علم المسيح

"إن لم تمت حبة الحنطة



“إن لم تمت حبة الحنطة

“إن لم تمت حبة الحنطة..”

أبهة
الموت

.
عندما يقدم المجتمع البشري على تنفيذ عمل هائل تفضي إليه عدالته، يوجس حاجة إلى
التحوط ببعض الأبهة، وكأن الموت الذي يجرؤ الناس على إعماله، يفرض عليهم سطوته
الراغمة. أُبهة بغيضة سخيفة تُسام بها ضحية تلك الشعائر! ” أُبهة الإعدام
“، على ما ورد اسمها في قانون العدالة العسكرية، تقضي بأن تمر الكتائب،
موكباً، أمام المحكوم عليه!.. وقد جاء في التلمود وصف مفصل للمراسيم المرعية في
حفلات الإعدام

 

.
ويعتقد أنها كانت سائدة أيضاً، أيام المسيح، فمن مقتضيات تلك المراسيم أن يذهب
بالمحكوم عليه إلي العذاب في وضح النهار لكي يتمكن الجميع من مشاهدته، وكان يتقدمه
مناد يعلن للناس بجرمه، أو يحمله مدوناً في لوحة. وكان يرافقه اثنان من طلبة
اللاهوت، يحضانه علي الإقرار وكان يحضر الإعدام ممثل عن السنهدريم، للتحقق

 

.
وأما في روما، فقد كان لحفلة الإعدام طابع آخر. فكان يتقدم الموكب قائد مائة يعين
“ويعاونه عدد من الجنود يتفاوت ما بين الأربعة، علي الأقل، والمائة إذا كانت
ثمة أحداث تخشى: ولا ندري هل استعانوا بعدد ضخم من قوي الأمن، للذهاب “بملك
اليهود” إلي الصلب

 

.
وهنا يتبادر إلينا السؤال، أي الطريقتين – اليهودية أم الرومانية – اتبعت في حفلة
إعدام المسيح؟ سؤال يتعذر الإجابة عنه. فالنصوص الإنجيلية قد لزمت، في ذلك، جانب
الصمت، و”الجنود” الذين ورد فيها ذكرهم، يحتمل انتسابهم إما إلي الجيش
الروماني وإما إلي حرس الهيكل. وكل ما يمكن افتراضه أن بيلاطس قد عهد إلي أحد
قواده بالمراقبة، والقيام بمهمة “منفذ الموت”

 

لقد
دون يوسيفوس، في تاريخه، مشاهد إعدام مختلفة قام بها الرومان، وكلها علي أوسع ما
يمكن من الأبهة. وإنما من الخطأ أن نتصور موكباً منظماً مهيباً لائقاً بقدسية
الموت، في تلك المدينة ذات المسالك الوعرة المعوجة، حيث لابد من صعود أدراج وهبوط
أدراج، وسط جمهور صاخب، جياش بجوار الهيكل، مختلط الأزياء والعادات، واللهجات
والحركات..

 

.
وكان لابد من تدوين إعلان. فاهتم بيلاطس بالأمر. وقد روي “سويتون” أن
أحد عبيد “كاليجولا “اختلس يوماً، في وليمة، مدية فضية، فأنفذه
الإمبراطور إلي السياف، وأمر بأن تبتر يدا السارق وتعلقا مع إعلان جريمته. وهكذا
فما كان العظماء ليأنفوا من العناية بمثل تلك الصغائر، وما كان بيلاطس ليفوت عليه
فرصة الانتقام من اليهود انتقاماً محكماً. فكتب علي اللوحة، باللاتينية واليونانية
والعبرية: “يسوع الناصري ملك اليهود!” فاحتج أحبار اليهود فوراً،
قائلين: “لا تكتب: ملك اليهود، بل هذا الرجل قال: أنا ملك اليهود!”
فأجاب بيلاطس، وشفتاه تطفحان هزءوا واستعلاءً: “ما كتبت فقد كتبت!” لقد
استرد خيلاءه، بعد أن زالت عنه مخاوف الوشاية: وعلي كل، فإن لوحة مثل هذه، علي
افتراض أنهم راحوا يبلغون الإمبراطور نسختها، كان من شأنها أن تثبت لطيباريوس
اهتمام الوالي لمكافحة الطامحين إلي العرش

 

. قد
تألف الموكب، يتقدمه قائد المائة بدرعه المفلس، والجنود، في إثره، بزرودهم، محدقين
بيسوع. وفي الجمع الذي راحوا يدفعون به صوب الجدران، كان لابد أن يبرز التباين بين
الرومانيين بأقمصتهم الحمراء وخوذهم البراقة، واليهود بأرديتهم البيضاء والغبراء
والزرقاء. وكان يرافق الموكب الآسي جلبة عظيمة، وقعقعة سلاح. وإننا لنتمثل يسوع
مهيباً، بالرغم من ندوب الإهانة، وسط ذاك المشهد الوجيع، وبطل تلك المأساة التي لم
يكن سواه ليدرك مراميها العلوية

 

. في
اللحظة الأخيرة، قررت الإرادة الرومانية أن تنفذ العقوبة أيضاَ في سارقين آخرين.
وكانا – علي حد ما تشير إليه اللفظة اليونانية في الإنجيل – من اللصوص الباطشين.
لماذا؟ ربما حم، يوم ذاك، قضاؤهما، ورغب في إخلاء السجون، إلا إذا كانت، ثمة
أيضاً، رغبة متعمدة في إهانة “ملك اليهود”! أو لم يتنبأ أشعياء عن
المسيح، أنه “سيق إلي الموت، وأحصي مع أثمه”؟ (53: 12)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار