علم الاخرويات

الفصل الخامس: الخطيئة والتوبة والاعتراف



الفصل الخامس: الخطيئة والتوبة والاعتراف

الفصل
الخامس: الخطيئة والتوبة والاعتراف

لماذا
الاعتراف أمام الكاهن؟

هل
من الضرورى أن يعترف الإنسان عند الكاهن، أم أن يختلى بنفسه ويعترف لله بصورة
مباشرة؟.

 

1
– الاعتراف لله هو الأساس:

لا
بدّ من الإشارة بادئ ذى بدء إلى أن الاعتراف لله هو الأساس
.

وأنه
أمر لا بدّ منه على كل حال
.

وهو
يعنى أن يعود الإنسان إلى نفسه
.

 

(فَرَجَعَ
إِلَى نَفْسِهِ
.) (لوقا 15: 17).

 منقطعا
عن الهواجس التى يلهو بها عن مواجهته، ويواجه الله بصدق وإخلاص، ويعرى ذاته أمامه،
ملقيا عنه كل الستائر التى يحاول عادة أن يحجب بها حقيقته عن نفسه وعن الآخرين
متحجّجا بسائر الذرائع والمبرّرات، فتنكشف له هكذا حقيقته فى نور الله، ويرى نفسه
” ابنا شاطرًا” تلفه محبة الله ولكنه يتهرّب منها ليتقوقع فى ذاته
الضيقة وينكمش على نفسه ببخل محتميا من محبة الله، رافضا دعوتها له إلى فرح
المشاركة
.

إن
هذه المواجهة أساس لكل حياة مسيحية حقة، لا بلّ لكل تدين صحيح، وهى منطلق كل
مصالحة مع الله
.

ذلك
هذه المصالحة تفترض أولاً الاعتراف بالقطيعة التى يقيمها الإنسان بينه وبين الله،
وأن يقرّ المرء بأنه، من جرائه، فى عزلة وفقر وجوع:

[.. كَمْ مِنْ
أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ اَلْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعاً!
) (لوقا 15: 17).

 

وأن
يعزم بصدق على العودة إلى ربه، علما بأن ” تاب”، لغوي، تعنى ”
عاد”:

(أَقُومُ
وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى اَلسَّمَاءِ
وَقُدَّامَكَ]
(لوقا 15: 18).

 

الله
يتقبل دوما هذه العودة إذا كانت صادقة
.

إنه
ينتظر رجعة الإنسان كما كان الأب ينتظر عودة ” الابن الشاطر”:

[فَقَامَ
وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً
) (لوقا 15: 20).

 

ويقبل
إليه ويفتح له ذراعيه ويضمّه إليه:

[رَآهُ
أَبُوهُ فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَه.
) (لوقا 15: 20).

 

ويفرح
أيّما فرح بانتقاله من الموت إلى الحياة:

[وَلَكِنْ
كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ لأَنَّ أَخَاكَ هَذَا كَانَ مَيِّتاً
فَعَاشَ وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ
) (لوقا 15: 32).

[أَقُولُ
لَكُمْ إِنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي اَلسَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ
أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ
) (لوقا 15: 7).

(قُلْ
لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ
اَلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ اَلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا.
إِرْجِعُوا إِرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ اَلرَّدِيئَةِ. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا
بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟
) (حزقيال 33: 11).

 

وأيضا:

(هَلْ
مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ اَلشِّرِّيرِ يَقُولُ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ؟ أَلاَ
بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟
) (حزقيال 18:
23]
.

هذا
الإنسان الراجع من إغترابه، يعيده الله على مشاركته ويمتعه مجددًا بالحياة معه،
فتُغفر خطاياه لأن الغفران هو بالضبط تجاوز العزلة والعودة إلى صفاء المشاركة وإلى
ما تعنيه من حياة وفرح وقوة وأصالة وغنى
.

 

2
– العودة إلى الله تفترض العودة إلى البشر:

ولكن
علاقتنا بالله ليست بمعزل عن علاقتنا بالناس، بلّ أن هناك تشابكا وتداخلاً بين
العلاقتين..

فمن
جهة، الله يكشف لنا ذاته من خلال أناس عاشو ويعيشون الآن فى ألفة معه، فنتعرف إليه
من خلال معاشرتنا لهم واستماعنا إليهم ورؤيتنا لنوره على وجوههم وتحسّسنا لنبرته
فى أقوالهم
.

 ومن
جهة أخرى، فكلما استقامت وتعمّقت علاقتنا بالله، اغتنت وتأصلت علاقتنا بالناس
.

والعكس
صحيح، إذ أن تفكك علاقتنا بالناس يسئ إلى سلامة علاقتنا بالله ويهدّدها بالتحول
إلى مجرد علاقة ذهنية وكلامية لا حياة فيها ولا حرارة ولا عمق، كما أن انتعاش
علاقتنا بالناس عبر انفتاحنا عليهم وإخلاصنا لهم يقربنا من الله ويرسّخ علاقتنا به
ولو غاب ذلك عن وعينا:

(ثُمَّ
يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي
رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي
جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً
فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي.
مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ
مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ وعَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى
رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ وعُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى
رَأَيْنَاكَ مَرِيض ومَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ:
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي
هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ
) (متى 25: 34
40]
.

الأبرار
الذين جاء ذكرهم فى حديث الرب يسوع عن الدينونة، لم يكونوا يدرون أنهم بهذه
الممارسات كانوا يتعاملون مع الرب نفسه
.

خلاصة
الكلام أن قصة علاقتنا بالله وقصة علاقتنا بالناس، قصة واحدة فى العمق، تتخللها
مخاطر القطيعة والابتعاد والغربة، كما تتخللها محاولات العودة والمصالحة ورأب
التصدّع وإعادة الإلفة
.

 

ومن
هنا أن كل عودة على الله تفترض عودة إلى الإنسان الآخر لتكتمل وتستقم
.

 

3
– من هنا الاعتراف أمام الكاهن:

هذا
هو معنى الاعتراف بالخطايا للكاهن
.

وإذا
شئنا مزيدًا من الدقة قلنا أن الاعتراف ليس بالحقيقة إعترافا للكاهن
.

إنه
اعتراف لله (يقول التائب فى بدء اعترافه: أيها الآب، رب السماء والأرض، إنى اعترف
لك
.)، إنما
بحضور الكاهن وشهادته
.

والكاهن
هنا يمثّل الكنيسة،

أى
تلك العائلة الروحية التى هى عائلة الله فى الأرض ونواة ومقدمة اتحاد البشرية
قاطبة فى جماعة واحدة متحابة يرعاها الله ويحييها
.

إن
كل خطيئة ارتكبها تصدّع علاقتى ليس بالله وحسب، إنما بالإنسانية كله، لأن كل تقوقع
على ذاتى وانكماش على أهوائى يغربّنى لا عن الله فقط بل عن إخوتى أيض، ويعطل
المشاركة بينى وبينهم، فيتأذون هم وأتأذّى أنا بتلك القطيعة
.

 من
هنا أن رغبتى فى العودة والمصالحة تدفعنى إلى الاعتراف بهذه القطيعة (الاعتراف
الذى رأينا أن لا بدّ منه لتجاوز القطيعة) ليس فقط أمام الهه بل أمام الناس، الذين
يمثلهم الكاهن الذى يتقبّل اعترافى
.

 

والاعتراف
هذا إنما هو مجرّد تمهيد للانسلاخ عن الماضى وطىّ صفحته بغية فتح صفحة جديدة
.

ولأنه
اعتراف بالقطيعة الكيانية وليس ” تأدية حسابات” عن السلوك، فهو، فى
الكنيسة الأرثوذكسية، ليس عبارة عن سرد تفصيلى للخطايا (كما يمارس فى الكنيسة
الغربية)،

إنما
هو كشف لجذور الخطيئة فىّ،

 أى
للدوافع والنوازع التى هى أصل لسائر ممارساتى الخاطئة ومنبع له،

وبالتالى
أساس تغرّبى عن الله والناس

 

أما
الكاهن، الذى هو شاهد لصدق عودتى إلى الله والناس، فإنه يتوسل، باسم الكنيسة التى
يمثله، إلى الله من أجلى، كى يتقبل الله عودتى ويعيدنى إلى ألفته ومشاركته
.

يقول:
” أيها الرب إلهن، يا من منحت بطرس والزانية غفران الخطايا بواسطة الدموع،
وبرّرت العشار لما عرف ذنوبه، تقبّل اعتراف عبدك (فلان)، وأن كان قد خطئ خطيئة
طوعية وكرهية، بالقول والفكر، اغفر له بما أنك صالح ومحب للبشر
.“.

 

وباسم
الكنيسة التى وعد الرب يسوع أن يكون معها إلى الأبد بقوة قيامته المحيية، يعلن
للتائب الصفح عن خطاياه، لا كأن هذا الصفح آت منه هو الكاهن (كما توحى الصيغة
المستعملة فى الطقس اللاتينى: إنى أحلّك
ego absolvo te)
بل بصفته شاهدًا لرحمة الله
.

يقول:
” ربنا وإلهنا يسوع المسيح، بنعمة ورأفات محبته للبشر، ليصفح لك، أيها الابن
الروحى (فلان) عن جميع زلاتك. وأنا الكاهن الغير المستحق، بقوة السلطان المعطى لى
منه، أقول لك لتكن مسامحا ومحلولاً من جميع خطاياك. باسم الآب والابن والروح
القدس. آمين”
.

 


وأما ما اعترفت به من الذنوب، فلا تهتم له البتة بل اذهب بسلام”
.

 

ويوضح
اللاهوتى الأرثوذكسى الكبير ألكسندر شميمن دور الكاهن هذا كشاهد للتوبة والغفران،
بقوله:

.. فى المفهوم
الأرثوذكسى الأصيل ينبع الحل من أن الكاهن هو شاهد على التوبة، وعلى حقيقتها وهو
مؤهّل بالتالى ليعلن ” ويختم” على الصفح الإلهى وعلى ” مصالحة
التائب بيسوع المسيح مع الكنيسة المقدسة”
(الأب
ألكسندر شميمن: الصوم الكبير. ملحق: القدسات للقدسين. بعض الملاحظات حول المناولة،
ص 131، تعريب الأب إبراهيم سروج، طرابلس، 1978
).

 

وقد
كتب الأب ميشال نجم بنفس المعنى:

. لذلك يقف
الكاهن والمؤمن جنبا إلى جنب، وهذا الوقوف دليل على أن الله هو التوّاب على مساوئ
الناس، وأن الكاهن شاهد وخادم
. فى الكنيسة الأرثوذكسية لا يوجد كرسى
للاعتراف وفى طقوسها لا يستخدم الكاهن صيغة المتكلم فى منح الأسرار وفى صلاة الحل
من الخطايا حيث يقول ” ليسامحك الله” أى أنه لا يقول إنى أسامحك. ”
يا ولدى الروحى
. إنى أنا
الحقير الخاطئ لا أقدر أن أغفر الخطايا لكن الله هو الذى يغفر الخطايا
. أما نحن
فنقول أن كل ما اعترفت به لحقارتى الذليلة وكل ما لم تقله عن جهل ونسيان فليسامحك
الله به فى هذا الدهر وفى الدهر الآتى”. ويشار إلى شهادة الكاهن فى الاعتراف
من خلال النص التالى: ” يا ولدى اذكر بدون إحجام كل ما اقترفته، لكى تحوز
الغفران من ربنا يسوع المسيح. أنظر إلى أيقونة ربن، وما أنا سوى شاهد أمامه لكل ما
ستقوله”
(الأب ميشال
نجم: التوبة فى مفهومها الآبائى وممارستها الحقيقية، ص 85 – 86، ”
النور” 1985، العددان 2و3، ص 80 87
).

 

4
– يرفده اعتراف للناس الذين أعايشهم:

ولأن
الاعتراف أمام الكاهن لإنسان تعبير عن إقرارى يتصدّع العلاقة بينى وبين الناس، وعن
تصميمى على رأب هذا التصدّع وعلى إعادة الصلة بينى وبينهم، فلا بدّ من الإشارة إلى
أن ممارسات أخرى من شأنها أن تعبر أيض، على طريقته، عن هذا الإقرار وعن هذا
التصميم، وهى الاعتراف لأناس أعايشهم وجماعات انتمى إليها (كالأسرة ومجموعة رفاق
وفرقة فى حركة وجمعية م، وما شابه ذلك) بما أخطأت به إليهم، والتماس الصفح منهم
عما أسأت إليهم به
.

 

وقد
وردت هذه الوصية فى العهد الجديد:

(اِعْتَرِفُوا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالّزَلاَّتِ
) (يعقوب 5: 16).

من
هنا العادة التى كانت جارية عندنا بأن يستغفر التائب من معارفه عند تقدمه من سر
الاعتراف
.

إنما
قد يحسن أن يتخذ هذا العمل شكلاً أكثر عمقا وجدّية، وذلك مثلاً من خلال إجراء حوار
بين أشخاص وضمن جماعة، يحاول عبره كل واحد أن يكتشف المواقف التى عكّرت علاقته
بالآخرين (عبر توضيح هؤلاء له لوقع بعض أقواله وأفعاله عليهم، الذى كان ربما
غافلاً عنه)، وأن يقرّ به، تمهيدًا لتجاوزها فى المستقبل سعيا إلى المصالحة
.

 

5
– الاعتراف والارشاد الروحىّ:

أخيرًا
فإن الاعتراف للكاهن يسمح بتقبّل الارشاد الروحىّ من إنسان يُفرض أن تكون له خبرته
بهذا الشأن (لذا لا يُعطى حق تقبّل الاعتراف لكل كاهن، بل لذاك الذى يرى فيه
الأسقف النضج والكفاءة المناسبين، وفى الماضى كان الناس يعترفون لراهب لم يتلقّ
رتبة الكهنوت، لا لينالوا حضلاً بل ليتقبّلوا الارشاد الروحى من إنسان توغّل فى
الخبرة الروحية)، فيكون للتائب ” أبا روحيا”، أى شخصا يساعده على معرفة
ذاته فى نور الله وعلى تحقيق طاقة الحياة التى زرعها الله فيه واكتشاف ما يعيقها
ويكبّلها من قيود بغية العمل على التحرّر منها
.

 

إن
الكاهن الذى يمارس هذه المهمة يكون ” أبا روحيا” لأنه يساهم فى أبّوة
الله، فيرعى الحياة فى من يرشدهم، بكل محبة وتأنٍ واحترام، على طريقة الله نفسه،
فلا يفرض عليهم ذاته وآراءه بل يساعد كلاً منهم على تحقيق الاسم الفريد الذى يدعوه
الله به
.

 

6
الخلاصة:

إن
الاعتراف إلى الله هو البعد الإلهى، والاعتراف للكاهن هو البعد الإنسانى، للتوبة
.

والبعدان
مترابطان، متلازمان، وفقا لمنطق التجسّد، وعلى شاكلتة بُعدى صليب المسيح

 (العمودى،
الذى يشير إلى مصالحته للبشر مع الله، والأفقى، الذى يشير إلى مصالحته للبشر بعضهم
مع بعض)
.

 

إحياء
سر الاعتراف:

كيفية
إحياء سر الاعتراف مع أهميته بالنسبة لحياتنا ولعلاقتنا بالرب..

 

أولاً:
معانى سرّ الاعتراف

1
– الاعتراف هو أساسًا اعتراف أمام الله:

أى
أن اكتشف، فى نور الله، نواحى الشرّ فىّ، فأعلن رفضى لها وانسلاخى عنها وتصميمى
على السير فى طريق التحرّر والتجدّد
.

أى
فى طريق التوبة
.

من
هنا إن الاعتراف مرتبط بالتوبة
.

 

2
– لماذا الاعتراف أمام الكاهن؟:

أ
– لأننى لست وحدى بل أنا عضو فى جماعة..

لذا
فالشرّ الذى فىّ لا يؤذينى وحدى بل يؤذى الجماعة التى أنتمى إليها
.

إن
مرض أى عضو فى الجسم يضعف الجسم كله نظرًا لترابط الأعضاء فى ما بينها
.

انتقاص
الحب فىّ يحجب الدفء والانتعاش عن سواى (ألا نلاحظ ذلك فى الفرقة التى ننتمى إليه
ونرشدها؟)
.

 فى
رسالة وجّهها الكاتب الفرنسى الكبير ” فرنسوا مورياك” إلى الشباب وحاول
أن ينقل لهم نداء الرب يسوع المسيح إليهم، يقول:


يوم يتوقف التهابك بالحب، كثيرون سواك سيهلكون بردًا”
.

ومن
هنا أنه يصلح أن تكون الجماعة التى أضعفتها بخطيئتى شاهدة على توبتى:

(اِعْتَرِفُوا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالّزَلاَّتِ
) (يعقوب 5: 16).

فى
الكنيسة الأولى كان يجرى اعتراف علنىّ بالذنوب الكبيرة
.

ثم،
ابتداء من القرن الخامس، حُصر الاعتراف بالكاهن كممثل للجماعة
.

 

ب
– وكما أن الجماعة شاهدة على توبتى التى يعبّر عنها اعترافى بخطاياى أمام الله،
فهى أيضا قناة يأتينى عبرها غفران الله
.

الرب
قادر بالطبع أن يغفر لى مباشرة، ولكنه يحب أيضا أن يمنحنى غفرانه عن طريق تلك
الجماعة التى أقامها فى الأرض مكانا مميزًا لحلول حياته وخلاصه
.

من
هنا أن الكاهن، ممثل الجماعة، يكون، فى سرّ الاعتراف، واسطة يأتينى عن طريقها خلاص
الله
.

وقد
ورد بهذا المعنى فى دعاء يتلوه الكاهن اثناء ممارسة سر الاعتراف:


الله الذى صفح لداود عن خطاياه بواسطة ناثان النبى لما اعترف بها

ولبطرس
لما ندب بحرارة جحوده

 وللزانية
لما وقعت على قدميه

وللعشار
وللابن الشاطر

هو
يصفح لك بواسطتى أنا الخاطئ عن جميع خطاياك
..

 

ج
– بالطبع هناك أيضا الارشاد الروحى الذى يمكن أن أتلقاه من الكاهن
.

ولكن
لا يبدو لى أن هذا من الأسباب الجوهرية التى تدعو إلى الاعتراف أمام الكاهن، ذلك:

1-
لأن الارشاد يمكن أن يتمّ خارج الاعتراف
.

2-
لأن الارشاد يمكن أن يقوم به غير الكاهن
.

 

ثانيًا:
كيفية إحياء سرّ الاعتراف:

1-
لن أتعرض لجوهر القضية، لأننى اتركها لكهنة اكتسبوا خبرة روحية غنية وتمرسوا
طويلاً على التعاطى مع المؤمنين عبر ممارسة الاعتراف والارشاد الروحى
.

هؤلاء
أتمنى عليهم أن يقبلوا بالدخول مع الناس، وخاصة الشباب منهم، فى حوار يُسمح فيه
لهؤلاء أن يبدوا بصراحة الموانع والتحفّظات التى تحول دون اقترابهم من سر الاعتراف
.

 

2-
مساهمتى الشخصية سوف تقتصر على نقطتين اعتقد أنه قد يكون لهما دور فى إحياء سرّ
الاعتراف:

أ
– إحياء روح الاعتراف فى سائر المجموعات التى تتكون منها حركة مسيحية من مجال
ولجان وغيره، خاصة هذه الخلايا التى هى الفرق، تلك التى ينبغى أن تكون كل منها
كنيسة مصغّرة تتجسّد فيها الأخوة فى المسيح عبر علاقات شخصية صحيحة، فيتيقظ وينمو
بفضل الانتماء إليها ومعايشتها حسّ الكنيسة
.

 

من
المفيد برايى أن تتم بين الحين والحين فى تلك الجماعات ما قد بُسمّى بجلسات ”
مصارحة” وجلسات ” تقييم”، فيها يعترف كل واحد (بدءًا من مرشد
الفرقة ورئيس اللجنة والمجلس) بطل ما يصدر عنه من مواقف تنعكس سلبا على حياة
الجماعة، من فتور وتهاون وإهمال وتقوقع واستعلاء وعدوانية
.إلخ.

 

فيتصالح
مع الله عبر تصالحه مع الجماعة، فى عملية اعتراف متمايزة عن سر الاعتراف ولكن
أهميتها لا يستهان بها فى بنائه الروحى، ومن شأنه، من جهة أخرى، أن تهيئه – نفسيا
وروحيا – إلى التقدم من سر الاعتراف
.

 

ب
– إحياء الفرق الصلاتية، تلك الجماعات التى تتكاثر فى العالم المسيحى اليوم والتى
تتعاطى معا قراءة كلمة الله من خلفية هواجس الحياة الفردية والاجتماعية، وتنطلق من
هذا التعاطى إلى الصلاة عفوية ينفتح فيها المرء إلى الله فى مناجاة حميمة، فى حديث
من القلب إلى القلب، يرفع عبرها إليه كل خبراته ومعاناته واهتماماته الشخصية
والجماعية
.

 

إن
خبرة طويلة عشتها مع سواى فى هذا المجال أكّدت لى أن هذه اللقاءات الحميمة التى
تجمع المشاركين المرة تلو المرة إلى الرب وإلى بعضهم بعضا فى كنفه، تنشئ بينهم ثقة
وارتياحا متبادلين يسمحان لهم يكشف جراحهم بين الحين والحين علنا أمام الرب وأمام
الإخوة، ومن بين هذه الجراح، جراح الاغتراب عن الله بالخطيئة
.

 

هذه
” الاعترافات” تأتى تلقائيا لشعور كل واحد اليقينى بأن الآخرين يتلقونها
بروح التعاطف والمشاركة ويحملونها فى صلاتهم، وبأنه بها يعود إليهم بعودته إلى
الرب يعد اغتراب مزدوج عن الرب وعنهم بسبب خطيئته وما تمثله من انهماك بذاته
.

 

إنه
يصعُب لمن لم يختبر هذه الظاهرة أن يتصوّر مدى عمقها وعفويته، من هنا أن هذه
الاجتماعات الصلاتية قد تكون تمهيدًا للاقبال إلى سرّ الاعتراف، لا بلّ قد تتحوّل
أحده، إذا شارك به كاهن، إلى ممارسة جماعية لسرّ الاعتراف
.

ولو
أن الناحية الارشادية هنا قد تتقلّص، ولكننى أعود فأقول أن هذه الناحية – على
أهميتها – ليست باعتقادى العنصر الجوهرى فى سرّ الاعتراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار