سلسلة كيف أتوب
تابع سلسلة كيف أتوب – معنى التوبة في الكتاب المقدس
تابــــــع سلسلة كيف أتـــــوب
التوبة ربيع الإنسان وتجديده المستمر
ثانياً: معنى التوبــــــــــــة في العهدين
[2] معنى التوبة في الكتاب المقدس
التوبة لها عدة معاني من أهمها:
(1) تغيير العقل والفكر
(2) الشعور بالندم والتأسف على الزمن الضائع في حياة الفساد، لأن هنا أدرك الإنسان ضياع حياته
(3) التحول في الاتجاه والطريق، التحول عن الخطية بعيداً والعودة إلى الله ومن ثمَّ بداية التغيير الأخلاقي حسب وصية الله
والمعنى الأخير هو المشهور والهام في الكتاب المقدس، وهذا المعنى له شقين، سلبي وإيجابي:
الجانب السلبي = البُعد عن الخطية وعناد القلب ضد التوبة، وعدم الاستمرار في الخطية
الجانب الإيجابي = العودة والرجوع لله الحي، والبدء في حياة جديدة بنعمة الله تظهر ثمارها في التغيير الملحوظ في الأخلاق والتعلق بالله والحياة بالوصية، وهذا الجانب يظهر في حياة الابن الضال
أولاً – التوبة في العهد القديم:
نلاحظ أن التعبير الشائع في العهد القديم عن التوبة هو:
1 – [ العودة أو الرجوع ]، ففي توبيخ إرميا النبي لحماقة شعب الله يقول: [ هل يسقطون ولا يقومون أو يرتد احد ولا يرجع ] (إرميا 8: 4)
2 – يوجد تعبير آخر أقل شيوعاً وهو: [ يندم ويتوب ]
واستقر الفهم في المعنيان في (1، 2) على العودة إلى الله والتحوِّل إليه، بعد تغيير في الفكر الذي ترسخ فيه ضرورة العودة لله لأجل الخلاص والحياة وأن الشرّ لا ينفع لأنه يدمر النفس، وهذا يأتي عادة بعد خبرة حياة الشرّ والشعور بعدم منفعته لأنه الشر بطبيعته مُدمر لملكات النفس على كل وجه…
فإسرائيل مدين بطاعة الله لأنه هو حياته، لأنه شعبه الخاص الذي أحبهم ويحملهم ويقودهم حسب قصده كأحباء أخصاء له، لذلك يقع في الدينونة في حالة العصيان وتنكيث العهد، ويُمكنهم إرضاء الله بالندم والتأسف على ما فعلوا ومن ثمَّ الرجوع إليه بالتوبة والاعتراف بخطاياهم وذنوب آبائهم، وتوجد أيام للتوبة في إسرائيل لكافة جموع الشعب نجد ملامحها في نحميا 9: [ وفي اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر اجتمع بنو إسرائيل بالصوم وعليهم مسوح وتراب، وانفصل نسل إسرائيل من جميع بني الغرباء، ووقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم، وأقاموا في مكانهم وقرأوا في سفر شريعة الرب إلههم رُبع النهار وفي الرُبع الآخر كانوا يحمدون ويسجدون للرب الههم… وصرخوا بصوت عظيم إلى الرب إلههم ] (نحميا 9: 1 – 3)
ونجد هنا علامات التوبة واضحة من الناحية العملية على المستوى الواقع العملي المُعاش:
(1) الصوم
(2) لبس المسوح ووضع التراب على الرأس كعلامة الندم الشديد لحد النواح مثل النواح الشديد على الميت
(3) الانفصال – الانعزال – عن الغرباء وكل من هو غريب عن الله
(4) الوقوف أمام الله بكل تقوى وخشوع
(5) الاعتراف بالخطية
(6) قراءة شريعة الرب
(7) الصلاة والحمد والسجود للرب
وهذه كلها لا يخرج عنها العهد القديم في كل حركات التوبة الحقيقية لشعب إسرائيل..
ولو كملنا في هذا السفر ورأينا الصلاة بعد ذلك، فسنجد أن هذه الصلاة مثال الصلوات التي تخص التوبة وفيها تذكُّر مراحم الرب لإسرائيل وعمله معهم، ثم التضرع للرب لأجل الرحمة والنجاة، ثم الميثاق وقطع العهد مع الله بتقديم توبة صادقة مع التعهد بالتزام بنودها وصدق الأمانة لله…
ونجد أيضاً هذا ظاهر في باقي الأسفار فيقول إشعياء النبي عن مراحم الله:
[ وقد قال حقاً أنهم شعبي بنون لا يخونون فصار لهم مُخلصاً، في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة ] (إشعياء 63: 8و 9)
ثم طلب الرحمة والنجاة: [ ألأجل هذه تتجلد يا رب أتسكت وتذلنا كل الذل ] (إشعياء 64: 12)
ثم نجد عاموس يُعبِّر عن رفض الرب للعبادة الشكلية الكاذبة ليُطالب بالتوبة الصادقة، لأن التوبة الحقيقية تخرج الإنسان من شكل العبادة إلى جوهرها كروح وحياة لتدخل في حيز التطبيق العملي على مستوى الخبرة والشركة مع الله الحي والقديسين، فيقول:
[ بغضت، كرهت أعيادكم، ولست ألتذ باعتكافاتكم، إذا قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضي، وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها، أبعد عني ضجة أغانيك (الروحية)، ونغمة ربابك لا أسمع، وليُجر الحق كالمياه والبرّ كنهرٍ دائم ] (عاموس 5: 21 – 24)
ونجد في العهد القديم أنه يركز على وعد التوبة من نوع جديد ثابت، لأن كل ما حدث لشعب إسرائيل قديماً انهم لم يثبتوا في عهد التوبة مهما كان صدقهم، وذلك لأنهم لم يتغيروا ويدخلوا في سرّ الحياة الجديدة، لذلك العهد القديم ركز على وعد التجديد، تجديد الحياة.
+ فالتوبة هي تجديد الحياة التي تتطلب قلباً جديداً وروحاً جديدة، فنرى حزقيال يحث الشعب على التوبة فيقول لهم بلسان الله على فمه: [ اطرحوا عنكم كل معاصيكم التي عصيتم بها واعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة، فلماذا تموتون يا بيت اسرائيل. لأني لا أُسرّ بموت من يموت يقول السيد الرب فارجعوا واحيوا ] (حزقيال 18: 31)
ولنلاحظ هنا عجز الشعب في تتميم هذا، لأن حزقيال يتكلم بروح النبوة، والله بهذا يكشف للشعب أنه لن يستطيع أن يعمل لنفسه قلب جديد ولا روح جديدة، وحدث فعلاً أن الشعب عاد لله كثيراً ولكنه سرعان ما يرتد مرة أخرى ويتعوج طريقة، وعادة نجد الرجوع لفترات قصيرة جداً ومحدودة، والبعد طويل للغاية لفترات قد تجتاز السنوات الطويلة والتي قد تعبر على أجيال، وهذا يوضح عجز الإنسانية الواقعة تحت سلطان الموت، لذلك نجد أن حتى داود النبي والملك الذي وجد الله قلبه صالح، يصرخ قائلاً: [ قلباً نقياً أخلق في يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي ] (مزمور 51: 10)
+ ونجد أن الأسفار تُعلن أن التوبة الحقيقية الفاعلة في قلب الإنسان لن تأتي إلا نتيجة الفداء الإلهي حسب الوعد الأول الذي ظهر فور سقوط آدم (نسل المرأة يسحق راس الحية)، لذلك يقول إشعياء النبي بروح النبوة عن المواعيد لإسرائيل: [ قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك. أرجع إليَّ لأني فديتك ] (إشعياء 44: 22)
ويقول إرميا النبي: [ بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً ] (إرميا 31: 33)
ويقول حزقيال: [ وأعطيهم قلباً جديداً وأجعل في داخلهم روحاً جديداً، وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم ] (حزقيال 21: 19)
ثانياً – التوبة في العهد الجديد: