علم

الجزء الثاني – القسم الرابع



الجزء الثاني – القسم الرابع

الجزء
الثاني – القسم الرابع

 

 النزول
إلى الجحيم:

 78
– نجد في إرميا التنبؤ بموته ونزوله إلى الجحيم (الهاوية) إذ يقول: ” الرب
قدوس إسرائيل تذّكر أمواته الراقدين في التراب ونزل إليهم مبشرًا إياهم
بخلاصه”[78]. هنا يبيّن بوضوح سبب موته، وأن نزوله إلى الجحيم هو خلاص
للأموات.

 


بسطت يدىَّ”

 79
– وأيضًا إشعياء يقول عن صلبه: ” بسطت يدى طول النهار إلى معاند
ومقاوم”[79]. هذه الكلمات تشير إلى الصليب. ويتحدث داود بأكثر وضوح: ”
لأنه أحاطت بى كلاب جماعة من الأشرار اكتنفتنى. ثقبوا يدىّ ورجلى”[80]، ثم
يقول: ” صار قلبى كالشمع. قد ذاب وسط أمعائى. انفصلت كل عظامى”[81]
ويقول أيضًا: ” أنقذ من السيف نفسى قد اقشعر لحمى من رعبك لأن جماعة الأشرار
قاموا علىَّ”[82]. بهذه الكلمات يُعلن أن المسيح سوف يُصلب، وهذا ما سبق
وقاله موسى للشعب: ” وتكون حياتك معلّقة قدامك وترتعب ليلاً ونهارًا ولا تأمن
على حياتك”[83].

 

”اقتسموا
ثيابى”:

 80
– وأيضًا داود يقول: ” اقتسموا ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون”[84].
وهذا ما حدث بعد الصلب فقد اقتسم الجنود ثيابه فيما بينهم، بينما القميص (الرداء)
الذى كان منسوجًا ألقوا عليه قرعة لكى يأخذه من تقع عليه القرعة[85].

 


أخذوا الثلاثين من الفضة”:

 81
– ويقول النبى أيضًا: ” وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من
بنى إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخارى كم- أمرنى الرب”[86]. حقًا كان يهوذا
واحد من تلاميذ المسيح، ولأنه عَرِف أن اليهود يريدون أن يقبضوا على المسيح، اتفق
معهم لكى يسلّمه إذ كان يحمل بغضة تجاهه، لأنه قد توبخ منه، استلم الثلاثين من
الفضة وسلّمهم المسيح، لكنه ندم لأجل خيانته، وألقى الثلاثين من الفضة عند أقدام
رؤساء اليهود، وشنق نفسه. أما الرؤساء فقد اعتبروا أنه ليس من اللائق أن يضعوا هذه
(الفضة) في خزانتهم لأنها كانت ثمن دم، فاشتروا بها حقل الفخارى مقبرة
للغرباء[87].

 


أعطوه خلاًّ”:

 82
– وعندما رُفعوه على الصليب، عطش وأعطوه خلاًّ ممزوجًا بمرارة وهذا ما قد سبق أن
قاله داود: ” ويجعلون في طعامى علقمًا وفي عطشى يسقوننى خلاًّ”[88].

 

موت
المسيح وقيامته وصعوده:

 83
– وعن أنه سيقوم من الأموات ويصعد إلى السموات، فقد سبق وتنبأ عنه داود بقوله:
” مركبات الله ربوات ألوف مكررة. الرب فيها. صهيون في القدس. صعدت إلى
العلاء. سبيت سبيًا. قبلت عطايا من الناس”[89]. و”السبى” يشير إلى
إبطَال سلطة الملائكة الساقطين. كما أنه أظهر المكان الذي سيصعد منه على الأرض نحو
السماء. لأن الرب يقول: ” من صهيون صعد إلى العلاء”، أى من الجبل الذي
هو مقابل أورشليم ويُدعى جبل الزيتون. عندما قام الرب جمّع تلاميذه وتحدث إليهم عن
ملكوت السموات، حيث صعد أمام أنظارهم ورأوا السموات تنفتح لكى تستقبله[90].

 


ارفعوا أبوابكم”:

 84
– عن هذا يقول داود ” ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعى أيتها الأبواب
الدهرية فيدخل ملك المجد”[91]. الأبواب الدهرية هى السموات. ولكن لأن الكلمة
الذى تجسد لم يكن منظورًا بالنسبة للمخلوقات، عندما نزل على الأرض، إلاّ أنه بسبب تجسده،
قد صعد منظورًا فى الأعالى، فقد رأته الملائكة وصاحوا إلى نظرائهم الذين فى
الأعالى: ” ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية
فيدخل ملك المجد”، وعندما اندهشت الملائكة الذين في الأعالى وقالوا: ”
مَنْ هو ملك المجد؟”، صرخ كل الذين سبق أن شاهدوه: ” الرب القدير الجبار
هو ملك المجد”[92].

 

 85
– ويتحدّث داود عن قيامته وجلوسه عن يمين الآب وانتظاره لليوم المُعيّن من أبيه
الذي فيه سيدين الكل ويخضع له أعدائه. أعداؤه هم كل أولئك الذين تمردوا: الملائكة
رؤساء الملائكة، السلاطين والكراسى، الذين استهانوا بالحق، فيقول: ” قال الرب
لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك”[93]. ويتحدّث داود عن
صعوده إلى المكان الذي نزل منه: ” من أقصى السموات خروجها ومدارها إلى
أقاصيها”[94]، وبعد ذلك يشير إلى الدينونة فيقول: ” ولا شئ يختفى من
حَرارته”[95].

 

دعوة
الأمم: شعب الله الجديد:

 86
– كل ما تنبأ به الأنبياء عن ابن الله، بأنه سوف يظهر على الأرض، أى في مكان محدد
وكيف وفى أية ظروف سوف يظهر، جميع هذه الأمور تحققت في شخص ربنا. لذا فإيماننا به
يستند على أساسات لا تتزعزع إذ أن تقليد الكرازة صادق وحق، الذى هو شهادة الرسل
الذين أرسلهم الرب، وكرزوا في كل العالم، أن ابن الله أتى على الأرض وتحمل الألم
لكى يبيد الموت ويمنح لنا الحياة[96].

 

 فهو
إذ قد أبطل العداوة التى أوجدتها الخطية بيننا وبين الله، فإنه صالحنا مع الله
وجعلنا أحباء له[97].

 


ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام”:

وهذا
ما تنبأ عنه الأنبياء: ” ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين
بالخيرات”[98]. بعد ذلك يتنبأ إشعياء، عن الرسل أنهم سوف يخرجون من اليهودية
ومن أورشليم لكى يُعلنوا لنا كلمة الله التي هى قانون لنا بقوله: ” لأن من
صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب”[99]، وداود يقول، إنهم سوف يكرزون
في كل العالم: ” في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة
كلماتهم”[100].

 

قضاء
الرب فى كل الأرض:

 87
– أيضًا يتنبأ إشعياء بأن البشر سوف لا يكونوا تحت نير فرائض الناموس، بل سوف
يحيون في بساطة الإيمان والمحبة ” قد قضى بفناء فائض بالعدل. لأن السيد رب
الجنود يصنع فناء وقضاء في كل الأرض”[101]، لذلك يقول الرسول بولس: ”
لأن من أحب غيره فقد اكمل الناموس. المحبة هى تكميل الناموس”[102]. وأيضًا
عندما سُئل الرب عن أعظم وصية أجاب: ” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك
ومن كل فكرك هذه هى الوصية الأولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك بهاتين
الوصيتين يتعلّق الناموس كله والأنبياء”[103]. فبإيماننا به ازدادت محبتنا
نحو الله وللقريب، وجعلنا أتقياءً وأبرارًا وصالحين، لأجل هذا صنع الرب “قضاء
في كل الأرض”.

 

يُدعون
باسم جديد

 88
– ويشير إشعياء، إلى أنه بعد صعوده سوف يتمجد مجدًا عاليًا فوق الكل ولن يكون هناك
مَنْ يُقارن به: ” من هو صاحب دعوى معى، ليتقدم مقابلى. مِنْ هو الذى يسير
مبررًا. فليقترب من ابن الله! ويل لك، لأن الكل كالثوب يبلون يأكلهم
العث”[104]. وأيضًا ” توضع عينا تشامخ الإنسان وتخفض رفعة الناس ويسمو
الرب وحده”[105]. ويشير إشعياء أنه في النهاية، الذين يخدمون الله سوف يخلصون
باسمه إذ يقول: ” والذين خدمونى سوف يُدعون باسم جديد. فالذي يتبرك في الأرض
يتبرك بإله الحق”[106]. أخيرًا، فإن هو نفسه وفي شخصه تتحقق هذه النبوة إنه
يفدينا بدمه إذ يقول إشعياء: ” ليس شفيع ولا ملاك بل الرب نفسه، لأنه خلّصهم
وأحبهم وقد أشفق عليهم وفداهم بنفسه”[107].

 


هاأنذا صانع أمرًا جديدًا”:

 89
– وأيضًا يعرفنا إشعياء، أن الرب لا يريد للمؤمنين أن يرتدوا إلى ناموس موسى، لأن
الناموس قد تحقق بالمسيح، لكن بواسطة الإيمان والمحبة نحو ابن الله نخلّص بجدة
الحياة بمعونة الكلمة، بقوله: ” لا تذكروا الأوليات والقديمات لا تتأملوا
بها. هأنذا صانع أمرًا جديدًا. الآن ينبت. ألاَ تعرفونه. اجعل في البرية طريقًا في
القفر أنهارًا. يمجدنى حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأنى جعلت في البرية ماء
أنهارًا في القفر لأسقى شعبى مختارى. هذا الشعب جبلته لنفسى، يُحدّث
بفضائلى”[108]. قبل دعوة الأمم، كانت حياتهم مثل صحراء جرداء، لأن الكلمة لم
يكن أتى إليهم ولا الروح القدس قد سقاهم، فالكلمة الذى مهّد طريقًا جديدًا للتقوى
نحو الله والبر، هو أيضًا جعل الأنهار (النعمة) تفيض بغزارة ويُسكب الروح القدس
بوفرة على الأرض، كما وعد بواسطة الأنبياء، بأنه سوف يسكب الروح القدس في الأيام
الأخيرة على الأرض[109].

 

اكتب
شريعتى على قلوبهم:

 90
– دعوتنا، إذن، هى فى ” جدة الروح القدس وليس في حفظ عتق الحرف”[110]،
وفق نبوة إرميا ” ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا
عهدًا جديدًا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض
مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل
بعد تلك الأيام يقول الرب. اجعل شريعتى في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم
إلهًا وهم يكونون لى شعبًا، ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين:
اعرفوا الرب، لأن الجميع سيعرفوننى من كبيرهم إلى صغيرهم، لأنى أصفح عن إثمهم ولا
أذكر خطيتهم بعد”[111].

 


يثق الإنسان بصانعه”:

 91
– سبق لإشعياء أن أشار إلى أن الأمم سوف يُدعون لكى يرثوا هذه الوعود ويأخذوا
مكانًا في العهد الجديد، بقوله: ” في ذلك اليوم يثق الإنسان بصانعه وتنظر
عيناه إلى قدوس إسرائيل. ولا يلتفت إلى المذابح صنعة يديه ولا ينظر إلى ما صنعته
أصابعه”[112]. هذه الأقوال قيلت بوضوح عن الذين هجروا عبادة الأصنام وآمنوا
بالله خالقنا قدوس إسرائيل. وقدوس إسرائيل هو المسيح، الذي ظهر للبشر، والذى إليه
تنظر عيوننا، إذ نحن لا نثق بذبائح الأصنام ولا بأعمال أيدينا.

 


صرت ظاهرًا للذين لم يسألوا عنى”:

 92
– الكلمة نفسه كرز بواسطة إشعياء، بأنه سوف يظهر بيننا، وأنه هو نفسه ابن الله،
سيصير ابن الإنسان، وأنه سوف يُوجد بيننا نحن الذين لم نكن نعرفه بعد، بقوله:
” صرتُ ظاهرًا لمِنْ لم يسألوا عنى، وُجدتُ من الذين لم يطلبوننى. قلت هاأنذا
لأمة لم تسمَ باسمى”[113].

 


أعطيهم قلب لحم”:

 93
– وكون أن هذا الشعب سيكون شعبًا مقدسًا فهذا ما تنبأ به هوشع الذى هو من الأنبياء
الاثنى عشر: ” سأدعو الذي ليس شعبى شعبى والتي ليست محبوبة محبوبة ويكون في
الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبى أنه هناك يدعون أبناء الله الحى”[114].
ونفس الأمر قاله يوحنا المعمدان أيضًا: ” إن الله قادر أن يقيم من الحجارة
أولاد لإبراهيم”[115]. فإن قلوبنا تحرّرت من عبادة الأوثان ورُفعنا بواسطة
الإيمان إلى رؤية الله، وبذلك صرنا أبناء إبراهيم، الذي تبرر بالإيمان. ولذلك يقول
الله على فم حزقيال: ” وأعطيهم قلبًا واحدًا وأجعل في داخلكم روحًا جديدًا
وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم لكى يسلكوا في فرائضى ويحفظوا أحكامى
ويعملوا بها ويكونون لى شعبًا فأنا أكون لهم إلهًا”[116].

 

 94-
إذن، بواسطة الدعوة الجديدة تغيّرت قلوب الأمم بواسطة الكلمة الذي تأنس وحلّ
بيننا، كما يقول تلميذه يوحنا: ” الكلمة صار جسدًا وحلّ فينا”[117].
لهذا فالكنيسة تضم عددًا كبيرًا من المُخلّصين، لأن الذى يخلّصنا ليس شفيعًا مثل
موسى ولا ملاكًا (مرسلاً) مثل إيليا بل هو الرب نفسه[118]، وهو الذي أعطى الكنيسة
أبناءً أكثر من أبناء المجمع (اليهودى)، كما يقول إشعياء: ” ترنمى أيتها
العاقر التي لم تلد أشيدى بالترنم أيتها التي لم تمخض لأن بنى المستوحشة أكثر من
بنى ذات البعل قال الرب”[119]، ” العاقر التي لم تلد” هى الكنيسة
التي لم يكن لديها أبناء من قبل، ولهذا ينطبق عليها النبوة: ” اهتفى واصرخى
أيتها التي لم تتمخض فإن أولاد الموحشة أكثر من التي لها زوج “[120]، أما
المجمع القديم فله زوج وهو الناموس.

 


بأمة غبية أغيظكم”:

 95
– ويقول موسى في سفر التثنية، إن الأمم سيصبحون هم “الرأس”، والشعب غير
المؤمن هو “الذنب”[121]، ويضيف: ” أهم أغارونى بم ليس إلهًا
أغاظونى بأباطيلهم فأنا أغيّرهم بما ليس شعبًا بأمة غبية أغيظهم”[122].
حقيقةً لقد هجر اليهود الله الكائن لكى يسجدوا للآلهة الغريبة غير الموجودة، قتلوا
الأنبياء وتنبأوا بواسطة بعل[123]، الذي إليه يقدّم الكنعانيون الأصنام، مُهينين
ابن الله، الكائن، وأنكروه وفضلوا عليه باراباس، الذي كان لصًا مُدانًا بجريمة
القتل، رفضوا الملك الأبدى، لكى يُنادوا بملك وقتى هو قيصر. لأجل هذا سُرَّ الله
أن يهب الأمم أن يكونوا شركاء في الميراث، وهم الذين لم يكونوا منتمين لله ولم
يكونوا يعرفون مَنْ هو الله. وحيث إن الله منح الحياة بواسطة هذه الدعوة ووهب لنا
إيمان إبراهيم، فلا ينبغى أن نرتد إلى الناموس القديم، طالما قبلنا ابن الله الذى
هو رب الناموس. وبواسطة الإيمان به علّمنا أن نحب الله بكل قلوبنا وقريبنا كنفسنا.
لكن المحبة لله هى بعيدة عن كل خطية، والمحبة للقريب لا تصنع شًرا للقريب[124].

 


كان الناموس مؤدبًا لنا”:

 96
– لذلك فنحن لا نحتاج للناموس كمُربى[125]. نحن أطفال من جهة الشر، لكن أقوياء في
كل بر وطهارة، وها نحن نقف أمام الآب ونتحدّث معه. الناموس لا يمكن أن يقول ”
لا تزن” لذاك، الذي لا يشتهى حتى امرأة آخر[126]، أو ” لا تقتل”
لذاك، الذي نزع من قلبه أى شعور بالغضب والعداوة، و” لا تشتهى حقل قريبك أو
ثوره أو حماره” لأولئك الذين لا يهتمون بالأمور الأرضية، بل يكنزون كنوزًا في
السماء. ولا يمكن أن يقول ” عين بعين وسن بسن” لذاك، الذي ليس له عدو
أبدًا، إنما يعتبر الجميع إخوة، وبالتالى من المستحيل أن يرفع يده للانتقام.
الناموس سوف لا يطلب العشور من ذاك الذي كرّس كل خيراته لله وترك الأب والأم
والإخوة والأخوات، لكى يتبع الكلمة. الناموس لن يفرض بأن يُحفظ يومًا معينًا لذاك،
الذي عنده كل يوم هو كيوم السبت ويحيا في هيكل الله، الذي هو الجسد البشرى، مشغولاً
بعبادة الله وممارسًا للبر. فالله يقول: ” أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله
أكثر من محرقات”[127]، أما الإنسان المتعدى على الشريعة ” الذى يذبح
ثورًا لى فهو كمن ينحر كلبًا، ومن يُصعد تقدمة دقيق فهو كمن يُصعد دم
خنزير”[128]. ولكن ” كل مَنْ يدعو باسم الرب يخلص”[129].

 

يسوع
المسيح خلاصنا:

 ”
وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطى بين الناس به ينبغى
أن نخلص”[130] إنه اسم يسوع، ابن الله الذي يخضع له حتى الشياطين والأرواح
الشريرة والقوات المعادية.

 

 97
– بدعاء اسم يسوع المسيح، المصلوب على عهد بيلاطس البنطى[131]، يهرب الشيطان من
البشر. يسوع المسيح يأتى ويبعد الشيطان عن البشر أينما وُجدوا. وحيث إنهم يؤمنون
به ويحفظون إرادته ويدعون باسمه، فإنه يحضر معهم ويسمع توسلاتهم وطلباتهم المُوجهة
إليه بقلب طاهر. وهو الذي بحكمته غير المتناهية وغير الموصوفة خلّصنا وبشرنا من
السماء بالخلاص، بمجيئه بيننا، أى نعمة تجسده. فالبشر لا يستطيعون من أنفسهم أن
يحصلوا على هذه النعمة، ولكن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله. لذا يصرخ
إرميا: ” مَن صعد إلى السماء فأمسكها ونزل بها من الغيوم؟ مَن عبر البحر
فوجدها وحصل عليها بالذهب الابريز؟ ليس أحد يعرف طريقها ويرغب في سبيلها لكن
العالِم بكل شئ يعلمها وبعقله وجدها، وهو الذي جهز الأرض للأبد، وملأها حيوانات من
ذوات الأربع. والذي يُرسل النور فيذهب دعاة فأطاعه مُرتعدًا. أن النجوم أشرقت في
محارسها وتهللت. دعاها فقالت: ” هاأنذا ” وأشرقت متهللة للذي صنعها. هذا
هو إلهنا، ولا يُحسب غيرة تجاهه. اهتدى إلى كل طريق للمعرفة، وجعله ليعقوب عبده
وإسرائيل حبيبه. وبعد ذلك رُئيت على الأرض وعاشت بين البشر. هى كتاب أوامر الله
والشريعة القائمة للأبد. كل مَن تمسك بها فله الحياة والذين يُهملونها يموتون”[132].
ويقصد بيعقوب وإسرائيل، ابن الله الذي أخذ من الآب السلطان لينزل على الأرض لكى
ينقل لنا الحياة ويُصاحب البشر البعيدين عن الآب. لقد وَحّد روح الله بخليقة الله
حتى أن الإنسان يظل على صورة الله ومثاله (أى التشبه بالله)[133].

 

 98
– أيها الصديق الحبيب، هذه هى كرازة الحق، وهذا هو قانون خلاصنا وهذا هو طريق
الحياة. هذه الحقيقة تنبأ عنها الأنبياء، وقد ثبّتها المسيح ونقلها الرسل إلينا
وقدّمتها الكنيسة إلى أبنائها[134]. ينبغى أن نحافظ عليها بحرص عظيم، مُرضين الله
بأعمال صالحة وبذهن سليم.

 

 99
– لا ينبغى أن يُفهم بأنه يوجد إله آخر غير الله خالقنا، كما يظن الهراطقة[135]،
الذين يحتقرون الله، الكائن، ويصنعون من الأصنام آلهة غير حقيقية، ويتمسكون
“بأب” آخر أسمى من خالقنا. كل هؤلاء هم غير أتقياء ويجدفون على خالقهم
وأبيهم، أيضًا برهنا على هذا في كتابنا ” نقد ودحض المعرفة
الكاذبة”[136]. وهراطقة آخرون ينكرون مجيء ابن الله وتدبير تجسده، هذا
الإيمان الذي سُلّم بواسطة الرسل وتنبأ عنه الأنبياء من أجل خلاص البشرية، كما
أوضحنا هنا بإيجاز[137]. آخرون أيضًا لم يقبلوا عطايا الروح القدس وينكرون الموهبة
النبوية، التي بواسطتها يصير الإنسان حاملاً الحياة الإلهية كثمرة. هؤلاء الذين
يقول لهم إشعياء: ” لأنكم تصيرون كبطمة قد ذبل ورقها وكجنة ليس لها
ماء”[138]، هؤلاء لا نفع منهم عند الله إذ أنهم لا يحملون ثمارًا.

 

 100
– إذن، فالضلال المتعلق بالفهم المنحرف للبنود الأساسية لمعموديتنا[139]، يقود
الكثيرين بعيدًا عن الحق، لأنهم إماَّ يحتقرون الآب أو لم يقبلوا الابن، رافضين
تدبير تجسده، أو لم يقبلوا الروح القدس، أى أنهم احتقروا النبوة. وعلى كل حال
ينبغى أن نحترس من هؤلاء الهراطقة ونهرب من أفكارهم والشركة معهم، إذا أردنا أن
نُرضى الله حقًا ونحصل على الخلاص.

 

ختام
المخطوط

شرح
الكرازة الرسولية لإيرينيوس

المجد
للثالوث القدوس، وللإله الواحد الآب والابن والروح القدس المحامى عن الجميع إلى
دهر الدهور آمين

تذكار
في الرب للقديس ومثلث البركات

رئيس
الأساقفة يوحنا[140]،

ومالك
هذا المخطوط

وأخو
القديس باسيليوس

وأيضًا
حقارتى الكاتب.

———————–

[78]
هذا المقطع موجود باللغة اليونانية عند يوستينوس فى الحوار مع تريفو 4: 74 الذي
ينسبه إلى إرميا، ويقول إن اليهود قد حذفوه من نصوصهم العبرية. راجع:

A. Bénoit, Ecriture et
Tradition Chez st. Irénée, in Rev. d’ Hist. Et de philo.= =Religieuses, 1960,
No1, p.82
.

[79]
إش2: 65س، انظر رو21: 10.

[80]
مز17: 22.

[81]
مز14: 22-15.

[82]
هذا الشاهد مركب من: مز21: 22س، مز120: 119س، ومز17: 22س، ومز14: 86س.

[83]
تث66: 28.

[84]
مز18: 22.

[85]
بشأن هذه النبوة يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [قد يقول آخر: اعطنى علامة أخرى
تحققت بدقة. فأقول له: يسوع صُلِب، ولم يكن له سوى لباس واحد وثوب واحد. الثوب
اقتسمه العسكر فيما بينهم إلى أربعة أجزاء، أما اللباس فلم يُقسم بينهم، إذ كان
يفقد نفعه لو اُقتسم، فطرحوا قرعة عليه كقطعة واحدة.. ويقول المزمور: ”
اقتسموا ثيابى وعلى لباسى ألقوا قرعة”] كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق،
المقال الثالث عشر، ص259.

[86]
زكريا 12: 11، 13، مت10: 27 ومن المحتمل أن يكون مصدر إيرينيوس هو إنجيل متى.

[87]
انظر مت 1: 27-10.

[88]
مز21: 69. مت 34: 27. يتأمل القديس كيرلس الأورشليمى التحقيق الواضح لهذه النبوة
قائلاً: [ها أنت ترى وضوح النبوة وصفائها! لكن أى نوع من العلقم وضعوه فى فمه؟
أعطوه خمرًا ممزوجًا بمرٍ هذا المر طعمه كالعلقم شديد المرارة. أبهذا تجازى الرب
أيتها الكرمة؟! أهذه تقدمتك له؟! بالحقيقة قال إشعياء فى القديم مولولاً عليك:
” كان لحبيبى كرم على أكمة خصبة. فنقبه ونقى حجارته وغرسه كرمًا سورق..
فانتظر أن يصنع عنبًا (إذ عطش طالبًا عنبًا) فنع شوكًا” (راجع إش1: 5و2)]
كيرلس الأورشليمى، المرجع السابق، المقال الثالث عشر، ص260.

[89]
” مز18: 68-19.

[90]
راجع أع 1: 1-11.

[91]
مز7: 24. يعلّق القديس أثناسيوس على هذه الآية من المزمور قائلاً: [ فلم يكن
الكلمة نفسه هو المحتاج لانفتاح الأبواب، إذ هو رب الكل – فلم تكن مخلوقاته مغلقة
فى وجهه هو الذى خلقه – بل نحن الذين كنا فى احتياج إلى ذلك (أى إلى انفتاح
الأبواب)، نحن الذين حملنا فى جسده الخاص. لأنه قدم جسده للموت عن الجميع، هكذا
بنفس هذا الجسد، أعد الطريق للصعود إلى السموات] تجسد الكلمة، المرجع السابق، 6:
35.

[92]
مز10: 24س.

[93]
مز1: 110.

[94]
مز6: 19أ.

[95]
مز6: 19ب.

[96]
يقول القديس كيرلس الأسكندرى: [قد صار الابن حقًا هو الخلاص والبر من الله الآب
لأجلنا، إذ هو الحق، وهو الذى تبرّرنا به لأنه انتصر على الموت الذى كان متملكًا
علينا منذ القديم، وأعادنا إلى عدم الموت، وأعاد تشكيلنا إلى الحالة التى كانت
عليها طبيعتنا منذ البداية] تعليقات لامعة (جلافيرا)، المرجع السابق، الكتاب
الشهرى أبريل2005، ص20.

[97]
يوضّح القديس إيرينيوس مفهوم هذه المصالحة بأنها إقامة الشركة بين الله والإنسان،
حين قال: [لقد فدانا الرب بدمه وبذل نفسه من أجل نفوسنا، وجسده من أجل أجسادنا،
وأرسل لنا روح الآب ليقيم الوحدة والشركة بين الله والإنسان]
AH5: 1: 1,10.

[98]
إش7: 52. راجع رو 15: 10.

[99]
إش3: 2.

[100]
مز4: 19.

[101]
إش22: 10-23

[102]
رو8: 13و10.

[103]
مت37: 22-40. يؤكد القديس إيرينيوس على أن شريعة العهد الجديد جاءت لكى تكمّل
وتحقق شريعة العهد القديم، وأن الإله الذى نؤمن به هو إله العهدين: [ بما أن
الوصية الأولى والعظمى= =فى كل من الناموس والإنجيل، هى تحب الإله من كل القلب،
والثانية مثلها، تحب قريبك كنفسك، فإنها تدل على أن واضع الناموس والإنجيل هو
واحد. فبما أن مبادئ الحياة الكاملة واحدة فى كلا العهدين، فإنها تشير إلى إله
واحد، الذى أوصى بلا ريب بوصايا محدّدة تتناسب مع كل عهد، بينما اعطى تزكيته
الخاصة للوصايا الأعظم والأهم التى بدونها لا يمكن أن يكون هناك خلاص لأحد فى كلا
العهدين] (
AH4: 12: 3).

[104]
إش8: 50-9، 11: 2.

[105]
إش11: 2س.

[106]
إش15: 65-16س.

[107]
إش9: 63س. يشرح لنا القديس كيرلس كيف أن المسيح قد فدانا بدمه أى بذبيحة نفسه
قائلاً: [إنه يمارس الكهنوت متخطيًا الناموس، لأنه هو نفسه الذبيحة والحمل
الحقيقى، وهو بعينه أيضًا رئيس الكهنة الذى بلا شر وبلا لوم، الذى لا يكهن عن
خطايا نفسه لأنه إله فوق الخطية، بل يكهن لكى يبطل خطايا العالم. فقد صار هو نفسه
إذن الكاهن الذى يكهن بذبيحة نفسه] تفسير الرسالة إلى العبرانيين1: 3،
PG74: 969-972.

[108]
إش18: 43-20س.

[109]
راجع يوئيل28: 2-29؛ أع17: 2-18.

[110]
رو6: 7.

[111]
إر31: 31-34، عب8: 8-12. يؤكد القديس يوستينوس على الشريعة الجديدة قائلاً: [ لا
يوجد خلاص (بوساطة) موسى أو الناموس مثلكم، ولكن كما قرأت فى الأسفار الإلهية أنه
سيكون ناموس (شريعة) جديد أبدى هو نهاية أو كمال الناموس (الشريعة) القديم، وسيكون
عهد يفوق العهد السابق، هذا العهد يدعو كل البشر إلى التمسك به، لأنه سيجعل الله
نفسه هو الميراث. أما الناموس الذى أُعلِنَ على جبل حوريب فهو قديم ويخصكم أنتم
فقط (اليهود)، وأنت تعلم أن القانون الذى يخلف قانونًا قديمًا يلغى القانون
القديم، وهكذا ينطبق أيضًا على العهد. أما الناموس والعهد الأبدى فهو ما أعطاه
المسيح لنا، وهو عهد جديد بالقبول والإيمان به، ولا يوجد بعده قانون أو وصايا أو
فرائض] حواره مع تريفو اليهودى 10.

[112]
إش7: 17-8.

[113]
إش1: 65، وانظر رو20: 10.

[114]
رو25: 9-26، انظر هو1: 2و25.

[115]
مت19: 3.

[116]
حز19: 11-20.

[117]
يو14: 1.

[118]
يعبّر القديس كيرلس عن هذا المفهوم قائلاً: [ لما صار إنسانً – بحسب قول يوحنا إن
الكلمة صار جسدً – حينئذٍ جُِعل رسولاً من أجلنا ورئيس كهنة لاعترافنا ليرفع إلى
الآب اعترافنا بالإيمان] الكنز فى الثالوث: 21.

[119]
إش1: 54.

[120]
غلا27: 4.

[121]
انظر تث44: 28.

[122]
تث21: 32. راجع رو 19: 10.

[123]
انظر إر8: 2.

[124]
راجع رو 10: 13.

[125]
هنا يشرح القديس إيرينيوس مدى تفوق شريعة العهد الجديد (النعمة) على شريعة الناموس
وهو لا ينادى أبدًا بإلغاء الناموس ووصاياه الأخلاقية، فهى الحد الأدنى – بحسب
رأيه – مقارنة بالحياة الروحية فى المسيح.

[126]
انظر خر13: 20، ومت27: 5و28.

[127]
هوشع6: 6. راجع مت 13: 9، 7: 12.

[128]
إش3: 66.

[129]
أع21: 2.

[130]
أع12: 4.

[131]
راجع يوستينوس الدفاع الثانى6: 6.

[132]
هذا النص ورد أيضًا في (
AH5: 35,1) وهو موجود فى سفر باروخ (29: 3-104) وهذا النص هو مديح للحكمة.

[133]
راجع فقرة 22و55. هدف التأنس بحسب إيرينيوس هو جمع الكل في المسيح “
anakefalaiwsij “ وإحضار الإنسان إلى الحالة الأولى قبل السقوط. وكل ما فقده
الإنسان في آدم أى “التشبه” بالله، يمكن أن يكتسبه في المسيح وبالمسيح.
هكذا “بحسب الصورة” و”بحسب المثال ” تؤسس وفق إيرينيوس على
الخريستولوجية (أى التعليم عن المسيح) ويشددّ إيرينيوس على أن “بحسب
المثال” يتحقق بفعل عمل الروح القدس.

[134]
انظر القديس أثناسيوس الرسولى: الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون، المرجع
السابق الرسالة الأولى: 28.

[135]
الهراطقة التي يقصدهم إيرينيوس هم الغنوسيون ومنهم بالتأكيد ماركيون.

[136]
الكتاب باللغة باليونانية باسم
Elegcoj
kai anatrop» tÁj yeudwnÚmou gnèsewj
: المعروف بكتاب “ضد الهرطقات”.

[137]
هنا يُفهم أن إيرينيوس أراد أن يتحدث في كتابه (ضد الهرطقات) عن اللاهوت أى
التعليم عن الله (
qeolog…a) أما في عمله الحالى ” شرح الكرازة الرسولية ” عن
الخريستولوجية “
cristolog…an “ أى التعليم عن المسيح.

[138]
إش30: 1.

[139]
يقصد قانون الإيمان الذى يقرّ به المقبل على العماد عندما يتجه ناحية الشرق.

[140]
يقصد رئيس الأساقفة يوحنا الأخ الأكبر لباسيليوس كليكيا
Hetum (1226-1270)، الذي صار أسقفًا عام 1259م ورحل عام 1289م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار