اللاهوت المقارن

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل الثاني

المعمودية والتوبة وضرورتهما للخلاص

12- المعمودية والتوبة وضرورتهما للخلاص

الذين يقولون إن الخلاص بالإيمان وحده، لا يعطون
قيمة ولا أهمية ولا فاعلية للمعمودية.

وإن تكلموا عليها يكون كلامهم ضعيفاً وبغير روح،
ويكون متناقضاً مع كلامهم عن الخلاص في لحظة الإيمان.

ولا يعتقدون أن الإنسان ينال فى المعمودية
الخلاص،

ولا التجديد، ولا البنوة لله، ولا مغفرة الخطايا..

فكل هذا ينسبونه إلى الإيمان..

 

13- لزوم المعمودية للخلاص

ولكن الكتاب يعلمنا أن المعمودية لازمة للخلاص
للأسباب الآتية:

1 قول السيد المسيح: (من آمن واعتمد خلص) (مر 16:
16) ولم يقل من آمن فقط، وإنما جعل المعمودية من شروط الخلاص. وذلك لأنها موت مع
المسيح وقيامة معه (رو 6: 2 4).

 

2 وتكلم القديس بطرس الرسول عن الخلاص في
المعمودية، فقال: (إذ كان الفلك يبنى، الذى فيه خلص قليلون، أى ثمانى أنفس بالماء،
الذي مثاله يخلصنا نحن الآن، أى المعمودية) (1بط 3: 20، 21).

 

والقديس بولس يقول إننا بها خلصنا، بغسل الميلاد
الثانى (تى 3: 5).

 

3 في يوم الخمسين، لما آمن اليهود إذ نخسوا في
قلوبهم، وقالوا للرسل: (ماذا نفعل أيها الرجال الإخوة) (أع 2: 37) لم يقل لهم
القديس بطرس الرسول: ما دمتم قد آمنتم، افرحوا إذن وتهللوا لقد خلصتم بالإيمان
وغفرت لكم خطاياكم!

 

كلا، بل قال لهم: (توبوا وليعتمد كل واحد منكم
على اسم يسوع المسيح لغفرة الخطايا، فتقبلوا الروح القدس) (أع 2: 38)

 

إذن كانت خطاياهم باقية، على الرغم من إيمانهم.
وكانوا محتاجين أن يعتمدوا لمغفرة الخطايا.. وهنا نسأل: لماذا كانت الحاجة أن يقوم
الرسل في ذلك اليوم بتعميد ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 41) وهى ليست عملية هينة. أمام
كان يكفى إيمانهم؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

 

4 والذى حدث في يوم الخمسين، حدث لشاول الطرسوسى
لما آمن. لقد سأل الرب: (ماذا تريد يارب أن أفعل؟) (أع 9: 6)

 

فلم يقل له الرب: ما دمت قد آمنت فقد خلصت! بل
أرسله إلى حنانيا الدمشقى، الذي قال له: أيها الأخ شاول.. لماذا تتوانى؟ قم اعتمد
واغسل خطاياك) (أع 22: 16) وهنا نرى عجباً.. إنساناً تقابل مع المسيح شخصياً،
وتكلم معه فما لأذن، وسمع دعوته، وانتخبه الرب إناء مختاراً، وشاهداً لجميع الناس..
ومع ذلك لم يكن قد اغتسل من خطاياه بعد..! واحتاج إلى المعمودية لغسل خطاياه.

 

أين إذن الخلاص في لحظة؟! إنه لم يحدث مع بولس
الرسول نفسه الذي تحدث عن أهمية الإيمان في التبرير (رو 5: 1)

 

5 نلاحظ هنا أن لزوم المعمودية للمغفرة، هو جزء
من قانون الإيمان

 

الذى نقول فيه: (نؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة
الخطايا) وهذا هو الأمر الذي قررته الكنيسة الجامعة الرسولية، في القرن الرابع
الميلادى، في المجمع المسكونى العظيم.. فهل أخطأ كل آباء الكنيسة في العالم كله، في
فهم المعمودية؟

 

نقول هذا للذين يعتقدون بقدسية المجامع
وقراراتها. أما الإخوة الباقون فتكفيهم آيات الكتاب السابقة. ونقول لهم أيضاً:

 

6 ما حدث لبولس، حدث أيضاً لكرنيليوس..

إنه رجل أممى شهد له الكتاب إنه (تقى وخائف
الله) وقد استحق أن يظهر له ملاك ويقول له: (صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارا أمام
الله) هذا طلب إليه الملاك أن يستدعى سمعان بطرس، الذي كلمه والذين معه بكلمة الله،
فآمنوا، وحل الروح القدس وتكلموا بألسنة ((أع 10: 44)

 

فلم يقل لهم بطرس: افرحوا وابتهجوا، لقد خلصتم
بايمانكم، بل وأكثر من هذا حل عليكم الروح ومنحكم موهبة!! كلا، بل قال: (أترى
يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن
أيضاً) وأمر أن يعتمدوا باسم الرب) (أع 10: 47، 48).

 

وهكذا لم يخلص كرنيليوس في لحظة. ولم يخلص
بعيداً عن الكنيسة وأسرارها، ولا بعيداً عن المعمودية وعن الكهنوت. إنما دخل من
الباب الطبيعى الذي رسمه الرب..

 

7 وبطرس الرسول أمر بعماد كرنيليوس والذين معه،
لأن السيد المسيح أمر رسله بهذه المعمودية، حينما أرسلهم قائلا: (اذهبوا وتلمذوا
جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) (مت 28: 19) والسيد المسيح لا
يأمر بشئ ليست له أهمية أو ليست له فاعليته، حاشا.. فالمعمودية لازمة للخلاص حسب
قول الرب.

 

8 بل قال السيد إن الذي لا يعتمد لا يدخل
الملكوت، إذ قال في حديثه مع نيقوديموس: (الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد
من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله) (يو 3: 5)

 

9 والمعمودية لازمة لأن بها المغفرة (أع 2: 38)،
والغسل من الخطايا (أع 22: 26) وصلب الإنسان العتيق، والدخول في جدة الحياة (رو 6:
6، 4) وايضا بها نلبس المسيح (غل 3: 27) ونصير أولاد الله، إذ نولد من الماء
والروح (يو 3: 5) وهى موت مع المسيح وقيامة معه (كو 2: 12، رو 6: 2 4)

 

فإن كانت للمعمودية كل هذه المفاعيل، فكيف يمكن
للإنسان أن يخلص في لحظة إيمانه بدون عماد؟!

 

وإن كان لابد له أن يعتمد، فلا يمكن أن نقول إنه
خلص في لحظة. لأن الإيمان والمعمودية لا يتمان في لحظة،

 

وهما لازمان للخلاص حسب قول الرب: (من آمن
واعتمد خلص) (مر 16: 16)

 

وإن كان لابد للمعتمد من التوبة قبل المعمودية
(أع 2: 38) فمن المحال أن تتم التوبة والإيمان في لحظة.

 

أما إن كان الخلاص بمجرد قبول المسيح، والميلاد
الثانى بمجرد القبول، فلماذا ذكر الكتاب كل هذه المفاعيل الروحية للمعمودية؟!

 

10 وهكذا نرى أن كل الذين آمنوا، تعمدوا فوراً..

وهذا كان واضحاً مع الذين آمنوا في يوم الخمسين
(أع 2)، ومع كرنيلوس) (أع 10: 48) وكذلك ليدية بائعة الأرجوان (أع 16: 15)، وسجان
فيليبى (أع 16: 53) وكريسبس رئيس المجمع (أع 18: 18)، والخصى الحبشى (أع 8: 38)

 

فإن كان الإيمان وحده يخلص الإنسان، فهل كانت
معمودية كل هؤلاء مجرد شيئ زائد!! أما إن كانت ضرورية حسب أمر السيد المسيح ورسله،
فلا يكون الخلاص بالإيمان وحده، ولا يكون في لحظة

 

11 هنا ونقول: ما أعجب رمز الخلاص في المعمودية،
بالخلاص في عبور البحر الأحمر من عبودية فرعون حيث قال موسى النبى: (قفوا وانظروا
خلاص الرب) (خر 14: 13) ويطبق بولس الرسول هذا الأمر بقوله: (فإنى لست أريد أيها
الإخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجمعيهم اجتازوا في البحر.
وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفى البحر) (1كو 10: 1، 2)

 

12 وكما كان يرمز إلى المعمودية الخلاص في عبور
البحر الأحمر، كان يرمز إليها أيضاً الختان، الذي كان شرطاً للدخول في عضوية شعب
الله في العهد القديم (تك 17)

 

يقول القديس بولس الرسول لأهل كولسى عن السيد
المسيح (وبه أيضاً ختتم ختاناً غير مصنوع بيد، بخلع جسم خطايا البشرية، بختان
المسيح، مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضاً) (كو 2: 11، 12)

 

14- هل الخلاص بالكلمة؟!

الذين يحابون معمودية الماء، يحاولون أن يهربوا
من كلمة (الماء) بكافة الطرق، فينكرون معمودية الماء. وذلك أن يتحدثوا عن معمودية
أخرى يسميها بعضهم معمودية الروح، ويسميها البعض معمودية النار. بينما لم يتحدث
الكتاب إلا عن معمودية واحدة، كما قال القديس بولس الرسول في الرسالة إلى أفسس: (رب
واحد، وإيمان واحد، معمودية واحدة) (أف 4: 5)

 

فما هى هذه المعمودية الواحدة التى يقصدها
الكتاب؟

 

إننا نقول: معمودية الماء والروح وبها يولد
الإنسان ميلاداً جديدا، حسب قول الرب: (إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا
يقدر أن يدخل ملكوت الله) (يو 3: 5) ولكنهم يقدمون اعتراضا على مفهوم الماء، وهو:

 

15- هل الماء هو الكلمة؟!

إعتراض

يقولون إن الماء هو الكلمة. وميلاد الإنسان من
الماء، يعنى أنه يولد من الكلمة! ويستدلون بالآتى:

 

1 يقولون في علاقة المسيح بالكنيسة التي قال
عنها الرسول: (مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة) (أف 5: 26).. إن عبارة الماء هنا
تعنى الكلمة!

 

2 يعتمدون أيضاً على قول بطرس الرسول: (مولودين
ثانية، لا من زرع يفنى، بل مما يفنى، بكلمة الله) (1بط 1: 23)!

 

3 وأيضاً قول يعقوب الرسول: (شاء فولدنا بكلمة
الحق) (يع 1: 28) وهنا يرون أن الميلاد بالكلمة!

 

الرد على الاعتراض

عبارة (مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة) (أف 5:
26)، لا تعنى اطلاقاً لغوياً أو لاهوتيا أن غسل الماء هو الكلمة..! لأن الرسول لم
يقل: (بغسل الماء الذي هو الكلمة)! بل بغسل الماء بالكلمة.

 

1 ومعنى هذا أن غسل الماء جاء نتيجة للكلمة.

 

فبطرس تكلم في يوم الخمسين، فلم يغتسل اليهود من
خطاياهم، ولم يتطهروا من خطاياهم بالكلمة، وإلا ما كان يقول لهم: (توبوا وليعتمد
كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا) أع 2: 38) إذن على الرغم من
الكلمة ومن تأثيرها، إذ كانوا قد نخسوا في قلوبهم وآمنوا، وطلبوا الارشاد (أع 2: 37)
إلا أنهم ما كانوا قد تطهروا بعد من خطاياهم.. وانتظروا معمودية الماء لمغفرة
الخطايا. وفى ظل ما حدث يوم الخمسين، نسأل عن معنى (مطهراً إياها بغسل الماء
بالكلمة) فنصل إلى الآتى:

 

2 الكلمة أى الكرازة توصل إلى الإيمان. والإيمان
يوصل إلى المعمودية. والمعمودية توصل إلى مغفرة الخطايا، أى إلى التطهير من
الخطايا.

 

نفس الوضع حدث مع شاول الطرسوسى. هنا الكلمة جاءته
من رب المجد نفسه، وليس من رسول ولا من أى إنسان. ومع ذلك لم ينل التطهير بمجرد
الكلمة. فالرب أرسله إلى حنانيا قال له: أيها الأخ شاول.. لماذا تتوانى؟ قم اعتمد
واغسل خطاياك) (أع 22: 16) فإن كان قد اغتسل من خطاياه بالكلمة أوصلته إلى الإيمان،
ثم إلى المعمودية، حيث اغتسل من خطاياه.

 

وهنا نفهم معنى عبارة: (ولدنا بكلمة الحق)

3 (ولدنا بكلمة الحق) لا تعنى ولادة مباشرة من
الكلمة، إنما تعنى ولادة غير مباشرة بتوسط الإيمان والمعمودية.

 

وكما أن كلمة الإيمان لم ترد هنا، في هذه الآيات،
كذلك كلمة المعمودية لم ترد. على اعتبار أن الكلمتين تفهمان ضمناً، ولا حاجة إلى
إيرادهما في كل مرة..

 

ولا أظن أن أحداً من اخوتنا البروتستانت يفهم أن
عبارة (مولدين ثانية.. بكلمة الله) أو بكلمة الحق) تعنى مجرد الكلمة بدون إيمان!!

 

4 فإن كان يفهم عبارة (الإيمان) ضمنا، فليفهم
أيضاً عبارة (المعمودية) ضمنا، باعتبار أن (حذف المعلوم جائز)

 

وإلا فكيف يفهم قول الرب: (من آمن واعتمد خلص)
(مر 16: 16)؟!

 

هنا ونذكر أن الرب قال بعدها: (ومن لم يؤمن يدن)
ولم يذكر المعمودية، لأنه لا معمودية لمن لا يؤمن. الذى لا يؤمن، سوف لا يطلب
المعمودية. والذى لا يؤمن، لا تسمح له الكنيسة بالمعمودية.. فلا داعى لأن يقول
الرب: من لم يؤمن ولم يعتمد، يدان.

 

5 الكلمة إذن أولاً. والإيمان والمعمودية بعدها،
كنتيجتين. وإذا اعتمد الإنسان ينال البنوة، باعتباره مولودا من الماء والروح، حسب
قول الرب (يو 3: 5).

 

وبهذا يعتبر نفسه مولوداً بالكلمة، لأنه لولاها
كنقطة البدء الأساسية ما كان يصل إلى شئ من كل هذا، وما كان يخلص..! وهنا نحاول أن
نفهم قول الرسول:

 

6 (لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص) (رو 10: 13)

 

هل هنا الخلاص بمجرد أنه يدعو باسم الرب، وننسى
كل الخطوات السابقة؟

 

كلا. فهذا هو اسلوب لا يتفق مع روح الكتاب
إطلاقا!

 

ونلاحظ في هذه الآية (رو 10: 13) إنه لا حديث عن
الكلمة، ولا عن الكلمة، ولا عن الإيمان إذن نقرأ كل قاله الرسول لنفهم الآية في
الجو الذي قيلت فيه. إنه يقول: (لأن كل ما يدعو باسم الرب يخلص. فكيف يدعون بمن لم
يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنوت بمن لم يسمعون به؟ وكيف بلا كارز؟ وكيف يكرزون إن لم
يرسلوا؟) (رو 10: 13 15)

 

7 وهكذا يحدثنا الرسول عن خطوات ضمنية، لم تذكر
في نص أو حرفية الآية، ولكنها تفهم ضمنا. والمقصود بهذه الآية أن الخلاص للجميع،
لكل من يدعو. الدعاء باسم الرب يسبقه الإيمان. والإيمان يسبقه سماع الكلمة. وسماع
الكلمة يعنى وجود كارزين. والحديث عن الكارزين يعنى وجود كنيسة ترسلهم، لتكون
كرازتهم شرعية.

 

وبالمثل نتحدث عن كل الخطوات الضمنية. فهنا لم
يرد ذكر للتوبة، ولكنها لابد أن تفهم ضمناً، لأنه بدونها لا يخلص الإنسان بل يهلك
(لو 13: 3) وبالمثل لم يذكر المعمودية، ولكنها لابد أن تفهم ضمنا أيضاً حسب قول
الرب في (مر 16: 16) وهنا نقول:

 

8 لو كان غسل الميلاد الثانى بمجرد الكلمة،
لماذا قال المسيح لتلاميذه: (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم) (مت 28: 19).

 

ما دامت الكلمة كافية، إذن تكفى التلمذة، وهى
خدمة واسعة للكلمة، أكثر من مجرد الكلمة الكلمة للإيمان. ما الداعى للمعمودية إذن،
إن كانوا قد نالوا الميلاد الثانى، والغسيل والتطهير من خطاياهم، بمجرد الكلمة،
بدون عماد!!

 

9 ولماذا أصر الخصى الحبشى على العماد بعد
الكلمة؟

لقد كلمه عن المسيح، وبشره وأقنعه، فآمن من كل
قلبه أن يسوع هو ابن الله (أع 8: 36، 37) ومع ذلك كانت المعمودية ضروية له جداً..
فلماذا، إن كان قد تطهر واغتسل ونال البنوة بالكلمة، حسبما يقولون؟!

 

10 مشكلة المحاربين لمعمودية الماء والروح، إنهم
يظنون أنها مجرد معمودية ماء.. كما لو كان ماء بدون روح! فيستهينون لذلك بالماء!

 

ولكن الرب يقول: (يولد من الماء والروح) (يو 3: 5)
هنا عمل الروح في الماء، حيث يقدس الروح القدس هذا الماء، حتى ان كل من يغطس فيه
ويقوم يكون قد ولد من الماء والروح. هذا الذى قال عنه الرسول: (خلصنا بغسل الميلاد
الثانى، وتجديد الروح القدس) (تى 3: 5) ولم ترد هنا عبارة (الكلمة). وهذا الماء
ليس هو الكلمة، بل هو ماء حقيقى.

 

16- إنه ماء حقيقي

1 لا شك أن الماء الذي اعتمد به الخصى الحبشى هو
ماء حقيقى، إذ يقول الكتاب: (فأنمر أن تقف المركبة، فنزل كلاهما إلى الماء ك فيلبس
والخصى، فعمده. ولما صعدا من الماء، خطف روح الرب فيلبس) (أع 8: 38، 39) وقيل
بعدها إن الخصى:

 

ذهب في ريقه فرحاً) ولم يذكر هذا الفرح قبل
العماد. لأنه مع قبوله الكلمة وإيمانه، كان ينقصه شئ هو العماد..

 

والماء الذي ذكر في قصة الحبشى لم يكن هو الكلمة
طبعاً، فالكلمة كانت قد أدت عملها قبل ذلك. حيث قيل إن فيلبس (فتح فاه.. وبشره
بيسوع) (أع 8: 35)

 

2 والماء في قصة كرنيلوس هو أيضا ماء حقيقى.

ولم يكن هو الكلمة. فالكلمة قد سبقته في تبشير
القديس بطرس له وللذين معه، حتى آمن، وحل عليه وعليهم الروح القدس، وتكلموا بألسنة
(أع 10: 44) وحينئذ قال القديس بطرس: (أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء، حتى لا
يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن؟! (أع 10: 47) (وأمر أن يعتمدوا باسم
الرب)

 

وهنا نسأل عن أهمية المعمودية لهؤلاء الذين
آمنوا، وحل عليه الروح القدس، وتكلموا بألسنة.

 

3 والسيد المسيح أيضا حينما قال: (يولد من الماء
والروح) (يو 3: 5) كان يقصد ماء حقيقياً، وليس مجرد الكلمة.

 

وكان يقصد بهذا الماء الولادة الجديدة، من فوق،
ومن الروح (يو 3: 3، 6)

 

4 أحب بهذه المناسبة أن احيل القارئ العزيز إلى
فصل طويل عن الماء ورموزه وبركته في كتابنا عن عن (خميس العهد) الذي يشرح من أول
عبارة (روح الله يرف على وجه المياه) (تك 1: 2).

 

17- الإيمان ومعمودية الأطفال

حول معمودية الأطفال

مادامت المعمودية لازمة للخلاص، كما شرحنا في
بداية هذا الفصل.. وما دامت فاعلية المعمودية من الخطورة بحيث لا يستغنى عنها
الإنسان.. لذلك كان من المهم أن لا نمنع الخلاص عن الأطفال، ولا نمنع عنهم بركات
المعمودية وفاعليتها..

 

إعتراض

يقولون إن الإيمان شرط للمعمودية، والأطفال لم
يصلوا إلى وعى الإيمان لذلك لا يمكن تعميدهم.

 

وأصحاب هذا الرأى لا يوافقون كلية على معمودية
الأطفال.

 

وهناك رأى يقول بمعموديتهم، على أن يعلنوا
إيمانهم حينما يكبرون، وحينما تتفجر فيهم فاعلية المعمودية..

 

الرد على الاعتراض

1 لابد أن نعمد الأطفال من أجل خلاصهم. لأننا لو
تركناهم بدون معمودية وبدون إيمان، فمعنى ذلك هلاكهم.. ومن الذي يقبل على نفسه
هلاك كل أطفال العالم..

 

2 السيد المسيح أبدى اهتماما خاصا بالأطفال.
وقال: (إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت الله) (مت 18: 3) وقد
احتضن الأطفال وباركهم. وقال: (دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم، لأن لمثل
هؤلاء ملكوت الله.. الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد، فلن يدخله) (مر
10: 14 – 16)

 

إذن فهم يقبلون الملكوت بطريقة يعوزنا محاكاتها.
فكيف؟

 

3 الطفل ليست لديه أية شكوك ضد الإيمان، ولا أية
مقاومة له. والله لا يطالبه بوعى يناسب الكبار.

 

4 وهو يحتاج أن يتربى في الإيمان، داخل الكنيسة،
وينمو في هذا الإيمان فنحن نعمده لنعطيه أيضاً هذه الفرصة، ولا نحرمه من كل وسائط
النعمة التي تساعده في الطريق الروحى، وإلا نكون كمن يجنى عليه. كما لا نضع كل
أمور الإيمان داخل مقياس العقلانية.

 

5 والطفل ليس محتاجاً أن يعلن إيمانه يبلغ الرشد،
أو يبلغ الثانية عشرة كما يقول البعض، فهو يعلن إيمانه باستمرار في كل مراحل
طفولته الناطقة، حسب قدرة سنه.

 

ويتساوى مع الطفل كل (البسطاء) من الناس، الذين
لم يدخلوا في نطاق العقلانية التي تدرك بالذهن أشياء كثيرة. ولكن ربما لهم الروح
الذي يفحص كل شئ حتى أعماق الله (1كو 2: 10)

 

6 أما من جهة قواعد الإيمان المعروفة، فنحن
نعمده على إيمان والديه.

 

والاعتماد على إيمان الوالدين فى أمور عديدة،
أمر مألوف في الكتاب المقدس. ومن أمثلته: الختان، وخلاص الأبكار بدم الخروف، وخلاص
الأطفال بعبور البحر.. إلخ.

 

ويمكن القراءة عن هذه الموضوع بتفصيل كبير في
كتابنا عن المعمودية.

 

7 أما قولهم عن تفجير مفاعيل المعمودية في سن
معينة:

 

فإننا نقول: (ما هى هذه المفاعيل)؟ وما الذي
تحتاجه أو يحتاجه بعضها إلى أن يتفجر في سن معينة.

 

كون المعمودية موتاً مع المسيح وقيامة معه، أمر
لا يحتاج إلى سن، فهو في صميم عمل المعمودية موتا مع المسيح وقيامة معه، أملا لا
يحتاج إلى سن، فهو في صميم عمل المعمودية كصبغة. وفاعلية المعمودية من حيث الميلاد
الثانى، وغسل المعمد من الخطية الأصلية والخطايا السابقة للمعمودية.. كل هذا لا
يحتاج إلى سن معينة يتفجر فيها. فهو يصير أبنا لله، وتفر له خطاياه، وينال التبرير
والتجديد في نفس وقت عماده. وكذلك يموت الإنسان العتيق، ويولد إنسان جديد، ولكنه
حر.. ويلبس المسيح (غل 3: 27)

 

إن وجد شئ آخر (تتفجر فيه مفاعيل المعمودية)
فلعله أمر يتساوى فيه الكبير والصغير..

 

8 أما الرأى الذي يقول بخلاص الأطفال بدون
معمودية، فهو رأى ضد تعليم الكتاب المقدس في الفداء والكفارة وأهمية دم المسيح
للخلاص.. ولا يجد تأييداً من أحد..

 

9 الكنيسة كانت تعمد الأطفال منذ البداية، من
عصر الرسل،

كما يتضح من عماد عائلات بأكملها، كبارا وصغارا،
كما قيل في عماد سجان فيلبي: (والذين له أجمعين) (أع 16: 33) وعماد ليديا بائعة
الارجوان (هى وأهل بيتها) (أع 16: 15) ومن غير المعقول أن كل هؤلاء وأمثالهم لم
يكن بينهم أطفال.

 

10 لا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس تأمر
معمودية الأطفال.

 

18- التوبة وأهميتها للخلاص

1 لا يمكن أن يوجد لاهوتى واحد في العالم، يقول
إنه يمكن لأن يخلص إنسان بدون توبة.

 

فعدم التوبة معناه الارتباط بالخطية، وبالتالى
الانفصال عن الله، لأنه (أية شركة بين النور والظلمة؟!) (2كو 6: 14)

 

والخلاص بمعناه السليم، هو الخلاص من الخطية
وعقوبتها. والسيد المخلص سمى كذلك (لأنه يخلص شعبه من خطاياهم) (مت 1: 21) فمادامت
هناك خطية، لا يوجد إذن خلاص. لأن الإنسان لا يخلص وهو في حياة الخطية.

 

2 ولزوم التوبة للخلاص يظهر فى قول السيد المسيح:

(إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 13: 3،
5)

والتوبة مرتبطة بغفران الخطايا (أع 5: 31)

وقد كان عمل المسيح على الصليب هو مغفرة الخطايا،
لأن هذا هو الخلاص الذي قدمه للعالم (فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا) (كو 1: 14)
(الذى فيه لنا الفداء، بدمه غفران الخطايا) (أف 1: 7)

 

ولا يمكن أن تغفر خطية، مازال الإنسان يرتكبها.

 

فإن تاب تغفر له.. وملكوت السموات لا يدخله غير
التائبين. سيطرحون في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت (رؤ 21: 8)

 

ويقول القديس بولس الرسول: (إن أخطأنا بأختبارنا،
بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف،
وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين) (عب 10: 26، 27)

 

3 وآباؤنا الرسل ربطوا مغفرة الخطايا بالتوبة،
كما بالمعمودية.

 

وهكذا من أجل مغفرة الخطايا، قال القديس بطرس
للهيود في يوم الخمسين: (توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح، لمغفرة
الخطايا) (أع 2: 38)

 

4 يقول الكتاب، في ارتباط التوبة بمغفرة الخطايا:

(توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم) (أع 3: 19)

فهل إذا كان إنسان لا يتوب، أيستطيع أن يخلص
وتمحى خطاياه؟! كلا بلا شك فقول الكتاب واضح.. ولكن لعلك تقول: (إن خطاياى تمحى
بدم المسيح) نقول لك: لا أحد يختلف في هذا. ولكنك لا تستحق دم المسيح إن كنت تستمر
في الخطية ولا تتوب. ودم المسيح لا يشجع على البقاء في الخطية. إذن توبوا وارجعوا
لتمحى خطاياكم بدم المسيح.

 

5 والكتاب لا يطلب منا التوبة فقط، وإنما يقول:

(اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة) (مت 3: 8)

وأيضاً: (أعمالاً تليق بالتوبة) (أع 26: 20) بل
أن الرسول يوبخنا إن قصرنا في التوبة فيقول: لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد
الخطية) (عب 12: 4)

 

ومن أجل التوبة (مصارعتنا ليست مع لحم ودم.. بل
مع أجناد الشر الروحية) (أف) وفى هذا يقول لنا الرسول: (قاوموا إبليس فيهرب منكم)
(يع 4: 7)

 

6 وفى ارتباط التوبة بالخلاص قال الرسول لاهل
كورنثوس، لما أحزنهم بتوبيخه: (الحزن الذي بمشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة)
(2كو 7: 10)

 

7 ولما كان الإنسان في كل يوم يخطئ، وأجرة
الخطية هى موت (رو 6: 23) ويحتاج إلى الخلاص من هذا الموت.

 

لذلك هو محتاج إلى التوبة، ليخلص من هذا الموت.

 

لأن السيد المسيح يقول: (إن لم تتوبوا، فجميعكم
كذلك تهلكون) (لو 13: 3)

 

8 ولعل البعض يقول: ,, إن التوبة ليست ثمنا
للخلاص، فالخلاص ثمنه هو دم المسيح..،، أقول لك:

 

حقا ان الخلاص ثمنه دم المسيح. ولكن دم المسيح
لا يمحو إلا الخطايا الذين تابوا.. التوبة إذن ليست هى الثمن، إنما هى وسيلة.
وبدونها لا نستحق الدم الكريم.

 

9 ولما كان الإنسان يخطئ كل يوم، ويحتاج إلى
التوبة كل يوم، إذن فالتوبة تصحبه كل حياته ليخلص من خطاياه. وبالتالى لا يكون
الخلاص في لحظة.

 

إنها حرب روحية تستمر مدى الحياة. (الصديق يسقط
سبع مرات ويقوم) (أم 24: 16) والقديس بولس الرسول يقول: (أقمع جسدى واستعبده، حتى
بعدما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً) (1كو 9: 27).

 

فإن كان الرسول العظيم يتكلم هكذا، فهل أنت أعظم
من بولس الرسول.. حتى تقول إنك خلصت وضمنت الملكوت.. ولا تقول هذا بجهاد العمر كله،
وإنما تقول خلصت في لحظة!!

 

10 التوبة لازمة إذن للخلاص. ولكن التوبة في
مفهومنا الأرثوذكسى تختلف عن التوبة في المفهوم البروتستانتى.

 

19- التوبة في المفهوم الأرثوذكسي كسرّ كنسي

الكل ينادى بالتوبة. لا يجادل في أهميتها أحد.

ولكن التوبة عند الأرثوذكسى شئ. وعند
البروتستانتية شئ آخر، من جهة ما هيتها ومفعولها وإتمامها، ولزومها للخلاص، وما
يتعلق بها من أمور أخرى..

 

وسنتناول الآن هذه الخلافات واحدا فواحداً

التوبة سر كنسى

التوبة في المفهوم الأررثوذكسى هى سر من أسرار
الكنيسة السبعة، اسمه (سر التوبة) أما الطوائف البروتستانتية وهى لا تؤمن بأسرار
الكنيسة فلا تنظر إلى التوبة كسر مقدس، إنما كمجرد مشاعر داخل قلب الإنسان من ندم
على الخطية، وعزم على تركها.

 

إذن هناك فارق بين (التوبة) و(سر التوبة)

 

ولهذا الفرق دلالاته، ونتائجه اللاهوتية، التي
سنذكرها الآن:

 

20- التوبة والاعتراف

التوبة في المفهوم الأرثوذكسى تحمل ضمن
أساسياتها الاعتراف على الأب الكاهن بالخطايا، حسب قول الكتاب: (من يكتم خطاياه لا
ينجح. ومن يقر بها ويتركها يرحم) (أم 28: 13) وقد مارس الناس الإقرار بالخطية
(الاعتراف بها) في العهد القديم (لا 5: 5) واستمر ذلك حتى فترة ما بين العهدين،
فكانوا يأتون إلى يوحنا المعمدان (واعتمدوا منه فى الأردن معترفين بخطاياهم) (مت 3:
6) ومارسوا الاعتراف في العهد الجديد أيضاً (أع 19: 18)

 

أما الطوائف البروتستانتية، فلا تدخل الاعتراف
في نطاق التوبة، بل تهاجمه وهى في ذلك على نوعين:

 

أ- نوع يهاجم الاعتراف علنا، ويهاجم معه الكهنوت
أيضاً:

وهذا النوع هو الأضعف. لأنه مكشوف، يحترس منه
الثابتون في العقيدة. كما أن آراءه ظاهرة يمكن الرد عليها.

 

ب- والنوع الثانى لا يهاجم الاعتراف، ولا
الكهنوت، ولا التناول. ولكنه ينسبها للناس، بعدم الحديث عنها، وبتقديم بدائل لها.

 

كما ورد في مجلة (الينبوع): [ هل تحب أن تتبرر
الآن؟ ماذا يمنع؟ لا شئ إنها فرصة العمر أن تأتى كما أنت، وتقبل الرب يسوع، فتتبرر
في لحظات ]!! (1 ص 13)

 

وورد فيها أيضاً: [ تتطلع إلى حمل الله، وتضع
عليه آثامك وخطاياك.. وتنطلق أنت حراً. إلق كل احمالك، واستمتع بغفرانه ]!! (1: ص
17)

 

وورد فيها كذلك: [ هذا هو ثمن التبرير: لقد مات
البار، وسدد دين الخطية كله إلى الابد. إن قبلته اليوم، تحصل على البراءة، وتخرج
من محضره حراً من كل دين ] (1: ص12)

 

وبنفس المعنى قولها عن المسيح: [ إن استطعت أن
تراه وهو يطعن بواسطة الجندى الرومانى، فسوف تتبرر في لحظة واحدة ] (1: ص 10)0

 

وفى كل هذه الأمثلة، ينال الإنسان التبرير
والغفران ويتخلص من جميع خطاياه، بدون الاعتراف، وبدون التحليل، بمجرد قبول المسيح،
أو التطلع إليه!! وبدون الأسرار الكنسية.

 

ومثال ذلك ما ورد في إحدى المجلات القبطية، التي
دخلت فيها هذه الروح تحت عنوان [ اختبارت روحية ] وفى كل ذلك، لا حديث عن الأسرار،
كأن لا أهمية لها، وتقديم بدائل من كلام له طابعه الروحى، ويخفى خطورة لاهوتية..

 

إنه طريق غير مكشوف، وواجبنا أن نكشفه للناس،
ليحترسوا.

 

وهذا الاسلوب هو ما يميز النبذات غير
الارثوذكسية.

 

21- التوبة والكنيسة

بينما تقدم البروتستانتية التوبة كمجرد عمل فردى
داخل القلب، تضيف الارثوذكسية إلى ذلك عمل الكنيسة والأسرار والكهنوت. وهذه
الثلاثة لا تتعرض لها الكتابات التي تهاجم العقائد الأرثوذكسية، وبها تميز النبذات.

 

أما الأرثوذكسية فتقدم في التوبة: التحليل من فم
الكاهن، حسب قول الرب لرجال الكهنوت: اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له.
ومن أمسكتموها عليه امسكت) (يو 20: 22، 23) ومع التحليل، يوجد الارشاد الروحى من
أب الاعتراف، والسماح بالتناول من الأسرار المقدسة.

 

22- التوبة والخلاص

الارثوذكسية ترى التوبة لازمة للخلاص، حسبما
ذكرنا قبلاً.

 

أما البروتستانت، ففى التركيز على أهمية الدم في
موضوع الخلاص، ينسون الكلام على التوبة، أو يضعونها تحت عنوان (التقديس) دون
التركيز على دورها في الخلاص..

 

والبعض يضعون كلمة الخلاص مكان كلمة التوبة.

 

فإن كان إنسانا مدمنا على الخمر أو القمار مثلاً،
وتأثر بعظة وتاب، يقولون إنه خلص في تلك اللحظة! وربما يعود إلى ذلك. وقد يبطل هذا
الشخص الخمر والقمار بصفة دائمة، وتكون له خطايا أخرى لم يخلص منها..

 

23- التوبة والنعمة

فى التوبة يركز البروتستانت على عمل النعمة،
ويرون كل جهاد الإنسان لا قيمة له! يكفى أن يلقى بنفسه عند قدمى المسيح، فيخلصه من
جميع خطاياه، دون عمل منه!

 

أما التعليم الأرثوذكسى، ففيه الحياة الروحية هى
شركة مع الروح القدس الروح يعين، والنعمة تعمل، والإنسان يجاهد.

 

وإن لم يجاهد، يبكته الرسول بقوله، (يبكته
الرسول بقوله: (لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية) (عب 12: 4) والكتاب
المقدس يصور لنا الحياة الروحية، حربا مع أجناد الشر الروحية، تحتاج إلى سلاح الله
الكامل (أف 6) ولابد للإنسان أن ينتصر في هذه الحرب لينال المكافأة. والسيد المسيح
في رسائله إلى ملائكة (رعاة) الكنائس السبع، كرر عبارة: (من يغلب..) سبع مرات،
كشرط للنعيم الابدى (رؤ 2، 3)

 

إن النعمة لا تعمل وحدها كل شئ، وإلا ما كان
الله يقول عن التوبة: (ارجعوا إلى، أرجع إليكم) (ملا 3: 7)

 

وقد كتبنا عن هذا الموضوع باباً كاملاً في كتاب
(الخلاص في المفهوم الأرثوذكسى) يمكن الرجوع إليه. وخلاصة الأمر هى:

 

تركز البروتستانتية على الجانب الإلهى وحده، في
التوبة، وفى الخلاص، وتهمل الجانب البشرى تماماً.

 

24- التوبة والاختبارات

إنهم يعتبرون اختبارا. ويشجعون التائبين أن
يحكوا اختباراتهم في الاجتماعات أمام الناس. فتسمع منهم عبارات: ,, أنا كنت (كذا)
وصرت (كذا)..،، ويظل يسرد خطايا بشعة بلا خجل.. مغطياً إياها بما وصل إليه من
نعمة!!

 

أما الارثوذكسية فلا توافق على سرد هذه القص،
لأنها غالباً ما تحمل افتخاراً بالتغير الذي وصل إليه التائب. وقد يتأذى البعض من
سماع الخطايا التي يعلنها (التائب) بلا خجل..

 

25- التوبة بين الفرح والانسحاق

تعلم الارثوذكسية بوجوب إنسحاق التائب، متذكراً
ما أساء به إلى الله، مبللا فراشة بدموعه كما فعل داود النبى. أما البروتستانتية
فتدفع الناس إلى فرح لا إنسحاق فيه.. بل كثيراً ما يتحول التائب حديثاً إلى خادم،
بطريقة مباشرة، لا تعطيه فرصة للحزن الداخلى على خطاياه!

 

ويعللون ذلك بوجوب الفرح بالخلاص (امنحنى بجهة
خلاصك) (مز 50) بينما بولس الرسول تحدث عن فوائد الحزن على الخطية (2كو 7)

 

ولا ننسى أنه في تناول خروف الفصح وسط فرح الشعب
بخلاصه من سيف المهلك، كان يأكل الفصح على أعشاب مرة، حسب أمر الرب (خر 12: 8)
والأعشاب المرة كانت تذكرهم بخطاياهم، التي بسببها وقعوا في عبودية فرعون.

 

الفصح يذكرهم بالخلاص وبهجته. ولكنه يؤكل على
أعشاب مرة.

 

فما هو مركز (الأعشاب المرة) في التوبة بالمفهوم
البروتستانتى؟ وما مركز إنسحاق القلب ودموع التوبة؟

 

26- التوبة والتجديد

إن ما نسميه في الارثوذكسية (توبة)، كثيراً ما
يسميه البروتستانت تجديداً، أو ولادة جديدة، أو خلاصاً..‍‍‍‍!

فيسألون التائب:

هل تجددت؟

هل خلصت؟

هل اختبرت الولادة الجديدة، الخلاص، تتم في سر
المعمودية.

أما التوبة فهى عملية تغيير في سلوك الإنسان.

على إننا نفرق بين تجديد الطبيعة الذي يحدث في
المعمودية، وتجديد الذهن (رو 12: 2).

الذي يحدث في التوبة.

 

27- التوبة والسلوك والأعمال

البروتستانتية، لا ترى الحياة المسيحية حياة
سلوك وعمل، بل حياة نعمة وإيمان. وأما الأرثوذكسية فإلى جوار الإيمان والنعمة،
تضيف السلوك والأعمال كثمر لهما، يدل عليهما.

 

فالكتاب يقول: (اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة) (مت
3: 8) (وأعمالاً تليق بالتوبة) (أع 26: 20) ويقول: وأنا أريك بأعمالى إيمانى) (يع
2: 18).

 

كما يقول القديس يوحنا الرسول: (من قال إنه ثابت
فيه، ينبغى أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً) (1يو 2: 6).

 

(إن سلكنا في النور كما هو في النور، فلنا شركة
بعضنا مع بعض، ودم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطية) (1يو 1: 7)

 

إذن أهمية السلوك والأعمال، تعليم كتابى..

 

إن التطهير يتم بالدم، ولكن على أساس التوبة
والسلوك في النور، حسب تعليم القديس يوحنا الرسول (1يو 1: 7)

 

28- دور الكنيسة في نيل الخلاص

إن الخلاص العظيم الذي قدمه السيد المسيح على
الصليب، تنقله الكنيسة بعمل الروح القدس فيها إلى الناس.

 

وذلك بتكليف من السيد المسيح نفسه. وذلك عن طريق
ثلاثة أمور هى:

خدمة الكلمة،

وخدمة الأسرار،

وخدمة المصالحة،

والرعاية..

 

29- خدمة الكلمة

اخوتنا البروتستانت يركزون في الخلاص على
الإيمان. وكيف يصل الإيمان إلى الناس إلا عن طريق الكنيسة؟

 

وفى هذا يقول الرسول: (كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا
به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا؟ (رو 10: 14) والكنيسة هى
التي ترسل الكارزين، بعد أن تضع عليهم اليد، وهى التى تنشر الإيمان، الذي بدونه لا
يخلص أحد.

 

إذن الكنيسة لها دور أساسى في الخلاص عن طريق
نشر الإيمان، بالكرازة وخدمة الكلمة..

 

وهذه الخدمة تستلمها الكنيسة من فم المسيح نفسه،
الذي قال لآبائنا الرسل: (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم.. وعلموهم أن يحفظوا
جميع ما أوصيتكم به) (مت 28: 19) (اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل
للخليقة كلها) (مر 16: 15)

 

بهذه الكرازة أوصلت الكنيسة الإيمان للناس،
وبدونها ما كان ممكناً ان يخلصوا ولذلك حرص الرسل على هذه الخدمة. وفى سيامة
الشمامسة السبعة قالوا: (وأما نحن فنعكف على الصلاة وخدمة الكلمة) (أع: 4)

 

وقد جعل الرب خدمة الكلمة الموصلة للخلاص من
إختصاص الكنيسة، ولم يعهد بها حتى للملائكة ففى قصة إهتداء كرنيلوس، أرسل له الله
ملاكاً. وكان يمكن لهذا الملاك أن يبشر كرنيليوس برسالة الخلاص. ولكنه لم يفعل ذلك،
إنما أحاله إلى الكنيسة المؤتمنة على هذه الخدمة. وهكذا قال له: (ارسل إلى يافا
رجالا، واستدع سمعان الملقب بطرس) وماذا تكون مهمة بطرس هذا؟ قال الملاك في ذلك:

 

(وهو يكلمك كلاماً به تخلص أنت وأهل بيتك) أع 10:
14).

 

وصارت هذه مهمة من عمل الكنيسة، أعنى خدمة
التعليم، وتفهيم الناس قواعد الإيمان وتعريفهم بطريق الخلاص. وهكذا قال القديس
بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف:

 

(لاحظ نفسك والتعليم وداود على ذلك.. فانك إن
فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً) (1تى 4: 16)

 

إذن التعليم هو وسائط الخلاص. والكنيسة هى التي
اؤتمنت على التعليم، بحسب قول الرب: (وعلموهم جميع ما أوصيتكم به) (مت 28: 19)
وهكذا قال بولس الرسول: (إذ الضرورة موضوعة على، فويل إن كنت لا أبشر.. فقد
استؤمنت على وكالة) (1كو 9: 16، 17) وكان الخلاص هو هدف التبشير لذلك يقول الرسول
بعد ذلك:

 

(.. لأخلص على كل حال قوماً..) (1كو 9: 22)

 

وعن طريق الكرازة وخدمة الكلمة، استطاع فيلبس أن
يقود الخصى الحبشى إلى الإيمان لكى يخلص (أع 8) بخدمة الكلمة في يوم الخمسين، أمكن
أن تخلص ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 41)

 

وخدمة الكلمة لا يقوم بها إلا المرسل من الكنيسة،
لذلك لما دعا الروح القدس برنابا وشاول لهذه الخدمة أحالهما إلى الكنيسة.

 

وقال الروح القدس: (افرزوا لى برنابا وشاول
للعمل الذي دعوتهما إليه) (أع 13) إنها دعوة من الروح القدس. ولكن لابد أن تمر عن
طريق الكنيسة من خلال القنوات الشرعية التي عهد لها الله بهذه الخدمة: (فصاموا
حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى وأطلقوهما بسلام) وهكذا عملا في خدمة الكلمة
(أع 13: 2، 3) وخدمة الكلمة ليست كل شئ في عمل الكنيسة من جهة الخلاص، إنما هناك
أيضاً خدمة الأسرار.

 

30- خدمة الأسرار

الكنيسة تقدم الخلاص عن طريق خدمة أسرار الكنيسة
المقدسة.

1 وفى مقدمة هذه الأسرار سر المعمودية، الذي قال
فيه الرب: (من آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16) والذى أمر به الكنيسة حينما قال
لآبائنا الرسل: (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح
القدس) (مت 28: 19)

 

ولذلك فإن الرسل، حالما آمن اليهود في يوم
الخمسين، عمدوهم لمغفرة الخطايا (أع 2: 41، 38).

 

ولا شك أن مغفرة الخطايا التي تأتى بالمعمودية
لازمة للخلاص.

 

وهكذا عمدوا أيضاً الخصى الحبشى (أع 8)
وكرنيليوس وجميع الذين كانوا يسمعون الكلمة معه (أع 10) وعمدوا أهل السامرة (أع 8)
وعمدوا سجان فيلبي والذين له (أع 16) وكذلك ليدية بائعة الأرجوان هى وأهل بيتها
(أع 16)

 

ومازالت الكنيسة بالمعمودية تنقل الخلاص إلى
الناس، إذ يدفنون فيها مع المسيح ويقومون معه. يموت إنسانهم العتيق (رو 6) ويلبسون
المسيح في المعمودية (غل 3: 27)

 

وقد شرحنا في بداية هذا الفصل فاعلية المعمودية
وعلاقتها بالخلاص. وفيها تعطيهم الكنيسة مغفرة الخطية الأصلية والخطايا السابقة
للمعمودية، عن طريق استحقاقات دم المسيح، وتصيرهم أولاداً لله (يو 3: 5، تى 3: 5)

 

2 ولكن الناس يخطئون بعد معموديتهم، ويحتاجون
إلى الخلاص من عقوبة هذه الخطايا.. وهنا تقدم لهم الكنيسة سر التوبة، وسر
الافخارستيا، لمغفرة خطاياهم.

 

وذلك بالسلطان الممنوح للكنيسة في قول السيد
المسيح: (من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكت) يو 20: 23) وقوله: (ما
تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء. وما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في
السماء) (مت 18: 18)

 

أى فرح للمؤمن أن يأخذ خلاً من خطاياه، بسلطان
معطى من السيد المسيح نفسه. وهناك ينال المغفرة.

 

ونفس المغفرة ينالها في سر الافخارستيا، الذي
نقول عنه في القداس الإلهى: (يعطى عنا خلاصاً) وغفراناً للخطايا، وحياة أبدية لكل
من يتناول منه) وذلك بناء على قول السيد المسيح لتلاميذه حينما سلمهم هذا السر
(جسده ودمه) (لمغفرة الخطايا) (مت 26: 28). وحسب قوله لليهود: من يأكل جسدى ويشرب
دمى فله حياة أبدية) (يو 6: 54) و(ويثبت في وأنا فيه) (يو 6: 56)

 

3 والكنيسة تساعد الناس على الخلاص بسكنى الروح
القدس فيهم، وتعطيهم ذلك عن طريق سر المسحة المقدسة (1يو 2: 20، 27)

 

وكان هذا السر العظيم، تمنحه الكنيسة في بادئ
الأمر عن طريق وضع اليد (أع 8: 17، أع 19: 6) ومادام بدون الروح القدس، لا يستطيع
إنسان أن يحيا حياة روحية، ولا أن يتبكت على خطية، إذن فمنح هذا السر عن طريق
الكنيسة له عمله الخلاصى العميق.

 

4 وكل هذه الأسرار المقدسة المؤدية إلى الخلاص،
تقدمها الكنيسة عن طريق سر آخر هو سر الكهنوت.

 

وهكذا ندرك أهمية الكنيسة والكهنوت في قضية
الخلاص.

 

حقاً إن الخلاص قد تم على الصليب بالفداء بدم
المسيح. ولكن نقل هذا الخلاص إلى الناس تقوم به الكنيسة عن طريق الكهنوت والأسرار
المقدسة..

وبالإضافة إلى هذا تقوم الكنيسة بالرعاية وخدمة
المصالحة

 

31- الرعاية وخدمة المصالحة

كل مؤمن معرض أن يضل عن الطريق، فمن يفتقده ويرعاه،
ويرده إلى الطريق، إلا الكنيسة التي تقود المؤمنين في حياة التوبة، وبالتالى في
طريق الخلاص، حسب قول الكتاب:

 

(من رد خاطئاً عن ضلال طريقه، يخلص نفساً من
الموت، ويستر كثرة من الخطايا) (يع 5: 20).

 

وبهذا العمل، تخلص الكنيسة نفوساً من الموت،
تخلصهم من موت الخطية عن طريق الارشاد، وعن طريق الافتقاد، وعن طريق الهداية.
وهكذا تعمل على مصالحتهم مع الله.. هذه المصالحة التي قال عنها القديس بولس الرسول:

 

(وأعطانا خدمة المصالحة. نسعى كسفراء عن المسيح،
كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله) (2كو 5: 18، 20).

 

ويمكن أن تدخل هذه المصالحة تحت سر التوبة.

 

ولولا أهمية هذا العمل لخلاص أنفس الناس، ما كان
الكتاب يقول إن الله أعطى البعض أن يكونوا رعاة.. لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح
(اف 4: 11، 12) وما كان يقول لبطرس: (ارع غنمى، أرع خرافى) (يو 21: 15، 16).

 

عمل الرعاية هذا يقوم به الكهنوت في الكنيسة:

وهكذا قال بولس الرسول لأساقفة أفسس: (احترزوا
إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة
الله التي اقتناها بدمه) (اع 20: 28)

 

أترى كان يتم الخلاص بدون عمل الرعاية؟ محال..

هوذا الإنجيل يقول عن الغنم الى لا راعى لها إن
الرب (لما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين، كغنم لا راعى لها)
(مت 9: 36) وهؤلاء ما أسهل أن يفتك بهم العدو، ويفقدون الخلاص.

إن الخلاص لا يمكن الحصول عليه بدون الكنيسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار