خلقتني إنساناً باركت طبيعتي فيك
نظرة صحيحة للحياة المسيحية المجيدة
من جهة التطبيق العملي وفعلها في حياتنا الشخصية
غنى النعمة المُخِّلصة والسلام الإلهي الفائق وفيض محبة ورحمة الله لتملأ قلوبنا كلنا معاً نحن المدعوين بمجده وفضيلته لنجلس على مائدته الروحانية ونكون شركاء مجد ملكوته ونحيا حسب إنجيل بشارة الخلاص والحياة
أيها الأحباء في المسيح المولودين ثانية لا من زرع يفنى بل من كلمة الله الباقية إلى الأبد، اعلموا يقيناً أن واقعية الحياة الروحية تقول أن كل من يُلبي دعوة الله [اتبعني] فأنه يستجيب بالتوبة والإيمان محبة في المسيح الرب الذي أظهر لنا محبة الآب، ويسير طبيعياً في حياة الشركة بوعيه واختياره وفق الدعوة التي دُعيِّ بها من جهة شركة الطبيعية الإلهية ملتصقاً بمسيح القيامة والحياة، إذ بشوق قلبه يتحرك نحوه دائماً في صلاته الخاصة والعامة في شركة أعضاء الكنيسة في النور، بغرض أن يتغير إليه حتى يصير شبهه، لأننا ننظر إليه كما في مرآة لنتغير لصورته عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2كورنثوس 3: 18)، لأن الله قصد أن يُعين كل واحد فينا ابناً لهُ لنكون مشابهين صورة ابنه (رومية 8: 29)، لذلك اللوغوس تجسد وتأنس حسب التدبير وصار على صورتنا لكي نصير نحن أيضاً على صورته حسب التدبير الخلاصي.
لذلك فأن كل من ينفتح على معرفة نفسه في جوهرها العقلي الروحاني ويرى أن طبيعته تباركت وتقدست في المسيح [باركت طبيعتي فيك] فأنه يستطيع أن يبدأ في إدراك قوة سمو التدبير الإلهي، فيتعَّرف على غنى المجد المذخر لهُ في المسيح الرب حكمة الله الذي أتى في ملء الزمان ليُمسك بزمام الكون ويفتح السماويات على الأرضيات وينُسق ويؤالف بينهما ليرد الخليقة لمجدها الأول الذي فقدته بالسقوط، ويقودها حسب مشيئته ليجعل منهما عالم واحد له ناموس وصايا روحاني واحد لتحيا في وحدة متجانسة منسجمة لا تنفك مكتسية بهاء الجمال والمجد السماوي، وهذا هو إعلان الإنجيل من جهة القصد الأزلي حسب التدبير: إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ. الَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ، لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ. (أفسس 1: 9 – 12)
أيها الأحباء المقدسين في الحق اعرفوا سمو وشرف دعوتكم العُليا وقدروا مسيحتكم جليل القدر، عالمين أنها ليست مجرد اسم دُعيَّ علينا أو مجرد مظهر وشكل، ولا يصح أن ننظر إليها كمجموعة من الشرائع والمناهج، لأنها خبرة قيامة وتذوق حياة جديدة مملوءة من المجد السماوي الذي للثالوث القدوس، فالحياة المسيحية هي عبارة عن نقلة من الموت للحياة، رفعة إلى البهاء الأعلى، مسيرة ناجحة في المسيح نحو حضن الآب من المستحيل يفشل فيها أحد لأن القائد هو الروح القدس، إلا إذا أحزن الروح وأطفأه، وبذلك مسيرته تتعطل وحياته ترتبك ويسقط في عثرة الظلام الدامس، لأن الروح القدس هو سراج النفس المُضيء الذي يقودها بالبرّ نحو الحق المُحرر للنفوس المُقيدة، لأن أن لم تنفك وتتحرر النفس من كل قيد فأنها لن تستطيع أن تصعد مع المسيح لهذا العلو الفائق المجيد.
لذلك أعملوا يقيناً أن الإثم والخطايا هما السم القاتل للنفوس المدعوة للحياة، والمعطل الرئيسي في المسيرة المسيحية الأصيلة، لذلك أكد الرب على التوبة وأيضاً الثبات فيها بكل قوى النفس، لأن من يدرك شرف دعوته المقدسة يحب الله من دعاه لهذه الحياة المجيدة، والمحبة بطبيعتها تولد في النفس مهابة واحترام أي التقوى والخافة، التي بدورها تحفظ النفس من الزلل، وتثبتها في قوة المصالحة والغفران، والذي أود أن أكلمكم قليلاً عنه بسبب التشويهات التي أصابت التعليم في مقتل عند بعض الخدام والمُعلمين على مستوى جميع الطوائف المسيحية.
لذلك أود أن أُعرفكم بسرّ الغفران من جهة الخبرة فأن الخطايا لم تُطوى في طي النسيان من قِبل الله، لأن الله لا ينسى أو يغض النظر، بل يمحو وينزع مثل الفلاح الذي ينزع الأعشاب الضارة من جذورها، يُغير ويُجدد كما تتجدد الأرض حينما يأتي أوان الربيع، لأن حسب التدبير لم يأتي الرب ليُصلح الطبيعة الساقطة، بل ليعمل عملية إحلال وتجديد وليس إصلاح، لذلك مكتوب: إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً (2كورنثوس 5: 17) فالخطية غُفرت تماماً بالكامل بكفارة المسيح: وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً؛ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ؛ الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ لإِظْهَارِ بِرِّهِ مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ (عبرانيين 9: 12؛ 1يوحنا 2: 12؛ رومية 3: 25)
فمعنى أن الخطية طويت (كما يُعلِّم البعض وأنها باقية) فأن عملها وأثارها ستبقى في النفس وتعمل في الجسد حتى الموت ويظل صراخ الإنسان مستمر: ويحي أنا الإنسان الشقي من يُنقذني من جسد هذا الموت؟، لأن هذه هي حجة الغير تائبين والذين عجزوا عن علاج النفوس من وباء الإثم المؤرق حياتهم، وبذلك لن يكون هناك مكانة لتجديد الذهن كحقيقة اختبارية في الحياة الروحية الواقعية، بل ستصير مثل النظرية، لأن ممكن العقل يتغير ويفكر بطريقة صحيحة لكن التطبيق العملي يُظهر أن تلك النفس واقعة تحت سلطان الإنسان العتيق كالعبد تحت سلطان سيده: أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ؛ كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي، أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. مَنْ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ، مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. (يوحنا 8: 34؛ 1يوحنا 3: 4، 7، 8)
فالرب أتى لينقض أعمال إبليس ونحن ينبغي أن نموت عن الخطية ونحيا بالبرّ، هذا هو العمل الأولي في حياة أي مسيحي حقيقي تاب وآمن بالمسيح، أن يدخل في سرّ الغفران وقوته الفاعلة، إذ يحدث – على مستوى الخبرة – محو أثر الخطية في النفس بكل خبراتها المؤلمة، يعني لا تكون مغطاة ومطوية لأنها ستكون معرضة للكشف في أي وقت، بل تُمحى ذكراها ولا يعد لها وجود إلى الأبد، وهذا هو عمل المسيح الرب فينا بالروح القدس، يغيرنا عن شكلنا بتجديد أذهاننا ويدخلنا في حياة جديدة تتسم بالقداسة وطهارة القلب ونقاوته، فانظروا التعليم حسب العهد الجديد لا الناس وأفكارهم ونظرياتهم لأنه مكتوب: وَلَكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ؛ فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ (أفسس 2: 13؛ عبرانيين 9: 14)
وختاماً لنصغي للقول الرسولي لكي تستقيم حياتنا حسب قصد دعوتنا كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ». وَإِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَباً الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ، عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الَّذِينَ بِهِ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْطَاهُ مَجْداً، حَتَّى إِنَّ إِيمَانَكُمْ وَرَجَاءَكُمْ هُمَا فِي اللهِ. طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ (1بطرس 1: 14 – 22)