علم الانسان

اصطلاحات تخرج إلى النور:



اصطلاحات تخرج إلى النور:

اصطلاحات
تخرج إلى النور:

إنسان
المعمودية الجديد والكنيسة،

والكنيسة
وجسد المسيح،

وجسد
المسيح ونحن

nvUvn

ميلاد
الإنسان ثانية من الماء والروح أي المعمودية حسب قول المسيح، هو امتداد سرِّي فائق
لقيامة المسيح بجسد الإنسان وهو في حالة روحية جديدة ممجَّدة، وقد سقطت عنه عقوبة
الموت وانتصر ضد الشيطان والخطية.

هذا
الإنسان الروحي الجديد المحسوب أنه خليقة جديدة في المسيح أصبح عضواً حيًّا
فعَّالاً في الكنيسة، وأصبحت الكنيسة به كنيسة الإنسان الجديد القائم من بين
الأموات مع المسيح، والمتَّحد به. وعلى القارئ أن ينتبه حينما نتلو أمامه ما قاله
القديس بولس بوحي الروح عن الكنيسة، وهو بآن واحد يصف
ما تمَّ للإنسان الجديد في المعمودية هكذا:

+
“أحبَّ المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يُقدِّسها، مطهِّراً
إيَّاها بغسل الماء بالكلمة، لكي يُحْضِرَها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها
ولا غَضْنَ (الغضن هو تجاعيد الوجه من جراء الشيخوخة) أو شيء من مثل ذلك، بل تكون
مقدَّسة وبلا عيب” (أف 25: 527)

والقديس
بولس يتكلَّم بمثل هذا الكلام عن الإنسان الذي خرج من المعمودية له هذه الصفات
عينها، هكذا: “وهكذا كان أُناسٌ منكم (منجَّسين بكل خطية). لكن اغتسلتم، بل
تقدَّستم، بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” (1كو 11: 6)

واضح هنا أن القديس بولس حينما يتكلَّم عن الكنيسة الجديدة
الروحية، كنيسة العهد الجديد، فهو إنما يتكلَّم عن إنسان المعمودية الجديد. فنحن
الكنيسة الجديدة التي أحضرها الله لنفسه من عمق الخطية والموت والهاوية في شكلها
البشري الجديد، الذي هو تماماً شكل المسيح القائم من بين الأموات بذات طبيعته.

لذلك
حينما يقول بولس الرسول ويكرِّر القول إن “الكنيسة هي جسد المسيح”، فهو هنا لا
يتجاوزنا، بل يحيط بنا ويحصرنا في حقيقة الكنيسة وحقيقة جسد المسيح. والصلة بين
الكنيسة وجسد المسيح تبدو واضحة صارخة في سر المعمودية: “لأن كلَّكم الذين
اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل 27: 3). ففي المعمودية يتسربل كل مؤمن
بالمسيح شخصياً، بمعنى أن المسيح يصير فيه واهب الحياة الجديدة ونور المعرفة والحق.
هذا هو الذي جعل القديس بولس يصرِّح ويقول: “فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا
فيَّ” (غل 20: 2). وعلى القارئ أن يُلاحِظ تركيز القديس بولس علىكلمة “أنا”،
إذ ينفي أن تكون هي منبع الحياة الجديدة، بل المسيح صار هو “الأنا”الكبرى
فينا الذي هو الإنسان الجديد وكأن المسيحيين كخليقة
جديدة لهم “أنا”واحد هو المسيح.

ولكي
يستبعد بولس الرسول بفم الوحي الإلهي أي تصوير نظري أو شكلي للإنسان الجديد
المخلوق على صورة المسيح ومن طبيعته، يقول: “لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن
عظامه” (أف 30: 5). بهذا التأكيد والوضوح يستعلن لنا القديس بولس ماهية الإنسان
الجديد المخلوق فينا بالمعمودية الذي هو بعينه أساس الكنيسة.

ولكي يزداد القارئ ثقة واطمئناناً أنه حقاً من لحم المسيح
ومن عظامه، الذي هو جسد المسيح المُقام من الموت، فلنَعُدْ إلى القيامة والعليَّة
وكيف دخلها المسيح والأبواب مغلقة ووقف في الوسط! ولما ارتاع التلاميذ وحسبوه
روحاً، راجعهم بشدة أنه هو هو مسيح الصليب بجسده ولحمه وعظامه وجروحه فيه، قائلاً:
“جسُّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما تَرَوْنَ لي” (لو
39: 24)

إذن،
فقيامة المسيح كانت بجسده، بلحمه وعظامه، إنما في حالة تجلٍّ فائق لا تُرى
بالعين أو تحس باليد، إلاَّ إذا شاء الرب وأعلن نفسه بأن يُخفِّض من درجة شفافيته،
وبآنٍ واحد، يرفع من قدرة الرؤية الاستعلانية في حواس التلاميذ، فيرَوْنه على
حقيقته الروحية ويلمسونه فيؤمنون.

بهذا
المعنى الواقعي المحدَّد والمؤكَّد، نحن جُبلنا في المعمودية جُبلة جديدة روحانية
من لحم المسيح ومن عظامه وفي حالة ممجَّدة وتجلٍّ فائق لا يُرى بالعين أو يُلمس
باليد، فهو جسد حقيقي روحاني جوَّاني غير منظور ولا محسوس. فحينما قال القديس بولس:
“لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه” فهو يتكلَّم عن خليقتنا الجديدة
في المعمودية التي أعطتنا عضوية حقيقية غير منظورة في جسده غير المنظور القائم من
بين الأموات بنفس الروح والتجلِّي. هذه حقائق روحية مجيدة تحتاج لوعي عميق.

انظروا،
أيها الإخوة، المصدر الجديد لجبلتنا الجديدة الروحانية التي أعطتنا حالة شركة قوية
فعَّالة، إنما غير منظورة في المسيح، وأصبحنا حقاً وفعلاً أعضاء جسمه، من لحمه ومن
عظامه. وليت القارئ يلتفت إلى عمق ودقة القول، فبولس الرسول لا يقول: “أعضاء في
جسمه”، بل” أعضاء جسمه“. والمعنى هنا خطير، إذ يقصر
جسم المسيح علينا فقط ويحدِّد أعضاء جسمه بنا فقط!

فهنا
تمثيل المسيح شمولي، فالقول إننا” أعضاء جسمه”، ينطبق تمام
الانطباق على قول بولس الرسول: “نحن جسده”! هذا قول قاطع مانع يجمعنا في
المسيح في اتحاد ووحدة كيانية غير منظورة.

كما
لاحظنا في قول الوحي على لسان القديس بولس بالنسبة للمسيح والكنيسة قوله: “لكي
يُحْضِرها لنفسه كنيسة مجيدة” وللحال طار ذهننا إلى ذات القول من فم
الله بالنسبة لحواء الأولى هكذا: “فأوقع الرب الإله سُباتاً على آدم فنام.
فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضِّلع التي أخذها من
آدم امرأة، وأحضرها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظمٌ من عظامي ولحمٌ من
لحمي”
(تك 21: 223)

هكذا
كما كانت حواء الأولى من عظم آدم ولحمه، خلقها الله من جسم آدم وأحضرها له ليكونا
واحداً؛ هكذا، وبالمثل وبمنتهى الدقة والترتيب، أوقع الله المسيحَ في سُبات القبر
والموت يوم السبت وجسدنا فيه، وقد مات وأكمل العقوبة، وقام المسيح وجسدنا فيه لملء
الحياة المُقامة والمجيدة. وهكذا أخذنا إنساننا الجديد منه، من لحمه ومن عظامه.
فأخذه المسيح وغسله بالمعمودية وطهَّره وقدَّسه، وأحضره لنفسه كنيسة مجيدة،
واتَّحد به كعريس وعروس.

وهكذا تهيَّأت البشرية الجديدة أن تُزفَّ إلى عريسها
السمائي كخليقة روحانية مبرَّرة تُفرِح قلب الله. وإذ صرنا من لحم وعظام المسيح
القائم من بين الأموات جسداً روحياً فيه روح القيامة باستعدادٍ للانطلاق إلى المجد،
لهذا فالمسيح هو آدم الثاني الجديد أبو الخليقة الجديدة، ونحن خليقته
“مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك
فيها” (أف 10: 2)

فنحن
الآن نحمل صورة المسيح المُقام في جسدنا الجديد، ليس من جهة الشكل، ولكن من جهة
طبيعة القداسة والبر: “وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب (
like بشبه) الله في البر وقداسة الحق” (أف 24: 4). وواضح أن هذه
الصفات طبيعية وهي ذات الطبيعة التي قام بها المسيح من بين الأموات لحسابنا، وهي
طبيعة عديمة الموت والفساد، ولا يمكن أن تخطئ لأنها انفصلت نهائياً عن طبيعة
الناموس والتراب، وهي الطبيعة التي تؤهِّلنا الآن للحياة الأبدية التي نعيش
عربونها الآن بالاتحاد بالمسيح روحياً إلى أن يحين انطلاقها بعد أن يسقط عنها
الجسد العتيق الترابي. وبولس الرسول يصف بصورة زاهية نوع وعمق العلاقة التي تربطنا
الآن بالمسيح هكذا:

+ “فإنه فيه (في المسيح) يحلُّ كل ملء اللاهوت جسدياً.
(1) وأنتم مملوؤون فيه، الذي هو رأس كل رياسة وسلطان. (2) وبه أيضاً
خُتِنْتُم ختاناً غير مصنوع بيدٍ،
بخَلْع جسم خطايا البشرية، بختان المسيح.
مدفونين معه في المعمودية، (3) التي فيها أُقِمْتُم أيضاً معه، بإيمان عمل
الله، الذي أقامه من الأموات. وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغَلَف جسدكم، أحياكم
معه، (4) مسامحاً لكم بجميع الخطايا” (كو 9: 213)

(1)
وأنتم مملوؤون فيه”:

هذه
هي طبيعة الإنسان الجديد، لها ملء جسد المسيح المملوء لاهوتياً. فعِوَض أنْ كنا
مملوئين خطيةً وغشًّا وإثماً وشهوات العالم، أصبحنا مملوئين روحياً فيما هو للمسيح.
هذه هي القيمة العالية جداً للميلاد الجديد من الماء والروح الذي جعلنا نمتلئ بملء
المسيح ابن الله، بطبيعة منتسبة إلى الله لها السماء موطناً. وهكذا ابتعدنا
نهائياً عن الطبيعة الترابية.

(2)”
وبه أيضاً خُتِنْتُم ختاناً غير مصنوع بيدٍ”:

هنا
الكلام منصبٌّ على كيفية تخلُّص المسيح من جسد الإنسان العتيق بالموت، إذ يوصف
بأنه خلعه خلعاً ليسلِّم لنا قيامته كإنسان جديد قد خلع عنه الجسد العتيق بخطاياه،
وذلك بعد أن أكمل عقوبة الموت به. وقد وصفه القديس بولس في مكانٍ آخر أنه أماته،
أي أمات الجسد العتيق بخطاياه فيه:

+
“وإن كان المسيح فيكم، فالجسد (العتيق) ميِّت بسبب الخطية (أي أخذ حكم الموت
وانتهى فيه)، وأما الروح (وهو تعبير عن الجسد الروحاني الجديد) فحياة بسبب البر
(أي أخذ برَّ المسيح الذي حصل عليه بقيامته)” (رو 10: 8)

وقد
اعتبر بولس الرسول أن تخلُّص المسيح من الجسد العتيق بموته وقيامته كان بمثابة
ختانة حقيقية غير مصنوعة بيد، وهو تشبيه في غاية الإبداع. فنحن بناءً
عليه مختونون في المسيح، بمعنى انقطع عنَّا الجسد العتيق قطعاً
سرِّياً بالنعمة، وهذه هي حقيقة الطهارة في العهد الجديد. فعندما نسمع عن التطهير
في العهد الجديد فهو يعني التخلُّص من أعمال الجسد العتيق:

+
“فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب، يطهِّر
ضمائركم من أعمال ميِّتة (أعمال الجسد العتيق الميت) لتخدموا الله الحي” (عب
14: 9)

(3)”
التي فيها أُقمتم أيضاً معه”:

واضح
أننا تقابلنا واتَّحدنا بموت المسيح في سر المعمودية بالدفن في الماء ثم أقامنا
معه بإنسان جديد قد خُلِع عنه جسم خطايا البشرية في الإنسان العتيق، وذلك بإيمان
عمل الله الذي أقام المسيح من بين الأموات لأجلنا.

(4)”
مُسامحاً لكم بجميع الخطايا”:

لأننا لَمَّا دخلنا معه في عهد المعمودية لنوال الخليقة
الجديدة على أساس إيماننا الوثيق بموته وقيامته من أجلنا، أعطانا سر قيامته في
إنساننا الجديد، وقد سامحنا بجميع الخطايا المنسوبة للإنسان العتيق الذي أكمل فيه
العقوبة بالموت ومحا كل خطاياه. وهكذا مُحِيَت خطايانا إلى الأبد من حسابنا، لأن
أعمال الله بلا ندامة.

انظروا،
أيها الإخوة، فالمسيح بنفسه وعَبْرَ آلامه وجروحه وصليبه وموته هو الذي خلع عنَّا
الجسد العتيق مع خطيته وحُكْمَ الموت الصادر ضده وجميع أعماله، ودفنها بعيداً
عنَّا في قبر الماضي الذي لا يعود، وأقامنا معه، سواء حينما قام من الموت أو عندما
أقامنا بعد الدفن في ماء المعمودية لعمل سر الخلق الجديد الذي له. الأول على
الصليب على مستوى الفعل المنظور الرهيب، والآخر في الماء بسر الخلق الجديد المهيب.

لقد
عَبَرَ بنا المسيح الموت والجحيم والهاوية وأخرجنا معه بقوة ومجد عظيمَيْن، كان
يستحيل علينا إذا دخلنا الموت أن نخرج من عقاله، وكان من المستحيل إذا دخلنا
الفساد أن نخلص منه لأن عبوديتنا تحت الخطية والموت حُكْمٌ لا رجعة فيه.

أخذ
المسيح جسدنا أولاً من العذراء ومن الروح القدس طاهراً قدوساً، ولكن كان يتحتَّم
لكي يموت أن يحمل خطايانا في جسده على الخشبة، الأمر الذي أرعبه رعبة أشد من هول
الموت. فقد نازع أباه إن أمكن أن يجيز عنه هذه الكأس، كأس خطايا البشرية ليشربها.
وهناك فرق هائل بين كأس خطايا البشرية وكأس الموت. فأما كأس الموت، فقد جاء ليشربه
عن رضى؛ أما كأس خطايا البشرية فكيف يشربه ويقف قدَّام أبيه كالعاصي والمجدِّف والزاني
والشرير؟ كيف والعلاقة التي تربطه بالآب لا تسمح، فهي علاقة قداسة وحب مطلق في
بنوَّة غير منفصلة؟ هنا أقصى مضادة تفوق قامة كل حكمة، لم يحلّها إلاَّ أن يستسلم
الابن لمشيئة أبيه لأنه أراد!!!

وهكذا
انتهى الابن الوحيد في نزاعه في جثسيماني مع أبيه بقوله: “لتكن مشيئتك لا مشيئتي”.
حيث إن مشيئة الآب أن يلبس الابن عار البشرية ويحمل كل خطايانا، والآب راضٍ حتى
وإن مسَّته في شيء!! هذه الفدية تبلغ أقصى خطورتها، والفادي وهو الله
يشترك مع الفدية بشيء!

بهذه
النية تقدَّم المسيح إلى رؤساء الكهنة وتحمَّل المهانة والمساءلة والحكم أنه
مجدِّف، فقَبِلَ دون مناقشة. ولما أحالوه لبيلاطس أُضيف إلى الاتهامات أنه صانع شر
ومُضل الأمة وناقض الناموس والهيكل، فقَبِلَ ولم يُدافع، وصَدَر الحكم وسيق إلى
الصليب وهو حامل كل الاتهامات محقَّقة وثابتة، وصعد إلى خشبة العار ليحمل مع كل
الخطايا لعنة الصليب كمجرم منبوذ. بهذا قيل إنه حَمَلَ خطايانا! وقَبِلَ الموت
بإرادته كعقوبة ثبتت عليه بناءً على خطايا تحمَّلها كلها كخاطئ. والخطية خطيتنا
والعار عارنا والموت عقوبتنا!!

وعندما
قام من بين الأموات بعد أن أكمل العقوبة التي استحقها الإنسان، أقامنا معه في جسد
قيامته وقد سقطت عنه كل خطايا الإنسان العتيق مع موته، وسلَّمنا جسد قيامته في
المعمودية بلا خطية ولا موت ولا لعنة، مبرَّرين ببر طاعته وقيامته. وهذا هو
الفداء!!

لم
يمُتْ عنا بل مات ونحن فيه، إذ مات بجسد بشريتنا وعليه خطايانا، أي مات حاملاً
جسدنا العتيق في نفسه. فإن كان قد أخذ موتنا على نفسه فحباً وكرامة وطاعة لأبيه.
لذلك فقد مات لأجلنا وقام لأجلنا ليهبنا قوة موته لإلغاء الخطية والموت، ويهبنا
قوة حياته في القيامة من بين الأموات. وهذا هو الفداء!!

فدانا
من الموت بموته، ونجَّانا من الفساد بقيامته. رفع عنَّا العار واللعنة بارتفاعه
على الخشبة، ليكمل معنا كل العقوبة التي فُرضت علينا التي أخذها في جسده وألغاها
بقوة قداسته وارتفاع لاهوته وعمق بنوَّته، فقام بذراع قوية ومجد وانتصار. وهذا هو
الفداء.

فلولا
موته معنا لابتلعنا الموت إلى الأبد ولا نجاة. ولولا قيامته لافترسنا الفساد ولا
رجاء. ولولا جبروت لاهوته لأطبقت علينا الهاوية ونزلنا إلى الجحيم ولا صعود. وهذا
هو الفداء.

دفع
ثمن خطايانا بجلد الظهر بالسياط ولطم الوجه والبصاق وضرب الرأس وغرس الأشواك،
هُزْءٌ وراء هُزْءٍ، وامتهان واحتقار وافتضاح. وهكذا أكمل تأديبنا عليه! لنفوز نحن
بغفران الخطايا. وذاق غصَّة الموت لنذوق نحن نُصرة الحياة. وهذا هو الفداء.

كنَّا
تحت الغضب الإلهي بسبب العصيان، ولم يكن مَنْ يُصالح حتى جاء الابن الوحيد ولَبِسَ
عصياننا كالثوب ودخل المحاكمة وهو عالم بفداحة الثمن المدفوع. ولَمَّا ارتفع
المسيح على الصليب احتجب عنه وجه الآب، فذاق مرارة الغضب الإلهي ولم يحتمل فصرخ: “إلهي
إلهي لماذا تركتني” (مت 46: 27). وكانت الصرخة هي صرختنا، إذ دخلت البشرية
لحظتها في ظلمة المحاق، نطقها المسيح بلساننا ليُعلن أن القضاء قد تمَّ واقتبل
المسيح معنا الغضب الإلهي، فسُمع له من أجل تقواه ولطاعته حتى الموت كذبيح، ولولا
أنه الابن الوحيد ما خرجنا من تحت الغضب الإلهي إلى الأبد. وهكذا حصل لنا المسيح
على المصالحة بعد دفع الثمن عاراً ورعبة ودماً، وبالنهاية أدخلنا تحت التدبير
كبنين. وهذا هو الفداء.

والآن، هل عرفت، أيها القارئ العزيز، كم كلَّف الله والمسيح
هذا الإنسان الجديد الذي هو بمثابة الخلقة الأخرى الروحية للإنسان التي جعلها على
صورته، من طبيعة جسد قيامته مخلوقة في البر وقداسة الحق، ليرث بها الحياة الأبدية
مع الله؟

فإن
كان ثمنها هو هكذا حقيقةً باهظاً للغاية، فلأنها خليقة
فائقة في طبيعتها، مُؤَمَّن عليها من الموت والفساد، بل ومؤازرة بالنعمة ومؤيَّدة
بالبر وقداسة المسيح. وهذه الطبيعة عينها التي للبشرية الجديدة أحبَّها المسيح
نفسه، أحبَّها حبًّا يقول الكتاب عنه إنه حب عريس لعروس. ويكفي أننا علمنا أنها من
لحمه ومن عظامه. هكذا صارت طبيعتنا الجديدة هي عينها جسد المسيح، هو لها الرأس
بغير انفصال، وقد جلس بها عن يمين الآب الموضع الكريم الذي اشتراه بدمه وأعدَّه
لها بروحه لتحيا به أمام الله.

هذا
هو خلاصة الإيمان المسيحي. قدَّمناه إليك لتدرك حقيقة مسيحيتك التي ورَّثتك هذه
الخلقة الجديدة مجاناً، لا يفصلها عن الله لا خطية ولا موت ولا هاوية، لأنها
تسلَّحت بنعمة القيامة من بين الأموات لتحيا بروح القيامة منتصرة، لها برّها الخاص
الذي ورثته من قيامة المسيح مجاناً!!

فإن
كان يطغى الجسد العتيق عليك بلا وجه حق ويُحزن نفسك بسبب ضعف أو خطية، فانتبه! هذا
تزييف من الشيطان، لأن الجسد العتيق ميِّت وأعماله ميِّتة، وهي كلها واقعة ومحصورة
تحت الاعتراف بها أمام الله لتتلاشى في الحال. فخطايا الجسد العتيق لم يَعُدْ لها
قوة وسلطان الخطايا الأولى، لأن جميع خطايانا دخلت تحت البراءة الرسمية بدم المسيح.
فهي لن تنال من علاقتنا بالله والمسيح، ولن تؤثِّر في نصيبنا المحفوظ لنا في
السماويَّات مهما كانت، إلاَّ إذا تنازلنا نحن بإرادتنا عن نصيبنا السماوي
وازدرينا بالدم.

وعلى
المؤمن المسيحي أن يُدرك موقفه الجديد من الله كخليقة جديدة مؤَمَّن عليها من
السقوط، غالبة الموت والخطية والهاوية. فلا يستهين بحقوقه، لأن الثمن المدفوع في
فدائه تحمَّله الله بنفسه ولا يستطيع شيء في الأرض ولا في السماء أن يخطفه من
يد الله والمسيح.

ارفع
رأسك أيها الإنسان المسيحي، فأنت بواقعك الجديد كمؤمن اعتَمَدَ وقَبِلَ الفداء
صرتَ أعلى من الموت، أعلى من الخطية، أعلى من الهاوية، وأعلى من هذا العالم. وليست
قوة في الوجود بمستطيعة أن تفصلك عن محبة المسيح الذي أحبك واشتراك بدمه.

ولكن
يتبقَّى أن يتعرَّف الإنسان المسيحي على الفداء معرفة ذاتية واقعية من خبرته
وحياته. فالفداء سيبقى منطوقاً إيمانياً وحسب، والإنسان الجديد كحقيقة تمَّت وكملت
لنا من واقع الطقس والإيمان وحسب؛ إلى أن يتقبَّل الإنسان حقيقة المسيح المصلوب
القائم من بين الأموات في صميم حياته ويحدث التغيير، فإذا أحسَّ الإنسان بالتغيير
في حياته واضحاً يكون هذا هو الفداء!!

فالفداء
عمل قام به المسيح ليستقر بالنهاية في دخوله شخصياً في حياة الإنسان، ليبدأ به
الإنسان حياته في المسيح، ويذوق فيه كل خبرات الإنجيل، ويتطلَّع بثقة إلى مستقبله
السعيد.

وكل ما تقبَّلته من المسيح واستقرَّ في حياتك الجديدة، مع
الحب الذي تشعر به نحوه، وكل التغييرات التي جزتها منذ أن تعرَّفت عليه، والمبادئ
التي صرت تتمسك بها وتعيش عليها، مع الفرح والسلام؛ فهذا هو إنسانك الجديد.
وبمنتهى الاختصار، فإنسانك الجديد هو صاحب هذا التغيير الذي تمَّ في داخلك.

أما
علاقة الفداء بالخلاص فقد أوضحها القديس بولس في هذه الآية:

+
“إن اعترفتَ بفمك بالرب يسوع، وآمنتَ بقلبك أن الله أقامه من الأموات،
خَلَصْتَ. لأن القلب يُؤْمَن به للبر، والفم يُعْتَرَف به للخلاص” (رو 9: 10و10)

هنا
واضح أن الإيمان بالقلب هو عمل الإنسان الجديد، حيث يكون الإيمان من واقع الاتحاد،
فالإيمان بقيامة الرب يسوع من بين الأموات هو الإيمان بعمل بر الفداء. فعندما
يقبل الإنسان الجديد بر الفداء بالإيمان، يكمل له الخلاص من الإنسان العتيق
وأعماله
والغضب الواقع عليه. فالإيمان ونوال بر الفداء يأتي أولاً وفي القلب،
والاعتراف بالخلاص يأتي بعد ذلك بالفم للشهادة، كنتيجة للفداء.

(يناير
1997)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار