الخدمة

إيماننا الحي بالكتاب المقدس، وكيف نصل للفهم الصحيح والشرح والتفسير

أن إيماننا بالكتاب المقدس ليس هو الإيمان الجامد المحصور في الألفاظ المكتوبة بحبر على ورق في صور مواقف وأحاديث وحوادث تتسم بالشكل الأدبي القصصي الذي تحتوي على ما يبدو أنه اساطير (كما يدَّعي البعض)، فنحن لا نؤمن بالأساطير الفارغة أو كلمات بدون برهان، ولا بمجرد فلسفة فكر أو بألفاظ منمقة تُسعد الفكر وتُعطي علماً، رغم من أننا نقدر الفلاسفة وأفكارهم البناءة، وأيضاً عندنا تقدير خاص للعلم إذ نعتبره دُعامة أساسية تقوم عليها المجتمعات وتبنى عليها الحضارات، لأننا نرى بوضوح أنه ضرورة للعقل لأجل تنمية الفكر لأجل صالح المجتمع بل والعالم كله لتقدمه ليُصبح أفضل للجميع من جهة المعيشة ولأجل حياة كل جسد…

ولكن إيماننا يختلف عن الفكر والتفكير والفلسفة، بل وعن الاعتقاد المتوارث حسب الفكر وثقافة كل مجتمع ينشأ فيه الفرد، ولم ولن يكون إيماننا أيضاً بحسب الأساطير التي تعطي مفاهيم خارج حدود العقل الإنساني، لأن عادة حينما يتعرض أي إنسان لما لا يعرفه عن عالم الغيبيات فأنه يخترع بعض التصورات الخاصة حسب رؤيته وثقافته الموروثة وتربيته ونشاته حسب المجتمع الذي يعش فيه وما تجمع في عقله وذهنه منذ نعومة أظفاره من قصص وأفكار ومبادئ وأساطير وخيال، ليُنشأ افكاراً محدده يُسميها الله أو الفكر الإلهي ليعبدها وبالتالي يحاول أن يقنع الآخرين بها لأنه عادة يزدري بعقيدة الآخرين لأنه يرى أنه الصح والصحيح ويُريد أن يُهدي الجميع لما اهتدى إليه لأنه الأفضل للكل !!!

وهذا لا نعتبره إيمان بالله الحي، بل هو وثن بناه الإنسان بعقله وتفكيره الخاص، وسماه الله، وهذا ليس الإله الحي الحقيقي بل هو اختراع فكر الإنسان، هذا الفكر الذي يُسيطر على هذا الإله الذي أنشاه حتى كونه وصوره في العقل ليبقى حبيسه، أي أن الله أصبح تحت العقل والتفكير الذي يتغير ويتبدل فيُعدل في هذا الإله وطبعه، وطالما هذا الإله يخضع لهذا الفكر فأنه إله متغير متبدل، تتوقف معرفته حسب التطور العقلي وتُبنى عليه، وبذلك يُصبح إله وهمي ليس له واقع، لأنه ليس شخص أسمعه وأراه وأدخل في شركه معه حسب دعوته الخاصة والشخصية لي أنا، لأن في تلك الحالة التي فيها اعتمد على تفكيري واعتقادي، فأنا أُقيم شركة مع نفسي، وأُريد أن الناس تشترك معي في عبادتي التي هي عبادة ذاتي، ليعظموا تفكيري الذي وصلهم عن هذا الإله الذي أنشأته واخترعته أنا وأعبده في مخيلتي، لأن سره عندي في عقلي وليس عند غيري، لذلك الاخر يحتاج إليَّ لكي أصف له هذا الإله الذي يعجز عن الوصول إليه بدوني أنا !!!

لكن إيماننا الحي المسيحي ليس هذا قط، ولا حتى قريب منه على وجه الإطلاق، لأننا نؤمن بالكلمة في الكتاب المقدس التي تأتي ببرهان، الكلمة التي تنقل لنا الحياة، الكلمة المملوءة بالروح الإلهي وحاملة للقوة التي تغير القلب من الداخل وتنقلنا من الظلمة للنور، ومن الموت للحياة، ومن غلبة الشرّ لنصرة البرّ.
لذلك ونحن نرى ونبصر أن الكلمة في الكتاب المقدس هي كلمة الحق الإلهي، ذات السلطان الفائق، والتي نسمعها ونقرأها في الأسفار المقدسة، نجد أننا نحتاج دائماً إلى الفهم والتفسير الصحيح لنبلغ المقاصد الإلهية فيها، فنحن نحتاج نعمة الفهم لانفتاح الذهن: [ حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ] (لوقا 24: 45)

Then he opened their minds to understand the Scriptures

فأنه أن لم نتقبل نعمة الله العظيمة لفهم الأشياء المنطوقة في الأسفار المقدسة، وكذلك الأشياء الحادثة بواسطة الأنبياء، فلن يكون هناك أي فهماً صحيحاً للكلمة ولا لأي حدث في الكتاب المقدس يُصبح له قيمة عندنا، لأن هناك برقع يُغطى الذهن ويحجب الرؤيا فيتعسر الفهم ويتم الدخول في صراع فكري ما بين مؤيد ومُعارض ويصعب جداً إرضاء أحد الطرفين، أو وضع بصيصاً من الأمل للاتفاق في روح واحد !!! بل يصعب جداً أن يخضع واحد لفكر آخر، لأن كل واحد له تصوره الخاص في انفصال عن الآخر وهيهات ان التقوا في فكر واحد متفق تمام الاتفاق، لأن الخلاف كله ليس حول شخص على قدر ما هو حول فكر !!!
وبذلك يقع كل الأطراف في عمى الذهن الروحي، ولا أتكلم هنا عن العقل وقدرة كل واحد وذكائه وقدرته على البحث والاستنتاج، لأن هذا الأمر يفوق إمكانيات الإنسان، لأنه ليس علم لكي يخضع لتفكيره، إنما الكلمة هي كلمة الله، الذي وحده يستطيع أن يعطي فهماً لها لأنه هو من يُرسل كلمته كرسالة حية للناس، وهو الوحيد الذي يصل مغزاها والقصد منها تماماً، وهو وحده القادر على أن يوصل مفهومها للآخرين كما هي بكل دقة
[ بل أُغلظت أذهانهم، لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف، الذي يُبطل في المسيح ] (2كورنثوس 3: 14)
[ الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ] (2كورنثوس 4: 4)

لذلك يا إخوتي ليست الدراسات أو الشهادات اللاهوتية التي تؤهل لفهم وتفسير الأسفار المقدسة، لأنها تُفهم فقط من خلال النعمة الممنوحة من الله، لذلك أننا دائماً ما نُصلي: أفتح أذهاننا لنفهم الكتب المقدسة وندرك كلماتك روح وحياة تدخل قلوبنا وأذهاننا فتُشرق بنورك فنتغير إليك ونتقدس ويتنقى قلبنا لنقدر أن نفهم أكثر ونحيا بحياتك، وبنورك نُعاين النور الذي في كلماتك المُحيية، فنؤمن بها بيقين حي…
وبذلك يا إخوتي حينما ندخل لسرّ الكلمة وتُشرق فينا نور وتتحول فينا لحياة باستجابتنا لها وطاعتنا وتصديقنا أي بتجاوبنا معها بطاعة الإيمان، وبانفتاح الذهن بالروح نستنير بالكلمة وبها نُعاين نور الله، فنزداد نوراً ويرتقي إيماننا ويزداد ونتقدم وننمو فنطلب نعمة أوفر، ونور أعظم، وبذلك نحيا من نور لنور ومن مجد لمجد كما من الرب الروح…

ثم بعد ذلك ممكن أن ندرس ونبحث كما نشاء للنال قوة من الله نستطيع بها أن نخدم كيف ما شاء الله فينا، لأننا في هذه الحالة نكون حاملين قوة الله وبحسب ما هو مكتوب: [ أن كان يتكلم أحد فكأقوال الله، وأن كان يخدم أحد فكأنه من قوة يمنحها الله، لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين ] (1بطرس 4: 11)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار