كتب

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

الكتب الأبوكريفية كيف
كُتبت ولماذا رفضتها الكنيسة؟

 

1 – كلمة أبوكريفا؛
معناها وكيف استخدمت:

 وعلى عكس كلمة قانونية
تقف كلمة (
α̉πόκρυφοαapocrypha – أبوكريفا)(1)،
والتي كانت تعني في أصلها ” خفي – غامض – مبهم – عويص “. وكان
اليونانيون القدماء هم الذين استخدموها حيث كان عندهم نوعان من المعرفة: النوع
الأول يشمل عقائد وطقوساً عامة لكل الناس، أما النوع الثاني فكان يشمل عقائد
وطقوساً غامضة عويصة لا يفهمها إلا فئة متمَّيزة خاصة، ولذلك بقيت ” مخفية
” عن العامة. ثم أطلقت كلمة ” أبوكريفا ” في العصور المسيحية على
بعض الكتابات غير القانونية في العهد القديم، وكذلك في العهد الجديد، وبخاصة
الكتابات التي تشتمل على ” رؤى ” تتعلق بالمستقبل والانتصار
النهائي لملكوت الله 000 الخ، إذ أنها أمور تسمو عن فكر البشر وحكمة ”
المطلعين “.

 ثم أطلقت الكلمة في
المسيحية بصفة خاصة على بعض الكتب اليهودية والمسيحية والتي كتبت في القرنين
السابقين للميلاد والقرن الأول الميلادي وهي من الكتب التي كتبت فيما بين العهدين
وسميت ب ” الكتابات المزيفة ” لأن كتابها نسبوها إلى الآباء
البطاركة والذين لا يمكن أن يكونوا قد كتبوها حقيقة مثل أخنوخ، إبراهيم، موسى 000 الخ،
وذلك لإضفاء أهمية وأصالة عليها. أي أن كلمة أبوكريفا: أطلقت على بعض الكتابات
الدينية التي كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ولا يمكن لمن هم
خارج هذه الدائرة أن يفهموها. فالكلمة تعنى ” خفي – غامض – مبهم – عويص
“.

 وفي بداية المسيحية
استخدم هذا التعبير (
α̉πόκρυφοσapocrypha – أبوكريفا) بعد ظهور الغنوسية وإنتاجها لكم
كبير من الكتب المزيفة سواء التي نسبتها للرسل أو التي نسبتها لكتابها الأصليين من
هؤلاء الغنوسيين والتي كانت ترى أنها مكتوبة ومقصورة على فئة معينة من الناس ووصفتها
بالسرية. فقد ساعدت الغنوسية بمذاهبها المتعددة وتعاليمها السرية التي وضعتها للخاصة
على حركة تأليف مثل هذه الكتب. وقد تأثر هؤلاء الغنوسيون بالصوفية البابلية
والفارسية وكتاباتها. ويذكر أكليمندس الإسكندري (150 – 215م) أسماء بعض الكتب
السرية للديانة الزرادشتية، ولعله أول من أطلق لفظ ” أبوكريفا ” على هذه
الكتابات الزرادشتية(2).
أي أنه عندما أطلقت كلمة ” أبوكريفا ” على الكتابات الدينية
الغنوسية، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة، لا يمكن لمن هم خارج
هذه الدائرة أن يفهموها.

 كما يطلق اسم ”
أبوكريفا ” على مجموعة من الكتابات الدينية التي اشتملت عليها الترجمتان
السبعينية والفولجاتا(3)
(مع اختلافات لا تذكر) زيادة على ما في الأسفار القانونية عند اليهود وعند
البروتستنت. ولكن ليس هذا هو المعنى الأصلي أو الصحيح. للكلمة – كما سنرى فيما بعد
– وإن كان هذا هو مفهومها الجاري الآن. وكان جيروم (توفي حوالي 420م) وكيرلس
الأورشليمي (توفي حوالي
386 م) هما أول من أطلقا لفظ
” أبوكريفا ” على ما جاء في الترجمة السبعينية زيادة عما في الأسفار
العبرية القانونية.

 ويطلق النقاد في العصر الحاضر على مجموعة هذه الكتابات اسم ”
أبوكريفا العهد القديم “، لأن بعض هذه الكتب على الأقل كتب باللغة العبرية –
لغة العهد القديم – كما أنها جميعها أكثر انتماء إلى العهد القديم منها للعهد
الجديد، ولكن توجد أيضاً أسفار أبوكريفا للعهد الجديد من أناجيل ورسائل الخ.

 وفي بحثنا هذا نستخدم
كلمة ” أبوكريفا ” كما أستخدمها آباء الكنيسة وكما نستخدمها الآن على ما
يسمى ب “ الكتابات المزيفة ” والتي سميت هكذا لأنها تنسب إلى
كتَّاب لا يمكن أن يكونوا قد كتبوها حقيقة من الرسل وتلاميذ المسيح.

 كما أن المسيحية ليس
فيها شيء من هذا القبيل، فلا يوجد فيها شيء للعامة وشيء آخر للخاصة المتميزة،
فالإنجيل – منذ أيامه الأولى – يكّرز به للفقراء والجهلاء والأغنياء والحكماء، كما
أن الكتب المقدسة كانت تقرأ في الكنائس على مسامع الجميع. أما هذه الكتب
الأبوكريفية فقد رفضتها الكنيسة لسببين:

(1) أنه لا يمكن أن
يكون قد أوحي لكُتَّاب ممن عاشوا بعد عهد الرسل بحوالي 100 سنة، فقد كتب أقدمها
حوالي سنة 150م، وكتبت جميعها فيما بين 150 و450م.

(2) لا يمكن أن يعتبر
أي كتاب قانونياً إلا إذا كان قد تم تسليمه من الرسل أنفسهم، وكانت قد قبلته كل
الكنائس من الرسل وليس من غيرهم. وهذه الكتب الأبوكريفية كتبت، في معظمها، بعد
انتقال الرسل من العالم بحوالي مئة سنة، ومن هنا أطلق عليها ” أبوكريفا
“، أي المزيفة لأنها نبعت أساساً من قلب المذاهب الهرطوقية مثل الغنوسيين،
وكان هؤلاء متمسكين بها ومعترفين أنها خرجت من دوائرهم، لذا لم تحظ قط بالقبول لدى
كل الكنائس، في الشرق أو الغرب. فيقول أوريجانوس (توفي 253م)(4)، إنه يجب أن نفرق
بين الكتب المسماة ” أبوكريفا “، فالبعض منها يجب رفضه كلية لأنه يحوي
تعاليم تناقض تعليم الكتاب، أي أنه منذ نهاية القرن الثاني، أصبحت كلمة ”
أبوكريفا ” تطلق على ما هو زائف ومكتوب خارج دائرة الرسل والكنيسة، بل وكتب
في دوائر الهراطقة، وكان معروفا لهم أن هذه الكتب قد نسبت لأناس لم يكتبوها.

 ويعارض إيريناؤس (توفي
202م) أكليمندس الإسكندري فيرفض أن يكون للكتابات السرية أي اعتبار، ويضع كلمة
أبوكريفا (
α̉πόκρυφοσapocrypha) بجوار كلمة (nothos
nόθος) مزيفة(5).
وكان يعتبر، وكذلك جيروم فيما بعد، أن كلمتي ” قانونية ” و ”
أبوكريفا “على طرفي نقيض. ويستخدم العلامة ترتليانوس كلمة (
α̉πόκρυφοσapocrypha) وكلمة (falsa – مزيف) كمترادفين(6).
وكانت كلمة أبوكريفا تعني عنده الأسفار غير القانونية، المزيفة.

2 – عوامل ظهور هذه
الكتب الأبوكريفية ومصدرها؟

 هناك عدة عوامل أدت
إلى كتابة وظهور هذه الكتب الأبوكريفية من أهمها محاولة العامة والبسطاء من
المؤمنين إشباع رغيتهم ولهفتهم لمعرفة تفاصيل الأحداث التي ذكرت في أسفار العهد
الجديد بصورة موجزة؛ مثل تفاصيل أحداث ميلاد المسيح ورحلة الهرب إلى مصر وطفولته
والتأكيد على لاهوته من خلال معجزات تبين مقدرته على كل شيء. بل ومحاولة البعض
الدفاع عن عقائد مسيحية هاجمها اليهود مثل بتولية العذراء القديسة مريم وحبلها
بالمسيح بالروح القدس، ودوام بتوليتها بعد ميلادها للمسيح، واتهام اليهود للمسيح
بأنه ابن زنا. بل ومحاولة معرفة تاريخ العذراء نفسها وكيفية ولادتها وتربيتها
كالممتلئة نعمة قبل بشارة الملاك لها وحبلها بالمسيح. ومثل محاولة شرح موقف بيلاطس
من المسيح، وإيجاد معجزات للمسيح وقت محاكمته لتبرر كونه ابن الله، ومحاولة شرح
موقف كل من نيقوديموس ويوسف الرامي بعد الصلب والقيامة، خاصة وأنهما كانا من
تلاميذ المسيح الخفيين، وموقف اليهود مما فعلاه أثناء دفن المسيح، فنيقوديموس وضع
على جسد المسيح عودا ومراً ثمنهما غالي جداً، ويوسف الرامي دفنه في قبره الجديد
الذي لم يكن قد وضع فيه أحد بعد. ومحاولة إيجاد تبرير لموقف كل من اللصين اللذين
صلبا مع المسيح. وكذلك أيضا موقف اليهود من قيامة المسيح بصورة أكثر تفصيلا مما
جاء في الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة.

 وكذلك ظهور الكتابات
الدفاعية المسيحية التي دافعت عن العقائد المسيحية ضد اليهود والوثنيين والهراطقة
من ابيونيين وغنوسيين وغيرهم. وبالتالي ظهور كتب تدافع عن نفس الأفكار ونسبتها
لأشخاص لهم مكانتهم في الأحداث التي حدثت في الكنيسة الأولى، مثل إنجيل نيقوديموس
أو أعمال بيلاطس.

 وإلى جانب هذا
فالإنجيل بأوجهه الأربعة لم يدون فيه كل ما عمله وعلمه الرب يسوع المسيح، وما كان
منتشرا في التقليد الشفهي، بل كتب ما يؤدي بالمؤمن إلى الحياة الأبدية في المسيح،
كما يقول القديس يوحنا بالروح القدس: ”
وآيات أخر كثيرة
صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن
يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه

(يو20: 30و31).

 فأخذت هذه التقاليد
تُكتب بعد أن استدارت وتوسعت وذلك يعد مرور عشرات ومئات السنين من انتقال الرسل من
هذا العالم، وبالتالي تأثرت بالعقائد المسيحية بعد أن تم شرحها ووضعها في صيغ
لاهوتية معينة، مثل إنجيل توما الذي تأثر بالفكر الأرثوذكسي وأيضا الغنوسي.

 وكان هناك عامل أخطر
وأقوى وهو ظهور الأفكار الهرطوقية ومحاولة إيجاد صيغ ونصوص توازي الأسفار
القانونية وتدافع عن هذه الأفكار والعقائد الهرطوقية. فانطلقت هذه الهرطقات خاصة
الغنوسية، تأخذ آيات الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة، وتصيغها بحسب أفكارها
ومعتقداتها، مثل إنجيل فيليب وإنجيل بطرس وإنجيل مريم المجدلية، والتي انطلقت من
نصوص الإنجيل القانوني وراحت تصيغها بحسب فكرها وعقيدتها.

 بل واتخذت بعض هذه
الكتب من قول الإنجيل القانوني: “
وبأمثال كثيرة
مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا. وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما
على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء
” (مز4: 33و34). ” فقال. لكم
قد
أعطي
أن تعرفوا أسرار ملكوت الله
. وأما للباقين فبأمثال حتى أنهم
مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يفهمون ” (لو8: 10). ذريعة لكتابة كتب ونسبتها
للرسل ووصفتها بالكتب المعدة للخاصة فقط! وكل منها يزعم أن المسيح كشف لأحد الرسل
والتلاميذ، مثل توما أو فيلبس 00الخ، له وحده، أسراراً لم يكشفها لغيرة، وذلك في
صيغة إنجيل أو رؤيا؛ مثل إنجيل فيليبس ورؤيا بطرس وأعمال يوحنا، التي يزعم كل كاتب
لأحدها أن الرب يسوع المسيح كشف له، وحده، فيها سر الصليب.

كان المصدر الأول لهذه الأبوكريفا
هو العهد الجديد نفسه، فقد استقت الكتب الأبوكريفية مصدرها واعتمدت بالدرجة الأولى
على الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة، فشرحت ما بدا أنه غامض فيها وأضافت إليها
عبارات وأفكار تؤيد معتقداتها وقدمتها بشكل أسطوري خيالي يتناسب مع أفكارها. قال
وستكوت عن الأجزاء الباقية من إنجيل الأبيونيين ” فهي تبين أن قيمته
ثانوية، وأن المؤلف قد أستقي معلوماته من الأناجيل القانونية وبخاصة الأناجيل
الثلاثة الأولى بعد أن جعلها تتفق مع أراء وممارسات الأبيونية الغنوسية
(7).

 وكان سفر أعمال الرسل
هو السند الأول لأسفار الأعمال الأبوكريفية، ولكن بفن وحبكة وفكر يوناني. وقامت
هذه الأعمال بتوسيع نصوص سفر الأعمال القانوني إلى أعمال مستقلة بتوسيعها والإضافة
إليها والحذف منها، مع وجود بعض التقاليد الخاصة بكل رسول في منطقة كرازته، لتخرج
لنا عدة أعمال مستقلة. وعلى سبيل المثال فقد اتخذ كاتب أعمال بولس من سفر أعمال
الرسل، إطاراً له، ويفتتح القسم الروماني من أعمال بطرس برحلة بولس الرسول إلى
أسبانيا بعد أحداث سفر أعمال الرسل إصحاح 28. واعتمد كاتب الرسالة إلى اللاودكيين
على رسائل بولس خاصة الرسالة إلى غلاطية والرسالة إلى أفسس.

 والى جانب ذلك فقد
تأثرت هذه الكتب، بالروح الأسطورية النابعة من البيئة الهيلينية (اليونانية) التي
كتبت وانتشرت فيها، فقد ساد بعضها روح أدب الرحلات التي كانت سائدة في القرن
الثاني كأعمال توما، وحوى إنجيل الطفولة العربي عددا من القصص الشرقية. وكانت أغلب
الأعمال المنسوبة للرسل من اختراع الروح الهيلينية التي كانت تجد لذتها في الخوارق
والكتابات الرومانسية عن الرحلات. كما احتوت هذه الأعمال على تقاليد كثيرة لها
أساس تاريخي صحيح، احتفظت بها الجماعات المسيحية، وكتبوا هذه الأعمال، الأبوكريفية،
لتقديم هذه التقاليد بكل تفصيل، ولكن هذه البذور القليلة من الحقيقة تاهت ودفنت في
أكوام من الأساطير.

3 – هدف كتابة هذه الأبوكريفا:

والخلاصة أن هذه الكتب
قد كتبت، في الأصل، لتأييد هرطقة من الهرطقات والادعاء بأن تعليمها رسولي، أو
لتفصيل الأناجيل القانونية بإضافة إضافات أسطورية لإعطاء أهمية لبعض المفاهيم التي
سادت بعض الدوائر الهرطوقية ولنشر وتأكيد أفكار هذه البدع، فأعمال يوحنا مثلا،
تستخدم أسم الرسول العظيم لتبرير وتأييد وجهة النظر الدوسيتية.

4 – موقف الكنيسة من
هذه الكتب:

كان للكنيسة، منذ البدء،
تعليمها الذي تسلمته من الرسل والذين تسلموه بدورهم من الرب يسوع المسيح، كقول
الرسول: ” لأني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا ” (1كو13: 11).كما بينا
تفصيلا في الفصل السابق. أما هذه الكتب، الأبوكريفية، فلم يتسلمها أحد لا من الرسل
ولا من غيرهم ممن خلفوهم. وإنما خرجت من دوائر أخرى خارج حظيرة الكنيسة، وهى دوائر
الهراطقة التي، كما يقول القديس ترتليان (145-220م)، لا تمت للرسل أو من خلفوهم
بصلة(8)، والتي كانت شديدة
الخصوبة في إصدار مثل هذه الكتب. وبرغم معرفة علماء الكنيسة، في القرون الأولى،
بمصدر هذه الكتب وأهدافها إلا أنهم درسوها وفحصوها ولم يترددوا، بعد ذلك، في رفضها
ووصفها بأنها كاذبة ومزورة ولا تستحق مجرد الاهتمام بها.

قال القديس إيريناؤس
(120-202م):
أن الهراطقة الماركونيين أصدروا عددا لا يحصى من
الكتابات الأبوكريفية المزورة والتي زيفوها بأنفسهم ليذهلوا عقول الحمقى

(9).

 وقال يوسابيوس
القيصري (264-240م):
أنها معروفه عند معظم الكتاب الكنسيين، وانه في
مقدورنا أن نميز بين هذه الكتب القانونية وتلك التي يصدرها الهراطقة بأسماء الرسل
مثل إنجيل بطرس وانجيل متى (المنحول) وغيرها، أو مثل أعمال أندراوس، ويوحنا،
وغيرهما من الرسل، فلم يحسب أي واحد من كتاب الكنيسة أنها تستحق الإشارة إليها في
كتاباتهم. وفى الحقيقة أن أسلوبها يختلف اختلافا بينا عن أسلوب الرسل، كما أن
أفكارها ومفاهيمها بعيدة جدا عن الأفكار القويمة الصحيحة، وهذا دليل على أنها من
صنع خيال الهراطقة، ومن ثم وجب ألا تحسب بين الكتابات المزيفة فحسب، بل يجب أن
ترفض كلية باعتبارها سخيفة ونجسة
(10).

 وقال فوتيوس بطريرك
القسطنطينية في النصف الثاني من ق 9
(11)
أن لغتها خالية تماما من النعمة التي تتميز بها الأناجيل وكتابات الرسل،
وغاصة بالحماقات والمتناقضات
“. ثم يختم بقوله أنها تحوي ” عشرات
الآلاف من الأشياء الصبيانية التي لا تصدق، السقيمة الخيال، الكاذبة، الحمقاء،
المتضاربة، الخالية من التقوى
والورع، ولا يجافى الحقيقة من ينعتها بأنها
نبع وأم الهرطقات
(12).

5 – أهم خصائص وصفات
هذه الكتب:

(أ) خرافية: تمتلئ هذه
الكتب بالأفكار الخرافية والخيالية فتنسب للمسيح والرسل أعمالا خيالية لا مبرر لها
كسجود التنانين والأسود والنمور والثيران والحمير للطفل يسوع! وجعل بطرس سمكة
مشوية تعوم! وكلب يعظ بصوت آدمي بليغ! وطفل عمره سبعة شهور يتكلم كرجل! وكطرد
يوحنا للبق من أحد البيوت بمعجزة! وسقوط معبد أرطاميس الضخم في أفسس بصلاة يوحنا(13)، وقصة مهر يتكلم
وشاب وتنين يرغبان في فتاة فيقتل التنين الشاب ثم يمتص التنين السم، بناء على أمر
توما، ويموت ويحيا الشاب! ونرى الطفل يسوع، طفلاً مشاكساً متقلباً ذا طبيعة
تدميرية يؤذى معلميه ويتسبب في موت رفقائه بصورة إعجازية لا مبرر لها، تمزج قدرة
الله بنزوات طفل مشاكس! وتنسب، هذه الكتب، للمسيح ظهورات عديدة بأشكال متنوعة كطفل
أو فتى أو رجل عجوز وفى أغلب الأحيان في صورة أحد الرسل! كما تنسب للرسل أعمال
خارقة، بدون داع، مثل فتك الصواعق بأعدائهم! ورعب الفجار من قوات الطبيعة المخيفة
كالزلازل والرياح والنيران! وغير ذلك من الأفكار الأسطورية الخرافية المتأثرة
بالفكر الإغريقي الهيلينسيتى والتي تشبع فضول البسطاء والعامة الذين اعتادوا سماع
مثلها في دياناتهم الوثنية السابقة قبل اعتناقهم المسيحية.

 يقول وستكوت:
في المعجزات الأبوكريفية لا نجد مفهوما سليما لقوانين تدخلات

العناية الإلهية، فهي
تجرى لسد أعواز طارئة، أو لإرضاء عواطف وقتية، وكثيرا ما
تنافى الأخلاق،
فهي استعراض للقوة بدون داع من جانب الرب أو من جانب من عملت معه المعجزة

(14).

(ب) الزهد الجنسي
والامتناع عن الزواج:
تركز هذه الكتب، خاصة الأعمال، على الزهد الجنسي
والامتناع عن الزواج وذلك كرد فعل للإباحية الجنسية التي كانت سائدة في الديانات
الوثنية وتصور هذه الكتب كفاح الرسل من أجل طهارة الحياة الزوجية وإقناع الزوجات بالامتناع
عن معاشرة أزواجهن جنسيا، وتذكر أعمال أندراوس أن المسيح ظهر لعريسين، في هيئة
توما، وربحهما لحياة الامتناع عن الجنس، وكأن عدم الزواج هو الشرط الأسمى لدخول
السماء، جاء في انجيل المصريين، انه عندما سألت سالومي الرب: ” إلى متى يسود
الموت؟ ” قال لها الرب ” إلى أن تكفوا أنتن النساء عن ولادة الأطفال لأني
جئت لأقضي على وظيفة المرأة “(15).

(ج) التعاليم
الهرطوقية:
تمتلىء هذه الكتب بالأفكار الهرطوقية الأبيونية والغنوسية.
يقول إنجيل الأبيونيين أن الروح القدس حل على المسيح في شكل حمامة ودخل فيه، ويقول
إنجيل العبرانيين أن مريم أم المسيح هي الملاك ميخائيل ” عندما أراد المسيح
أن ينزل على الأرض، استدعى الآب الصالح قوة قديرة من السماء كانت تدعى الملاك
ميخائيل، وعهد له من ذلك الوقت بالعناية بالمسيح وجاءت القوة إلى العالم ودعيت
مريم وكان المسيح في رحمها سبعة أشهر “(16).
كما يقول إنجيل العبرانيين أيضا، أن الروح القدس أم المسيح. قال أوريجانوس في
تفسيره لإنجيل يوحنا: ” إذا كان هناك من يقبل الإنجيل بحسب العبرانيين حيث
المخلص نفسه يقول: أمي الروح القدس أخذتني بواسطة شعرة من شعري وحملتني إلى جبل
تابور “(17).

 وتصور الأبوكريفا
الغنوسية الرب يسوع المسيح كواحد من سلسلة الآلهة المولودين من

البليروما (ملء
اللاهوت) وأنه عقل الآب غير المولود، كما تصور المسيح الإله وقد حل على يسوع
الإنسان، أو المسيح والحكمة وقد حلا على يسوع، وتصور بعضها الآب والابن، أو الآب
والابن والروح القدس كأقنوم واحد وشخص واحد، كإنجيل المصريين اليوناني. أما غالبية
الأعمال
عدا أعمال بولس وبصفة خاصة أعمال يوحنا، فتصور الرب يسوع بصورة
دوسيتية، خيالية، فهو بلا ميلاد! بلا جسد وبدون شكل ويُرى افتراضا! وعندما كان
يسير لم يكن يترك أثرا لقدميه! وعندما كان يوحنا يحاول الإمساك به كانت يد يوحنا
تخترق جسده بلا أي مقاومة! إذ لم يكن له جسد حقيقي! وكانت طبيعة جسده متغيرة عند
الملمس فمرة يكون جامدا وتارة لينا وأخرى خاليا تماما! كما أن آلامه وصلبه وموته
كانت مجرد مظاهر وهمية! فبينما كان معلقا على الصليب والجموع محتشدة حوله كان هو
نفسه في نفس الوقت يتقابل مع يوحنا على جبل الزيتون! لقد كان مجرد شبح وحياته على
الأرض لم تكنٍ إلا خيالا! وكان يظهر بأشكال متعددة ويغير شكله كيفما يشاء ووقتما
يشاء!

(د) أي
تركز فقط على المسيح ككائن روحاني
وتتكلم عنه
كلاهوت فقط:
وأنه ظهر فجأة على الأرض بدون أي تفصيلات تخص
الميلاد أو التجسد 00الخ؛ وأنه كان يظهر في أشكال متنوعة وليس في شكل واحد وأنه
فقط
كما يقول إنجيل فيلبس: ”
يسوع أخذهم كلهم خلسة، لأنه لم يظهر
لهم كما هو بالحقيقة، لكن بالأحرى بالطريقة التي بها يقدرون أن يروه. لقد اظهر
ذاته لهم جميعا: اظهر ذاته كعظيم للعظيم. كصغير للصغير. اظهر ذاته كملاك للملائكة،
وللبشر كانسان. بسبب هذا خبئت كلمته ذاتها عن كل احد. البعض بالفعل رأوه، معتقدين
أنهم رأوا ذاتهم، لكن عندما ظهر لتلاميذه على الجبل في مجد، لم يكن صغيرا. لقد
أصبح عظيما لكنه جعل تلاميذه عظماء، حتى يكونوا قادرين أن يروه في عظمته

“. ويقول كتابهم يوحنا السري أو الأبوكريفي
المنحول ” وانفتحت السماء وكل الخليقة التي تحت السماء ظهرت واهتز العالم،
وكنت خائفاً، ونظرت ورأيت في النور شاب وقف إلى جواري، وبينما نظرت إليه صار مثل
رجل عجوز،. ثم غير مظهره (ثانية) وأصبح مثل خادم، ولم يكن هناك تعدد أمامي ولكن كان
هناك مظهر ذو أشكال متعددة في النور والأشكال ظهرت خلال كل منها وكان المظهر له
ثلاثة أشكال
“. وهكذا في رؤيا بولس الأبوكريفية المنحولة، وكتاب الحديث
الثاني لشيث العظيم، وما يسمى برؤيا بطرس الأبوكريفية المنحولة. كما يقول كتابهم
إنجيل يهوذا
:
” عندما ظهر يسوع على الأرض عمل معجزات وعجائب عظيمة لخلاص البشرية 000 وغالباً
لم يظهر لتلاميذه كما هو، ولكنه وُجد بينهم كطفل
“.

 وهذا عكس
الإنجيل الموحى به بالروح القدس بأوجهه الأربعة التي نرى فيه المسيح في لحظات
الحبل به من الروح القدس ومن مريم العذراء
وختانه وتجواله بين الناس
الذي
جال يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لان الله كان معه

(أع10: 38)، ويسير بنا حتى القبض عليه وصلبه وموته وقيامته وصعوده.

(ر) التعاليم السرية: وتزعم هذه
الكتب أن المسيح أعطى تلاميذه تعاليم سرية خاصة بهم وحدهم يتعلمها ويعرفها فقط
الخاصة من الناس، بل وقد أعطاها بشكل سري وخاص لواحد أو بعض تلاميذه، وعلى سبيل
المثال يقول إنجيل توما: ” هذه الأقوال السرية التي تكلم بها يسوع الحي
“!! وهذا ما يقوله أيضاً إنجيل مريم المجدلية: ”
قال بطرس
لمريم, أختاه نعلم أن المخلص احبك أكثر من أي امرأة أخرى. قولي لنا
كلمات المخلص التي تذكرينها وتعرفينها, ولم نسمعها
من قبل.
أجابت مريم وقالت, ما هو مخفي عنكم سأطالب به من
أجلكم. وبدأت
تقول لهم هذه الكلمات: أنا, رأيت الرب في رؤيا وقلت له، يا رب لقد رأيتك
اليوم في رؤيا, فرد قائلا لي، مباركة أنت لأنك لم ترتعشي لرؤيتي. لأنه حيث يكون
العقل يكون الكنز “.
ويقول إنجيل يهوذا: “ الرواية
السرية للإعلان الذي تكلم به يسوع في حديث مع يهوذا الإسخريوطي خلال ثلاثة أيام من
الأسبوع قبل أن يحتفل بالفصح “!!
ويقول أن المسيح قال ليهوذا أيضاً:
تعال
بعيدا عن الآخرين وسأخبرك بأسرار الملكوت. فمن الممكن لك أن تصل إلى ذلك
“.

 وهذا عكس تعليم المسيح
الحقيقي الذي قاله لتلاميذه: ” الذي أقوله لكم في
الظلمة قولوه
في النور. والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح

(مت10: 27)،
لذلك كل ما قلتموه في الظلمة يسمع في النور وما كلمتم
به
الأذن
في المخادع ينادى به على السطوح
” (لو12: 3). وقال لرئيس
الكهنة عندما سأله عن تعليمه: ” أنا كلمت العالم علانية أنا علّمت كل حين
في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما. وفي الخفاء لم أتكلم بشيء. لماذا تسألني
أنا. اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا

” (يو18: 20و21). لم يكن للمسيح أي تعليم سري، بل كان
علانية
لجميع الناس في كل العالم والأمم، وليس لفئة خاصة ”
الله الذي يريد أن جميع
الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون

(1تي2: 3و4).

(س) تنادي بفكر خليط
بين المسيحية والديانات والفلسفات الوثنية:
فتقول بوجود (1) إله
سامي غير مدرك ولا معروف وإله اقل هو الذي خلق العالم المادي أسموه بالديميورج
وقال بعضها أنه يهوه إله اليهود، وذلك إلى جانب العديد من الآلهة الأخرى والملائكة
التي تقوم بعمل الخلق. (2) الروح خيرة، وقالوا أنها شرارة إلهية داخل الإنسان، والمادة
شر. (3) أن روح الإنسان مسجونة في الجسد المادي الشرير وستخرج من هذا السجن عند
الموت. (4) لا يوجد قيامة للجسد الذي يفنى عند خروج الروح منه ولا يعود. فيقول
إنجيل يهوذا الأبوكريفي المنحول بنفس الفكر عن الروح: “
قال يهوذا
ليسوع: ” وهل تموت الروح الإنسانية؟ “. قال يسوع: ” لهذا السبب أمر
الله ميخائيل أن يعطي البشر أرواحاً كإعارة, ليقدموا خدمة، ولكن الواحد العظيم أمر
جبرائيل أن يمنح أرواحاً للجيل العظيم دون حاكم عليها – هذا هو الروح والنفس
“. وأيضاً ” الروح [التي] بداخلك تسكن في هذا [الجسد] بين أجيال
الملائكة ولكن الله سبب المعرفة لتعطى لآدم وأولئك الذين معه,حتى لا يحكم عليهم
ملوك الفوضى والعالم السفلي”.

 وهذا عكس الكتاب
المقدس الذي ينادي بإله واحد ”
الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه هذا إذ
هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي. ولا يخدم بأيادي الناس كأنه
محتاج إلى شيء. إذ هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء. وصنع من دم واحد كل امة من الناس
يسكنون على كل وجه الأرض وحتم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم ” (أع17:
24-26). هذا الإله الواحد خلق كل شيء بكلمته ” لكن لنا اله واحد الآب الذي
منه جميع الأشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به

” (1كو8: 6)، ” الله خالق الجميع بيسوع المسيح ” (أف3: 9)،
كلمته وصورة جوهره؛ ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة
الله. هذا كان في البدء
عند الله. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان.
فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس
” (يو1: 1-4)، ” الذي هو
صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة. فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض
ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين.الكل به وله قد خلق.
الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل
” (كو1: 15-17).

(ص) تنادي بأن الخلاص
بالمعرفة؛

معرفة الإنسان للإله السامي غير المدرك ومعرفة الإنسان لنفسه كروح خيرة، شرارة
إلهية، مسجونة في جسد مادي شرير، يقول إنجيل الحقيقية: ” الذي لديه
المعرفة يعرف من أين أتي وإلى أين يذهب
“. ويصور كتاب تعليم سلافينوس
المسيح كالمعلم الذي يعلم الخلاص بالاستنارة المعرفية: ” الذهن هو المرشد،
ولكن العقل هو المعلم، فهما سيخرجانك من الدمار والأخطار 000 أضيء عقلك 000 النور
هو المصباح داخلك
“. ويقول إنجيل يهوذا: أن المسيح كشف لتلاميذه
الكثير من المعرفة: “
دعُا تلاميذه الأنثى عشر. وبدأ الحديث معهم عن
أسرار ما وراء العالم وما سيحدث في النهاية
“، ولكنه كشفها
أكثر ليهوذا لأنه، كما يزعم هذا الكتاب المزيف كان هو الأقدر منهم على ذلك، وقال
له: ” [تعال]: حتى أعلمك [أسرار] لم يرها أحد قط “!!

 وهذا تعليم صوفي فلسفي
معقد يتنافى مع تعليم المسيح البسيط الذي كان يقدمه بأمثال بسيطة: ” هذا كله
كلم به يسوع الجموع بأمثال. وبدون مثل لم يكن يكلمهم
” (مت20: 28)،
كان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه
(لو4: 22).

(ط) وتصور
المسيح كمعلم غنوسي جاء فقط ليعلم تعاليم غنوسية صوفية سرية!!

يقول إنجيل توما (قول 13): ”
قال يسوع لتلاميذه: قارنوا لي. وقولوا
لي من أشبه. قال له سمعان بطرس. أنت كملاك صالح. قال له متى أنت كرجل حكيم متفهم.
قال له توما: سيدي, لن أجهد فمي لأقول لك من تشبه. قال يسوع, أنا لست سيدك, لأنك
سكرت، أنت سكرت من الينبوع الفوار الذي أرقته. وأخذه, وذهب به جانبا, وقال له ثلاث
كلمات. وعندما رجع توما إلى أصحابه, سألوه ماذا قال لك يسوع؟ قال توما لهم: لو أخبرتكم

بواحدة من كلماته التي قالها لي, فستحملون حجارة وترمونني بها.
وستخرج نار من الحجارة وتحرقكم
“. ويقول في إنجيل يهوذا:
فقالوا:
يا معلم, أنت [000] ابن إلهنا “. قال لهم يسوع: ” كيف
تعرفونني؟ الحق [أنا] أقول لكم, ليس من بينكم جيل من الناس سيعرفني
000 وعندما
سمع تلاميذه ذلك بدءوا يغضبون ويحنقون وبدءوا يجدفون عليه في قلوبهم. ولما رأى
يسوع قلة [معرفتهم، قال] لهم: ” لماذا أدت بكم هذه الإثارة إلى الغضب؟ إلهكم
الذي بداخلكم و [000] هو من دفعكم إلى الغضب [داخل] نفوسكم
“. أنه يتكلم
عن مسيح غامض جاء من عالم أسطوري غير مدرك!!

 وهذا لا يتفق لا مع
مسيح الإنجيل الموحى به بالروح القدس الذي يقول؛ ”
تعالوا إليّ يا جميع
المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. تعلموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا
راحة لنفوسكم

(مت11: 28و29). ولا مع مسيح التاريخ، الذي ولد وعاش ومات وقام. ولا وجود لمثله لا
في كتب آباء الكنيسة ولا في أي كتب غير هذه الكتب
الغنوسية الهرطوقية.

(ع) كما لا
يمكن أن تسمى كتب الغنوسية الستة المسماة بالأناجيل بهذا الاسم؛

لأنها لا تحمل أي سمات للإنجيل. فهي لا تحوي شيئاً لا عن ميلاد المسيح أو لمحات من
حياته ولا أعماله ولا موته أو قيامته، وأن كانت تلمح لها باعتبار أن ذلك موجود في
الأناجيل القانونية التي أعترف بها هؤلاء الهراطقة أيضاً، سواء جزئياً أو كلياً،
باعتبارها أناجيل العامة وأن كتبهم هي أناجيل الخاصة، كما يقول القديس إيريناؤس:
الأرض
التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها
ويبدأون من
هذه الوثائق وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها

(18).

 ولذا لم
يقتبس منها أحد من آباء الكنيسة في القرون الأولى وما بعدها على الإطلاق، بل
رفضوها لأنهم كانوا يعرفون جيدا مصدرها ومن أنتجها من الهراطقة، كما قال القديس
إيريناؤس (170م)
أن الهراطقة الماركونيين أصدروا عددا لا يحصى من
الكتابات الأبوكريفية والمزورة والتي زيفوها بأنفسهم ليذهلوا عقول
الحمقى(19).
وقال عن
تلفيق جماعة القاينيين لإنجيل يهوذا: ”
ولذا فقد لفقوا تاريخا
مزيفاً أسموه إنجيل يهوذا
“. وقال
العلامة

أوريجانوس (185 – 253م)؛ ” الكنيسة لديها أربعة أناجيل والهراطقة لديهم
الكثير جداً
“.

6 – من هم كتّاب هذه الأبوكريفا:

 كان كتاب هذه الكتب الأبوكريفية،
في الأغلب، هم زعماء أو بعض أفراد الفرق الأبيونية والغنوسية، وقد نسبوا بعض هذه
الكتب لمستخدميها، كإنجيل العبرانيين وانجيل المصريين، أو لكتابها كإنجيل مركيون
وانجيل ماني، ونسبوا جزءًا كبيرا منها للرسل لتلقى رواجا عند العامة من المؤمنين.
وكان علماء الكنيسة من آبائها في القرون الأولى يعلمون ذلك جيدا، فقال إيريناؤس أن
الماركونيين قد أصدروا عددا لا يحصي من الكتب الأبوكريفية المزورة، وقال أُغسطينوس
أن المانيين يستخدمون هذه الكتب الأبوكريفية، وأنها من تأليف ” ملفقي الخرافات،
وأشار عدد كبير من الآباء إلى شخص من القرن الثاني يدعي ” لوسيوس ” علي
أنه كاتب بعض هذه الكتب الأبوكريفية، خاصة أعمال يوحنا وتوما وأندراوس وبطرس وفيليب.
وقد أدان مرسوم البابا جلاسيوس (496م) عدداً كبيراً من هذه الكتب، وفي أخر المرسوم
يدين كل الكتب التي كتبها لوسيوس تلميذ الشيطان “. وقال ترتليان أن قسا من
آسيا هو الذي ألف أعمال بولس وذلك بقصد تعظيم هذا الرسول بإضافات من عنده فعزلته
الكنيسة من رتبته بعد اعترافه بذلك.

7 – علماء العصر الحديث
وموقفهم من هذه الكتب
:

درس علماء العصر الحديث
هذه الكتب بروح العلم الحديث وطرقه العصرية الحديثة ” المصونة بسياج الحرية والاستقلال
في الإرادة “، وكانت أخصب فترات بحثهم ودراستهم هي الفترة من 1886
1945م وما تلاها، والتي تم فيها اكتشاف كميات ضخمة من المخطوطات، في
أخميم والبهنسا والفيوم ونجع حمادي، والتي تحوي هذه الكتب والتي ترجع إلى ما بين
القرن الثاني والقرن الرابع الميلادي. وبعد الدراسة التحليلية الدقيقة، أقر
العلماء بزيف هذه الكتب وأيدوا آباء الكنيسة الذين رفضوا إقرارها أو قبولها في
القرون الأولى، كما أقروا بصحة الأناجيل القانونية الأربعة وبقية أسفار العهد
الجديد القانونية لسموها وبساطتها وعظمتها. كما أقروا بأن المصدر الأول لهذه الكتب
الأبوكريفية هي الكتب القانونية.

قال د. سويت، في تعليقه
علي إنجيل بطرس (لندن 1893) ” انه حتى التفاصيل التي تبدو جديدة تماما أو
التي تتعارض مع الأناجيل القانونية، يمكن أن تكون مأخوذة عنها. وختم بقوله ”
أنه بالرغم من الجديد فيها فليس هناك ما يضطرنا لاستخدام مصادر خارجية عن الأناجيل
القانونية “(20).

 وقال بروفيسور أور عن
إنجيل بطرس، أيضا، أن الأصل الغنوسي لهذا الإنجيل يبدو واضحا في قصة القيامة
والمعالم الدوسيتية فيها(21).

 وقال ر. هو فمانR. Hofmann عن كيفية كتابة هذه الكتب الأبوكريفية ” أن الطريقة
المستخدمة هي نفسها دائما، سواء كان قصد الكاتب أن يجمع ويرتب ما كان طافيا في
التقليد العام، أو كان قصده أن يوجد أثرا عقيديا محدد، لقد أنهمك في عمله حقيقة،
وبصفة عامة فقد صور ما ألمحت إليه الأناجيل القانونية، أو حول كلمات يسوع إلى
أعمال، أو صور إتمام توقعات اليهود الحرفية عن المسيا، أو كرر عجائب العهد القديم
في شكل آخر 00الخ. لقد أتم العمل وحرص على أن يخفي اسمه ويدمغ كتابه باسم أحد
الرسل أو التلاميذ ليعطيه سنداًَ رسولياًَ “(22).

 أخيرا يقول أ. روبرتس
و. ج. دونالدسن أحد محرري موسوعة ” ما قبل نيقية ” أنه بينما تقدم لنا
الأناجيل الأبوكريفية لمحات غريبة عن حالة الضمير المسيحي وأساليب التفكير في
القرون الأولى من العصر المسيحي، فان الانطباع الدائم الذي تتركه في أذهاننا، هو
شعور عميق للسمو الذي لا يقاس والبساطة التي لا يمكن بلوغها والعظمة التي للكتابات
القانونية “(23).

8 – الأناجيل
الأبوكريفية:

 ونبدأ هنا
فقط بالأناجيل الأبوكريفية، التي هي موضع دراستنا في هذا الجزء. ويبلغ عدد هذه
الأناجيل، نحو خمسين(24)،
ولكن لا يوجد في الكثير منها سوى أجزاء صغيرة أو شذرات متفرقة، ويوجد البعض منها
مكتملاً أو ما يشبه ذلك. ولعل عددها قد تضخم نتيجة إطلاق أسماء مختلفة على المؤلف
الواحد. ويذكر هوفمان ثلاثين منها مع بعض الإيضاحات، ويعطي فابريكوس قائمة كاملة
بها. وكانت الدوائر الأبيونية والغنوسية شديدة الخصوبة في إنتاج مثل هذه الأناجيل.
ويقول سلمون: ” من السهل إعطاء قائمة طويلة بأسماء الأناجيل التي يقال إنها
كانت مستخدمة عند المذاهب الغنوسية المختلفة، ولكن لا يعلم غير القليل عن
محتوياتها، وهذا القليل لا يسمح لنا بأن ننسب لها أي قيمة تاريخية “، فالكثير
منها لا نعرف عنه سوى عناوينها مثل إنجيل الباسليديين، وإنجيل كيرنثوس وإنجيل
أبلس، وإنجيل متياس، وإنجيل برنابا (غير الإنجيل المزيف والموجود حالياً)، وإنجيل
برثلماوس، وإنجيل حواء، وإنجيل فليمون، وكثير غيرها. وكان علماء الكنيسة الأولى
والمسئولون فيها يعلمون بوجود هذه الأناجيل وبالهدف من كتابتها. ومما يسترعي النظر
أنهم لم يترددوا في نعتها بما تستحقه، كما بينا أعلاه. وفي مقدمة وستكوت لدراسة
الأناجيل، باستثناء المكتشفة حديثا في مصر، نجد جدولاً كاملاً – باستثناء ما اكتشف
في مصر مؤخراً – بالأقوال والأفعال التي لم تدون في الأسفار القانونية، والمنسوبة
لربنا في كتابات العصور الأولى، وكذلك بياناً بالاقتباسات من الأناجيل غير
القانونية والتي لا نعلم عنها شيئاً سوى هذه الاقتباسات.



(1)
Wilhelm
Schneemelcher, New Testament Apocrypha. Vol. I. 21 -28.

– 49 –

(2) Strom.I.
xv.69,6.

(3)
The International Standard

Bible Encyclopedia. Apocrypha.

– 50 –

(5) Iren.Ag.her.I.13.1.

(6) N
T Apoc.vI.26.

– 51 –

(7) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 : 55.

– 54 –

(11)
قرأ 280 ك
تابا
مختلفا وكتب عنها تقريراً في مؤلفه “بيليوتيكا ” أثناء إرساليته في
بغداد
.

(13) دمر القوط هيكل أرطاميس سنة 262م.

– 56 –

(16)
Ibid..
p. 163.

(18)
Ag. Haer. 3:11,8.

(21) المرجع السابق جـ 1 : 56.

(23)
The International Standard Bible Encyclopedia Vol. 1 p. 181.

– 64 –

(24)
The International Standard Bible
Encyclopedia, Apocrypha.

ودائرة المعارف الكتابية، أبوكريفا

– 65 –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار