علم

ثالثا – اثيناجوراس المدافع عميد مدرسة الاسكندرية



ثالثا – اثيناجوراس المدافع عميد مدرسة الاسكندرية

ثالثا
– اثيناجوراس المدافع عميد مدرسة الاسكندرية

1.تجاهل
المؤرخين له:

كان
أثيناغوراس
Athenagoras شخصية فلسفية كبيرة , ومع ذلك أغفله المؤرخون الأول أمثال
يوسابيوس
Eusebe وجيرون Jerone. وحتى كتاب ” الدفاع ” الذى وضعه كإلتماس للامبراطورين
مركوس أوريليوس أنطونيوس
Marcus
Aurelius Antonius
وابنه شريكه فى
الحكم كومودوس
Commodus انتشر خلوا من اسمه , ونسب خطأ للقديس يوستينJustin قبل القرن الرابع 16. لكن الشهيد ميثوديوس Methodius
أسقف أولمبياس
Olympias 17 إذ اقتطف فقرات منه فى كتابه: ” عن القيامة ” نسب
الكتاب إلى العلامة أثيناغوراس
Athenagoras
18
. عاد القديس أبيثانيوس Epithanius 19 وثوتيوس Thotius
20
فاقتبس النص ذاته. وقدم
فيلبس الصيدوى
Philip of Side 21 معلومات هامة عن أثيناغوراس Athenagoras , ولو أن معلوماته بصفة عامة لا يمكن الاعتماد عليها 22. استقى
معلوماته عن أثيناغوراس
Athenagoras بلا شك عن أستاذه العلامة رودن Rhodon
, آخر مدير لمدرسة الإسكندرية فى حكم الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير
Theodosius the great.

 

2.حياته:

لا
نعرف الكثير عن حياته , لكنه كان فيلسوفاً يرأس إحد كراسى الأكاديمية ”
الموزيم
Museum ” بالأسكندرية , ويعتبر من أساطين الديانة الوثنية. كان مولعاً
بالبحث فى أمور المسيحية كغيره من الفلاسفة الأفلاطونيين طمعاً فى كشف أخطائها ,
وإظهار فسادها 23. وإذا أراد أن يضرب بسهام نقده بكل قوة عكف على دراسة الكتاب
المقدس , لكن الروح القدس أمسك به بقوة وعوض أن يخرج بجلداته ضد الإيمان المسيحى
إذا به ينجذب للإيمان حوالى عام 176 م. وإذ قبل المعمودية والتصق بالمسيحيين أدرك
سمو الحياة الإنجيلية فكتب دفاعه عن المسيحية والمسيحيين.

 

لشخصية
أثيناغوراس
Athenagoras أهمية خاصة , فهو أول فيلسوف الهمته غيرته الشديدة واجتهاده فى
الدراسة أن يصير عميداً لمدرسة اُسكندرية اللاهوتية دون أن يخلع عنه زى الفلاسفة
24
the philosopher pallium. ويعتبر أول مسيحى معروف حمل مع إيمانه حنواً نحو الفلسفة.

 

3.كتاباته:

وضع
العلامة أثيناغوراس
Athenagoras عملين هامين هما: إلتماسه أو شفاعته (إبريسفيا) عن المسيحيين ,
ومقالة عن قيامة الموتى.

 

تلمس
فى كتاباته العقل الفلسفى الذى هذبته الثقافة اليونانية مع ملكة رائعة فى الكتابة
25. قال عنه دونالدسون
Donaldson ” أنه اقتبس شعراً (يونانياً) لكن الهدف كان واضحاً نصب
عينيه , لم يستعرض قط إمكانياته ولا يشتت ذهن قارئه 26 “.

 

4.أفكاره
ولاهوتياته:

 

أ
– الله:

يعتبر
أول مفكر مسيحى حاول أن يبرهن على وحدانية الله بطريقة فلسفية علمية 27 , مستشهداً
بأدلة من الفلاسفة عن وحدانية الله التى شهد عنها الأنبياء (دفاع 5 – 9).

 

تحدث
عن الله كخالق العالم (دفاع 19) , يديره فى إبداع (دفاع 16 , 25). هو روح بسيط غير
مركب , سرمدى , كامل فى كل شىء , قادر على كل شىء (دفاع 27)

 

فى
حديثه عن الله الواحد تحدث عن الثالوث القدوس كجوهر واحد , الآب هو العقل والإبن
هو اللوغوس
Logos الكلمة غير المخلوق , واحد مع الآب منذ الأزل , والروح القدس. تحدث
بإدراك كامل ودقيق لوحدانية الله , وحدة الثالوث وتمايزه 28. وقد حذر أثيناغوراس
Athenagoras من فهم ” الآب والابن ” بطريقة فلسفية. كما أكد أن
” الإبن ” لا يعنى خروجه عن الآب فى وقت ما , وإنما هو كائن معه أزلياً
(دفاع 10: 2).

 

يقول
أيضاً أن عمل المسيحيين الأساسى هو: ” أن يروا ما هى وحدة الإبن فى علاقته
بالآب , وما هى شركة الآب مع الإبن , وما هو الروح , وما هى وحدانية هؤلاء
والتمايز بين المتحدين: الروح والإبن والآب ” (دفاع 12 و10).

 

أما
عن الروح القدس فيقول: ” نحن نؤكد أن الروح القدس نفسه الفاعل فى الأنبياء ,
إنما هو فيض من الله , يصدر عنه , ويرتد إليه كشعاع من الشمس ” (دفاع 1).

 

ب
– الملائكة:

إيماننا
بالملائكة كخلائق سماوية خادمة لله وتهتم بالخليقة – فى نظر أثيناغوراس
Athenagoras – جزء لا يتجزأ من الإيمان العام , فبعد دفاعه عن الإتهام
بالإلحاد أضاف: ” على أن تعليمنا فيما يختص بالطبيعة الإلهية لا يقف عند هذا
الحد فنحن نسلم أيضاً بجمهور من الملائكة والخدام ” (دفاع 10: 2).

 

و
كأن إيماننا بالله ليس كأئناً منعزلاً عن الخليقة السماوية والأرضية! السمائيون –
عند أكليمنضس
Clement – هم كائنات سامية أقامها الله لحفظ الكون , تعن عن تدبير الله
ورعايته , وأعطاها الله – خلال كلمته – أن تعتنى بالعناصر والسماوات والأرض وما
عليها وتحسن تدبيرها جميعاً (دفاع 10).

 

جاء
هذا التعليم عن التقليد اليهودى , وقد أخذ به القديسان ايريناؤس
Irenaus وغريغوريوس Gregorius أسقف نيصص , ودعاه ” تقليداً 29 “.

 

ج
– الإنسان:

اختلف
أثيناغوراس
Athenagoras عن أفلاطون Plato , فالأول يرى الأنسان نفساً وجسداً وحدة واحدة , ما يصدر عنه
يشترك فيه النفس والجسد معاً , أما الثانى فيرى الإنسان مجرد نفس تستخدم الجسد
30…

 

يرى
أثيناغوراس
Athenagoras فى أعضاء الجسد آلات خلالها تتم الأفعال , وبها
تظهر الأفكار والأقوال , لكنها تشترك مع النفس فى المسئولية. لهذا لا تقوم العبادة
الكلماة بغير شركة الجسد مع النفس , ولا تكون الدينونة عادلة إن لم تقع على
الإثنين (دفاع 27 , قيامة الموتى).

 

د
– حقوق الجنين:

فى
الوقت الذى كان فيه القانون لا يعامل النين ككائن له حقوقه , إذا بأثيناغوراس
Athenagoras يكشف عن تعاليم الكنيسة فى ذلك الحين , أن الجنين كائن له حق
الحياة , فإذا استخدمت عقاقير لإجهاضه يكون ذلك جريمة قتل.

 

ه
– الشر:

يرى
أثيناغوراس
Athenagoras أن بعض الملائكة سقطوا فى الشر بمحض اختيارهم وذلك بتعديهم
السلطان المعطى لهم , وذلك بسقوطهم فى الشهوات مع بنات الناس واستعبادهم للذة
البهيمية.

 

إن
تأملت نفس الإنسان الحق , وتطلعت نحو الآب صار الإنسان روحانياً. أما علة شره فهو
انصرافه عن هدفه الأصلى من وجوده (قيامة 24) , وارتباكه فى الماديات (دفاع 27).
بهذا تفقد النفس سموها وتمتلكها الشياطين فتلقى فيها أفكار مضللة.

 

و
– الحرية الإنسانية:

إذ
يضع المسيحيون – مثل أثيناغوراس
Athenagoras – الخالق كمركز لفلسفتهم يلزمهم تأكيد أهمية الإنسان وحرية إرادته
31 (دفاع 24 , 25).

 

هذه
الحرية تجعلنا أمام مسئولية , فندان عن كل تصرف يصدر عنا. فإن سقط الإنسان فى الشر
يدان , فيلقى فى نار أبدية لأن نفسه لا تفنى , وإن أرضى الله يعيش الانسان فى حياة
أبدية سماوية

 

ز
– الوحى الإلهي:

يعتبر
أثيناغوراس
Athenagoras شاهد ممتاز للتعليم بالوحى 32: ” سلك الشعراء فى هذا الموضوع
كما فى غيره سبيل الحدث والتخمين , وقد اندفع كل منهم بنفسه , محاولين أن يجدوا
الحق وأن يدركوه , مدعين أنهم على إتصال بإلهام من قبل الله , لكنهم لم يكونوا أهلاً
بالتمام لإدراك الحق , إذ حسبوه من اللائق أن يتعلموا عن الله لا من الله نفسه بل
كل يتعلم من ذاته , لهذا انتهى كل منهم إلى رأى خاص فيما يختص بالله والمادة
وشكلها والعالم.

 

أما
من جهتنا نحن فلنا الأنبياء شهوداً على صحة ما نرتئيه وما نعتقد به. الأنبياء هم
أناس تكلموا عن الله وما يتعلق به مسوقين بروح الله. وأنتم أنفسكم… تسلمون معنا
بأنه من المحال بالنسبة لنا أن نكف عن أن نؤمن بالروح الذى من الله , وهو الذى
يحرك أفواه الأنبياء كما لو أنها آلات موسيقية , وأن نحذر الآراء البشرية البحتة
33 ” (دفاع 7).

 


أصوات الأنبياء كتبت ما نحن بصدده , ويخيل إلى أنكم أنتم أيضاً بما لكم من حماس
عظيم للمعرفة… لا يمكن أن تجهلوا ما كتبه موسى
Moses
أو أشعياء
Isaiah وأرميا Jeremy وسائر الأنبياء… هؤلاء الذين نطقوا بما أوحى إليهم , فى غيبة عن
الحس سمت بهم فوق عمليات العقل الطبيعية , وذلك بفعل قوة الروح القدس الذى استخدم
ونفث فيهم كأنه لاعب ناى ينفخ فى نايه ” (دفاع 9).

 

أقتبس
أثيناغوراس
Athenagoras هذه النظرية إلى حد ما عن فيلون الذى شبه النفس بقيثارة يضرب الرب
على أوتارها حتى يقدر صاحبها أن يمارس الحياة الفاضلة 34. وإنتقلت الفكرة من
أثيناغوراس
Athenagoras إلى ثاوفيلوس Theophilus أسقف أنطاكية 35 , والقديس اكليمنضس السكندرى Clement of Alexandria 36.

 

و
يلاحظ فى النصف الأول (دفاع 7) يتحدث عن الأنبياء قائلاً: ” لنا أنبياء
” , وهو بهذا يعكس مشاعر الكنيسة فى القرن الثانى نحو الأنبياء أنهم ليسوا
كيهود غرباء عنها , بل أنبياؤها الذين تنبأوا وشهدوا عن السيد المسيح وكنيسته
بكونها إسرائيل الجديد.

 

و
لا ينسى الفيلسوف المسيحى أن يدعو الإمبراطورين الإثنين للاهتمام بقراءة الكتاب
المقدس , الموحى به من الروح القدس ” الذى يعلن الحق فى كماله “.

 

ح
– البتولية:

مدح
أثيناغوراس
Athenagoras البتولية كإحدى ثمار الحياة المسيحية العظمى , موضحاً الهدف
الإيجابى لها: ” تجدون بيننا كثيرين من رجال ونساء كبروا ولم يتزوجوا ,
متزوجين الحياة بشركة أعمق مع الله ” (دفاع 22).

 

ط
– الفلسفة:

كان
أثيناغوراس
Athenagoras فيلسوفاً ينتسب إلى الأفلاطونية الحجيثة , لكنه لم يخضع لها تماماً.
خاصة بعد تحوله للإيمان المسيحى , إنما كان يتخير أفضل ما فى المذاهب الفلسفية
جميعها , حتى قيل عنه أنه أول القائلين بمذهب التخير وتأليف المذاهب
Electism. هذا المذهب – فى جوهره – ينادى بأن كل مذهب يحمل نصيباً من
الحقيقة هو خير ما فى المذهب , لهذا يليق بالإنسان أن يطلب الخقيقة كاملة بإختياره
هذه الأجزاء وتوحيدها معاً. غير أن أثيناغوراس
Athenagoras – كما رأينا – نادى بعجز الفلاسفة عن الوصول إلى الحق كاملاً ,
لذا وجدت ضرورة ملحة لهبوط الوحى على الأنبياء. (دفاع 7).

 

ي
– هل كان أثيناغوراس مانوياً؟

يرى
تيلمونت
Tillemont أن أثيناغوراس كان مانوياً… وقد اعتمد فى ذلك على أمرين:

 

1.لأنه
شبه النبى بالناى الذى يلعب الروح القدس عليه (دفاع 9) , كما فعل مانى. لكن هذا
التشبيه كان شائعاً بين اليونانيين 37 , إستخدمه أيضاً العلامة ترتيليان
Tertullian فى رده على مرقيون , وكذلك القديس يوستين Justin.

 

2.تحريمه
الزواج الثانى وهو الأمر الذي ترفضه الكنيسة بتاتا لأن الزواج مقدس وهو سر إلهي
فيه يجمع الله الطرفان، ونظرة الكنيسة للزواج الثاني بعد وفاة أحد الشريكين هي
نظرة عدم ضبط نفس ولكنها ليست نجاسة بل زواج طاهر مقدس (دفاع 33) , وهو فى هذا وإن
إلتقى مع اتباع مانى لكنه اختلف معهم فى نواحى مثيرة من جهة نظرهم للزواج:

 

أ
– أثيناغوراس
Athenagoras يتطلع إلى الزواج فى قدسية , غايته إنجاب البنين (دفاع 33) به تتم
مقاصد الله السامية , أما مانى فيرى فى الزواج رجساً يمتنع عنه المختارون. فيه
اشباع لشهوات بهيمية , ولا يبيح لمن يتزوج أن ينجب.

ب
– يعتبر أثيناغوراس البتولية حالة أكثر إتحاداً مع الله وكمالاً لكنها اختيارية لا
تفرض على أبناء النور كما قال مانى.

 

أما
سر رفضه الزواج الثانى بعد موت الطرف الثانى فمن أجل نظرته لأبدية الزواج… إنه
سر لا يقدر الموت أن يحله!

 

ك
– أهم المآخذه عليه:

تلقب
الكنيسة أثيناغوراس
Athenagoras فيلسوفاً وليس قديساً لسقوطه فى بعض المآخذ والتطرفات التي ترفضها
الكنيسة المقدسة متمسكة بالحق الإلهي والإيمان المسلم مرة للقديسين كوديعة أمينة
وهذه المآخذ هي:

 

1.حسب
النفس ناقصة وغير كاملة ما لم تتحد بالجسد.

2.نادى
بعدم معاقبة الأطفال على ما يفعلوه.

3.اعتنق
التفسير اليهودي الشائع أيامه أن سقوط الشياطين كاتن بسبب علاقات شهوانية مع بنات
الناس , وأنهم أنسلوا منهن جبابرة. وهو الأمر الذي يضاد الكتاب المقدس نفسه وهو الأمر
الذي حدا بالكنيسة أن تآخذه عليه مقاومة هذا التعليم الغريب الذي نادى به ومتمسكة
بالحق الإلهي السامي.

4.ايمانه
أن الزواج حتى بعد الموت لا ينحل لذا نظر نظرة تحريم للزواج الثاني وهو الأمر الذي
قاومته الكنيسة معلنة أنه بموت احد الطرفان ينحل الزواج ويصبح الشخص حرا في أن
يتزوج أم لا مرة أخرى وإن كانت تنصح بعدم الزواج ليس عن تدنيس بل عن تقديس وتخصيص
الحياة بالكامل لله لمن يقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار