المسيحية

إيليا النبى فى القرآن



إيليا النبى فى القرآن

إيليا النبى فى
القرآن

 يرد
ذكر النبيّ إلياس مرّتين في القرآن، في سورتي الأنعام والصافّات. وهو من الأنبياء
الخمسة والعشرين الذين يذكرهم القرآن بالاسم. ولكنّ كتاب المسلمين لا يعطي تفاصيل
وافية عن حياة النبيّ إلياس، بل يقتصر الحديث عنه على بضع آيات تختصر بدقّة أهمّ
مضامين رسالته إلى شعب العهد القديم. وقد درجت عند المسيحيّين تسمية أبنائهم باسم
إلياس، مع العلم أنّ اسمه في الكتاب المقدّس “إيليّا”، أي الله إلهي.
كما يتسمّى المسلمون باسم إلياس، وهذا ما يجعل بعضهم يزورون المعابد المسيحيّة
المكرّسة لإيليّا النبيّ بقصد التبرّك.

 

 في
سورة الأنعام، يقول القرآن: “ووهبنا له (أي لإبرَهيم) إسحق ويعقوب كلاًّ
هدينا ونوحاً هدينا من قبل، ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسُف وموسى وهَرون
وكذلك نجزي المحسنين. وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصالحين. وإسماعيل
والْيَسَع ويونُس ولوطاً وكلاًّ فضّلنا على العالمين” (الآيات 84-86) أمّا
يحيى فهو، في التعبير المسيحيّ، يوحنّا المعمدان، وعيسى يسوع (وفي تقليد مسيحيّ
آخر إيشوع أو إيسوع)، والْيَسع أليشاع خادم إلياس أو “صاحبه” بالتعبير
الإسلاميّ، وقد اعتبره القرآن “من الأخيار” (سورة ص، 48)، ويونُس يونان.
في هذه الباقة المنتقاة من أسماء أنبياء العهد القديم بالإضافة إلى السيّد المسيح،
وفي أمكنة أخرى حيث يرد ذكر آدم، أوّل الأنبياء في الإسلام، وإدريس (أخنوخ)، يلفت
عدم ذكر الأنبياء الكبار كإشعيا وإرميا وحزقيال. وهذا الغياب الصاعق للأنبياء
الكبار وما قدّموه من تعاليم إنّما هو ممّا نستطيع اعتباره من نقاط الضعف في
التراث الإسلاميّ.

 

 لا
تحدّد الآيات المستلّة من سورة الأنعام مهمّة إلياس النبيّ ورسالته، فهي تذكره من
ضمن الأنبياء وحسب. أمّا مهمّته فتوضحها سورة الصافّات: “وإنّ إلياس من
المرسلين إذ قال لقومه ألاَ تتّقون؟ أتدعون بعلاً وتذَرون أحسن الخالقين؟ الله
ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين. فكذّبوه فإنّهم لَمُحضَرون إلاّ عباد الله المخلصين.
وتركنا عليه في الآخرين. سلام على إلياسين. إنّا كذلك نجزي المحسنين. إنّه من
عبادنا المؤمنين” (الآيات 123-132).

 

كان
إلياس النبيّ، بحسب هذه الرواية القرآنيّة، رسول ربّه إلى قومه بني إسرائيل لكي
يبعدهم عن عبادة البعل ويدعوهم إلى العودة إلى التوحيد. فيوبّخهم قائلاً
“أتدعون بعلاً وتذَرون أحسن الخالقين”، أي أنّكم تبتهلون إلى بعل
وتتركون عبادة مَن خلقكم وسوّاكم، تهجرون ربّكم وربّ آبائكم. والذين كذّبوه وبقوا
على إيمانهم الوثنيّ “فإنّهم لَمُحضرون”، أي سيساقون إلى العذاب. أمّا
المراد ب”إلياسين” فهو إلياس أضيفت إليه ياء ونون، لأنّه اسم أعجميّ.
وما يلفت في هذا الصدد هو توقّف سيّد قطب، أهمّ مفسّري القرآن في القرن العشرين،
عند إضافة الياء والنون، فيقول: “لقد روعيت، من الناحية الفنّيّة، الفاصلة
وإيقاعها الموسيقيّ في إرجاع اسم إلياس بصيغة إلياسين على طريقة القرآن في ملاحظة
تناسق الإيقاع في التعبير”. بمعنى آخر، إنّ المراد حفظ القافية (الياء
والنون) في الآيات المتتابعة وعدم كسر الإيقاع.

 

 لا
شكّ أنّ هذه الرواية القرآنيّة عن رسالة النبيّ إلياس إنّما هي موجزة عن الرواية
الواردة في العهد القديم في الفصل الثامن عشر من سِفر الملوك الثالث. فالرواية
القرآنيّة المقتضبة تستعيد أهمّ محطّات الرواية الكتابيّة، حيث يتحدّى إيليّا
النبيّ كهنة البعل وأتباعهم بأن يشعلوا محرقتهم بنار نازلة من السماء فما استطاعوا،
أمّا هو فصلّى إلى الربّ الذي استجاب له وألهب محرقته.

 

 وكان
آخاب الملك وزوجته إيزابل هما مَن أدخلا عبادة البعل إلى إسرائيل فقام إيليّا
وواجههما، واتّهمهما بترك وصايا الربّ واقتفائهما البعل (3 ملوك 18: 18). ثمّ واجه
إيليّا الجموع قائلاً لهم: “إلى متى أنتم تعرجون بين الجانبين؟ إنْ كان الربّ
هو الإله فاتّبعوه وإن كان البعل إيّاه فاتّبعوه. فلم يجبه القوم بكلمة” (18:
21). عندها طلب المباهلة، أي أن يبتهل كلّ طرف إلى إلهه وينتصر مَن يستجيب إليه
إلهه. فانتصر إيليّا وقتل كهنة البعل ذبحاً (18: 40). هذا بالضبط ما قصدته أيضاً
الرواية القرآنيّة.

 

 رواية
النبيّ إلياس هي نموذج من روايات الأنبياء في القرآن. فالنبيّ يظهر عند انحراف قوم
من الأقوام عن سبيل الله والتوحيد، ويدعوهم إلى العودة إلى صفاء الإيمان التوحيديّ.
فمنهم مَن يرتدع فينال الثواب من عند ربّه، ومنهم مَن لا يفتح قلبه للإيمان فيناله
العذاب الشديد. في هذا السياق يقول القرآن متوجّهاً إلى محمّد: “وما أرسلنا
من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدوني” (سورة
الأنبياء، 25). إلياس النبيّ كان رسول التوحيد إلى بني إسرائيل في وجه الشرك الذي
ارتضاه قومه وكلّ مَن يتمثّل بهم، فأتى لهم نذيراً ومبشّراً وهادياً إلى الطريق
المستقيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار