في التدبير الروحي لبنيان النفس

الابن الحكيم، والمستهزئ

  • الابن الحكيم يقبل تأديب أبيه والمستهزئ لا يسمع انتهاراً (أمثال 13: 1)

حينما يحيا الإنسان محباً لشهوات قلبه، ميالاً للفوضى، إذ يستغل الحرية لتكون فرصة للجسد، ومن ثم يُطلق نظريات روحية تُثبت الانحلال الخُلقي، مثل تصنيف الناس لمؤمن جسدي ومؤمن روحاني، والمؤمن لا يهلك مهما ما انحرف عن الطريق المؤدي للحياة وسلك في طريق الموت، ولا يحب أن يسمع أو يصغي للتعليم الضابط لحياة التقوى، ويرفض التهذيب والتوبيخ، ولذلك مكتوب: فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتة (لوقا 21: 34)

  • لذلك ينبغي علينا اليوم، وأنا أعلم إني أكلم حكماء يطلبون خلاص نفوسهم بغيرة تقوى صالحــــة واشتياق الحب للرب إلههم

أن نعلم أن هناك فرق عظيم بين نظرية الإيمان والإيمان الحي العامل بالمحبة، لأن دليل الإيمان الحقيقي هو المحبة الظاهرة في طاعة الوصية، لأن الرب قال بصريح العبارة [من يحبني يحفظ وصاياي]، فمثل ذلك الإنسان المحب للمسيح من المستحيل أن يرتد ويرجع للوراء، لأنه عايش ابناً صريحاً في الإيمان متمسكاً بما عنده من نعمة نالها من الله.

  • ولننتبه لأنه من ممكن واحد يؤمن بالمسيح الرب لكن قلبه غير كامل في التوبة،

لأن هناك شيء ما في نفسه من جهة محبة للذة مُعينه لا يُريد أن يتركها ويتخلى عنها لأنها تسعده لساعة، ولذلك فأن هذا الإنسان في حالة شديدة الخطورة لأنها تتعلق بمصيره الأبدي، لأن بسبب محبة الخطية لا تكتمل توبته وتُصبح منقوصة ومعيوبة ويظل قلبه غير كامل أمام الله، لذلك فأن هذا الشخص لن يعيش بالإيمان سوى لفترة محدودة قد تطول وقد تقصر، ولكنه سيرتد حتماً وبالضرورة ويتوقف هذا على حسب فترة هياجه العاطفي (وممكن العودة لمثل الزارع وأنواع الأرض)، لذلك نجد بولس الرسول الملهم بالروح العارف بمشكلة النفس نبهنا قائلاً: جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان، امتحنوا أنفسكم، أم لستم تعرفون أنفسكم أن يسوع المسيح هو فيكم أن لم تكونوا مرفوضين. (2كورنثوس 13: 5)

  • فمن الطبيعي أن نرى الكثيرون يؤمنون بالمسيح الرب ويتبعونه

وبعد فترة زمنية يرتدون ويرجعون للوراء ويسيروا عكس طريقه وقد يجدفون عليه وينكرونه بالتمام، ولذلك الكتاب المقدس يعطينا أمثلة واقعية حدثت لنتعلم وننتبه لحياتنا، فالمثال الحي أمامنا هو اليهود الذي آمنوا بالمسيح مع انهم لم يتحرروا من الخطية بعد، وحينما كلمهم الرب عن الحرية التي يعطيها قالوا انهم ابناء إبراهيم ولم يستعبدوا لأحد، وفي النهاية رفضوا أن يتبعوه لأنهم لم يردوا أن يحررهم ويعطيهم قوة التبني، بل فضلوا أن يكونوا عبيداً للخطية، ومثال آخر وهو يهوذا الذي آمن بالمسيح ولازمه ليلاً ونهاراً وجلس على مائدته وأكل وشرب معه، ومع ذلك خانه، وهكذا هناك أمثلة كثيرة توضح أن هناك أُناس آمنوا وساروا مع المسيح ولكنهم ارتدوا وصاروا ابناء للهلاك، بمعنى أنه يوجد أشخاص سمعوا دعوة الله وتجاوبوا مع نداءه، واستناروا فعلياً، وذاقوا الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس، وتبعوا المسيح الرب، لكن بعد حين ارتدوا، فمن جهة الظاهر يوجد شخص يُدعى مؤمن حقيقي، لكن في الواقع على مستوى القلب من الداخل، الإيمان انفعالي عاطفي نفسي، وفي الواقع الإنسان هنا لم يدخل في سر الحرية الحقيقية ولم يحيا بالإيمان لأنه لم يتب توبة كاملة من كل قلبه، لأن اليهود تكبروا وقالوا أنهم ابناء إبراهيم ورفضوا حرية الابن، ويهوذا حب المال أصل كل الشرور، فكل واحد كان هناك شيء ما في قلبه (ثعلب صغير مفسد للكروم المثمرة الصالحة) لم يتخلى عنه ولم يطرده من حياته، فتعوقت مسيرته وسار مع الرب إلى حين ثم ارتد.

  • فانتبهوا أيها الحكماء

فأن لم يتب الإنسان توبة كاملة بقلب مستقيم ويحيا بالإيمان وينمو نمواً سليماً روحياً، ويتطهر باستمرار ويتغير عن شكله بتجديد ذهنه ويتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح، بل يمكث في حالة من الطفولة الروحية ويعيش على مستوى الجسديات، ولا يشبع من الغذاء الروحي ويرتوي من الماء الحي فينمو، بل يحيا كقاصر، هو في خطر الارتداد عن الله الحي، مع أنه استنار فعلياً وأخد نعمة من الله واختبر وذاق الموهبة السماوية فعلياً، ومع ذلك ممكن يتسبب في دمار نفسه ويقع تحت عقوبة موت الهلاك من جراء عدم إيمانه، لأنه أحب الظلمة أكثر من النور ورفض شركة الروح القدس، فصار إيمانه ميت ذو طبيعة ومعدن ملتوي.

  • فالإنسان هنا لم يتب توبة كاملة

وأبقى شيء ما لنفسه وبالتالي لم يؤمن بكل قلبه فعلياً،

لأنه يوجد كثيرون يقولون: المسيح خلصني، المسيح بررني وحررني وفكني، وصرت ابناً مباركاً لله في المسيح، ويرنمون بانفعال ترانيم الخلاص والغلبة والنصر، لكنها كلها عبارة عن نظريات فكرية وانفعالات نفسية تزول بزوال المؤثر، وهي بعيدة تماماً عن الحياة الروحية الواقعية، أي ليس لها واقع عملي مُعاش، لأن من جهة الواقع هو ما زال يعيش بالخطية وليس بالبرّ، واكتفى بنظريات في حياته اسمها نظرية التبرير والمؤمن الجسدي والمؤمن لا يهلك (وهذا هو الإيمان النظري الغير منعكس على واقعيه الحياة اليومية الذي فيه أمانه حقيقية للعطية التي نالها).

  • يا إخوتي المسيح الرب علمنا لكيلا نكون جهلاء بل فاهمين

أن الثمر يُظهر نوعية الشجرة، لأنه لا يجنون من الشوك عنباً ولا من الحسك تيناً، فالأعمال تُظهر طبيعة الإيمان نفسه، والحقيقة في هذه التعبيرات التي تُقال من جهة المؤمن لا يهلك والمؤمن الجسدي وغيرها من الكلمات الرنانة والتي تجعل الإنسان ينفعل نفسياً، ما هي سوى حجة للإنسان الذي لا يُريد أن يحيا ويعيش بالقداسة التي بدونها لا يُعاين أحد الرب، ولذلك على كل واحد أن يحذر ويستمع لكلام الرب لئلا يسقط في حالة العصيان، لأن ليس من يقول على نفسه أنه ابناً لإبراهيم هو ابن حقيقي وعايش بإيمان إبراهيم، بل الذي يعمل أعمال إبراهيم، الذي حينما سمع نداء الله ترك كل شيء وخرج وهو لا يعلم إلى أين يمضي، وأيضاً حينما اكتمل في الإيمان أطاع الله حينما طلب أن يقدم ابنه وحبيبه وحيده محرقة، ولم يدخل في جدل مع الله ولا حتى مع نفسه، ولا وضع ألفاظ وتعبيرات وتفسيرات وشروحات جميلة وحاول أن يقنع نفسه أو غيره بكلام إنسانية مقنع يبرر فيها كلمات الله، بل بمحبة ومخافة التقوى العظيمة أطاع طاعة كاملة بكل ثقه، لأن الإيمان = الطاعة، لكن الذي لا يُطيع الله ولا يحفظ الوصية فهو لا يؤمن به إيمان حي ولا ينتظر يوم مجيئه ولا يسهر على حياته ويقتني زيت الاستعداد مثل العذارى الحكيمات.

  • فلا تعطوا فرصة للجسد لكي تعمل فيه الخطية وتتماشوا

مع لوي الآيات – بكل خديعة الإثم – لتتوافق مع شهوات النفس الرديئة فتموتون في خطاياكم وتفقدوا قوة حرية البنين وتستعبدوا لشهوات قلبكم النجيس والمخادع، فانتبهوا لأن إبليس خصمنا كأسد جائع يجول يلتمس من يبتلعه، فأن لم نكن حكماء سنُخدع لأننها سنجهل أفكاره، فأن لم نجلس في مخادعنا ونسهر على قلوبنا ونأخذ الحكمة من كلمة الله المؤدبة للنفس وفاحصة للقلب، فأن الظلمة ستخدعنا لأنه توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت (أمثال 14: 12)، فلنجتهد إذاً أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها (عبرانيين 4: 11)

  • لأن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية

خدعتني بها وقتلتني؛ فأنكم إنما دُعيتم للحرية أيها الإخوة، غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد، نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها؛ أنتم ملح الأرض ولكن ان فسد الملح فبماذا يُملح، لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يُطرح خارجاً ويُداس من الناس؛ فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله؛ لان هذه هي إرادة الله قداستكم؛ لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة؛ فكم عقابا أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا وازدرى بروح النعمة؛ لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيداً للنجاسة والإثم للإثم هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيداً للبر للقداسة؛ وأما الآن إذ أُعتقتم من الخطية وصرتم عبيداً لله فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية (رومية 7: 11؛ غلاطية 5: 13؛ رومية 6: 2؛ متى 5: 13؛ 2كورنثوس 7: 1؛ 1تسالونيكي 4: 3؛ 1تسالونيكي 4: 7؛ عبرانيين 10: 29؛ رومية 6: 19، 22)

  • فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء

لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله، وليثبت الرب قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله ابينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه (2كورنثوس 7: 1؛ 1تسالونيكي 3: 13)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار