اللاهوت العقيدي

الفصل الثانى



الفصل الثانى

الفصل الثانى

الكهنوت دعوة وإرسالية

15- الكهنوت دعوة واختيار ومسحة

هذه الدعوة واضحة تماماً في كلا العهدين القديم
والحديث بمبدأ هام أعلنه القديس بولس الرسول في (عب 5: 4) ” لا يأخذ أحد هذه
الكرامة بنفسه، بل المدعو من الله كما هرون”. ومادامت هناك دعوة، إذن العمل
ليس للكل.

 

فلنحاول إذن أن نتتبع التدبير الإلهى في موضوع
الكهنوت منذ البدء، من العهد القديم، وسنرى أن الخطة الإلهية هى هى في العهدين لن
تتغير. الله ” هو هو أمساً واليوم وإلى وإلى الأبد” (عب 13: 8)، ”
ليس عنده تغيير ولا ظل دوران” (يع 1: 17). بل أن السيد المسيح إنتقد الأمور
التي ” لم تكن منذ البدء” (مت 19، مر 10) مما يدل على محبة الله لهذا
الذي كان منذ البدء.

 

[1] إختار الله الأبكار، ليكونوا له، وقال في
ذلك ” قدس لى كل بكر، كل فاتح رحم إنه لى” (خر 13: 2). ونلاحظ هنا ثلاثة
أمور:

 

أ- الله يختار لخدمته من يشاء. هو يعين وليس نحن.

 

ب- هؤلاء الذين يختارهم هم له، أى نصيبه، تصيب
الرب. ولذلك أطلق عليهم كلمة (إكليروس) ومعناها (نصيب) أى نصيب الرب.

 

ج- كان هؤلاء ايضاً (قدس) للرب، مقدسين له.

 

[2]ثم اختار له هارون وبنيه لخدمة الكهنوت بدلاً
من الأبكار، الأشخاص تغيروا، ولكن الكهنوت بقى هو هو نصيب الرب.

 

ولذلك لم يكن لهم نصيب في تقسيم الأرض، لأن الرب
هو نصيبهم، يأكلون مما يعطى للرب. إنهم له.

 

[3] ولم يكتف الله باختيار هارون وبنيه، وإنما
أمر موسى بأن يمسحهم بالدهن المقدس أمام كل الجماعة (لا 8)

 

وذلك في محفل مقدس، قدمت فيه ذبيحة للرب،
وألبسهم ثياباً مقدسة، أمر الله بصنعها، حسب اختيار الله في كل تفاصيلها ”
صنعوا الثياب المقدسة التي لهرون، كما أمر الرب موسى” (خر 40: 1). وقال الرب
لموسى:

 

“وتقدم هرون وبنيه إلى باب خيمة الإجتماع،
وتغسلهم، وتلبس هرون الثياب المقدسة، وتمسحه، وتقدسه، ليكهن لى. وتقدم بنيه
وتلبسهم أقمصة، وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لى. ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم
كهنوتاً أبدياً في أجيالهم” (خر 40: 12- 5)

 

[4] صدقونى إنى أقف هنا منذهلاً، أمام تكريم
الله لوكلائه! الله إختار هرون وبنيه ليكهنوا له، ولكنم لم يمكنهم أن يقوموا بعمل
الكهنوت، إلا بعد أن مررهم على وكيله موسى “الأمين على كل بيته” (عدد 12:
7). فقدسهم للرب، ومسحهم بالدهن المقدس، فصارت لهم هذه المسحة كهنوتاً أبدياً..

 

هل تظنون أن هذا الأمر كان في العهد القديم فقط،
بل هو في العهد الجديد أيضاً كما سترون بعد قليل..

 

[5] نلاحظ أيضاً أنهم صنعوا صفيحة من ذهب نقى،
ونقشوا عليها عبارة (قدس للرب) ووضعوها على عمامة هارون من قدام، فتكون على جبهته
دائماً، للرضا عنهم أمام الرب” (خر 28: 38).

 

أى مجرد رؤية هذا الذي صار (قدساً للرب) تجلب
الرضاً عن الشعب أمام الله.. ما أعجب إكرام الرب لخدامه..

 

نلاحظ ايضاً أنه قيل عن ثياب هرون وبنيه إنها
مقدسة، إنها للمجد والبهاء، كما قال لرب لموسى ” واصنع ثياباً مقدسة لهرون
أخيك، للمجد والبهاء. وتكلم جميع حكماء القلوب، الذين ملأتهم روح حكمة، أن يصنعوا
ثياب هرون لتقديسه ليكهن لى.. ولبنى هرون تصنع أقمصة، وتصنع لهم مناطق، وتصنع لهم
قلانس للمجد والبهاء” (خر 28: 2، 3، 40).

 

هل تظنون أن الله يهتم بخدام العهد القديم كل
هذا الإهتمام ن ويسر بلهم بالمجد والبهاء، ولا يهتم بخدام العهد الجديد، وهو
أفضل؟!

 

[6]هذه المسحة التي أخذها هرون وبنوه، كان يصحبها
حلول الروح القدس، ويظهر ذلك من قول الكتاب ” روح السيد الرب على، لأنه مسحنى
لأبشر المساكين” (أش 61: 1) فارتبطت المسحة بحلول الروح القدس.

فالمسحة إذن تعطى الروح، وتعطى سلطاناً لممارسة
خدمة الكهنوت.

وفى العهد الجديد حل محلها وضع اليد والنفخة
المقدسة (يو 20: 22).

وعملية المسحة، تقابل طقس السيامة في العهد
الجديد..

 

[7] خصص الله الكهنوت في جماعة معينة هى هرون
وبنوه. ولما احتج قورح وداثان وأبيرام، وأرادوا أن يكون الكهنوت للأمة كلها، على
اعتبار أنها ” أمة مقدسة ” و” مملكة كهنة ” قال لهم موسى
” غداً يعلن الرب من هو له، ومن المقدس، حتى يقربه إليه. فالذى يختاره يقربه
إليه” (عد 16: 5).

 

لاحظوا هنا وصف موسى للكاهن: (إنه للرب، هو مقدس،
يختاره الرب، يقرب إليه). واختار الرب كهنته، وابتلعت الأرض المحتجين المطالبين
بتأميم الكهنوت.. وكان درساً للأجيال كلها..

 

[8] الكهنوت إذن مسحة وإرسالية:

 

16- الكهنوت دعوة وإرسالية

يقول الكتاب ” روح السيد الرب على، لأنه
مسحنى لأبشر المساكين، أرسلنى لأعصب منكسرى القلب..” (أش 61: 1). قال ”
مسحنى وأرسلنى ” فالمسحة تسبق الإرسالية..

 

و الذي لا يرسلة الرب، لا فائدة من عمله. أنظر
قول الإلهى”.. وأنا لم ارسلهم ولا أمرتهم. فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول
الرب” (أر 23: 32).

 

[9] في العهد الجديد نفس الوضع:

 

الدعوة، الإختيار، المسحة، الإرسالية:

 

يقول الكتاب عن السيد المسيح ” ثم دعا
تلاميذه الإثنى عشر” (مت 10: 1). وهذه الدعوة شرحها الإنجيل بالنسبة إلى كل
واحد على حدة. ثم ماذا؟ يتابع البشير كلامه فيقول ” هؤلاء الإثنا عشر، أرسلهم
يسوع، وأوصاهم قائلاً..” (مت 10: 5).

 

إذن هنا دعوة، لأشخاص معينين.. وهنا إرسالية لهم
وليس لكل أحد.

 

” ودعا تلاميذه الأثنى عشر، وأعطاهم قوة
وسلطاناً.. وأرسلهم ليكرزوا..” (لو 9: 1، 2) ” وبعد ذلك عين الرب سبعين
آخرين أيضاً، وارسلهم اثنين اثنين” (لو 10: 1).

 

وقال الرب عن هذه الإرسالية ” كما أرسلنى
الآب، أرسلكم أنا..” (يو 20: 21).. وقال في صلاته للآب ” كما أرسلتنى
إلى العالم، ارسلتهم أنا إلى العالم” (يو 17: 18). وفى تأكيد الارسالية من
الله قال: “اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده” (مت 9: 38).

 

وقال عن الإختيار ” لستم أنتم اخترتمونى،
بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر” (يو 15: 16). والأختيار يدل
على أنه ليس لكل أحد.

 

إذن هنا اختيار وإرسالية. ولا يستطيع أحد أن يعمل
هذا العمل من ذاته، بل المدعو من الله كما هرون.

 

[10] والمسيح لم يرسل فقط، وإنما أرسل، وحدد
مكان العمل، ونوع العمل أيضاً.. لكى لا يعمل أحد من ذاته.

 

فى أول ألأمر قال لهم ” إلى طريق أمم لا
تمضوا، ومدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل
الضالة” (مت 10: 5، 6). ثم قال لهم أخيراً ” تكونون لى شهوداً فى
أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع 1: 8). وفى اختيار
وارسال بولس قال له: “اذهب فانى سارسلك إلى الأمم بعيد ” ومن جهة العمل،
قال لهم وتلمذوا جميع الأمم، وهمدوهم باسم الآب والإبن والروح، علموهم أن يحفظوا
جميع ما أوصيتكم به” (مت 28: 19، 20). ” إكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.
من آمن واعتمد خلص” (مر 16: 15، 16).

 

وهنا نجد رسالة معينة، خاصة بهذه الإرسالية.. أن
يكرزوا، ويتلمذوا، ويعمدوا، ويسلموا ما تسلموه من الرب..

 

17- الكهنوت رسالة معينة

إذن هناك إرسالية في العهد القديم وفى العهد
الجديد، ليس للكل، وإنما كانت لأشخاص معينين، يرسلهم الرب برسالة خاصة.

 

[11] وحتى في الفترة التي بين العهدين، نقرأ عن
يوحنا المعمدان، الكاهن ابن زكريا الكاهن، أنه قيل عنه في الإنجيل ” كان
إنسان مرسل من الله إسمه يوحنا.

 

هذا جاء للشهادة، ليشهد للنور، ليؤمن الكل
بواسطته” (يو 1: 6، 7).

 

[12] نفس الوضع، إرسالية لشخص معين، برسالة
معينة. نلاحظ هنا أن كهنوته كان للشهادة للنور، ولا تركيز على تقديم الذبائح..

 

كان عمل هذا الكاهن أن ” يهيئ للرب شعباً
مستعداً” (لو 1: 17) ويهيئ الطريق قدامه، كارزاً بمعمودية التوبة (مر 1: 2 –
4).

 

الله اختار يوحنا، قبل أن يولد، وقدسه وهو في
بطن أمه، وملأه من الروح القدس (لو 1: 15)، وأرسله، وحدد له رسالة معينة يقوم بها
ككاهن، لم تكن تقديم الذبائح، بل الكرازة بمعمودية التوبة، وإعداد القلوب لاستقبال
الرب..

 

[13] مادام الكهنوت إذن دعوة واختيار وإرسالية
من الله، إذن ليس هو لجميع الناس، وإنما لمن اختارهم الرب ودعاهم..

 

فى مملكة الله، مادام الله هو الملك، فهو الذي
يختار خدامه، وهو الذي يدعو ويرسل. ولا يعمل أحد شيئاً من ذاته بل كل شئ حسب أمر
الرب (خر 39: 43) ” حسب المثال الذي صنعه الرب” (خر 25: 9).

 

ليس هذا عن درجة الرسولية فقط، بل عن خلفائهم
الأساقفة أيضاً: إذ يقول الرسول لأساقفة أفسس ” إحترزوا إذن لأنفسكم ولجميع
الرعية التي أقامكم الروح القدس عليها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها
بدمه” (أع 20: 28).

 

إذن الأساقفة خلفاء الرسل، يقيمهم الروح القدس
رعاة.

 

الروح القدس هو الذي يقيم وهو الذى الذي يرسل.
لذلك يقول السيد المسيح ” أطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده”
(مت 9: 38)..

 

18- النفخة المقدسة

كيف أعطى السيد المسيح للرسل الروح القدس وسلطان
الكهنوت؟ يقول الكتاب إن السيد المسيح ظهر لتلاميذه بعد القيامة، والأبواب مغلقة
عليهم بسبب الخوف:

 

” ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. فقال لهم
يسوع أيضاً سلام لكم. كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ، وقال لهم
إقبلوا الروح القدس.

 

من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه
أمسكت” (يو 20: 20 – 23)

 

[15] نفخة الروح هذه مازالت قائمة يسلمها جيل
لجيل.

 

ففى سيامة الكهنة، يفتح المختار للكهنوت فمه،
وينفخ فيه رئيس الكهنة قائلاً إقبل الروح القدس.

 

بينما يقول هذا الكاهن الجديد قول الروحى في
المزمور ” فتحت فمى واجتذبت لى روحاً” (مز 119).

 

[16] والرسل كانوا يمنحون الروح القدس بوضع اليد
في كل رتب الكهنوت، أساقفة، وكهنة، وحتى الشمامسة أيضاً. ووضع اليد على أشخاص
معينين، دليل على أنه ليس للكل.

أنظروا إلى اختيار وسيامة الشمامسة السبعة (أع
6).

 

19- وضع اليد

[17] إقامة الشمامسة بوضع اليد:

إحتاجت الكنيسة إلى شمامسة للخدمة، فهل تطوع
البعض للخدمة وخدموا؟ أو هل تقدمت الكفاءات وخدمت؟ كلا.

 

بل قال الرسل ” إنتخبوا أياً الإخوة سبعة
رجال منكم، مشهوداً لهم، مملوئين من الروح القدس والحكمة، فنقيمهم على هذه
الحاجة” (أع 6: 3).

 

يا أباءنا الرسل، وجدنا هؤلاء المملوئين من
الروح القدس والحكمة، فهل يخدمون إذن؟ كلا، بل نقيمهم نحن على هذه الحاجة..

 

نضع عليهم الأيادى، فيأخذون سلطاناً من الروح
القدس للخدمة.

 

حتى هذه الدرجة، لا يأخذها احد من نفسه، بل
المدعو من الله. ” فحسن هذا الأمر أمام كل الجمهور. فاختاروا استفانوس رجلاً
مملوءاً من الإيمان والروح القدس..” (أع 6: 5). إنه ليس مملوءاً من الروح
القدس والحكمة فقط، بل والإيمان أيضاً. وماذا بعد ” وأما استفانوس فإذ كان
مملوءاً إيماناً وقوة، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب” (أع 6: 8)..

 

[18] وهنا نرى عجباً، يرينا أهمية الكنيسة كقناة
شرعية بمر بها الخدام.

 

أمامنا شخص مملؤ من الروح القدس والحكمة، مملؤ
من الإيمان والقوة، يصنع عجائب وآيات عظيمة. ولكن كل هذه المؤهلات لا تكفى لأن
يبدأ الخدمة من ذاته، بل ترسله الكنيسة أولاً. يمر فى القنوات الشرعية التي قررها
الإنجيل. توضع عليه اليد، وحينئذ يأخذ وضعه الشرعى في الكنيسة، ويأخذ سلطاناً
للخدمة. وحينئذ فقط يبدأ خدمته.

 

إذن الأمر ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى..

 

[19] ووضع اليد، هل ناله استفانوس وباقى
الشمامسة السبعة من الشعب الذي اختارهم؟ كلا، بل من الرسل، من رئاسه الكهنوت..

 

أقاموهم أمام الرسل. فصلوا ووضعوا عليهم
الأيادى” (أع 6: 6).

 

هل استطاع أحد من هؤلاء المملوئين من الروح
القدس والحكمة أن يقول ” كلنا ملوك وكهنة “، كما يقولها حالياً أقل من أستفانوس
في المواهب؟ كلا، بل في تواضع، وتسليم للحق الكتابى، أحنوا رؤوسهم جميعاً، وأخذوا
وضع اليد من رئاسة الكنيسة، من الرسل الذين قالوا ” نقيمهم نحن على هذه
الحاجة”.

 

نقيمهم نحن، على الرغم من أمتلائهم من الروح
القدس، وامتلائهم من الحكمة ومن الإيمان ومن القوة، وعلى الرغم من صنع المعجزات.

 

[20] إن المؤهلات شئ، وسلطان الكهنوت شئ آخر..

 

و المؤهلات وحدها، بدون وضع اليد لا تكفى للقيام
بالخدمة.

 

كان استفانوس كارزاً عظيماً بالكلمة. واستطاع أن
يقف أمام كل المجامع التي التى حاورته في الإيمان “ولم يقدروا أن يقاوموا
الحكمة والروح الذي كان يتكلم به” (أع 6: 10). ولكن هذه القدرة على عمل
الكرازة لابد لها من إرسالية شرعية لكى تخدم ” كيف يكرزون، إن لم يرسلوا؟!
(رو 10: 15).

 

لابد نقيمهم نحن على هذه الحاجة”. توضع
عليهم اليد الرسولية، فينالوا سلطاناً من الكنيسة للخدمة، ولا يخدمون من تلقاء
أنفسهم.

 

قال السيد المسيح للرسل ” كما أرسلنى الآب،
أرسلكم أنا” (يو 20: 21)، والرسل كما أرسلهم المسيح، يرسلوا باقى الخدام،
يسلمونهم نفس السلطان ونفس الروح، ويتتابع وضع اليد من جيل إلى جيل..

 

وهنا نسأل: هل وضع اليد اقتصر على درجة الشماسية
فقط، أم على ما هو أعلى منها درجات أيضاً..

 

نقول إنه اتبع حتى مع رسول عظيم مثل القديس بولس
الرسول.

 

[21] وضع اليد على القديس بولس الرسول (شاول
الطرسوسى):

 

هذا الإناء المختار، ظهر له السيد المسيح في
الطريق إلى دمشق، وداعه بنفسه، وقال الرب عنه لحنانيا ” هذا لى إناء مختار،
ليحمل إسمى أمام أمم وملوك وبنى إسرائيل” (أع 9: 15).

 

* ولم يدعه الإبن فقط، بل الآب أيضاً. وهو نفسه
قال عن هذا ” لما سر الله الذي أفرزنى من بطن أمى، ودعانى بنعمته، أن يعلن
إبنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحما ولا دماً..” (غل 1: 15، 16)

 

ولم يدعه الآب والإبن فقط، بل الروح القدس أيضاً
(أع 13: 2)، إذن فقد دعى من الثالوث القدوس..

 

ولكنه لم يباشر خدمته، إلا بمرور على القنوات
الشرعية في الكنيسة، فوضعت عليه اليد، ليأخذ سلطاناً للخدمة.

وهل نقول هذا من عندياتنا؟ كلا، بل هذا هو الحق
الكتابى، وهذا هو الحق الإنجيلى، الذي أعلنه لنا الوحى الإلهى..

 

ما هو هذا العجب العجاب الذي يسجله لنا سفر
أعمال الرسل؟

 

القصة هى هذه: الروح القدس دعا برنابا وشاول
للخدمة، ولكنه لم يشأ مطلقاً أن يرسلهما، إلا بعد أن ينالا وضع اليد من الرسل
أولاً الذين ” بينما هو يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: إفرزوا لى
برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه” (أع 13: 2).

 

يا رب مادمت قد دعوتهم، فمن نحن؟ نحن مجرد خدام
الله قد دعوتنا كما دعوتهم. فما معنى عبارة ” إفرزوا لى”..؟! من نحن حتى
نفرز لك؟ إرسلهم كما تشاء، أنت يا الله.

 

كلا، بل أنتم الذين تفرزوهما للخدمة، حتى لو كنت
أنا الذي دعوتهما. أنتم القنوات الشرعية التي اخترتها للخدمة. أنتم وكلاء سرائر
الله (1كو 4: 1). وقد فوضتكم في العمل..

 

لابد لهذين الرسولين المدعوين من روح الله
القدوس،، أن يمرا على الكنيسة أولا، على الرغم من الدعوة الإلهية، ولا بد لهما من
ينالا وضع اليد من السلطة الرسولية، من وكلاء الله..

 

هل كان يجرؤ شاول الطرسوسى وقتذاك، أن يقول: “كلنا
ملوك وكهنة”.. ومن جهة الدعوة أنا مدعو من المسيح مثلكم، وقد ظهر لى خصيصاً،
وقال إننى إناء مختار له. وقد دعانى الروح القدس ايضاً، وأفرزنى الله من بطن أمى..!؟

 

كلا، بل أحنى راسه في تواضع، لينال وضع اليد
الرسولية، هو وبرنابا، من هؤلاء الرسل الذين الذين كانوا قبله، والذين أطاعوا
الروح القدس ” فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادى، ثم أطلقوهما”
(أع 13: 3).

 

فلما أرسلتهما الكنيسة بهذا الوضع، أعتبروا
مرسلين من الروح القدس، إذ بعد هذا مباشرة يقول الوحى الإلهى ” فهذان إذ
أرسلا من الروح القدس، إنحدراً إلى سلوكية..” (أع 13: 4).

إن وضع اليد الرسولية، هو للرسل كما للشمامسة..

ونلاحظ أن وضع اليد هنا كان من الرسل لا من
الشعب..

والروح القدس نفسه، لم يخاطب في ذلك الكنيسة
كلها كجماعة المؤمنين.

 

[22] ونلاحظ أيضاً اليد صحبته صلوات وأصوام:

إنهم لم يضعوا اليد فقط، وإنما ” صاموا
حينئذ وصلوا ” والمقصود طبعاً صلاة طقسية ” ليتورجية”. ونفس الوضع
هو الذي حدث في وضع اليد على الشمامسة السبعة ” الذين أقاموهم أمام الرسل،
فصلوا ووضعوا عليهم الأيادى” (أع 6: 6)

 

وكذلك حدث نفس الأمر في سيامة القسوس، إذ يقول
الكتاب عن الرسولين بولس وبرنابا، لما وصلا إلى نواحى لسترة وأيقونية وأنطاكية..
” ووانتخبا لهم قسوساً في كل كنيسة.. ثم صليا بأصوام واستودعاهم الرب”
(أع 14: 23). وإقامة القسوس تحتاج إلى صوم وإلى صلاة (ليتورجية طبعاً). كما نأتى
نحن إلى الكنيسة صائمين، ونصلى الصلوات الخاصة بسيامة القسوس، ثم نضع اليد..

 

[23] ولا بد أن وضع اليد كان مصحوباً بنطق خاص
بالرتبة.

فهذا أمر بديهى. والسيد المسيح نفسه، لما أعطى
الرسل الروح القدس والكهنوت في (يو 20: 20 – 23)، كان ذلك أيضاً مصحوباً بنطق مقدس
” كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا.. من غفرتم خطاياه غفرت له..”. وهكذا لما
منحهم في الكهنوت من قبل سلطان الحل والرابط (مت 16: 18) و(مت 18: 18).

 

[24] إن عبارة ” إفرزوا لى تدل على أن عمل
الكهنوت هو لمجموعة أفرزها الله لهذا العمل، وليس الجميع كهنة متساوين في عمل
الكهنوت.

 

وهؤلاء الذين أفرزوا لهذه الخدمة، نالوا الدعوة
الإلهية، والإختيار، والإرسالية، ووضع اليد الذي يمثل المسحة المقدسة.

 

الرسل دعاهم الرب بنفسه، وارسلهم بنفسه، وأعطاهم
السلطان بنفسه، وترك لهم تدبير أمور الكنيسة. وهم أرسلوا غيرهم كما أرسلهم الرب،
وأعطوهم السلطان. لأن الكنيسة ما كان ممكنا أن تقف عند حدود العصر الرسولى وتنتهى!..!
واستمرارها معناه أن جيل الرسل يسلم الكهنوت بكل ما فيه من خدمة وكرازة وسلطان
ووضع يد، إلى الجيال التي تليه، جيل يسلم جيلاً، إلى أن وصل إلى أيامنا هذه.

 

20- تسلسل وضع اليد

 بولس
الرسول وضع اليد على كثيرين، منهم تيموثاوس الأسقف، وتيطس الأسقف. وقال لتلميذه
تيموثاوس ” أذكرك أن تضرم موهبة الله التي فيك، بوضع يدى” (2تى 1: 6) أى
أن القديس بولس لما وضع يده على تيموثاوس، سرت موهبة الله منه إلى تلميذه.

 

وتيموثاوس الذي أخذ وضع اليد من بولس، كان يضع
يده أيضاً على آخرين، من القسوس. وفى ذلك نصحه القديس بولس قائلاً ” لا تضع
يدك على أحد بالعجلة، ولا تشترك في خطايا الآخرين” (1تى 5: 22)، أى ى تمنح
الكهنوت – بوضع ولا تشترك في خطايا الآخرين” (1تى 5: 22). أى لا تمنح الكهنوت
– بوضع يدك – في عجلة لمن هو غير مستحق، لئلا إذا أخطأ تكون مشتركاً معه في خطيته..

 

وبالمثل بالنسبة إلى كل رسول، وفى كل بلد، ظل
وضع اليد يتتابع إلى أن وصل إلى جيلنا، نفس الكهنوت، الذي منحه الرب لرسله، في
درجاته المتمايزة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار