علم

أنبا سرابيون الكبير



أنبا سرابيون الكبير

أنبا
سرابيون الكبير

سيرته:

        كان
هذا القديس من أهل مصر من الاباء المشهورين بالفضل، وكان يعرف (بالسبانى) لأنه كان
زمانه يلبس (سبانية) وهى عبارة عن ثوب من كتان سميك. وما كان يمتلك شيئاً البتة
حتى ولا عصا ولا حذاء، سوى انجيلاً صغيراً، وكان فى كل اموره يفضل راحة قريبة على
راحة نفسه، وكان كاملاً فى العبادة، جيداً فى القراءة يتلو عن ظهر قلب كل كتب
الله، وكان يجول فى كل البرارى والمدن سعياً وراء اقتناء الفضائل وعمل الصالحات،
بحيث لا يبالى بشئ من أمور الدنيا حتى ولا بجسمه، ولذلك بلغ كافة الفضائل التى
أصبحت لديه كأمور طبيعية.

فضائله:

1
– بساطته:

        قيل
عنه انه أراد مرة الذهاب إلى رومية فأتى إلى البحر وبتدبير الله وجد شفينة تريد
الذهاب إليها فألقى بنفسه فها ولم يكن معه وقتئذ لا خبز ولا دراهم ولا شئ البتة،
فساورا خمسة أيام لم يأكل فيها ولم يشرب، ولا كلمه إنسان، ولكنه كان جالساً صامتاً
فظن النواتيه أن دوار البحر منعه عن الاكل، أما هو ففى الحقيقة لم يمنعه سوى العدم
لأنه ما كان لديه شئ البتة، فسألوه: ما هو أمرك أيها الشيخ فانك لا تأكل ولا تشرب
ولا تتكلم؟ فقال لهم: ليس معى لا طعام ولا دراهم ولذلك فأنى صائم، أما صمتى فهذه سنة
الرهبان، فانهم يفضلون السكوت فلم يصدقوا اقواله وفتشوه، ولما لم يجدوا معه شيئاً
تضجروا وانتهروه قائلين: من أين توافينا بالأجرة؟ فقال لهم الشيخ ردونى من المكان
الذى بدأت منه الركوب معكم ثم أمضوا بعد ذلك بسلام. فقالوا له: أبعد أن سافرنا
خمسة أيام تريدنا أن نرجع إلى الوراء فتؤخرنا بذلك عشرة أيام دون أن نتقدم، كما
اننا لا نعلم ان كانت الريح توافقنا كما الآن ام لا لاننا قطعنا مسافة طويلة لطيب
الريح الذى لم نر مثله قط، ولم يعلم القوم ان الله سهل طريقهم من أجله. أما هو
فقال لهم: ان لم تردونى إلى مكانى فهانذا بين أيديكم لأنه ليس لى ما أهطيكم، وحدث
بعد ذلك أنهم تحننوا عليه ورحموه واطعموه وأولوه جميلا.

2
– القديس يطلب هداية الخطاة:

        حدث
مرة أن عبر الأب سرابيون على قرية من اعمال مصر فنظر امرأة زانية قائمة على باب
المخور. فقال لهم الشيخ: ” انتظرينى عشية لانى عازم على المجئ اليك لاقضى هذه
الليلة بقربك “. فأجابته: ” حسناً يا راهب حسناً ” فلما كان المساء
أتى إليها. وبعد أن أغلقت الباب قال لها: تمهلى قليلا لأنه لنا سنة لابد أن اعملها
اولاً: فابتدا من أول (الابصالتس) مرتلاً، وفى نهاية كل مزمور كان يقول: ”
يارب ارحم هذه الشقية وردها للتوبة لتخلص “، فسمع الرب وخشع قلبها وكانت
قائمة إلى جانبه مرتعبة ومرتعدة ولفزعها سقطت على الأرض. فلما أكمل الشيخ
الابصالتس أجمع، أقامها فعلمت انه جاء ليخلص نفسها. فطلبت إليه قائلة: اصنع محبة
يا أبى واوجد لى موضعاً تضعنى فيه لارضى الهى وارشدنى كيف اخلص فأخذها الشيخ إلى
دير العذارى وسلمها للرئيسة وقال لها: اقبلى هذه الاخت وافسحى لها المجال لتتدبر
كما تشاء. فقبلتها ولما مكثت أياماً يسيرة قالت: أنا امرأة خاطئة والواجب على أن
آكل فى الاسبوع مرة. وبعد ذلك من الرئيسة فجعلتها فى قلاية صغيرة وسدت بابها عليها.
وكان يتاولونها طعامها وشغل يديها من طاقة، وهكذا ارضت الله هناك بقية حياتها.

3
– عطفة الشديد على المساكين:

ومرة
مضى انبا سرابيون إلى الاسكندرية فوجد هناك إنسانا مسكيناً عرياناً فى السوق فوقف
يحدث نفسه قائلاً: كيف وأنا الذى يقال عنى انى راهب صبور عمال، أكون لابساً ثوباً،
وهذا المسكين عريان، حقاً ان هذا هو المسيح والبرد يؤلمه: وعندئذ وثب بقلب شجاع
وتعرى من الثوب الذى كان يلبسه وأعطاه لذلك المسكين. ثم جلس هو عرياناً والانجيل
فى يده.. وانفق أن كان (البرخس) أى المحتسب مجتازاً. فلما أبصره عريانه قال له: با
أنبا سرابيون من عراك؟ فأشار إلى الانجيل وقال: هذا هو الذى عرانى. فبعد ما كسوه
قام من هناك، فوجد إنسانا عليه دين وهو معتقل من صاحب الدين. وحيث لم يكن لديه شئ
يوفيه عنه باع الانجيل ودفع ثمنه للدائن، ولما كان ماشياً لاقاه فى الطريق إنسان
يستعطى، فأعطاه الثوب وجاء عرياناً، فدخل قلايته. فلما أبصره تلميذه هكذا قال له:
يا معلم، أين الثوب الذى كنت تلبسه؟ أجابه قائلاً: لقد قدمته يا ولدى قدامنا حيث
نحتاجه. فقال له أيضا ” وأين انجيلك يا أبتاه الذى كنا نتعزى به ” فقال
له: ” يا ولدى لقد كان يقول لى كل يوم: ” بع كل ما لك واعطه للمساكين.
فبعته”.

4
– انبا سرابيون رجل المعجزات:

(أ)
اقامة الميت:

        حدث
ان كان لانسان ولد. ومات هذا الولد، فأخذه إلى الشيخ ووضعه قدامه على وجهه وإذ خاف
ان يطلب من القديس اقامته من الموت لئلا يرفض اتضاعاً ضرب مطانية وتراجع قليلا ولم
يعرف الشيخ ان الصبى ميت. وظن انه ساجد له وانتظر ليقوم فلم يقم، فقال له: ثم يا
ولدى الرب يبارك عليك فقام الصبى حياً، فأخذه أبوه وعاد إلى بيته شاكراً لله
ولقديسه.

(ب)
اقامة المقعد:

        كان
بمصر إنسان له ولد مقعد. فحمله إلى انبا سرابيون وتركه عند باب قلايته وابتعد عنه
قليلاً مترقباً. فبكى الولد، فلما سمع الشيخ صوت بكائه خرج وقال له: من جاء بك إلى
هاهنا؟ فقال له: أبى. قال له: قم اجر والحقه، فقام وجرى ولحقه، فأخذه أبوه إلى
منزله وهو يمجد الله.

(ج)
اخراج روح نجس من إنسان:

        حدث
مرة ان اتوا بانسان إلى الكنيسة وكان قد اعتراه جنون (بروح نجس) وصلوا عليه فلم
يخرج لأنه كان صعباً. فقال الكهنة: ما الذى نعمله بهذا الجن لأنه لا يستطيع احد
منا ان يخرجه الا انبا سرابيون. وان نحن أعلمناه وسألناه امتنع عن المجئ إلى
الكنيسة. فلنجعل هذا الرجل المعذب راقداً فى الموضع الذى يقف فيه ليصلى: فعند
دخوله، نقول له يا انبا سرابيون. أيقظ هذا الرجل الراقد فى البيعة. ففعلوا كذلك.
إذ انه لما دخل الشيخ ووقفوا للصرة. قالوا له: أيها الشيخ. أيقظ هذا الرجل الراقد.
فقال له: قم. وللوقت نهض معافى بكلمة الشيخ.

(د)
مع الحبيسة:

        لما
وصل إلى رومية مرة أخذ يجول فى المدينة سائلاً عن حبيسيها وصالحيها وصلاح طاهر.
فأحب أن يعرف سيرتها فى رهبانيتها، فذهب إليها، وكانت تلك الحبيسة، كثيراً ما تمسك
نفسها عن التكلم مع الناس وكانت لها خادمة عجوز.

        فقال
لها الشيخ: كلمى الحبيسة أن تكلمنى واعلميها بأن حبا فى المسيح جئت إليها. فقالت
له العجوز. ان الحبيسة ليس لها عادة ان تكلم إنسانا وأبت أن تخبرها. فمكث القديس
ثلاثة أيام وهو لا يفارق العجوز، فلم يأكل ولم يشرب. فلما شعرت به الحبيسة وأبصرت
صبره رحمته، فأشرقت عليه وقالت: ما الذى يبقيك ها هنا يا أبى وماذا تطلب، فقال
لها: أحية أنت أم ميتة؟ فقالت: أنا حية بالله. وميتة عن العالم، فقالها لها:
أقائمة أنت أم جالسة؟ قالت له: لا يا أبى، بل أنا سائرة، قال لها: إلى أين تسيرين
قالت: إلى السيد المسيح. فقال لها القديس. اريد ان أتأكد من صحة كلامك. فان فعلت ما
أقوله لك علمت انك صادقة.

        اخرجى
من حبسك وانزعى ثيابك وانا أيضا انزع ثيابى ونمشى عراة الواحد منا خلف الآخر وسط
سوق المدينة. فقالت له: ان لى حتى اليوم 25 سنة وانا فى هذا الحبس، فكيف تطلب منى
الآن ان اخرج منه وافعل هذه الجهالة؟ قال لها القديس: الست تزعمين بأنك قدمت عن
العالم. فالميت من أى شئ يرتبك؟ والميت عن العالم لا يبالى بهزء الناس ولا بمدحهم.
من مات عن الدنيا لا يبالى بما يصيب جسده من أجل الرب، فحياؤك هذا يدل على انك لم
تموتى بعد عن العالم كما قلت، وانما أنت مخدوعة ولم تنتصرى بعد. فقالت له: انى لم
اصل بعد إلى هذه المنزلة. التى اخبرتنى عنها.

        فقال
لها القديس: اياك بعد هذا اليوم ان تعتقدى بأنك غلبت الجسد ومت عن العالم. فقال له
ك لو اننا اتينا هذا الفعل أما كانوا يشككون فينا ويقولون لولا ان هذين فاسدان لما
فعلا ذلك قال لها القديس: كل ما تصنعينه فى سبيل الله تبالى بقول الناس ازاءه. ان
الراهب اذا كان يغتم من الشتيمة والهوان فقد دل على انه علمانى لم يترهب بعد..
فقالت له: اغفر لى يا أبى فانى لم اصل بعد إلى هذه الدرجة. فقال لها القديس:
” أتضعى فى فكرك واياك والعظمة ” ثم انصرف.

مع
أخ يلوم نفسه ملامة باطلة:

        حدث
ان زاره أخ، فطلب من الشيخ ان يصلى كما هى العادة فاعتذر قائلاً انى خاطئ لا استحق
ولا لاسكيم الرهبنة. فاراد الشيخ ان يغسل رجليه فابى ولم يدعه واعتذر ايضاً بمثل
هذا الكلام وقال: انى خاطئ ولست مستحقاً. ثم هيأ الشيخ طعاماً فلما جلسا ياكلان
اخذ الشيخ يعظه بمحبة ويقول له: يا ابنى ان كنت تريد أن تنتفع فاجلس فى قلايتك.
واترك عنك الدوران واجعل اهتمامك فى نفسك وفى عمل يديك فانك لا تنتفع من الجولان
مثلما تنتفع من الجلوس فى قلايتك. فلما سمع الأخ ذلك الكلام وهذه العظة، تململ
وتغير لون وجهه حتى ان الشيخ لاحظ ذلك فى وجهه.

        فقال
له الشيخ: بينما أنت تقول انى خاطئ وتصف نفسك انك لست اهلاً لان تحيا فى هذه
الدنيا فإذا بى – عاتبتك بمحبة أراك وقد تململت وتلون وجهك حتى صرت مثل السبع. ان
كنت بالحقيقة تريد ان تكون متضعاً فاحتمل ما يأتيك من الاغتنام من الاخرين، ولا
تلم نفسك ملامة باطلة بالرياء وبالكاد الباطل. فلما سمع الأخ هذا الكلام انتفع به
وصنع له مطانية قائلاً: ” اغفر لى ورجع إلى قلايته “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار