عدم كتابة إنجيل برنابا بالوحي الإِلهي
عدم كتابة
إنجيل برنابا بالوحي الإِلهي
أولاً – في إنجيل برنابا تجاديف:
أ – جاء فيه في فصل 35: 22 و23 و41: 21 و22 و51: 25 و26 أن الله قال
لملائكة الشيطان: توبوا واعترفوا بأنني أنا الله خالقكم . أجابوا: إننا نتوب عن
السجود لك، لأنك غير عادل. ولكن الشيطان عادل وبريء، وهو ربنا . وأن الشيطان ذهب
مرة إلى الله ضاحكاً (أو بالحري ساخراً) يقول إنه سيزعج الله حتى يعلم أنه أخطأ
بطرده (أي طرد الشيطان) من الفردوس. مع أن ملائكة الشيطان لا يمكن أن يتحدثوا مع
الله بهذا الأسلوب الوقح. وأن الشيطان (إن كان من الجائز إسناد الضحك إليه) لا
يجسر أن يضحك أمام الله أو يسخر منه، لأن الشيطان ورسله ليسوا أعظم من الله أو
أنداداً له، بل هم مخلوقون بواسطته. والمخلوق الناكر الجميل، وإن كان في جهله
يجدّف أحياناً على خالقه، لكن عندما يواجهه، لا يستطيع أن يرفع رأسه أو ينبس ببنت
شفة أمامه.
أما الكتاب المقدس فيقول إن الشياطين يؤمنون ويقشعرون من جلال الله (يعقوب
2: 19) وإن رئيسهم هبط ساقطاً مثل البرق أمامه (لوقا 10: 18) وإنه كان يرتعب من
المسيح رعباً لا مزيد عليه (مرقس 5: 7) وإن الله سيسحقه تحت أقدام المؤمنين
الحقيقيين (رومية 16: 20).
ب – وجاء في فصل 159: 22 الكذب الذي أمر الله الأنبياء الكَذَبة أن
يتفوّهوا به وفي 161: 10 أن الله اعتبر الكذب في سبيل الحمد (أو المدح) فضيلة. مع
أن الله منزه عن الكذب (تيطس 1: 2) وقد نهى عن الكذب نهياً باتاً، فقال: لا تكذبوا
بعضكم على بعض (كولوسي 3: 9) كما قال: اطرحوا عنكم الكذب (أفسس 4: 25).
ج – وجاء في فصل 51: 4-20 حديث ومجادلة بين مسيح برنابا المزعوم والشيطان
لعمل مصالحة بينهما. مع أن هذا لا يتفق مع عِزَة الله، كما أن المسيح دخل منذ
البدء في حرب مع الشيطان.
ثانياً – فيه أكاذيب:
وهذه نوعان (الأول) أكاذيب عامة (الثاني) أكاذيب ناتجة عن عدم الإلمام
التام بالتوراة. كما يتضح مما يلي:
أ – الأكاذيب العامة:
(1) جاء في فصل 97: 3 أن كهنة اليهود قالوا إنهم سيكتبون إلى مجلس الشيوخ
الروماني المقدس لإصدار أمر ملكي بأن لا يقول أحد عن يسوع إنه الله أو ابن الله.
وجاء في 83: 12 أن يسوع حفظ مع تلاميذه الأربعين يوماً (أو بالحري صوم الأربعين)
مع أن من له إلمام بالتاريخ، يعلم أن ما قيل عن مجلس الشيوخ الروماني هو محض
افتراء، لأن هذا المجلس لم يكن يعبأ بالشئون الدينية اليهودية، كما أن المسيح وحده
هو الذي صام أربعين يوماً. أما صوم الأربعين (بأل التعريف) المعروف عند كثيرين من
المسيحيين، فلم يتقرر رسمياً إلا في القرن الرابع للميلاد، مما يدل على عدم معرفة
كاتب إنجيل برنابا بالحقائق التاريخية.
(2) وجاء في فصل 145: 43 أنه يكفي للإِنسان كل ليلة ساعتان للنوم. ويتكرر
المعنى في 101: 5 و109: 4 عن وجوب قلّة النوم. وجاء في 167: 2 أن الأرض مستقرة على
سطح الماء. مع أن (أ) الإِنسان يحتاج من 6-8 ساعات للنوم كل ليلة (ب) وأن الأرض
كوكب يسير في الفضاء، وليس مستقراً على شيء. وقد أشار الوحي إلى هذه الحقيقة فقال
عن الله أنه يعلق الأرض على لا شيء (أيوب 26: 7)، أو بلغتنا العصرية يعلقها بواسطة
الجاذبية.
(3) وجاء في فصل 217: 45 أن المسيح طبع بسحره صورة وجهه على وجه يهوذا.
وجاء في 208: 10 أن الفريسيين بسبب رغبتهم في قتل يسوع أعماهم الحنق. فضرب بعضهم
بعضاً في الهيكل، حتى مات منهم هناك ألف رجل. مع أن (أ) المسيح كان أبعد ما يكون
عن السحر. وقد أعلن كاتب إنجيل برنابا أنه له المجد قدوس الله (ب) كما أنه لا يعقل
أن يضرب الفريسيون بعضهم بعضاً في ذات الهيكل، ودون أن يدروا ماذا يفعلون. ولو
فرضنا أنهم أُصيبوا بالجنون وقتئذ، لكان حراس الهيكل، وهم كثيرون، قد تداخلوا في
الأمر وطردوهم منه في الحال حرصاً على سير العبادة فيه بكل وقار.
ب – الأكاذيب الناتجة عن عدم الإلمام التام بالتوراة.
ويبدو أن كاتب إنجيل برنابا، مع يهوديته، لم يكن من علماء شريعتها الذين
لهم إلمام تام بالتوراة، بل كان أحد رجال السياسة أو المال والأعمال، كما يظهر من
الأخطاء الآتية:
(1) جاء في فصل 115: 7 أن الذين نجوا مع نوح من الطوفان كانوا 83 شخصاً.
وجاء في 150: 24 أن داود اعتلى العرش عندما كان ابن 15 سنة. وجاء في 181: 11 أن
الله قال على لسان داود أن الصدِّيق يسقط سبع مرات في اليوم. مع أن (أ) الذين نجوا
من الطوفان بمن فيهم نوح كانوا ثمانية أشخاص فحسب (تكوين 7: 7). (ب) وأن داود
اعتلى العرش عندما كان 30 سنة (2صموئيل 5: 4 و5). (ج) وأن القول المنسوب إلى داود،
جاء على لسان سليمان الحكيم، وصوابه الصدِّيق يسقط سبع مرات ويقوم (أمثال 24: 16).
(2) وجاء في فصل 138: 4 أن إيليا خادم الله لم ير خبزاً مدة ثلاث سنوات.
وجاء في 160: 1 أن دانيال النبي سجل أن أحد ملوك إسرائيل تحالف مرة مع أحد ملوك
يهوذا لمحاربة بني بليعال (أي عَبَدة الوثن). وجاء في 165: 1 أن الله قال على لسان
يوئيل النبي: لعمري يقول إلهكم لا أريد موت الخاطئ، بل أود أن يتحول إلى التوبة .
مع أن (أ) دبَّر الله لإيليا خبزاًٍ ولحماً (1ملوك 17: 1-7). (ب) وأن الحادثة
المسنَدة إلى دانيال النبي، كان قد سجّلها ياهو بن حناني (2أخبار 20: 34)، وموجودة
بالتفصيل في (1ملوك 22: 3-31). (ج) وأن القول الأخير جاء على لسان حزقيال النبي: هل
مسرةً أُسرُّ بموت الشرير؟ ألا برجوعه عن طريقه فيحيا؟ (حزقيال 18: 23).
ثالثاً – فيه خرافات:
أ – جاء في فصل 35: 6 و7 و26 و27 أن الله خلق كتلةً من التراب ليصنع منها
آدم، ثم تركها 25 ألف سنة دون أن يفعل بها شيئاً. فبصق الشيطان عليها، وحينئذ أسرع
جبريل برفع هذا البصاق مع شيء من التراب الذي تحته، فكان للإِنسان بذلك سُرّة في
بطنه. وجاء في 39: 8-12 و123: 3 أن الشيطان لما رأى الخيل في الجنّة تأكل العشب
أوعز إليها أن تذهب إلى كتلة التراب (السابق ذكرها) فهاجت الخيل وأخذت تعدو بشدة
عليها. فأعطى الله روحاً لذلك الجزء النجس الباقي من التراب الذي وقع عليه بصاق
الشيطان، فأصبح كلباً. فأخذ هذا الكلب ينبح حتى أزعج الخيل وطردها. وبعد ذلك خلق
الله آدم وامرأته من التراب والهواء والماء والنهار. وجاء في 35: 8 أنه لما علم
الشيطان الذي كان بمثابة كاهن ورئيس ملائكة أن الله سيأخذ من الكتلة المذكورة 144
ألف نبي، قال لأتباعه إن الله سيطلب منهم أن يسجدوا لها.
وإزاء هذه العبارات نقول: (1) إن ترك كتلة التراب التي يقال إن الله أراد
أن يخلق منها آدم 25 ألف سنة دون أن يعمل بها شيئاً، يتعارض مع قدرته تعالى، لأنه
هو الذي يقول للشيء كن فيكون . وهو لا يحتاج في أداء عمل من أعماله إلى وقتٍ ما.
(2) إن الشيطان روح، والروح لا يبصق. (3) تتكون السرّة من قطع الحبل السري بعد
الولادة، ومِن ثمّ فآدم لم تكن له سرة! (4) وإذا فرضنا أن الخيل أخذت تعدو على
كتلة التراب التي يقال إن الله أراد أن يخلق آدم منها، لم يكن ثمّة داعٍ أن يروعها
تعالى بواسطة كلب يخلقه، إذ كان من الميسور له أن يطردها أو يقضي عليها أيضاً
بكلمة واحدة. (5) وإذا فرضنا أن الكلب حيوان نجس، لما طرد الخيل من الجنة، بل
لساعدها على تنفيذ إرادة الإِنسان، لأن النجاسة هي في تنفيذ إرادته. (6) القول إن
الإِنسان مخلوق من التراب والماء والهواء والنار، هو قول المنجّمين الذين قالوا إن
مزاج الإِنسان إما ترابي أو مائي أو ناري أو هوائي، وذلك تبعاً ليوم ولادته واسم
أمه… وقولهم هذا لا نصيب له من الصواب. (7) أخيراً نقول إن الكهنوت لا مجال له
إلا إذا كان هناك بشر. فالقول إن الشيطان كان قبل خلقهم بمثابة كاهن هو قول هراء.
كما أن الادعاء أن الشيطان علم مسبّقاً أن الله سيخلق من كتلة التراب أنبياء، ثم
سيأمر الشيطان وأتباعه بالسجود لها، تُسند علم الغيب إلى الشيطان، مع أن الله وحده
هو علام الغيوب.
أما ما سجله الكتاب المقدس عن خلق آدم فهو: جَبَلَ الرب الإله آدم تراباً
من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياةٍ فصار آدم نفساً حية (تكوين 2: 7). فليقارن
القراء بين ما سجله الكتاب المقدس، وبين ما سجله الإنجيل المنسوب إلى برنابا.
ب – وجاء في فصل 40: 9-11 و16 أن الشيطان طلب من الحية أن تفتح فمها ليدخل
في بطنها، كما طلب منها أن تضعه بعد ذلك على مقربة من حواء. ولما فعلت ذلك، قال
لحواء: يجب أن تعرفي أن الله شرير وحسود . وجاء في 40: 28 أن آدم عندما أكل من
الشجرة، أراد أن يوقف نزول الطعام إلى جوفه، فوضع يده في حلقه، فظهرت العلامة
الخاصة فيه. وجاء في 39: 36 أن ما نهى الله آدم عن الأكل منه هو التفاح والحنطة.
مع أن (1) الشيطان روح، ولذلك لا يدخل في بطن إنسان أو حيوان، وكل ما
يعمله أنه يغري الناس على القيام بأعمال خاصة بواسطة تصويرها أمام أذهانهم بصورٍ
جذابة، دون أن تكون له قدرة على دفعهم إليها. كما أنه ليس في حاجة إلى أن ينقله
أحد من مكان إلى آخر، لأنه يستطيع القيام بهذا العمل بنفسه بكل سرعة. فضلاً عن ذلك
فهو ليس بالكائن الجاهل حتى يقول لحواء عن الله إنه شرير وحسود، وإلا انكشفت
نواياه السيئة في الحال، ونفرت حواء من سماع صوته.
(2) العلامة التي يُقال بوجودها في رقبة الرجل وحده وتسمى عند العامة
تفاحة آدم مشتركة بين الرجل والمرأة. كل ما في الأمر أن طبقةً من الدهن تغطيها عند
المرأة. ولو فرضنا جدلاً أن العلامة المذكورة تكّونت في آدم، عندما أراد أن يوقف
نزول الطعام إلى جوفه (كما يُقال) لما ورثها البشر عنه، لأن البشر لا يرثون عن
والديهم الأعراض أو العلل الجسمية التي تحل بهم. كما أن الطعام الذي نأكله لا يمرّ
بالحلق أو الحلقوم، كما ذهب المدعو برنابا، بل يمر في المريء ومنه إلى المعدة.
لأنه لو مر بالحلقوم لذهب إلى القصبة الهوائية، وسبَّب الموت خنقاً.
(3) والادعاء أن الله نهى آدم عن التفاح والحنطة يثير العجب، لأن هذين
طعامان رئيسيان. كما أنه لو كان الله قد نهاه عنهما، فلماذا سمح لنا بالأكل منهما
ومن غيرهما ما شئنا!!
أما ما ذكره الكتاب المقدس عن هذه الأمور فهو أن الشيطان، ممثّلاً في
الحية، قال لحواء: الله عالم أنه يوم تأكلان (هي وآدم) من ثمر الشجرة (المنهي
عنها) تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفَيْن الخير والشر. فاغترّت حواء بقوله
وأخذت من ثمر الشجرة وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل (تكوين 3: 1-7). فليقارن
القراء بين ما سجله الكتاب المقدس، وما سجله الإنجيل المنسوب إلى برنابا.
ج – وجاء في فصل 23: 3-11 أن آدم أراد بعد عصيانه أن يقطع جسده (بمعنى
عضوه الجنسي)، فأرشده الملاك إلى قطع الغلفة منه فحسب. وفي 41: 20 و21 أن الله أمر
ميخائيل أن يقطع قوائم الحية التي دخل فيها الشيطان حتى إذا أرادت السير تزحف على
بطنها هي ونسلها. وجاء في 27: 5 أن الله مسخ بعض المصريين حيوانات لأنهم استهزأوا
بآخرين. مع أن (1) فكرة قطع العضو الجنسي لا تخطر ببال الرجل إلا إذا كان مصاباً
بالجنون، أو كان يعتبر الزواج أمراً نجساً. ولم يكن آدم واحداً من هذين الشخصين.
كما أن الختان (كما يتضح من التاريخ) لم يكن له وجود قبل إبرهيم الخليل، الأمر
الذي يدل على أنه حتى إذا قيل إن المراد هو الختان، فإن هذا القول، لا يكون صحيحاً.
(2) ولو فرضنا أن ميخائيل قطع قوائم الحية، فإن هذا القطع لم يكن يؤدي إلى
ولادة نسلها دون قوائم. لأن النسل لا يرث ما يطرأ على جسم والده من تغيير بسبب
حادثة ما، كما ذكرنا.
(3) مسخ الله بعض الناس إلى حيوانات، بسبب شرورهم وآثامهم لا يتفق مع
ناموسه الثابت المعروف في كل الكائنات. لكنه (كما يتضح من الكتاب المقدس) يعاقبهم
بالضيقات والآلام المتنّوعة حتى يستفيقوا من غفلتهم ويعودوا إلى طاعته. فضلاً عن
ذلك فإن المسخ ليس له أساس في الكتاب المقدس، بل هو من القصص التي كان يبثّها
السحرة قديماً في أذهان الناس، لإرعابهم وإزعاجهم. وهذه القصص كما نعلم لا نصيب
لها من الصواب.
د – وجاء في فصل 57: 14 أن كل قملة كانت على إنسان حباً في الله تتحول إلى
لؤلؤة. وجاء في 74: 4 أن سليمان الحكيم كان قد أعدّ وليمة لكل المخلوقات، فانقضّت
سمكة على كل ما في الوليمة من طعام وأكلته.
وإزاء العبارة الأولى نقول: حقاً إن الله يكافئنا عن جهادنا في سبيل الحق
بأكثر مما نظن أو نفتكر، ولكن حاشاه أن يطلب منا أن نكون قذرين، ليحوّل كل قملة
نسمح بوجودها في ملابسنا حُباً في ذاته إلى لؤلؤة. لأنه يريد أن يكون كل منا
نظيفاً لا قذراً. ومع كل فإن المدعو برنابا، قد كشف لنا بقوله هذا عن آرائه
ومنهاجه في الحياة. فهو إما اعتبر قتل القمل جريمة يعاقب المولى قاتلها، أو أنه
كان يتعمّد عدم تنظيف جسده وملابسه ليُظهر للناس أنه لتفانيه في العبادة لا يبالي
حتى بالنظافة، التي هي من أهم ضروريات الحياة!! وهكذا تنكّر للقول المأثور النظافة
من الإيمان .
أما من جهة العبارة الثانية فإنها لا تحتاج إلى ردّ لإظهار ما فيها من
بهتان. وما سجلناها إلا ليرى القارئ عقلية كاتب إنجيل برنابا التي كانت تدعوه
لاختلاق أحداث ما أنزل الله بها من سلطان.
ه – وجهلاً بمعاني الكلمات وأصلها جاء في فصل 144: 10 أن كلمة فردوس
كنعانية تعني يطلب الله . وبحسب 144: 13 نفس المعنى هولكلمة فريسي! ويمدح الفريسي
الحقيقي في فصل 151: 1 و2 و10-17 دون أن يدرك المعنى وأصل الكلمة. والواقع أن كلمة
فردوس فارسية وتعني حديقة. أما كلمة فريسي فأرامية وتعني المعتزل، والفريسيون
جماعة بالغت في التدين، وأشار يوسيفوس لأول جماعة ظهرت بهذا الاسم تحت قيادة يوحنا
هيركانوس الأول (135-104 ق م).
رابعاً – فيه مبالغات:
أ – جاء في 34: 16 أن آدم وحواء بكيا لأجل خطيتهما مئة عام. وجاء في فصل
33: 22 أن الذين قُتلوا من بني إسرائيل لعبادة العجل كانوا 120 ألف شخصاً. وجاء في
145: 1-3 أنه كان في أيام إيليا 12 جبلاً يسكنها 17 ألف فريسي. وأن إيليا ذبح عشرة
آلاف رجل كانوا يعبدون الأوثان (148: 7). وجاء في 13: 10 أن الله أوصى مليون
ملاكاً ليحرسوا ثياب المسيح. وجاء في 152: 4 أن عدد آلهة الرومان كانوا 28 ألف
إلهاً. مع أن (1) الله كان قد أنبأ آدم وحواء بمجيء مخلص لهما يخلصهما من نتائج
خطيتهما فور شعورهما بها (تكوين 3: 15) فلم يكن هناك داع لأن يبكيا هذه السنوات
الطويلة (2) وأن الذين قتلوا بسبب عبادة العجل كانوا ثلاثة آلاف فقط (الخروج 32: 28).
(3) وأن بلاد إسرائيل ليس بها العدد المذكور من الجبال. وأنه لو كان المراد
بالفريسيين الأشخاص الذين لم يسجدوا للأوثان في أيام إيليا، فقد كانوا سبعة آلاف
فقط (1ملوك 19: 18). وأن الذين ذبحهم إيليا من كهنة الأوثان كانوا 450 فقط (1ملوك
18: 22). (4) وأن المسيح لم يكن يقتني إلا ثوباً أو ثوبين على الأكثر لأنه ارتضى
حياة الفقر، فلم يكن في حاجة إلى ملاك واحد ليحرس ثيابه، إذا استلزم الأمر (4) وأن
عدد آلهة الرومان، كما يتضح من أساطيرهم، لم يكونوا أكثر من مئة إله.
ب – وجاء في فصل 35: 8 أن عدد الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى العالم 144
ألف نبي. وفي 21: 6 أن المجنون الذي شفاه المسيح كان به 6666 شيطاناً. وفي 136: 17
و137: 1 أن الناس الذين لهم إيمان بدون أعمال سيمكثون في الجحيم 70 ألف سنة فقط.
وفي 51: 22 و23 و57: 2 و3 أن ميخائيل سيضرب الشيطان بسيف الله مئة ألف ضربة، كل
ضربة منها توازي عشرة أمثال الجحيم. وفي 53: 15-19 أنه قبل يوم الدينونة يتحول
القمر إلى كتلة من الدم، حتى أن الدم يتساقط منه على الأرض كما يتساقط الندى، وتقع
حرب هائلة بين الأجرام السماوية، وتبكي النباتات وقتئذٍ بدل الدمع دماً. وجاء في
55: 14 أن العين الواحدة ستذرف في جهنم ماء أكثر من مياه الأردن.
مع أن (1) عدد الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى العالم (كما يتضح من الكتاب
المقدس) لا يتجاوز مائة نبي. (2) وأن حصر عدد الشياطين التي كانت في المجنون، لم
يراع فيه سوى تكرار رقم 6 إلى مرتبة الآلاف (مرقس 5: 9) وهو حصر وتكرار لا يقومان
على أساس. (3) وأن الذين لهم إيمان بدون أعمال يكون إيمانهم ميتاً، فلا يمكنهم
التمتع بالله على الإطلاق، لأن التمتع به مقصور على المؤمنين الحقيقيين الذين
حصلوا منه على طبيعة روحية يستطيعون بها التوافق معه في صفاته الأدبية السامية
(1بطرس 1: 3-7 و2بطرس 1: 3-5). ولذلك سيظل المؤمنون بالاسم مع الأشرار بعيدين عن
الله إلى الأبد. (4) وأن الشيطان روح لا جسم له، لذلك لا يمكن ضربه كما يقال.
فالقول إن الملاك سيضربه بما يوازي مليون جحيم هو رميةٌ دون رامٍ. (5) والقول إن
الدم يتساقط من القمر على الأرض كالندى هو قول هراء لأن القمر جماد لا يشعر ولا
يحس، كما أنه لا يجري فيه دم ما. فضلاً عن ذلك فإن الناس (وليس النباتات) هم الذين
سيبكون بدل الدمع دماً، لأنهم هم الذين سيرتعبون من حضرة الله بسبب خطاياهم. ولو
فرضنا جدلاً أنه في الأبدية ستكون للناس عيون مادية تذرف دموعاً مادية فإن جهنم
(بناءً على رأي كاتب إنجيل برنابا) ستتحول إلى بحر من الدموع!! أما ما سجله الكتاب
المقدس عن يوم الدينونة، فهو أن السموات (أو بالحري الأجرام السماوية) تزول فيه
بضجيج، وأن العناصر تنحل فيه محترقة، وأن الأرض تحترق هي والمصنوعات التي فيها
(2بطرس 3: 10). وهو وصف يتوافق مع قول العلماء في الوقت الحاضر أن الأجرام معرّضة
للتصادم، وأن ذرات الكون معرّضة للتفكك والانحلال. كما أن ما سجله الكتاب المقدس
عن موقف الأشرار في هذا اليوم هو: والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد
وكل حر، أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال، وهم يقولون للجبال والصخور: اسقطي
علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش (رؤيا 6: 15 و16). فليقارن القارئ بين ما
سجله الكتاب المقدس، وما سجله الكتاب المسمى إنجيل برنابا .
خامساً – فيه متناقضات:
أ – جاء في فصل 26: 3 و4 و47: 10 و74: 18 و77: 6 و88: 18 أن المسيح كان
يبادر كل من يسأله عن أمرٍ من الأمور التي يجهلها بالقول: يا مجنون أو يا غبي . مع
أن المسيح كان وديعاً يرحب بكل إنسان يتقدم إليه بسؤال عن أمر يجهله (متى 19: 16
ويوحنا 14: 5) ولم يوبخ إلا الأشرار من رجال الدين بالقول: يا مرائين، لأن أعمالهم
كانت تتعارض مع أقوالهم. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن الشخص الذي كتب
الإنجيل المنسوب إلى برنابا، لم يكن شخصاً رزيناً سليم النفس، بل كان شخصاً ثائراً
ومعقّداً، لأن من يظن أن المسيح الوديع الهادئ كان يخاطب كل من يسأله عن أمر
بالقول يا مجنون أو يا غبي، يكون هو ذلك الشخص بعينه.
ب – وجاء في فصل 93: 16 و18 و94: 5 و6 أن هيرودس الملك وبيلاطس الوالي
قدّما للمسيح صنوف التجلّة والاحترام، وأن رئيس الكهنة سجد عند قدمي يسوع. مع أن
رئيس الكهنة كان يبغض المسيح كل البغض، وهو الذي أشار على اليهود من أول الأمر
بقتله. وأن بيلاطس وهيرودس كانا لا يؤمنان بلاهوت المسيح حتى يقدما له التجلة
والاحترام. ولو كان هذا صحيحاً، لما فكر أحد في صلب المسيح، ولما كان هناك أيضاً
مجال للقول بصلب يهوذا عوضاً عنه، كما قال.
ج – وجاء في فصل 205: 14 أن شيوخ اليهود رفضوا المسيح لأنه أراد أن يكون
ملكاً عليهم. مع أنهم هم الذين أرادوا أن يجعلوه ملكاً عليهم ليشبعهم خيراً ويدفع
الرومان عن بلادهم، ولكنه انصرف عنهم (يوحنا 6: 15) لأن المُلك الذي يريده هو
الملك الروحي على القلوب، لأنه لم يأت للمُلك على العالم، بل لتقديم نفسه كفارة عن
الخطاة، حتى لا يهلك كل من يؤمن به إيماناً حقيقياً، بل تكون له الحياة الأبدية
(يوحنا 3: 16). أما السبب الحقيقي في رفض اليهود للمسيح فهو توبيخه لهم على شرورهم
وآثامهم.
د – وجاء في فصل 198: 12 أن المسيح قال: عساني أن أنال من الله قصاصاً في
هذا العالم، لأني لم أخدمه بإخلاص كما يجب عليَّ أن أفعل . مع أن المسيح كان
كاملاً كل الكمال، كما يؤمن المسيحيون والمسلمون معاً. فضلاً عن ذلك فقد شهد كاتب
إنجيل برنابا في 21: 3 و96: 6 و97: 2 و156: 31 وغيرها أن المسيح هو قدوس الله .
و·قدوس الله لا عيب فيه ولا يستحق إلا كل إكرام وتبجيل. وهكذا يناقض هذا الكاتب
نفسه.
ه – وجاء في فصل 47: 8 و215: 2 وغيرهما أن المسيح انسحب خائفاً، خاصة
عندما جاءوا للقبض عليه ليصلبوه. مع أنه كان شجاعاً كل الشجاعة، فلم يرهب الملوك
أو رؤساء الدين أو الجنود الذين أتوا للقبض عليه (متى 26: 46-49 ولوقا 13: 32
ويوحنا 18: 6-8). أما سبب انسحابه في بعض الأحيان، فيرجع إلى عدم إصغاء اليهود إلى
تعليمه، ورغبته في إسداء بعض الخدمات إلى الناس الذين كانوا في حاجة إليها.
و – وجاء في فصل 131: 6 أن يوحنا، أحد تلاميذ المسيح، كان صديقاً لهيرودس
الملك، وأنه تناول الطعام معه مرة. مع أن يوحنا، كيهوديِّ المنبت، كان يعتبر
الاختلاط بواحدٍ من الأمم الأخرى نجاسة، يجب أن يبتعد عنها (يوحنا 4: 9). أما ما
سجّله الكتاب المقدس عن يوحنا هذا، فإنه كان يعرف قيافا رئيس كهنة اليهود وقتئذ
(يوحنا 18: 15). وهذا أمر محتمل حدوثه، لأن يوحنا (كما يتضح من مرقس 1: 20 ويوحنا
18: 15) كان من أسرةٍ على شيء من الثراء.
ز – وجاء في 217: 79 أن يهوذا الإسخريوطي عندما كان معلقاً على الصليب،
قال للّه: لماذا تركتني؟ فإن المجرم قد نجا، أما أنا فأموت ظلماً . ولو كان يهوذا
هو المعلق على الصليب، لما نطق بهذه العبارة. لأنه هو الذي سعى لصلب المسيح على
الرغم من كمال المسيح المطلق. لقد كان يهوذا مذنباً لا يحق له أن يتساءل لماذا
تركه الله.
ح – وجاء في 217: 7 و8 أن الأتقياء بعد دخولهم إلى الفردوس، سوف يذهبون
إلى الجحيم لمشاهدة الأشرار وهم يتعذبون. مع أن الذين يدخلون الفردوس يكونون
بكلياتهم وجزئياتهم تحت تأثير محبة الله وجلاله، فلا تهوى نفوسهم أن ترى شيئاً
سواه. ولو فرضنا جدلاً أنهم سيذهبون إلى الجحيم لمشاهدة الذين فيه، فإن عيونهم
ستقع حتماً على بعض أقربائهم هناك فيتألمون لآلامهم ويتوجعون لأوجاعهم، فلا يهنأ
لهم بال في الفردوس فيما بعد، وهذا ما لا يرضاه الله لهم.
ط – وجاء في فصل 101: 21 أن إبليس نادم كل الندم لأنه خسر الجنة. وجاء في
51: 32 أن الشيطان رفض أن يقول للّه: أخطأت فارحمني – فكيف يتفق القول الأول مع
الثاني؟!
ي – وجاء في فصل 75: 10 أن المسيح قال: الكسل مرحاض يتجمع فيه كل منكر نجس
. وفي 77: 15 أن المسيح قال: الجمل لا يرغب أن يشرب من الماء الصافي، لأنه لا يريد
أن ينظر وجهه القبيح – وهذه الأقوال لا تصدر إلا من شخص ضيق الفكر، يتحدث مع جماعة
لا تعرف للحقائق الروحية معنى. فالمرحاض ليس نجساً، ووجه الجمل ليس قبيحاً، لأن
النجاسة والقبح (كما أعلن المسيح) هما فقط في أعمال الإثم والدنس.ولو فرضنا جدلاً
أن الجمل قبيح الوجه، فإنه لا يدرك أنه كذلك، فلا يمكن أن يمتنع عن مشاهدة وجهه في
الماء أو غير الماء. هذا إن كان الجمل يعرف أن صورته هي التي تنعكس على هذا أو
ذاك!
ك – وجاء في فصل 92: 18 أن اليهود عندما عرفوا يسوع أخذوا يصرخون: مرحباً
بك يا إلهنا – ولو أنهم أقروا بأنه إلههم، لما فكروا في صلبه على الإطلاق.
ل – وجاء في 7: 10 أن يسوع عندما كان طفلاً، حذر المجوس الذين أتوا
لزيارته من العودة إلى هيرودس الملك. وجاء في 8: 3و4 و9: 1و2 أن ملاك الرب ظهر
ليوسف خطيب العذراء مريم، وقال له: انهض وخذ يسوع واذهب إلى مصر، وبعد موت هيرودس
قال له: عُد إلى اليهودية . ولو كان يسوع قام في طفولته بإرشاد المجوس، لما كان
هناك داعٍ لأن يرسل الله ملاكاً لإرشاد يوسف، لأن يسوع قام بهذه المهمة!
سادساً – افتخار كاتب إنجيل برنابا بنفسه:
جاء في فصل 19: 6 أن يسوع أظهر العطف على برنابا عندما عامله بعض اليهود
معاملة سيئة، فقال له يسوع: لا تأسف يا برنابا . وفي 42: 20 أنه كان أحد أربعة رسل
شاهدوا مجد يسوع الباهر على الجبل. وفي 19: 5 أنه وحده هو الذي كان يكتب عن يسوع
سراً بدموع. وفي 72: 5 أنه اقترب إلى يسوع بدموع وهمس في أذنه سائلاً: من هو الذي
يسلمك؟ . وفي 100: 6 و112: 2 أن يسوع طلب منه أن يمكث معه طويلاً حتى يجد راحة
لنفسه. وفي 109: 7 أنه قال له: إن هذا لأعظم شقاء يكابده الإِنسان يا برنابا . كما
قال له وهو يبكي: يا برنابا، يجب أن أكاشفك بأسرار عظيمة، فقال له برنابا: اسمح لي
بالبكاء يا معلم، ولغيري أيضاً لأننا خطاة. وأنت يا من هو طاهر ونبي الله لا يحسن
بك أن تُكثر من البكاء (112: 5-7). وفي 55: 17 و220: 13 أن يسوع قال له: سَلْ ما
شئت يا برنابا، أجبْكَ .
ولكن الذين استخدمهم الله لتدوين الكتاب المقدس، كانوا يحاولون دائماً
إخفاء أنفسهم، ولم يذكروا أسماءهم أو شيئاً من أعمالهم الهامة. وإن اقتضى الأمر
ذكر هذه أو تلك، لم يكن ذلك للدعاية أو التظاهر بل لتسجيل حقائق يجب تسجيلها.
بينما برنابا يُطري نفسه كثيراً، كما يحاول في كل صفحة من كتابه أن يجذب أنظار
الناس إليه بشتى الوسائل. الأمر الذي يدل على أنه لم يكن واحداً من تلاميذ المسيح،
بل كان شخصاً مرائياً ومدّعياً.
سابعاً – برنابا يثير شعور الناس دون مبرر:
جاء في فصل 42: 1 و2 أن تلاميذ المسيح بكوا وكان يسوع باكياً. وفي 24: 1
أن يسوع بكى وقال: الويل للذين هم خَدَمة أجسادهم . وفي 58: 1 أنه بينما كان يتكلم
بكى التلاميذ بحرارة. وفي 112: 6 أن يسوع بكى كثيراً عندما كان يتحدث مرة مع من
قال إنه برنابا.
ولكن إذا رجعنا إلى الموضوعات التي يقول كاتب إنجيل برنابا إنها أبكت يسوع
وتلاميذه لا نرى أنها تستلزم هذا البكاء، الأمر الذي يدل على أن الكاتب المذكور لم
يكن يسرد حقائق، بل يحاول أن يُخرج رواية مؤثرة، فخانه التوفيق وافتضح أمره كثيراً،
كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن البكاء الكثير في سبيل التقرب من الله، هو من مظاهر
الرهبنة التي كانت منتشرة في أوروبا في العصور الوسطى، اتضح لنا أن كاتب إنجيل
برنابا كان من أبناء هذه العصور.
ثامناً – الحديث الموجَّه إلى يسوع في إنجيل برنابا:
جاء في فصل 17: 19 أن فيلبس قال ليسوع: كُتب في إشعياء أن الله هو أبونا،
فكيف يكون له بنون؟ وفي 22: 15 أن التلاميذ قالوا له: قل لنا يا معلم! لأي سببٍ
يجب على الإنسان الختان؟ . وفي 26: 8 كيف يجب على الإنسان أن يحب الله محبة خالصة؟
. وفي115: 11 يا سيد ما معنى الشهوة؟ . وفي فصل 35: 3-5 أنهم قالوا يا معلم قل لنا
كيف سقط الشيطان بكبريائه؟ لأننا كنا نعلم أنه سقط بسبب العصيان، ولأنه كان دائماً
يفتن الإنسان ليفعل شراً؟ . وفي 73: 4 كيف يقف المجرب القديم (الشيطان) بالمرصاد
للإِنسان؟ وفي 39: 1 يا معلم، ينقصنا أن نعرف كيف أخطأ الإِنسان بسبب الكبرياء .
وفي 43: 5 حدثتنا بأشياء كثيرة عن مسيا (قاصدين به نبي الإسلام)، فتكرم بالتصريح
لنا بكل شيء . وفي 51: 2 و3 كيف كلمت الشيطان، وأنت تقول عنه مع ذلك إنه غير تائب؟
كيف يأتي الله ليدين في يوم الدينونة؟ . وجاء في 43: 31 و44: 1-3 أن يسوع قال: صدقوني
لأني أقول لكم الحق أن العهد صُنع بإسماعيل لا بإسحاق حينئذٍ قال التلاميذ: يا
معلم، هكذا كُتب في كتاب موسى أن العهد صُنع بإسحق . أجاب يسوع متأوهاً: هذا هو
المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا .
وفي ضوء ما تقدم نقول: إن الإنجيل المنسوب إلى برنابا يصوّر المسيح كشخصٍ
صامت، وأن تلاميذه هم الذين كانوا يستدرجونه للحديث معهم عن الموضوعات التي
يريدونها. مع أن المسيح هو الذي كان يتحدث معهم عن الأمور التي يريدها. وإن جال
بخاطرهم سؤال، لم يكن هذا سؤالاً استدراجياً يدعو المسيح للتحدّث معهم، بل كان
سؤالاً استفهامياً ينمّ عن عدم معرفتهم بأمرٍ من الأمور، وكان المسيح يجيبهم عنه
بما يكفي لتعليمهم. وإن اقتضى الأمر كان يسألهم ليمتحن مقدار فهمهم، أو ليهيئهم
لاستقبال التعليم الذي يريد تبليغه إليهم. من هذا يتضح لنا أن كاتب الإنجيل
المذكور كانت لديه معلومات أراد أن يعرضها، فوضع أسئلة عنها على ألسنة من اختارهم
من تلاميذ المسيح وغيرهم، ووضع في فم من دعاه يسوع، الإجابة التي أراد أن يجعله
يقولها، كما يفعل مؤلفو الروايات تماماً.
تاسعاً – الأسلوب الذي ينسبه إنجيل برنابا ليسوع:
جاء في فصل 115: 12 أن يسوع قال: الشهوة هي عشق غير مكبوح الجماح. إذا لم
يرشده العقل تجاوز حدود البصيرة والعواطف . وفي 119: 11-16 أنه قال: الصلاة هي
شفيع النفس. الصلاة هي دواء النفس. الصلاة هي صيانة القلب. الصلاة هي سلاح الإيمان.
الصلاة هي لجام الحس. الصلاة هي ملح الجسد .
هذه عينة من الأساليب المنسوبة إلى يسوع في الكتاب الذي يدعى إنجيل برنابا،
وكل من يتأملها يرى أنها أقرب إلى الأساليب الإنشائية التي يتعلّمها طلبة المدارس
منها إلى أقوال الوحي الإلهي. لأن الله تعالى عن أن يسعى لتنسيق أو تحسين العبارات،
بل يرسل الحقائق والوصايا كما هي، حتى تجد طريقها إلى قلوب الناس، وليس إلى الذوق
الأدبي لدى بعضهم. لأن التعليم هو الذي يفيدهم جميعاً ويحفزهم للسلوك في سبيله،
أما تحسين العبارات فلا يؤثر على أحد من هذه الناحية.
عاشراً – ادعاؤه بتحريف التوراة والإنجيل وإبطالهما:
كان من البديهي، وقد سلك كاتب إنجيل برنابا مسلكه الشائن من التزوير
والتزييف، أن يلجأ إلى الدعوى بحدوث تحريف في التوراة والإنجيل وإبطالهما، ليؤيد
آراءه الخاصة. ولذلك نراه في صفاقة يسجل في فصل 159: 12 أن المسيح قال: وكم قد
أفسدوا بتقليدهم كتاب موسى وكتاب داود نبي الله وخليله . وفي 72: 11 أنه قال
لتلاميذه: احذروا أن تُغَشوا، لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون، يأخذون كلامي
وينجسون إنجيلي . وفي 124: 5-10 أنه قال أن إنجيله سيبطل (عمله) عندما يأتي المسيح
(قاصداً به نبي الإسلام) إلى العالم، ويقول في العدد العاشر: متى جاء رسول الله
يجيء ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابي .
حادي عشر – خلطه بين موضوعات الإنجيل:
يخلط كتاب برنابا بين الموضوعات الواردة في الإنجيل، ويضيف ما ارتآه من
أمور إليها، ليثبت دعواه، فقال في فصل 72: 10 إن يسوع قال: أما من خصوصي، فإني قد
أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله (أي لمحمد)، الذي سيأتي بخلاصٍ للعالم . وأنه قال
أيضاً إنه ليس أهلاً أن يحل سيور حذاء محمد (فصل 97: 1). وقال في 42: 15 و72: 13
و198: 15 و206: 2 إن المسيا (أو المسيح) هو محمد. وقال في 43: 31 و191: 5 إن عهد
الله مع إبراهيم (من جهة النبوة والكتاب) محصور في إسماعيل وذريته. وقال إن الله
خلق العالم لأجل محمد في 43: 9 و82: 17 و97: 15 و122: 26.
ومن هذه الأقوال يتضح لنا ما يأتي:
أ – نفي مؤلف كتاب برنابا وجود يوحنا المعمدان (المعروف في الإسلام باسم
يحيى) لأن يوحنا هو قائل العبارتين الأولى والثانية عن المسيح (ملاخي 3: 1 ومتى 3:
1-12 ولوقا 3: 2-6).
ب – وأنه جعل نبي الإسلام هو المسيا (أو بالحري المسيح) مع أن القرآن يشهد
في آيات كثيرة أن المسيح هو عيسى ابن مريم (النساء 4: 171).
ج – وأنه نفى النبوة إطلاقاً عن إسحق وذريته، وبذلك ينقض ما جاء في القرآن
عن إسحق ويحيى والمسيح ومحمد جميعاً. فضلاً عن ذلك، فقد نقض الحقيقة اللغوية
الثابتة الخاصة بمدلول اسم (يسوع) والتي يقرّها علماء المسلمين والمسيحيين. فقد
جاء في الجزء الملحق بكتاب (الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية ص281): عيسى
بالعبرية: يسوع أي المخلص، إشارة إلى أنه سبب لتخليص كثير من آثامهم وضلالهم .
والغرض الوحيد من الخلط الذي قام به كاتب إنجيل برنابا هو طبعاً، رغبته في تجريد
المسيح من مقامه الفريد وفدائه المجيد. لكن الحق يبقى حقاً إلى الأبد مهما اعتدى
عليه الناس أو قاوموه.
د – وأنه قال أن يسوع أعلن عن مجيء نبي الإسلام بعده. مع أن المسيح أعلن
في الكتاب المقدس أن الذي يأتي بعده هو الروح القدس. فقد قال: وأنا أطلب من الآب
فيعطيكم معزّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن
يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم ويكون فيكم
(يوحنا 14: 16 و17).
والكلمة المترجمة المعزّي ترد في الأصل اليوناني باراكليتوس ومعناها
المعزي أو المرشد أو المؤيِّد . كما أن أوصاف هذا المعزي لا تنطبق على إنسان ما،
للأسباب الآتية: (1) أنه روح لا جسم له، ولذلك لا يمكن للعالم أن يراه. (2) أنه
كان ماكثاً مع تلاميذ المسيح في أثناء وجود المسيح معهم، وأنه سيكون فيهم (أو
بالحري في نفوسهم) بعد ذلك. (3) أنه سيمكث معهم إلى الأبد، أو بالحري لن يموت على
الإطلاق. (4) أن المسيح طلب من تلاميذه أن ينتظروا مجيء هذا المعزي إليهم، وفعلاً
انتظروه بالصلاة، فحلّ عليهم بعد صعود المسيح عنهم بعشرة أيام (أعمال 1: 4و5 و2: 1-5).
فهذا الروح هو الروح القدس أو روح الله، الذي يحل في المؤمنين الحقيقيين
ليعلمهم ويرشدهم ويمدّهم بالقوى الروحية التي يحتاجون إليها، حتى يستطيعوا التوافق
مع الله في صفاته السامية، والقيام بكل ما يأمرهم به في العالم الحاضر (يوحنا 15: 26
و16: 7). وقد أشار دجلان في كتاب (إنسان العيون 3: 339) إلى هذه الحقيقة، بعد أن
استعمل كلمة ربي بدلاً من كلمة الآب، وأضاف إلى أقوال المسيح كلمة النبوة . فقال: وفي
الإنجيل عن عيسى عليه السلام أنه قال، إني أطلب من ربي فارقليط يكون معكم إلى
الأبد. فارقليط روح القدس الذي يرسله ربي باسمي، أي بالنبوة يعلمكم جميع الأشياء
ويذكركم ما قلته (عن كتاب: المسيح في الكتب الإسلامية للدكتور ميشال حايك ص 459)
ثاني عشر – تمويهه على القراء:
جاء في صدر إنجيل برنابا أنه الإنجيل الصحيح ليسوع المسمى المسيح – وهذه
العبارة لم تكن طبعاً لتخطر ببال كاتبها، لولا ْأنه كانت في أيامه إشاعة بأن
الإنجيل (المكتوب بواسطة متى ومرقس ولوقا ويوحنا) قد أصابه التحريف. وهذه الإشاعة
(كما نعلم) لم تظهر في الوجود إلا بعد ظهور الإسلام بسنوات كثيرة. وبذلك أعلن كاتب
هذا الإنجيل، دون أن يدري، أنه عاش بعد ظهور الإسلام، وليس قبل ظهوره.
كما أن قوله يسوع المسمى المسيح، وليس يسوع المسيح كما يتضح من الكتاب
المقدس، دليل على تنكره لهذه الحقيقة، ليضع محلها أن محمداً هو المسيح، مخالفاً
بذلك المسلمين أنفسهم.
ثالث عشر – عقدة الذنب عند برنابا:
إن المذنب، مهما حاول إخفاء جريمته، يؤنّبه ضميره، فيحاول إسكاته بعبارات
يلتمس فيها تبرئة نفسه أو إدانة غيره، فيثبت دون أن يدري أنه هو المذنب. وهذا ما
حدث مع كاتب الإنجيل الذي نحن بصدده. فاسمعه يقول في فصل 19: 5 و6 لمن دعاه يسوع: يا
سيد! أيخدعني الشيطان؟ وهل أكون منبوذاً؟ فيجيبه بالقول: لا تأسف يا برنابا، لأن
الذين اختارهم الله قبل خلق العالم لا يهلكون . وعلى الرغم من ذلك فإن المدعو
برنابا يشعر بذنبه، ويحاول تبرئة نفسه، فقد قال في 50: 27 و28 ما أرهب قضاء الله!
يهلك القاضي، وينجو المقضي عليه مشيراً بالقاضي إلى الشعب المسيحي لأن هذا الشعب
هو الذي كان يضطهد اليهود قبل فتح العرب للأندلس كما يتضح من الفصل التالي.
ومشيراً بالمقضي عليه إلى نفسه، لأنه كان يعلم أن المسيحيين سوف يقضون عليه
بالتزوير والتزييف