بدع وهرطقات

الفصل الخامس



الفصل الخامس

الفصل الخامس

التحذيرات في رسالة كولوسي من المعلمين الكذبة

 

في الأقوال السابقة ومعظمها سرد من
رسالة رومية أي الرسالة التي تتكلم عن الإنجيل الكامل وموضوعها أن “الإنسان
يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس” (رو 3: 28) وقبلها أتينا بسرد من رسالة
غلاطية التي هي مكملة لرسالة رومية، وفيها يجاهد الرسول بولس مع الغلاطيين الذين
ظهر بينهم قوم يزعجونهم ويريدون أن يحولوا “انجيل المسيح” إلى انجيل آخر
مع أنه لا يوجد انجيل آخر (غلا 1: 7 – 9) ويقول لهم أنه ذهب إلى أورشليم آخذاً معه
تيطس (الغير مختتن) وعرض على الرسل والأخوة المشايخ الإنجيل الذي يكرز به بين
الأمم (أع 15) ويقول أيضاً للغلاطيين أنه لم يخضع ولا ساعة واحدة للأخوة الكذبة أو
المعلمين الكذبة “لكي يبقى عندهم حق الإنجيل” (غلا 2: 5).

 بالرغم من هذه الحقائق الثابتة
تاريخياًً في سفر الأعمال (ص 15) وثابتة تعليمياً في رسالتي رومية وغلاطية وغيرهما،
فإن المعلمين الكذبة لم يكفوا عن تعليمهم لذلك يعطى الرسول بولس في رسالة كولوسي
وهي الرسالة التي كتبت بعد رسالتي رومية وغلاطية والتي كتبها الرسول بولس من سجن
روما حوالي سنة 62م، يعطى تحذيرات من المعلمين الكذبة وكأنها تحذيرات أخيرة لكنائس
الأمم. فنجده في مقدمة الرسالة يذكر لهم أمجاد المسيح في الخليقة التي خلقها لأجل
مجده كما يذكر لهم أمجاده في الكنيسة باعتباره رأس الجسد. وأمجاده هذه هي بمثابة
ترياق لسموم المعلمين الكذبة. فكان عليهم أن يتذكروا دائماً أن المسيح هو
“الرجاء الموضوع لهم في السموات” (ص 1: 5) وأن يكونوا شاكرين باستمرار
لله الآب “الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور” لا يقول أنه مزمع
أن يؤهلنا لأن العمل قد تم. “الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت
ابن محبته” (ع 13). والمقصود بملكوت ابن محبته أي جميع ما حصل عليه المسيح نفسه
في السماء والأرض. الله أدخلنا إلى دائرة سلطان “ابن محبته” الذي صرنا
متحدين معه في موته وقيامته، كما سبقت الإشارة في رسالة رومية (ص 6: 5) أن الرب
يسوع هنا يقال عنه “ابن محبته” ويقابل هذا الاسم المجيد في رسالة أفسس
اسم “المحبوب” أن الله “أنعم علينا في المحبوب” وفي كلتا
الرسالتين وبعد هذين اللفظين مباشرة ترد العبارة “الذي فيه لنا الفداء بدمه
غفران الخطايا” أي أن صانع الفداء هو “المحبوب” أو “ابن
محبته” وليس هو أقل من ذلك. وبعد ذلك مباشرة يقول “الذي هو صورة الله
غير المنظورة”وسبق توضيح معنى صورة الله أي أنه هو الله الحقيقي”.

 والآن نتقدم لكي نرى ما يقوله
الروح القدس عن أمجاد المسيح في الخليقة وفي الفداء. فإن هذه الأمجاد مذكورة في
هذه الرسالة كمقدمة لما هو مزمع أن يقوله في مواجهة المعلمين الكذبة الذين أرادوا
أن يخدعوا المؤمنين في كولوسي. يقول في (ع 16) “فإنه فيه خلق الكل ما في
السموات وما في الأرض (أكبر الأشياء وأصغرها) الكل به وله قد خلق” أي أنه ليس
فقط خلق جميع الأشياء بكلمة قدرته بل أيضاً قد خلقها لأجل مجده. وبعد أن يتكلم عن
أمجاده في الخليقة الولى يتكلم عن أمجاده في الخليقة الجديدة المتعلقة بموته
وقيامته. وإن كان عمله في الأولى عظيماً، فإن عمله في الخليقة الجديدة أعظم بما لا
يقاس.

 ثم يقول في (ع 18) “وهو رأس
الجسد (أي) الكنيسة. الذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدماً في كل
شيء” أي أن خالق جميع الأشياء، صار بعد موته وقيامته رأساً للجسد (أي الكنيسة)
الذي هو “البداءة” يعنى رأس الخليقة الجديدة. هو الأول والآخر.

 ثم في (ع 19) “لأن فيه سر أن
يحل كل الملء” كما قيل عنه في (ص 2: 9) “فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت
جسدياً”. كان المسيح هو الله منذ الأزل ولما تجسد حل فيه كل ملء اللاهوت
(الآب والابن والروح القدس). لا يوجد استقلال بين أقانيم اللاهوت. فما ينسب للآب
ينسب للابن وينسب للروح القدس لكن الابن فقط هو الذي تجسد أي صار جسداً (يو 1: 14).
في أمر قيامته من بين الأموات. تارة تنسب القيامة للآب “أقيم بمجد الآب”
(رو 6: 4) وتارة تنسب القيامة للروح القدس (رو 8: 11) وتارة تنسب للابن. فالابن
أقام نفسه من الأموات، إذ قال لليهود “أنقضوا عن هيكل جسده. لقد مات بإرادته
كما قال “ليس أحد يأخذها مني (أي حياته) بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن
أضعها (أي بالموت) ولي سلطان أن آخذها أيضاً (بالقيامة) هذه الوصية قبلتها من
أبي” (يو 10: 18).

 إن الروح القدس الذي يمجد المسيح
(يو 16: 14) يعطى مقدمة مناسبة في هذه الرسالة لأن هناك مبادىء فاسدة أراد
المعلمون الكذبة أن يدخلوها في المسيحية من شأنها أن تحجب مجد المسيح ويتكلم عن
هذه المبادىء في (ص 2) وأساسها الفلسفة والتقليد (ع 8) ثم الفرائض الناموسية (ع
16) ثم تصورات وانتفاخ الذهن البشري الفاسد الذي لا تحكمه كلمة الله (ع 18) هذه
الأشياء الثلاثة كانت ولا زالت هي أسلحة الشيطان لإفساد الحق الإلهي. والآن دعنا
نتأملها في نور كلمة الله.

 أولاً: “انظروا أن لا يكون
أحد (أحد المعلمين الكذبة) يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل… وليس حسب المسيح”
(ع 8) إن الفلسفة هي السم الذي يضعه العدو في القدر. هي تعاليم سامة تقود الناس
للهلاك. والعلاج: وضع الدقيق (أي المسيح) في القدر (قارن 2 مل 4: 41) العلاج هو
المسيح وحده كما تعلنه كلمة الله. كما يقول في (ع 9) “فإنه فيه (في المسيح)
يحل كل ملء اللاهوت جسدياً”.

 ومن أمثلة الفلسفة ما تقوله
“مسز هوايت” نبية السبتيين في كتابها المسمى (يسوع وانتظار الإنسانية
صفحة 54) ما نصه كالآتي:

 “يقول البعض أن المسيح ما كان
ممكناً أن تغلبه التجربة. فلو صح هذا (أي أنها تكذب هذا) لكان المعنى عدم استطاعته
أن يشغل مركز آدم وينال النصرة في حين أن آدم قد سقط. والحق أن يسوع قد لبس
انسانيتنا في كل أخطارها وبذلك كان غرضه للانهزام أمام التجربة”.

 ألسنا نسمع همس الحية في هذه
الأقوال “يقول البعض” على مثال ما قالته الحية قديماً “أحقاً قال
الله” (تك 3: 1) وذلك بغرض التشكيك في ما يقوله البعض مع انه الصواب المؤسس
على كلمة الله التي تقول “أنه جرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. أما الضلالة
الثانية فهي تقول “والحق” أن يسوع كان عرضة للانهزام أمام التجربة إن ما
تقوله هذه النبية هو “الكذب” وليس الحق على مثال ما قالته الحية
“لن تموتا”. وقد سبق الرد على هذه الافتراءات فيما يختص بإنسانية يسوع
المسيح (راجع الرد الوارد في الفصل الثاني).

 ثانياً: “فلا يحكم عليكم أحد
(أحد المعلمين الكذبة) في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل
الأمور العتيدة وأما الجسد فللمسيح” (ع 16، 17).

 في هذه الرسالة نجد تحذيراً
للمسيحيين من أنهم يتمسكون بالضلال اليهودية “أكل أو شرب أو عيد أو هلال أو
سبت” التي هي ظل وليست أشياء حقيقية. فإن كان هذه الأشياء ظلاً فما هي
الحقيقية التي تبنى عنها هذه الظلال؟ الإجابة: وأما الجسد (أو الجسم) جسم الحقيقة فللمسيح
أو “أما الحقيقة فالمسيح
is of christ” أي نحن المسيحيين نمتلك حقيقة وجسم البركات التي لم يكن
لإسرائيل قديماً سوى ظلها.

المسيح أعطى نورا وتفسيراً لهذه
الظلال والروح القدس أعطى إيضاحاً عنها. هذه الأشياء عند معرفتها نجدها تلفت
الأنظار على المسيح. لأن من هو المسيحي؟ الإجابة: هو الذي وجد أن المسيح هو كل شيء.

 كما أن الرسالة إلى العبرانيين
التي كتبت لليهود الذين آمنوا بالمسيح وكثيرون منهم كانوا غيورين للناموس (قارن
أعمال 21: 20) هي أيضاً تحذير لهم من الرجوع على الظلال الناموسية. نجده يقول لهم
“لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء…”
(عبرانيين 10: 1) وظل الخيرات العتيدة هنا هو ظل الأمور العتيدة في رسالة كولوسي
لا نفس صورة الأشياء أي لا نفس حقيقة الأشياء.

 ربما يسأل سائل: لماذا هذا النزاع
الطويل بخصوص هذه الأشياء؟ هذا النزاع بدأ في كنيسة أنطاكية (التي دُعى فيها
التلاميذ مسيحيين أولاً) بدأ لأن معلمين كذبة كانوا قادمين من اليهودية جعلوا
يعلمون الأخوة “أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا”
(أعمال 15: 1) لذا حدث نزاع بينهم من جهة وبولس وبرنابا من جهة أخرى. ومع أن هذا
الموضوع صار البت فيه في مجمع أورشليم (أع 15). لكن بالأسف فإن تعليم المعلمين
الكذبة انتشر جداً خصوصاً في كنائس غلاطية كما سبقت الإشارة. وذلك بسبب ميل
الإنسان الطبيعي للأمور التي تلّذ للجسد ولأنه “لا يقبل ما لروح الله”
(1كو 2: 14) وبسبب أن الأشخاص الروحانيين قليلون جداً وأصواتهم وسط ضجيج الأشخاص
الجسديين الذين أصواتهم نحاس يطن وصنج يرن وطبول جوفاء تعطي أصواتاً عالية.

 فالشخص الجسدي يتمسك بالختان
الحرفي أما الشخص الروحي فيعرف معناه في نور العهد الجديد. هو رمز لخلع جسم
البشرية (كو 2: 11) بالنسبة للذين قبلوا صليب المسيح. الصليب يثبت عدم صلاحيتنا
لشيء ويقودنا لنزع ثقتنا من أنفسنا على مثال نزع الغرلة من الجسد. ومعنى الختان
كما سبق في (فيلبي 3: 3) هو أن المؤمنين لسان حالهم

“نحن الختان الذين نعبد الله
وبروح الله ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد”.

 إن الرسول كلّم العبرانيين الذين
كانوا غيورين للناموس قائلاً لهم في (عب 10: 1) “لأن الناموس إذ له ظل
الخيرات العتيدة، لا نفس صورة الأشياء (أي الظل وليس الحقيقة) لا يقدر أبداً بنفس
الذبائح… أن يكمل الذين يتقدمون (يسجدون) “.

 سبق الكلام في (رومية 7) أن المؤمن
مات للناموس وصار مقترناً بالذي أقيم من الأموات (المسيح) أي مات لكل فرائض
الناموس. وفي رسالة كولوسي يقول للمؤمنين ” إن كنتم قد متم مع المسيح عن
أركان العالم (أي الناموس بفرائضه) فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم
فرائض ” (ع 20) إن الناموس لا يتكلم عن السماء والسماويات إطلاقاً ولكن يكلم
الذين هم تحته عن الأرض والأرضيات في شرائعه وطقوسه ومواعيده. وإذ يقول الرسول
” فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض ” أي أن الفرائض لا
تتفق والمسيحية.

والآن نأتي إلى تفصيلات (ع 16):

(أ) أكل أو شرب (ب) عيد أو هلال (ج)
أو سبت

 

(أ) أكل أو شرب

 أي موضوع الأطعمة، وهو خاص
بالأطعمة الطاهرة والنجسة. طبقاً للناموس توجد أطعمة طاهرة وتوجد أطعمة نجسة
(لاويين 11، تث 14) فالحيوان الطاهر الذي يؤكل لحمه هو الذي يجمع بين الصفتين: يجتر
ويشق الظلف. وهو في ذلك رمز للمؤمن الذي يجتر على كلمة الله ويلهج في كلمة الله
باستمرار وتسكن فيه كلمة المسيح بغنى ويقرن درس كلمة الله بالصلاة (الله يسمع صوت
المؤمن في الصلاة والمؤمن يسمع صوت الله في الكلمة) وتظهر ثمرة دراسة كلمة الله في
سلوكه العملي. وهذا هو المعنى المقصود بشق الظلف أي يسير طبقاً لكلمة الله. ولابد من
الشرطين. فإذا وجدنا شخصاً يدقق في السلوك، وفي البر الذي بالناموس بلا لوم إلاّ
أنه سلوكه ليس نتيجة غذاء نفسه بكلمة وعمل الروح القدس، فإن تدقيقة في السلوك لا
يفيد شيئاً، كما أن الخنزير يشق الظلف لكنه لا يجتر فهو نجس. ومثال لذلك شاول
الطرسوسي قبل إيمانه بالمسيح لم يكن سالكاً بالنعمة أي نتيجة عمل نعمة الله بالروح
القدس ويقول عن نفسه أنه قبل إيمانه “من جهة البر الذي في الناموس بلا
لوم” (في 3: 6) وهذا يختلف تماماً عن السلوك المسيحي بالنور في المحبة (أفسس
5: 1، 2، 8).

 وكذلك الأسماك، ماله زعانف وحرشف
فهو السمك الطاهر الذي يؤكل: لا بدمن الصفتين. والمقصود بالزعانف هو للمساعدة في
سرعة الهروب من الأعداء والمؤمن شخص يهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة (2 بط
1: 4) وكما قيل عن يوسف أنه “ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارج” (تك 39: 4).
وأما الحرشف فهو سلاح الدفاع ويقول الرسول في (أفسس 6) “من أجل ذلك احملوا
سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير… حاملين فوق الكل ترس
الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة” (أف 6: 13 –
19).

 وبصفة عامة فإن العهد الأول أي عهد
الناموس “كانت له فرائض خدمة” (عبرانيين 9: 1) قائمة بأطعمة وأشربة…
وفرائض جسدية فقط موضوعة إلى وقت الإصلاح (أي إلى مجيء المسيح)… (عب 9: 9 – 11)
ولا يجوز أن تستمر بعد مجيء المسيح. هذا هو المعنى الروحي المقصود “لا يحكم
عليكم أحد في أكل أو شرب” “لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً. بل هو بر
وسلام وفرح في الروح القدس” (رو 14: 17) ولكن بالأسف فإن السبتيين وهم كما
سبق وذكرنا أنهم تحولوا عن المسيحية إلى اليهودية (الفصل الرابع) فإنهم ميزوا بين
أطعمة وأطعمة، واعتبروا بعض الأطعمة نجسة مثل لحم الخنزير وكل اللحوم غير الطاهرة
بحسب شريعة موسى وزادوا على ذلك بعض المشروبات مثل الشاي والقهوة (كتاب قاعدة
الكنيسة صفحة 80). أما كلمة الله في العهد الجديد فتعتبر ذلك تعاليم متنوعة وغريبة
كما قال الرسول للعبرانيين محذراً لهم من الارتداد إلى العبادة الناموسية والرجوع
للظلال. إذ كتب لهم قائلاً “لا تساقوا (بواسطة المعلمين الذين يريدون تهويد
المسيحية بتعاليم متنوعة وغريبة) لأنه حسن أن يثبت القلب بالنعمة لا بأطعمة لم
ينتفع بها الذين تعاطوها” (عب 13: 9). فلا يوجد شيء يثبت قلوب المؤمنين أمام
الله إلا معرفة نعمته الظاهرة بالمسيح.

 

(ب) عيد أو هلال

 قال موسى وهرون لفرعون مرة
“هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعيدوا لي في البرية” (خروج 5: 1) ومرة أخرى
قال موسى لفرعون “هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني” (خروج 8: 20) ومن
هنا نفهم أن الأعياد تعبّر عن العبادة المقترنة بالفرح. وفي سفر اللاويين أي سفر
السجود الروحي يعطي لنا سبعة أعياد في إصحاح (23) وهي التي أمر بها الرب شعبه
قديماً أن يحفظوها في أرض كنعان. وفي تلك الأعياد نرى صورة كاملة لطرق ومعاملات
الله مع الإنسان بداية من موت المسيح على الصليب (وهو الأساس لكل بركة) إلى أن نصل
إلى الأبدية السعيدة أو راحة الله. إنها تحدثنا عن مشورات نعمته على مدى الأجيال.
في الأعياد نرى مشورات نعمته من نحو الكنيسة بداية من موت المسيح حتى اختطاف
الكنيسة للسماء ثم مشورات نعمته من نحو شعبه القديم (إسرائيل) بعد اختطاف الكنيسة
حتى آخر العصر الألفي ثم مقاصد نعمته في الراحة الأبدية.

 الأعياد السبعة في (لاويين 23) وهي
مرتبة في قسمين أربعة ثم ثلاثة، هذه الأعياد وهي ظلال نبوية للأمور العتيدة
(كولوسي 2: 17) أو البركات العتيدة تأتي مرتبة كما يلي:

القسم الأول:

 1- عيد الفصح ثم 2- عيد الفطير
ويرتبطان معاً (لاويين 23: 4 – 8)

 3- عيد الباكورة ثم 4- عيد الخمسين
ويرتبطان معاً (لاويين 23: 9 – 22).

 هذه الأعياد الأربعة تأتي في الشهر
الأول والثالث من السنة المقدسة (العبرية) وهي رموز نبوية خاصة بالمسيحية وقد تمت
دلالتها بكل دقة. ولم نزل للآن في الفترة التي أعقبت يوم الخمسين إذ يكرز بالإنجيل.
انجيل نعمة الله إلى أن يجيء الرب لاختطاف الكنيسة ثم الأعياد الثلاثة الباقية وهي
رموز نبوية خاصة بالأمة الإسرائيلية وسيبدأ الرب في التعامل مع بقية من الأمة
الإسرائيلية بعد اختطاف الكنيسة ولا بد أن تتم زهي كما يلي:

القسم الثاني:

 5- عيد الأبواق في أول الشهر
السابع (لاويين 23: 23 – 25).

 6- عيد الكفارة في اليوم العاشر من
الشهر السابع (لاويين 23: 26 – 32).

 7- عيد المظال في الخامس عشر من
الشهر السابع (لاويين 23: 33 – 36).

القسم الأول:

 (1)، (2) عيد الفصح وعيد الفطير
(لا 23: 4
– 8).

 وهما مرتبطان معاً ولا يوجد فاصل
بينهما لأننا في الفصح نرى الفداء بالدم وفي الفطير نرى قداسة حياة المفديين
المترتبة على المركز الجديد الذي أصبحوا فيه ويذكرهما لوقا في انجيله بقوله
“وقرب عيد الفطير الذي يقال له الفصح” (ص 22: 1) فالفصح رمز لبركة
المؤمنين المسيحيين والتي يقول عنها بولس للكورنثيين “لأن فصحنا أيضاً المسيح
قد ذبح لأجلنا، إذاً لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير
الإخلاص والحق” (1 كو 5: 7، 8). وكان على الشعب أن يصنع الفصح في أرض مصر قبل
أن يسيروا خطوة وحدة وراء الرب الذي يقودهم في البرية نحو أرض الموعد. والمؤمنون
الذين آمنوا بالرب يسوع هم الذين تيقنوا فداءهم ويتبعون الرب في عالم رافض للمسيح
لذا أصبح العالم بالنسبة لهم برية. الفصح رمز للمسيح في موته. وقد مات المسيح
فعلاً في ذات يوم الفصح كما قال له المجد لتلاميذه “تعلمون أنه بعد يومين
يكون الفصح وابن الإنسان يسلم ليصلب” (مت 26: 2) وذلك طبقاً لمشورة الله
المحتومة وعلمه السابق. المؤمنون بالمسيح تيقنوا أن المسيح هو فصحهم وبفضل ذبيحته
عبرت الدينونة عنهم (الفصح معناه عبور) والذين تيقنوا ذلك تصبح حياتهم عيد فطير أي
حياة خالية من الشر والخبث كما أن الفطير ليس به خمير. وعيد الفطير ابتدأ حالاً من
العشية التي هي بداية اليوم الخامس عشر. لم يكن هناك فاصل بين الفصح وعيد الفطير
الذي هو رمز سلوك المؤمنين. ليس هناك فاصل بين خلاص النفس ودخولها في الحياة
المقدسة والسلوك الخالي من خمير الشر. والسبعة الأيام تشير إلى سلوك حياة المؤمنين
كلها بعد الإيمان.

 (3) أما عيد الباكورة أو حزمة
الترديد وهي حزمة أول الحصيد فتردد في غد السبت (لاويين 23: 11) أي يوم الأحد. وهي
رمز قيامة المسيح من الأموات يوم الأحد كما جاء في (1 كو 15: 20) “ولكن الآن
قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين”.

 (4) وبعد عيد الباكورة بسبعة أسابيع
يأتي يوم الخمسين. وعيد الباكورة وعيد الخمسين مرتبطان معاً وإن كان يفصل بينهما
سبعة أسابيع. ففي الباكورة نرى قيامة المسيح وفي الخمسين نرى تكوين الكنيسة التي
هي جسد المسيح. والمسيح مات في ذات يوم الفصح وقام يوم الأحد الذي يلي الفصح كما
أن حزمة الباكورة كانت تردد يوم الأحد بعد الفصح. والكنيسة تكونت يوم نزول الروح
القدس في يوم الخمسين بعد ترديد حزمة الباكورة وكان ذلك في غد السبت السابع أي يوم
الأحد.

 كان نزول الروح القدس متوقفاً على
قيامة الرب يسوع وتمجيده كما نقرأ في (يو 7: 39) “لأن الروح القدس لم يكن قد
أعطى بعد لأن يسوع لم يكد قد مجد بعد.

 في هذه الأعياد الربعة نرى رموزاً
تخص المسيحية وقد تحققت فعلاً. إن عيد الخمسين كان يقع في الشهر الثالث وبعد ذلك
لا توجد أعياد من الشهر الثالث حتى نصل إلى الشهر السابع. وفي الشهر السابع تأتي
ثلاثة أعياد تنبيء عن بركات خاصة بالبقية الإسرائيلية التي حسب اختيار النعمة (رو
11: 5). لكن قبل أن نتأمل في الأعياد الثلاثة وما تدل عليه نبوياً عن رجوع اسرائيل
وتوبتهم في الأيام الأخيرة بعد اختطاف الكنيسة، نرجو أن نتأمل أولاً باختصار شديد
في معاملات الله مع شعبه القديم.

 

معاملات الله مع الأمة الإسرائيلية

 نقرأ في سفر أشعياء النبي (ص 6)
أنه عندما رأى النبي مجد الرب في هيكل أورشليم في سنة وفاة عزّيا الملك، أعلن له
الرب حكمه القضائي على الشعب “أعمى عيونهم وأغلظ (قسّى) قلوبهم بسبب عدم
إيمانهم بالرب يسوع. هذا ما نفهمه من انجيل يوحنا (ص 12: 37 – 41) لكنه أعلن أيضاً
للنبي تلك الكلمة التي تدل على أن الرب سيظل أميناً لوعده ومواعيده للآباء
(ابراهيم واسحق ويعقوب) “ويرجعوا فأشفيهم” فهو يجرح ويعصب. يجرح عندما
تهان قداسته. لكنه في نعمته يعصب ويشفى التائبين الراجعين له. لقد تنبأ الأنبياء
عن رجوعهم وشفائهم. ولا بد أن يتم المكتوب. في كل مرة يتكلم الكتاب عن ضربة العمى
القضائي وقساوة قلوبهم يتكلم أيضاً عن رجوعهم وشفائهم لئلا يظن الناس أن الله قد
رفض اسرائيل نهائياً وحاشا له أن يفعل ذلك بسبب مواعيده للآباء ولأنه أمين صادق في
مواعيده.

 نقرأ عن قساوتهم ورجوعهم في
(أشعياء 6: 10) أن النبي الذي يعرف نعمة الرب لم يقل عبثاً “إلى متى أيها
السيد الرب؟” ومضمون إجابة لرب على سؤاله إن البطمة التي قطعت سوف يفرخ في
النهاية. ولو قطعت البطمة والبلوطة تبقى الساق. ولو قطعت الأمة تبقى بقية
“بقية سترجع” وهذا هو معنى اسم ابن النبي “شآريا شوب” معنى
الاسم “بقية سترجع” إن اسمى ابني النبي إشعياء كانا لأجل آيات وعجائب في
اسرائيل (إشعياء 8: 18) أي إن أسماءهم كانت نبوية.

 ولضيق هذا الحيز أرجو القارىء أن
يرجع إلى كتابه المقدس لكي يقرأ ما جاء في العهد القديم والعهد الجديد عن
“يرجعوا فأشفيهم”. إن هوشع تنبأ عن رجوعهم وشفائهم قائلاً بلغة البقية
التائبة الراجعة للرب “هلمّ نرجع إلى الرب لأنه هو افترس فيشفينا. ضرب
فيجبرنا. يحيينا بعد يومين في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه” (هوشع 6: 1،
2). اقرأ أيضاً (متى 13: 15) وكذلك (يوحنا 12: 40) أيضاً (أعمال 28: 27).

 والرجوع معناه التوبة بالإيمان
نظير قول الابن الضال “أقوم وأرجع إلى أبي وأقول له أخطأت” (لوقا 15)
لأن التوبة والإيمان لا يفترقان ونقرأ عن توبتهم وإيمانهم في مواضع كثيرة في العهد
القديم. في (إرميا 31: 8) يتكلم عن توبة الأسباط العشرة والذين يقال عنهم أنهم
مفقودون. لكن مبدد اسرائيل لا بد أن يجمعه (إرميا 31: 10) “سمعاً سمعت إفرايم
ينتحب (يبكي بمرارة) أدبتني فتأدبت – توبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي. لأني بعد
رجوعي ندمت…” وعلى أثر توبتهم وإيمانهم بالرب يسوع سيقطع مع بيت اسرائيل
(الأسباط العشرة) ومع بيت يهوذا (يهوذا وبنيامين) عهداً جديداً ليس كالعهد الذي
قطعه مع آبائهم (إرميا 31: 31، عبرانيين 8: 7 – 13).

 ونقرأ عن توبتهم وبكائهم في (زكريا
12: 10، 11) “وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات
فينظرون إليّ الذي طعنة وينوحون عليه…”

 كما نرى توبتهم في (إشعياء 53)
معترفين بخطيتهم أنهم كانوا ينظرون إلى الرب يسوع عندما جاءهم متضعاً في أيام جسده،
كمن لا صورة له ولا جمال ولا منظر فيشتهوه. محتقر ومخذول من الناس… وكمستر عنه
وجوههم (كأن برقعاً كان موضوعاً على وجوههم وقلوبهم) محتقر فلم يعتدوا به. لكن
سيعترفون أنه كان مجروحاً لأجل معاصيهم مسحوقاً لأجل آثامهم.

 كما تنبأ هوشع قائلاً بلغة البقية
الراجعة التائبة “هلم نرجع إلى الرب” (ص 6: 1) كما تنبأ أيضاً قائلاً
“لأن بني اسرائيل سيقعدون أياماً كثيرة بلا ملك ولا رئيس ولا ذبيحة ولا تمثال…
(كما هو حادث في الوقت الحاضر) فالآن لا توجد عبادة حقيقية عند اليهود: لأنه لا
يوجد مذبح ولا ذبيحة تقدم على المذبح. كما لا توجد عبادة وثنية. لقد هدم الهيكل
سنة 70 ميلادية وأخربت المدينة وقضى الله عليهم بالتشتيت ومنذ ذلك الوقت تعطلت
عبادتهم وهذا ما أنبأ به النبي هوشع “يقعدون أياماً كثيرة… أكثر من (2000)
سنة بلا ملك ولا رئيس ولا ذبيحة ولا تمثال وثني”.

 لأن روح العبادة الوثنية قد فارقهم
منذ السبي البابلي لكنه سوف يرجع إليهم بأبشع صورة كما أنبأ عن ذلك الرب يسوع نفسه
في (متى 12) فمع وجود الرب يسوع وسطهم وهو أعظم من الهيكل (متى 12: 6) وأعظم من
يونان وأعظم من سليمان (متى 12: 41، 42) فإنهم جدفوا عليه وجدفوا على الروح القدس
وقالوا عن الرب يسوع أنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين لذلك يقول لهم
“إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا
يجد. ثم يقول أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه. فيأتي ويجده فارغاً مكنوساً مزيناً (أي
مهيأ لساكن). ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أخر أشر منه فتدخل أيضاً لهذا الجيل
الشرير” (متى 12: 43 – 45) ويقصد بالجيل الشرير الأمة اليهودية التي رفضت
المسيح ولا زالت رافضة له. ومغزى كلام الرب يسوع أن روح عبادة الأوثان فارقهم منذ
السبي البابلي سوف يرجع إليهم أردأ.

 فكما نرى في الوقت الحاضر بداية
تجمعهم في أرض فلسطين لكن سوف يظهر بينهم شخصية رهيبة يدعوه الرسول بولس في رسالة
تسالونيكي الثانية (2: 3) “إنسان الخطية” و”ابن الهلاك”
ويدعوه يوحنا في رسالته الأولى “ضد المسيح” (1 يو 2: 18، 22) كما يدعى
في سفر الرؤيا “النبي الكذاب” و”الوحش الطالع من الأرض” وهو
حليف الإمبراطور الروماني الغربي الذي هو “الوحش الطالع من البحر” (رؤيا
ص 13).

 والنبي الكذاب شخصية يهودية ويصنع
آيات عظيمة حتى أنه يجعل ناراً تنزل من السماء على الأرض قدام الناس. ويضل
الساكنين على الأرض بالآيات التي أعطي أن يصنعها… (رؤيا 13: 12 – 18) وكلاهما أي
الرئيس اليهودي والرئيس الغربي سوف يطرحان حيين في بحيرة النار المتقدة بالكبريت
(رؤيا 19: 20).

 

الضيقة العظيمة

 حدثت ضيقات كثيرة وشديدة في تاريخ
الأمة اليهودية مثل الضيقة التي حدثت في أيام أنطيوخوس أبيفانوس ملك سوريا في
الفترة من (168 ق.م إلى 165 ق.م) وسبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلام عن ال 2300
صباح ومساء في الفصل الأول.

 كما حدثت ضيقة مريرة وشديدة في
حصار أورشليم على يد تيطس الروماني إذ لاقى اليهود المحاصرون أشد الأهوال وقد سجل
يوسيفوس المؤرخ اليهودي أهوال هذا الحصار وأخيراً انتصر الرومان وهدموا الأسوار
والهيكل والمدينة وكان ذلك سنة 70 ميلادية.

 لكن كل الضيقات التي صادفت اليهود
ليست شيئاً إزاء الضيقة العظيمة التي لم تأت والتي تنبأ عنها الأنبياء.

 ونجد ذكراً صريحاً لهذه الضيقة في
سفر إرميا (ص 30: 6، 7) ويسميها ضيقة يعقوب – لأنها تقع بصفة خاصة على الشعب
اليهودي كما أشار إليها دانيال النبي عندما ذكر في أواخر سفره عن حروب وقت النهاية
(ص 11: 36 – 45) أنه في ذلك الوقت (وقت النهاية المقضى بها على شعب دانيال) يقوم
ميخائيل الرئيس الملائكي القائم لمعونة البقية الصغيرة التقية من الشعب اليهودي
لكي يحفظها في زمان الضيق من اضطهاد رئيس الأمة (النبي الكذاب) الذي تنقاد وراءه
أغلبية الأمة غير المؤمنة. وأشار دانيال النبي في (ص 12: 1) قائلاً بأنه سيكون
زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت.

 كما أشار الرب يسوع إلى هذه الضيقة
عينها في متى 24: 20 – 22 بقوله “لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ
ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد ولكن لأجل
المختارين تقصر تلك الأيام.

 نعم إن الرب سوف يقصرها إذ جعلها
مدة محددة يقول عنها أنها ثلاث سنين ونصف (النصف الخير من الأسبوع الأخير من
أسابيع دانيال السبعين) كما يقول عنها أنها 42 شهراً أو1260 يوماً (رؤيا 11: 2، 3)،
(رؤ 12: 6؛ 13: 5).

 وسوف يستخدم الرب هذه الضيقة
لتنبيه أذهان البقية الصغيرة من الأمة اليهودية الذين سوف يرجعون تائبين للرب يسوع
نظير إخوة يوسف الذين ألزمتهم المجاعة أن يذهبوا إلى مصر ليشتروا قمحاً لمجاعتهم
فوقفوا أمام يوسف وجهاً لوجه – وذلك بعد 22 سنة منذ أن طرحوا يوسف أخاهم في البئر
ثم باعوه للمدنيين عبداً. بعد هذه المدة الطويلة تذكروا فعلتهم وقالوا بعضهم لبعض
“حقاً إننا مذنبون إلى أخينا الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع
لذلك جاءت علينا هذه الضيقة” (تكوين 42: 21).

 هذه الضيقة هي أشد ضيقة في تاريخ
البشرية وفي بدايتها يطرح الشيطان من السماء لذا يقال “ويل لساكني الأرض والبحر
لأن ابليس نزل إليكم وبع غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً” (رؤيا 12: 12)
– زمناً مدته 42 شهراً وبعد ذلك يقيّد ويطرح في الهاوية طول مدة الملك الألفي
(رؤيا 20: 1 – 3).

 كما أنه في نهاية ال 42 شهراً
سيقبض على الوحش (الإمبراطور الروماني) أي الوحش الأول الطالع من البحر (رؤيا 13: 1)
كما سيقبض على النبي الكذاب أي الوحش الثاني الطالع من الأرض (رؤيا 13: 11) وهو
الذي كان يصنع الآيات قدام الوحش الأول ويطرح الاثنان حيين إلى بحيرة النار (رؤيا
19: 11 – 20).

 بعد ذلك تأتي دينونة الأحياء على
الأرض المذكورة في (متى 25) (راجع دينونة الأحياء – الفصل السابع).

 والفترة اللازمة لتطهير الأرض من
الأشرار وفعلة الإثم تستغرق 75 يوماً كما أنبأ دانيال النبي بذلك أي بعد الثلاث
سنين ونصف – بعدها يأتي الملك الألفي السعيد. كما قال دانيال “طوبى لمن ينتظر
ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً (دانيال 12: 12) أي يبلغ إلى
العصر السعيد ويصبح من رعايا الملك العظيم.

 

الملك الألفي السعيد

 القاعدة العامة في الكتاب المقدس
أنه ليس عند الله محاباة. إن الله ليس لليهود بل للأمم أيضاً كما يقول بولس
“أم الله لليهود فقط؟ أليس للأمم أيضاً؟ بلى (نعم) إنه للأمم أيضاً”
(رومية 3: 29).

 وهذا ما برهن عليه صليب المسيح: عندما
اجتمع اليهود والمم معاً لصلب الرب يسوع المسيح. بعد قيامة المسيح من الأموات
وحلول الروح القدس على المؤمنين به وقع اضطهاد على الرسل لكنهم “رفعوا بنفس
واحدة صوتاً إلى الله قائلين… لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي
مسحته، هيرودس وبيلاطس النبطي مع أمم وشعوب اسرائيل…” (أعمال 4: 23 – 31) –
الجميع في الشر سواء – والجميع أمام النعمة سواء ولا فرق كما قيل في

الرسالة “لأنه لا فرق بين
اليهودي واليوناني لأن رباً واحداً للجميع الذين يدعون بع. لأن كل من يدعو باسم
الرب يخلص” (رومية 10: 12، 13).

 وكما تكونت الكنيسة في بدايتها من
عنصرين: يهود وأمم هكذا سيكون الملك الألفي السعيد: سيكون الرعايا من العنصرين
اليهود والأمم لأنه ليس عند الله محاباة.

 وهذا ما نراه في سفر الرؤيا (ص 7)
من اليهود 144000 مختوم ويعطى التفاصيل من كل سبط 12000 مختوم (رؤ 7: 1 – 8)، ومن
الأمم من جميع الأجناس كما قيل “جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده من كل الأمم
والقبائل والشعوب والألسنة…” ويقول عنهم “إن هؤلاء أتوا من الضيق5ة
العظيمة….. والجالس على العرش يحل فوقهم لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع
عليهم الشمس ولا شيء من الحر… الخ” (رؤيا 7: 9 – 17).

 أي أن رعايا الملكوت الألفي السعيد
هم البقية الصغيرة اليهودية التي تنبأ عنها إشعياء النبي (إشعياء 1: 9؛ رومية 9: 29)
الذين قيل عنهم أنهم ال 144000 مختوم والجمع الكثير من الأمم غير المسيحية الذين
آمنوا بالمسيح بعد اختطاف الكنيسة. لكن السبتيين الأدفنتست يعتبرون أنفسهم أنهم هم
فقط المقصودون ب ال 144000 مختوم من أسباط اسرائيل الاثني عشر. وأنه لا نصيب لأحد
سواهم – هذا ما يقولونه صراحة في كتابهم (مأساة العصور صفحة 689، 690) حيث يقولون
“أن المقصود بذلك هم السبتيون الأدفنتست فقط دون غيرهم من الطوائف المسيحية
الأخرى وأن السبت هو ختم الله للسبتين أما باقي الطوائف المسيحية التي تقدس يوم
الأحد، فالأحد هو سمة الوحش”.

 إنهم يرون أنفسهم فقط دون غيرهم من
البشر. لكن الكتاب المقدس لا يعطى فرصة للإنسان للافتخار بل يقول “أما من
افتخر فليفتخر بالرب. لأنه ليس من مدح نفسه هو المزكى بل من يمدحه الرب” (2
كو 10: 17، 18).

 إن الرسول بولس وهو من أفضل
القديسين في التاريخ البشري يقول عن نفسه “بل لست أحكم في نفسي أيضاً. فإني
لست أشعر بشيء في ذاتي. لكنني لست بذلك مبرراً ولكن الذي يحكم فيّ هو الرب…”
(1 كو 4: 3، 4).

 وقال الرب يسوع عن الفريسيين…
“وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين هذا المثل… أقول
لكم إن هذا (العشار) نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك (الفريسي). لأن كل من يرفع نفسه يتضع
ومن يضع نفسه يرتفع” (لوقا 18: 9 – 14).

 بل إن الرب يسوع يقول “كذلك
أنتم أيضاً متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا “عبيد بطالون
unprofitable” أي غير نافعين لأننا إنما عملنا ما كان
يجب علينا”.

 إن موسى النبي لما نزل من الجبل
كان وجهه يلمع بمجد وجميع الشعب رأى المجد الساطع على وجه موسى ما عدا موسى نفسه.
هو وحده الذي لم يكن يعلم (خروج 34: 29) إن المجد المعطى من الله لا نراه نحن في
أنفسنا ولكن يراه الآخرون لكن هامان لا يرى إلا ذاته فقط “فقال هامان في قلبه
من يسر الملك بأن يكرمه أكثر مني” (أستير 6: 6).

 هذه هي صفة الذين يتبررون بالناموس
والسبب لأنهم لم يعرفوا نعمة ربنا يسوع المسيح النعمة التي لا تعطى فرصة للإنسان
للافتخار “ولكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه” (1 كو 1: 29).

 إن الملك الألفي هو تدبير جديد
يختلف عن التدبير المسيحي في الوقت الحاضر – سوف يكون عصراً سعيداً لرعايا الملك
لأن الشيطان سيكون في سجن الهاوية (رؤيا 20: 1 – 3) والخليقة التي بهن الآن سوف
تعتق من عبودية الفساد (رومية 8: 19 – 22) والحيوانات المتوحشة تتغير طبيعتها
الوحشية وتصبح كما كانت قبل السقوط: الأسد يأكل التبن كالبقر (إشعياء 11: 6، 7).

 هذا العصر تحددت مدته في رؤيا 20: 4
– بألف سنة وستكون القيامة الأولى التي تتضمن اختطاف المؤمنين الأحياء على الأرض
(1 تس 4: 13 – 17) قبل أن يبدأ الملك الألفي وبعد القيامة الأولى تبدأ حوادث
الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال – الحوادث المدونة في سفر الرؤيا (ص 6 – ص 19).

 بعد أن تنتهي الألف سنة تكون
دينونة الأموات الأشرار أمام العرش العظيم الأبيض حيث يدانون بحسب أعمالهم (رؤيا
20: 11 – 15).

 قبل إقامة الملك الألفي “قبض
على الوحش الأول الطالع من البحر” والنبي الكذاب (وهو الوحش الثاني الطالع من
الأرض) معه الصانع قدامه الآيات التي بها أضل الذين قبلوا سمة الوحش والذين سجدوا
لصورته وطرح الاثنان حيين إلى بحيرة النار” (رؤ 19: 20) وفي نهاية الملك
الألفي سيطرح إبليس في بحيرة النار والكبريت “حيث الوحش والنبي الكذاب”
(رؤ 20: 10).

 بعد ذلك مباشرة يقول “ثم رأيت
سماء جديدة فيما بعد” (رؤ 21: 1) وهنا نجد وصف الحالة الأبدية (ص 21: 1 – 8)
المزمور إليها باليوم الثامن بعد عيد المظال الذي استمر سبعة أيام والسبعة الأيام
هي رمز الملك الألفي. فاليوم الثامن هو السبت الأبدي، يوم راحة الله التي قال عنها
الرسول في الرسالة للعبرانيين “إذاً بقيت راحة لشعب الله” (عب 4: 9).

 There remains then a Sabbatism
to the people of God
وكلمة راحة هنا تسمى Sabbatism أي حفظ سبت. ويسميها الله له المجد “راحتي” وهذا يأتي
بنا إلى راحة السبت.

 

(ج) السبت

 “فلا يحكم عليكم أحد (أحد
المعلمين الكذبة) في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور
العتيدة وأما الجسد (أي جسم الحقيقة) فللمسيح أو فالمسيح “
is of Christ” (كولوسي 2: 16، 17) وقد تأملنا فيما
يختص بالأكل والشرب والعيد والهلال وبقي أن نتأمل في السبت باعتباره ظلاً للأمور
أو البركات العتيدة.

 المقصود بالسبت بحسب فكر الله هو
راحة الله نفسه في الأبدية، الراحة التي يدخلها المؤمنون. وهذا واضح من الرسالة
للعبرانيين “لأننا نحن المؤمنون ندخل الراحة” (ع 3) أي راحة الله. أما
عن غير المؤمنون فيقول الله “أقسمت في غضبي لن يدخلوا راحتي” ويقول في
(ع 9) “إذاً بقيت راحة (أو حفظ سبت “
Sabbatism“) لشعب الله” أما عن غير المؤمنين
فقد ذكر عنهم “يصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين ولا تكون راحة نهاراً وليلاً…”
(رؤيا 14: 11) ويشير الرسول في عب 4: 4) أن الأقوال الواردة في (تك 2: 2)
“وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع وقدسه
لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً”. إن في هذه الأقوال
إشارة واضحة إلى راحة الله الأبدية. ويقصد أن يقول أن فكرة الراحة كانت في قلب
الله من قبل دخول الخطية بعد الأعمال التي تمت بخلق آدم ووضعه على رأس الخليقة.

 في خليقة الأيام الستة، في كل يوم
كان يقول “وكان مساء وكان صباح يوماً واحد… وهكذا إلى اليوم السادس ثم بعد
خلق آدم في اليوم السادس قال وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً” (ص 1: 31) ثم
فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع… وبارك الله
اليوم السابع” (تك 2: 2، 3) لكنه لا يقول وكان مساء… فهو يوم “
day” أو بالحري نهار لا يعقبه مساء لأن الله
قصد أن يكون اليوم السابع ظلاً للنهار الأبدي أو البركة العتيدة التي تكلم عنها
الرسول في (عب 4) كما أشرنا. نعم فإن السبت ظل للأمور العتيدة (كولوسي 2: 16، 17).

 إن مقاصد الله الأخيرة المجيدة
معلنة في بداية سفر التكوين “معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله”
(أعمال 15: 18). أول عدد في الإصحاح الأول من سفر التكوين هو “في البدء خلق
الله السموات والأرض”. لكن في قصد الله أن تتوارى السموات والأرض وتحل محلها
حسب قصده وحسب وعده “سموات جديدة وارض جديدة يسكن فيها البر” (2 بط 3: 13).
وها هو يوحنا الرائي يقول في نهاية سفر الرؤيا “ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً
جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا…” (رؤيا 21: 1) ثم يعطينا
وصفاً للحالة الأبدية، السعيدة “مسكن الله مع الناس” (ع 3) هذه هي مقاصد
الله التي لا بد أن تتم معلنة منذ القديم وليس في مقدور الشيطان أن يعطل اتمامها.
نعم هذا هو السبت الأبدي الذي فيه يستريح الله.

 لكن متى يبدأ السبت الأبدي أي
الحالة الأبدية؟ الإجابة: بعد أن يفرغ الله من جميع أعماله (تك 2: 2).

 في (ص 20) من سفر الرؤيا نجد
دينونة الناس الأشرار بعد أن تمت الألف سنة سوف يدان الجميع صغاراً وكباراً (صغار
في المقام وكبار في المقام) ولا فرق، ولا يوجد هروب على الإطلاق، سوف يسلم البحر
الأموات الذين فيه وسوف يسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما (الموت يسلم
الأجساد والهاوية تسلم الرواح) ويدانون بحسب أعمالهم أي يحاكمون بحسب حجم أعمالهم
وبحسب النور الذي أضاء أمامهم لكنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور. بل أيضاً سرائر
الناس سوف تدان (رومية 2: 16). في آخر (ص20) من سفر الرؤيا نجد أن الموت الأول
يسلم أسراه أومسجونيه إلى دينونة اليوم العظيم (المحاكمة) ومنها إلى الموت الثاني
(بحيرة النار). وهذا سوف يتم في نهاية كل شيء عندما تهرب السموات والأرض من وجه
الجالس على العرش العظيم الأبيض. فعند نهاية كل شيء عندما توضع جميع الأعداء تحت
قدميه، عندئذ يتم القول أن “الموت” آخر عدو يبطل (1 كو 15: 26). ليس
الموت الثاني الذي لا يكون قد بدأ بعد بل الموت الأول. لأن الموت الثاني لا يبطل
عندئذ بل بالعكس يظل جاثماً على الأشرار إلى أبد الآبدين، كما أن الحالة الأبدية
السعيدة تبدأ بعد طرح الموت والهاوية في بحيرة النار.

 بعد ذلك يبدأ السبت الأبدي الذي
كان السبت الأول رمزاً وظلاً له. إن الذي يتطلع إلى الحقيقة أي “راحة
الله” يعيش في جو هذه الحقيقة باستمرار نهاراً وليلاً. في النعمة يقيم
(يستريح) ويفتخر (يفرح) على رجاء المجد (رومية 5: 1، 2) ولا يجري وراء الظل لكي
يحفظ السبت من مساء الجمعة إلى مساء السبت كما يقول السبتيون ويريدون أن يحكموا
على الآخرين أن يحفظوه خلافاً للتحريض الإلهي “لا يحكم عليكم أحد… أو
سبت” (كولوسي 2: 16). السبت ظل ونحن لا نحفظ الظل.

 ذكر السبت لأول مرة في (تك 2: 2)
ثم بعد ذلك لا نقرأ عن السبت لمدة 2500 سنة تقريباً حتى نصل إلى (خروج 16) بمناسبة
إعطاء المن للشعب في البرية. المن رمز للمسيح النازل من السماء. هو الطعام الوحيد
الذي يقدمه الله للعالم (يوحنا 3: 16) ومن يأكله (يؤمن به) يحيا به “من
يأكلني فهو يحيا بي” (يوحنا 6: 57) هو وحده الذي استطاع أن يقول “تعالوا
إليّ (آمنوا بي) يا جميع المتعبين (بالخطايا)… وأنا أريحكم” (متى 11: 28)
لا توجد راحة (سبت) إلا في المسيح هو الحقيقة وليس الظل “السبت ظل الأمور
العتيدة وأما الجسد (الحقيقة) فالمسيح” (كولوسي 2: 17).

 لكن الشعب (إسرائيل) وهو غير مدرك
لنعمة الله قبل شروط الناموس واستند إلى بره الذاتي لذلك أعطاهم الرب السبت (الذي
معناه الكف عن العمل أي الراحة) مشروطاً ومرتبطاً بالوصايا العشر فاكتسب طبيعة
الفريضة الناموسية حتى أن من يكسره يرجم حتى الموت (عد 15: 32 – 36).

 وكما أساء السبتيون فهم معنى السبت
كذلك أساءوا فهم معنى يوم الحد. فإن المسيحيين لا يحفظون يوم الأحد ناموسياً من
مساء السبت إلى مساء الأحد. لا يوجد شيء مثل ذلك في كلمة الله. كما أن السبت لم
يستبدل بالأحد ولا الأحد استبدل بالسبت. السبت هو اليوم السابع والحد هو اليوم
الأول. لقد تأسس السبت على حقين عظيمين: الأول هو سبت لخليقة الأولى والثاني هو
سبت للشعب الأرضي (اليهودي). الحقيقة الأولى تعلن راحة الخليقة بعد أن أكمل الله
عمله كالخالق. والحقيقة الثانية تعلن أن الناموس قرره كيوم راحة للشعب اليهودي.
لكن المسيحية ليست في شيء من هاتين الحقيقتين. المسيحيون ليسوا من هذا العالم
كسائر الخليقة (يوحنا 17: 14) كما ذكر المسيح له المجد مرتين في (يوحنا 17) إن
المسيحيين ليسوا من العالم كما أنه هو ليس من العالم. والمؤمن المسيحي لا يقوم على
أساس من الناموس. المؤمن خليقة جديدة في المسيح.لا هو في آدم ولا هو تحت الناموس.
كل من هو في آدم وكل من هو تحت الناموس هالك لا محالة في كلتا الحالتين سواء
بالسقوط أو بلعنة الناموس.

 لكن منذ أن قام المسيح من بين
الموات في يوم الحد وظهر للتلاميذ في ذلك اليوم ثم ظهر لهم مرة أخرى في يوم الحد
التالي وكان توما معهم (يوحنا 1: 19، 26) كما حل الروح القدس عليهم يوم الأحد بعد
خمسين يوماً من قيامته، اعتاد التلاميذ أن يجتمعوا يوم الأحد لكي في محفل الأحد
يكسروا خبز عشاء الرب كما في (أعمال 20: 7) وعشاء الرب هو الامتياز المبارك الذي
أوصى به الرب في ليلة آلامه تذكاراً لموته (لو 22: 19) والوصية تسلمها بولس من
الرب وبولس هو الإناء المختار لكي يكون خادماً للكنيسة (كولوسي 1: 25) ويقول
للكورنثيين “لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً إن الرب يسوع في الليلة
التي أسلم فيها (كلمة لها تأثيرها العظيم على قلوب المؤمنين)…” (1 كو 11: 23).
فليس عشاء الرب فريضة بل هو امتياز معطى للمؤمنين فقط لأنه بالنسبة للمؤمنين لا
توجد فرائض “إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم (الناموس)… فلماذا
كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض؟” (كولوسي 2: 20). وإذ يمارسون هذا
الامتياز بفرح يذكرون موت الرب ويخبرون به إلى أن يجيء. يذكرونه بالشكر والحمد
والتسبيح – أي يقدمون ذبائح الحمد والتسبيح أي ثمر الشفاه المعترفة باسمه كما
يقدمون ذبائح أخرى أي فعل الخير والتوزيع (عب 13: 15، 16) وهذه تقدم أيضاً في يوم
الأحد مع صنع التذكار كما جاء في (1 كو 16: 20) نعم لأن يوم الأحد هو “يوم
الرب” الذي قال عنه يوحنا في سفر الرؤيا أنه صار في الروح في “يوم الرب”
(رؤيا 1: 10) والكلمة في معناها باللغة اليونانية “اليوم الذي يخص الرب”
ولم ترد إلا في (رؤ 1: 10) والكلمة تترجم باللغة الإنجليزية “
The Lords day” وذلك بخلاف يوم الرب العظيم الذي ذكر في
(2 بط 3: 10) كما ذكر كثيراً في العهد القديم ويترجم في الإنجليزية “
The day of the
Lord
” أما
السبت فلم يدع يوم الرب إطلاقاً.

 والعجيب في الأمر أن مبدأ حفظ
السبت لم يكن وارداً في الأصل عند السبتيين الأدفنتست. كان اسمهم
“أدفنتست” فقط أي منتظري مجيء المسيح على الأرض كملك سنة 1844. فإن
رائدهم “وليم ملّر” لم يتكلم عن حفظ السبت إطلاقاً بل فيما بعد وعندما
احتضنت “مسو هوايت” عقيدة السبت كان مقاوماً لها. أما كيف وصلت إليهم
هذه العقيدة فقد كانت عن طريق إحدى السيدات وتدعى “راشيل واكس” والتي
كانت تنتمي إلى طائفة صغيرة من المعمدانيين أطلقوا على أنفسهم اسم “معمداني
اليوم السابع” هذه انضمت إلى الأدفنتست وأقنعتهم بحفظ السبت، ثم أيدت ذلك
نبيتهم “مسز هوايت” برؤى واعلانات. وهكذا أصبح السبت عقيدة أساسية عندهم.
عقيدة أتت بها امرأة وأيدتها امرأة أخرى وهكذا أصبح للشيطان آلات من العنصر
النسائي لتأييد خططه وذلك مخالفة صريحة لأقوال الرسول الموحى له الذي كتب قائلاً
“لست آذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل…” (1 تي 2: 12 – 14) مع
أن رائدهم “ملر” رفض في البداية الفكرة ولكنه اضطر للتسليم بذلك ثم
اختاروا لأنفسهم اسم “السبتيون الأدفنتست” كما سلم ملر بكل ما ادعته
“مسز هوايت” من عقائد هي في حقيقتها “بدع هلاك” مثل بدعة
“رقاد النفوس” (أو عدم الوعي بعد الموت بالنسبة لجميع الناس مؤمنين وغير
مؤمنين) وكذلك بدعة “ملاشاة الأشرار” وسنتأمل في ذلك في فصل تالٍ.

 والعجيب أن رائد السبتيين اضطر أن
يخضع لما تقوله النبية “مسز هوايت” وكذلك الأشخاص البارزين من الرجال
الكل خضعوا لما تقوله “المرأة” وهكذا نرى أن الله يعاقب الجماعة التي
تنحرف عن الحق بجعل امرأة تتسلط عليهم كما حدث قديماً عندما انحرف شعب اسرائيل عن
العبادة الحقيقية فإن الرب خاطبهم بفم إشعياء النبي قائلاً “شعبي ظالموه
أولاد ونساء يتسلطن عليه. يا شعبي مرشدوك مضلون” (إشعياء 3: 12) والمقصود
بالأولاد هم الرجال الذين في تفكيرهم وأذهانهم كأولاد (1 كورنثوس 14: 20).

 لقد جعلوا مبدأ حفظ السبت كأنه
قضية حياة أو موت وجعلوا يوم السبت يصطدم مع يوم الأحد. فهل المسيحية هي حفظ أيام
أم هي ارتباط بالمسيح؟ “الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا ليكون
لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح” (رومية 4: 25 – 5: 1). إن مبدأ حفظ
الأيام قد أدانه الرسول في رسالة غلاطية موبخاً للغلاطيين وقائلاً لهم
“أتحفظون أياماً… أخاف أن أكون قد تعبت فيكم عبثاً” (غلا 4: 10، 11).
وفي نفس الرسالة يقول “مع المسيح صلبت (صلب للخطية والعالم وكل الفرائض
الناموسية) فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ، فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه
في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي. لست أبطل نعمة الله لأنه
إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب” (غلا 2: 20، 21).

 اسمع أيها القارىء ما تقوله
“مسز هوايت” نبية السبتيين في كتابها “مأساة العصور” تقول
كأنها نبية تتنبأ “سيقع خصام نهائي بين مناصري يوم الأحد وجماعة السبتيين
وذلك بقيادة روما الكاثوليكية. وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستلعب دوراً هاماً
في هذا الخصام لأنها ستكون حليف الوحش الثاني، النبي الكذاب المذكور في (رؤيا 13).
كما قالت أن جهود العاملين لتقديس يوم الأحد ستؤول في أمريكا وخارجها إلى شرائع
هجومية ضد السبتيين” (صفحة 626، 638) وقد أكدت “مسز هوايت” أن
السبت سيكون حجر الصدمة الكبر! لتمييز الإخلاص وسيوضع خط فاصل واضح دقيق بين الذين
يعبدون الله والذين لا يعبدونه” (مقتبسة ما جاء في سفر ملاخي 3: 18) ولقد
اعتبرت مسز هوايت أن يوم الأحد هو سمة الوحش. (كتابها مأساة العصور صفحة 648).

هذه هي المبادىء السبتية: يعظمون
شأن السبت ويقللون من أهمية ذبيحة المسيح ويعتبرونها غير كافية للخلاص لكن الرب
يقول “حاشا لي. فإني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون” (1
صم 2: 30). هل هو أمر زهيد أن الله يرسل ابنه الوحيد الحبيب لكي يموت عن الخطاة،
موت العار، موت الصليب؟

 تقول “مسز هوايت” أن
السبت سيكون حجر الصدمة الأكبر بخلاف ما يقوله الرسول بطرس أن حجر الصدمة وصخرة
العثرة هو المسيح نفسه. “لذلك يتضمن في الكتاب هنذا أضع في صهيون حجر زاوية
مختاراً كريماً والذي يؤمن به لن يخزى. فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة وأمّا
للذين لا يطيعون فالحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. وحجر صدمة
وصخرة عثرة. الذين يعثرون غير طائعين للكلمة…” (1 بط 2: 6- 8). هل السبت هو
الواسطة للخلاص أم المسيح الذي قال عنه الرسول بطرس “هذا هو الحجر الذي
احتقرتموه أيها البناءون الذي صار رأس الزاوية. وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس
اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن تخلص” (أعمال 4: 11، 12).

 لا يمكن أن تدسّ بدعة في وسط
التعاليم المسيحية إلاََّ ويقصد الشيطان من ورائها شيئاً. فما الذي يقصده الشيطان
من بدعة حفظ السبت؟ يقول الرسول بولس: نحن لا نجهل أفكاره (أفكار الشيطان). ليس
الموضوع هو استبدال يوم بدل يوم ولكن ما يقصده الشيطان هو حجب المعنى المقصود
باليوم الأول (الأحد) أي حجب مجد قيامة الرب من الأموات. لقد أقيم المسيح من
الموات. بمجد الآب (رومية 6: 4) ويخاطب الرسول بطرس المؤمنين قائلاً لهم
“أنتم الذي به تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات وأعطاه مجداً حتى أن
إيمانكم ورجاءكم هما في الله (1 بط 1: 21). ما يقصده الشيطان هو إهانة الرب يسوع
وإحزان المؤمنين. منذ أن قام الرب يسوع من الموات (يوم الحد) والشيطان يحاول أن
يخفي حقيقة قيامته. إن رؤساء الكهنة الذين أعطوا الإسخريوطي ثلاثين من الفضة لكي
يسلمه لهم اضطروا أن يدفعوا أكثر من ذلك للحراس حتى يشهدوا الشهادة الكاذبة لإنكار
قيامته “أعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين قولوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه
ونحن نيام” (متى 28: 13).

 ما يسبب فرحاً للمؤمنين يسبب ضجراً
للشيطان والذين يقودهم وراءه. تذكر أيها القارىء ما جاء في سفر الأعمال (ص 4: 1،
2) عن بطرس ويوحنا أنهما بينما كانا يخاطبان الشعب في الهيكل أقبل عليهما الكهنة
وقائد جند الهيكل والصدوقيين متضجرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة
من الأموات”. لو كان الأمر استبدال يوم بدلاً من يوم لكان ذلك موضوعاً مادياً
محضاً بلا معنى. ولكن ما يقصده الشيطان أن يشغل الناس بمنازعات جانبية ليبعد
النظار عن الموضوع الرئيسي. يقول السبتيون أن قسطنطين أو بابا روما هو الذي استبدل
السبت بيوم الأحد لكي يرد آخرون قائلين كلا لم يحدث على الإطلاق شيء مثل ذلك وهكذا
ينجح الشيطان في إخفاء الحقيقة العظيمة التي يريدها ألا وهي قيامة الرب من الأموات
ويوم الأحد يذكر بها وليس السبت. يوم الحد هو اليوم الذي بدأت فيه الخليقة الجديدة
التي رأسها المسيح المقام من الأموات. وقيامة المسيح من الموات هي أساس الإنجيل
وأساس كل البركات يقول الرسول بولس للكورنثيين “وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل
الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه، وبه أيضاً تخلصون… إلا إذا كنتم قد آمنتم
عبثاً… (الإنجيل هو) أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دفن وأنه قام
في اليوم الثالث (يوم الأحد) حسب الكتب” (1 كو 15: 1 – 4) الإنجيل معناه
“البشارة المفرحة” إن إصحاح 15 من كورنثوس الأولى المكون من 58 عدداً
يتكلم كله عن قيامة المسيح ويرتبط بها كل البركات التي حصل عليها المؤمنون فباطل
إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم” (ع 17) وليتنا نرجع بذاكرتنا قليلاً إلى ما
حدث في ذات يوم قيامة الرب، أنه تقابل مع مريم المجدلية ولم تكن تعلم أنه قد قام.
ماذا كانت حالتها “واقفة عند القبر خارجاً تبكي” (يو 20: 11) وماذا كانت
حالة التلاميذ الذين لم يكونوا يعلمون أنه قد قام؟ “كانوا ينوحون
ويبكون” (مرقس 16: 10) وماذا كانت حالة تلميذي عمواس المنطلقين من أورشليم
إلى عمواس ولم يكونا يعلمان أنه قد قام؟ “كانا ماشيين عابسين حزينين. لكن
الرب رافقهما وهما يسيران بخطوات متثاقلة حتى وصلوا البيت لكن عندما عرفا الرب
يسوع عند كسر الخبز قاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم للأحد عشر. رجعا بفرح
عظيم وبخطوات سريعة إن جاز التعبير نقول أنهما كانا يقفزان كالأيائل لأن الرب قد
قام.

 نعم في يوم السبت كان الرب يسوع في
القبر وليس هذا بالشيء الذي يفرح قلب المؤمن أما الأحد فإنه يذكر أن الرب قد قام
من الأموات وهذا الشيء يفرح قلب المؤمن ويجعل الشيطان يتضجر لأنه لا يريد للمؤمن
فرحاً.

 إن المؤرخ الموحى له يذكر أن بولس
وأصحابه صرفوا سبعة أيام في تراوس مع أن بولس كان يسرع في السفر لكي يصل إلى
أورشليم قبل يوم الخمسين (أع 20: 16) لكنهم انتظروا حتى أول الأسبوع (يوم الأحد)
إذ كانت لهم الأشواق أن يجتمعوا مع المؤمنين في تراوس في المناسبة السعيدة (يوم
الأحد) ليكسروا خبزاً وأطال بولس الكلام إلى نصف الليل وتعزوا تعزية ليست بقليلة
(أع 20: 12) مكثوا سبعة أيام لكن التعزية العظيمة كانت أول الأسبوع (يوم الأحد).

 إن المسيح لم يصر رأساً للخليقة
الجديدة إلا بعد قيامته من الأموات. الخليقة القديمة رأسها آدم “وفي آدم يموت
الجميع. لكن في المسيح سيحيا الجميع” (1 كو 15: 22) مسيح يملك على الأرض هو
كذلك بالنسبة لاسرائيل. مسيح مقام من الأموات وممجد في السماء هو كذلك بالنسبة
للكنيسة. يقول الرسول بطرس “مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته
الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث… محفوظ في
السموات لأجلكم” (1 بط 1: 3، 4).

 لقد فاضت رسائل العهد الجديد
بالكلام عن بركات المؤمنين التي أساسها المسيح المقام من الأموات لذلك لا نستغرب
أن الشيطان يحاول أن يمحو من ذاكرة المؤمنين موضوع قيامة الرب المرتبطة بيوم الأحد.

 كتب بولس الرسول للقديسين في فيلبي
وهو في سجن روما قائلاً لهم “…لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً
بموته لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات” (فيلبي 3: 10، 11) إن الحقيقة المباركة
التي تملأ قلب الرسول “قوة قيامته” تجعله يحتمل بسرور أن تكون له شركة
آلامه متطلعاً إلى ذلك اليوم السعيد عندما يرى الرب يسوع وهو على صورة جسد مجد
سيده.

 وكان لدي الكثير لأقوله عن أمجاد
وبركات قيامة الرب يسوع التي يذكر بها يوم الحد لكن لضيق المقام اكتفى بذلك ننتقل
إلى الكلام عن بدع الشيطان التي يعتنقها كل أعوان الشيطان. وهذه البدع مثل بدعة
“رقاد النفس” بعد الموت والخلود المشروط وملاشاة الأشرار وفي ذلك يتفق
السبتيون مع شهود يهوه في هذه الهرطقات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار