الخدمة

التعليم عن اللاهوت – رسالة للخدام

[ لأن ما سُلَّم بالإيمان يجب أن لا يُقاس بالحكمة البشرية بل بسَمَع الإيمان . وأي منطق يا تُرى يستطيع بجدارة تفسير الأمور التي تفوق الطبيعة المخلوقة ؟ وأي سَمَع يستطيع فهم الأشياء التي لا يسوغ للبشر سماعها أو النطق بها ؟ ] (القديس أثناسيوس الرسولي – الرسالة للقديس سيرابيون 1: 17)
[ وفق الإيمان الرسولي المُسلَّم إلينا بالتقليد من الآباء ، قد سلَّمتُ التقليد دون اختراع أي شيء دخيل عليه ] (القديس أثناسيوس الرسولي – الرسالة للقديس سيرابيون 1: 33)

إخوتي الخدام والخادمات وكل من يخدم في كل مكان بل ومن يُريد أن يخدم ايضاً، أكتب لكم اليوم واضعاً لكم ملامح طريق الخدمة كما تسلمناه من الآباء الرسل والقديسين، فكل من يخدم ويكتب عن المسيحية وأسرار اللاهوت، أقول له كما تعلمت من الآباء عن علم اللاهوت حسب الحق والحياة:

أن علم اللاهوت ليس علم فلسفي يُبنى على قواعد فكرية فلسفية ويُفهم في الإطار الثقافي حسب قدرات العقل الإنساني، والآباء لم يكن قصدهم في تعليمهم النقي أن يكتبونه في إطار فلسفي فكري ليس للعامة أن يخوضوا فيها، بل كان تعليمهم وكرازتهم لاهوتياً، أي مؤسساً على إلهام روحي ووحي فائق للطبيعة، لحقائق إلهية تختص بخلاص الإنسان ومصيره الأبدي، وهذه الحقائق تفوق قدرة الإنسان على التخيل أو الحدس أو التخمين أو الاستشفاف العقلي، بل وكل قدراته على الاستنتاج والتحليل، وكما يقول القديس غريغوريوس النزينزي، إن الآباء تكلموا باللاهوت: [ على نمط الرسل وليس بفلسفة أرسطو ] (عظة23: 12)

أي أن علم الآباء وكلامهم عن اللاهوت – والمفروض أن يكون هو كلامنا نحن أيضاً – كان كرازياً رسولياً، لأن اللاهوت الكرازي هو شهادة للحياة في المسيح التي أُعطيت للبشرية كخبرة وحياة كما قال الرسول: [ (خبرتنا قبل أن ننطق ونشهد هي) الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة … (شهادتنا وكرازتنا هي) نشهد ونُخبركم بالحياة الأبدية … (الهدف من كرازتنا وخدمتنا كلها) لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا ] (1يو1: 1 – 3)

فعلم اللاهوت الحقيقي لدى الآباء والذي ينبغي أن نستوعبه ونعيشه ونقدمه للجميع، هو شهادة حية يُكرز بها ليكتمل قصد التجسد [ الشركة مع الآب بالابن في الروح القدس ] أي [ الحياة في المسيح ] …

لذلك ينبغي علينا أن ننتبه جيداً جداً: فبمعزل عن ((الحياة في المسيح)) فإن أي كلام عن اللاهوت لا يحمل أي رسالة أو أهمية إطلاقاً، وأن انفصل عن حياة التقوى في المسيح يسوع، فسيتحول حتماً إلى جدال عقيم أو ” مباحثات سخيفة وغبية ” بلا أدنى هدف أو منفعة، بل حتماً سيجلب في النهاية خصومات وانشقاقات لا حصر لها، كما نرى اليوم في داخل الطوائف، بل وأيضاً في وسط من يدَّعون المعرفة على صفحات المنتديات والمواقع المسيحية المختلفة، وعلى الأخص المتحاورين في اللاهوت والذين يبحثون عن الجدالات العقلانية ليثبتوا للآخرين أن المسيحية هي الصح الوحيد، مدافعين عنها في إطار بحثي فكري ليس له هدف حياة الشركة مع الله في سر التقوى والامتلاء بروح الله !!!، أو حتى مبني على كرازة الإنجيل الصحيحة [ توبوا وآمنوا بالإنجيل ] !!!

يا أحبائي لا يوجد علم لاهوت مجرد ومنفصل، يُقدم في إطار فكري ومعلومات عن الله، وإثباتات فكرية وعقلية وجدلية، بل علم اللاهوت عند الآباء كان مؤسساً أصلاً على التزام سابق بالإيمان الحي المُسلَّم مرة للقديسين، وبالحياة في المسيح يسوع، مُستمَّدة دائماً ومُتجددة بالروح القدس من خلال الأسرار، ومُعاشة بالتوبة وتنفيذ وصية الإنجيل في روح المحبة والصلاة الدائمة وحياة التوبة المستمرة !!!

وعلم اللاهوت بهذه الطريقة مرتبط ارتباط وثيق بحياة الكنيسة كجسد المسيح الحي، غير المنفصل عنها ولا متعارض معها قط، بل علم اللاهوت الحقيقي هو التعبير عن عمل الروح القدس الحي في الكنيسة على مدى العصور والأجيال، والعامل في أعضاؤها في صراعهم اليومي مع العالم ورئيسه !!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار