علم الكنيسة

أمثلة للوحدة في اسرائيل



أمثلة للوحدة في اسرائيل

أمثلة
للوحدة في اسرائيل

 في
العهد القديم كان الله يعترف بأمة اسرائيل كشعبه. فهم كانوا مختاريه وهو إلههم
وكان يسكن في وسطهم. وفي العهد الجديد أقام الله كنيسته من كل الأمم وهو يعترف بهم
أنهم مسكنه وشعبه. ولقد أشرنا قبلاً أن الوحدة في المبدأ والعمل هو ما يميز كنيسة
العهد الجديد. وسنجد أيضاً أن مبدأ الوحدة هو فكر الله من نحو أمة اسرائيل وأن
وحدة الأسباط الإثني عشر كان دائماً يؤكد عليها في العهد القديم.

 

 ومنذ
أن قيل في العهد الجديد أن “كل ما كتب، كتب لأجل تعليمنا”، وأن الأشياء
في اسرائيل كانت مثالاً وكتبت لإنذارنا، وأنها “ظل للأمور العتيدة” (رو
15: 4، كو 10: 11، عب 10: 1). ومن المهم أن نلاحظ مبدأ الوحدة هذه في اسرائيل.
فإذا كانت أمة اسرائيل واحدة فكم يصبح بالأكثر جسد المسيح الكنيسة واحداً. وإذا
كان الاستقلال في اسرائيل عملاً خاطئاً فكم بالأكثر يصبح كذلك في كنيسة الله!

 

 وإذ
نجتهد في توضيح أمثلة لتلك الوحدة من أمة اسرائيل، نشعر بأننا لا نقدر أن نأتي
بأفضل من تلك الكلمات التي نقتبسها من تشارلس ماكنتوش الذي أمكنه أن يلخص المسألة
كالآتي:

 

 [وحدة
الأمة – لم تكن المدن والأسباط مستقلة، إذ كانوا مرتبطين معاً برابطة مقدسة لوحدة
الأمة – الوحدة التي لها مركزها في مكان حضرة الله. لقد كان أسباط اسرائيل الإثني
عشر في رابطة معاً لا تنفك. وكان والإثنا عشر رغيفاً على المائدة الذهبية في
المقدس تشكل رمزاً جميلاً لتلك الوحدة، وكان كل إسرائيلي حقيقي يعترف ويفرح بتلك
الوحدة. والإثنا عشر حجراً الراقدة في الأردن، والإثنا عشر حجراً على ضفاف الأردن.
والإثنا عشر حجراً التي أقامها إيليا على جبل الكرمل – كل هذا يضع ذات المبدأ
العظيم للحق – وهي الوحدة التي لا تنفك لأسباط اسرائيل الإثني عشر.

 

 [والملك
الصالح حزقيا الذي اعترف بهذا الحق عندما أمر أن تقدم ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطية
عن كل اسرائيل (2 أيام 29: 24). ويوشيا الأمين الذي اعترف بذلك وعمل بموجبها في كل
أعماله الإصلاحية في كل المدن المرتبطة ببني اسرائيل (2 أيام 34: 33). وبولس في
خطابه الرائع والعظيم أمام الملك أغريباس يشهد لذات الحق عندما قال “الذي
أسباطنا والإثنا عشر يرجون نواله عابدين بالجهد ليلاً ونهاراً فمن أجل هذا الرجاء
أنا أحاكم” (أعمال 26: 7).

 

 [وعندما
نتطلع للأمام حيث المستقبل المشرق، إذ يلمع ذات الحق المجيد بالضياء السماوي في
الإصحاح السابع من الرؤيا، عندما نرى الأسباط الإثنا عشر مختومين ومحفوظين للبركة
والمجد، بالارتباط مع أعداد لا تحصى من الأمم. وفي النهاية في رؤيا 21 نرى أسماء
الإثني عشر محفورة على أبواب أورشليم المقدسة حيث عرش ومركز مجد الله والخروف.

 

 [ولهذا
فمن المائدة الذهبية في القدس إلى المدينة الذهبية النازلة من السماء من عند الله،
نجد سلسلة عجيبة من البراهين المؤكدة لهذا الحق العظيم لتلك الوحدة التي لا تنفك
لأسباط اسرائيل الإثني عشر.

 

 [ثم
يطرح هذا السؤال أين نرى تلك الوحدة؟ أو كيف استطاع إيليا أو حزقيا أو يوشيا أو
بولس أن يراها؟ الإجابة بسيطة للغاية – إنهم رأوها بالإيمان، إذ كانوا يتطلعون إلى
داخل أقداس الله، وهناك المائدة الذهبية حيث كانوا يرون الإثنا عشر رغيفاً التي
توضح التمييز التام والوحدة التامة للأسباط الإثني عشر. ولا نجد أكثر جمالاً من
ذلك. إن حق الله يجب أن يقوم إلى الأبد. إن وحدانية اسرائيل كانت ترى في الماضي وسوف
تري في المستقبل، إنها مثل تلك الوحدة الرائعة للكنيسة والتي لا نراها في الحاضر
ولكن الإيمان يصدقها تماماً، ويتمسك بها ويعترف بها في مواجهة ربوات التأثيرات
العدائية] (ملاحظات في التثنية، مجلد 2، صفحة 165 – 166).

 

في
أريحا

 في
مسألة خطية عخان في أريحا، نرى أن الله يجري التأديب على اسرائيل على أساس وحدتهم
كأمة. وعندما تعدى عخان وهو من سبط يهوذا وأخذ من الأشياء المحرمة من أريحا، غضب
الرب على اسرائيل وجعلهم يتجرعون الهزيمة في عاي. وعندما سأل يشوع الرب عن ذلك قال
له “قد أخطأ اسرائيل، بل تعدوا عهدي.. بل أخذوا من الحرام” (يشوع 7: 11).

 

 فالشر
لم يكن مجرد مسألة أصابت عخان أو عائلته أو سبطه، بل أنها أصابت كل اسرائيل. والله
يضع المسئولية على كل اسرائيل، لأن كل الأسباط أمة واحدة. ومن جانب الله فقد رأى
أن الأمة كلها متحدة معاً في خطية عخان وقد تنجست بها. فلم تتنجس عائلة عخان أو
سبط يهوذا فصارت مسئولة عن ذلك فقط، بل إن كل اسرائيل أصبح كذلك. ولذلك “رجمه
جميع اسرائيل بالحجارة” (يشوع 7: 25)، ونزعوا الشر. فارتد حمو غضب الرب وصار
معهم مرة أخرى.

 

 وذات
المبدأ ينطبق على كنيسة الله وعلى الكنائس المحلية بمفردها اليوم. فإذا أخطا فرد
في كنيسة، فإن الكنيسة كلها تنجست وتصبح تحت مسئولية التعامل مع هذا الخطأ وإلا
فإن الله لا يمكنه الاستمرار معها. كذلك أيضاً إذا سمح للشر في كنيسة فإن كل
الكنائس التي لها شركة مع هذه الكنيسة قد تنجست بها وعليها أن تحكم على الشر.
فالكنيسة واحدة كما كان اسرائيل واحداً وهناك تماثل في المسئولية. ومبادئ الله لا
تتغير، ولذلك فإن الدرس الذي علمه الله لإسرائيل في أريحا هو درس للكنيسة أيضاً
وموجود كذلك في تعليم أسفار العهد الجديد.

 

الشر
في مدينة

 في
تثنية 13: 12 – 15 يرى اسرائيل كيف يتعامل مع خبر يقول أن إحدى مدن اسرائيل قد
تطوحت إلى الوثنية. فكان على اسرائيل أن يفحص جيداً، فإذا تبين أن الخبر حقيقي
ومؤكد، كان لا بد أن يضربوا سكان المدينة ويخربوها تماماً. ولا يجوز مثلاً لواحد
في جنوب اسرائيل أن يقول: ماذا يمكن أن نفعل مع الشر الحادث في الشمال أو في هذه
المدينة أو غيرها؟ أو أنه لا يوجد مثل هذا الشر فيما بيننا. أو أن كل مدينة مسئولة
عن حفظ الحق في داخل دائرتها. أو أن هذه مسألة داخلية، ولا نشعر أننا مسئولون لكي
نتدخل في شئونهم، إلى آخره..

 

 إن
مثل هذه القوال تصبح إنكاراً لوحدة اسرائيل. فإذا كان شر في مدينة ما في اسرائيل، وكانت
مدينة أخرى مرتبطة بإسرائيل. فإنها تعتبر أن الشر قائم بين سكانها أيضاً. وفضلاً
عن ذلك فإن وصية الله المميزة “إن سمعت.. وفحصت وفتشت وسألت جيداً”.
فكان إذن عليهم واجباً مزدوجاً بسبب وحدة الأمة والوصية الصريحة للفحص عن خبر الشر
وللتعامل معه. قيل لهم أن يسألوا جيداً إن كان “قد عمل ذلك الرجس في
وسطك” (ع 14). إنه ليس مجرد سؤال عن الشر في مدينة ما. بل في وسطك – الشر في
اسرائيل. إن الشر في مدينة أمر يخص كل اسرائيل أمام الله.

 

 أما
إذا اتخذت كل مدينة وكل سبط وضعاً مستقلاً، فإن على رئيس الكهنة أن يأخذ الإثنا
عشر رغيفاً التي على المائدة الذهبية أمام الرب فيبعثرها هنا وهناك لأن وحدة
اسرائيل قد تبددت. ولكن غير مسموح لإسرائيل بمثل هذا الاستقلال كما أن هذا ليس فكر
الله من جهة كنائس العهد الجديد.

 

 هذه
هي التعاليم لإسرائيل التي تؤكد على مبدأ الوحدانية والمسئولية والعمل المتحد معاً،
فإذا دمجنا هذا مع ما نجده في أسفار العهد الجديد يتضح لنا طريق الله للكنيسة
والعلاقات الكنسية.

 

دائرة
الشركة

 لقد
أشرنا إلى الوحدة الموجودة بين كنائس العهد الجديد في التعليم وفي الممارسة، كما
رأينا أنه لا أثر لنظرية الكنائس المستقلة في الكتاب المقدس. بل إن مبدأ الوحدانية
بين الكنائس هو الذي تعلم به كلمة الله بوضوح. وهذا ما يتكلمون عنه أحياناً
ويسمونه الحق المختص “بدائرة الشركة”. ومعنى هذا الاصطلاح إنه دائرة
الكنائس التي تتمسك بذات الحقائق، وتعمل بذات المبادئ الإلهية عينها، وتحافظ على
المسئوليات المشتركة، وتسير معاً في شركة عملية ووحدانية بعضهم البعض لتتميم
المبادئ التي تربطهم معاً.

 

 إن
ما جاء في أسفار الكتاب بخصوص الحياة المشتركة والترتيب في الكنائس يبرر تلك
الفكرة والتعليم بخصوص “دائرة الشركة” في الكنائس. وإن كان هذا الاصطلاح
غير وارد في الكتاب، ولكنه يعبر عن حق نتعلمه بوضوح في الكلمة. وطبعاً فإن دائرة
الشركة تتضمن أولاً كل القديسين غير المستبعدين كتابياً، ولكن فإن حالة الخراب
الحاضرة والتشويش في الكنيسة المعترفة، فإن دائرة الشركة الحقيقية للكنائس تختزل
في أولئك الذين يخضعون لحق الله الذي يحكم كنيسته.

 

 فإن
كان لدينا السلطان الكتابي لكنيسة مجتمعة بالانفصال عن كل ما هو مضاد لكلمة الله،
بالتأكيد لنا مثل ذلك، فإذ لنا دائرة شركة محلية، هذه الدائرة تتضمن معها كل
الكنائس نظيرها التي تجتمع بحسب الكتاب في كل مكان.

 

وجوب
الترتيب والتأديب

 إن
“دائرة الشركة” هي ضرورة ويجب أن نعترف بها، ويرتبط بها التأديب، إن كنا
متحررين من مبدأ الاستقلال الكنسي. وإلا فكيف يمكن أن يجري الترتيب والتأديب الذي
وضعه الرسول بولس لبيت الله أي كنيسته؟. وعلى ذات المبدأ الذي نعترف به بجماعة
محلية من مؤمنين مجتمعين بالانفصال عن الشر، هكذا يجب أن نعترف بالجماعة العامة
للمؤمنين. وهم دائرة المجتمعين.

 

 إن
هذا ليس معناه تكوين تحالف أو إقامة جماعة مركزية للحكم. واعترافنا بدائرة
المجتمعين ليس فيه أي تحفظ أو شروط مع بعضنا البعض، بل إننا نسعى ببساطة أن نسير
معاً في طاعة لكلمة الله. إن دائرة الشركة هي الشركة العملية الواحدة التي ينشئها
روح الله بالطاعة للكتاب. وهي التمثيل العملي الواحد لجسد المسيح. وهي البديل
الوحيد للاعتراف باستقلال الكنائس والتي هي إنكار لحق الجسد الواحد لكل المؤمنين.
وعبر واحد حقاً عن الاستقلال فقال: “إن مبدأ الاستقلال للكنائس يقود إلى
التساهل والتسيب والتي تقبل كل إرادة ذاتية نابعة من الفرد وليس فيها أي تدريب
للضمير.

 

شركة
غير تحزبية

 إن
كثيرين قد أثاروا زوبعة ضد تعليم “دائرة الشركة” باعتبارها بدعة وتحزب
وليست من الله. ولكن لو أن جميع المسيحيين في كل مكان اعترف بهم كأعضاء في جسد
المسيح وقبلوا في الشركة دون أن توجد في قبولهم أي عوائق كتابية، ولم يكن هناك أي
اسم طائفي أو تحزبي أو أي تعليم يخص شعار أي جماعة، بل مجرد قديسين جمعوا ببساطة
إلى اسم المسيح وحده. فمثل هذه الجماعة من المؤمنين لا تصبح فريقاً أو طائفة، وهم
يرفضون مبدأ الاستقلال الكنسي، ويعترفون بدائرة الكنائس التي يقيمون الشركة معها.

 

 وبحق
كما كتب آخر يقول: “وكلما نحنا وانكسرت نفوسنا بالحزن ورفضنا البدعة والشقاق
الموجودين، كلما أجبرنا بل سنفرح بالاعتراف بجسد المسيح كلما كان ذلك ممكناً. وهذه
الدائرة من الشركة، مع أنها ليست متوفرة في نطاق الجسد كله، ولكنها تثبتنا في
الأساليب الصحيحة للشركة التي نعترف بها بحق وبطريقة مقدسة، ومع اعترافنا بوجود
حالة الخراب بالكنيسة ومع ذلك تجري فيها تلك الشركة. إنها المحبة لجميع خاصة
المسيح – والباب المفتوح لقبول الجميع بحسب شروط الحق والقداسة – فمثل هذه الشركة
لا تعتبر تحزباً أو بدعة. بل إذا اعترض اجتماع ما عليها ورفضها فهذا يرينا البدعة
في حقيقتها الكاملة في ذلك الاجتماع. (جرانت).

 

 وعلينا
أن نعترف بجسد المسيح كله، ولكننا لا نعترف بروابط وعلاقات المؤمنين غير الكتابية.
إنه بحسب إيماننا بحق جسد المسيح، فإننا نرفض التحزبات والطوائف لأنها ليست من
الله، ولكن في ذات الوقت إذ لنا التمتع بامتيازات جسد المسيح فإننا مقيدون بقبول
كل من هم في دائرة الشركة غير التحزبية. إن كل مسيحي له الحق في مائدة الرب على
نوع ما، ولكنه ليس في جميع الأحوال يصبح قادراً لكي يأخذ مكانه على مائدة الرب، إذ
تعوقه عملياً طرقه غير المستقيمة أو روابطه العالمية والتحزبية، أو حالة نفسه غير
الصحيحة، فهي مائدة القدوس والحق.

 

 إن
كسر الخبز معاً على مائدة الرب هو التعبير الأكمل للشركة، والشركة تعنى شركة في
التمتع بالامتيازات زفي الحكم. وحيث لا يوجد هذان الأمران فالشركة الحقيقية
مستحيلة. إننا لا نستطيع أن نكون في شركة مع أولئك الذين يقاومون ويثيرون الحرب
على المبادئ الأساسية التي أعطانا إياها الله لقيادتنا. إن الشركة يمكن أن تقوم
فقط بين كنيسة محلية مع كنائس محلية أخرى لتشترك معاً في ذات الامتيازات، وتقوم
بمسئولياتها بحسب كلمة الله، وهي سائرة في القداسة والحق والوحدة.

 

 لقد
ناقشنا الحق الخاص بدائرة الشركة ودافعنا عنها كنمظور كتابي. ولكننا بكل أسف نقول
أن الذين كانوا يجتهدون في التمسك بممارسة هذا المبدأ فشلوا فشلاً عظيماً وتفتتوا
إلى دوائر مختلفة. وهذا يجعلنا نسلم ونعترف بحزن وانكسار شديدين أمام الله ووجوهنا
في التراب إزاء ما حدث. ولكن هذا لا يبرهن على خطأ مبدأ دائرة الشركة. إن فشل
الإنسان في حفظ حق الله لا يغير المبادئ الإلهية أو يعطينا عذراً في ألا نتمسك أو
نمارس تلك المبادئ. إنها بالحري تصبح سبباً لكي نذلل أنفسنا أمام الله إذ نوحد
أنفسنا مع آبائنا في كل ما حدث من خراب وفشل. ويجعلنا أن نطلب وجهه لكي ننال
النعمة والقوة لحفظ كلمته والسير بالاستقامة.

 

 وهؤلاء
الذين يعتنقون مبدأ الاستقلال الكنائسي ويسيرون عليه، يلقون باللائمة على تعليم
وحدة الكنائس بأنه سبب الانقسامات الجارية، ولكن فضلاً عما قلناه – فإن مبدأهم لم
يحرزوا به أي تقدم – بل صاروا للأسوأ. أما النتائج المهلكة والسامة لهذا الاستقلال
فلا تخفى على أحد.

 

حفظ
الوحدة عملياً

 إن
حق الجسد الواحد لكل المؤمنين والروح الواحد الذي يشكل “وحدانية الروح”
الإلهي، يتطلب أن تكون هناك علاقات عملية للوحدة بين الكنائس المحلية للمؤمنين.
وهذه هي العلاقة التي تبينها كلمة الله للكنائس كما رأينا، وهي العلاقة الواحدة
الكتابية بمفردها. ففي الرسالة الأولى إلى كورنثوس التي تضم “جميع الذين
يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان” (ص 1: 2)، يكتب الرسول “ولكنني
أطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح، أن تقولوا جميعكم قولاً واحداً،
ولا يكون بينكم انشقاقات، بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد” (ص 1: 10).

 

 والشيطان
يسعى دائماً بكل اجتهاد لتدمير هذه الوحدة العملية في الرأي والحكم والشركة
السعيدة بين المؤمنين والكنائس، ويدفع إلى تعزيز فكرة الاستقلال والانقسامات بين
شعب الله. ولذلك تحرض لأجل “حفظ وحدانية الروح برباط السلام”. ولا بد أن
نبذل مجهودات جادة لدفع الوحدة والشركة بين المؤمنين في الكنيسة المحلية وبين
الكنائس في مختلف محلياتها وأقاليمها ومدنها ومحافظاتها. وغرضنا الآن أن نتأمل بعض
هذه الأشياء التي تساعدنا في تنشئة وحفظ الوحدة العملية بين كنائس المؤمنين.

 

أمثلة
من الكتاب

 وعلينا
أن نتتبع النموذج المعطى في رواية الوحي لكنيسة الرسل في هذا الموضوع. وفي رسائل
بولس وبطرس ويوحنا نلاحظ أنه في ختام هذه الرسائل ترسل التحيات المسيحية بواسطة
الرسول من كل القديسين في كنيسة ما إلى كل القديسين في كنيسة بعينها (أو إلى
الفرد) المرسلة إليها أو إليه.ويرسل بولس تحياته إلى الكورنثيين من كنائس آسيا ومن
أكيلا وبريسكيلا والكنيسة التي في بيتهما في أفسس.

 

 ونجد
أيضاً أن الرسول بولس يخبر القديسين في روما عن عمل القديسين في مكدونيه وأخائيه
لأجل فقراء القديسين في أورشليم (رو 15: 26). وهو يحرض الكورنثيين وكل القديسين في
أخائيه إذ يخبرهم بذبائح العطاء لأجل أعواز القديسين (2 كو 8: 1 – 5). إنه يخبر
القديسين أيضاً في كورنثوس عن انفتاح باب الإنجيل بشكل متسع وعظيم أمامه في أفسس
مع وجود معاندين كثيرين (1 كو 16: 9). ونلاحظ أيضاً أنه طلب من الكنيسة في كولوسي
أنه بعد أن تقرأ تلك الرسالة المرسلة إليهم أن يقوموا بإرسالها إلى كنيسة لاودكية
لتقرأ بينهم، وكذلك يقرأون الرسالة التي أرسلها إلى لاودكية (كو 4: 16).

 

 وفي
تاريخ الوحي للكنيسة الأولى، نلاحظ أيضاً كيف أن الرسل وتيطس وتيموثاوس وأبولس
وكثير من خدام الرب كانوا يزورون الكنائس، وفي عبورهم من مكان إلى آخر كانوا
يحملون معهم أخبار القديسين المفرحة والمحزنة، وبذلك كانت الكنائس ترتبط بعضها
ببعض بطريقة عملية. ونقرأ أن بطرس اجتاز في جميع المناطق، وبرنابا أعاد على كنيسة
أنطاكية كل ما فعله الله معهم في رحلتهما الأولى وكيف أنه انفتح باب الإيمان للأمم
وتأسست الكنائس (أع 9: 32، 14: 26 و 27). وأخيراً عندما أرسلا من الإخوة في
أنطاكية إلى أورشليم اجتازوا في فينيقيه والسامرة يخبرونهم برجوع الأمم، وكانوا
يسببون سروراً عظيماً لجميع الإخوة”. ولما حضروا إلى أورشليم أخبروهم بذات
الأمور (أع 15: 2 – 4).

 

 والأمثلة
المتقدمة المأخوذة من سرد الوحي لكنيسة الرسل ترينا الحياة المشتركة والعواطف
الإلهية والمسرات المشتركة والتي كانت تنبض بها الكنائس والكنيسة كلها. كان هناك
المظهر العملي لحق الجسد الواحد، بتبادل تحيات المحبة، وبزيارات خدام الرب من
كنيسة إلى أخرى، ومن خلال الاتصالات فيما يخص خير الجميع وأنشطة القديسين والكنائس
وحفظهم للمحبة العملية والشركة والوحدة.

 

 ليت
شعب الله يفعل ذلك اليوم. ولنفسح المجال لتبادل تحيات المحبة والزيارات بين
الكنائس. ولعل هذه المجهودات الدؤوبة التي يقوم بها خدام الرب الأمناء والإخوة
المحليين في الزيارات والخدمة بين الكنائس، تساعد القديسين لكي يتعرفوا على
الأنشطة والأفراح والأحزان وحاجات المجتمعين المختلفة. ليتنا نشعر جميعنا ونشارك
في هذه الأفراح والأثقال ونصلي بعضنا للبعض. إن عمل أولئك الذين أعطوا أنفسهم
لخدمة الرب ويسافرون للتجوال بين الكنائس في خدمة الكلمة هي خدمة ضرورية وهامة
للغاية لحفظ الوحدانية وتعزيز الشركة بين الكنائس. ولكن نحتاج أن نسهر ضد حيل
الشيطان الذي يسعى أيضاً لكي يستخدم هؤلاء في زرع الخصومات. وعند هذه النقطة
يلزمنا الحذر منها جداً.

 

إجتماعات
الشركة والمؤتمرات

 إن
عقد الاجتماعات الخاصة للشركة والتأمل في الكلمة والصلاة. أو عقد المؤتمرات التي
تدعى إليها الكنائس المحيطة والكنائس الأخرى، هي عون عظيم لتعزيز وتقوية المحبة
العملية والشركة والوحدة بين الكنائس. كما أن هذه الاجتماعات تجتذب القديسين إلى
التقارب والعلاقات الوثقى مما ينشأ عنه اهتمامات جديدة بينهم وتنشط الطاقة الروحية
وتزيد الغيرة في عمل الرب. إن القلوب تنتعش في الصلاة وفي خدمة الكلمة وفي الشركة
الروحية مع الآخرين من المؤمنين ومع المجتمعين في بقية الكنائس. إنها تتشدد معاً
وتنتعش سوياً وخاصة في الاجتماعات الصغيرة. كذلك يتشجع القديسون إذا كانوا في
أماكن نائية ومنعزلين وعددهم قليل. إن وحدة التعليم وممارسته بين الكنائس يحفظ
جيداً بهذه التأملات والمناقشات المتبادلة في المؤتمرات، فتتقوى تلك الروابط عندئذ
بين الكنائس وبعضها.

 

الخطابات
والدوريات

 وحيث
أن الشركة الشخصية والتزاور بين القديسين وتزاور الاجتماعات ليس من السهل تحقيقه
دائماً لبعد المسافات وقلة الوقت والارتباطات بالأعمال الزمنية، فعليه تصبح كتابة
الخطابات للشركة الأخوية تدعيماً وعوناً عظيماً لتعزيز الوحدة العملية،
والاهتمامات المشتركة والشركة بين القديسين. وهناك معونة قيمه لهذه الغاية وهي
المطبوعات والدوريات التي تضم خدمات لها أهمية تخص القديسين في كافة الكنائس
المحلية والممتدة في كل مكان.

 

إقامة
اجتماعات جديدة

 إذا
اجتمع مؤمنون معاً في مكان محدد، فإنه من الأفضل لهم أن يقيموا في شركة مع
الاجتماعات القريبة منهم أو على الأقل مع أقرب اجتماع لهم. فهذا يعزز الوحدة
والسرور المتبادل ونتجنب روح الانقسام. فإذا سارت الأمور في ترتيبها الكتابي
الصحيح، فإن أقدم اجتماع والاجتماعات المحيطة بهذا الإجتماع الناشئ تقوم بتبليغ
بقية الكنائس في كل مكان بإقامة اجتماع جديد، وتستودعه لشركة صلواتهم. وأقرب
اجتماع مع الاجتماعات الأخرى عليهم أن يظهروا الشركة العملية مع هذا الاجتماع
الجديد أو مع هؤلاء المجتمعين الجدد في هذا المكان، في بداية شهادتهم المنتعشة
للرب على أساس مبدأ الجسد الواحد، وأن يقدموا لهم العون وذلك بالزيارات والخدمات
من وقت إلى آخر.

 

 وبهذه
الطريقة في أسلوب الشركة مع المجتمعين الجدد، فإنهم يتعلمون كيف يسلكون عملياً في
حق الجسد الواحد والروح الواحد، ويتعلمون من البداية أنها ليست وحدة مستقلة، ولا
يمكن أن يعملوا بالاستقلال عن الكنيسة في أي مكان آخر.

 

 وفي
هذا الصدد نلفت القارئ للحق الذي عبر عنه بحق أحدهم: [من الواضح تماماً أنه إذا
اجتمع اثنان أو ثلاثة معاً، فهو اجتماع، وإذا كان اجتماعهم بحسب الكتاب فهي تدعى
كنيسة الله.. أما إذا كان هناك جماعة أخرى أقيمت بإرادة إنسانية مستقلة، ففي نظر
الله من الوجهة الأدبية تسمى الجماعة الأولى كنيسة الله، بينما الجماعة الأخرى
ليست كذلك مطلقاً لأنها أقيمت بالاستقلال عن مبدأ وحدة الجسد] (داربي).

 

 ولذلك
ففي إقامة كنيسة جديدة علينا أن نتيقن أنها ليست من عمل استقلالي، ولكنه عمل يقوم
على مبدأ وحدة جسد المسيح. وبالطبع فإذا سارت كنيسة في طريق الشر وعمل الإرادة
الذاتية فإنها تستبعد في النهاية وتقطع من الشركة، كبيت مضروب بالبرص، من بقية
الكنائس، وبذلك فلا يعد الاجتماع معتبراً أنه اجتماع كتابي. وإقامة اجتماع جديد في
مكان ما تم بالشركة مع الكنائس الأخرى، فهو ليس عملاً استقلالياً ولكنه كان بحسب
القداسة والحق اللازمين لبيت الله، والتي تتطلب الانفصال عن الشر (2 كو 6: 17، 2
تي 2: 20 و 21). وإذا قلنا، كما يقول البعض، أنه لا يوجد في الكتاب ما يسمى بقطع
كنيسة من الشركة، فهذا معناه أن الكتاب لا يقول بالانفصال عن الشر.

 

خطابات
التوصية

 نتعلم
مما جاء في أعمال 18: 27، روميه 16: 1، 2، كورنثوس 3: 1، كولوسي 4: 10، أن إعطاء خطابات
للقديسين، كان المسيحيون الأوائل يمارسونها للذين يذهبون من بينهم إلى كنائس وهم
غير معروفين لديها. كما كانت الكنائس تطلب خطابات التوصية من الغرباء الذين يأتون
إليها للشركة. وكانت هذه الخطابات تحمل التأكيد لحاملها أنه مؤمن حقيقي وأن سلوكه
تقوياً. إنها من الرسائل التي لها القيمة لتقديم المؤمن إلى الاجتماع والتأكيد على
أنه مرحب به. وهي وسيلة آمنة للحفاظ من قبول الإخوة الكذبة. كما أنها تعمل على
تعزيز الثقة والشركة بين الكنائس وتمنح عوناً عظيماً لحفظ الترتيب التقوي والوحدة
بينها. والخطاب يجب أن يكون من الكنيسة ويخاطب الكنيسة التي ستقبل الشخص.

 

 ويلزم
جيداً مراعاة إهمال خطاب التوصية عند الذهاب إلى كنيسة يكون فيها الشخص غير معروف.
ونتعلم من 2 كورنثوس 3: 1 ن مثل هذه الخطابات غير مطلوبة في حالة أن يكون الشخص
معروفاً من البعض في الاجتماع الذي سيذهب إليه.

 

 ليت
الرب يساعدنا كأفراد وككنائس لنسلك في وحدة عملية كأعضاء في جسد المسيح وأن نحفظ
“وحدانية الروح” برباط السلام. ليت روابط الوحدة الحقيقية والكتابية
والمسئوليات المشتركة والشركة تحفظ بين الكنائس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار