بدع وهرطقات

الباب الثالث – الثالوث الأقدس إلهنا الواحد من الأزل وإلى الأبد



الباب الثالث – الثالوث الأقدس إلهنا الواحد من الأزل وإلى الأبد

الباب الثالث – الثالوث الأقدس
إلهنا الواحد من الأزل وإلى الأبد

الفصل السادس

إشعياء 7: 63-14 – الأقانيم
كالله الواحد في ظهورات الابن

لقد تكلمت
التوراة واضحاً عن الأقانيم الثلاثة باعتبارهم الله الواحد في علاقته مع الآباء
إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومع الأبناء وهم بنو إسرائيل ومع الأنبياء من موسى إلى
ملاخي، عن طريق ظهور الابن في صورة ملاك في غالب الأحيان أو صورة إنسان في بعض
الأحيان.

1
– ظهوراته للآباء

فبالنسبة
لعلاقة الأقانيم كالله الواحد بالآباء عن طريق ظهور الابن لهم في صورة ملاك أو
صورة إنسان قيل
وقال لها أي لهاجر
ملاك الرب:
ها أنت حبلى، فتلدين ابناً وتدعين
اسمه إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك
فملاك الرب
واضح أنه هو المتكلم. وتكلم عن الرب كشخص آخر سمع لمذلتها، ومع ذلك قيل عن ملاك
الرب المتكلم أنه الرب في القول
فدعت اسم
الرب (يهوه) الذي تكلم معها: أنت إيل رئي
أي أنت إله
ترى
لأنها قالت: أههنا أيضاً رأيت بعد
رؤية؟
(تكوين 11: 16و13) فالرب هو الرب وملاك الرب هو
الرب. وتميزهما عن بعضهما هنا واضح كل الوضوح. فهما الآب والابن.

وقيل أيضاً
فناداه ملاك الرب من السماء وقال:
إبراهيم!
إبراهيم!.. الآن علمت أنك خائف الله (إيلوهيم)، فلم تمسك ابنك وحيدك عني
.. فدعا
إبراهيم اسم ذلك الموضع
يهوه يرأه حتى أنه
يقال اليوم:
في جبل الرب (يهوه) يرى. ونادى
ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء وقال:
بذاتي
أقسمت، يقول الرب، أني من أجل أنك فعلت هذا الأمر، ولم تمسك ابنك وحيدك، أباركك مباركة
(تكوين 11:
22-17). فواضح جداً أن ملاك الرب هو الظاهر والمتكلم وهو يتكلم عن نفسه باعتباره
أنه الرب في قوله لإبراهيم
لم تمسك
ابنك وحيدك عنى
وفي قول إبراهيم عنه الرب
يرى
. وفي ذات الوقت يتكلم عن الرب باعتباره شخصاً
آخر في قوله عنه
هكذا يقول
الرب
. فإذن هنا، الأقنومان الابن وهو يهوه الظاهر
والمتكلم والآب وهو يهوه الغير المنظور وموضوع الكلام.

وملاك الرب
هذا، أي الابن، كان يظهر ويتكلم ويتعامل معهم في صورة إنسان كما في صورة ملاك.
لذلك قيل فبقي يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولمّا رأى أنه لا يقدر
عليه، ضرب حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال:
أطلقني،
لأنه قد طلع الفجر
. فقال: لا
أطلقك إن لم تباركني
. فقال له: ما
اسمك؟
. فقال: يعقوب. فقال: لا
يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل
أي يصارع
الله
لأنك جاهدت مع أو صارعت الله
والناس وقدرت
. وسأل يعقوب وقال: أخبرني
باسمك
. فقال: لماذا
تسأل عن اسمي؟
. وباركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل أي وجه
الله
قائلاً: لأني نظرت الله (إيلوهيم)
وجهاً لوجه، ونجيت نفسي
(تكوين 24: 32-30)،
وقال هوشع عن يعقوب في هذه الحادثة بالذات
جاهد
مع الله (إيلوهيم). جاهد مع الملاك وغلب. بكى واسترحمه. وجده في بيت إيل وهناك
تكلم معنا. والرب (يهوه) إله (إيلوهيم) الجنود يهوه اسمه
(هوشع 3:
12-5). ومن ثم قال يعقوب في مباركته لابني يوسف
الله
(إيلوهيم) الذي سار أمامه أبواي إبراهيم وإسحاق، الله (إيلوهيم) الذي رعاني منذ
وجودي، الملاك الذي خلصني من كل شر، يبارك الغلامين
(تكوين 15:
48و16). وفي كل هذا نرى أن الذي كان يتعامل مع الآباء في صورة إنسان مرة وفي صورة
ملاك مرة أخرى هو الله. وقد سموه الله بالنسبة لما هو في ذاته وسموه ملاكاً
بالنسبة للمنظر الذي سُر أن يظهر لهم به للتعامل معهم في صورة شخصية محدودة تحويها
أبصارهم وتستوعبها أفكارهم. ولكن هذا الذي كان يظهر لهم بالصورة الملائكية
المحدودة وتكلم معهم على اعتبار أنه ذات الله، وتكلم الكتاب نفسه عنه كالله،
وتكلموا هم أنفسهم عنه كالله، تكلم في ذات الوقت عنه الله كشخصية أخرى مميزة عنه
في قوله عنه مثلاً
هكذا يقول
الرب
. وهذا مما يدل قطعاً على أن المتكلم هو الله
الابن والمتكلم عنه هو الله الآب كما قيل في الإنجيل عن الله الابن من جهة تجسده
الذي
إذ كان في صورة الله لم يحسب خُلسة
في كلامه وأعماله في
ظهوراته
أن يكون معادلاً للّه لله الآب
طبعاً
لكنه أخلى نفسه من الظهور
بصورته الإلهية
آخذاً صورة
عبد
عبد لله أبيه طبعاً صائراً
في شبه الناس
لإمكانية التعامل معهم (فيلبى 6: 2و7) كما كان
يظهر قديماً في صورة إنسان أو صورة ملاك لنفس الغرض. لأنه بصورته وشبهه الإلهيين
لا يمكن أن يُرى ولا أن يُدرك كالآب وكالروح القدس تماماً إذ هم الله الواحد الغير
المنظور والغير المدرك في كنة ذاته.

2
– ظهوراته للأبناء

أمّا عن
تعامل الأقانيم كالله الواحد مع الأبناء وهم بنو إسرائيل. عن طريق ظهور الابن لهم
في صورة ملاك أو إنسان متكلماً وعاملاً باعتباره الله، وفي الوقت نفسه، كمميز عن
الله، أو باعتباره الابن المميز عن الآب حال كونهما الله الواحد، فقد قيل في
التوراة
ثم تكلم الله (إيلوهيم).. قائلاً:
أنا الرب إلهك (يهوه إيلوهيم).. ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق،
وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته. احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه، لأنه لا
يصفح عن ذنوبكم
بسبب وضع أنفسهم تحت الناموس لأن
اسمي فيه. ولكن إن سمعت لصوته، وفعلت كل ما أتكلم به، أُعادى أعداءك، وأضايق
مضايقيك. فإن ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين.. فأبيدهم
(خروج 1:
20و2 مع 20: 23-23) وقيل أيضاً عن هذا الملاك العجيب الذي فيه اسم الله ذاته.
والذي يقوم بأعمال هي أعمال الله ذاته كالقيادة والصيانة والإدانة لأمة بأسرها وهو
فرد والذي له على الأمة واجبات هي الواجبة عليها لله ذاته من السماع لصوته وعدم
التمرد عليه والخوف من دينونته، والذي يميز الله نفسه عنه باعتباره شخصية أخرى في
قوله عنه
إن سمعت لصوته، والذي
يوحد نفسه تعالى معه في قوله بعد ذلك
وفعلت
كل ما أتكلم به
، هذا الملاك الإلهي العجيب المميز عن الله
بينما هو الله، إذ هو الابن في تميزه عن الآب حال كونهما الله الواحد، هذا الملاك
يقال عن تميزه عن الله ووحدتهما معاً كالله الواحد في علاقته مع الشعب
وكان
الرب (يهوه) يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود
نارٍ ليضيء لهم
(خروج 21: 13) فانتقل
ملاك الله (إيلوهيم) السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم، وانتقل عمود السحاب من
أمامهم ووقف وراءهم. فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل، وصار السحاب والظلام
وأضاء الليل.. وكان في هزيع الصبح أن الرب (يهوه) أشرف على عسكر المصريين في عمود
النار والسحاب، وأزعج عسكر المصريين، وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقلة. فقال المصريون:
نهرب من إسرائيل، لأن الرب (يهوه)
يقاتل المصريين عنهم
.. فخلص
الرب (يهوه) في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين
(خروج 19:
14و20و24-29). وقد قيل عن هذه الحوادث بالذات
إحسانات
الرب أذكر.. صار لهم مخلصاً.. وملاك حضرته خلصهم.. جعل في وسطهم روح قدسه.. روح
الرب أراحهم. هكذا قدت شعبك لتصنع لنفسك اسم مجد
(إشعياء 7:
63و9و11و14). وهنا نرى واضحاً الرب وملاكه وروحه مميزاً كل منهم بشخصه واسمه وعمله
مما يدل على الأقنومية فالرب أحسن والملاك خلَّص والروح أراح. وبما أن العمل الذي
قام به كل منهم هو عمل إلهي لأنه عمله لأمة بأسرها وهو فرد كان ذلك دالاً بالضرورة
على أن كلا منهم هو الله. وبما أنه، حسب إعلان الكتاب أيضاً، لا إله إلا واحد كان
ذلك دالاً حتماً على وحدانيتهم في اللاهوت أو على أنهم الواحد الذي لا ثاني له.
ولذلك يقال له في نهاية العبارة بصيغة المفرد إعلاناً لوحدانيته
هكذا
قدت شعبك لتصنع لنفسك اسم مجد
(إشعياء 14: 63).

وفي كنعان،
لمّا لم يعد ملاك الرب مستتراً في عمود سحاب كما في البرية وظهر من خبائه، قيل عنه
وصعد ملاك الرب من الجلجال إلى بوكيم
وقال:
قد أصعدتكم من مصر وأتيت بكم إلى
الأرض التي أقسمت لآبائكم، وقلت: لا أنكث عهدي معكم إلى الأبد. وأنتم فلا تقطعوا
عهداً مع سكان هذه الأرض. أهدموا مذابحهم. ولم يسمعوا لصوتي. فماذا عملتم؟ فقلت
أيضاً: لا أطردهم من أمامكم، بل يكونون لكم مضايقين، وتكون آلهتهم لكم شركاً
.
وكان لمّا تكلم ملاك الرب بهذا الكلام إلى جميع بنى إسرائيل، أن الشعب رفعوا صوتهم
وبكوا.. وذبحوا هناك للرب
(قضاة 1: 2-5). وهنا
واضح كل الوضوح أن ملاك الرب الظاهر والمتكلم مع الشعب يتكلم عن نفسه باعتباره أنه
الرب ذاته بكل أفعاله مع الشعب، في حين نراه مميزاً عن الرب الذي ذبح له الشعب.
مما يدل على التميز في الأقنومية بين الآب والابن مع وحدانيتهما معاً في اللاهوت
كالله الواحد.

3
– ظهوراته للأنبياء

أمّا عن
علاقة الأقانيم كالله الواحد مع الأنبياء عن طريق ظهور الابن لهم في صورة ملاك
فقيل عن موسى النبي
وظهر له
ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة.. فلمّا رأى الرب (يهوه) أنه مال لينظر، ناداه
الله (إيلوهيم) من وسط العليقة.. اخلع حذاءك.. وقال الله (إيلوهيم) أيضاً لموسى:
هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله (إيلوهيم) آبائكم.. أرسلني إليكم
(خروج 2:
3و4و5و15) وأيضاً وحدث.. أنه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل، وصوت بوق شديد
جداً، فارتعد كل الشعب الذي في المحلة. وأخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله
(إيلوهيم)، فوقفوا في أسفل الجبل. وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب (يهوه)
نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الأتون، وارتجف كل الجبل جداً. فكان صوت البوق
يزداد اشتداداً جداً، وموسى يتكلم والله (إيلوهيم) يجيبه بصوتٍ.. فقال الرب يهوه
لموسى:
انحدر حذر الشعب لئلا يقتحموا إلى
الرب (يهوه) لينظروا، فيسقط منهم كثيرون
(خروج 16:
19-21) وعن ظهوره في العليقة وعلى الجبل قيل
هذا
موسى الذي.. أرسله الله.. بيد الملاك الذي ظهر له في العليقة.. هذا هو الذي كان في
الكنيسة
أي الجماعة في
البرية، مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء
(أعمال 35:
7و38) ومن مقابلة هذه الشواهد ببعضها يتضح أن الرب الذي كان يكلم موسى في العليقة
وفي الجبل كان هو الملاك والملاك الذي كان يكلمه في العليقة وفي الجبل كان هو الرب
لأنه تكلم باعتباره أنه الرب في حين تكلم عن الرب كشخصية أخرى مميزة عنه وهذا في
القول
فقال الرب (يهوه) لموسى: انحدر حذر
الشعب لئلا يقتحموا إلى الرب (يهوه)
(خروج 21:
19). وبينما يتكلم هو عن نفسه كالله في قوله لموسى وهو ظاهر في العليقة
اذهب..
وقل لهم: الرب إله (يهوه إيلوهيم) آبائكم.. ظهر لي
(خروج 16:
3) نجد استفانوس ملهماً يميز بين هذا الملاك الذي هو الله وبين الله بقوله عن موسى
هذا أرسله الله.. بيد الملاك الذي
ظهر له في العليقة
(أعمال 35: 7). فهما،
إذن، الآب والابن مميزان كأقنومين حال كونهما الله الواحد.

وقيل أيضاً
فقال الرب (يهوه) لموسى:
هذا الأمر..
أفعله..
فقال: أرني
مجدك
. فقال: أُجيز
كل جودتي قدامك. وأنادى باسم الرب (يهوه) قدامك. وأتراءف على من أتراءف وأرحم من
أرحم
. وقال: لا
تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش
(خروج 17:
33-20). فبينما المتكلم مع موسى يميز الرب عن نفسه في قوله عنه
أنادى
باسم الرب
نجده هو نفسه أيضاً الرب في قول الكتاب عنه فقال
الرب (يهوه)
وفي قوله هو أُجيز
كل جودتي قدامك.. وأرحم من أرحم
وفي قول الإنجيل عنه ألعل
عند الله ظلما؟ حاشا! لأنه يقول لموسى: إني أرحم من أرحم
(رومية 14:
9و15). فهما الآب والابن.

وملاك الرب
هذا الذي كان في قيادته لإسرائيل من مصر لكنعان مستتراً في عمود السحاب قيل عنه
أيضاً فيما يتعلق بعلاقته مع الأنبياء
وكان
عمود السحاب إذا دخل موسى الخيمة، ينزل ويقف عند باب الخيمة. ويتكلم الرب (يهوه)
مع موسى. فيرى جميع الشعب عمود السحاب، واقفاً عند باب الخيمة، ويقوم كل الشعب
ويسجدون كل واحد في باب خيمته. ويكلم الرب (يهوه) موسى وجهاً لوجهٍ، كما يكلم
الرجل صاحبه
(خروج 9: 33-11) وأيضاً فنزل
الرب (يهوه) في عمود سحاب ووقف في باب الخيمة، ودعا هارون ومريم فخرج كلاهما.
فقال:
اسمعا كلامي. إن كان منكم نبي للرب
(يهوه)، فبالرؤيا أستعلن له. في الحلم أكلمه. وأمّا عبدي موسى فليس هكذا، بل هو
أمين في كل بيتي. فماً إلى فمٍ وعياناً أتكلم معه، لا بالألغاز. وشبه الرب (يهوه)
يعاين. فلماذا لا تخشيان أن تتكلما على عبدي موسى؟
.
فحمي غضب الرب (يهوه) عليهما ومضى. فلمّا ارتفعت السحابة عن الخيمة إذا مريم برصاء
كالثلج
(عدد 5: 12-10). فملاك الرب الذي كان يتكلم
باعتبار أنه الرب في حين يتكلم عن الرب كشخصية أخرى مميزة عنه كان هو الابن المميز
عن الآب حال كونهما الرب الواحد الذي لا ثاني له.

وهذا الملاك
الإلهي العجيب، بعد أن دخل بالشعب إلى كنعان وكف عن أن يكون مستتراً في عمود
السحاب وخرج من خبائه هذا، قيل عنه وحدث لمّا كان يشوع عند أريحا ونظر، وإذا برجل
واقف قبالته، وسيفه مسلول بيده. فسار يشوع إليه وقال له:
هل
لنا أنت أو لأعدائنا؟
. فقال: كلا،
بل أنا رئيس جند الرب. الآن أتيت
. فسقط يشوع على وجهه
إلى الأرض وسجد، وقال له:
بماذا يكلم
سيدي عبده؟
. فقال رئيس جند الرب ليشوع: اخلع
نعلك..
.. فقال الرب (يهوه) ليشوع: انظر.
قد دفعت بيدك أريحا
(يشوع 13: 5، 2: 6)
وهنا واضح أن رئيس جند الرب هو الرب.

وقيل عنه
أيضاً وأتى ملاك الرب وجلس تحت البطمة التي في عفرة التي ليؤاش الأبيعزري. وابنه
جدعون كان يخبط حنطة.. فظهر له ملاك الرب وقال له:
الرب
معك يا جبار البأس
. فقال له جدعون: أسألك
يا سيدي، إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟
.. فالتفت إليه
الرب (يهوه) وقال:
اذهب بقوتك
هذه وخلص إسرائيل من كف مديان. أما أرسلتك؟
(قضاة 11:
6-14) وهنا نجد ملاك الرب واضحاً أنه الرب من القول عنه
فالتفت..
الرب
ومن القول وقال
جدعون لله (إيلوهيم): إن كنت تخلص بيدي إسرائيل كما تكلمت الخ
(ع 36)
وواضح أن الذي تكلم بذلك هو ملاك الرب. ونجد أيضاً الرب كشخصية مميزة عن ملاك
الرب، وهذا في قول ملاك الرب لجدعون
الرب
معك
ونجد هنا أيضاً روح الرب مميزاً عن الرب وملاك
الرب في القول عنه
فلبس روح
الرب جدعون فضرب بالبوق
(ع 35) ويذكر الروح
كشخص إلهي عاقل عامل مريد قادر إذ يذكر عنه أنه لبس جدعون كما يلبس الإنسان
ملابسه. فأصبح هو العامل الحقيقي ولو كان جدعون هو الشخص الظاهر في العمل. فأمامنا
هنا، إذن، الآب والابن والروح القدس مميزاً كل منهم كأقنوم باسمه وفعله الإلهيين،
الأمر الدال في نفس الوقت على أن كلا منهم هو ذات الله، وعلى أن الثلاثة هم هذا
الإله الواحد الذي لا ثاني له.

وقيل أيضاً
عن امرأة منوح فتراءى ملاك الرب للمرأة.. فدخلت المرأة وكلمت رجلها قائلة:
جاء
إليَّ رجل الله، ومنظره كمنظر ملاك الله، مرهب جداً. ولم أسأله: من أين هو، ولا هو
أخبرني عن اسمه.. فصلى منوح إلى الرب وقال:
أسألك
يا سيدي أن يأتي أيضاً إلينا رجل الله الذي أرسلته..
.
فسمع الله (إيلوهيم) لصوت منوح، فجاء ملاك الله أيضاً.. فقال منوح لملاك الرب:
ما
اسمك..؟
. فقال له ملاك الرب: لماذا
تسأل عن اسمي وهو عجيب؟
. فأخذ منوح
جدي المعزى والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب. فعمل عملاً عجيباً.. فكان عند صعود
اللهيب عن المذبح نحو السماء، أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح، ومنوح وامرأته
ينظران. فسقطا على وجهيهما إلى الأرض. ولم يعد ملاك الرب يتراءى لمنوح وامرأته.
حينئذ عرف منوح أنه ملاك الرب. فقال منوح لامرأته:
نموت
موتاً لأننا قد رأينا الله (إيلوهيم)
.
.. فولدت المرأة ابناً ودعت اسمه شمشون. فكبر الصبي وباركه الرب. وابتدأ روح الرب
يحركه في محلة دان بين صرعة وأشتاؤل
(قضاة 13)
وهنا أيضاً نرى بكل وضوح الرب الذي صلى إليه منوح وله قدم الذبيحة والذي بارك
الصبي. ونرى أيضاً ملاك الرب الذي عرف منوح من عجيب اسمه وعجيب عمله أنه الله
(إيلوهيم) ونرى أيضاً روح الله وقد أشعر بوجوده وشخصيته الإلهية كالمنفذ لمشيئة
الله في البشر باستيلائه على شمشون وهو صبى وابتدائه بتحريكه في مناطق معينة
بالذات تدل على ما لهذا المحرك من قصد حكيم يدل على حقيقة شخصيته. إذن، فأمامنا
الآب والابن والروح القدس، إلهنا الواحد.

وقيل أيضاً هأنذا
أُرسل ملاكي فيهيىء الطريق أمامي. ويأتي بغتة إلى هيكله السيد (أدوناي) الذي
تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به. هوذا يأتي، قال رب الجنود
(ملاخي 1:
3) وهنا نرى أقنومين بكل وضوح الأول هو رب الجنود المتكلم، والواعد بإرسال ملاكه
الذي هو يوحنا المعمدان كما سنبين والمبشر أيضاً بمجيء السيد أو
ملاك
العهد
. والأول وهو الرب المتكلم والواعد والمبشر هو الآب والثاني هو
السيد المبشر
بمجيئه إلى هيكله هو
الابن. ومما يؤيد
أن الابن وهو المسمى هنا
السيد وملاك
العهد
هو الرب أيضاً كالآب، وعد الآب عنه أنه يأتي..
إلى هيكله
فيسمى هيكل الرب هيكله. فهو الرب الذي الهيكل
هيكله، ومع ذلك فهو والآب الرب الواحدد.

ومثل ذلك
أيضاً قول الرب
هأنذا أُرسل
إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب (يهوه)، اليوم العظيم والمخوف
(ملاخي 5:
4). ففي هذا القول نرى أيضاً أقنومين. الأول هو الرب المتكلم والواعد بإرسال إيليا
النبي الذي هو المعمدان مبدئياً، والثاني هو الرب المنذر بمجيء يومه وبمجيء إيليا
قبل مجيء يومه. وواضح كل الوضوح أن الرب الواعد هو الآب والرب الآتي يومه هو الابن
حال كونهما الرب الواحد.

ثم يقال
أيضاً في إشعياء عن مجيء المعمدان أمام الابن باعتباره يهوه ليعد الطريق أمامه
صوت
صارخ في البرية: أعدوا طريق الرب (يهوه). قوموا في القفر سبيلاً لإلهنا (إيلوهيم)
(إشعياء 3:
40).

ومما يؤيد
أن
السيد أو ملاك العهد المبشر
بمجيئه في ملاخي 1: 3 إلى هيكله إذ هو الرب الذي الهيكل هيكله، الرب المنذر بمجيء
يومه أي يوم الدين في ملاخي 5: 4 لأنه الله الديان الذي سيعمل ممثل إيليا لرد
النفوس إليه قبل مجيء يوم دينونته، الرب المبشر بمجيئه أولاً للخلاص في إشعياء 3:
40، مما يؤيد أن الرب هذا هو الابن هو قول الابن عن المعمدان
هذا
هو الذي كُتب عنه: ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي
المتكلم
الآب للابن
الذي يهيئ طريقك قدامك.. وإن أردتم
أن تقبلوا، فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي
(متى 10:
11و14) وقول الملاك عنه لزكريا أبيه
يرد
كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدم أمامه بروح إيليا
(لوقا 13:
1-17) وقول زكريا أبيه له
وأنت أيها
الصبي نبي العلي تُدعى، لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه
(لوقا 76:
1) وقول المعمدان نفسه عن الابن
هذا هو الذي
قلت عنه: يأتي بعدي، رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي
(يوحنا 30:
1) فالذي كان قبل المعمدان بلا تحديد أو
الأزلي والذي هو الرب والعلي، والرب
إلههم
والسيد الذي هيكل
الله هيكله والمبشر بمجيئه من الرب، هو الابن. لأنه هو الذي تقدم المعمدان أمام
وجهه ليعد له الطريق. والرب الذي يبشَّر بمجيئه هو الآب.

ولكننا من
قول الآب
هاأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق
أمامي
(ملاخي 1: 3) نرى أن الآب هو الآتي، بينما في
قول الابن أن الآب قال له
هاأنذا أرسل
أمام وجهك ملاكي
(متى 10: 11) نرى أن
الابن هو الآتي. والفكران في تمام الإنسجام. لأنه بمجيء الابن إلينا متجسداً جاء
إلينا الآب فيه، وفي رؤيتنا للابن رأينا الآب فيه كما قال الابن لتلاميذه
لو
كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه
. قال له
فيلبس:
يا سيد، أرنا الآب وكفانا. قال له
يسوع:
أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني
يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟ ألست تؤمن أني أنا
في الآب والآب فيَّ؟ الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي
أو
بالاستقلال أو الانفصال عن الآب
لكن الآب
الحال فيَّ هو يعمل الأعمال. صدقوني أني في الآب والآب فيَّ، وإلا فصدقوني لسبب
الأعمال نفسها
(يوحنا 7: 14-11).

ويقوم في
الكتاب دليل آخر على أن الابن هو
الرب (يهوه) الذي كان
يظهر للآباء والأبناء والأنبياء كملاك الرب أن الكتاب نفى ظهور الله الآب ورؤية
العين له في قول الابن نفسه عنه لليهود
لم
تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته
(يوحنا 37: 5) وقول
الرسول
ملك الدهور الذي لا يفنى ولا يُرى،
الإله الحكيم وحده
(تيموثاوس الأولى 17:
1) وأيضاً
الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر
أن يراه
(تيموثاوس الأولى 16: 6) في حين أعلن أن الابن
في ظهوراته في العهد القديم في صورة ملاك وفي صورة إنسان أنه هو الذي يعلن الله
ويظهره، كما قيل عن موسى من جهته
وشبه الرب
(يهوه) يعاين
(عدد 8: 12). كما قيل عنه في الإنجيل أنه صورة
الله غير المنظور
(لوقا 15: 1) ورسم
جوهره
(عبرانيين 3: 1). وأيضاً الله
لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر
أي أظهر
(يوحنا 18: 1). وهذا لأنه هو وحده الذي في لاهوته غير المنظور رأى الآب في لاهوته
غير المنظور كما قال
ليس أن
أحداً رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب
(يوحنا 46:
6) ولذلك هو وحده الذي يستطيع أن يعلنه كما قال
لا
أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له
(متى 27:
11).

فهو يهوه
إله الآباء الذي ظهر لإبراهيم في صورة ملاك وفي صورة إنسان كما قال لليهود
أبوكم
إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح
. فقال له
اليهود:
ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت
إبراهيم؟
. قال لهم يسوع: الحق
الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن
. فرفعوا
حجارة ليرجموه. أمّا يسوع فاختفى
(يوحنا 56: 8-59).

وهو يهوه
إله الأنبياء الذي ظهر لموسى في صورة ملاك في العليقة، والذي كان موسى بالإيمان به
قد سبق وكرس نفسه لخدمته كما قيل
بالإيمان
موسى لمّا كبر أبى أن يُدعى ابن ابنة فرعون، مُفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله
على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسباً عار المسيح غنيً أعظم من خزائن مصر،
لأنه كان ينظر إلى المجازاة
(عبرانيين 24: 11-26).

وهو يهوه
إله الأبناء، أي بنى إسرائيل الذي ظهر لهم في صورة ملاك في عمود السحاب، ولكنه
رُفض منهم كما قيل
ولا نُجرَّب
المسيح كما جرَّب أيضاً أُناس منهم، فأهلكتهم الحيات
(كورنثوس
الأولى 9: 10).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار