كتب

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

القديس
إريناؤس وقانون البابا جلاسيوس

وموقفهما
من هذا الكتاب المزيف

 

1
– القديس (1) إريناؤس وموقفه من إنجيل برنابا و القديس بولس:

زعم
مصطفي العرندي في مقدِّمة النصّ الأسبانيّ أنَّ الراهب المزعوم “فرا
مرينو” عثر علي رسائل للقدِّيس إريناؤس وفي عدادها رسالة يندِّد فيها إريناؤس
بالقدِّيس بولس وأنَّه أسند تنديده هذا إلي إنجيل برنابا.

وهذا
الزعم يُلزمنا أنْ نبحث في كتابات القدِّيس إريناؤس، والموجودة في أيدينا حتَّي
اليوم، وأهمّها كتابه ” ضد الهرطقات ” الذي دافع فيه عن الإيمان القويم،
وقبل أنْ نبدأ هذا البحث يجب أنْ نضع أمامنا الأسئلة التالية:

(1)
هل يُوجد هذا التنديد المزعوم بالقدِّيس بولس؟.

(2)
وما هو موقف إريناؤس بصفةٍ عامَّةٍ من القدِّيس بولس؟.

(3)
هل هناك ذِكْرٌ لما يُسَمَّي بإنجيل برنابا في كتابات هذا القدِّيس؟.

(4)
هل تتفق عقيدة القدِّيس إريناؤس مع ما جاء في إنجيل برنابا المزيَّف عن المسيح؟
وما هو موقفه من عقيدة لاهوت المسيح وصلبه؟ ومن هو المسيح في نظره؟.

(5)
ما هو موقف القدِّيس إريناؤس من الأناجيل الأربعة ورسائل بولس وبقيَّة أسفار العهد
الجديد؟.

1–
القديس إريناؤس وموقفه من القديس بولس:

لا
يُوجد في أيّ من كتابات القدِّيس إريناؤس أيّ تنديد بالقدِّيس بولس، بل علي العكس
تمامًا، فقد تكلَّم عنه كرسولٍ عظيمٍ، للمسيح، وهاجم الذين تجنُّوا عليه وفنَّد
آراء الذين بالغوا في أمره وقالوا أنَّه وحده الذي يعرف الحق.

(1)
قال عن مشاركته للقدِّيس بطرس في تأسيس كنيسة روما ” يُوَضِّح التقليد
المسَلَّم لنا مرَّة من الرسل عن الكنيسة العظيمة والمعروفة عالميًا والتي أسَّسها
ونظَّمها في روما الرسولان المجيدان بطرس وبولس ” (2).

(2)
وعن إرساليَّته من اللَّه قال ” كان بولس رسولاً لا مِنْ الناس ولا بإنسانٍ
بل بيسوع المسيح واللَّه الأب ” (3).

(3)
ولما زعم الماركيونيِّين أنَّ القدِّيس بولس وحده هو الذي يعرف الحق وتطرَّفوا في
ذلك، قال مفنِّدًا أقوالهم ” هؤلاء الماركيونيُّون (4) الذين يزعمون أنَّ
بولس وحده يعرف الحق، وله وحده كشف السرّ بإعلانٍ، فلندع بولس نفسه يدينهم، إذ
يقول أنَّ اللَّه الواحد نفسه الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيه ” بولس
” لرسالة الأمم. فقد كان بطرس رسول الإله الذي كان بولس رسوله أيضًا، الذي
بشَّر به بطرس بين أهل الختان كإله، أعلنه أيضًا بولس للأمم ” (5).

(4)
كما ردَّ علي الإبيونيِّين الذين لم يقرِّروا رسوليَّته فقال ” ونحتجّ أيضًا
بنفس الشيء ضد أولئك الذين لا يُقدِّرون بولس كرسول، لأنَّه يجب عليهم إمَّا أنْ
يرفضوا أقوال الإنجيل الأخري التي عرفناها خلال القدِّيس لوقا (6) وحده وأنْ لا
يستخدموها، وإذا قبلوها فيجب أنْ يُسَلِّموا بالضرورة، أيضًا، بهذه الشهادة
الخاصَّة ببولس عندما يقول لنا أنَّ الربّ تكلَّم إليه أولاً من السماء ”
شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُه
” (أع9/4؛22/7؛26/14)، وأيضًا قول الربِّ عنه لحنانيا ” … إِنَاءٌ
مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.
لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي ”
(أع9/15-16)، ومن ثمَّ فأولئك الذين لا يقبلونه ك ” مُعَلِّمٍ ” مختارًا
من اللَّه، يحتقرون اختيار اللَّه ويفصلون أنفسهم عن شركة الرسل ” (7).

واستشهد
بكلِّ كتابات القدِّيس بولس واقتبس منها حوالي 317 اقتباسًا وذلك في دفاعه عن
العقيدة والإيمان السليم ضد الهرطقة.

2-
القديس إريناؤس وإنجيل برنابا المزعوم:

لا
يُوجد في كل كتابات القدِّيس إريناؤس أيّ إشارة أو ذِكر لما يُسَمَّي زورًا بإنجيل
برنابا، ولم يَذْكُر شيئًا عن القدِّيس برنابا سوي أنَّه بعد انفصاله عن القدِّيس
بولس ذهب مع يوحنَّا الملقَّب مرقس إلي قبرص وذلك في معرض الحديث عن ارتباط لوقا
الإنجيليّ بالقدِّيس بولس في رحلاته التبشيريَّة. وهذا نصُّ حديثه:


كان لوقا غير منفصلٍ عن بولس ورفيقه العامل في الإنجيل … يقول أنَّه عندما انفصل
برنابا ويوحنَّا الملقَّب مرقس عن صحبة بولس وأبحروا إلي قبرص وأبحرنا نحن إلي
تراوس ” (أع1: 16).

3-
إيمان القدِّيس إريناؤس وعقيدته في المسيح:

يظهر
جليًا من كتابات هذا القدِّيس إيمانه القويّ بلاهوت المسيح وصلبه وقيامته من
الأموات وصعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين العظمة، علي العرش الإلهيّ، ومجيئه
الثاني ودينونته للأحياء والأموات، وأنَّه إله الكون وربّه وخالقه فقال:


” يُوجد إلهٌ واحدٌ الخالق … هو اللَّه وهو الموجود وهو الصانع وهو الخالق
الذي صنع هذه الأشياء بنفسه أيّ خلال كلمته وحكمته … أبو ربِّنا يسوع المسيح: خلال
كلمته الذي هو اِبنه الذي بواسطته أُعلن وأُظهر للكلِّ … والابن متواجد، أبديًا،
مع الآب، من القِدَمِ، نعم، منذ البدء، وظهر دائمًا يكشف الآب للملائكة ورؤساء
الملائكة والقوَّات ” (8).


” تَسَلَّمت الكنيسة … من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان [ فهي تؤمن ]
بإلهٍ واحدٍ الآب القدير خالق السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها، وبيسوع المسيح
الواحد، اِبن اللَّه الذي تجسَّد لأجل خلاصنا ” (9).


” صار اللَّه إنسانًا والربّ نفسه خلَّصنا معطيًا لنا علامة العذراء ”
(10).


” كلمة اللَّه ربِّنا يسوع المسيح الذي صار إنسانًا بين البشر في الأيام
الأخيرة ليُوَحِّد النهاية في البداية، أيّ اللَّه بالإنسان ” (11).


” كان الكلمة موجودًا في البدء مع اللَّه، وبه خَلَقَ كلِّ شيء وكان دائمًا
موجودًا مع الجنس البشريّ، وحديثًا جدًا، في لحظة معيَّنة من الآب، اِتَّحد مع
صنعة يدَيْه وبه صار إنسانًا خاضعًا للألم ” (12).

وقد
شرح القدِّيس إريناؤس التجسُّد ووحدة شخص المسيح الواحد، من خلال حديثه عن حلول
الروح القدس علي العذراء وولادة عمَّانوئيل الذي هو اللَّه معنا منها، في مُجمل
ردَّه علي الغنوسيِّين ” وُلِدَ اِبن اللَّه من عذراء، وهو نفسه المسيح
المخلِّص الذي تنبَّأ عنه الأنبياء، ليس كما يقول هؤلاء الناس (أي الغنوسيِّين)
أنَّ يسوع هو الذي وُلِدَ من مريم ولكن المسيح هو الذي نزل من فوق “.

ثم
يقول إنَّ متَّي لم يقلْ ” أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ فَكَانَتْ هَكَذَا
” إنما قال ” أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا
“(مت1/18)، ” وهو عمَّانوئيل لئلا نتخيَّل أنَّه مُجَرَّد إنسان: لأنَّه
ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة إنسان، بل بإرادة اللَّه صار الكلمة جسدًا. ويجب
أنْ لا نتخيَّل أنَّ يسوع واحد والمسيح آخر، ولكن يجب أنْ نعرف أنَّهما نفس الواحد
” (13).

 


كما ردَّ علي الأبيونيِّين قائلاً ” وباطل أيضًا الأبيونيين الذين لم يقبلوا
الإيمان لنفوسهم في اتحاد اللَّه والإنسان … ولم يريدوا أنْ يفهموا أنَّ الروح
القدس حلَّ علي العذراء وأنَّ قوَّة العليّ ظلَّلتها، ولذا فالذي وُلِدَ هو
قُدُّوس واِبن اللَّه العليّ أبو الكلّ، ونتج التجسُّد ” (14).


كما شرح كيفيَّة قبول المسيح للحدود البشريَّة ” من لا يتغيَّر، أي ذاك الذي
يعلو الزمان والمكان ولا يُري ولكن صار مرئيًا لأجلنا، لا يُلمس ولا يتألَّم ولكنه
صار ملموسًا ومتألمًا وإحتمل كلَّ شيءٍ لأجلنا “، فقال أنَّ الربَّ يسوع
المسيح من أجلنا قبل الحدود الجسديَّة والإنسانيَّة، الذي كان غير مرئيّ صار
مرئيًا، غير المتألِّم صار متألمًا لأجلنا، غير المُدرك صار مدركًا، لأجلنا ”
(15).

4-
إريناؤس والعهد الجديد:

كما
دافع القدِّيس إريناؤس عن الأناجيل الأربعة وقال أنَّها أربعة أوجه لإنجيلٍ واحدٍ
” ليس من الممكن أنْ تكون الأناجيل أكثر أو أقلّ عمَّا هي عليه، لأنَّه حيث
يُوجد أربعة أركان
zones في العالم الذي نعيش فيه وأربعة أرواح ” رياح ” جامعة
حيث اِنتشرت الكنيسة في كلِّ أنحاء العالم وأنَّ ” عَمُودُ الْحَقِّ
وَقَاعِدَتُهُ “(1تي3/15) الكنيسة هو الإنجيل وروح الحياة، فمن اللائق إذًا
أنْ يكون لها أربعة أعمدة تنْفُس الخلود وتُحيي البشر من جديد. وذلك يوضِّح أنَّ
الكلمة، صانع الكلِّ، الجالس علي الشاروبيم والذي يحتوي كلّ شئ والذي ظهر للبشر
أعطانا الإنجيل في أربعة أوجه ولكن مرتبطة بروحٍ واحدٍ ” (16).

وقال
أيضًا ” الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتَّي أنَّ الهراطقة
أنفسهم يشهدون لها ويبدءون من هذه ” الوثائق ” (17)، وكلٍّ منهم يسعي
لتأييد عقيدته الخاصَّة منها ” (18).

وهذه
الأدلَّة تؤكِّد لنا أنَّه إلي نهاية القرن الثاني الميلاديّ لم يكنْ هناك أيّ
ذكرٍ لما يُسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا، وأنَّ الأناجيل الأربعة هي الأناجيل
الوحيدة التي أقرَّتها الكنيسة منذ البدء لأنَّها الوثائق الأساسيَّة المُسَلَّمَة
من الرسل، وهى أربعة أوجه لإنجيلٍ واحدٍ، واقتبس منها 532 اقتباسًا، وأنَّ
القدِّيس إريناؤس دافع عن القدِّيس بولس واستشهد بكلِّ رسائله واقتبس منها 317
اقتباس ًا كما استشهد ببقيَّة أسفار العهد الجديد واقتبس منها 112 اقتباسًا، وكان
إجماليّ ما اقتبسه من كلِّ العهد الجديد 941 اقتباسًا، شملت كلّ شئ في دفاعه عن
المسيحيَّة ضد الهراطقة مثل ولادة المسيح وصلبه وقيامته ولاهوته وفدائه للبشريَّة
00 إلخ. كما تُكَذِّب هذه الأدلَّة أسطورة الراهب المزعوم وأكاذيب مصطفى العرندي
ومن شايعوه في أكاذيبه وتقلعها من جذورها!!

 

2
– مرسوم البابا جلاسيوس:

يُوجد
مرسومٌ منسوبٌ للبابا جلاسيوس الخامس (496م) يحذِّر من قراءة مجموعة من الكتب
الأبوكريفيَّة (19) ذات الصبغة الغنوسيَّة (20) والفكر الغنوسيّ، وذلك إلي جانب
قائمة الستُّون كتابًا التي تذكر الأسفار القانونيَّة الموثَّقة (الصحيحة) كما
تذكر أسماء بعض الكتب الغنوسيَّة، ومن ضمن هذه الكتب الغنوسيَّة يذكر المرسوم
والقائمة ” إنجيل تحت اسم برنابا “، وهذا هو الإستثناء الوحيد الذي يذكر
فيه كتاب بهذا الاسم، فلم يذكره أو يُشِر إليه أحدٌ من آباء الكنيسة الذين أرَّخوا
لها ولا أحد من كتَّابها ومدافعيها الذين فنَّدوا الهرطقات وذكروا جميع الكتب
القانونيَّة وغير القانونيَّة. وقد كشفت الأبحاث الأثريَّة عن كميَّات هائلة من
الوثائق المسيحيَّة والتي ترجع للقرون الأولي والتي ضمَّت وحوت الأناجيل
القانونيَّة الموثّضقة (الصحيحة) وكتب الآباء في سائر موضوعات الفكر المسيحيّ
وكذلك الكتب الأبوكريفيَّة سواء المسمَّاة بالأناجيل وأعمال الرسل (21) أو التي
تحتوي علي موضوعات فكريَّة وعقيديَّة بصفةٍ عامَّةٍ. ولم تذكرْ هذه الكتب جميعًا
ولم تُشِر إلي أيّ شيءٍ فيه إشارة إلي ما يُسَمَّي بإنجيل برنابا.

كما
أنَّ المرسوم والقائمة يشيران إلي كتب غنوسيَّة ومن ضمنها هذا الكتاب، وقد أجمع
العلماء علي أنَّه إنْ كان للكتاب وجود قبل القرون الوسطي فلا يخرج عن كونه كتاب
غنوسيّ الصبغة والفكر والعقيدة، والغنوسيِّين اعتقدوا أنَّ المسيح إلهًا نزل من
السماء لخلاص كلِّ البشريَّة في صورة بشريَّة، وظهر في شكل بشريّ دون أنْ يكون
بشرًا حقيقيًا، كما اعتقدوا بصلبه وموته وقيامته وعودته إلي السماء، من حيث جاء.
كما أنَّهم أيضًا آمنوا بصحَّة الأناجيل الأربعة وإتَّخذت كلّ فرقة منهم واحدًا
منها أو جميعها ككتابها المقدَّس وذلك إلي جانب الكتب العديدة التي كانت لديهم
(22).

وهذا
الكتاب الحاليّ المزيَّف بنصَّيه الأسبانيّ والإيطاليّ علي عكس ذلك تمامًا فقد
نادى بأنَّ المسيح مجرَّد بشر فانٍ وزائلٍ، كتلة من التراب وأنَّه لم يُصْلَبْ ولم
يمُتْ وأنَّ إنجيله قد دُنِّسَ وحُرِّفَ. كما أنَّ هذا الكتاب المزيَّف لا يتَّفق
أبدًا مع ما نسبته الكنيسة للقدِّيس برنابا من كتب تنادى بلاهوت المسيح وصلبه
وموته وقيامته وصعوده إلي السماء وشفاعته في كلِّ البشريَّة ودينونته للأحياء
والأموات. ولا يتَّفق مع الفكر المسيحيّ القديم ” المُسَلَّم من المسيح لرسله
ومنهم للكنيسة ” ولا مع فكر الفرق المسيحيَّة المختلفة من أصحاب البدع
والهرطقات الذين ظهروا في القرون الأولي وذلك من حيث اللغة والفكر والمادة والمنهج
والعقيدة وطبيعة العصر، بل ويختلف عن كلِّ ما ذُكِرَ عن المسيحيَّة من الخارجين
عليها ومن أعدائها في كلِّ العصور.

وهنا
نصل إلي ثلاثة أسئلة هامَّة، وهى: ما هي حقيقة هذا الكتاب المذكور في المرسوم
الجلاسيانى وقائمة الستُّون كتابًا؟ وما حقيقة الكتاب بنصَيه الأسبانيّ
والإيطاليّ؟ وما علاقتهما ببعض؟ والنقاط التالية توضِّح الحقيقة:

1-
الكتاب المذكور في المرسوم الجلاسياني وقائمة الستُّون لا يوجد له أيّ ذِكْر
خارجهما علي الإطلاق، كما لم يعرفْ آباء الكنيسة، مؤرِّخيها وكتَّابها، كتاب بهذا
الاسم، كما لم يَذْكر الهراطقة أو غيرهم ما يُسَمَّي بإنجيل برنابا، ولم يقتبسْ
أحدٌ ما، سواء من آباء الكنيسة أو الهراطقة أو اليهود أو الوثنيِّين الذين هاجموا
الكتاب المقدَّس والعقيدة المسيحيَّة في القرون الأولي بضراوة، كتاب بهذا الاسم.

2-
يذكر المرسوم والقائمة الكتاب بهذه العبارة ” إنجيل تحت اسم برنابا ”
وهذا لا يعطي دليلاً قاطعًا بأنَّه، إنْ كان قد وُجد كتاب بهذا الاسم، قد كُتب
بواسطة القدِّيس برنابا رسول المسيح، فقد يكون هذا اسم كاتبه الغنوسيّ، أو أنَّ
كاتبه وضع عليه هذا الاسم ليلقي رواجًا عند العامَّة، كما حدث في كتبٍ أخري، فقد
نسبوا كتابًا للقدِّيس متَّي أسموه ” إنجيل متَّي ” وآخر للقدِّيس يوحنا
أسموه ” أبوكريفا – يوحنَّا ” أو إنجيل يوحنا السرِّيّ ” ولكثيرين
غيرهم من تلاميذ المسيح ورسله.

3-
يقول د. خليل سعادة مترجم الكتاب إلي العربيَّة ” يذهب بعض العلماء
المدقِّقين إلي أنَّ أمر البابا جلاسيوس المنوَّه عنه إنما هو برمَّته تزوير، وهو
قول موسوعات العلوم البريطانيَّة أيضًا”، كما أنَّ قائمة الستُّون كتابًا
التي يُقال أنَّها ترجع للقرن السابع تُوجد في مخطوطة حديثة من أواخر القرون
الوسطي ولا يُوجد لها مرجعٌ قديمٌ مما يُعطي احتمال قويّ أنَّها مزيَّفة، فقد ظهرت
في عصر إشتهر بالأعمال المزيَّفة، وقد زيَّف المورسكوس الأسبان عددٌ من المزيَّفات
التي تُقدِّم لهذا الكتاب المزيَّف، كما بيْنَّا في الفصل الرابع!!

4-
إنَّ هذا الكتاب المزيَّف لا يتَّفق مع الفكر الغنوسيّ إطلاقًا وبالتالي لا يتَّفق
مع الكتاب المذكور في المرسوم الجلاسياني أو قائمة الستُّون كتابًا، إنْ كان
لكليهما – المرسوم والقائمة – وجود، بالمرًّةِ. كما أنَّ هذا الكتاب المزيَّف
يتكَوَّن أكثر من نصفه من خرافات تلموديَّة وخرافات القبائل البدائيَّة التي عرفها
الأوربيُّون عن طريق التجار والبحارة الذين جابوا القارَّات الثلاث في أواخر العصور
الوسطي، وكذلك الأحاديث الدينيَّة والأساطير العلميَّة والدينيَّة التي لم يكن لها
أي وجود قبل العصور الوسطي والتعبيرات اللغويَّة والدينيَّة التي دخلت أوربا
(الأندلس وما جاورها) عن طريق العرب في العصور الوسطي أيضًا.

 

5-
هناك إشارات عديدة لوجود أصل عربيّ يحمل اسم وصفات هذا الكتاب المزيَّف، ويقول د.
خليل سعادة أنَّه ” أشدّ ميلاً للأصل العربيّ ” ويروى أنَّه ” لا
يجوز إتِّخاذ عدم العثور علي ذلك الأصل العربيّ، حُجَّة دامغة علي عدم وجوده، وذلك
علي الرغم من أنَّه لا يُوجد في سجِّلات الكتب العربيَّة ما يُشير من بعيد أو من
قريب لكتابٍ باسم القدِّيس برنابا.

ولكنَّنا
نقول أنَّ الإشارات التي قيلت عن هذا الكتاب المزوَّر في كتابات المورسكوس أمثال
علي الطيبيلي وأحمد الهاجري الذَين تكلَّمنا عنهما في الفصل السادس ووجود النسخة
الأسبانيَّة مع مصطفي العرندي والذي زعم أنَّه ترجمها في استامبول، وبالتالي مرور
الكتاب ببعض البلاد العربيَّة مثل المغرب وتونس وكذلك في تركيا ووجوده فيها، هو
الذي أدَّي إلي القول بوجود الأصل العربيّ بإعتبار أنَّ الكتاب خرج أصلاً من بين
المورسكوس، المتنصِّرين العرب الذين تركوا الأندلس وعادوا إلي ديانتهم الأولي،
الإسلام.

مما
سبق يتضِّح لنا أحد أمرَين:

(1)
إمَّا أنَّه كان للكتاب وجود حقيقيّ في القرن الخامس الميلاديّ، وأنَّ هذا الكتاب
المزوَّر في نسختَيه الإيطاليَّة والأسبانيَّة لا صلة له به بالمرَّة، ولم يَعرف
كاتبه شيئًا عمَّا جاء في المرسوم الجلاسيانيّ وقائمة الستُّون كتابًا، فلا يُوجد
أيّ اتِّفاق بين عقيدة وفكر كلٍّ منهما، وأنَّ كلاً من الكاتبَين وُضِعَ على كتابه
اسم برنابا لكي يلقي رواجًا بين العامَّة أو مستغلاً في ذلك الخلاف الذي وقع بين
القدِّيس بولس والقدِّيس برنابا بسبب إشتراك القدِّيس مرقس معهما في رحلتهما
الكرازية، أو للسببَين معًا.

(2)
أو أنَّ كاتب هذا الكتاب المزيَّف بنسختَيه الإيطاليَّة والأسبانيَّة عثر علي نسخة
للكتاب المذكور في المرسوم الجلاسيانى، إنْ كان له وجود، أو كتاب مشابه له وأعاد
صياغته من جديد ووضعه في صورته العربيَّة الإيطاليَّة الأسبانيَّة الأندلسيَّة
الحالية. وهذا الرأي يأخذ به مترجم الكتاب إلي العربيَّة والذي يقول ” بيد
أنَّ هناك إنجيلاً يُسَمَّي الأغنسطسي” أي الغنوسي” طُمِسَت رسومه وعفت
آثاره يبتدئ بمقدِّمة تندِّد بالقدِّيس بولس وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد،
ويذكر أنَّ ولادة المسيح أتت بغير ألمٍ، ولما كان كلّ ذلك في إنجيل برنابا، فمن
المحتمل أنْ يكون ذلك الإنجيل الأغنسطسي أبَا لإنجيل برنابا هذا، وأنَّ أحد معتنقي
الإسلام من اليهود أو النصاري عثر علي نسخة منه في اليونانيَّة أو اللاتينيَّة في
القرن الرابع عشر أو الخامس عشر، فصاغه في القالب الذي تراه فيه الآن، فخفي بذلك
أصله ويضيف” أنَّ هذا الإنجيل لم يكن لابسًا حينئذ هذا الثوب القشيب الذي
يرفل فيه الآن “.

وكذلك
الأستاذ عباس محمود العقاد الذي يقول أيضا أنه لا يمكن أن يكون هذا الكتاب الحالي
هو نفس كتاب القرون الأولي ” الواضح لدينا أنَّ الإنجيل المترجم إلي
الإنجليزية قد أُضيفت إليه زيادات غير قليلة، وقد لوحظ في كثيرٍ من عباراته أنَّها
كُتبت بصيغة لم تكنْ معروفة قبل شيوع اللغة العربيَّة في الأندلس، وأنَّ وصف
الجحيم يستند فيه إلي معلومات متأخِّرة لم تكنْ شائعة بين اليهود والمسيحيِّين في
عصر الميلاد ” ويُضيف أنَّه ” لم يشتملْ علي ما جاء في نسخة الإنجيل
المترجم إلي الإنجليزيَّة والعربيَّة ” (23).

والحقيقة
المؤكَّدة من كلِّ ذلك أنَّ هذا الإنجيل المزيَّف لم يكنْ له أيّ وجود قبل العصور
الوسطي وبالتحديد قبل القرن نهاية القرن الخامس عشر علي الأقلِّ.

 

(1)
كان إريناؤس أسقف ليون (120-202م) بالغال (فرنسا حالياً) هو أحد تلاميذ تلاميذ
الرسل وخلفائهم وحلقة الوصل بين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده، فقد شاهد واستمع
لتلاميذ الرسل، خاصة بوليكاربوس الذي استمع إليه ورآه في شبابه، ويقول عنه ”
أنه إلى الآن لم يزل ثابتاً في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتصف به
القديس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات
الإلهية التي كان يعلم بها رعيته وأبلغ من ذلك كأني اسمع ألفاظه التي كان ينطق بها
عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القديس يوحنا الإنجيلي وغيره من القديسين الذين
شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي تعلمها وتسلمها منهم
” (الآباء الرسوليين للقمص تادرس يعقوب ص 126 أنظر أيضا
Ag. Haer. 3: 3, 4).

(2)
Against Heresies b. 1 ch, 3.

(3)
Against Heresies b. 3 ch. 15, 1.

(4)
أتباع ماركيون الغنوسي (أنظر الفصل السابع).

(5)
Against Heresies b. 3 ch. 13.

(6)
يقصد سفر أعمال الرسل الذي كتبه القديس لوقا بالروح القدس.

(7)
Ibid. b. 3 ch. 15, 1.

(8)
Ibid. b. 2 ch. 30, 9.

(9)
Ibid b1: 10, 1.

(10)
Ibid. b3: 21, 1.

(11)
Ibid. b4: 20, 4.

(12)
Ibid. b3: 18, 1.

(13)
Ibid. b3: 16, 2.

(14)
Ibid. b5: 1, 3.

(15)
See b3: 16, 6. And Jesus after
the Gospels p. 102

(16)
Ibid. ch. 11, 8.

(17)
سمى الأناجيل بالوثائق لأنها موثقة ومأخوذة من تلاميذ المسيح ورسله.

(18)
Ibid. ch. 11, 8.

(19)
تعنى كلمة ” أبوكريفا ” سرية واستخدمت في المسيحية بمعنى المزيفة.

(20)
الغنوسية تعنى ” حب المعرفة ” والفرق الغنوسية كانت تؤمن بالخلاص عن
طريق المعرفة وخلطت بين أفكار وأساطير اليونان وغيرهم مع المسيحية. أنظر ف7.

(21)
أنظر الفصل السابع.

(22)
انظر الفصل السابع.

(23)
جريدة الأخبار الصادرة في 26/10/1959م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار