المسيحية

أبي أعظم مني



أبي أعظم مني

أبي
أعظم مني

قال
المحاور الغير مؤمن:
كيف تقول ان السيد المسيح هو الله بينما السيد
المسيح نفسه يعلن ان الله الآب أعظم منه. الم تقرأ ذلك في الكتاب المقدس؟

قلت
بنعمة الرب:
جاء في إنحيل القديس يوحنا: (سمعتم أني قلت لكم أنا أذهب ثم
آتي إليكم. لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الآب. لأن أبي أعظم
مني) (يو14: 28) وكنت أتوقع أنك من خلال حوارنا السابق قد فهمت وأدركت أجابة سؤالك
بنفسك ولكن لا مانع من التكرار ففي الاعادة أفادة.. لتعلم ان السيد المسيح له
المجد بقوله: أبي أعظم مني. لايقصد بذلك الطبيعة الآلهية ولكنه قصد الطبيعة
الإنسانية فقط من حيث قبولها الصلب والآلام والإهانة والاحتقار كما قال القديس
بولس الرسول (الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، ولكنه
أخلي نفسه أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذا وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه
وأطاع حتي الموت موت الصليب (في2: 7).

قال
القديس اثناسيوس (ان السيد المسيح وقتئذ كان متكلماً بالطبيعة الإنسانية كإنسان
ولهذا بكل حق نظراً إلي ذلك الله الآب أعظم منه) وقال القديس كيرلس (ليس أصغر من
الاب بذات الجوهر والمشابهة التامة من كل وجه بل أنه أصغر منه بذات الناسوت).

مما
يبرهن علي صحة هذا المعني هو أن قوله (أبي أعظم مني) جاء عقب قوله (لو كنتم
تحبونني لكنتم تفرحون بأن أمضي إلي الآب) وكانه يقول (ياتلاميذي افرحوا بأن أمضي
إلي الآب كما أخبرتكم ولاتحزنوا لتركي هذا العالم لأن وجودي فيه كإنسان صيرني عرضة
للالام والاهانات حتي صار ممكناً أن يقال إن أبي أعظم عني).

 

الآب لم يتجسد، لكن الإبن تجسد

والذي
يؤكد لنا ذلك هو أن نعود إلي القرينه مستخدمين اسس التفسير الصحيح فسنجد ان السيد
المسيح سبق قوله لهذه الآيه بقول آخر هو (الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي
ارسلني (يو14: 24) وهنا يجب ان ننتبه إلي (الآب الذي أرسلني) لأننا نتبين منها أن
الصلة الموجودة هنا بين (الآب والابن) هي صلة (المرسل والمرسل منه) أي أننا نري
الآب مرسلاً الابن، فمركز الابن هنا هو مركز (الرسول) بالنسبة لمن أرسله، وقد قال
السيد المسيح بفمه المبارك (الحق الحق أقول لكم إنه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول
أعظم من مرسله) (يو13: 16) فالعظمة المنسوبة إلي الآب هنا بالنسبة للابن، هي عظمة
(الراسِل) بالنسبة (للمرسَل) فالآب هنا يوصف بأنه أعظم من الابن، لأنه هو الذي
أرسل الابن (يو3: 17) والآب لم يتجسد، لكن الابن تجسد، وفي تجسده صار ليس فقط أقل
من الآب بل أقل من الملائكة كما قال كاتب الرسالة إلي العبرانيين (ولكن الذي وضع
قليلاً عن الملائكة يسوع نراه مكللاً بالمجد والكرامة) (عب2: 9).

 

فالسيد المسيح بتجسده أصبح أقل من الآب،

بل أقل من الملائكة وهذا لا يمس لاهوته إطلاقاً

فالسيد
المسيح بتجسده أصبح أقل من الآب، بل أقل من الملائكة (وباعتباره (مرسلاً) والآب هو
الذي أرسله، وباعتباره قد صار إنساناً وأصبح أقل من الملائكة قال (لأن أبي أعظم
مني).

وهذا
لايمس لاهوته إطلاقاً، ولا يمس مساواته بالآب لأنه في ذات الاصحاح يقول (الذي رآني
فقد رأي الآب) (يو14: 9) ويؤكد وحدانية الثالوث بكلماته (إن أحبني أحد يحفظ كلامي
ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً) (يو14: 23) وفي سفر رؤيا يوحنا نري أن
(كل خليقة ما في السماء وعلي الأرض وتحت الأرض وما في البحر كل مافيها سمعتها
قائلة للجالس علي العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلي أبد الآبدين)
(رؤ5: 13) ومن هذه الكلمات نتأكد مساواة الآب بالابن في الكرامة والمجد والسلطان
إلي أبد الآبدين.

 

المقصود تعزية التلاميذ لفراقه لهم بأن وجوده في السماء وجلوسه
عن يمين العظمة أكثر رفعة ومجداً له من وجوده بالعالم

فاذن
لم يقصد السيد بهذا القول إظهار فارق بينه وبين الآب من حيث الجوهر والعظمة
والقدرة وسائر الكمالات الإلهية ولكنه قصد فقط تعزية تلاميذه لفراقة لهم بأن وجوده
في السماء وجلوسه عن يمين العظمة أكثر رفعة ومجداً له من وجوده بين أهل العالم
الذين إذ نظروة في صوره إنسان أهانوه واحتقروه ولم يقدموا له الكرامة اللائقة
بجلاله الإلهي. فهو علي الأرض في صورة تبدو غير ممجدة وعظمته تبدو، غير عظمة الآب
الممجد.

علي
الأرض تعرض لانتقادات الناس وشتائمهم واتهاماتهم. ولم يكن له موضع يسند فيه رأسه
(لو9: 58). وقيل عنه في سفر اشعياء إنه كان (رجل أوجاع ومختبر الحزن) (محتقر
ومخذول من الناس) (لاصورة له ولا جمال، ولا منظر فنشتهيه) (اش53: 2،3). وقيل عنه
في آلامه إنه (طُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه) (اش 53: 7).. هذه هي الحالة التي
قال عنها (أبي أعظم مني).

 

العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد وحالة ماقبل التجسد

إذن
هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد وحالة ماقبل التجسد. ولا علاقة لها
مطلقاً بالجوهر والطبيعة واللاهوت، الأمور التي قال عنها (أنا والآب واحد) (يو10:
3). فلو كنتم تحبونني، لكنتم تفرحون أني راجع إلي تلك العظمة وذلك المجد الذي كان
لي عند الآب قبل كون العالم (يو17: 5).

لذلك
قيل عنه في صعوده وجلوسه عن يمين الآب إنه (بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا،
جلس في يمين العظمة في الأعالي) (عب1: 3).

وقيل
عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له. فقد قال إنه (سوف يأتي في مجد
أبيه، مع ملائكته. وحينئذ يجازي كل واحد بحسب عمله) (مت16: 27). ومادام سيأتي في
مجد أبيه، إذن ليس هو أقل من الآب00وقال أيضاً إنه سيأتي (بمجده ومجد الآب) (لو9: 26).
ويمكن أن تؤخذ عبارة (أبي أعظم مني) عن مجرد كرامة الأبوة. مع كونهما طبيعة واحدة
ولاهوت واحد. فأي ابن يمكن أن يعطي كرامة لأبيه ويقول (أبي أعظم مني) مع أنه نفس
طبيعة أبيه وجوهره نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم000نفس
الطبيعة البشرية، ونفس الجنس واللون. ومع أنه مساو لأبيه في الطبيعة، إلاّ أنه
يقول إكراماً للأبوة أبي أعظم مني.أي أعظم من جهة الأبوة، وليس من جهة الطبيعة أو
الجوهر.

 

ألإبن في حالة من يطيع والآب في في حالة من يشاء

أنافي
البنوة في حالة من يطيع. وهو في الأبوة في حالة من يشاء. وفي بنوتي اطعت حتي الموت
موت الصليب (في2: 8). أما مساوته للاب فقد صرح بها جل شأنه في مواضع شتي منها قوله
في ليلة آلامه: ايها الآب مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً (يو17: 1) وفي قوله هذا دليل
قاطع علي مساواته للاب إذ لا يمكن لمخلوق كائناً من كان أن يقف أمام خالقه ويقول
له مجدني فأمجدك (انظريو5: 18-14-9) وفي كلماته (أنا والآب واحد) (يو10: 30) نراه
يقدم نفسه عن الآب، دون أن يكون في هذا إختلاساً أو غضاضة، فهما واحد في الجوهر،
واحد منذ الأزل والي الأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار