المسيحية

الحدود



الحدود

الحدود

لم
تكن فكرة كتابة هذه الفصل من البحث مطروحة بالمرّة؟ حيث أني قررت أن يكون البحث
مجرد دراسة تاريخية عن الموروث التشريعي بين عرب الجاهلية. ولكني وجدت أن الموضوع
سوف يكون مبتوراً إذا لم يتم تناول النظرة الإسلامية للحدود؟ خاصة وأن بعض هذه
الحدود لم ينزل بها تشريع قرآني؟ ولم تأت في تقريرها أحاديث نبوية صحيحة؟ بل أن
بعضها اتى مخالفاً لأكثر من نص قرآني مثل حد الردة. ولذا سأحاول في هذا الفصل أن
أتناول بالعرض الحدود المتفق عليها في الفقه الإسلامي؟ والتي أتى بها نص قرآني
واضح أو أحاديث نبوية صحيحة؟ وبالتحليل لتلك الحدود التي لم يأت بها أي نص واضح؟
والتي هي في الواقع مجرد إجتهاد قد يصيب أو يخيب.

الحدود
في الإسلام

الحدّ
لغة: هو الفاصل بين شيئين؟ وحد الشيء منتهاه؟ والحد المنع أو القيد. والحد في
الفقه الإسلامي يعني العقوبة التي قدّرها المُشرِّع على فعلٍ خاطئ (دائرة المعارف
الإسلامية- حدَّ). والحدود النصية- أي التي ورد بها نص قرآني- في الفقه الإسلامي
أربعة حدود هي: الزنى؟ والسرقة؟ والقذف؟ والحرابة (قطع الطريق(. وهذه الحدود ثابتة
بالنص القرآني؟ ولامجال للاجتهاد مع وجود النص من حيث زيادة العقوبة أو نقصها؟
ولكن الاجتهاد يمكن في شروط تطبيق الحد؟ وموانع إقامته..إلخ. ولكن في الفقه
الإسلامي لم يقف التشريع عند النص القرآني فقط؟ بل تعداه إلى ما ورد في الحديث
النبوي الشريف؟ وإجماع الصحابة. ونتيجة لذلك أصبحت الحدود في الفقه الإسلامي ستة
هي: حد السرقة؟ حد القذف؟ حد الزنى؟ وحد الحرابة (قطع الطريق)؟ وحد شرب الخمر؟ وحد
الردة (أصول الشريعة؟ العشماوي؟ ص 100). (ملاحظة: عدَّد الأستاذ عبد القادر عودة
في كتابه التشريع الجنائي في الإسلام الجرائم السابقة على أنها جرائم الحدود؟
ولكنه أضاف حداً آخر هو حد البغي. وحسب علمي لم يقرر سواه مثل هذا الحد في الفقه
الإسلامي).

هذه
هي الحدود المقررة في الفقه الإسلامي؟ بالرغم من أن الشرع لم يحدد لبعضها عقوبة
نصية مثل: حد شرب الخمر؟ وحد الردة- سنذكر هذا تفصيلياً في موضعه- وسوف نحاول في
الصفحات القادمة أن نُعيد قراءة النصوص التي وردت في تقرير الحدود قراءة متأنية؟
فالواضح أن بعض فقهائنا المعاصرين لم يقرأوا أبواب الحدود بشكل واعٍ؟ ولذلك سنحاول
أن نقرأها معهم مرة أخرى؟ عسى أن نجد بصيصاً من النور يُضيء لنا ظلمات هذا العصر
الذي نحياه.

حد
السرقة:

المقصود
بحدّ السرقة هو العقوبة المفروضة على من أخذ مال أو متاع شخصٍ آخر على وجه الخفية
والاستتار؟ قاصداً بذلك تملك الشئ المأخوذ. وقد اشترط الفقهاء عدة شروط في السارق
كي يُطبق عليه الحد وهي:

1-
قيمة المال المسروق؟ وقد اختلفوا في ذلك على عدة أقوال. فقال عمر بن الخطاب؟ وعلي؟
وعثمان؟ وعائشة: لاقطع إلا فيما قيمته ربع دينار فصاعداً؟ لورود نص الحديث بذلك.
وابن عمر يقول: ثلاثة دراهم؟ وابن عباس يقول: عشرة دراهم؟ وأنس يقول: خمسة دراهم.
وقال أبو حنيفة والثوري: لاتُقطع يد السارق إلا في عشر دراهم كيلاً؟ أو ديناراً
ذهباً عيناً ووزناً. وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخُدْريّ: أن اليد تُقطع في
أربعة دراهم فصاعداً. أما رأي الخوارج فإن اليد تٌقطع في كل ما له قيمة ظاهرة.

2-
اتفق الجمهور على أن القطع لايكون إلا على من أخرج من حِرز ما يجب فيه القطع؟
والحرز هو ما نُصب عادة لحفظ أموال الناس. قال ابن المنذر: ليس في ذلك خبر ثابت لا
مقال فيه؟ وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم- وأما إذا أشترك جماعة من السُراق في
إخراج شيء من مكانه- حرزه- ففيه أقوال كثيرة منها: إذا كانوا متعاونين في السرقة؟
ولم يكن في مقدور واحد منهم أن يسرق هذا الشئ وحده قُطعوا جميعاً. وإذا انفرد كل
واحد منهم دون اتفاق بينهم (بأن ينقب أحدهم ويأتي الأخر ويسرق) فلا قطع على واحد
منهم. قال الشافعي: لاقطع لأن هذا نَقَب ولم يسرق؟ والآخر سَرَق من حِرْز مهتوك
الحرمة. وعلى هذا لا يُقطع مَن سرق مِن مكان عام كقاعة أحد الفنادق مثلاً.

3-
ألا يكون السارق مالكاً للمال أو لجزء منه؟ مثل من يسرق من بيت المال أو من المسجد
وذلك لأن له فيه نصيباً؟ أو كما يقول الفقهاء: يسقط الحد لشُبهة الملكية.

4-
لا يقطع مَن سرق مِن جوع أصابه؟ وكذلك لاقطع على أحد من ذوي المحارم مثل العمة
والخالة والأخت وغيرهم. وهذا قول أبو حيبفة والثوري؟ وقال مالك بل يُقطع من سرق من
هؤلاء.

5-
اختلف العلماء هل يكون غُرم على السارق مع القطع أم لا؟ فقال أبو حنيفة: لايجتمع
الغُرم مع القطع بحال؟ لأن الله سبحانه قال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَا
قْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ ولم يذكر
غُرماً. وقال الشافعي: يَغرم السارق موسراً كان أم معسراً. وقال مالك وأصحابه: إن
كانت العين- الشئ المسروق- قائمة ردها؟ وإن تَلِفت فإن كان موسراً غَرِم؟ وإن كان
معسراً لم يُتْبع به ديناً ولم يكن عليه شيء (نُقل هذا الجزء بتصرف من تفسير
القرطبي لسورة المائدة 5 الآية 38؟ ج 6 ص 104 وما بعدها؟ دار الكتب العلمية؟
بيروت).

هذه
هي الأمور التي اتفق عليها الفقهاء بالنسبة لحد السرقة؟ ولكن هناك بعض الأمور
الآخرى التي ذكرها بعضهم دون بعض مثل: اشتراط البعض التكرار أي العودة للسرقة لكي
ينطبق لفظ سارق الوارد في الآية (أصول الشريعة؟ العشماوي؟ ص 101).

وتلقين
الإمام الإنكار للمتهم؟ وقد ورد في هذا عدة آثار عن الصحابة؟ منها عن أبي الدرداء:
أنه أتى بجارية سرقت؟ فقال لها: أسرقتِ؟ قولي لا. فقالت: لا؟ فخلى سبيلها. وعن
عطاء أنه قال: كان من مضى يؤتى لهم بالسارق؟ فيقول: أسرقت؟ قل لا؟ وسمى أبا بكر
وعمر. وعن عمر أنه أتى برجل فسأله: أسرقت قُل لا؟ فقال لا؟ فتركه (نيل الأوطار؟
الشوكاني؟ ج 7 ص 134).

وبالرغم
من صعوبة هذه الشروط لكي يُطبق الحد على السارق؟ فإن هناك كثيراً من الجرائم لا
يمكن تطبيق حد السرقة فيها- لوجود أحاديث تمنع ذلك- كالاختلاس؟ والنهب؟ وخيانة
الأمانة؟ فقد ورد عن جابر أن رسول قال: ليس على الخائن؟ ولا على المختلس؟ ولا على
المنتهب قطع (سنن الدارقطني؟ 3: 187)؟ وأيضاً وردت عدة أحاديث تنهى عن إقامة
الحدود على أهل الكتاب؟ وقد روى الدارقطني عن بن عباس أن النبي قال: ليس على
العبد؟ ولا على أهل الكتاب حدود (الدراقطني؟ 3: 86) وحديث آخر عن عائشة قالت: سمعت
رسول الله يقول: لاتقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعداً (الدارقطني؟ 3: 189).
معنى هذا أنه إذا سرق شخص ربع دينار تُقطع يده؟ وإذا اختلس آلاف الجنيهات فلا قطع
عليه. وقد يقول قائل: من الممكن لنا أن نضع عقوبة مناسبة للإختلاس. فنجيبه بما
قاله الدكتور محمد طلبة زايد:

1-
خيانة الأمانة: وهي أن يأخذ الجاني المال المودع عنده بغير علم صاحبه ولا رضاه؟ ثم
ينكره أو يتصرف فيه بغير إذن صاحبه ولا علمه- وهو ما يُسمى في القانون الجنائي
بالتبديد- فيحكم عليه برد المال والتأديب..وحيث لانص فيه بالقطع؟ فلا قطع لأنه لا
تشريع إلا بنص.

2-
جحد العارية: وهي أن يستعير المرء المتاع من صاحبه ثم ينكره؟ يريد أخذه لنفسه؟ وهو
يعلم أنه ملك صاحبه..ولا قطع في جحد العارية ولكن رد المال والتأديب.

3-
الاختلاس: وهو أن يأخذ المختلس من الأموال التي هو أحد العاملين عليها بغير علم
المالك وإذنه؟ فيكلف برد المال؟ ويعاقب بالتعزير والتأديب؟ ولا قطع فيها إذ لانص
بذلك.

(ديوان
الجنايات؟ باب الإختلاس؟ مشبهات السرقة؟ مطبعة السنة المحمدية؟ القاهرة؟ 1982م؟
صفحة 121؟ 122). والأمر لايقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى ما رواه الدارقطني عن
عبد الرحمان بن عوف قال: قال رسول الله لاغرم على السارق بعد قطع يمينه
(الدارقطني؟ 3: 182) أي أن السارق يحتفظ بما سرق بعد تطبيق الحد عليه؟ ومن الممكن-
في ظل التقدم الطبي- أن يقوم السارق بتركيب يده المقطوعة؟ فيحيا مستمتعاً بما سرق.
ولايمكننا وقتها معاقبته لأنه لاعقوبة إلا بنص. ولعل البعض يقول: إن الجرائم التي
لايوجد لها نص واضح في الشريعة؟ يعاقب عليها بالتعزير الذي قد يصل إلى الإعدام.
ولكن هذا الرأي غير صحيح؟ لأن هناك حديثاً عن النبي يقول: لا يُجْلَدُ فوقَ عشر
جلدات إلا في حدٍّ من حدودِ الله (متفق عليه؟ مشكاة المصابيح؟ تحقيق الألباني؟
حديث رقم 3630) وكما هو واضح أن التعزير والتأديب ليست حدوداً ولكنها عقوبة أقل من
الحد. وعلى هذا الأساس لايمكن معاقبة من يرتكب جريمة غير منصوص عليها بأكثر من
الجلد عشر جلدات. وإلا صار الناس- طبقاً لمنطق ضيقي الأفق من المتأسلمين- يشرعون
من دون الله,

حد
القذف:

القذف
في اللغة: هو الرمي؟ وفي اصطلاح الفقهاء: هو اتهام المحصن بالزنى؟ أو نفي نسبه من
أبيه. أما من ينفي شخصاً عن أمه فلا حد عليه؟ لأنه لم يرمِ أحداً بالزنى (في أصول
النظام الجنائي الإسلامي؟ د.محمد سليم العوا؟ ص 209).

وعقوبة
القذف كما جاءت في القرآن هي الجلد ثمانين جلدة فقد جاء في سورة النور 24 الآية 4
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَا جْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. ففضلاً عن عقوبة القذف؟ وهي الجلد؟ فإن القاذف
تلحقه عقوبة أخرى: هي إسقاط شهادته ووصمه بالفسق إلى الأبد. والقذف المعاقب عليه
في الشريعة له تسعة شروط: شرطان في القاذف؟ وهما العقل والبلوغ. وشرطان في الشئ
المقذوف به؟ وهما أن يُقذف بوطء يلزمه الحد؟ أو ينفي المقذوف من أبيه. وخمسة شروط
في المقذوف؟ وهي العقل والبلوغ والإسلام والحرية والعفة عن الفاحشة التي رُمي بها؟
وإن لم يكن عفيفاً من غيرها؟ وقد اشترط العلماء شروطاً أخرى مثل: أن يصرح بالقذف
بكلام لا يحتمل معنى أخر؟ فإن استخدم التعريض قال الجمهور ليس بقذف؟ وقال مالك هو
قذف. ولا يُحد من قذف أحداً من أهل الكتاب ولا من قذف عبداً أو أمةً. وإذا كان
القاذف عبداً طُبق عليه نصف الحد. وهناك عدة أحاديث وردت في تأثيم قذف الرجال؟ مما
جعل البعض يُسوي في العقوبة بين قذف الرجال وقذف النساء؟ مخالفاً بذلك ظاهر الآية.
ولكن أغلب هذه الأحاديث تكلم فيها علماء الجرح والتعديل؟ وهذا مثل حديث عكرمة عن
ابن عباس عن النبي قال: إذا قال الرجل للرجل يامخنث فاجلدوه عشرين؟ وإذا قال الرجل
للرجل يا لوطي فاجلدوه عشرين (ابن ماجة؟ حديث رقم 2568) وهذا الحديث مطعون فيه من
طريق عكرمة؟ فقد تكلم فيه غير واحد من رجال الحديث. (سنتناول شخصية عكرمة لاحقاً).

حد
الزنى:

لم
يُقرر حد الزنى في الشريعة مرة واحدة؟ بل تقرر على ثلاث مراحل هي:

1-
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَا سْتَشْهِدُوا
عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ
حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (النساء
4: 15).

2-
وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً (النساء 4: 16).

3-
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَا جْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَائَةَ جَلْدَةٍ
وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِا للَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمْا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
(النور 24: 2).

هذا
هو تسلسل عقوبة الزنى؟ ففي أول الأمر كانت العقوبة هي الحبس المطلق؟ أو أن يجعل
الله لهن سبيلاً؟ وفي نفس الوقت كانت عقوبة اللواط هي الإيذاء غير المحدد والمتروك
تقديره للحاكم أو الإمام؟ ثم في النهاية كانت عقوبة الجلد؟ وهي العقوبة القرآنية
المنصوص عليها في سورة النور (24: 2)؟ غير أن الأحاديث تذكر تطبيق النبي لعقوبة
الرجم للزاني المحصن. رويت عدة أحاديث تذكر أنه كانت هناك آية في القرآن خاصة بحكم
الرجم لكنها نُسخت تلاوةً؟ ونص هذه الآية والشيخ والشيخة إذازنيا فارجموهما البتة
(الإتقان للسيوطي؟ باب الناسخ والمنسوخ). وأول ما طبق النبي حد الرجم كان في واقعة
زنا طرفاها يهوديان من المدينة؟ ويذكر أبو داود في سننه هذه الواقعة عن ابن عمر؟
قال: أتَى نَفَرٌ من يهود فدعوا رسول إلى القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا: يا
أبا القاسم إن رجلاً منَّا زنى بامرأة فاحكم؟ فوضعوا لرسول الله وسادة فجلس عليها؟
ثم قال: ائْتُونِي بالتوراةِ فأُتي بها؟ فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها؟
ثم قال: أمنتُ بكِ وبمن أنزلك ثم قال: ائْتوني بأعلمكم فأُتي بفتى شاب- وفي رواية
أخرى- قال ائْتوني بأعلم رجلين منكم فأتوا بابني صوريا؟ فناشدهما: كيف تجدان أمر
هذين في التورة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل
الميل في المكحلة رُجما. قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا
القتل. فدعا رسول الله بالشهود؟ فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل
الميل في المكحلة؟ فأمر رسول الله برجمهما (سنن أبو داود؟ حديثان رقم 4449؟ 4452).
يُلاحظ أن هذه هي الحالة الوحيدة التي تُذكر في الكتب الإسلامية التي تم فيها
تطبيق الحد نتيجة لشهادة الشهود. (وقد وضع الإسلام شروطاً لتطبيق حد الزنى تكاد
تجعله مستحيلاً على التطبيق- إلا إذا اعترف الزناة. فقد اشترط الفقهاء رؤية أربعة
رجال للزانيين- واختلفوا في قبول شهادة المرأة- واشترطوا أيضاً ضرورة التأكد من
شخصية الزانيين؟ ورؤية واقعة الزنا تفصيلياً. ولمعرفة صعوبة هذه الشروط ننقل ما
رواه الطبري حول واقعة زنا المغيرة بن شُعبة فيقول: كان أبو بكرة ينافره- أي
المغيرة- عند كل ما يكون منه؟ وكانا بالبصرة؟ وكانا متجاورين بينهما طريق؟ وكانا
في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة للأخرى؟
فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته؟ فهبت الريح ففتحت باب الكوة؟ فقام أبو
بكرة ليصفقه؟ فبصر بالمغيرة وهو بين رجلي امرأة؟ فقال للنفر: قوموا فانظروا؟ ثم
قال: اشهدوا؟ قالوا من هذه؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم؟ وكانت أم جميل إحدى بني
عامر بن صعصعة؟ وكانت غاشية للمغيرة بن شُعبة؟ وتغشى الأمراء والأشراف!- وكان بعض
النساء يفعلن ذلك في زمانها!- فقالوا إنما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجه؟ ثم
أنهم صمّموا حين قامت؟ فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة
وقال: لاتُصلّ بنا. فكتبوا إلى عمر بذلك؟ وتكاتبوا؟ فبعث عمر إلى أبي موسى؟ فقال: يا
أبا موسى؟ إني مستعملك؟ إني أبعثك إلى أرض قد باض بها الشيطان وفرخ؟.. وأرسل عمر
مع أبي موسى كتاباً يقول عنه الطبري: إنه أوجز كتاب كتب به أحد من الناس؟ أربع
كلِم عزل فيها وعاتب؟ وأستحث؟ وأمّر: أما بعد؟ فإنه بلغني نبأ عظيم؟ فبعثت أبا
موسى أميراً؟ فسلم ما في يدك والعجل. ويذكر الطبري أن المغيرة أهدى وليدة من
مولدات الطائف إلى إبي موسى ثم ارتحل هو وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن
معبد البجليّ حتى قدموا على عمر؟ فجمع بينهم وبين المغيرة. فقال المغيرة: سلْ
هؤلاء الأعبد كيف رأوْني؟ مستقبِلهم أو مستدبِرهم؟ وكيف رأوُا المرأة أوعرفوها؟
فإن كانوا مستقبليّ فكيف لم أستتر؟ أو مستدبري فبأيّ شيء استحلُّوا النظر إليّ؟ في
منزلي؟ على امرأتي!- شبهات منطقية يسقط بها الحد إن ثبت- والله ما أتيت إلا امرأتي
وكانت شبهها؟ فبدأ عمر بأبي بكرة؟ فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله
ويخرجه كالميل في المكحلة قال: كيف رأيتهما؟ قال: مستدبرهما؟ قال: فكيف اسثبت
رأسها؟ قال: تحاملت. ثم دعا بشبل بن معبد؟ فشهد بمثل ذلك؟ فقال: استدبرتهما أو
استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما. وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة. ولم يشهد زياد بمثل
شهادتهم؟ قال: رأيته جالساً بين رجلي امرأة؟ فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان؟ واستين
مكشوفتين؟ وسمعت حفزاناً شديداً. قال: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا. قال: فهل
تعرف المرأة؟ قال: لا. ولكن أشبهها؟ قال: فتنحَّ؟ وأمر بالثلاثة فجلدوا الحدّ؟
وقرأ: فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكافرون (النور 24: 23)؟ فقال
المغيرة: اشفني من الأعبد؟ فقال: أسكُت أسكَت الله نأمتك! أما والله لو تمّت
الشهادة لرجمتك بأحجارك (تاريخ الطبري؟ دار المعارف؟ ج 4 ص 70 وما بعدها).

ويحدد
الموقف السابق صعوبة الشروط المطلوبة لتطبيق حد الزنا؟ فرغم وجود الشهود ورؤيتهم
للفعل؟ إلا أن تلجلج واحد منهم يُسقط الحد؟ بل ويُقام حد القذف على الباقين؟
ويُوصمون بالفسق؟ ولا تُقبل لهم شهادة أبداً. ولم تقف صعوبة تطبيق الحد عند هذا
الحد بل إن الفقهاء لا يقبلون بأي دليل آخر غير الاعتراف أو الشهود؟ فيقول د.
العوا: ومن ثم جعلت الشريعة الإسلامية إثبات الجريمة بطريقين اثنين هما الإقرار؟
أوشهادة أربعة رجال مسلمين عدول أنهم رأوا الفعل المكون للجريمة بكل تفاصيله؟
واختلف في الحمل- إذا كان من امرأة ليس لها زوج- هل يثبت به الزنى أو لا؟ (في أصول
النظام الجنائي الإسلامي؟ د. محمد سليم العوا؟ ص 229). وأيضاً لم يتفق جميع
الفقهاء على أن الرجم هو العقوبة الشرعية للزاني المحصن؟ بل إن البعض يقول بنسخها؟
وحجتهم في ذلك هي: أن آية النساء (4: 25) ذكرت أن حد الأَمة إذا زنت نصف حد الحرة؟
والرجم لا يتنصف. ولكن بالرغم من عدم ثبوت الرجم بنص قرآني إلا أنه ثابت بعدة
أحاديث؟ منها ما روي عن ابن عباس عن عمر بأنه قال إن الله قد بعث محمداً بالحق
وأنزل عليه الكتاب فكان مما نزل آية الرجم قرأنها ووعيناها وعقلناها؟ ورجم رسول
الله ورجمنا بعده. فأخشى إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في
كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله؟ وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى
إذ أحصن من الرجال والنساء؟ إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (رواه
الخمسة؟ تفسير ابن كثير؟ 3: 252)؟ ويعلق الأستاذ دروزة على هذا الحديث وأحاديث آية
الرجم عموماً؟ فيقول: أولاً: إن نسخ حكم قرآني تلاوة مع بقائه حكماً لايمكن أن
يفهم له حكمة وبخاصةٍ في حد تشريعي خطير كحد الرجم. ثانياً: إن النص القرآني
المروي مختلف فيه من جهة وفيه شيء عجيب وهو تخصيص الشيخ والشيخة بالعقوبة من جهة
أخرى. ثالثاً: إن عمر أعدل من أن تُرفض شهادته في صدد تدوين آية؟ وأقوى من أن يسكت
عن ذلك إذا كان متأكداً من قرآنيتها ومن كون النبي توفى وهي لم تنسخ تلاوة وحكماً.
وهو الذي اقترح بكتابة المصحف على أبي بكر وكان المشرف على ذلك.. وكل ما تقدم
يجعلنا نتوقف عن الأخذ بأن الرجم تشريع قرآني قائم الحكم بهذه الصفة كما تفيد
الأحاديث المروية عن ابن عباس وابن عمر؟ ونقول: إن المحتمل أن يكون نزل به قرآن ثم
نُسخ بصيغته المروية؟ ثم بدا للنبي أن يشرعه بأسلوب عام لايقتصر على الشيخ والشيخة.
ويكون في هذه الحالة تشريعاً نبوياً؟ ويكون ما روي عن عمر باعتبار ما كان؟ لا
باعتبار الحال الراهن (الدستور القرآني؟ محمد عزة دروزة 2: 327 وما بعدها). ولم
يكن دروزة وحده هو صاحب هذا الرأي بل قال به أيضاً المستشار العشماوي في كتاب أصول
الشريعة؟ فيقول إذا كان النبي قد سار على حكم التوراة فأمر بالرجم بعد ذلك- مع أنه
من المشكوك فيه أنه رجم بعد نزول آية الجلد- فهل يعني ذلك أن النبي قد نسخ بفعله حكم
القرآن؟ أم أن ما فعله يمكن أن يُحمل على أنه حكم خاص بالنبي وحده!؟ ويرجح
العشماوي هذا الرأي؟ وذلك: لثبوت تفرد النبي ببعض الأحكام الخاصة به وحده؟ كالزواج
بأكثر من أربعة؟ وعدم حقه أن يطلق أزواجه؟ وعدم حل أزواجه لأحد من المسلمين بعده
(الأحزاب 33: 50-54) والحكم بين الناس بنور الله إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الْكِتَابَ بِا لْحَقِّ لِتَحْكُمَ بِيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ (النساء
4: 105). ولا شك في أن هذه الأحكام خاصة بالنبي وحده. وهذا الأمر يثير مبحثاً
هاماً عما إذا كانت ثمة أحكام أخرى خاصة به وحده؟ ومن ذلك- إن كان- حكم رجم الزاني
والزانية المحصنين خلافاً لنص القرآن!؟ (أصول الشريعة؟ العشماوي؟ ص1104).

حد
الحرابة:

ويسمى
أيضاً: حد قطع الطريق؟ وورد هذا الحد في القرآن في سورة المائدة 5: 33-34 إِنَّمَا
جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ
فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ
فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَا عْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ. ونزلت هذه الآية كما يروي الواحدي عن أنس قال: إن رهطاً من عكل وعرينة
أتوا رسول الله فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا
المدينة’- أي سكنوا على حدودها- فأمر لهم رسول الله بذود- مجموعة من إناث الأبل
لاتقل عن ثلاث ولا تزيد عن ثلاثين- أن يخرجوا فيها ويشربوا من ألبانها وأبوالها؟
فقتلوا راعي النبي واستاقوا الذود؟ فبعث رسول الله في آثارهم؟ فأُتي بهم فقطع
أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم- فقأها- وتركوا في الحر حتى ماتوا على حالهم فنزلت
فيهم هذه الآية (أسباب النزول؟ الواحدي؟ ص134). وبالرغم من أن الآية والحديث
يبدوان واضحين بغير حاجة إلى تأويل؟ إلا أن الفقهاء- كعادتهم- وضعوا شروطاً عجيبة
لتطبيق هذا الحد؟ فقال الحسن البصري: المحارب هو المشرك؟ إذ نزلت الآية في أهل
الشرك. وقال الضحاك: الآية في أهل الكتاب؟ لأن محاربة الله ورسوله لاتكونإلا من
أهل الكتاب. وقال مالك: لاتكون المحاربة إلا في الصحراء. وقال سفيان لاتكون
المحاربة إلا في الصحراء (المحلى؟ ابن حزم؟ 13: 308؟312)وقال ابن قدامة: يشترط في
المحاربة أن تكون في الصحراء؟ لأن المصر يلحق به الغوث غالباً (المغني؟ ابن قدامة؟
8: 28).

وقال
أبو حنيفة: لا تكون المحاربة في مدينة ولا مصر؟ ومن شَهَر علىآخر سلاحاً ليلاً أو
نهاراً؟ فقتل المشهور عليه عمداً فلا شيء عليه. فإن شهر عليه عصا نهاراً في مصر
فقتله عمداً قُتل به؟ وإن كان في الليل في مصر أو مدينة أو في طريق في غير مدينة؟
فلا شيء على القاتل. وإن جرح فقط أو قتل عمداً فتاب؟ أو كان فيهم غير مكلف؟ أو ذو
رحم محرم من المارة؟ أو قطع بعض المارة على بعض؟ أو قطع الطريق ليلاً أو نهاراً في
مصر أو بين مصرين فلا حد (المحلى؟ ابن حزم؟ 13: 312). وهذا الرأي من أبي حنيفة هو
أغرب الآراء على الأطلاق, ملاحظة: تتبع مصر المذهب الحنفي في الفقه. ومضمون الحكم
الحنفي يفيد أن القاتل الذي يقتل إنسان عامداً بالعصا ليلاً في مصر أو في طريق
مأهول لا شيء عليه. والقاتل الذي يقتل إنساناً عمداً بالسلاح ليلاً أو نهاراً في
مدينة أو مصر لا شيء عليه. والقاتل الذي يقتل إنساناً عمداً ثم تاب لا عقوبة له.
قاطع الطريق في مصر أو بين مصرين لا شيء عليه!!! (ديوان الجنايات؟ د. محمد طلبة
زايد؟ ص 492).

قرر
بعض المعاصرين أن هذه الآية خاصة بالنبي وحده؟ ويقول العشماوي: واضح من الآية وسبب
نزولها أنها تقضي بالجزاء على من يحارب الله ورسوله؟ أي يحارب دين الله وشخص
الرسول؟ فهي بذلك من الآيات المخصصة بشخص النبي والنبي؟ وحده؟ هو الذي يوقع الجزاء
على من يحاربه ويحارب الله في شخصه؟ وهو الفيصل العدل في تحديد شخص من حاربه وما
يعتبر حرباً عليه. أما بعد النبي؟ وبعد خلفائه الراشدين؟ وحين صار الملك عضوضاً.
بعد ذلك؟ فمن ذا يكون كذلك؟ الخلفاء ومنهم الفاسقون؟ أم الفقهاء وفيهم المغرضون!؟
(أصول الشريعة؟ العشماوي؟ ص 108).

هذه
هي الحدود الآربع التي نزل بها نص قرآني. وبالرغم من أن النصوص القرآنية لم تحدد
أشياء كثيرة حول هذه الحدود كما رأينا؟ وبالرغم أن التراث الإسلامي نقل لنا مجموعة
إجتهادات لبعض الصحابة مثل تعطيل عمر لحد السرقة عام المجاعة؟ وإلغائه لسهم
المؤلفة قلوبهم من الزكاة- مما يعني أن هناك منه إجتهاداً حتى في ظل وجود نص ثابت-
إلا أن دعاة التأسلم اليوم يأبون إلا الجمود؟ فقد ادّعوا أن باب الاجتهاد قد أغلق
إلى الأبد ولا يمكن إعادة فتحه مرّة أخرى؟ وهذا الرأي على ما فيه من خطورة ينقلنا
عصوراً سحيقة للخلف. فيجب علينا أن نعيد التسري بالإماء وافتتاح أسواق الجواري؟ لا
لشئ إلا لأن أهل الفقه لم يقولوا بمنع هذه الأشياء أيام كان باب الاجتهاد مفتوحاً؟
ويجب علينا ألا نحاكم قطاع الطرق؟ لأنهم قطعوا الطريق بين المدينة؟ ولعل من كانوا
يطالبون بتطبيق حد الحرابة على تجار المخدرات والمغتصبين يعرفون الآن موقف دعواهم
من الفقه الإسلامي عامة والحنفي خاصة؟ وهو المذهب الذي تتبعه مصر. ويجب علينا
أيضاً ألا نحاكم المرأة غير المتزوجة إذا وجدت حاملاً؟ لأن الحمل لايؤخذ به في
تقرير الزنا. لقد قلنا قبلاً وسنعيد تكرارها مراراً؟ إننا في حاجة إلى فقه آخر؟
فقه يتعامل مع معطيات الزمن الذي نحياه؟ فقد اجتهد القدماء لهم ولعصرهم لا لكل
العصور. إننا نريد أن يعلم المتفقهون أن من يرفض ما قاله ابن حزم وابن تيمية لعدم
ملائمته للواقع الذي نحياه ليس بكافر؟ وإن من يطلب باجتهاد مستنير ليس بمارق؟ وإن
من يقول بعدم إلزامية إجتهاد الفقهاء لكل العصور ليس بزنديق؟ وإلا فليقولوا لنا
كيف نثبت حد الزنا الآن مع الشكل الحالي للبيوت وعدم الأخذ بالحمل كدليل؟ أو كيف
يعاقب قطاع الطرق داخل المدن؟ مع وجود شبه إجماع من الفقهاء على أن قطع الطريق
لايكون في المدينة. إنها أسئلة كثيرة قد يستوعبها من هم فعلاً أهل للفقه؟ ولكن لا
يستوعبها أو يستسيغها المتنطعون؟ وقد صدق النبي حين قال: هلك المتنطعون ولكنهم
للأسف سيهلكون وسيهلكونا معهم إذا لم نستيقظ ونعرف أن العصر الذي نحياه يختلف عما
كان يحياه غيرنا من ألف سنة مضت.

*
* *

استعرضنا
فيما سبق الحدود التشريعية التي ورد بها نص قرآني واضح؟ ولكن- وكما قررنا قبلاً-
هناك حدود أخرى لم يرد بها نص في القرآن؟ ولم يرد بها أيضاً أحاديث صحيحة عن
النبي؟ ونقصد بهذه الحدود حدي الردة؟ وشرب الخمر.

حد
الردة:

إن
حد الردة من أكثر الحدود التي أسيء فهمها وإستغلالها؟ فقد أُلقي هذا القفاز في
وجوه كثيرين على مدار التاريخ الإسلامي؟ وأول من قتل لأن المخالفين له بكفره هو
عثمان بن عفان؟ فقد قالت عائشة: أقتلوا نعثلاً؟ لعن الله نعثلاً (ضحى الإسلام 3: 252)؟
ونعثل اسم لرجل مسيحي من المدينة كانوا يشبهونه بعثمان لعظم لحيته). ثم تذكر كتب
السيرة بعد ذلك منع الناس من الصلاة عليه ودفنه بحش كوكب- مقابر اليهود بالمدينة-
وأثناء احتضار عثمان نزا عليه عمير بن ضابئ فكسر أضلعه؟ ومُنع الناس من الصلاة
عليه أو دفنه مدة ثلاثة أيام (تاريخ الرسل والملوك؟ الطبري؟ 4: 412 وما بعدها).
وفي فترة الخلافة العباسية قتل الحلاج بدعوى كفره وارتداده؟ فصُلب وقُطعت أطرافه
وحُرقت جثته (البداية والنهاية؟ ابن كثير؟ 11: 139 وما بعدها). وفي خلافة أبي جعفر
المنصور قُتل ابن المقفع بتلفيق تهمة الكفر له؟ لأنه أرسل خطاباً إلى الخليفة
يوصيه بتقوى الله؟ فما كان من الخليفة إلا أن اتقى الله- بطريقته الخاصة- وأمر
بشيّ أطراف ابن المقفع وإطعامها له (البداية والنهاية؟ ج 9ص 96 الخلافة الإسلامية؟
العشماوي؟ ص 177). أما في العصر الحديث فقد قامت جماعة التكفير والهجرة بقتل الشيخ
الذهبي؟ ولن نحاول أن نستنتج التهمة الموجهة للشيخ؟ بل سندع أميرهم شكري مصطفى
يجيب عن ذلك. ففي تحقيقات النيابة معه سُئل:

س:
وما رأيك في المرحوم الشيخ الذهبي؟ أمسلم هو أم كافر؟

ج:
هو عندي كافر.

س:
وما دليلك؟

ج:
دليلي أنه يعمل في هيئة الأوقاف؟ وكان وزيراً لها ومديراً للإشراف على مساجد
الضرار؟ وقد أقسم اليمين على الحكم بغير ما أنزل الله في قَسَم الوزراء؟ وهذا لا
يمكن أن يعتبر جهلاً منه وجوب الحكم بما أنزل الله؟ ولبعد الدولة والمجتمع عن
الإسلام.

س؟
وهل هو مستحق القتل؟

ج؟
من الناحية النظرية نعم.. ومن الناحية العملية لا.. (النبي المسلح؟ رفعت سيد أحمد؟
ج أول الرافضون ص 103), أعلم أن البعض سيقولون: إن هذا المثال الذي اخترته لايعبر
عن رأي الإسلام لأن جماعة التكفير لاتمت للإسلام بصلة؟ ولكني ألفت انتباه القارئ
إلى أني لا أناقش فكر الجماعة أو اتجاهاتها؟ وأن من يقولون ذلك سوف يقعون دون شك
في نفس الخطأ الذي وقعت فيه جماعة التكفير؟ ألا وهو اتهام الآخر بالكفر والخروج عن
صحيح الإسلام ولم ينتهِ المسلسل عند جماعة التكفير؟ ولكنه امتد بعد ذلك للجماعة
الإسلامية؟ أو كما تسمى أمنياً تنظيم الجهاد؟ فهذه الجماعة بدأت بتكفير المجتمع؟
والعمل العسكري ضد مخالفيهم منذ أواخر السبعينات وحتى الآن. وهذا محمد عبد السلام
أمير التنظيم يقول في كتيبه الفريضة الغائبة: فحكام هذا العصر في ردة عن الإسلام
تربوا على موائد الإستعمار؟ سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية. فهم لا
يحملون من الإسلام إلا الأسماء؟ وإن صلى وصام وادّعى أنه مسلم. وقد استقرت السنة
بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة؟ منها أن المرتد
يقتل وإن كان عاجزاً عن القتال؟ بخلاف الكافر الأصلي الذي هو من أهل القتال؟ فإنه
لايقتل عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد. ولهذا كان مذهب الجمهور أن
المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد (النبي المسلح؟ 1: 130).

والملاحظ
أن تهمة الردة والكفر تُلصق غالباً بالمخالفين في الرأي.. وفي الرأي فقط. فأشهر من
اتهموا بالارتداد لم يحمل أحدهم سيفاً على معارضيه؟ وما كان يوماً عنيفاً؟ وقد
أُلقيت هذه التهمة على بعض أئمة الإسلام كأحمد بن حنبل فيما يعرف بفتنة خلق القرآن.

و
هذا مولانا أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان يقول: إن هناك
طريقان لا غير للتعامل مع المرتد: إما أن نعتبره مجنوناً ونتركه حياً مع حرمانه من
كل حقوق المواطنة؟ أو أن نُنهي حياته بالقتل. ومن المؤكد أن الطريقة الأولى أشد
قسوة من الثانية؟ لأنها تجعله لا حياً ولا ميتاً؟ فالقتل أفضل له؟ إذ يضع نهاية
لعذابه ولعذاب المجتمع في وقت واحد (عقاب المرتد؟ أبو الأعلى المودودي؟ نقلاً عن
مرتد كي سزا إسلامي قانون مير بالأردية؟ لاهور؟ 1981). يا لها من رحمة من مولانا
المودودي؟ ويالها من طريقة جديدة لاستنباط الأدلة الشرعية! لقد اتفق المسلمون عبر
التاريخ على أن مصادر التشريع الإسلامي هي: القرآن الكريم؟ والسنة النبوية
المطهرة؟ والقياس؟ وإجماع الأئمة؟ ولكن هاهو المودودي يضيف لنا مصدراً جديداً
للتشريع؟ ويقرر المودودي حلاً لمشكلة المنافقين في المجتمع الإسلامي- حسب مفهومه-
أنه حينما تقع الثورة الإسلامية.. يُعلن جميع المسلمين غير الملتزمين تحوُّلهم عن
الإسلام؟ وخروجهم من المجتمع المسلم.. وذلك خلال عام واحد. وبعده يعتبر المسلمون
بالمولد مسلمين؟ وتسري عليهم كل القوانين الإسلامية (عقاب المرتد؟ ص 81). ألم نقل
إنه مصدر جديد للتشريع يضعه المودودي؟ حيث يقرر من هو المسلم ومن هو المرتد؟ وما
هي المدة التي يستحقها غير الملتزمين بالإسلام- حسب فهم مولانا- ليخرجوا من دين
الله أفواجاً. ولو كان المودودي وحده هو صاحب هذا الرأي لكان الأمر هيناً؟ حيث
يمكن أن يعتبره البعض متطرفاً؟ ولكن نفس هذا الرأي صدر مؤخراً من أحد أكثر
المعتدلين- إن صحت التسمية- وهو الشيخ محمد الغزالي؟ فقد سأله الكاتب الصحفي صلاح
منتصر؟ من أن هناك بعض الدارسين الذين يشككون في حد الردة؟ ويقولون: إنه ليس
موجوداً صراحة في القرآن الكريم؟ فهل هذا صحيح؟ فأجاب فضيلته: نعم لم يرد في
القرآن الكريم قتل المرتد؟ وإنما وردت بذلك السنن الصحاح. وعندي أن جريمة الردة
متفاوتة السوء والخطر؟ وقد تستحق القتل إذا ساوت ما نسميه الآن الخيانة العظمى؟ أو
ما نسميه الخروج المسلح على الدولة. وقد تكون شُبهة عارضة يُكتفَى فيها بالتوبة
النصوح. وأمام القضاء تُعرف الحقيقة ويتحدد العقاب العدل ويُوزن خطأ كل فرد!!
(مجرد رأي؟ جريدة الأهرام القاهرية؟ ص 9؟ بتاريخ 21/7/93). وفي شهادته أمام القضاء
قال الغزالي إن له رأياً خاصاً في تطبيق حد الردة؟ وهو أنه يجوز للحاكم إيداع
المرتد في سجن مؤبد.. ولو أن المرتد هرب فلا يجري البحث عنه (مجلة أكتوبر؟
العدد3592؟ 13/7/1993م؟ ص 21). وهذا الرأي الأخير للشيخ الغزالي يحدد مدى تيقن
الشيخ من حد الردة؟ فلو كان يراه حداً لما قرر- برأيه الشخصي- عقوبة أخرى غير
القتل؟ وإلا كان يشرع من دون الله؟ وهو ما نستبعده على الشيخ الجليل. وكما أن هناك
رأي مولانا المودودي؟ وشيخنا الغزالي فهناك رأي أخر وهذا الرأي لأحد المرتدين- حسب
فهم المودودي- الذين يجب قتلهم؟ وهو مرزا طاهر أحمد إمام الطائفة الأحمدية فيقول
في كتابه القتل باسم الدين: إن حرية التحول من دين وإليه هي المحك الحقيقي لمبدأ
لا إكراه في الدين؟ إذ لايمكن أن تكون الحرية في اتجاه واحد؟ هو اتجاه دخول
الإسلام؟ ثم لا مخرج منه (القتل باسم الدين؟ مرزا طاهر أحمد؟ لندن؟ ص 69). ويقول
في موضع آخر يتحدث رجال الدين المسلمون بصوت عال عن الحرب المقدسة.. والتدمير
النهائي للقضاء على القوى غير الإسلامية؟ وهم في الحقيقة لايقصدون بالقوى غير
الإسلامية قوى المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو الإلحادية.. وإنما يعنون بها كل
من سواهم من الطوائف الإسلامية الأخرى.. فهم أعداء الإسلام.. إما بسبب خصائص معينة
فيهم؟ أو بسبب عقائدهم التي تجعلهم محط لعنة الله وعباده الصالحين! فليس أعداء
الإسلام الحقيقيون- في نظرهم- هم غير المسلمين؟ وإنما هم بعض الطوائف الإسلامية في
عالم الإسلام. والميول النضالية المناهضة تتوجه من طائفة إسلامية ضد طائفة إسلامية
أخرى أكثر من توجهها ضد غير المسلمين. وهذا هو السبب في إصرارهم على عقوبة الإعدام
للمرتد. إنه سلاحهم الذي يشهرونه ضد الأقليات الإسلامية الذين يخالفونهم في مسألة
مذهبية شائعة بين غالب أهل هذا البلد. هذه الطوائف- المناضلة- توزع ضربة الموت في
طعنتين: الأولى إعلان أن عقائد مخالفيهم غير إسلامية؟ أي تعدهم مرتدين؟ والثانية
القول بأن عقوبة الارتداد هي الموت؟ ومن ثم فهم يستحقون الإعدام (القتل باسم
الدين؟ ص 125).

و
لو تأملنا القرآن حول آيات الردة نجد أنه قد تكلم عنها في عشر آيات إحداها مكية.
وهذه الآيات لم تقرر أي عقوبة دنيوية للردة؟ بل تُوقف العقاب كله على الآخرة؟
ولنقرأ معاً هذه الآيات جيداً.

جاء
في سورة البقرة وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِا للَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى
عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (البقرة 2: 126).

وفي
سورة آل عمران كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ
اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ
عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ
ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ
وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ
كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ
افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (آل
عمران 3: 86-91).

وفي
سورة النساء إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا
ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا
لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا (النساء 4: 137).

وفي
سورة المائدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ
دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة 5: 54).

وفي
سورة النحل مَنْ كَفَرَ بِا للَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِا لْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِا لْكُفْرِ صَدْراً
فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل 16: 106)

وفي
سورة مُحمد إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (محمد 47:
25) وكما نرى لم تقرر هذه الآيات أي عقوبة على المرتد بل على العكس فآية النساء
137 تنفي أي احتمال لعقوبة ما؟ فلو كانت عقوبة المرتد هي الإعدام كما يقولون؟ لما
كان للمرتد هذه الفرصة في التردد بين الكفر والإيمان؟ وبالرغم من أن آيات القرآن
تنفي زعم عقوبة الردة تماماً إلا أننا نجد أن بعض المتفقهين يحاولون إيجاد أسانيد
لها بأي وسيلة. أما أدلتهم فهي هذه المجموعة من الأحاديث التي نعرضها مع تحليلها
من حيث المتن والسند.

 أولاً:
الأحاديث الواردة عن النبي في سنن الدارقطني؟ الجزء الثالث؟ كتاب الحدود,

حديث
رقم 108 أخبرنا أحمد بن اسحق بن بهلول؟ أخبرنا أبي أخبرنا يزيد؟ عن سعيد بن أبي
عروبة عن أيوب عن عكرمة؟ عن ابن عباس عن النبي قال: من بدل دينه فاقتلوه قال يزيد:
تقتل المرتدة. وهذا الحديث فيه سعيد بن أبي عروبة؟ وهو ثقة حافظ؟ لكنه كثير
التدليس- واختلط؟ في المنجد اختلط الرجل: أي فسد عقله- وكانوا يقولون إنه من أحفظ
الناس لقتادة (مقولة إنه أحفظ الناس في قتادة فيها شك؟ حيث روى البخاري؟ عن قريش
بن أحمد؟ قال: حلف لي سعيد بن أبي عروبة أنه ما كتب عن قتادة شيئاً قط؟ المجموع في
الضعفاء والمتروكون؟ كتاب الضعفاء الصغير؟ البخاري؟ ص 441؟ دار القلم؟ بيروت؟
1985م).

حديث
رقم 118 حدثنا عبد الصمد بن علي؟ حدثنا عبد الله بن عيسى الجزري؟ أخبرنا عفان؟
أخبرنا شعبة؟ عن عاصم عن أبي رزين؟ عن ابن عباس قال: قال رسول الله: لا تقتل
المرأة إذا ارتدت قال أبو الطيب: عبد الله بن عيسى هذا كذاب يضع الحديث على عفان
وغيره (التعليق المغني على سنن الدارقطني؟ أبو الطيب شمس الحق؟ بذيل السنن).

حديث
رقم 122 أخبرنا إبراهيم بن محمد بن علي؟ أخبرنا نجيح بن إبراهيم الزهري؟ أخبرنا
معمر بن بكار السعدي؟ أخبرنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر
أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام؟ فأمر النبي أن يعرض عليها الإسلام
فإن رجعت وإلا قتلت. قال أبو الطيب: الحديث فيه معمر بن بكار وفي حديثه وهم؟
وأيضاً فيه محمد بن عبد الملك؟ وفي التلخيص رواه البيهقي من طريقين في أحدهما
زيادة؟ وإسنادهما ضعيفان (سنن الدارقطني؟ الجزء الثالث؟ كتاب الحدود؟ ص81 وما
بعدها).

هذه
بعض الأحاديث التي وردت في سنن الدارقطني ومعظمها فيه مقال أو ضعف؟ والمعروف أن
الحديث الضعيف لايُعمل به في تقرير الحدود؟ وخاصة إذا كان يناقض نصاً قرآنياً
صريحاً غير منسوخ. أما الحديث الذي يحتج به كل من يدعو لتطبيق عقوبة الإعدام على
المرتد فهو حديث وارد في معظم كتب الصحاح؟ وهو مروي في جميع الكتب من طريق واحد عن
عكرمة قال: أتى علي بزنادقة؟ فأحرقهم؟ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم
أُحرقهم لنهي رسول الله عن ذلك؟ ولقتلتهم لقول رسول الله: من بدل دينه فاقتلوه
(البخاري 9: 18؟ أبو داود 4: 124 ابن ماجة 2: 848). وهذا الحديث يقع في طائفة
أحاديث الآحاد- أي رواه راوٍ واحد هو عكرمة- ومن الممكن أن يكون الحديث صحيحاً
ومعتبراً؟ ولو كان من طريق راوٍ واحد. لكنه لا يتساوى مع حديث متواتر؟ أو حديث له
أكثر من طريق صحيح. وقبل أن نبحث في نص الحديث فلنتعرف أكثر على راوي الحديث- وهو
من تتعلق بشخصيته حياة من تُزعم ردتهم- عكرمة هو غلام ابن عباس وتلميذه؟ ولم يكن
عكرمة تلميذاً متحمساً بشهادته هو حيث يقول: إن ابن عباس كان يقيده من يديه ورجليه
ويعلمه القرآن والسنة. وقالوا: كان عكرمة كثير الحديث والعلم بحراً من البحور؟
وليس يُحتج بحديثه؟ ويتكلم الناس فيه (الطبقات الكبرى؟ ابن سعد 2: 386؟ 5: 293).
وكان من المعارضين لعلي وكان يميل لرأي الخوارج (ميزان الاعتدال؟ الذهبي / تذكرة
الحفاظ؟ الذهبي؟ ترجمة عكرمة). ويقول عنه الذهبي كان خارجياً؟ وروايته مريبة
لايعتد بها وكان مالك ابن أنس يصنف الأحاديث المروية عنه في بند الضعيفة الواهية
(ميزان الإعتدال). هذا هو الرجل الذي روى الحديث والذي تتوقف عليه حياة من يغيرون..
أو يتهمون بتغيير عقيدتهم.

موضوع
الحديث

إذا
فحصنا موضوع الحديث وجدنا فيه عدة أمور غريبة:

1-
شخص في منزلة علي وهو باب مدينة العلم؟ وهو من النبي بمنزلة هارون من موسى؟ هل
يجهل منع الإسلام لتعذيب الإنسان بالنار؟

2-
جملة من بدل دينه فاقتلوه جملة عامة يمكن تفسيرها بعدة طرق. وهي على إطلاقها تصدق
على الرجال والنساء والأطفال. ومع ذلك اختلف كثير من الفقهاء في هل تقتل المرأة
المرتدة والطفل أم لا؟

3-
لفظة دينه لفظة غير محددة؟ ويمكن أن تُفسر في لغة القانون بقتل كل من يترك دينه
لدين آخر؟ حتى وإن كان إلى الإسلام.

هل
طبق النبي حد الردة:

يتفق
جميع المؤيدين لتطبيق حد الردة على أن هذا الحد لم يرد في القرآن؟ ولكنهم يقولون
إن هذا الحد ثابت بالسنة النبوية؟ وقد رأينا مدى ثبات هذا الحد في السنة القولية.
ولكن هل ثبت عن النبي أنه طبق هذا الحد؟ وهل هناك أية إشارة إلى أن النبي عاقب
شخصاً ما بتهمة الردة؟

إن
أشهر وأوضح الأحاديث في هذا الشأن هو مارواه مسلم عن جابر قال: إن أعرابياً بايع
رسول الله؟ فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فأُتي النبي فقال: يا محمد أقلني من
بيعتي؟ فأبى رسول الله. ثم جاءه فقال: أقلني من بيعتي؟ فأبى. ثم جاءه فقال: أقلني
من بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها؟
وينصع طيبها وفي رواية البخاري فبايعه على الإسلام (صحيح مسلم؟ كتاب الحج؟ باب
المدينة تنفي خبثها؟ ج 3 ص 530؟ البخاري؟ كتاب الحج؟ باب حرم المدينة؟ ج 3 ص 29).

فهذه
الحالة حالة ردة ظاهرة ورغم ذلك لم يعاقب النبي هذا الإعرابي بأية عقوبة؟ وهناك
حالات أكثر وضوحاً بشأن الردة منها ما يرويه القرطبي في تفسير آية الأنعام ومن
أظلم ممن افترى على الله كذباً؟ أو قال أُوحى إليَّ ولم يوح إليه شيءٌ قال: المراد
عبد الله بن أبي سرح؟ الذي كان يكتب الوحي لرسول الله؟ ثم ارتد ولحق بالمشركين.
وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت الآية التي في المؤمنون: وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ (المؤمنون 23: 12) دعاه النبي
فأملاها عليه؟ فلما انتهى إلى قوله: ثم أنشأناه خلقاً آخر عَجِب عبد الله في تفصيل
خلق الإنسان فقال: تبارك الله أحسن الخالقين. فقال رسول الله: كذا أُنزلت عليّ فشك
عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً؟ لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه؟ ولئن كان
كاذباً لقد قلت كما قال. فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين.. فلما دخل رسول الله
مكة أمر بقتله وقتل عبد الله بن خَطَل؟ ومِقْيس بن صُبابة ولو وُجدوا تحت أستار
الكعبة؟ ففر عبد الله بن أبي سرح إلى عثمان- وكان أخاه من الرضاعة؟ أرضعت أمه
عثمان- فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له؟ فصمت
رسول الله طويلاً ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال رسول الله: ما صَمَتُّ إلا
ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. فقال رجل من الأنصار: فهلاّ أومأتَ اليّ يا رسول
الله؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين (تفسير القرطبي؟ ج 7 ص
27؟28). هذه حالة أخرى من حالات الردة الواضحة والتي لم يعاقب فيها النبي بشيءٍ؟
ولو كان هناك حد للردة لما تراجع النبي عن تنفيذه وهو القائل لأسامة بن زيد حِبه
وابن حِبه حينما أتاه يستشفع في امرأة سرقت في غزوة الفتح أتُكلمني في حدٍّ من
حدود الله (صحيح البخاري؟ 5: 192). فهل من الممكن بعد كل هذا أن نقول: إن الردة حد
شرعي يجب أن يطبق؟ والقرآن يقول وَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ (الكهف 18: 29). أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ (يونس 10: 99).

لقد
أطلنا الحديث حول حد الردة لنبين موقفين مختلفين؟ أولهما موقف الإسلام الذي أرسى
قواعد الحرية في وقت كان فيه العالم يئن من وطأة الاستبداد؟ ففي الفترة التي كان
يقام فيها مجمع القسطنطينية 870 والذي حُرِم فيه فوتيوس لهرطقته؟ ابتداعه في
الدين؟ كان ابن الخياط يكتب الانتصار في الرد على ابن الراوندي؟ الذي لا يجادل
إثنان في ردته وإلحاده. ولعل القارئ يتعجب إذا عرف أن في نفس الفترة تقريباً؟ التي
كان يحيا فيها ابن الراوندي المتوفى 910 م؟ مؤلف فضيحة المعتزلة وكتاب الفرند الذي
يطعن فيه في شخص النبي؟ كان يحيا الإمام البخاري المتوفى 870 م؟ والإمام مسلم
المتوفى 875 م؟ والطبري المتوفى 923 م؟ وابن الخياط المتوفى 923 م. ومع ذلك لم
يقرر واحد منهم أن يتربص به ويقتله. لقد كان هؤلاء يعرفون جيداً ما معنى الحوار؟
فالفكر لا يقاوم إلا بالفكر؟ وليس بإلقاء أحكام التكفير على المخالفين. أما الموقف
الثاني فهو موقف المتفقهين الذين لم يقدموا للعالم من الإسلام إلا رأيهم وفكرهم؟
وأحكامهم بالكفر على من يختلف معهم؟ فأصبح الإسلام- بفضلهم- مرادفاً لحياة الجزيرة
العربية منذ أربعة عشر قرناً؟ وأصبح جُل همهم هو التفتيش في عقول البشر للحكم
بإيمانهم أو كفرهم.

حد
شرب الخمر:

لم
يقرر الإسلام في بادئ الأمر أي إثمٍ على الخمر؟ لا قرآنياً ولا نبوياً؟ بل تم ذلك
بتدرج مرحلي؟ بدأ بقول القرآن: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ
تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً (النحل 16: 67). ثم قال: يسألونك
عن الخمر والميسر؟ قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للناس؟ وإثمهما أكبر من نفعهما
(البقرة 2: 219). ثم بعد ذلك قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا
الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (النساء 4: 43).
وأخيراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَا جْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة 5: 90). هذا ما ورد بشأن الخمر في القرآن
الكريم؟ أما في السنة النبوية فلم يرد عن النبي أنه حدد أية عقوبة لشارب الخمر من
الممكن أن تُسمى حداً؟ لكنه كان يضرب شارب الخمر بالجريد والنعال (البخاري 8: 196).
ولعل أوضح دليل على عدم تقرير النبي لحد شرب الخمر هو ما قاله علي بن أبي طالب: ما
كُنت لأقيم حدّاً على أحدٍ فيموت فأجد في نفسي؟ إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته-
أي دفعت ديته- وذلك أن رسول الله لم يَسُنهُ (البخاري 8: 197). فكما نرى لم يكن
هناك ما يعرف بحد شرب الخمر في أيام النبي؟ بل كان النبي يأمر بشارب الخمر أن
يُضرب بالأيدي والجريد والنعال؟ واستمر هذا الوضع في إمارة الصدّيق وصدر إمارة
عمر؟ وفي آخر عهد عمر أمر بالجلد أربعين؟ وظل على ذلك إلى أن عتوا وفسقوا فجلد
ثمانين (البخاري؟ 8: 197). وأصل ذلك كما يرويه الإمام مالك فيقول: إن عمر استشار
في الخمر يشربها الرجل؟ فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين؟ فإنه إذا
شرب سكر؟ وإذا سكر هذى؟ وإذا هذى افترى؟ وحد المفتري ثمانين فجلد عمر في الخمر
ثمانين (الموطأ؟ مالك بن أنس؟ 526).

تساؤلات
حول الخمر:

اختلف
الفقهاء فيما إذا كانت هناك عقوبة محددة شرعاً للخمر أم لا؟ فالقرآن لم يتضمن أية
عقوبة؟ كما أن النبي لم يأمر بحدٍّ واضح؟ وإنما ضرب بالأيدي والجريد والنعال
والثياب؟ بل أحياناً لم يعاقب النبي شارب الخمر مطلقاً مثل ما رواه ابن عباس من أن
رجلاً شرب؟ فسكر؟ فلُقي يميل في الفج. فانطلق به إلى رسول الله؟ فلما حاذى دار
العباس؟ انفلت فدخل على العباس فالتجأ اليه؟ فذُكر ذلك للنبي؟ فضحك وقال: أفعلها؟
ولم يأمر فيه بشئٍ.

أثار
المستشار العشماوي عدة تساؤلات حول الخمر وهي:

1-
هل الخمر محرمة أم مأمور باجتنابها؟

والفرق
بين التحريم والاجتناب؟ ومجال النصوص السابقة- في الخمر- مع مجال الآية قُلْ لَا
أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ
يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ (الأنعام 6: 145).

2-
ما هي الخمر في مقصود النص؟

فإن
جمهور الفقهاء يرى أن الخمر لغة هي ما خامر العقل فخمره؟ أي ستره؟ وبذلك تكون
الخمر كل ما يحجب العقل ويستره. وروي في ذلك عن النبي كل مسكر حرام أي كل ما خامر
العقل وسيره فهو حرام. ويرى رأي آخر أن الخمر لا تطلق إلا على النييء من ماء العنب
إذا غلا واشتد وقذف بالزيد؟ وإن الخمر الواردة في الآية القرآنية هو هذا النوع لا
غير. أما ما عداه فإنه لا يعتبر خمراً؟ ولكنه إن أسكر يستحق عقوبة الخمر قياساً
عليها؟ أي أنه ليس مما يؤمر باجتنابه لذاته ولكن لما يأدي إليه من إسكار. وأضاف
هذا الرأي أن ثمة أنبذة تؤخذ من المطعومات الحلال التي لم تكن معتادة للإسكار عند
العرب وليس من شأنها الإسكار ابتداء؟ مثل: نبيذ الحنطة والشعير والذرة والعسل
والتين وقصب السكر؟ وهذه- في تقدير الرأي- لا حدّ فيها؟ لأن الأصل فيها الحل؟
والسكر طارئ عليها؟ فلا عبرة بالطارئ وإنما العبرة بالأصل وحده (أصول الشريعة؟
العشماوي؟ ص 106). وهذا الرأي الذي ذكره العشماوي له مؤيدين آخرين من الفقهاء فقد
ذكر ابن عبد ربه رأي بعضهم في الخمر فقال: إنما حرمت الخمر بعينها؟ خمر العنب
خاصة؟ بالكتاب؟ وهي معقولة ومفهومة لايمتري فيها أحد من المسلمين؟ وإنما حرمها
الله تعبداً؟ لا لعلة الإسكار كما ذكرتم؟ ولا لأنها رجس كما زعمتم؟ ولو كان ذلك
لما أحلها للأنبياء المتقدمين؟ والأمم السالفين؟ ولا شربها نوح بعد خروجه من
السفينة؟ ولا عيسى ليلة رُفع؟ ولا شربها أصحاب محمد في صدر الإسلام (العقد الفريد؟
8: 72).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار