اللاهوت المقارن

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل الرابع

ما يسمونها مراحل الخلاص

39- نبذة مراحل الخلاص البروتستانتية

م

الموضوع

المرحلة الأولى

المرحلة الثانية

المرحلة الثالثة

1

مفهومه

نوال الخلاص

(خلاص نلناه)

اتمام الخلاص

(خلاص نحياه)

كمال الخلاص

(خلاص نترجاه)

2

بركاته

خلاص من قصاص الخطية

(التبرير)

من سلطان الخطية

التقديس

من جسد الخطية

(التمجيد)

3

زمانه

فى لحظة

مسيرة العمر

فى لحظة

4

شواهده

لو 7: 48، 50

مر16: 16

فى 2: 12

2كو 7: 1

فى 3: 20، 21

1كو 15: 52

5

عوامله

دم المسيح

دم المسيح

مجئ المسيح

6

وسائله

سر التوبة والمعمودية

سر المسحة والتناول

المجئ الثانى

7

مستلزماته

الإيمان الواعى

الجهاد القانونى

السهر والانتظار

 

وزعت هذه النبذة بالبريد، وأوصلها بعض أبنائنا
إلينا. وهى مأخوذة عن فكر بروتستانتى، وقد حاول صاحبها أن يلبسها ثياباً أرثوذكسية
لم تستطع أن تغطيها.

 

هذه النبذة تقسم الخلاص إلى ثلاث مراحل:

أ خلاص نلناه، من قصاص الخطية، يتم في لحظة.

ب خلاص نحياه، من سلطان الخطية، هو مسيرة العمر.

ج خلاص نترجاه، من جسد الخطية، يتم في لحظة.

 

ويرون أن الخلاص الذي نلناه يتم (بالتبرير)،
والذى نحياه يتم (بالتقديس) والخلاص الذي نترجاه يسمى (التمجيد)

 

ومعروف أن مصدر هذا التقسيم، هو قصة راع
بروتستانتى:

 

سألته إحدى الفتيات (بأدب شديد!): ,, هل خلصت با
حضرة القسيس؟،، فأجابها: ,, خلصت، وأخلص، وسأخلص،، فصارت هذه العبارة رائدة
لكثيرين. وبدأ تقسيم الموضوع إلى المراحل الثلاث: خلاص نلناه، وخلاص نحياه، وخلاص
نترجاه. وهو تقسيم سجعى سنفحص ما معناه، وما مغزاه، وما فحواه..

 

ويقول البروتستسانت إن الخلاص الذى نلناه في
لحظة، قد تم في لحظة قبول المسيح فادياً ومخلصاً، أى في لحظة الإيمان.

 

ولعلكم تلاحظون أن كتب العهد الجديد التي يوزعها
الجدعونيون مجاناً، تحوى آخرها إقراراً بقبول المسيح فادياً ومخلصاً، لكى يوقع
عليه حامل الإنجيل..!

 

40- تناقض في نبذة مراحل الخلاص

وعلى الرغم من أن نبذة (مراحل الخلاص) ذكرت أن
الخلاص الذي نلناه من عقوبة الخطية قد تم في لحظة، إلا أنها لكى نأخذ مظهراً
أرثوذكسياً قالت إن هذا الخلاص من مستلزماته:

 

الإيمان الواعى، ووسائله هى سر التوبة وسر
المعمودية!

 

بل ورد فيها: ,, بهذا صار لأى إنسان امتياز
مبارك، عندما يقبل إلى المسيح بتوبة قلبية، وإيمان واع، أن يحصل على بر المسيح،
عندما يتحد معه بشبه موته، أى بالمعمودية، ليقوم معه في حدة الحياة (رو 6: 3)
ولهذا قال المسيح: (من آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16)،،

 

وهنا يبدو التناقض، ويعرج كاتب النبذة بين
الفرقتين (1مل 18: 21): بين الفكر البروتستانتى والمظهرية الأرثوذكسية. ويقف
أمامنا سؤال ليس له جواب، وهو:

 

كيف يمكن أن نجمع في لحظة، بين التوبة القلبية،
والإيمان الواعى، وسر المعمودية؟!

 

والوصول إلى التوبة يحتاج إلى وقت، والوصول إلى
الإيمان الواعى يحتاج إلى وقت. وممارسة سر المعمودية تستغرق وقتاً.

 

فكيف يمكن إتمام كل ذلك في لحظة؟

 

إن البروتستانت صرحاء مع أنفسهم. يقولون إن
الخلاص الذي تم، إنما كان ذلك في لحظة الإيمان. أما الفكر البروتستانتى الذي يحاول
أن يلبس ثياباً أوثوذكسية فلأنه غير صريح، لذلك يقع فى تناقض..

 

فلنناقش الآن ما ورد في النبذة عن مراحل الخلاص:

 

41- عبارة “مراحل”

مجرد الحديث عن (مراحل) يعنى أن الخلاص لا يتم
في لحظة.

فهناك أكثر من مرحلة، ثلاث مراحل، لا يمكن أن
تعنى لحظة إلا لو كانت كل مرحلة ثلث لحظة. وكان يمكننا أن نكتفى بهذا، للرد على
كاتب النبذة..

كما أن هناك رداً آخر تحويه تفاصيل هذه المراحل
وهو:

إن إحدى هذه المراحل (التقديس) تشمل (مسيرة
العمر) كله!

ومادامت تشمل كل عمر الإنسان، إذن فهذا الخلاص لا
يتم في لحظة.

 

ومما يزيد الأمر تعقيداً على كاتب النبذة، انه
بعد هذا العمر كله، يوجد (خلاص نترجاه) وعده مجئ المسيح..

 

42- الإيمان والتوبة، واللحظة

ليس الإيمان أمراً يأتى عفو الخاطر. وليست
التوبة مجرد انفعال وقتى. فهما ولا شك يحتاجان إلى وقت:

 

والإيمان والتوبة يحتاجون إلى عمل الكلمة، وإلى
عمل النعمة:

 

هذه الكلمة، أو هذه الكرازة، نجدها واضحة في قول
الرب: (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم.. وعلموهم جميع ما أوصيتكم به) (مت 28:
19، 20)

 

وفى قوله: (اكرزوا بالإنحيل للخليقة كلها. من
آمن واعتمد خلص) (مر 16: 15، 16) ونجد خدمة الكلمة واضحة في عمل بطرس الرسول في
يوم الخمسين: كلمة. بعدها نخس السامعون في قلوبهم، فآمنوا، ودعاهم الرسل إلى
التوبة والمعمودية (أع 2: 37، 38) ونجد نفس الأمر في إيمان الخصى الحبشى: بشره
فيلبس، فآمن، فاعتمد (أع 8: 35 38)

 

وفى خلال خدمة الكلمة، كان الإيمان يزحف في قلب
السامعين، حين وصل إلى نضجه، ثم إلى إعلانه.. ولم يتم كل ذلك في لحظة.

 

ونفس الكلام نقوله عن التوبة أيضاً. إنها لا
تهبط فجأة في القلب في لحظة. يلزمها خدمة الكلمة، أو تأثيرات أخرى من عمل النعمة،
تظل تعمل في القلب، حتى توصله إلى التوبة. وتدخل هى أيضاً في (مراحل الخلاص!).

بعد كل هذه المقدمات، فلنتناول هذه المراحل
الثلاث ونفحصها:

 

43- الخلاص من عقوبة الخطية

هذا الذي تسميه النبذة (خلاصاً نلناه) بالتبرير،
في لحظة! وهو كما تشرح النبذة خلاص من قصاص الخطية، عوامله دم المسيح، ووسائله سر
التوبة والمعمودية، ومستلزماته الإيمان. وشواهده (مر 16: 16) (من آمن واعتمد خلص)
و(لو 7: 48، 50) (قالها: مغفورة لك خطاياك.. إيمانك قد خلصك)

 

واضح أن السيد المسيح قدم خلاصاً بدمه على
الصليب. ولكن هذا الخلاص لم ينله كل أحد. فكفارة السيد المسيح شئ، واستحقاق هذه الكفارة
شئ آخر..

 

فمازال هناك كثيرون لم يخلصوا حتى الآن، على
الرغم من الدم الطاهر المسفوك، وعلى الرغم من الكفارة التي تحمل خطايا العالم كله
(1يو 2: 2) وذلك لأنهم لم يسلكوا في الطريق المؤدى إلى الخلاص. ومن جهة هذا الطريق
تذكر الآيات الآتية كمثال:

 

1 (من آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16)

2 (توبوا.وليعتمد كل واحد منكم على اسم المسيح
لغفران الخطايا) (أع 2: 38)

3 (قم اعتمد، واغسل خطاياك) (أع 22: 16)

4 (إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 13: 3،
5)

 

ومن هذه الآيات يتضح أنه للخلاص من عقوبة الخطية
تلزم ثلاثة أمور لا تتم في لحظة، وهى الإيمان والتوبة والمعمودية.

 

وحتى مع الخلاص بهذه الأمور الثلاثة، لا يعنى
الأمر سوى الخلاص من الخطية الجدية الأصلية، والخطايا الفعلية السابقة للمعمودية.

 

هذه الخطية الأصلية، هى التي قال عنها الكتاب: (بإنسان
واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس،
إذ أخطأ الجميع) (رو 5: 12) وهكذا أصبحنا كلنا) أمواتاً بالخطايا) (اف 2: 5) لقد
كنا كلنا جزءاً من آدم ومن حواء، حينما حكم عليهما بالموت..

 

فى المعمودية غفرت لنا الخطية الأصلية، والخطايا
السابقة للمعمودية. وهذا لا يعنى مغفرة الخطايا التي تحدث أيضاً في المستقبل، بعد
الإيمان والمعمودية.

 

الخلاص من عقوبة الخطية، أمر ينسحب على خطايا
الماضى والحاضر والمستقبل.

 

فكل خطية بعد المعمودية، لها عقوبة وقصاص. وهذه
العقوبة لا يخلص الإنسان منها، إلا بالتوبة وذلك حسب قول الرب: (إن لم تتوبوا
فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 13: 3، 5) فكيف يمكن لإنسان أن يقول إنه نال الخلاص من
عقوبة الخطية لحظة إيمانه، أو لحظة توبته، أو لحظة معموديته؟‍‍‍‌‍‍‍! ألا يبقى
أمامنا السؤال بلا جواب: وماذا عن الخلاص من عقوبة الخطايا التي بعد الإيمان
والمعمودية؟! الجواب هو:

 

كل إنسان لكى يخلص من عقوبة الخطية يحتاج إلى
توبة مستمرة كل حياته، عن كل خية يرتكبها.. ونحن في كل يوم نخطئ. وخطيئتنا لها
قصاص وتحتاج إلى توبة.

 

إذن الخلاص من عقوبة الخطية فى لحظة، أمر مستحيل
عمليا ً. لأنه لا يوجد إنسان معصوم (إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نضل أنفسنا وليس
الحق فينا) (1يو 1: 8) (لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا) (يع 3: 2) إذن كيف نخلص
من هذه الخطايا؟ يقول القديس يوحنا الرسول: (إن سلكنا في النور، كما هو في النور..
إن اعترفنا بخطايانا..) (يو 1: 7، 9) حينئذ (دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل
خطية) (وهو امين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل إثم (1يو 1: 7، 9)

 

إذن اعترافنا بخطايانا، وسلوكنا في النور، أمران
لازمان لنا في كل حياتنا لكى يغفر لنا خطايانا، ونستحق دم المسيح يطهرنا من كل
خطية..

 

وهذا الأمر يستمر معنا كل الحياة، أعنى حياة
التوبة الدائمة، والاعتراف بالخطايا، والسلوك في النور.. فالتوبة ليست عملاً
لحظياً، إنما هى حياة..

 

وبهذا فإن الخلاص من عقوبة الخطية أمر نطلبه طول
من عقوبة الخطية أمر نطلبه طول حياتنا، ونسلك في وسائله ولا نقول إننا نلناه في
لحظة!

 

إنما يتحدث عن الخلاص من عقوبة الخطية في الماضى،
إنسان قد انقطعت صلته بالخطية تماماً، واصبحت الخطية بالنسبة إليه من حديث الماضى
وحده! أما إنسان يعتقد أن الخلاص من سلطان الخطية،موضوع مسيرة العمر كلها، فهو
يعترف ضمناً أنه لم يخلص من الخطية وممارساتها. وبالتالى لم يخلص بعد من عقوبتها..!

 

ممارسة الخطية، وعقوبة الخطية، أمران متلازمان.
فمادام الخلاص من سلطان الخطية هو مسيرة العمر كله، إذن بالتالى الخلاص من عقوبة
الخطية هو طلبة العمر كله. ننتقل إلى النقطة التالية في (مراحل الخلاص) وهى:

 

44- الخلاص من سلطان الخطية

كان يمكن أن تقول إن هذه النقطة خارجة عن عن
موضوع بحثنا، مادام كاتب النبذة يقول إنها تشمل مسيرة العمر كله. إذن هى ضد بدعة
(الخلاص في لحظة) وتوقع أصحابها في تناقض..

 

ويسمونها مرحلة (التقديس).

 

ويسمونها أيضاً مرحلة (إتمام الخلاص) ويستشهدون
بقول الكتاب: (تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (فى 2: 12).

 

وبقوله أيضاً: (لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد
والروح، مكملين القداسة في خوف الله) (2كو 7: 1).

 

ولذلك يقولون إنه مستلزمات هذه المرحلة الجهاد
القانونى، ومن وسائلها سر المسحة والتناول..

 

1 عبارة إتمام الخلاص، تعنى أن الخلاص لم يتم.
وإتمامه كما يقولون يحتاج إلى مسيرة العمر.

فما معنى إذن (الخلاص في لحظة)؟!

 

2 وإن كانت المرحلة السابقة هى (نوال الخلاص)
هذا الذي يقولون إنه تم في لحظة!

 

فهل يتفق مع نوال الخلاص، أن تقضى بعده مسيرة
العمر (فى خوف ورعدة) (فى 2: 12)؟

 

3 عبارات التبرير والتقديس والتمجيد، التي وردت
في هذه النبذة، لنا عليها تعليق في بحث خاص في هذا الكتاب.

 

ننتقل إلى النقطة الثالثة في هذه (المراحل) وهى:

 

45- الخلاص من جسد الخطية

قالوا في ذلك: وفى نهاية الحياة، وعد الرب أنه
سيأتى، ليعطى المؤمنين الذين ينتظرون مجيئه أجساداً نورانية شبه جسده الممجد (فإن
سيرتنا نحن هى في السموات، التي منها ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل
جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده) (فى 3: 20، 21).. وأيضاً (1كو 15: 52)

 

ويقولون إنه الخلاص الذي نترجاه، وانه كمال
الخلاص، وانه الخلاص من جسد الخطية، ويسمونه التمجيد. ويقولون ان عوامله ووسائله
هى مجئ المسيح الثانى. ومستلزماته السهر والانتظار. ويقولون إن هذا الخلاص يتم في
لحظة.

 

ولنا على كل هذا الكلام ملاحظات، من بينها:

 

1 عجيب أن يكون الخلاص الذي ننتظره، هو الخلاص
من هذا الجسد ولبس الجسد الروحانى (1كو 15: 52)!!

 

فلبس الجسد الروحانى في القيامة، هو مجرد مقدمة
للأفراح..

 

حيث نلبس إكليل البر (2تى 4: 8) ونخلص من هذا
الجهاد العنيف، ونتمتع بما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخر على قلب بشر (1كو
2: 9) نتمتع بالعشرة مع الله، ومع ملائكته وقديسيه، في أورشليم السمائية مسكن الله
مع الناس (رؤ 21: 3) حيث نأكل من شجرة الحياة (رؤ 2: 7) ومن المن المخفى (رؤ 2: 17)
ونجلس مع الابن في عرشه (رؤ 3: 21) وترجع إلينا الصورة الإلهية، ونتمتع بكل
البركات التي وردت فى سفر الرؤيا. ونحيا حياة كلها سعادة وبركة.

 

هذه هو الخلاص العظيم الذي ننتظره. وخلع الجسد
المادى فيه هو مجرد عنصر سلبى من سلبيات كثيرة.

 

حيث نتخلص من المادة كلها، ومن هذا العالم ومن
الخطية ونتائجها: الموت والحزن، كما نخلص من حروب الشياطين ومن الخطية عموماً،
لأنه: (لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد) (والموت لا يكون فيما بعد) (رؤ 21)
وإبليس الذي يضلنا سيكون قد طرح في بحيرة النار والكبريت (رؤ 20: 10) كما سنخلص من
معرفة الخطية، وترجع أذهاننا وقلوبنا إلى البساطة والنقاوة التي لا تعرف خطية..
فلماذا إذن تركيز الخلاص الذي نترجاه، على مجرد خلع الجسد المادى؟!

 

2 ولماذا يسميه كاتب النبذة (جسد الخطية)؟

هل لمجرد الإيقاع اللفظى، في التوافق بين عبارات
(خلاص من عقوبة الخطية) ومن سلطان الخطية، ومن جسد الخطية..! تماماً كالإيقاع
اللفظى في التقسيم السجعى: خلاص نلناه، وخلاص نحياه، وخلاص نترجاه..! إن شرح
الأمور اللاهوتية على لفظى أو سجعى، كم أوقع الكثيرين في أخطاء لاهوتية عديدة
وصعبة..!

 

من قال إننا نلبس جسد الخطية؟!

 

لو كان هذا الجسد خطية، ما كان الله قد خلقه،
لأن الله لا يخلق شيئاً شريراً على الإطلاق.. ولو كان هذا الجسد خطية، ما لبس الله
جسداً حينما تجسد لخلاصنا. ولو كان هذا الجسد خطية، ما كنا نكرم أجساد القديسين،
وما كانت ملامسة عظام اليشع تقيم ميتاً (2مل 13: 21) ولو كان هذا الجسد خطية، ما
كان الرسول يقول: (مجدوا الله في أجسادكم وفى أرواحكم التي هى لله) (1كو 6: 20)
وما كانت أجسادنا تصير هياكل للروح القدس (1كو 6: 19) وأعضاء المسيح (1كو 6: 15)
وما كانت أجسادنا تشترك في العمل الروحى: في الصلاة والصوم والسهر والسجود والتعب
من أجل خلاص الآخرين..!

 

إن كان الجسد يخطئ، فالروح أيضاً تخطئ.

 

الشيطان روح من غير جسد مادى، وهو يخطئ. وقد وقع
في خطايا الكبرياء، والكذب، والحسد، خداع الآخرين. ولم يشترك معه جسد في هذه
الأخطاء.. والبشر ايضاً يقعون في أخطاء الروح هذه، وفى أخطاء أخرى كثيرة للروح.
وبأخطاء الروح يدفعون الجسد إلى الخطية دفعاً.

 

ونحن نصلى إلى الله أن يطهر نفوسنا وأجسادنا
وأرواحنا، وان ينجينا من دنس الجسد والروح. والرسول نفسه يقول: (لنطهر ذواتنا من
كل دنس الجسد والروح، مكملين القداسة في خوف الله) (2كو 7: 1) إذن الروح تتدنس كما
يتدنس الجسد.

 

والخلاص الذي نطلبه، هو خلاص من الخطية عموماً،
ومن الدنس عموماً، سواء كان من الجسد أو من الروح.

 

ومادامت الروح تخطئ، إذن الروح تتعذب في الأبدية
كما يتعذب الجسد. وليس العذاب وفق للجسد فقط للجسد، باعتباره جسد الخطية!!

 

إن الكتاب يقول لنا: (قبل الكسر الكبرياء، وقبل
السقوط تشامخ الروح)(أم 16: 18) ويحدثنا أيضاً عن (تكبر الروح) (جا 7: 8) وقيل عن
نبوخذ نصر الملك إنه (ارتفع قلبه وقست روحه) (دا 5: 20) ويقول الكتاب: (طول الروح
خير من تكبر الروح. لا تسرع بروحك إلى الغضب، لأن الغضب يستقر في حضن الجهال) (جا
7: 9) وقال الله عن الجيل الزائغ المتمرد إنه (لم تكن روحه أمينة لله) (مز 78: 8)
ولأهمية الروح وعملها وإمكانية سقوطها قال الكتاب: (مالك روحه خير من مالك مدينة)
(أم 16: 32)

 

لماذا إذن الكلام عن الخلاص فقط من جسد الخطية؟
بينما المطلوب هو الخلاص من الخطية جسداً وروحاً..

 

3 لعل التركيز على (جسد الخطية) هو الظن بأن
التخلص من هذا الجسد المادى يتم في لحظة!!

 

ولعل حجة هؤلاء هى قول الرسول: (هوذا سر أقوله
لكم: لا نرقد كلنا. ولكننا كلنا نتغير. في لحظة في طرفة عين، عند البوق الأخير.
فإنه سيبوق، فيقام الأموات عديمى فساد، ونحن نتغير. لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس
عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت) (1كو 15: 51 53)

 

الواقع إن الذي يتم في لحظة، هو عملية الاختطاف،
وما يتتبعها من تغير عند البوق الأخير، في يوم القيامة:

 

يقول الرسول: (إننا نحن الأحياء الباقين إلى يوم
الرب، لا نسبق الراقدين لأن الرب نفسه، بهتاف، بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله، سوف
ينزل من السماء. والأموات في المسيح سيقومون أولاً، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف
جميعاً معهم، لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون على حين مع الرب) (1تس 4: 15 17).

 

هؤلاء الذين يبقون أحياء إلى مجئ الرب، ويخطفون
معه إلى السحاب. تتغير أجسادهم في لحظة إلى أجساد روحانية.

 

وذلك لكى يمكنهم أن يلاقوا الرب في الهواء،
ويأخذهم معه على السحاب، ويكونوا معه كل حين. ولا يجوز هذا للأجساد المادية. كما
انهم بهذا التغير يصيرون مثل باقى البشر الذين قاموا من الأموات بأجساد روحانية
(1كو 15: 44، 53)

 

وطبعاً كاتب نبذة (مراحل الخلاص) لم يكتبها
لهؤلاء الباقين إلى مجئ الرب الذين سيخفون لملاقاة الرب في الهواء!!

 

أما الذين يموتون الآن، ويقومون في اليوم الأخير،
وكذلك الذين ماتوا قبلنا.. كلهم لا ينطبق عليهم الخلاص من الجسد المادى في لحظة..
فلماذا؟

 

ذلك لأن هذا الموضوع، ينقسم إلى مرحلتين بينهما
مسافة:

أ المرحلة الأولى، وهى خلع الجسد المادى، بالموت.

ب المرحلة الثانية، وهى لبس الجسد الروحانى، في
القيامة.

وبين المرحلتين مدى زمنى، ربما يكون آلاف أو
مئات السنين، وليس لحظة! لأن لحظة التخلص من الجسد المادى بالموت، ليست هى لحظة
التمجيد الذي يقصدونه، وليست وسيلتها مجئ المسيح، وليس شاهدها (1كو 15: 52) أو (فى
3: 21) فكل هذا عن تغيير الجسد في يوم القيامة0

 

وواضح أنه ليست بيننا وبين القيامة لحظة.

 

فالمسافة بين الموت والقيامة طويلة جداً. ولأن
المسافة طويلة، فإن الخليقة كلها تئن منتظرة. وفى هذا يقول الرسول:

 

(.. فإننا نعلم أن كل الخلقية تئن وتتمخض معاً
إلى الآن. وليس هكذا فقط، بل نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضاً نئن في
أنفسنا، متوقعين التبنى فداء أجسادنا. لأننا بالرجاء خلصنا، ولكن الرجاء المنظور
ليس رجاء. لأن ما ينتظره أحد، كيف يرجوه أيضاً؟ ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننتظره،
فإننا نتوقعه بالصبر) (رو 8: 22 25)

 

هذا الذي ننظره ونتوقعه، بالصبر والرجاء، لا
يمكن أن تنطبق عليه عبارة لحظة. فما أطول المسافة بين خلعنا لهذا الجسد، ولبسنا
الجسد الروحانى النورانى..

 

ومن هنا يكون وصول الإنسان إلى مرحلة (التمجيد)
التي يقصدونها لا يتم لقارئ النبذة أو لغيره في لحظة.

 

ننتقل إلى قاعدة عامة نطبقها على ما ورد في نبذة
(مراحل الخلاص) وهى: خطورة التحديدات

 

46- خطورة التحديدات

هذه التحديدات الموجودة في (مراحل الخلاص)
تحديدات غير مقبولة لاهوتياً، والصيغات السجعية واللغوية ليست هى المقياس اللاهوتى
السليم..

 

فمثلاً تحديد الخلاص من عقوبة الخطية بأنه خلاص
نلناه، في الماضى تعبير خاطئ، لأننا أيضاً نحياه ونترجاه.

 

فنحن نحياه، عن طريق التوبة المستمرة، وما
يصحبها من مغفرة وخلاص من العقوبة. كما إننا نترجى هذا الخلاص فى المستقبل، حينما
نقف أمام الله في يوم الدينونة الرهيب، راجين أن نسمع منه عبارات المغفرة والخلاص.
وإلا فما معنى (يوم الدينونة) الذي سيجازى فيه الرب كل واحد حسب أعماله؟ (مت 16: 27،
رو 22: 12)

 

2 والخلاص من سلطان الخطية، أمر يختص أيضاً
بالماضى والحاضر والمستقبل. ومن الصعب تحديده بالحاضر فقط.

 

فمهما كان الخلاص الذي نحياه حالياً من جهة
سلطان الخطية، فهو لا يقاس اطلاقا بما نترجاه في الأبدية، حيث نحيا في البر
والقداسة والنقاوة، بلا صراع، بلا جهاد، إذ ننال إكليل البر (2تى 4: 8) ولا تكون
خطية فيما بعد (لأن الأمور الأولى قد مضت) (رؤ 21: 4)

 

ولا يكون في الأبدية أى سلطان للشيطان ولا
أعوانه في محاربة المؤمنين، ولا أى ضعف فيهم يستسلم لأية حروب داخلية أو خارجية،
بل تنتهى الحرب تماماً.

 

إذن الخلاص من سلطان الخطية ليس خاصاً فقط،
بمعنى أننا نحياه الآن. إننا سنحياه أيضاً في المستقبل. لذلك نحن في صراعنا الحالى،
نترجى هذه الحالة الروحية السامية.

 

إن الذي ينكر الخلاص من بعض سلطان الخطية في
الماضى، إنما ينكر عقيدياً بعض مفاعيل المعمودية في تجديد الطبيعة.

 

حقاً إننا مانزال نحارب. ولكن مقاومتنا بعد
المعمودية أقوى بكثير من حالتنا قبلها.. ولذلك يقول بولس الرسول: (إن خلاصنا الآن
أقرب مما كان حين أمنا) (رو 13: 11)

 

كذلك الخلاص من سلطان الخطية، نلنا منه شيئاً في
الماضى، حينما دخلنا بالمعمودية في جدة الحياة، في نعمة التجديد، أعنى تجديد
الطبيعة، هذه التي قال عنها القديس بولس الرسول: عالمين هذا، أن إنساننا العتيق قد
صلب معه، ليبطل معه، ليبطل جسد الخطية، كى لا نعود نستعبد أيضا للخطية) (رو 6: 6،
4).

 

3 كذلك الخلاص الذي نترجاه، ذكرنا من قبل أن
حصره في الخلاص من قبل أن حصره في الخلاص من الجسد المادى، هو تحديد خاطئ..

 

4 إن القضايا اللاهوتية تحتاج إلى دقة كبيرة في
التعبير.

 

مجرد تغيير كلمة بكلمة، قد يؤدى إلى خطأ لاهوتى،
أو إلى بدعة. والتقيد في المسائل اللاهوتية بالتعبير السجعى، قد تكون له خطورة
كبيرة.

 

5 كذلك تعبير لحظة له أخطاؤه لاهوتياً ولغوياً.
ومن الصعب لغوياً أن نطلق كلمة لحظة على مرحلة!

 

كيف يمكن لإنسان أن يتحدث عن (مراحل) الخلاص،
فيقول إنها ثلاث مراحل: المرحلة الأولى منها لحظة، والمرحلة الأخيرة منها لحظة،
والمرحلة الأخيرة منها لحظة، والمرحلة الوسطى هى مسيرة العمر. والمراحل الثلاث
توضع تحت عنوان (الخلاص في لحظة)؟!

 

وفى هذه المراحل ينسى الكاتب كل الخطوات الطويلة
التي كانت ممهدة لها. فإن كانت المرحلة الأولى التي يسمونها التبرير تعتمد على
الإيمان، فهل يمكن تجاهل كل الخطوات التي أوصلت الإنسان إلى الإيمان، كخدمة الكلمة،
وعمل القلب، وصراع الروح للاستجابة.

 

وحتى المرحلة الأولى التي يقولون إنها خلاص
نلناه في لحظة، بالإيمان الواعى، والتوبة القلبية، وبالمعمودية، نسألهم فيها:

 

47- أية لحظة تقصدون؟!

أهى لحظة خاصة بالإيمان؟ أم بالتوبة؟ أم
بالمعمودية؟

لا المعمودية تتم في لحظة، ولا التوبة، ولا
الإيمان!

فكيف يمكن أن تشمل الكل معاً في لحظة؟!!!

 

6 بقى في النبذة موضوع خاص بمعمودية الأطفال.
تعليقنا عليه، في الفصل الخامس بالمعمودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار