وارتد راجعاً لأصحابه فاتبعوا اثره حتى اتوا اصحابه في الغار، فقتلوهم اجمعين،
فانزل الله فيهم قرآناً: ” بلّغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا
ورضينا عنه”. ثم نُسخت هذه الاية ورُفعت من الكتاب بعدما قرأناها زمانا،
وانزل الله مكانها: ” ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء
عند ربهم يرزقون”.

 

وقال
ابو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
عن أبي واقد الليثي قال:: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُوحي اليه أتيناه،
فعلمنا مما أوحي اليه، قال: فجئت ذات يوم، فقال: إن الله يقول: ” إنا أنزلنا
المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو ان لابن آدم وادياً لأحب أن يكون اليه الثاني،
ولو كان اليه الثاني لأحب أن يكون اليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم الا
التراب، ويتوب الله على من تاب”.

 

وهناك
سور من الواضح جداً انها أُدخلت عليها بعض الاضافات، سواء أُدخلت هذه الاضافات
عندما جمع زيد بن ثابت القرآن، أم بعد ذلك، فمن الصعب أن نجزم بذلك، ولكن المهم أن
هذه السور توضح لنا أن القرآن لم يُكتب كما قرأه محمد على أصحابه. فمثلاُ سورة
المدثر تتكون من آيات قصيرة مسجوعة على الراء، ولكن ألآية 31 في منتصفها لا تنسجم
مع طول ألآيات ولو انها تنسجم مع السجع:

1-
” ياأيها المدثر”

2-
” قم فأنذر”

3-
” وربك فكبر”

4-
” وثيابك فطهر”

5-
” والرجز فأهجر”

31-
” وما جعلنا أصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا
ليستيقين الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايماناً ولا يرتاب الذين أوتوا
الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ما ذا أراد الله بهذا
مثلاً كذلك يُضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو وما هي الا
ذكرى للبشر”

32-
” كلا والقمر”

33-
” والليل إذا أدبر

34-
” والصبح إذا أسفر”

 

من
الواضح جداً أن ألآية 31 لا تنسجم مع بقية ألآيات وأنها أُضيفت اليها لاحقاً. وهذا
دليلٌ قاطع على أن القرآن أُدخلت فيه آيات لم تكن أصلاً من السور وحُزفت آياتٌ
أخريات، مما يجعلنا نقول أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الذي قاله محمد
حرفياً.

 

ونستطيع
ان نقول ان القرآن ظل يتناقل شفهياً طوال فترة نزول الوحي، وهي ثلاث وعشرون سنةً،
وعلى احس الفروض، حتى خلافة عثمان، وذلك ما يقارب الاربعين عاماً بعد نزول الرسالة
على محمد، وعلى اسوأ الفروض، حتى زمن الحجاج بن يوسف في الدولة الاموية (95
هجرية)، قبل ان يُكتب ويُسجل في المصحف الذي بين ايدينا الان. فهل يُعقل ان يُحفظ
كل هذا العدد من الآيات المتشابهات في الذاكرة كل هذه السنين دون ان يحدث بها بعض
التداخل والاختلاط؟ فذاكرة الانسان العادي لا يمكن الاعتماد عليها كل هذه السنين،
وهناك قصص تثبت ذلك.

 

فمثلاً
عندما اختلف الخليفة المنصور مع احد العلويين واراد ان يثبت له ان العم يمكن ان
يقال له ” اب”، ذكر سورة يوسف الاية 38، لكنه قال: ” واتبعتُ ملة
آبائي ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب”. ولكن الصحيح هو: ” واتبعتُ ملة
آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب” بدون ذكر اسماعيل. ويظهر ان الخليفة المنصور
كان يقصد الاية 133 من سورة البقرة: ” ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ
قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل
واسحاق”. وهذه الاية تثبت قول المنصور لان ابو يعقوب هو اسحق ولكن ابناء
يعقوب قالوا له نعبد اله آبائك وذكروا عمه اسماعيل قبل ابيه.

 

والغريب
انه لا المبرد ولا ابن خلدون الذين ذكرا هذه القصة واوردا الآيات المذكورة، تنبه
لهذه الغلطة في الاية 38 من سورة يوسف. اما الطبري فقد تنبه لها لكنه لم يتذكر
الآية المقصودة في سورة البقرة. وهذا يثبت ان الذاكرة لا يمكن الاعثماد عليها،
ولذلك يظهر هذا التكرار والنسخ في القرآن لان المسلمين اعتمدوا على الذاكرة لسنوات
طويلة قبل ان يكتبوا القرآن في المصحف الحالي.

 

البلاغة
في القرآن

لا
نستطيع ان نُحصي عدد الكتب والمقالات التي نُشرت عن بلاغة القرآن واعجازه وتطوره
العلمي الذي سبق العلم الحديث بمئات السنين. وسوف نتطرق لكل هذه المواضيع في
وقتها. ولكي نناقش القرآن نقاشاً منطقياً، لابد ان نُقسّمه الى قسمين: القسم الاول
هو لغة القرآن، والقسم الثاني عن المحتويات. فلنبدأ بلغة القرآن.

 

الصعوبات
التي تقابل القارئ للقرآن يمكن حصرها في عدة أبواب:

1-
ألاكثار من استعمال السجع الذي قد يضر بالمعنى في بعض الحالات

2-
تغير صيغة المخاطب أو المتحدث من الشخص الاول الى الشخص الثالث والعكس كذلك، دونما
أي مراعاة لمحتوى ألآية

3-
الخلط بين الفعل الماضي والفعل المضارع في نفس ألآية وكذلك الخلط بين المفرد
والجمع

4-
كلمات او جُمل معناها ليس واضحاً للشخص العادي ولا حتى للمفسرين أنفسهم، ونستنبط
هذا من كثرة واختلاف التفاسير للكلمات أو ألآيات

5-
جُمل بها أخطاء نحوية

6-
جُمل لا تتماشى مع المحتوى

 

ولنبدأ
بالسجع. قبل ان يأتي الاسلام كان جزء كبير من عرب الجاهلية وثنيين، وان كانوا على
علم بالاديان الاخرى وبفكرة التوحيد وعبادة إله واحد. وسواء آمنوا بالاله الواحد
في السماء او بالاصنام كآلهة او كوسيلة لتوصلهم الى الاله، لم يكن بمقدورهم مخاطبة
الاله او الصنم مباشرةً، فكان لابد لهم من وسيط. هذا الؤسيط كان الكاهن. وكلمة
” كاهن” مشتقة من الكلمة العبرية ” كوهين
Kohen
” التي اُستعيرت بدورها من الكلمة الآرامية ” كاهنا
Kahna “. والكوهين العبري رجل دين كل مهمته تفسير التوراة والاحكام
الدينية للعامة. أما في اللغة العربية فكلمة ” كاهن” تعني الرجل
المتكهن، الذي يتنبأ بالغيب، ويتحدث للناس بما قد يحدث لهم في المستقبل. وللكهان
اسلوب خاص في الكلام، يعرف بالاغراق في استعمال السجع، وبالافراط في استعمال
الكلام الغامض. وهو اسلوب تقتضيه طبيعة التكهن، لكي لا يُلزم الكاهن نفسه بما
يقوله من قول ربما لا يحدث، او قد يحدث عكسه. ففي مثل هذه الحالة يكون للكاهن مخرج
باستعماله هذا النوع من الكلام الغامض.

 

وفي
الاقوال المنسوبة الى الكهان، قَسَمٌ بالكواكب كالشمس والقمر والنجوم والليل
والنهار والاشجار والرياح وما شابه ذلك من امور. والغرض من القسم هنا هو التاثير
في نفوس السامعين والاغراب في الكلام، ليكون بعيداً عن الاسلوب المألوف. وقد روى
الاخباريون نمازج من هذا الكلام المعروف ب ” سجع الكهان”. وقد وردت كلمة
كاهن في القرآن في معرض الرد على قريش الذين اتهموا الرسول بأنه كاهن، وبانه يقول
القرآن على نمط قول الكهان، ففي سورة الطور، الاية 29 نجد: ” فذّكر فما انت
بنعمت ربك بكاهنٍ ولا مجنون “. وفي سورة الحاقة، الاية 42: ” ولا بقول
كاهن قليلاً ما تذكرون “.

 

وكذلك
اتهمت قريش محمداً بانه شاعر، وفي كلتا الحالتين، الكهانة والشعر، كان من رأي
الجاهليين ان هناك وحياً يُوحى الى الكاهن بما يقوله، والى الشاعر بما ينظمه،
ويأتي بهذا الوحي شيطان، ” شيطان الشاعر”. وقد ورد ” شيطان
الكاهن” كذلك، ذلك لان الكاهن يتلقى علمه من الجن. بل كانوا يعتقدون ان
للشاعر شيطانين يساعدانه على نظم الجيد من الشعر، ولذلك نجد الشعراء انفسهم
يخاطبون شيطانين في بداية القصيده. فمثلاً امرؤ القيس يقول في بداية معلقته
المشهوره:

 

قفا
نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فيعتقد
البعض انه يخاطب شيطانيه، وقيل أنه يخاطب صاحبيه، وقيل بل خاطب واحداً واخرج
الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين، لان العرب من عادتهم اجراء خطاب الاثنين على
الواحد والجمع، وانما فعلت العرب ذلك لان الرجل يكون أدنى أعوانه أثنين: راعي إبله
وراعي غنمه. وعلى كلٍ، إن كان الشاعر يخاطب شيطانين أو صاحبين وهميين، فقد سلك
القرآن نفس المسلك.

 

وكان
العرب يرون ان للكاهن قوة خارقة وقابلية لتلقي الوحي من تلك القوى التي يتصورونها
على هيأة شخص غير منظور يلقي الى الكاهن الوحي، فينطق بما يناسب المقام وبما يكون
جواباً على الاسئلة التي توجه للكاهن. ويطلقون على ذلك الشخص الخفي ”
تابع” لانه يكون تابعاً وصاحباً للكاهن، يتبعه ويلقي اليه ”
الرئي”، ويكشف له الحُجب ويأتيه بالاسرار.

 

وللجاهليين
قصص عن الكهان اخرجتهم من عالم الواقع وجعلتهم في جملة الاشخاص الخرافيين. فمثلاً،
كان هناك الكاهن ” سطيح”، واسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب،
وكان يقال له سطيح الذئبي لنسبته الى ذئب بن عُدي. وقال الاخباريون ان سطيحاً كان
كتلة من لحم يُدرج كما يُدرج الثوب، ولا عظم فيه الا الجمجمة، وان وجهه في صدره،
ولم يكن له لا رأس ولا عنق، وكان في عصره من اشهر الكهان، وان كسرى بعث اليه عبد
المسيح بن بقلة الغساني ليسأله في تأويل رؤياه عندما سقطت الحيطان في ايوانه يوم
وُلد محمد.

 

وتفسير
العلماء الاسلاميين للكهانة هو ان التابع كان يسترق السمع من الملائكة، فيلقي بما
سمعه على الكاهن، ويلقي الكاهن ما سمعه على الناس، فيكون نبوءة. وذلك قبل عهد بعثة
الرسول. فلما جاء الاسلام ونزل القرآن، حُرست السماء من الشياطين، واُرسلت عليهم
الشهب، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الاعلى، فيلقيه الى الاسفل قبل ان يصيبه
الشهاب، والى ذلك الاشارة ” الا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب”.
والقرآن يؤكد ان الشياطين كانت تجلس في السماء تتصنت لما يقول الله للملائكة وترجع
للأرض لتخبر الكهان بما سيحدث، الى أن قرر الله حراسة السماء حينما أرسل محمداً.
ويظهر أن الله لم يكن يبالي بإستراق السمع هذا عندما بعث ابراهيم ونوح وموسى وعيسى
وغيرهم حتى أتى محمد واتهمته العرب بأنه كاهن، فقرر الله وقتها حراسة السماء لينفي
التهمة عن رسوله.

 

ولم
يكن السجع غريباً على محمد، فقد قال الامام احمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف
عن زُرارة عن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم رسول الله (ص) المدينة انجفل الناس،
فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب، فكان اول شئ سمعته
يقول: ” أفشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا
الجنة بسلام”.

 

والسجع
هو العمود الفقري في لغة القرآن، لدرجة ان محمداً قد غير اسماء اماكن واشياء
لتتماشى مع السجع في السورة. فمثلاً في سورة التين، الاية الثانية، نجد ان ”
طور سيناء ” قد تغير الى ” طور سينين ” ليتماشى مع السجع:

1-
” والتين والزيتون ”

2-
” وطور سينين ”

3-
” وهذا البلد الامين ”

4-
” لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم “.

وليس
هناك بالطبع مكان او جبل اسمه طور سينين، وكلمة طور نفسها ليست كلمة عربية وانما
كلمة عبرية وتعني ” جبل”، وهذا الجبل في سيناء، ولذلك دُعي جبل سيناء او
طور سيناء. ونجده قد استعمل الاسم الصحيح في سورة ” المؤمنون” الاية 20:
” وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغٍ للآكلين”.

 

ونجد
في سورة الانعام، الآية 85، ذكر بعض الانبياء: ” وزكريا ويحيي وعيسى وإلياس
كل من الصالحين”. ونجد كذلك في سورة الصافات، الاية 123 إلياس يُذكر مرة
اخرة: ” وان إلياس لمن المرسلين”. ولكن فجأةً في الآية 130 من نفس
السورة يتغير اسمه ليصبح إلياسين، ليتماشى مع السجع: ” سلام على
إلياسين”. وهذه ليست ” آل ياسين” وانما ” إل ياسين” بكسر
الالف الاولى.

 

وأغلب
القرآن مسجوع لان السجع، كالشعر، يسهل حفظه. وألانسان البدائي تعلم الرقص والغناء
والشعر آلاف السنين قبل أن يتعلم الكتابة. ولم يتعلم الانسان النثر الا بعد أن
تعلم الكتابة، لصعوبة حفظ النثر.

 

وتجاهل
بعض الناس هذه الحقيقة البسيطة في اندفاعهم لجعل القرآن المرجع الوحيد لما حدث
ويحدث في العالم. فالبروفسير حميد الله يذكر في مقدمة ترجمته للقرآن الى اللغة
الفرنسية أن الله ذكر القلم في أول سورة أُنزلت على النبي، ليؤكد أهمية القلم
كأداة في تطور علم الانسان. ويستمر البروفسير ويقول إن هذا يؤكد كذلك اهتمام النبي
بجمع القرآن وحفظه مكتوباً. وطبعاً البروفسير حميد الله قد نسى أن العلماء قد
قدروا أن ألانسان البدائي ظهر على هذه الارض قبل حوالي سبعة ملايين من السنين،
وتعلم اثناء تطوره الصيد وصناعة ألالآت وصناعة القوارب والحراب، وتعلم كذلك ان
ينظم الشعر وان يرسم وتعلم فن القصص (الفولكلور الشعبي) وصناعة الملابس واشياء
أخرى مثل اكتشاف النار والزراعة، ألاف السنين قبل أن يتعلم القراءة ويخترع القلم.

 

ويتفق
العلماء أن اختراع اللغة هو الذي سهّل للانسان الاتصال بالناس الآخرين ونقل
الافكار بينهم، وبالتالي تكون اللغة هي أداة تقدم ألانسان وليس القلم كما يقول
بروفسير حميد الله. وإذا كان القلم والقراءة بهذه الاهمية عند الله حتى انه ذكر
القلم في أول سورة انزلها على النبي، لماذا أختار الله رسولاً أمياً لا يقرأ ولا
يكتب، حسب زعم المسلمين؟

 

وبما
أن القرآن لم يكن يُكتب في البداية، وكان أعتماد المسلمين على الذاكرة، كان
الاعتماد على السجع أفضل وسيلة لمساعدتهم على حفظه. ولكن مشكلة السجع تكمن في
التكرار خاصة اذا كانت السورة طويلة، لان الساجع يجد صعوبة في ايجاد كلمات كثيرة
متماشية مع القافية. فنجد أن السور الطويلة يتغير فيها السجع عدة مرات، وتتكرر بعض
الكلمات عدة مرات، وفي بعض الاحيان يشتق القرآن بعض الكلمات اشتقاقاً على غير
المعهود لتماشي السجع.

 

فإذا
أخذنا مثلاً سورة مريم، من ألآية الثانية حتى ألآية الثالثة والثلاثين نجد آخر
كلمة من كل آية تنتهي ب ” يا”

2
– ” ذكرُ رحمة ربك عبده زكريا”

3-
” إذ نادى ربه نداءً خفيا”

ثم
في ألآيتين 34 و35 تتغير القافية الى ” ون”

34-
” ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون”

35-
” ما كان لله أن يتخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى شيئاً أن يقول له كن
فيكون”

ثم
تتغير الى “ميم” في ألآيتين 36 و37

36-
” وإن الله ربي وربكم فأعبدوه هذا سراط مستقيم”

37-
” فأختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يومٍ عظيم”

ثم
ترجع الى النون مرة أخري في ألآيات 38 و39 و40

40-
” إنا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون”

ثم
نرجع للقافية الاولى ” يا” في ألآيات من 41 الى 74

41-
” واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقاً نبيا”

ثم
تتغير القافية الى ” دا” مثل جُنداً وولداً الى نهاية السورة.

 

وادخال
آيتين أو ثلاثة في منتصف السورة بسجع يختلف عن معظم آيات السورة حمل بعض الدارسين
الى القول بأن هذه ألآيات أُضيفت الى السورة لاحقاً ولم تكن جزءً منها في البداية.

ونجد
في نفس سورة مريم تكراراً غير مفيد. فعندما يتحدث القرآن عن زكريا وأبنه يحيي،
يقول عن ألاخير: ” سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا”. ثم نجد
ألآية مكررة عندما يتحدث عن عيسى: ” والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم
أُبعث حيا”.

 

وفي
ألآية 10 من نفس السورة: ” قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام سوياً”
وفي ألآية 17 كذلك: ” فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا”. وفي
ألآية 68 نجد: ” فوربك لنحشرهم والشياطين ثم لنحضرهم حول جهنم جثيا”،
وفي ألآية 72: ” ثم ننجي الذين آمنوا ونذر الظالمين فيها جثيا”. وواضح
أن التكرار هنا لصعوبة ايجاد كلمات اخرى تماشي السجع.

 

واشتقاق
الكلمات على غير المعهود نجده في ألآية 74 من نفس السورة: ” وكم أهلكنا قبلهم
من قرن هم أحسن أثاثاً ورءياً”. والاشتقاق هنا غريب لانه من رأى والمصدر
رؤية، ولكن لتماشي الكلمة السجع قال ” رءيا”. ولغرابة الاشتقاق وجد
المفسرون صعوبة في شرح الكلمة، فقال القرطبي في تفسيره: (قال ابن عباس ”
ورئيا” اي منظراً حسناً. وفيه خمس قراءات: قرأ أهل المدينة ” وريا”
بياء واحدة مخففة. وروى ألاعمش عن ابن عباس ” أحسن أثاثاً وزيا” بالزاي.
وقرأ أهل الكوفة ” ورئيا” بالهمزة. وقال أبو أسحق يجوز ” وهم أحسن
أثاثاً وريئا” بياء بعدها همزة).

 

وفي
سورة النبأ، ألآية 35، عندما يصف الله الجنة، نجد:

31-
” إن للمتقين مفازا”

32-
” حدائقَ وأعنابا”

33-
” وكواعبَ أترابا”

34-
” وكأساً دهاقا”

35-
” لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا”

 

وكلمة
” كذابا” مشتقة من كذّبَ، يُكذّبُ، كذباً. والمصدر كما هو واضح ”
كذبا”، ولكن لتماشي الكلمة السجع كان لا بد من جعلها ” كذابا”. وقد
يلاحظ القارئ هنا أن ألآية 34 لا تماشي السجع مما دعا بعض الدارسين الى القول
بأنها أضيفت مؤخراً.

 

والتكرار
في بعض ألآيات يكون مملاً. فخذ مثلاً سورة ” الرحمن” وبها 78 آية كلها
مسجوعة على الالف والنون ما عداء آيات بسيطة، ولسبب ما أدخل المؤلف ” فبإي
ألاء ربكما تكذبان” بعد كل آية ابتداءاً من ألآية الثانية عشر. وتكررت هذه
العبارة 31 مرة في سورة طولها 78 آية. فاي غرض يخدمه هذا التكرار الممل.

 

وكل
سورة ” الرحمن” هذه تذكرنا بايام الجاهلية عندما كان الشاعر يخاطب
شيطانيه أو صاحبيه ليساعداه على نظم الشعر ” قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل..
” فالقرآن هنا، كعادة الجاهلية، يخاطب شيطانين (وهناك شياطين مسلمة كما يقول
القرآن). ويقول علماء الاسلام ان القرآن في هذه السورة يخاطب الانس والجن، ولذا
استعمل صيغة المثنى. ولكن في نفس السورة عندما اراد القرآن مخاطبة الانس والجن
قال: ” يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والارض
فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان”. فلم يقل ” فانفذان، او لا تنفذان الا
بسلطان”.

 

وفي
بعض الاحيان تُضاف كلمات، لا لتوضيح الصورة ولكن لتكملة السجع، فمثلاً في سورة
الشعراء في الاية 76 تُضاف كلمة ” الاقدمون” دون الحاجة اليها

72-
” قل هل يسمعونكم اذ تدعون”

73-
“او ينفعونكم او يضرون”

74-
” قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون”

75-
” قال أفراءيتم ما كنتم تعبدون”

76-
” انتم وآباؤكم الاقدمون”

 فكلمة
” الاقدمون” هنا لا تخدم اي غرض مفيد اذ ليس هناك اباء جُدد واباء
اقدمون، لان كلمة اباء قد ترجع للوراء حتى نصل الى آدم، فكلنا ابناء آدم، وحين
نقول” بني اسرائيل”، يرجع هذا الى يعقوب بن اسحاق. فاذاً كلمة اباؤكم لا
تحتاج الى تعريف كما هو واضح من ألآية 74 أعلاه عندما قال: ” وجدنا أباءنا
كذلك يفعلون”، ولم يُعرّف ألاباء، ولكن السجع فرض ادخال كلمة تنتهي بالنون
فأدخل ” ألاقدمون”.

 

واما
اللغة نفسها فمن الصعب متابعتها لان القرآن يغير صيغة المخاطب في نفس الاية من
المفرد الى الجمع ومن المتحدث الى المخاطب، فخذ مثلاً سورة الانعام الاية: 99
” وهو الذي انزل من السماء ماءً فاخرجنا به نباتَ كلٍ شئٍ فاخرجنا منه حباً
متراكباً ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجناتٍ من اعنابٍ والزيتون والرمان
مشتبهاً وغير متشابهٍ انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لاياتٍ لقوم
يؤمنون”.

فبداية
الاية يصف الله ” وهو الذي انزل من السماء ماءً “، وبدون اي انذار تتغير
اللغة من الشخص الثالث الى الشخص الاول ويصير الله هو المتحدث ” فاخرجنا
به”، وسياق الاية يتطلب ان يقول ” فاخرج به”. وانظر الى النحو في
الاية ذاتها، اغلب الكلمات منصوبة لانها مفعول به، لان الله انزل المطر فاخرج به
حباً وجناتٍ، وفجأة كذلك يتغير المفعول به الى مبتدأ مرفوع في وسط الجملة. وسياق
الكلام يقتضي ان يُخرج الله من النخل قنواناً دانيةً، معطوفة علي ما قبلها، ولكن
نجد في الاية ” قنوانٌ دانيةٌ ” بالرفع، وهي مبتدأ خبره ” ومن
النخل “. ثم تستمر الاية بنصب الكلمات الباقية لانها مفعول به.

 

وخذ
ألآية 114 في سورة الانعام، لما طلب اليهود من محمد ان يجعل بينه وبينهم حكماً:
” افغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم
الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين “. ففي بداية
الاية المتحدث هو محمد مخاطباً اليهود، فيقول لهم: أغير الله ابتغي حكماً وهو الذي
انزل اليكم الكتاب مفصلاً؟ وفجأة يصير الله هو المتحدث فيقول لمحمد: والذين
آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين.

 

والعلماء
المسلمون يحاولون شرح هذه الآية بان يقولوا: ادخلْ كلمة ” قل ” قبل
“والذين آتيناهم”. وهذه حجة غير مقبولة لان الله حينما اراد ان يستعمل
” قل “، استعملها صراحة في المكان الذي اراد ان يستعملها فيه. فنجد في
القرآن كلمة ” قل ” مستعملة ما لا يقل عن 250 مرة. فمثلاً في الآية 91
من نفس السورة، ” قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى”. وكان
من الممكن ان يسأل محمد المشركين مباشرة ويبدأ الآية ب ” من انزل الكتاب
” ثم نُدخل نحن كلمة ” قل” كما يطلب منا المفسرون. ولكن الواضح هنا
ان الله لما اراد ان يدخل كلمة ” قل” ادخلها صراحة وبوضوح.

 

وكلمة
” قل ” اكثر ما استُعملت في سورة الانعام هذه. فنجد:

46-
” قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم”

47-
” قل أرايتم ان اتاكم عذاب الله”

50-
” قل لا اقول لكم عندي خزائن الله.. قل هل يستوي الاعمى والبصير”

56-
” قل اني نُهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم”

57-
” قل اني على بينة من ربي وكذبتم به”

58-
” قل لو ان عندي ما تستعجلون”

63-
” قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر”

64-
” قل الله ينجيكم منها”

65-
” قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً”

 

وباختصار
استُعملت كلمة ” قل ” في سورة الانعام 39 مرة. فهل هناك اي سبب يجعلنا
نقول ان الله اراد ان يستعمل كلمة ” قل” في الآية التي ذكرناها اولاً
لكنه لم يستعملها وتركها للعلماء المسلمين ليخبرونا انه ارادنا ان يضع هذه الكلمة
قبل الآية المذكورة؟

 

ونفس
الشئ ينطبق علي السورة الاولى في المصحف، اي سورة الفاتحه. فهذه السورة من الواضح
انها دعاء كان يدعو به محمد، وليست جزءاً من القرآن. وكالعادة يقول العلماء المسلمون:
ضع كلمة ” قل” قبل بداية السورة. ولو اراد الله ان يستعمل كلمة ”
قل” لفعل، كما فعل في سورتي ” الفلق” و” الناس”، وكلاهما
ادعية مثل سورة الفاتحة. ففي سورة الفلق يقول: ” قل اعوذ برب الفلق”،
وفي سورة ” الناس” يقول: ” قل اعوذ برب الناس”. فلماذا لم يقل
في سورة الفاتحة ” قل الحمد لله رب العالمين”. وابن مسعود الذي كان يكتب
الوحي للرسول، وأحد علماء الحديث المشهورين، اعتبر ان سورة الفاتحة وسورتي الفلق
والناس، ليست من القران.

 

وفي
سورة فاطر ألآية التاسعة: ” والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه الي
بلد ميت فأحيينا به ألارض بعد موتها “. تغير القائل في نفس ألآية من الشخص
الثالث الى الشخص الاول. فبداية ألآية تقول: ” والله الذي أرسل الرياح”
ثم فجأةً يصير المتحدث هو الله، فيقول: ” فسقناه الى بلد ميت فأحيينا به
ألارض”.

 

و
تحتوي نفس ألآية على فعل مضارع مخلوط مع افعال ماضية. فكلمة ” فتثير”
فعل مضارع في وسط جملة كلها في الماضي. ويقول العلماء ان الفعل المضارع هنا في وسط
جملة كلها في الماضي، ” لحكاية الحال الماضية”. فهل في هذا اي نوع من
البلاغة؟ وفي سورة الحج، الآية 63: ” ألم تر ان الله انزل من السماء ماء
فتصبح الارض مخضرة ان الله لطيف خبير”. مرة اخرى يجمع القرآن بين الفعل
الماضي والفعل المضارع في جملة واحدة. وكلمة ” فتصبح” يجب ان تكون
” فأصبحت” لان الله انزل من السماء ماءً.

 

وهذه
آية اخرى تخلط بين الماضي والمضارع، ففي سورة الشعراء، الآية الرابعة: ” ان
نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت اعاناقهم لها خاضعين”. ويقول العلماء ان
شبه الجملة ” فظلت اعناقهم لها خاضعين” استُعملت بمعنى المضارع. فلماذا
كل هذا اللف والدوران وكان من السهل ان يقول ” فتظل”؟ وليس الخلط بين
الماضي والمضارع هو الشئ الوحيد الخارج عن المألوف في هذه الآية، فقد استعمل
القرآن كلمة ” خاضعين” وهي حال تصف جمع العقلاء مثل ” رجال”
ليصف بها ” اعناقهم”، وهي ليست جمع عقلاء. والاسم الذي يقع حالاً يطابق
صاحب الحال في النوع وفي العدد، ولذا كان الاصح ان يقول ” فظلت اعناقهم لها
خاضعة”. ولكن كل آيات هذه السورة تنتهي بالياء والنون، لذلك اضطر ان يقول
” خاضعين”.

 

والقرآن
كثيراً ما يخلط بين المفرد والجمع في نفس الآية. فخذ مثلاً الاية 66 من سورة
النحل: ” وان لكم في الانعام لعبرةٌ نُسقيكم مما في بطونه”. والانعام
جمع وتعني ” حيوانات” وكان يجب ان يقول ” نسقيكم مما في
بطونها”، لكنه جعلها في حُكم المفرد وقال ” بطونه”. وقال المفسرون
افرده هنا عوداً على معنى النعم والضمير عائد على الحيوان، رغم ان الانعام
حيوانات. ونجد نفس الاية تعاد في سورة ” المؤمنون” ولكن هذه المرة تغيرت
كلمة ” بطونه” الى ” بطونها”. فالآية 21 من سورة ”
المؤمنون” تقرأ: ” وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم
فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون”.

 

ويكثر
كذلك في القرآن غريب اللفظ والمعنى، فنجد في سورة المرسلات عندما يصف نار جهنم في
الآية 32 وما بعدها: ” انها ترمي بشرر كالقَصر، كأنه جمالات صُفرٌ “.
اولاً كلمة ” جمالات ” مع انها جمع تكسير ل ” جمل”، إلا أنها
جمع غريب نادر الاستعمال، والمتعارف عليه هو جمال. ثم وصف الجمال بانها صُفر، وليس
هناك جمال صفراء. فقال المفسرون كان العرب يسمون الجمال السود صفراء لان سوادها
تداخله صفرة. فهل نفهم من هذا ان بني اسرائيل كذلك كانوا يسمون البقر الاسود اصفر،
لان الله قال لهم ” بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين”؟ ونحن لا نعلم
لماذا قال العرب عن كل شئ أسود أنه ” أسود” الا الجمال السود نعتوها
بالصفرة ولم ينعتوا البقر او الخراف السود بالصفرة.

 

ثم
في سورة الفرقان الآية 68: ” والذين لا يدعون مع الله الهاً آخر ولا يقتلون
النفس التي حرّم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً “.
وأثاماً ليست من اللغة العربية في شئ، والقرآن يُفترض انه نزل بلسان عربي مبين.
وحتى المفسرين وعلماء اللغة لم يتفقوا على معنى كلمة ” أثاماً”، فقال
عبد الله بن عمر: أثاماً وادي في جهنم، وقال عكرمة أودية في جهنم يعذّب فيها
الزناة، وقال قتادة: أثاماً تعني نكالاً، وقيل في الحديث انها تعني بئر في قعر
جهنم، وقال السدي انها تعني جزاءً. وأظن ان السدي جاء بهذا التفسير من المعنى
العام للآية، إذ لم يقول أحد غيره بهذا المعني، والكلمة أصلاً لم تكن شائعة أو
مستعملة عند العرب. ولو كان معنى الكلمة ” وادي في جهنم” فكيف جاء بها
العرب واستعملوها ولم يكونوا على علم بجهنم قبل الاسلام على حسب رأي المفسرين؟
وواضح من معنى الآية ان من يفعل تلك الاشياء يلقى جزاءً. ولكن القرآن استعمل كلمة
” أثاماً” تمشياً مع السجع رغم أن علماء المسلمين لم يكونوا يعرفون
معناها، كما هو واضح من اختلاف تفاسيرهم للكلمة.

 

وفي
سورة العنكبوت، ألآية 64 نجد: ” وما هذه الحياة الدنيا الا لهوٌ ولعبُ وإن
الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون”. وقد وجد المفسرون صعوبةً بالغة
في تفسير كلمة ” حيوان” هذه، فقالوا ان: الحيوان: هنا تعني الحياة
الدائمة، ويقول القرطبي في تفسيره ان ” الحيوان” تقع على كل شئ حي. أو
قد تعني عيناً في الجنة. بل قال بعضهم ان أصل الكلمة هو ” حييان”
فأُبدلت احدى اليائين واواً لاجتماع المثل. وهذا قول غريب لان العرب تغير الواو
ياءاً اذا اجتمعت الواو والياء وسبقت احداهما بالسكون، مثل ” نوية” من
نوى، ينوي فهي نوية. ولكن لاجتماع الواو والياء وسبق احداهما بالسكون، قُلبت الواو
ياء وأُدغمت الياء في الياء، فصارت ” نية”. ولو كانوا يغيرون الياء
واواً لاجتماع المثل لغيروا ” فأحيينا به ألارض” الى ” فأحوينا به
ألارض”.

 

وفي
سورة عبس ألآية 28: ” فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضبا”. ولا أحد من
المفسرين يعرف معنى ” قضبا”. فقد قال أبن كثير القضب هو القصفة التي
تأكلها الدواب، وكذلك قال أبن عباس. وقال الحسن البصري هي العلف. وقال آخرون غير
ذلك. وفي نفس السورة، ألآية 31 نجد: ” وحدائقا غُلبا، وفاكهةً وأبّا”.
فقال الضحاك: ألاب هو كل شئ ينبت على الارض. وقال أبو رزين هو النبات، وقال أبن
عباس: ألاب ما تنبت الارض مما يأكل الناس والانعام. وقال أبن عباس كذلك والحسن:
ألاب مما لا يأكله ألادميون، فما يأكله ألادميون يُسمى الحصيد، واستشهدوا ببيت شعر
في مدح الرسول:

له
دعوةُ ميمونةُ ريحها الصبا بها ينبت الله الحصيدةَ وألابا

 

وهذا
البيت بلا شك قاله شاعر مسلم سمع كلمة ألابا في القرآن وأدخلها في شعره دون أن
يعرف معناها لانها تماشي القافية. فالكل يعرف الحصاد من الزرع ولكن لا أحد يعرف
معنى ألابَ.

 

 فقد
قال أبن عباس أيضاً: ألاب هو الثمار الرطبة، وقال الضحاك هو التين. فواضح مما تقدم
أن لا أحد يعرف معنى الكلمة إذ أن أبن عباس أعطى أربعة تفاسير مختلفة لهذه الكلمة.
والكلبي قال الاب هو كل نبات سوى الفاكهة وقال آخرون بل هي الفاكهة الرطبة. وسئل
أبو بكر الصديق عن تفسير الفاكهة وألاب فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت
في كتاب الله ما لا أعلم؟ وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ
هذه ألآية ثم قال: كل هذا عرفناه، فما ألاب؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمر
الله التكلف. فإذا كان عمر وابو بكر وابن عباس لا يعرفون معناها، فهل يُعقل أن
يكون الشاعر الذي نظم البيت المذكور كان على علم بمعنى الكلمة؟

 

والكلمة
قد تكون سريالية واصلها
Ebba أو قد تكون مشتقة من الكلمة العبرية Ebh،
ولكنها قطعاً ليست عربية، ولا يعرف العرب معناها.

 

وفي
سورة الحج ألآية 29 نجد: ” ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت
العتيق”. فكلمة ” تفثهم” قد لا تكون عربية ولا أحد يعرف معناها
ووقعها على ألاذن ثقيل. ويقول القرطبي في شرحه لهذه ألآية: (ليقضوا بعد نحر
الهدايا ما بقي من أمر الحج كالحلق ورمي الجمار وإزالة الشعث ونحوه. وقال ألازهري:
التفث ألاخذ من الشارب وقص الاظافر ونتف الابط وحلق العانة. وقال الازهري كذلك:
التفث في كلام العرب لا يُعرف الا في قول أبن عباس وأهل التفسير. وقال أبن العربي:
هذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعراً ولا أحاطوا بها خبراً.) فإذا كان
أهل العربية لا يعرفون معناها، فأي حظ سيحالف غير العرب في فهمها؟

 

واستعمل
القرآن كلمات كثيرة ليست في اللغة العربية وليس لها اي معني مفهوم، وقد اختلف اغلب
المفسرين في تفسيرها. فنجد في سورة الحُجر، الآية 87: ” ولقد اتيناك سبعاً من
المثاني والقرآن الكريم”. فقال بعض المفسرين ان المقصود بها السبع سور الطوال
وقال آخرون المقصود بها سورة الفاتحة، وأتوا بحديث يستدلون به. وقال القرطبي في
تفسيره أن المثاني تعني القرآن كله بدليل ان الله قال في سورة الزمر ألآية 23:
” كتاباً متشابهاً مثاني”. وواضح أن تفسير القرطبي هذا لا يتفق والآية
المذكورة اذ تقول الآية ” أتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم”، فلن
يستقيم معنى ألآية إذا قلنا أن المثاني تعنى القرآن كله، إذ كيف يكون قد أعطاه
القرآن كله والقرآن الكريم؟ والسور السبع الطوال هي جزء من القرآن فليس من البلاغة
ان يُعطف الكل على الجزء. وحتى لو جاز هذا، فلا أحد يعلم ما المثاني، والافضل ان
يُخاطب القرآن الناس بلغةٍ يفهمونها.

 

وفي
سورة الحاقة، الآية 36: ” ولا طعام الا من غسلين”. ولا احد يدري معنى
غسلين، ولكنها تنسجم مع سجع السورة، ” ولا يحض على طعام المسكين، فليس له
اليوم ههنا حميم، ولا طعام الا من غسلين”.

 

 وفي
سورة الانسان، الآية 18: ” عيناً فيها تُسمى سلسبيلا”. وهنا كذلك لا احد
يعرف ما هي سلسبيلا. فتفسير الجلالين يقول: سلسبيلا تعني سهل المساغ في الحلق. وفي
تفسير أبن كثير، قال عكرمة هي أسم عين في الجنة، وقال مجاهد سُميت بذلك لسلاقة
مسيلها وحدة جريها، وقال قتادة: سلسة مستقيدٌ ماؤها. أما تفسير القرطبي فيقول:
(السلسبيل هو الشراب اللذيذ، وتقول العرب سلس وسلسال وسلسيل بمعني أنه طيب الطعم
لذيذه. وسلسل الماء في الحلق يعني جرى، وسلسته تعني صببته فيه). وأنا لا أدري كيف
صرّفَ تفسير الجلالين سلسبيلا مما تقوله العرب عن سلس وسلسال وسلسيل، فمهما صرّفنا
هذه الكلمات لا يمكن أن ننتهي ب ” سلسبيلا”.

 

وقال
أبو العالية ومقاتل: (إنما سُميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم
تنبع من أصل العرش في جنة عدن.) فكل المياه في المدن الحديثة الان تسيل في مواسير
في الطرق وفي منازلنا، فهل هذه المياه سلسبيلا؟ أم يُشترط أن تنبع من جنة عدن؟

 

وأغرب
التفاسير ما أورده القفال في تفسير الجلالين إذ قال: (تلك عينٌ شريفة، فسل سبيلاً
أليها. وروى هذا عليّ بن أبي طالب كذلك). فهو فصل كلمة سلسبيلا الى كلمتين: سل
وسبيلا. ولكن المشكلة أن ألآية تقول: ” عيناً فيها تسمى سلسبيلا” فلا
يمكن أن نقول سل اليها سبيلا لان اسم العين سلسبيلا. وليتخلص من هذه المعضلة يقول
القفال: (أنها مذكورة عند الملائكة وعند الابرار وأهل الجنة بهذا الاسم). وهذا
الشرح يبين لنا كيف يدور علماء الاسلام ويلفون في حلقات مفرغة لشرح الغريب في
القرآن بدل ان يقولوا أنهم لا يعرفون المراد من هذه الكلمة.

 

 اما
سورة المطففين ففيها عدة آيات تحتوي علي كلمات يصعب فهمها: فمثلاً الآيات 7 و8 و9
” كلا ان كتاب الفجار لفي سجين. وما ادراك ما سجين. كتاب مرقوم”.
والآيات 18 و19و20 من نفس السورة: ” كلا ان كتاب الابرار لفي عليين. وما
ادراك ما عليون. كتاب مرقوم”. ومعنى هذا ان عليين وسجين كلاهما يعني كتاباً
مرقوماً، أحدهما للفجار والآخر للابرار. فالقرآن هنا أستعمل غريب اللغة لينقل الينا
حقيقة بسيطة: هي أن هناك كتابين، واحد للفجار وواحد للابرار. فهل من المهم لنا أن
نعرف أسماء هذين الكتابين؟

 

ثم
إن القرآن يقول أن هناك كتاب واحد ” وعنده أم الكتاب ” و” اللوح
المحفوظ” الذي يحفظه الله منذ الازل في السماء السابعة، وقد سجل الله فيه كل
كبيرة وصغيرة عن كل أنسان حتى قبل أن يولد، وهناك كذلك لكل شخص كتابه الخاص به
الذي سوف يتسلمه يوم القيامة، فمنهم من يُعطى كتابه بيمينه ومنهم من يعطى كتابه
بشماله ليقرأ منه ما فعل في الدنيا. فما الحكمة إذاً في أن يكون هناك كتاب للابرار
وآخر للفجار مادام لكل شخص كتابه الخاص وهناك اللوح المحفوظ الذي فيه كل التفاصيل
ولا يمكن لهذا اللوح أن يضيع أو يصيبه تغيير؟ وحتى لو قلنا إنه من باب الاحتياط أن
يكون للأبرار كتاب وللفجار كتاب آخر، هل يستدعي هذا نزول آية تخبرنا بأسماء هذين
الكتابين؟ هل سيغير هذا من سلوكنا أو يدعونا للايمان؟

 

والجدير
بالذكر هنا أن القرآن استعمل كلمة ” وما أدراك” أثنتي عشر مرةً ليشرح
كلمات غريبه لم تكن معروفة للعرب آنذاك، وسوف نتعرض لبعض هذه الكلمات في حينها.

 

في
سورة الفيل، ألآية 3، نجد: ” وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من
سجيل”. ويقول أبن كثير: طير أبابيل يعني طيراً من البحر امثال الخطاطيف
والبلسان. ويقول القرطبي: طيراً من السماء لم يُر قبلها ولا بعدها مثلها. وروي
الضحاك أن أبن عباس قال سمعت رسول الله يقول: ” إنها طيرٌ تعشعش وتفرخ بين
السماء وألارض”. وقال أبن عباس: كانت لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف
الكلاب. وقال عكرمة: كانت طيراً خُضراً خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع.

 

أما
سجيل فلا أحد يعرف معناها. قال النحاس: السجيل الشديد الكثرة. وقال سيل وسجيل هما
نفس الشئ. وحكى محمد بن الجهم أن سجيل تعني طينٌ يُطبخ حتى يصير بمنزلة الارحاء.
وقال سعيد بن جُبير أن اللفظة غير عربية وأصلها سنج وجيل أو سنك وكيل، وهما
بالفارسية حجر وطين. وقد قال القرآن في سورة الذاريات، ألآية 33: ” لنرسل
عليهم حجارةً من طين”. وقال أبن يزيد: سجيل أسم السماء الدنيا وعن عكرمة أنه
بحر معلق بين السماء والارض منه نزلت الحجارة. وقيل هي جبال في السماء، وقيل كذلك
هي ما سُجل لهم أي كُتب لهم أن يصيبهم.

 

وأصل
الكلمة ربما يكون من اللغة ألأرامية
Sgyl وتعني حجر المعبد. والشئ الملفت للنظر أن كل هولاء المفسرين أتوا
بتفسيرات لا تمت لبعضها البعض بصلة، مما يؤكد انهم كانوا يخمّنون معاني هذه
الكلمات الغريبة التي لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل.

 

وكلمة
” الفرقان” وردت في القرآن مرات عديدة بمعاني مختلفة. فمثلاً في سورة
البقرة، ألآية 53: ” وأتينا موسى الكتاب والفرقان”. وفي نفس السورة،
ألآية 185: ” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان”. وفي سورة آل عمران، ألآية 4: ” من قبل هدى للناس وانزل
الفرقان”. وسورة ألانفال، ألآية 29: ” ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله
يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم”. وفي سورة ألانفال، ألآية 41: ”
أعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين
وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى
الجمعان”. وفي سورة ألانبياء، ألآية 48: ” ولقد آتينا موسى وهارون
الفرقان وضياءً وذكراً للمتقين”. وفي سورة الفرقان، ألآية 1: ” تبارك
الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً”.

 

وأتفق
أغلب المفسرين ان الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل ولكن ابن عباس قال: فرقاناً
يعني مخرجاً وزاد مجاهد ” في الدنيا والاخرة”. وفي رواية اخرى قال ابن
عباس ان فرقاناً تعني نصراً. وقالوا انها تعني يوم بدر لان الله فرق فيه بين الحق
والباطل. وقال قتادة انها تعني التوراة، حلالها وحرامها. ويقول الرازي قد يكون
التوراة او جزء منها او حتى معجزات موسى مثل عصاه. وقد تعني إنشطار البحر لموسى،
واستقر رأيه علي انها التوراة. وقالوا الفرقان تعني القرآن. فالله قد انزل الفرقان
على موسى وكذلك انزله على محمد، مما يجعلنا نقول أن الفرقان ربما تعني ”
كتاب” ولكن كيف نوفق بين هذا المعنى وألآية 29 من سورة ألانفال: ”
ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً”. فالمراد هنا أن يجعل
لكم مخرجاً. ولكن ألآية 41 من سورة ألانفال تقول: ” وما أنزلنا على عبدنا يوم
الفرقان”. فالمعنى هنا لا يتفق مع أي من المعاني السابقة. فماذا تعني كلمة
الفرقان إذاً؟

 

وهناك
كلمة أخرى لم تكن معروفة للعرب قيل نزول القرآن، ألا وهي ” كلالة”. ففي
سورة النساء، ألآية 4: ” وإن كان رجلٌ يورث كلالةً ام إمرأة”. وسئل ابو
بكر الصديق عن كلمة كلالة فقال: أقول فيها برائي فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن
خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد.
وقال القرطبي في تفسيره: الكلالة مشتقة من الاكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه
والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه. وهذا بلا شك تخمين وليس هناك
أي دليل أن كلمة كلالة مشتقة من إكليل. وقد أورد الطبري 27 معنى للكلالة مما يدل
على انهم لا يعرفون معناها.

 

ويقدر
مونتجمري واط أن هناك حوالي سبعين كلمة غير عربية أُستعملت في القرآن، حوالي نصف
هذه الكلمات مقتبسة من الكلمات التي كانت مستعملة في الديانة المسيحية، وخاصة
اللغة السريانية والاثيوبية، وحوالي خمسة وعشرون كلمة من اللغة العبرية والارامية
وكلمات بسيطة من الفارسية.

 

وهناك
كلمات في القرآن يبدو ان المراد منها عكسها. فمثلاُ في سورة طه، ألآية 15 ”
إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها”، وهي أصلاً مخفية ولا يعلم أحد متى تأتى،
فالقرآن هنا لا بد انه قصد ” أظهرها” بدل أخفيها. وقد قال القرطبي في
تفسير هذه ألآية: (آيةٌ مشكلة. فروى سعيد بن جبير ” أكاد أخفيها” بفتح
الهمزة، قال: أظهرها. وقال الفراء: معناها أظهرها، من خفيت الشئ أخفيه إذا أظهرته.
وقال بعض النحوين يجوز أن يكون ” أخفيها” بضم الهمزة معناها أظهرها.)
ويتضح هنا أن النحويين أنفسهم وجدوا مشقة في تفسير هذه ألآية، فكيف بعامة الناس؟

 

وفي
بعض الاحيان يعكس القرآن الاشياء المألوفة للناس، فمثلاً في سورة البينة، ألايتين
أثنين وثلاثة نجد: “رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة، فيها كُتبٌ قيمة”.
والمعروف لدى كل الناس أن الكتب تحتوي على الصحف، وليس العكس كما جاء في القرآن.
ولكن دعنا نقرأ ما كتب القرطبي في تفسيره لهذه ألآية: (الكتب هنا بمعنى الاحكام،
فقد قال الله عز وجل ” كَتَبَ الله لأغلبن” بمعنى حكم. وقال ”
والله لأقضين بينكما بكتاب الله” ثم قضى بالرجم، وليس الرجم مسطوراً في
الكتاب. فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله. وقيل الكُتب القيمة هي القرآن، وجعله
كُتباً لانه يشتمل على أنواع من البيان.)

 

فهل
اقتنع القارئ بهذا التفسير؟ أنا لم أقتنع. فالقرطبي كغيره من المفسرين راح يدور في
حلقة مفرغة في محاولة منه للخروج من هذه المعضلة التي جعلت الصحف تحتوي على الكتب،
وليس العكس.

 

والامثلة
كثيرة على استعمال القرآن غرائب الكلمات لانها تماشي السجع. فليس هناك اي بلاغة
لغوية بالمعنى المفهوم عندما يستعمل القرآن غرائب الكلمات هذه، والمفروض فيه أنه
نزل بلسان عربي مبين أي بائن للجميع، وقد رأينا أن علماء التفسير يجدون صعوبة في
شرح كثير منه، فما بال عامة المسلمين؟ وقد لاحظ هذا جماعة من المعتزلة في صدر
الاسلام، منهم ابراهيم النظام الذي قال ان ترتيب القرآن ولغته ليس فيهما اى اعجاز.
وقد دافع عن هذا الرأي الكاتب والقاضي الاندلسي ابو محمد علي بن احمد بن حازم في
كتابه ” الملل والنحل” وكذلك ابو الحسين عبد الرحمن بن محمد الخياط من
المعتزلة.

 

و
هناك كذلك أخطاء نحوية في كثير من آيات القرآن. انظر الى الآية 69 من سورة
المائدة: ” ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله
واليوم الاخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون”. والنحو يتطلب ان
تكون كلمة ” الصابئون” منصوبة لانها اسم “ان”، وكل اسماء
” ان” الاخرى في الاية منصوبة الا ” الصابئون”، والاصح ان
تكون ” الصابئين”. واذا نظرنا الى الاية 17 من سورة الحج، نجد ان ”
الصابئين” منصوبة، كما ينبغي ان تكون: ” ان الذين آمنوا والذين هادوا
والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله
على كل شئ شهيد”.

 

وفي
سورة النساء الآية 162: ” لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما
انزل اليك وما انزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله
واليوم الآخر”. فكلمة: المقيمين” لا تتماشى مع قواعد النحو المعروفة.
فهي معطوفة على ” الراسخون” ويجب ان تكون مرفوعة، وليست منصوبة كما في
الآية، فالمعطوف دائماُ يتبع ما عُطف عليه. وقال القرطبي في تفسيره: (قرأ الحسن
ومالك بن دينار وجماعة ” المقيمون” على العطف، وكذا هو في حرف عبد الله.
ولكن سيبويه قال: إنه نُصب على المدح). وهذا يذكرنا بالمقولة المشهورة لأحد العرب
الاندلسيين عندما قال القاضي الاندلسي أبو محمد علي بن حزم أن القرآن يحتوي على
أخطاء نحوية، قال الاندلسى: ما حاجتنا الى النحو وعندنا القرآن؟ إذا لم يوافق
النحو القرآن، يجب أن نغير قواعد النحو. وهذا ما يُفهم من قول سيبويه انها نصبت
على المدح.

 

 وفي
سورة الحجرات الآية التاسعة: ” وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا
بينهما”. فكلمة: اقتتلوا” كان يجب ان تكون ” اقتتلا” لانها
ترجع الى ” طائفتان” اي مثنى، وأقتتلوا ترمز الى الجمع. وفي سورة الحج
ألآية 19: ” هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قُطعت لهم ثياب من نار
يُصب من فوق رءوسهم الحميم”. فكلمة ” اختصموا” يجب ان تكون ”
اختصما” لانها ترجع للمثنى ” خصمان”. وفي سورة البقرة الآية 177:
” ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله
واليوم الآخر”. وواضح ان شبه الجملة ” ولكن البر من آمن بالله” لا
تستقيم مع منطق الآية، والاصح ان تكون ” ولكن البار”. وقد قال بهذا
النحوي الكبيرمحمد بن يزيد المبرد. وتفسير الجلالين يقول: ” المقصود بها (ذا
البر) وكذلك قُرئ بفتح الباء اي (البار) “.

 

وفي
سورة طه الآية 63: ” قالوا إن هذان لساحران يريدان ان يخرجاكم من
ارضكم”. وكلمة ” هذان” اسم “إن” ويجب ان تكون منصوبة، اي
” هذين”. وقد ورد ان عثمان كان يقرأ ” هذين” وكذلك فعلت
عائشة. وتفسير الجلالين يقول: قالوا لانفسهم ” ان هذين”. أما القرطبي فيقول
في تفسيره (قرأ أبو عمرو ” أن هذين لساحران” ورويت عن عثمان وعائشة
وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد وجبير وابراهيم النخعي وغيرهم من
التابعين. ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة
موافقة للنحو مخالفة للمصحف. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ” أن هذان
الا ساحران” وقال الكسائي في قراءة عبد الله ” ان هذان ساحران”
وقال أُبي ” ان ذان الا ساحران”، وقال أبو عمر ” إني لأستحي من
الله أقرأ ” إن هذان”). فهذا الاخير يعرف انه خطأ نحوي ويستحي من الله
أن يقول ” هذين” لأن الله لا يُعقل أن يُخطي في النحو.

 

وسورة
ألاعراف، ألآية 160 تقول: ” وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً”. وكلنا
يعرف ان التمييز العددي يختلف بإختلاف المعدود. فالاعداد من واحد الى عشرة يكون ما
بعدها جمع، فنقول تسعة نساء. ومن أحدى عشر وما فوق يكون ما بعدها مفرداً، فنقول
أثنتي عشرة سبطاً وليس أسباطاً.

 

ونجد
في القرآن آيات لا يمت نصفها الاول الى نصفها الثاني بأي علاقة. فخذ مثلاً الآية
الثالثة من سورة النساء: ” وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب
لكم من النساء مثنىً وثلاث ورباعَ فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم
ذلك ادنى الا تعولوا”. فما علاقة القسط في اليتامى وزواج ثلاث او اربع زوجات؟
يقول القرطبي (إن خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى وفي النفقة عليهن، فانكحوا ما
طاب لكم غيرهن. وعن عائشة قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه
في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها
فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن الا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن
اعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

 

وقال
أبن عباس وأبن جبير: المعنى إن خفتم الا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء،
لانهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء). وتفسير عائشة لا يمت
للواقع بصلة. فاليتيمة تكون في حجر وليها الذي غالباً ما يكون عمها أو خالها وهي
تحرم عليه ولا يمكن ان يتزوجها سواء أطمع في مالها او لم يطمع. وكم يتيمة كانت
غنية في تلك الايام حتى تستدعي نزول آية قرانية لتمنع وليها من ان يتزوجها ويأكل
مالها؟

 

والتفسير
الآخر لا يستوي والمنطق كذلك. فاذا خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى فلا تنكحوهن
وانكحوا ما طاب لكم من النساء غيرهن. ما ذا إذاً عن العدل في مهور النساء الغير
يتامى؟ هل يحق لنا الا نعدل في مهورهن ونتزوج ثلاثة أو أربعة منهن؟ أنا أعتقد ان
ألآية أصلاً لا تمت للمهور أو النساء اليتامى بشئ، انما هي تخص اليتامي الصغار من
بنات واولاد، إذا مات والدهم وتركهم في كفالة عمهم او خالهم..، ولسببٍ ما لم يكمل
المتحدث الآية، وربما سهواً كتب الشخص الذي كان يجمع القرآن ” فانكحوا ما طاب
لكم من النساء”. وقد يكون النصف الثاني من ألآية سقط سهواً اثناء جمع القرآن،
أو أُسقط كما أُسقطت آيات كثيرة ذكرناها سابقاً.

 

وفي
سورة فاطر، ألآية 8: ” أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً فإن الله يُضل من
يشاء ويهدي من يشاء فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون”.
فبداية ألآية تسأل: ” أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً “، فالأنسان
يتوقع أن يجد مقارنة مع شخص آخر مثلاً، ” كمن أهتدى”. ولكن بدل المقارنة
نجد ” فإن الله يُضل من يشاء”. لا علاقة البتة بين بداية ألآية وبقيتها.
وقد قال القرطبي “هذا كلام عربي طريف لا يعرفه الا القليل”. والقرآن لم
ينزل للقليل

وبعض
ألآيات بها جُمل اعتراضية لا تزيد في المعني وليس لها اي سبب يجعلها تدخل في
ألآية، فمثلاً في سورة الانعام ألآية 151: ” قل تعالوا أتلوا عليكم ما حرّم
ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ
نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا
بالحق”. فالاية كلها تتكلم عن الاشياء التي نهانا عنها الله، ولكن في وسطها
نجد ” وبالوالدين إحسانا”. وواضح ان هذه ليست من المحرمات وانما زُج بها
هنا سهواً، فلم يحرم الله الرفق بالوالدين.

 

وهناك
كلمات أُدخلت زيادةً في بعض ألآيات فأدت الى صعوبات جمة في التفسير. فسورة
الانبياء ألآية 104 تقول: ” يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول
خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين”. فكلمة ” للكتب” هنا لا
تخدم المعنى باي شئ بل تعقد الشرح. وقال ابن عباس ومجاهد ” كطي السجل
للكتب” تعني كطي الصحيفة على ما فيها، فاللام في ” للكتب: بمعنى ”
على”. وقال ابن عباس كذلك في رواية أخرى ان السجل كان اسم احد كُتّاب الوحي.
وكلمة سجل أصلاً تعني ” دلو”، فتقول ” ساجلت الرجل” إذا نزع
دلواً ونزعت دلواً. ومنها المساجلة الشعرية عندما يتبارى شخصان او أكثر بابيات
شعرية. ثم استُعيرت فسميت المكاتبة مساجلة والسجل هو الصحيفة المكتوبة. فيوم نطوي
السماء كطي السجل واضح معناها، وكلمة ” للكتب” إضافة عقدت المعنى.

 

وفي
سورة لقمان عندما قال لقمان يوصي ابنه:

13-
” وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم
عظيم” 14- ” ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في
عامين إن اشكر لي ولوالديك اليّ المصير”

15-
” وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا
معروفاً وأتبع سبيل من أناب اليّ ثم اليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون”

16-
” يا بني إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ او في السماوات أو في
ألارض يأت بها الله إن الله لطيف خبير”

17-
” يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك
من عزم الامور”

18-
” ولا تصّعر خدك للناس ولا تمشي في الارض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال
فخور”

19-
” وأقصد في مشيك واغضض من صوتك إن انكر الاصوات لصوت الحمير”

 

ففي
الآية 13 المتكلم هو لقمان يعظ ابنه، ثم فجأة في الآية 14 يصير المتكلم هو الله
فيوصي الانسان بوالديه ويضيف عليها ان الحمل والرضاعة يجب ان تكون عامين ثم يُفصل
الطفل، ويستمر الله في وصية الانسان في الآية 15. ثم نرجع الى لقمان في ألآية 16
وما بعدها ليكمل وصية ابنه. فالآيتان الرابعة عشر والخامسة عشر أُدخلتا هنا بطريق
الخطأ ولم يكونا أصلاً جزءاً من السورة.

 

ولنقرأ
هذه الآيات من سورة المعارج:

37-
” فما بال الذين كفروا قبلك مهطعين”

37-
” عن اليمين وعن الشمال عزين”

38-
” أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم”

39-
” كلا إنّا خلقناهم مما يعلمون”

 

فالكلمة
الاخيرة من كل آية، مع انها مسجوعة، الا انها ثقيلة على السمع، ونشك انها كلمات
عربية. انما استعملت من باب الغريب من اللفظ ليكون لها اثرٌ في نفوس السامعين، كما
كان يفعل الكهان سابقاً. والمنطق فيها اغرب من الكلمات: ” أيطمع كل امرئ منهم
ان يدخل جنة نعيم، كلا انا خلقناهم مما يعلمون.” فيقول الله يجب الا يطمعوا
في دخول الجنة لاننا خلقناهم من نُطفٍ، من مني، وهذا معنى ” خلقناهم مما
يعلمون”. ولاننا خلقناهم من مني، يجب الا يطمعوا في دخول الجنة. ويقول
القرطبي في تفسيره (كان المشركون يستهزئون بالمسلمين فقال الله ” إنا خلقناهم
مما يعلمون” من القذر، فلا يليق بهم هذا التكبر.) ورغم تفسير القرطبي، يظل
المنطق غريباً، أفلانه خلقهم من القذر يجب الا يتكبروا ولا يطمعوا في دخول الجنة؟

 

وفي
سورة القيامة، الآية 14: ” بل الانسان على نفسه بصيرةٌ “. وبدل ان يقول
” بصير” ليصف الانسان، قال ” بصيرةً “. وقال المفسرون ان
التاء في ” بصيرة ” للمبالغة. ونسأل: ما الداعي للمبالغة؟ فالقرآن هنا
إنما يذكر حقيقة، وهي إن الانسان بصير على نفسه. فلماذا يحتاج أن يبالغ؟

 

ويتضح
من هذا العرض ان هناك اشياء كثيرة في القرآن خارجة عن المألوف ولا تمثل اي نوع من
البلاغة النثرية، وانما فرضها السجع الذي لا تخلو اي سورة في القرآن منه. والسبب
طبعا، كما قلنا سابقاً، ان السجع يسهل حفظه، وبما ان القرآن كان يُحفظ في صدور
الرجال حينما كان ينزل به الوحي، كان لا بد من استعمال السجع.

 

 السحر
في القرآن:

لم
تعد وسائل الحرب العادية البسيطة تكفي الانسان البدائي في حربه ضد قوى الشر، فبدأ
يتصور بخياله كائنات تستطيع بقواها الخارقة مساعدته بمنازلة اعدائه. وتخيل هذه
المخلوقات انصاف آلهة يستمدون قواهم من السماء وسمى هذه المخلوقات ” جن”
وجعل منهم جناً خيرين يستطيع بواسطتهم الوصول الى ما يجد نفسه عاجزاً عن بلوغه
بنفسه، وجناً شريرين يساعدونه في الانتقام من اعدائه. وجعل الانسان للجن من القوى
والسمات الفائقة ما يجعلهم اشبه بالآلهة. وتصور الانسان ان مجتمع الجن مثل مجتمع
الانسان من حيث التركيب، ففيه حكام واجراء وفيه خيرون وشريرون، ولكن اهم صفات هذا
المجتمع انه يساكن الانسان ويعاشره ويسكن معه في جسمه وفي ثوبه وفي طعامه وفي
تفكيره وفي علاقاته الجنسية. هكذا تخيل الانسان الجن الذين لا يراهم رأي العين،
ونظّم اسلوباً للتعامل بينه وبينهم، واضاف الى اشخاصهم صفات الشذوذ في الهيئة
والمسكن والسلوك والصوت.

 

غير
ان اشياء اخرى في تفكير الانسان دفعته الى البحث عن وسائل جديدة لبلوغ اهدافه،
وسائل يستطيع ان يلمسها ويتبينها بنفسه قي الوقت الذي لا يستطيع فيه ان يلمس
ويتبين اشخاص الجن، وهنا اتجه الانسان نحو السحر.

 

وقد
عرّف ابن خلدون السحر بانه ” علم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها
على التاثيرات في عالم العناصر بغير مُعين “. وقد جمع البخاري بين الكهانة
والسحر، لان مرجع الاثنين شئ واحد هو الشياطين. وقد صّنف ابن خلدون السحر اصنافاً
ثلاثة: السحر بالمعنى المفهوم عند الفلاسفة، وهو التأثير بالهمة من غير آلةٍ او
مُعين، والطلسمات، وهي التأثير بمعين من مزاج الافلاك والعناصر او خواص الساحر
المؤثرة، حتى يرى الرائي شيئاً في الخارج وليس هناك شئ.

 

وهذا
التعريف الاخير هو الذي غلب علي السحر. والسحر في عرف بعض علماء اللغة الاسلاميين
هو ” عمل يُقرب فيه الى الشيطان”. وتربط الاخبار الواردة عن السحر بينه
وبين اليهود، وتُرجع كتبه الي سليمان والى جنه، مما يدل على اثر اليهود واساطيرهم
في هذا الباب وفي نفوس اهل الجاهلية. والواقع ان اكثر السحرة كانوا من اليهود،
يقصدهم الجاهليون من انحاء بعيدة، لاعتقادهم بسعة علمهم. وكان اليهود يسندون علمهم
الى بابل، ولهذا نجد الاحاديث والاخبار العربية تُرجع علم السحر الى بابل واليهود.

 

وقد
اخذ المسلمون اكثر ما ذكروه عن السحر من العبرانيين خاصة من وهب بن منبه وجماعته
ممن اسلم من يهود. كما اشار المفسرون الى اثر المصريين في اليهود في السحر، والى
تجمع السحر كله في كتب جُمعت وحُفظت عند سليمان. فكان يضبط الانس والجن بهذا
السحر. فلما مات سليمان، انبأ الشياطين زعماء اسرائيل بكنز سليمان العظيم،
فاستخرجوه وتعلموا منه السحر.

والفرق
بين الكهانة والسحر ان الكهانة تنبؤ، فسند الكاهن هو كلامه الذي يذكره للناس، اما
السحر فانه عمل، للتاثير في الارواح كي تقوم بأداء ما يُطلب منها. ولا يمكن صنع
سحر ما لم يقترن بعمل. وفن كهذا مغر جداً، فمن من الناس لا يريد تسخير القوى
الخفية لخيره او لالحاق الاذى باعدائه. ولذلك كان للسحرة اثر خطير في التاريخ،
بالرغم من مقاومة بعض الاديان له. ويسمى السحر في العبرانية ”
Keshef“، وهذه الكلمة مثل اكثر الاصطلاحات العبرانية التي لها صلة
بالارواح غامضة، ولا يُعرف اصلها. واليهودية عنيفة على السحر والسحرة، غير انها لم
تتمكن من القضاء عليه بين العبرانيين.

 

ويبطل
عمل السحر بالسحر، فالمرأة التي تحاول سحر زوجها والانفراد به دون سائر الزوجات،
لا بد ان يُقابل عملها بعمل مماثل من بقية الزوجات. ويستعمل السحر لاشعال نيران
الحب وكذلك يستعمل لايقاد البغض والكراهية في النفوس. ويداوي الساحر امراضاً
عديدة، بل كل الامراض، وما المرض في نظر القدماء الا ارواح شريرة حلت في الجسد.
ولن يُشفى الجسد الا بطرد تلك الروح. وطرد الروح من اختصاص السحرة. وكلمة ”
طبيب” هي من هذا الاصل. فالطب في اللغة هو السحر، و” المطبوب” هو
المسحور، و” الطاب” هو الساحر.

 

ومن
طرق السحر عند الجاهليين، النفث في العقد، ويكون ذلك بعقد عُقد والنفث عليها.
والنفث في العقد من طرق السحر القديمة المعروفة عند العبرانيين والاشوريين وغيرهم.
وقد عُثر في الكتابات المسمارية على تعليمات في كيفية اتقاء شر الارواح الخبيثة
التي تسحر الناس

 


والنُشرة” سلاح مفيد جداً لحل عقد الرجل عن مباشرة الجماع مع اهله (
Impotence). وقد كانت مشهورة في ايام الرسول. وقد اباح العلماء ”
النُشرة العربية” التي لا تضر اذا وطئت، والنُشرة هي ان يخرج الانسان في موضع
عضاه (الخلاء)، فيأخذ عن يمينه وشماله من كلٍ))أي الارض)، ثم يذيبه في ماء ويقرأ
فيه، ثم يغتسل به. ويدل نعت هذه النُشرة بالعربية علي وجود نُشرات غير عربية، وهي
النُشرات التي كان يعملها اليهود. وقد كانوا يستعملون الادعية العبرانية، لذلك نهى
الاسلام عنها.

واما
الرقية فتستعمل في مداوات الافات مثل الحمى والصرع ولدغات العقارب والحيات وامثال
ذلك، وتكون بقراءة شئ على المريض او على موضع المرض ثم النفث عليه، او بحمل شئ
مكتوب (حجاب). وقد ذكر علماء الحديث ان الاسلام قد نهى عن الرقية التى تكون بلسان
غير عربي.

 

اما
” الجبت” فقال محمد بن اسحاق عن حسان بن فائد عن عمر بن الخطاب انه قال:
الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وقال العلامة ابو نصر بن اسماعيل بن حماد الجوهري
في كتابه ” الصحاح”: الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو
ذلك. وقال ان كلمة الجبت ليست من محض العربية لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة
من غير حرف ذو لقى (يعني واو أو ياء أو ألف).

 

والمتعارف
عليه بين المسلمين ان الاسلام نهى عن ممارسة السحر بدليل الحديث ” اجتنبوا
الموبقات: الشرك بالله والسحر”. وكذلك في القرآن في سورة النساء الآية 51:
” الم تر الى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت”.
وبالرغم من هذا نجد اقوال واعمال النبي وبعض سور القرآن تعترف بالسحر وتتعوذ منه
ومن السحرة.

 

ففي
السيرة النبوية نجد ان السبب المذكور لنزول سورة ” الفلق” هو ان لبيد بن
اعصم اليهودي سحر الرسول ودس ذلك السحر في بئر لبني زريق تسمى ” بئر
ذروان”. فأعلم الله الرسول بمكان هذا السحر، فأرسل الرسول علي بن ابي طالب
وعمار بن ياسر فافرغا البئر من الماء واستخرجا السحر، ورجعا به للرسول. ووجدوا
السحر يتكون من مشاطة رأس واسنان مشط مربوطة بخيط فيه احدى عشرة عقدة. فأمر
الرسول، وكان مريضاً بسبب هذا السحر، امر بالتعوذ بسورتي ” الفلق”
و” الناس”، ومجموع آيات السورتين احد عشرة اية. فكان كلما قرأ آية منهما
انحلت عقدة ووجد خفةً، حتى انحلت العقد جميعاً وقام كأنما نشط من عقال.

 

فلننظر
الى سورة الفلق اولاً:

1-
” قل اعوذ برب الفلق”

2-
“من شر ما خلق”

3-
“ومن شر غاسق اذا وقب”

4-
“ومن شر النفاثات في العقد”

5-
“ومن شر حاسد اذا حسد”

فهل
هناك ايمان بالسحر اكثر من هذا؟ هذا هو الرسول نفسه الذي اخبرنا ” ان لن
يصيبنا الا ما كتب الله لنا” يستعيذ بالله من شر النفاثات في العقد. فلو كان
صحيحاً ان لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، فليس هناك اي حاجة لدعاء الله ان يعيذنا
من شر النفاثات في العقد، لانها لن تضيرنا الا اذا كان الله قد كتبها لنا، وفي هذه
الحالة يكون الله قد اذن للساحر ان يضرنا، وفي هذه الحالة لا داعي لسؤال الله أن
يقينا منهم، فالله قد سبق وأذن لهم ان يضرونا وهو لا يغير القضاء لانه مكتوب في
اللوح المحفوظ منذ الازل.

 

ولا
يستعيذ الرسول من النفاثات في العقد فقط، بل يستعيذ من ” شر غاسق اذا
وقب”، اي من شر الليل اذا اظلم. والذي يُفهم من هذه الاية ان الليل اذا اظلم،
ازداد الشر في العالم وبالتالي ازدادت فرصة اصابتنا بالاذى، لان الشياطين تظهر في
الليالى المظلمة. والجدير بالذكر هنا ان الزمخشري، وكان لا يؤمن بالسحر، لم يذكر
هذه القصة في كتابه ” الكشّاف”. والشياطين يُذكرون في القرآن في اكثر من
عشرة سور، وهناك سورة كاملة اسمها سورة ” الجن”.

 

ومن
هولاء الجن من اسلم عندما سمعوا القرآن: ” قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن
فقالوا انا سمعنا قرآناً عجبا، يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا احدا”
ويخبرنا اهل القصص الاسلامية ان من الجن من تزوج من نساء من البشر. ويخبرنا القرآن
ان الجن خُلق من نار ولذلك ليس لهم اجساد مرئية، ولذا يسهل عليهم الاختلاط بالسحرة
لمساعدتهم على صناعة السحر دون ان يراهم الناس.

 

عرب
الجاهلية، مثلهم مثل كل الشعوب البدائية، كانوا يؤمنون بهذه الغيبيات وبالشياطين،
وهذا شئ يسهل فهمه، أما أن يؤمن بها رسولٌ مرسل من عند الله بدين هو آخر الاديان
المنزلة ومن المفترض أن يؤمن به كل انسان الى نهاية الحياة على هذا الكوكب، فأمرٌ
يصعب فهمه. والاسلام يدعو للايمان بالجن والسحر، والقرآن يذكر للشيطان خمسة اسماء
ومراتب: فهناك الجن والجان والشيطان والعفريت والمارد. والمارد هو أقواهم واشدهم
فتكاً. وللجن من له أجنحة ويطير، ومنهم من يكون في هيئة ثعبان أو كلب ومنهم من
يكون في هيئة انسان.

 

ولذا
نجد أن علماء المسلمين قد نسجوا قصصاً عن الجن لا يصدقها العقل. فهاهو أبو عمر
الازهري يخبرنا أن أبن عباس قال: (كانت الشياطين في الجاهلية تعزف الليل اجمع بين
الصفا والمروة وكان فيهما أصنامٌ لهم) فهل ياترى كانت موسيقى الجن كموسيقى البشر،
وهل كانت أصنامهم هي نفس أصنام العرب الجاهليين أم كانت مختلفة؟ وإن كانت مختلفة
فهل كانت مرئية للبشر أم مستترة كالذين يعبدونها؟

 

وفي
سورة الناس نجد:

1-
” قل اعوذ برب الناس”

2-
“ملك الناس”

3-
“إله الناس”

4-
“من شر الوسواس الخناس”

5-
” الذي يوسوس في صدور الناس”

6-
“من الجنة والناس ”

وهاهو
الرسول مرة اخرى يستعيذ من شر الوسواس الخناس، سواء أكان من الجن او الانس. وهذا
كذلك اعتراف بالسحر ومقدرة الجن والانس ان يلقوا الضرر بالمسلم عن طريق الوسوسة في
صدره. وهذا منتهى الايمان بالغيبيات ومنها السحر.

 

وهاهو
القرآن في سورة البقرة الآية 102 يحدثنا عن جن سليمان والسحر وهاروت وماروت:
” يعلّمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.. وما هم
بضارين به من احد الا بأذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم”. فهاهم
السحرة، مرة اخرى، يضرون الناس باذن الله. فاذا كان السحرة بمقدورهم ضرر الناس
بتعاويذهم، فعلى الناس حماية انفسهم من هذا الضرر بتعاويذ مضادة لتعاويذ الساحر
وبتعليق التمائم والرقي على اعناقهم.

 

وقد
شجع الاسلام هذه العادة، وقال علماء المسلمين ان الرقي يُكره منه ما كان بغير
اللسان العربي. وفي موطأ مالك: ان ابا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية
ترقيها، فقال ابو بكر: ارقيها بكتاب الله. يعني بالتوراة والانجيل. وما زال
المسلمون في أرياف الوطن العربي يلبسون التمائم والاحجبة لتحرسهم من الشياطين
ولترد عنهم ألاذى.

 

ولغة
القرآن نفسها فيها شئ من السحر والطلاسم، فبعض السور تبتدئ بحروف ليس لها اي معنى
معروف، فهي كالرموز التي تُستعمل في الشفرة. فهناك خمسة سور تبتدئ ب ” الف،
لام، ر” وسورة واحدة، سورة الرعد، تبتدئ ب ” الف، لام، ميم، ر”
وسورة مريم تبتدئ ب ” كاف، هاء، ياء، عين، صاد”، وسورتين بدايتهما
” طاء، سين، ميم” وسورة النمل، بينهما، تبتدئ ب ” طاء، سين”،
وستة سور تبتدئ ب ” حاء، ميم”، وسورة الشورى تبتدي ب ” حاء، ميم،
عين، سين، قاف”. وسورة الاعراف تبتدئ ب ” الف، لام، ميم، صاد”
وهناك سور تبتدئ بحرف واحد مثل سورة قاف وسورة ص، وبعض السور تبتدئ بحرفين مثل طه
ويس. وباختصار هناك تسع وعشرون سورة تبتدئ بالغاز لا يفهم معناها احد.

 

وقد
ذهب بعض المستشرقين (هيرشفيلد) الى القول بانها الحروف الاولى من اسماء اشخاص
ساعدوا زيد بن ثابت في كتابة القرآن، وذهب آخرون الى انها محاولة للايعاز للعرب
الذين كانوا وما زالوا يؤمنون بالسحر وبالكهان الذين كانوا يستعملون الالغاز في
طلاسمهم، بأن القرآن ليس من عند محمد بدليل ان فيه الغاز لا يفهمها حتى محمد نفسه.
وعلى كل حال، هذه الالغاز لا تخدم غرضاً منطقياً اذ ان القرآن نزل ليوصل للناس
رسالة معينة، ونزل بلسانهم، فما الفائدة من انزال رموز لا يفهمها الناس المخاطبون
بها؟

 

والقرآن
مولع بالقَسَمْ في بداية السور، مثله في ذلك مثل الكهان الذين كانوا يستعملون
القسم في كل أقوالهم ليوهموا السامع بانهم قادرون على كل شئ لدرجة أنهم يقسمون ان
الشئ المطلوب سوف يحدث. فهناك سبع عشرة سورة في اولها قسم. فيقسم الله بالتين
والزيتون، ويقسم بالنجم اذا هوى، وكذلك بالسماء ذات البروج، وبالضحى، وبالفجر وما
الى ذلك. وهناك قسم كذلك في منتصف السور. فنجد الآية 16 وما بعدها، في منتصف سورة
الانشقاق، كلها قسم: ” فلا اقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر اذا اتسق.
لتركبن طبقاً عن طبق”. فما اهمية الشفق حتى يقسم به الله؟ ولماذا استعمال
الغريب من اللفظ للتعبير عن شئ بسيط؟ فأستعمال كلمة ” وسق” مع الليل،
لتعني الليل وما جمع، واستعمال كلمة ” اتسق” مع القمر لتعني ”
اكتمل”، لا يخدم غرضاً ولم يكن ضرورياً لولا مجاراة السجع والاعجاب بغريب
اللفظ.

 

وهناك
من القسم ماهو غير مفهوم اطلاقاً، فمثلاً:


والصافات صفا، فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا”


والذاريات ذرواً، فالحاملات وقرأً، فالجاريات يسراً، فالمقسمات أمراً”


والمرسلات عرفاً، فالعاصفات عصفاً، والناشرات نشراً، فالفارقات فرقاً”

 

والسؤال
الذي يطرأ على الذهن هو: لماذا احتاج الله ان يقسم لعبيده، وكلنا عبيد الله. وهل
يحتاج السيد لان يقسم لعبيده ليصدقوه؟ وفي رأيي ان القرآن، مرة اخرى، يحاول ان
يجاري الجاهليين في عاداتهم، ومنها القسم المتكرر. فالجاهليون كانوا مولعين بالقسم
في كلامهم، فكانوا دائماُ يقولون: تالله لافعلن هذا، ووالله لاضربن عنقك، وهكذا.

 

وكل
اشكال القسم في القرآن ادخلت المفسرين في مأزق عندما حاولوا تفسيرها، فأغلبها
يبتدئ ب “لا”: ” لا اقسم بيوم القيامة” و” لا اقسم
بالشفق” و” ولا أقسم بالخنس”. فالمفسرون قالوا ان ” لا”
زائدة، واراد الله ان يقول: ” اقسم بيوم القيامة”. وهذا خطأ لان الله ما
كان ليحتاج ان يدخل “لا” زائدة في كل مرة يقسم فيها. لو حصلت مرةً واحدة
لفهمناها، أما ان تحدث في كل مرة يقسم فيها فأمرٌ غير مستساق. ولو تنبه المفسرون
الى ان في الفترة التي جُمع فيها القرآن، لم تكن هناك علامات ترقيم في اللغة
العربية، وان الآية كانت: ” لأقسم” واللام هنا للتاكيد، مثل ان نقول ”
لأفعلن كذا”، ولكن لانها كُتبت بغير الهمزة على الالف، قُرئت ” لا”
فصارت لا اقسم بدل لأقسم.

 

قصص
القرآن:

يحتوي
القرآن على كمية هائلة من القصص عن الانبياء والشعوب الماضية، وخاصةً بني اسرائيل.
وبعد ذكر كل انبياء اسرائيل وهجرتهم من مصر وتيههم في الصحراء اربعين عاماً، نجد
القرآن مولعاً بالنبي موسى، فقد ذُكر موسى في ستة وثلاثين سورة وما لايقل عن
المائة وتسع مرات في القرآن. وكل مرة ذُكر فيها كانت تكراراً لما سبق ان قيل في
سورة البقرة. فكل قصة موسى وبني اسرائيل التي نقرأها في سورة البقرة، تعاد علينا
بكل تفاصيلها في سورة المائدة وفي سورة يونس والاعراف والنمل وطه والقصص وسور
اخرى. وكذلك ابراهيم ذكر في خمسة وعشرين سورة. فلو كرر القرآن موعظة او قانوناً من
الفقه لفهمنا انه يريد التأكيد على ذلك، ولكن ان تُعاد نفس القصة اكثر من ست او
سبع مرات، فلا اجد لها مبرراً.

 

وبعض
القصص عبارة عن خُرافة لا يمكن لاي انسان لديه ذرة من العقل ان يصدقها، مثل سورة
يونس الذي ابتلعه الحوت وظل في بطنه اياماً ثم نبذه بالعراء. ويخبرنا القرآن لولا
ان يونس كان من المسبحين، ” للبث في بطنه الى يوم يبعثون”. ونجد أنفسنا
هنا امام مشكلتين كبيرتين: كيف ابتلع الحوت يونس كاملاً دون ان يقطعه ارباً؟ فنحن
نعرف ان اكبر الاسماك في المحيطات هو حوت يقال له ”
Whale
وهو اكبر من سمك القرش. ولكن حتى هذا الحوت، مثله مثل سمك القرش، يعتمد على اسنانه
التي تفوق في حدتها الموسى، ليقطع طعامه قبل ان يبتلعه.

 

ولو
افترضنا ان الحوت ابتلع يونس كاملاً، فاين وجد يونس الهواء ليتنفس ويعيش اياماً في
بطن الحوت دون ان تهضمه العصارات الهاضمه في معدة وامعاء الحوت. والمشكلة الثانية
ان القرآن يقول لولا ان كان يونس من المسبحين لظل في بطن الحوت الى يوم يبعثون.
وهذا يقتضي ان يعيش الحوت ألاف او ملايين السنين، الى ان يُبعث الناس. والا فلو
مات الحوت، مات يونس معه. فهل يُعقل ان يعيش الحوت الاف السنين؟ ولو افترضنا أن
يونس، بمعجزة إلهية، قدر أن يتنفس في بطن الحوت لمدة ثلاثة أيام ولياليها، ما
الفائدة من وراء هذه القصة؟ هل الغرض منها إقناعنا بأن الله قادر أن يصنع المعجزات
وقد روى لنا القرآن عدة معجزات أخرى قام بها موسى وعيسى وغيرهم؟ أم الغرض منها شئ
آخر يخفى علينا؟

 

وطبعاً
القصة كلها مأخوذة من التوراة عندما أمر الرب رسوله يونس ”
Jonah ” أن يذهب الى مدينة نينفا) نينوى) ليعظ أهلها، ولكن يونس
هرب الى مدينة أخرى وركب مركبا متجهاً الى مدينة ” تارشيش”. وفي أثناء
الرحلة هاج البحر وكاد المركب أن يغرق، فقال يونس لركاب المركب: أرموني في البحر
حتى يهدأ. فرموه في البحر وهدأ البحر. وابتلع حوت كبير يونس، وظل يونس في بطنه
ثلاثة أيام وثلاثة ليالي ثم قذفه الحوت على اليابسة.

 

ومن
الاشياء المحيرة في جمع وتبويب القرآن ان هناك سورة اسمها ” يونس” بها
109 آيات، ويُذكر فيها يونس مرة واحدة فقط في الآية 98: ” فلولا كانت قرية
آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة
الدنيا ومتعناهم الى حين”. وفي سورة الصافات نجد تفاصيل قصة يونس في عشرآيات
متتاليات. وكان الاجدر ان تُسمى هي سورة يونس. وكذلك هناك سورة اسمها ”
النحل” بها 128 أيةً، ولا يذكر فيها النحل الا في الايتين 68 و69.

 

وهذه
الاية المذكورة في سورة يونس أعلاه يصعب فهمها لان ” الا” اداة استثناء،
فنقول مثلاً: آمن الناس كلهم الا ابو لهب. واذا طبّقنا هذا على الاية المذكورة،
نجد ” الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي”. ويُفهم من هذا ان
الذين آمنوا قبلهم لم يرفع عنهم عذاب الخزي ولم ينفعهم ايمانهم. ولكن الجزء الاول
من الاية يقول: ” فلولا قرية آمنت فنفعها ايمانها”. و” لولا”
حرف امتناع لوجود. فنقول مثلاً: لولا النيل لكانت مصرُ صحراءً”. فوجود النيل
منع مصر من ان تكون صحراء. وبالتالي فلولا قريةُ آمنت، لعذبها الله، ولكن وجود
ايمانها منع عذابها. يعني نفعها ايمانها. فلا مجال للاستثناء هنا، لان القرية التي
آمنت نفعها ايمانها وقوم يونس نفعهم ايمانهم.

 

ومن
القصص ما هو رتيب وليس فيه ما يفيد المسلمين. فخذ مثلاً موسى لما قال لقومه ان
الله يأمركم ان تذبحوا بقرةً. سورة البقرة الاية 67 وما بعدها.” يقول له قومه
ادعوا لنا ربك يبين لنا ما هي”. اخبرهم انها ” بقرة لا فارض ولا بكر،
عواناً بين ذلك”. فسألوه عن لونها، فقال: ” صفراء فاقع لونها يسر
الناظرين”. فقالوا اسأله مرة اخرى لان البقر تشابه علينا، فقال انه يقول:
” بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها”. قالوا
الان جئت بالحق، فذبحوها. ماذا يستفيد الناس من مثل هذا القصص، ولماذا اصر الله
على بقرة بعينها تُذبح له، ولماذا طلب ان تذبح له بقرة؟ هل ارادهم ان يذبحوا له
قرباناً كما كانوا يذبحون القربان للاصنام؟ وهل هناك أبقار صفر؟

 

اما
قصة موسى وفتاه مع نبي الله الخضر فيصعب تصديقها. يخرج موسى وفتاه يحملان معهم
سمكاً مجففاً ومملوحاً ليكفيهم في رحلتهم الى مجمع البحرين. ” فلما بلغا مجمع
ما بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا”. ولما طلب موسى غداءه
اخبره فتاه انه نسى الحوت عند مجمع البحر، فسبح السمك في البحر، وهو سمك مجفف.
فلما قابلا نبي الله الخضر وركبا معه سفينة لجماعة من الصيادين، خرقها نبي الله
الخضر لانه اراد ان يعطبها لان ملك بلاد الصيادين يأخذ السفن غصباً من الناس. ولا
ندري لماذا لم يأخذ هذه السفينة من قبل ان يركبها نبي الله الخضر؟ وهل كان يصعب
على هذا الملك ان يأخذ السفينة بعد أن خرقها نبي الله الخضر ويصلح الخرق البسيط
بها؟ ولا بد ان يكون الخرق صغيراً جداً والا لغرقت السفينة بموسى ومن معه.

 

ثم
لما خرجوا من السفينة، لقوا غلاماً فقتله نبي الله الخضر لانه كان يخشى ان يرهق
هذا الغلام أبويه المؤمنين عندما يكبر، بأن يطلب منهما ان يكفرا. ولا أعتقد انه
حدث في تاريخ البشر على الارض ان طلب صبي من ابويه ان يكفرا، فالصبي يتربى على دين
ابويه. والقرآن نفسه يقول في عدة آيات ان الناس يعبدون ما وجدوا أباءهم عليه،
” ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا
نعبد إلهك وإله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحق إلهاً واحداً”. ولهذا نجد عدة
اديان في هذا العالم الان لان الابناء يعبدون ما وجدوا آباءهم عليه، ويندر جداً ان
يغير شخص دينه. وحتى لو فعل، ليس من المتوقع ان يطلب من ابويه ان يغيرا دينهما.
وحتى لو طلب منهما ذلك يكون بامكانهما الرفض كما حدث عندما دعا ابراهيم اباه ان
يترك عبادة الاصنام ويتبع دينه الجديد فرفض ان يترك عبادة اصنامه، وعندما طلب
الرسول من عمه ابي طالب، وهو على فراش الموت، ان يسلم، رفض ابو طالب. فهل الخشية
من ان يرهق الغلام والديه سبب كافي لقتله؟

 

ولماذا
لم يقتل الله الابن الكافر الذي قال لوالديه أُف لكما، تخبراني اني سأخرج من القير
وما هذه الا اساطير الاولين، واستغاث والداه بالله ولكن الله لم يقتله كما فعل نبي
الله الخضر عندما خاف ان يُرهق الطفل والديه عندما يكبر: ” والذي قال لوالديه
أُفٍ لكما أتعدانني ان أُخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله، ويلك آمن
ان وعد الله حق فيقول ما هذا الا اساطير الاولين”. فهذا الغلام قال لوالديه
المؤمنين ان دينكما أساطير الاولين، واستغاث والداه بالله ولم يقتله الله، فلماذا
قتل نبي الله الخضر ذلك الغلام؟ وكما مر علينا في سورة لقمان عندما اوصى الله الانسان
فقال: ” وإن جاهداك على ان تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في
الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب اليّ”. وهاهو الله يقول للانسان إن جاهدك
ابواك على ان تُشرك بي فلا تطعهما. ونفس الشئ يمكن ان يُقال للابويين اذا جاهدهما
ابنهما على ان يكفرا. فالقرآن هنا لم يقل للانسان اقتل من جاهدك على ان تُشرك بي،
بل بالعكس قال له: ” وصاحبهما في الدنيا معروفاً”. فلا نرى عذراً لنبي
الله الخضر في قتل الغلام.

 

وقصص
احياء الموتى تتكرر في عدة سور في القرآن. فهاهو ابراهيم في سورة البقرة الآية 260
يسأل ربه فيقول: ” وقال ابراهيم رب ارني كيف تحيي الموتي قال أولم تؤمن قال
بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن
جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً”. وهاهم بنو اسرائيل لما قتلوا شخصاً قال لهم
الله اضربوه بلسان البقرة التي ذبحوها لله، فأحيى الله الميت ” فقلنا اضربوه
ببعضها كذلك يُحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون”.

 

وفي
سورة الكهف نرى ان الله امات اهل الكهف ثلاثمائة سنة او يزيد ثم احياهم وكلبهم.
وكذلك يخبرنا في سورة البقرة الآية 259 ” او كالذي مر على قرية وهي خاوية على
عروشها قال انّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ” ولم
يأسن طعامه. ويخبرنا القرآن كذلك ان عيسى قد احيى الموتى. وكل هذه القصص لن تُقنع
شخصاً لم ير هذه المعجزات بام عينه. فما فائدة هذا التكرار هنا؟ هل كان محمد يتوقع
أن يؤمن عرب الجزيرة لأنه أخبرهم بهذه القصص وكررها لهم؟

 

اما
قصة الاسراء والمعراج فتأخذ مكان الصدارة في فهم عقلية رجال الدين الذين لا يعرفون
اي شئ آخر غير الدين، وكيف انهم الصقوا بمحمد معجزات لم نعرفها حتى عند موسى
وعيسى. فقد ورد ت في القرآن آية واحدة في سورة الاسراء: ” سبحان الذي اسرى
بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الاقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا
انه هو السميع البصير”. ولكن أقرأ القصة كما كتبها ابن كثير في تفسيره
للقرآن. ويُعتبر ابن كثير من العلماء البارزين، فقال: ” واسرى بعبده ليلاً من
المسجد الحرام بمكة الى المسجد الاقصى، معدن الانبياء من لدن ابراهيم الخليل عليه
السلام ولهذا جُمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم فدل على انه هو الامام
الاعظم والرئيس المقدم صلوات الله عليه وعليهم اجمعين.

 

وقال
انس بن مالك ليلة اُسري برسول الله (ص) من مسجد الكعبة انه جاءه ثلاثة نفر قبل ان
يوحى اليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال اولهم: ايهم هذا؟ فقال اوسطهم: هو خيرهم
فقال آخرهم: خذوا خيرهم. فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى اتوه ليلة اخرى فيما يرى
قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه – وكذلك الانبياء تنام اعينهم ولا تنام قلوبهم –
فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين
نحره الى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى انقى جوفه ثم اتى
بطست من ذهب فيه نور من ذهب محشو ايماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده – يعني عروق
حلقه- ثم اطبقه ثم عرج به الى السماء الدنيا فضرب باباً من ابوابها فناداه اهل
السماء من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا ومن معك؟ قال معي محمد قالوا وقد بُعث اليه؟
قال نعم قالوا فمرحباً به واهلاً، يستبشر به اهل السماء، لا يعلم اهل السماء بما
يريد الله به في الارض حتى يعلمهم. فوجدوا في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل
هذا ابوك آدم فسلم عليه، فسلم عليه ورد آدم فقال مرحباً واهلاً بابني فنعم الابن
انت. فاذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان. فقال ما هذان النهران يا جبريل؟ قال
هذان النيل والفرات عنصرهما. ثم مضى به في السماء فاذا هو بنهر آخر عليه قصر من
لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك اذفر فقال ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر
الذي خبأ لك ربك، ثم عرج به الى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له
الملائكة الاولى، من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد (ص)، قالوا: وقد
بُعث اليه؟ قال: نعم،قالوا مرحبا به واهلاً، ثم عرج الى السماء الثالثة فقالوا له
مثل ما قالت الاولى والثانية ثم عرج به الى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم
عرج به الى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به الى السماء السادسة
فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به الى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها
انبياء قد سماهم فوعيت منهم ادريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة
لم احفظ اسمه وابراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله تعالى. فقال
موسى: ربي، لم اظن ان ترفع عليّ احداً، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله عز
وجل، حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين او
ادنى، فأوحى الله اليه فيما اوحى خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط به حتى
بلغ موسى فأحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد اليك ربك؟ قال: عهد الي خمسين صلاة
كل يوم وليلة. قال: ان امتك لا تسنطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت
النبي (ص) الى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار اليه جبريل ان نعم ان شئت، فعلا
به الى الجبار تعالى وتقدس فقال وهو في مكانه ” يا رب خفف عنا فان امتي لا
تستطيع هذا”. فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع الى موسى فاحتبسه فلم يزل يرده موسى
الى ربه حتى صارت الى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد
راودت بني اسرائيل قومي على ادنى من هذا فضعفوا فتركوه، فامتك اضعف اجساداً
وقلوباً وابداناً وابصاراً واسماعاً فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك. يلتفت النبي (ص)
الى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب ان امتي
ضعفاء، اجسادهم وقلوبهم واسماعهم وابصارهم وابدانهم فخفف عنا. فقال الجبار تبارك
وتعالى: يا محمد، قال: لبيك وسعديك. قال: انه لا يُبدل القول لدي كما فرضت عليك في
ام الكتاب فكل حسنة بعشرة امثالها فهي خمسون في ام الكتاب وهي خمس عليك. فرجع الى
موسى فقال كيف فعلت؟ فقال خفف عنا اعطانا كل حسنة عشر امثالها. قال موسى قد والله
راودت بني اسرائيل على ادنى من ذلك فتركوه، فارجع الى ربك فليخفف عنك ايضاً. قال
رسول الله (ص): يا موسى قد والله استحيت من ربي عز وجل مما اختلف اليه. قال فاهبط
باسم الله. قال: فاستيقظ وهو في المسجد الحرام. هكذا ساقه البخاري في كتاب
التوحيد”.

 

فواضح
من هذه الرواية ان محمداً كان نائماً فحلم انه ذهب من مكة الى القدس وزار المسجد
الاقصى، الذي لم يكن موجوداً اصلاً قبل بعثة الرسول، فقد كان معبد سليمان في ذلك
المكان. ومن هناك صعد الى السماء وراى ربه الذي فرض على المسلمين خمسين صلاة في
اليوم وقبلها محمد، ولكن تدخُل موسى ادى الى تخفيضها الى خمس صلوات. فاذاً القصة
كلها كانت حُلم، ولا يُعقل ان يطير محمد جسدياً من مكة الى السماء السابعة، ماراً
بالقدس، ثم يرجع في ليلة واحدة.

 

وعائشة
تخبرنا انه في ليلة الاسراء والمعراج ظل جسم الرسول جوارها في السرير حتى الصبح،
لم يبرحه. وحتى الاسراء جسدياً من مكة الى المسجد الاقصى والرجوع الى مكة في ليلة
واحدة، يصعب ان نصدق انه حدث في تلك الايام. انما المحتمل ان يكون اسراءً روحياً.
ولكن السؤال: لماذا هذا الاسراء من مكة الى القدس، وان لم يكن جسدياً، ما الفائدة
من ورائه؟ لماذا سرى محمد الى معقل اليهودية والمسيحية في القدس؟ أكان الغرض زيارة
معبد سليمان، كما زارته بلقيس؟ فالقدس لم يكن بها مسلمون في ذلك الزمان ولم يكن
بها مساجد، ناهيك عن المسجد الاقصى.

 

الاخطاء
التاريخية:

هناك
اخطاء تاريخية في القرآن تجعل القارئ يشك ان يكون القرآن منزّلاً من عند اله خلق
كل شئ ويعلم تاريخ خلقه. فمثلاً، عندما يخاطب القرآن مريم ام عيسى، يقول لها:
” يا اخت هارون”. والمقصود هارون اخي موسى. والخطأ واضح هنا، اذ ان
الفرق الزمني بينهما اكثر من ألف وخمسمائة عام. وصحيح ان موسى وهارون كانت لهم اخت
اسمها مريم ”
Miriam” ولكن ام الرسول عيسى فأسمها ماري ” Mary “، ولكن العرب سموها مريم، ومن هنا حدث الخلط بينهما. وقد
حاول علماء الاسلام تصحيح هذا الخطأ بعدة طرق. فقد قال القرطبي في تفسيره للقرآن:
” كان لمريم من ابيها اخ اسمه هارون فنسبت اليه. وكان هذا الاسم كثيراً في
بني اسرائيل تبركاً باسم هارون اخي موسى، وكان امثل رجل في بني اسرائيل. وقيل
هارون هذا كان رجلا صالحا في ذلك الزمان تبع جنازته يوم مات اربعون الفاً كلهم
اسمه هارون”. وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شُعبة قال: لما قدمت نجران سألوني
فقالوا انكم تقرءون ” يا اخت هارون” وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما
قدمت على رسول الله (ص) سألته عن ذلك، فقال: ” انهم كانوا يسمون بأنبيائهم
والصالحين قبلهم”. وقال الزمخشري: كان بينهما وبينه ألف سنة او اكثر فلا
يتخيل ان مريم كانت اخت هارون وموسى.

 

ونجد
في سورة القصص الآية 38: ” وقال فرعون يا ايها الملأ ما علمت لكم من إله غيري
فاوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحاً لعلي اطلع الى إله موسى”. وفي
سورة غافر الآية 36: ” وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ
الاسباب”. وهامان كان وزيرالملك اهاسورس ”
Ahasuerus
” ملك فارس الذي حكم من الهند الي الحبشة، ولم يكن وزير فرعون. وقصص التوراة
تحكي ان هامان غضب علي يهودي اسمه موردخاي واقنع الملك اهاسورس ان كل اليهود في
الامبراطورية الفارسية يجب ان يقتلوا لانهم كانوا يخططون لاغتيال الملك، وحدد يوم
الاعدام بيوم 13 آذار. وعندما علمت زوجة الملك، وكانت يهودية، اقنعت الملك ان يقيم
وليمة يعزم عليها هامان. ويوم الوليمة تضرعت الملكة الى الملك واتهمت هامان بانه
ينوي حصد اليهود بدون ذنب. فغضب الملك وخرج الى حديقة القصر ولما عاد وجد هامان
عند قدمي الملكة، وكان هامان يستجديها، ولكن الملك اعتقد ان هامان كانت له نوايا
خبيثة نحو الملكة، فامر باعدامه وسلم اليهود منه. وسمح الملك لليهود بمحاربة
اعدائهم يوم 13 آذار. ولما انتصروا على اعدائهم اعلنوا يوم 14 آذار يوم عطلة
لليهود وسموها بيوريم ”
Purim “. ويتضح من هذا ان هامان لم يكن وزيراً لفرعون، ولم يكن حتى
في مصر.

 

وفي
سورةالانعام الآية 84، عندما يحكي القرآن عن ابراهيم، يقول: ” ووهبنا له
اسحاق ويعقوب كلاً هدينا”. وكذلك في سورة الانبياء، الآية 72: ” ووهبنا
له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين”. ويُفهم من هذه الايات ان الله وهب
لابراهيم ابنين: اسحق ويعقوب. ولكن يعقوب هو ابن اسحق، وليس ابن ابراهيم. وقد عرف
المفسرون، في القرن الثامن الميلادي، بعد ان درسوا التاريخ اليهودي، ان يعقوب ابن
اسحاق، فاضافوا هذا للتفسير وقالوا: ان الله بشر ابراهيم وساره زوجته باسحاق ومن
بعد اسحاق يعقوب، يعنى ان سيكون لابراهيم حفيد من اسحاق. ولكن ” من بعد”
كذلك تعني ان اسحاق سيولد اولاً ثم من بعده يولد لابراهيم ابن آخر هو يعقوب. وهذا
القول الثاني ارجح لان ابراهيم كان يتوسل الى الله ان يهبه ذريةً قبل ان يموت لانه
وزوجته قد بلغا من الكبر عتياً. فالارجح ان يبشرهم الله بما سيولد لهما من أولاد
وليس بما سوف يولد لهما من احفاد، وهم قد كبروا في السن. وحتى لو اراد الله ان
يبشرهم بالاحفاد، فكان من الطبيعي ان يبشرهم باول طفل سوف يولد لابنهم اسحق. ولكن
المشكلة ان زوجة اسحق حملت بتؤامين هم إساو”
Esau
ويعقوب، وولدت إساو اولاً ثم تبعه يعقوب من بعده. فأذا كان تفسيرهم صحيحاً لصارت
ألآية: ومن بعد اسحق إساو، لأن إساو هو ألابن ألاكبر ليعقوب. فأذاًً التفسير
المنطقي هنا هو ان محمد اعتقد ان يعقوب هو ابن ابراهيم من بعد اسحق.

 

وفي
سورة النساء الآية 163: ” انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبين من
بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط وعيسى وايوب ويونس
وهارون وسليمان وآتينا دأود زبورا”. فيظهر ان الله قد اوحى الى اعداد كبيرة
من الناس، منهم الانبياء المعترف بهم في المسيحية واليهودية، ومنهم اسماء اضافها
الاسلام، كل هذا بغير ترتيب زمني. ففي هذه الاية يخبرنا انه اوحى الى الاسباط.
والاسباط هم الفروع او القبائل التي تكونت من بني اسرائيل بعد هجرتهم من مصر
وتيههم في الصحراء. فكيف اوحي الله اليهم؟ هل بعث لكل قبيلة رسولاً؟ وهذا يخالف
التاريخ اليهودي، ام اوحى الى كل قبيلة مباشرة دون رسول؟

 

اما
سليمان وداود فلم يذكر التاريخ اليهودي ان لهما كتب مثل التوراة او الزبور. بل كان
داود جندياً محارباً في جيش الملك ساؤول (طالوت)، واختلف مع الملك، فاخذ قبيلته
” جودا” ونزح الى الصحراء وظل بها الى ان مات ساؤول، فتعاهد داود مع ملك
الفلسطينيين وكون مملكة ” جودا” وعاصمتها الخليل ”
Hebron“. وبعد سبع سنوات، عندما اُغتيل ملك اسرائيل، انتخب
الاسرائيليون داود ملكاً عليهم. ورّحل داود عاصمته الى القدس وجعلها كذلك العاصمة
الدينية للاسرائيليين بان جلب اليها تابوت السكينة “
The Ark of the Covenant “. ولتمكينه في الحكم، اختار طائفة دينية معينة تسمي طائفة
” يهوى” ”
Yahweh “، وجعل ديانتهم الديانة الرسمية للدولة. وبالتدريج اخضع كل
القبائل المجاورة له وكون مملكة عظيمة. ويقال انه جمع كمية كبيرة من الادعية
الدينية على شكل اشعار، سميت فيما بعد ب ” مزامير داود”. وهذه المزامير
جُمعت بعد فترة المنفي اليودي عام 539 قبل الميلاد، وداود عاش حوالي عام 1000 قبل
الميلاد، ولذا يشكك المؤرخون اليهود أن تكون المزامير من تأليف داود أو أُنزلت
عليه.

 

والقرآن
يقول في سورة النساء ألآية 163: ” وآتينا دأود زبورا”. والتاريخ اليهودي
لا يقول أن دأود كان نبياً ولا يذكر له أي كتاب سماوي. فقط يذكر التاريخ انه قتل
جالوت “
Goliath“. وكان داود قائداً عظيماً لجيشه، ولكنه لا يذكر اي شئ عن
صناعته للدروع او ان الحديد كان مسخراً له. وعندما مات داود خلفه على الحكم ابنه
سليمان.

 

وسليمان
حكم من عام 965 الى 932 قبل الميلاد بعد ان قتل اخاه من ابيه، الذي كان ينافسه على
الحكم. وبنى معبداً للاله ” يهوى” في القدس، عُرف فيما بعد بمعبد
سليمان. ونظّم سليمان الحكم في مملكته وزاد من حجم جيشه وغزا وهزم كل القيائل في
المنطقة وامتدت مملكته من فلسطين حتى سوريا والحبشة. وكان مهتما ببناء المساكن
والمدن لجيشه الذي كان يكبر بكبر مملكته.

 

ولأنجاز
هذا البرامج الضخم من البناء، جعل سليمان العمل في البناء اجبارياً على كل رجال
المملكة من يهود وغيرهم. فكان كل رجل ملزماً بان يعمل في البناء لمدة شهر في كل
ثلاثة اشهر. فبنى مدن مثل ” تدمر” وغيرها. ولكثرة عمال البناء في
مملكته، زعم العامة من اليهود فيما بعد ان الجن كان يساعد سليمان في بناء المدن
وانه كان يفهم لغة الحيوانات، وكان له جيش من الطيور والجن. وبنى الاسلام قصصاُ
اضافيةً حول هذا الزعم.

 

واكثر
ما اشتهر به سليمان هو بلاطه الفخم في القدس وتعدد ازواجه. فقد قيل انه تزوج
سبعمائة زوجة. وزارته ملكة سبأ. ولما كبر سليمان نسى دينه وتبع دين زوجاته وعبد
الالهة ” أشتورا” إلهة أهل صيدا بلبنان، فغضب الله عليه وقرر نزع الملك
عن بيته بعد موته

 

وسورة
آل عمران تخبرنا في الآية 46 عن عيسى بن مريم: ” ويكلم الناس في المهد وكهلاً
ومن الصالحين”. وحتى لو سلمنا ان عيسى كلم الناس وهو في المهد، وهذا امر
يُستبعد، رغم ان ابن كثير يخبرنا في تفسيره(حدثنا حاتم، حدثنا ابو الصقر يحيي بن
محمد بن قُزعة حدثنا الحسين يعني المروزي حدثنا جرير يعني ابن ابي حازم عن محمد عن
ابي هريرة عن النبي (ص) قال: ” لم يتكلم في المهد الا ثلاث: عيسى وصبي في زمن
جريج وصبي آخر”). وهذا طبعاً حديث لا يُقنع احداً. فمن هم هولاء الصبيان ومتى
تكلموا؟

لو
حدث ان تكلم عيسى في المهد لتكلم بهذا النصاري واليهود، لكنه لم يُذكر في اي من
التاريخين، وحتى لو كلمهم في المهد فهو قطعاً لم يكلمهم كهلاً اذ انه صُلب وهو في
الثالثة والثلاثين من عمره. وقد حاول المفسرون تلافي هذا الخطأ بان قال ابن كثير:
(في حال كهولته حين يوحي الله اليه بعد ان ينزل من السماء.) وقال ابن جريج عن
مجاهد قال: (الكهل هو الحليم)، يعني انه سيكلمهم وهو حليم. تفسير غير مقنع. وقال
الاخفش: (يقال للطفل حدث الى سن ست عشرة سنة، ثم شاب الى اثنين وثلاثين، ثم كهل في
ثلاث وثلاثين سنة). وهذا تعليل ضعيف اذ لن نجد شخصاً يوافق ان شاباً عمره ثلاث
وثلاثين سنةً يكون كهلاً.

 

وذهب
آخرون الى ان المسيح لم يقُتل ولم يُصلب وانما رفعه الله اليه وهو حي في السماء
وسوف ينزله الله مرة اخرى ويعيش الى ان يصير كهلاً فيكلمهم: ” وقولهم إنا
قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين
اختلفوا لفي شك منه مالهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً”.
والصعوبة في هذا التفسير هي انه لو رفع الله عيسى حياً الى السماء وهو عائش هناك
وسوف ينزله في المستقبل، فسوف يكون عمره في ذلك الوقت الاف السنين، وهو قول غير
مقبول، والحل الثاني هو ان يكون الله قد اوقف عمره في الثلاث والثلاثين وسيظل
عائشاً بهذا العمر الى ان ينزله الى الارض مرة اخرى بعد الاف السنين. واذا قبلنا
هذا المنطق، فسوف يكون عيسى شاباً حين ينزل الى الارض. فاذا اوقف الله عمره في
الثلاث والثلاثين كل هذه السنين، فما الحكمة اذاً في جعله يكبر في السن حتى يصير
كهلاً ليكلمهم وهو كهل؟

 

و
في سورة آل عمران، الآية 55 نجد: “إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك
إليّ “، ونجد في سورة المائدة، الآية 117، عندما خاطب الله عيسى وقال له هل
انت قلت للناس اعبدوني وامي دون الله، اجابه عيسى ب ” ما قلت لهم الا ما
امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنتُ عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني
كنتَ انت الرقيب عليهم وانت على كل شئ شهيد”. فاهو عيسى يقول لله ” لما
توفيتنى”، فاذاً قد مات عيسى، اما مصلوباً واما مات موتاً طبيعيا، ولم يرفعه
الله حياً. ولكن القرطبي يقول في تفسيره: إني متوفيك بعد ان تنزل من السماء لتقتل
المسيح الدجال. وقال الحسن وابن جريح: إني متوفيك يعني إني قابضك ورافعك الى
السماء من غير موت، مثل قولهم: ” توفيت مالي من فلان” أي قبضته. ولكن
القول الاصح طبعاً هو ” أستوفيت مالي من فلان”. وقال الضحاك ان الذي
قُتل كان واحداً من الحواريين وان الله كسا عيسى الريش وألبسه النور فطار مع
الملائكة. وكل هذه الاقوال يصعب تصديقها.

وهناك
كذلك إشكال في قصة ابراهيم واسماعيل. ففي سورة الصافات الآية 101 وما بعدها نجد:
” فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي قال يابني اني ارى في المنام ان
اذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تُؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين،
فلما اسلما وتله للجبين، وناديناه ان يا ابراهيم، قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي
المحسنين، ان هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وباركنا عليه في الاخرين،
سلام على ابراهيم، كذلك نجزي المحسنين، انه من عبادنا المؤمنين، وبشرناه باسحاق
نبياً من الصالحين”. ويُفهم من هذه الايات ان الله امر ابراهيم ان يذبح ابنه
اسماعيل، لان مجرى الاحداث يتطلب ذلك. فان الله لم يبشره باسحاق الا بعد ان فدى الابن
الاول، اسماعيل، بذبح عظيم.

 

ولكن
التاريخ اليهودي يقول ان الله امر ابراهيم ان يذبح اسحاق. ويتفق جُل علماء
المسلمين الاوائل مع هذا القول. فهاهو ابن كثير في تفسيره للايات يقول: حدثنا داود
العطار عن ابن خثيم عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصخرة التي
بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها ابراهيم فداء اسحاق ابنه. وقال حمزة
الزيات عن ابن مسيرة رحمه الله: قال: قال يوسف عليه السلام للملك في وجهه: ترغب ان
تأكل معي وانا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن اسحاق ذبيح الله ابن ابراهيم خليل
الله. وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ان يوسف بن يعقوب بن اسحاق ذبيح الله
بن ابراهيم خليل الله. وروى عكرمة عن ابن مسعود انه اسحاق. وروى ابن اسحاق عن عبد
الله بن ابي بكر عن الزهري عن ابي سفيان عن العلاء بن جارية عن ابي هريرة عن كعب
الاحبار انه قال هو اسحاق. وحكى البقولي عن عمر وعلي وابن مسعود والعباس انه
اسحاق.

 

ويجادل
بعض العلماء ان الفداء كان لاسماعيل لان الله بشر ابراهيم باسحاق ومن بعد اسحاق
يعقوب، ويقولون كيف يخبر الله ابراهيم انه سيهبه من بعد اسحاق يعقوب ثم يقول له
اذبح اسحاق. والرد على هذا القول هو ان القران لما قال: ” وبشرناه بأسحق ومن
بعد أسحق يعقوب”، قصد أنه سيولد لابراهيم ولدين: اسحاق ثم من بعده يعقوب، كما
وضحنا سابقاً. ونفس القصة موجودة في التوراة. فنرى في سفر التكوين، الاصحاح 21،
الآية 12 ” سنجعل ذريتك في اسحاق”. ونرى في نفس السفر، الاصحاح 22، الاية
الثانية ” ونادى الرب على ابراهيم وقال له: خذ ابنك، وابنك الوحيد اسحاق،
واذبحه”. فكيف يقول له سنجعل ذريتك في اسحاق ثم يقول له اذبحه؟ وتكرار نفس
الغلطة في التوراة وفي القرآن قد يوحي بان القرآن قد اقتبس من التوراة.

 

ونحن
نعلم ان الله لم يبشر ابراهيم باسماعيل، وبشره فقط باسحاق، ولذا عندما يقول في
الاية 101 من سورة الصافات: ” فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي قال
يابني اني ارى في المنام ان اذبحك”، كان يقصد اسحاق، لانه الوحيد الذي بشر
الله به ابراهيم.

والقرآن
يأتي احياناً باشياء ليست من التاريخ في شئ ولا يعرف عنها الناس شئ. ففي سورة
الدخان الآية 37 نجد: ” أهم خيرٌ ام قوم تُبعٍ والذين من قبلهم اهلكناهم انهم
كانوا مجرمين”. ويقول المفسرون ان تُبع كان نبياً او رجلاً صالحاً. فاذا كان
العرب الذين جاء الاسلام لاقناعهم لا يعرفون تُبع هذا، فما الفائدة من سوألهم اهم
خير ام قوم تُبع؟

 

التاريخ
اليهودي يخبرنا ان اليهود كانوا مستعبدين في مصر وكان فرعون يسّخرهم في كل الاعمال
الشاقة في مصر، وفد توسل اليه موسى ليأذن لهم بالخروج من مصر، فرفض فرعون، حتى بعد
ان سلط الله عليهم الفيضان والدم والضفادع، لم يسمح لهم فرعون بالخروج من مصرلانهم
كانوا اليد العاملة في مصر وكان اقتصادها يعتمد عليهم. وفي كل مرة ينزل الله فيها
العذاب على مصر كان فرعون يطلب من موسى أن يسأل الله ليرفع عنهم العذاب مقابل ان
يسمح فرعون لموسى أن يخرج من مصر مع بني أسرائيل، وفي كل مرة كان فرعون يحنث
بوعده. وحتى القرآن نفسه يعترف بان اليهود كانوا معذبين في مصر، ونجاهم الله من
العذاب في الآية 30 من سورة الدخان: ” ولقد نجينا بني اسرائيل من العذاب
المهين”. وفي سورة الاعراف الآية 134: ” ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا
موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشف عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني
اسرائيل”. هاهو فرعون يقول لموسى سنرسل معك بني أسرائيل. وحتى عندما هرب موسى
ببني اسرائيل من مصر ليلاً، لحقهم فرعون وجنوده ليمنعوهم من مغادرة مصر.

 

ولكن
في سورة الاسراء الآية 103 يخبرنا القرآن ان فرعون كان قد اراد ان يخرج بني
اسرائيل من مصر عنوة ولذ أغرقه الله ومن معه: ” فاراد ان يستفزهم من الارض
فاغرقناه ومن معه جميعاً”. ويقول الطبري في تفسير ” يستفزهم” يعني
يخرجهم. وهذا طبعاً عكس المعروف تاريخياً وحتى في أجزاء أخرى من القرآن.

 

وفي
سورة يوسف، لما وجدوا صواع الملك في متاع بنيامين، اخي يوسف الصغير، يخبرنا القرآن
في الآية 77 ان اخوته قالوا: ” ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل فأسّرها يوسف في
نفسه”. ويقول الطبري في تفسيره للآية: يقصدون يوسف وكان قد سرق من ابي امه
صنماً من ذهب كان يعبده، فحطمه يوسف. وسفر التكوين، الاصحاح الحادي والثلاثين،
الآية 19 يخبرنا ان السارق لم يكن يوسف وانما امه ” راحيل
Rachel ” عندما سرقت تماثيل الذهب من بيت والدها قبل ان تغادره مع
زوجها ايوب”.

 

 الاخطاء
الحسابية:

نجد
في القرآن بعض الاخطاء الحسابية التي حاول العلماء المسلمون تفسيرها بشتى الوسائل.
ففي سورة البقرة، الآية 233: ” والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن
اراد ان يتم الرضاعة”. ولكن في سورة الاحقاف، الآية 15 نجد: ” ووصينا
الانسان بوالديه إحساناً حملته امه كُرهاً ووضعته كُرهاً، وحمله وفصاله ثلاثون
شهراً”. فمن الواضح هنا ان مدة الرضاعة اقل من سنتين لان الحمل في العادة
يكون تسعة اشهر، وبالتالي يكون الرضاع واحداً وعشرين شهراً، لنحصل على المجموع وهو
ثلاثون شهراً، كما جاء في الاية الثانية.

 

واختلف
العلماء في ايجاد تفسير مناسب لهذه الهفوة. فقال بعضهم اذا استمر الحمل تسعة اشهر،
فالرضاعة احدى وعشرون شهراً، ولكن انما قُصد بالثلاثين شهراً اخذ اقل مدة للحمل،
وهي ستة اشهر، في الاعتبار. والاشكال في هذا القول هو أن مدة الحمل في الغالبية
العظمى من النساء تسعة اشهر، والولادة في ستة أشهر من الشواذ، والتشريع عادة يأخذ
في الاعتبار ما هو شائعٌ ومتعارف عليه، ولا يُبنى التشريع على الشواذ. ولكن حتى لو
أخذنا الشواذ في الاعتبار فالولادة بعد ستة أشهر تعتبر إجهاضاً لان الجنين لا
يكتمل نموه ويصبح قادراً على الحياة خارج رحم أمه الا بعد الاسبوع الثامن والعشرين
من الحمل أي بعد سبعة أشهر. وحتى قبل ثلاثة عقود، ومع تقدم الطب الحديث كانت نسبة المواليد
الذين يعيشون اذا ولدوا بعد سبعة أشهر من الحمل لا تزيد عن عشرة بالمائة. أما
الذين ولدوا بعد ستة أشهر كانوا يعتبرون أجهاضاً أو خديجاً ولم يعش منهم أحد حتى
قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، فما بالك عند ظهور الاسلام، هل يُعقل أن يكون قد عاش
منهم أحد حتى يسمح للمفسرين أن يقولوا ما قالوا؟

 

وفي
سورة الاعراف الآية 54: ” ان ربكم الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم
استوى على العرش”. اما في سورة فُصلت، الآية 9 وما بعدها، فنجد: ” قل
أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له انداداً ذلك رب العالمين. وجعل
فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواءً للسائلين.
ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض إئتيا طوعاً او كرهاً قالتا آتينا
طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين واوحى في كل سماء امرها”.

 

فالمجموع
هنا يصبح ثمانية ايام بدل الستة المتعارف عليها. وفي محاولة العلماء تفسير هذا
الاختلاف، يقول صاحب تفسير الجلالين ان الله خلق الارض في يومين، هما الاحد
والاثنين، ثم قدر فيها اقواتها في تمام اربعة ايام، بدل في اربعة ايام أخرى. فهو
هنا يحسب الاربعة ايام من اول يوم بدأ فيه الخلق وهو يوم الاحد، ولذا يكون قد خلص
من خلقها وتقدير اقواتها يوم الاربعاء. ثم سوى السماء في يومين، فيكون مجموع
الايام ستة. ولا اظن هذا التفسير يُقنع احداً. فالقرآن يقول انه خلق الارض في
يومين، وخلق فيها الجبال والعشب وما الى ذلك في أربعة أيام، ولو أراد أن يقول انه
خلق الارض والجبال والعشب في أربعة أيام، تصبح بداية ألآية ” إنكم لتكفرون
بالذي خلق ألارض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين” جملة غير
مفيدة ولا حاجة لها، أو بمعنى آخر تكون حشواً لا داعي له، والقرآن يجب أن يكون
منزهاً عن ذلك.

 

وهناك
اختلاف حسابي آخر في عدد الملائكة الذين أمد الله بهم المؤمنين يوم موقعة بدر. ففي
سورة الانفال، الآية 9: ” اذ تستغيثون ربكم فأستجاب لكم اني ممدكم بألف من
الملائكة مردفين “. وفي سورة آل عمران، الآية 124: ” اذ يقول للمؤمنين
الن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين “. وفي نفس السورة
الآية 125: ” بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة
آلاف من الملائكة مسومين “. فنرى ان عدد الملائكة ابتدأ بألف ثم صار ثلاثة
آلاف ثم خمسة آلاف. وهذه الاعداد ليست في مواقع مختلفة، بل كلهم في موقعة بدر، اذ
قال حسين بن مخارق عن سعيد عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: لم تقاتل الملائكة
الا يوم بدر.

 

والملائكة
المسومين هولاء، اختلف الصحابة في سيمائهم، منهم من قال سيماؤهم كانت عمائم
البيضاء، وقال آخرون كانت عمائم حمراء، وقال آخرون صفراء. وذهب بعضهم الى ان
سيماءهم كانت على خيولهم. ونحن نعلم ان سورة فاطر، الاية الاولى تقول: ”
الحمد لله فاطر السموات والارض وجاعل الملائكة رسلاً اولي اجنحة مثني وثلاث ورباع
“. وقد يسأل سائل: اذا كانت للملائكة اجنحة، بعضها بجناحين وبعضها بثلاث
وبعضها باربع، لماذا احتاجت هذه الملائكة الى خيول يوم بدر؟ أما كانت فعاليتهم في
القتال تكون افضل لو حاربوا وهم طائرون؟ فكل الحروب الحديثة يكسبها سلاح الطيران.
وكل هذا الاختلاف في لون سيمائهم يدل على ان لا احد من الصحابة قد رأى الملائكة،
وانما صدقوا ما قيل لهم. واذا لم يكن من الممكن رؤية الملائكة، فما الحكمة في إعطائهم
سمات، حمراء كانت أو صفراء؟

 

وهناك
موضوع العدة للنساء المطلقات واللاتي مات ازواجهن. فنجد في سورة البقرة الآية 228:
” والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في
ارحامهن”. والغرض من الثلاثة قروء او ثلاثة اشهر هو التاكد من اذا كانت
المرأة المطلقة حاملاً من زوجها ام لا. والثلاثة شهور، لا شك، كافية لان يعرف
الناس ان كانت حاملة ام لا. وفي نفس السورة، الآية 234، نجد: ” والذين يتوفون
منكم فيذرون ازواجاً يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشراً “. وقد يسأل المرء
لماذا تختلف عدة المرأة التى مات عنها زوجها عن عدة المطلقة؟ فهل حمل المرأة التي
مات عنها زوجها يتطلب وقتاً اطول ليظهر؟

 

ويقول
المفسرون، حسب ما ورد في الصحيحين: ” ان خلق احدكم يجمع في بطن امه اربعين
يوماً نطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك ثم يبعث الله الملك
فينفخ فيه الروح “. فهذه مائة وعشرون يوماً اي اربعة اشهر فقط. وسئل سعيد بن
المسيب: لم العشرة؟ أي العشرة أيام الزائده، قال: فيه يُنفخ الروح. فهل يحتاج
الملك لمدة عشرة أيام لينفخ الروح في الجنين؟ فاذا كان هذا صحيحاً – اعني ان الحمل
يحتاج اربعة اشهر وعشرة ايام ليظهر- لماذا اذاً تكون عدة المطلقة ثلاثة اشهر (ولم
يُنفخ الروح في جنينها بعد) وعدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام؟
والاصعب فهمه من هذا ان الأمة أي المملوكة عدتها شهران اذا طُلقت وشهران وعشرة
ايام اذا مات زوجها. فهل يتكون الجنين في رحم الأمة اسرع مما يتكون في رحم الحرة؟

 

وإذا
كان القرآن قد نزل لكل الناس ولكل العصور كما يقول علماء المسلمين، لماذا لم يضع
إعتباراً لتقدم العلم في عصرنا هذا وفي العصور القادمة. فنحن ألان نستطيع ان نؤكد
وجود الحمل أو عدمه بعد اسبوعين فقط من تأخر الدورة الشهرية بأن نُجري فحصاً على
البول أو الدم أو حتى اجراء فحص بالموجات فوق الصوتية ”
Ultrasound “، فهل ما زلنا نحتاج للعدة سواء أكانت ثلاثة أشهر أو أربعة
أشهر وعشرة أيام؟ وماذا عن المرأة التي أُجريت لها عملية لاستئصال الرحم ولم يعد
ممكناً لها ان تحبل، هل تجب عليها العدة اذا طُلقت أو مات زوجها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار