سلسلة كيف أتوب
تابع سلسلة كيف أتوب – تابع أولاً: الدعوة الإلهية ودعوة التوبة – خداع الخطية؛ الخطية وإرادة الإنسان
تابــــــع سلسلة كيف أتـــــوب – الجزء الرابع
التوبة ربيع الإنسان وتجديده المستمر
تابع أولاً: الدعوة الإلهية ودعوة التوبة
خداع الخطية – الخطية تنبع من إرادة الإنسان
[2] خداع الخطية
الخطية خدَّاعة ببريقها الأخاذ فأنها تجذب الإنسان من شهوته لتوقعه في حبائلها، وعادتها أن تعزف على رغبات قلبه الدنسة الخفية لتوهمه بالإشباع النفسي حتى يسقط في حبائلها، فالعدو خبيث كالحية يتحايل على النفس ويلتف حولها إلى أن ينجح في إسقاطها، مثل العدو في الحرب، فأنه بكل حيلة ومكر يحاول أن ينصب فخاً مموهاً لكي يُسقط فيه من يُحاربه فيوقعه بين يديه ليأسره ويكسر قوته بالتمام فلا يقوى على أن يحاربه مرة أخرى بل يصير له خادماً، أسيره الخاص، متمماً ما يطلبه منه بسهولة ويُسر تام بدون أدنى مقاومة تُذكر، لأنه أنفصل عن الجيش وخسر سلاحه ولم يعد يملكه، وضغط عليه العدو إلى أن تسرب اليأس إلى نفسه وافقده كل أمل في النجاة …
لذلك علينا أن نحذر يا إخوتي من حيل المضاد لأن الرسول يقول [ لا نجهل أفكاره ] (2 كورنثوس 2: 11)، لأنه يوهمنا كثيراً ويتخذ الوصية نفسها فرصة ليجعلنا نقاوم الله ونسقط في الخطية [ لأن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني ] (رومية 7: 11)
وعادة يدخلنا في حيلة ماكرة شريرة يقنع بها عقلنا إذ يوهمنا أن الله هو من تسبب في سقوط الإنسان، لأنه أعطاه الحُرية وهو يعلم بعلمه الفائق والسابق كل ما سيحدث ويأتي عليه من جراء خطاياه، ومن ثمَّ نبدأ نجدف على الله ونكره خلقتنا، ونلقي عليه تهمة أنه يجربنا بالشرور وهو من سمح بالسقوط للإنسان عموماً بسبب الحرية التي أعطاه إياها، وهذه من أكبر ضربات عدو الخير ليُسقطنا في حبائله ولا يجعلنا نستفيق لنعود لله الحي ونلبي دعوة التوبة المقدمة لنا ممسكين فيها لكي نخلص ونشفى بالتمام لنتقدم ونجلس على المائدة الملوكية ونتمتع بالشركة معه كأب لنا، لذلك مكتوب:
[ لا يقل أحدٌ إذا جُرب إني أُجرب من قِبل الله. لأن الله غير مُجرب بالشرور، وهو لا يُجرب أحداً. ولكن كل واحد يُجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كمُلت تنتج موتاً ] (يعقوب 1: 13 – 14)
فالشر غريب يا إخوتي بالتمام عن طبع الله، لذلك من المستحيل على وجه الإطلاق أن يتسبب في دفع أحداً لارتكاب الشرّ قط ولا حتى يسمح له أو يأذن:
[ لا تقل من الرب خطيئتي، فالرب لا يعمل ما يُبغضه.
ولا تقل هو الذي أضلني، لأن الرب لا يعوزه الخاطئ.
الرب يبغض كل رذيلة، والذين يخافونه (يتقونه) لا يحبونها.
الرب خلق الإنسان في البدء وتركه حراً في اختياره.
إن شئت حفظت وصاياه، واخترت العمل بها في أمانة.
وضع الماء والنار أمامك، فإلى ما تختار تمد يدك.
أمام الإنسان الحياة والموت، وأيهما يختار يُعطى لهُ.
فحكمة الرب عظيمة، وهو قدير ويرى كل شيء.
عيناه تراقبان الذين يخافونه، ويعلم كل أعمال الإنسان.
لم يأمر أحداً بفعل الشرّ، ولا أذن لأحد أن يُخطأ. ]
(سيراخ 15: 11 – 20 الترجمة السبعينية)
فالله يا إخوتي لم يسمح ولم يأذن لأحد أن يُخطئ، كما يُقال عند العامة وغير الواعين والمدركين لعمل الله، وغير دارسين كلمة الله بتدقيق حسب إعلان الله عن طبيعة ذاته، لأننا كثيراً ما نستخدم كلمة [ بسماح من الله ] استخدام سيء للغاية، غير مُدركين أن الله لم يسمح لأحد أن يفعل الشر ولا أذن له، لذلك لا يصح أن نقول أن الإنسان ارتكب وفعل الشر بسماح من الله !!! هذا خطأ لاهوتي كتابي رهيب يُسقط مشكلتنا الداخلية على الله الكُلي الصلاح المُطلق [ الحي الدائم خلق الكون، وهو الرب الصالح وحده ] (سيراخ 18: 1)…
[ أحبوا التقوى يا حُكام الأرض، تأملوا في الرب واطلبوه بطيب قلب. فالذين يسعون إليه يجدونه، والذين لا يشكون فيه يرونه.
سوء الظن يبعد الإنسان عن الله، والشك في قدرته يفضح الجهل. فالحكمة لا تدخل نفساً ماكرة ولا تحل في جسد تستعبده الخطية. هي (الحكمة) روح طهرها التأديب، تهرب من الخداع، وتبتعد عن الظنون الباطلة، وتخجل من الظُلم. وهي روح محبة لكنها لا تغفر لمن يكفر بكلام الله. فالله يُدرك مشاعر الإنسان ويرى ما في قلبه ويسمع ما ينطق به لسانه.
روح الرب يملأ الكون وبالأشياء كلها يُحيط. لهذا هو عليم بكل ما يقوله الإنسان، لا يُخفى عليه ناطق بسوء وبإنسان كهذا يُنزل العقاب العادل.
أمام الله تنكشف أخفى نياته، وأقواله تصل عرش الرب وتحكم على شرّ أفعاله. فآذان الرب تسمع حتى الهمس، فتجنبوا الهمس الذي لا خير فيه، وصونوا ألسنتكم من النميمة، فما يُقال في الخفية لا يمُرُّ دون عِقاب، واللسان يودي بصاحبه إلى الهلاك ] (الحكمة 1: 1 – 11 الترجمة السبعينية)
فالإنسان تستهويه الشهوة وتُغريه، وهو وحده من يتوافق معها بانفلاته من مشيئة الله برغبة نفسه، مُدَّعياً الجهل بها بالرغم من أنها واضحة كشمس النهار في الوصية المقدسة وأيضاً في أعماق ضميره مزروعة تلقائياً، يعني الإنسان هو بنفسه من يُخرج نفسه من تحت إرادة الله ليتمم إرادة ذاته الحُرة مُدعياً أن كل ما حدث بسماح من الله بكونه عارفاً أنه سيُخطئ، وهذه هي حجة النفس التي لا تُريد أن تعود لله فتحيا، لأن الشهوة ملكت بالموت وقلب الإنسان تعلق بها حتى أنه بإرادته بذل كل شيء في سبيل اقتنائها والتمتع الوقتي بها، لذلك فالإنسان وحده مسئولاً عن خطيئته بلا أي حجة أو سند يبرأه منها، لأن له مطلق الحرية أن يُخطئ أو لا يُخطئ بدون أي تدخل خارجي، لذلك مكتوب: [ القلب أخدع من كل شيء، وهو نجيس من يعرفه ! ] (إرميا 17: 9)
لذلك فأن مشكلة الإنسان هو تبرير نفسه متخذاً كرسي القضاء ليُحاكم الله، ويقف ليلوم الله قائلاً لماذا أهلكت الأمم وعاقبت الناس وما ذنب الأطفال والمشردين، وما ذنب هذا وذاك، ظناً منه أنه أبرّ من الله، ملقياً كل أفعال شرّ الإنسان الذي أدى لهذا كله وأسقطه على الله، ليثبت أن حبه أعظم وقلبه يتسع العالم كله، وأن الخليقة تأسر قلبه ويتحنن عليها أكثر من الله نفسه، لأنه يرى أن الله قاسي وظالم، لذلك مكتوب في حوار مبدع مع الله:
[ فمن يسألك ماذا فعلت أو يُعارض حكمك أو يُدينك لأنك أهلكت الأمم التي أنت خلقت، ومن يعترض لأنك انتقمت من الأشرار ؟ فكل بشر في رعايتك يا رب، ولا إله سواك لتُريه أن قضاءك لم يكن ظالماً. وما لملك أو سُلطان أن يُعاديك بسبب أحد من الذين عاقبتهم. فأنت أيها الرب عادلٌ، تعمل كل شيء بالعدل وترى أن الحُكم على من لا يستحق العِقاب منافياً لقدرتك. ولأنك ربُّ الجميع وجبروتك مصدر كل عدل، فأنت تترفق بالجميع، وتُظهر جبروتك للذين يؤمنون بكمال قُدرتك، وأما الذين يعرفونها فتُشجعهم على إعلان ما يعرفون. وبما أنت عليه من القُدرة تحكم بالإنصاف وتؤدبنا بمنتهى العطف وتُمارس جبروتك ساعة (ما) تشاء. وبعملك هذا عَلَّمْتَ شعبك أن من كان صالحاً فلا بُدَّ أن يكون رَحوماً، ومنحت أبناءك رجاءً كبيراً بإعطائهم فُرصة للتوبة عن خطاياهم. فإذا كنت عاقبت بكثير من الرفق والصبر أعداء أبنائك الذين يستحقون الموت، وأفسحت لهم زماناً ومكاناً للتخلص من شرورهم، فكيف لا تعتني كل الاعتناء بأبنائك الذين عقدت مع آبائهم المواثيق والعهود؟ ] (الحكمة 12: 12 – 21 الترجمة السبعينية)
عموماً علينا أن ندرك خديعة الخطية التي تخدعنا بحجج وحيل خبيثة لتدخلنا في النهاية للتجديف على الله وتُسقطنا في أبشع الخطايا فجوراً…
يقول القديس مقاريوس الكبير: [ هناك كثيرون، بالرغم من أن النعمة حاضرة معهم، فأنهم ينخدعون بالخطية بدون أن يلاحظوا. فإذا افترضنا أنه كان في أحد البيوت فتاة عذراء، وكان هُناك شاب أيضاً، فيحتال الشاب عليها ويتملقها حتى ترضى وتوافقه على شهواته، فتسقط وتفقد عفتها. كذلك الحية المرعبة، حية الخطية، فهي تحضر دائماً مع النفس، تُداعبها وتغريها، فإذا وافقت النفس ورضيت، فأن النفس غير الجسدانية تدخل في ارتباط مع الشرّ غير الجسداني الذي لذلك الروح الشرير. فالروح تدخل في ارتباط مع روح، والذي يرضى بإغواء الشرير، فأنه يزني في قلبه، إذ يكون قد قبل ورضى بإيحاءات الروح الخبيث.
فهذه إذن درجة جهادك، أن لا ترتكب هذه الخطية في أفكارك، بل تقاومها بعقلك، وتُحارب وتُجاهد في الداخل، ولا تذعن لفكر شرير، ولا تُعطي مكاناً في أفكارك للتلذذ بما هو خاطئ، فإذا وجد الرب فيك هذا الميل والاستعداد فهو بلا شك يأخذك إليه في ملكوته في اليوم الأخير ] (من عظات القديس مقاريوس)
لذلك يقول الكتاب:
[ عُد إلى الرب واترك خطاياك، وتضرع إليه وقلل مساوئك.
عُد إلى العلي وتجنب الإثم، وابغض بكل قلبك ما يُبغض.
من يحمد العلي في القبر، إن كان الأحياء لا يحمدونه ؟.
الميت لا يقدر أن يحمد الرب، وحده الحي بقدر أن يحمده.
ما أعظم رحمة الرب وعفوه، للذين يأتون تائبين.
ما من كمال عند البشر، لأن الإنسان لا يُخلد (في الأرض)
لا شيء أبهى من الشمس ورغم ذلك تُظلم (تغرُب)،
بأسرع منها يُظلم الإنسان بالشرّ،
الرب يقود كواكب السماء العُليا،
فكيف بالحري الإنسان، وهو من تراب ورماد…
عمر الإنسان على الأكثر مئة سنة، لكن ما هذا بالنسبة للأبدية ؟
كنقطة ماء من البحر أو كحبة رمل.
لذلك يصبر الرب على الإنسان، ويفيض عليه برحمته.
يرى ويعرف سوء عاقبته، فيزداد رغبة في العفو عنه.
يرحم الإنسان قريبه، أما الرب فيرحم جميع البشر,
يوبخهم ويؤدبهم ويُعلمهم، وإليه يُعيدهم.
كراعٍ يرد قطيعه إليه، يرحم الذين يقبلون تأديبه،
ويسارعون إلى العمل بوصاياه ]
(سيراخ 17: 25 – 32؛ 18: 9 – 14 الترجمة السبعينية)
• (3) الخطية تنبع من إرادة الإنسان باختياره الخاص:
الله القدوس بكونه محبة خلق حبيبه الإنسان منفرداً بتميزه عن باقي الخليقة كلها، خلقه على مثاله كشبهه بلا فساد ولا تشوبه شائبة ما، خلقه بإرادة حره [ وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا… فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقهُ [[ فأن الله خلق الإنسان خالداً وصنعه على صورة ذاته (الحكمة 2: 23) ]]… ورأى الله كل ما عملهُ فإذا هو حسنٌ جداً ] (تكوين 1: 26و 27و 31)، [ لأنه إنما خلق الجميع للبقاء، فمواليد العالم إنما كونت معافاة وليس فيها سم مُهلك ولا ولاية للجحيم على الأرض ] (الحكمة 1: 14)، ومن هنا نفهم كلمة [ فاستراح الله ]، لأن الله راحته في خليقته التي جبلها على غير فساد وزينها بكل الزينة التي تتوافق مع صلاحه الخاص…
[ الرب خلق البشر من التراب …
وهبهم قوة من قوته، وصنعهم على حسب صورته،
منحهم لساناً وعينين وأُذُنين، وعقلاً يُفكر.
ملأهم معرفة وحكمة، وأراهم الخير والشرّ.
ألقى عينيه في قلوبهم، ليُريهم عظائم أعماله،
وليحمدوا اسمه القدوس، ويخبروا بعظائم افعاله،
جعل المعرفة في متناولهم، ومنحهم شريعة الحياة،
أقام عهداً أبدياً معهم، وأظهر لهم فرائضه،
فرأت عيونهم جلال مجده، وسمعت أذانهم صوته المجيد.
حذرهم من عمل الشرّ، وأوصى كل واحد بقريبه ]
(سيراخ 17: 1و 3و 6 – 14 الترجمة السبعينية)
ولذلك مكتوب [ لا تسعوا وراء الموت بما ترتكبون من أخطاء في حياتكم، ولا تجلبوا على أنفسكم الهلاك بأعمال أيديكم. فالله لم يصنع الموت، لأن هلاك الأحياء لا يسره. (لأنه) خلق كل شيء للبقاء وجعله (أي جميع المواليد) في هذا العالم سليماً خالياً من السم القاتل (معافاة صحيحة)، فلا تكون الأرض مملكة للموت، لأن التقوى لا تموت ]؛ [ خلق الله الإنسان لحياة أبدية، وصنعه على صورته الخالدة، ولكن بسبب حسد إبليس دخل الموت إلى العالم فلا يذوقه إلاَّ الذين (من حزبه) ينتمون إليه ] (الحكمة 1: 12 – 15؛ الحكمة 2: 23و 24 الترجمة السبعينية)
فالإنسان حرّ وله سلطان على إرادته، فلو فرضنا أن هُناك إنسان يحيا في مدينة على مشارف غابة وقد حذر المسئول عن المدينة أن لا يسير أحد في طريق الغابة لأنه غير آمن وضاع فيه الكثيرون، ولكنه بحماقة اندفاع الشباب أراد أن يستطلع هذا الطريق حباً في استكشافه، ورغم التحذير الشديد لكنه لم يسمع أو يصغي، لكنه مضى في طريقه عاقداً العزم على أن يسير فيه بكل إصرار، وأثناء سيره قفز عليه اللصوص وضربوه ومزقوا ملابسة وأهانوه واخذوا كل ما كان معه، واستعبدوه فربطوه بسلاسل وجعلوه يخدمهم، فبدأ يكل ويتعب تحت نير الاستعباد ويلوم الآخرين لأنهم لم يمنعوه بالقوة، مع أنه هو وحده المسئول عن الضرر الذي لحق به بسبب عناده وإصرار عزيمته..
وهكذا كل واحد فينا حينما يسقط ويقع تحت مزلة الخطية المرعبة فأنه يبدأ في ملامة الله والآخرين غير معترفاً بمسئوليته عن خطأةُ الذي ارتكبه بحريته وإرادته بإصرار وعِناد قلبه وحده، لذلك مكتوب: [ لكن الأشرار جلبوا على أنفسهم الموت بأعمالهم وأقوالهم، حَسبوا الموت حليفاً لهم وعاهدوه فصاروا إلى الفناء، فكان هو النصيب الذي يستحقون ] (الحكمة 2: 16 الترجمة السبعينية)
[ فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر (خداع الخطية وظهورها ببريق مزيف). فأخذت من ثمارها وأكلت وأعطت رَجُلها أيضاً معها فأكل ] (تكوين 3: 1 – 7)
هكذا الخطية خدَّاعة، مُغرية وشهية للنظر، تفقد الإنسان اتزانه، تجعله كالأحمق مثل من يمد يده للوحش الكاسر ليُصادقه، فينقض عليه ويقتله، أو مثل من دخل في طريقاً مظلماً كُتب على مدخله تحذير [[ طريق وعر شديد الخطورة مملوء من وحوش البرية يؤدي للموت ]]، ولكنه اشتهى أن يجوز فيه ساخراً ممن كتب التحذير، مدَّعياً أنه لا يهاب شيء أو يخافه، لذلك مكتوب:
[ الذكي يبصر الشر فيتوارى والحمقى (الأغبياء) يعبرون فيعاقبون ] (أمثال 22: 3)
[ عقل الأحمق كوعاء مثقوب، لا يضبط شيئاً من العلم.
المُتأدب يسمع حكمة فيمدحها، ويزيد عليها مما عنده.
أما الغبي فيسمعها ويهزأ بها، وسرعان ما يطرحها وراء ظهره.]
(سيراخ 21: 14 – 15 الترجمة السبعينية)
لذلك الإنسان الذي يركض وراء شهوات قلبه بإصرار وملازمه، يُسمى عند الآباء المتمرسين في حياة التقوى ولهم باع طويل في خدمة النفوس: إنسان فقد عقله، وبحسب تعبير القديس أثناسيوس: [ مثل إنسان مجنون مسك سيفاً وطعن به نفسه ]
يقول القديس مقاريوس الكبير: [ كل الجواهر الروحانية، أي الملائكة والنفوس البشرية والشياطين، كل هؤلاء قد خلقهم الخالق في حالة براءة والبساطة التامة (قبل السقوط)، أما كون البعض منهم قد تحولوا إلى الشرّ، فهذا ناتج من حرية إرادتهم. فباختيارهم حادوا عن طريق التفكير السليم ] (عظة 16)
ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [ قد يقول قائل: ماذا يُمكن أن تكون الخطية؟ هل حيوان، أم ملاك، أم شيطان ؟ ما هو الفاعل أو الدافع ؟ ليس هو عدو يا إنسان، يحاربك من الخارج، إنها جرثومة تنبت فيك ]
إذن الخطية جرثومة القصد السيء، تنبع من شهوة قلب الإنسان، وتتم بخضوع إرادته لها، لأن بدون الإرادة لا تتم الخطية [ ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتاً ] (يعقوب 1: 15)، ومن هنا يختطف الإنسان لنفسه قضيه تُسمى [ قضية الموت ] فيطرح عنه ناموس الله ليسقط بإرادته بعدما فقد رجاحة عقله بسبب جنون الشهوة التي عملت في قلبه فحركته ليموت بإرادته عن الله قاطعاً صلته به، لأن الله بكونه نور يستحيل تحتمله ظلمه، لذلك يهرب الإنسان الذي فعل الخطية من محضره تلقائياً، ويستحيل أن يعود إليه أن لم يحدث تغيير جذري في أعماق قلبه من الداخل بفعل فوقاني يأتي من عند أبي الأنوار، وبحسب مُسمى الإنجيل [ خليقة جديدة ]، ولكنها ليست مجرد خليقة جديدة عادية بل هي [ في المسيح يسوع ]، [ إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (2كورنثوس 5: 17)…
يتبــــــــــع