الكنيسة والقديس بطرس
الكنيسة
والقديس بطرس
“المسيح رأس الكنيسة” (أفسس
5: 23)
تقول
كنيسة روما الكاثوليكية أن القديس بطرس هو أول رئيس روحي وأول بابا لروما، وأن
باقي الباباوات الذين أتوا بعده كانوا برتبته وأنهم توارثوا سلطته. وتقول أيضاً أن
القديس بطرس كان رأس كل الرسل والقديسين وأن الرب يسوع المسيح أسس الكنيسة عليه،
وأعطاه وباقي الذين خلفوه، أن يكونوا رؤساء روحيين لروما، ولهم القدرة في السيطرة
على حكم الكنيسة إلى الأبد.
وهم
يؤسسون هذا الاعتقاد على ما جاء في إنجيل متى 16: 18 وتقرأ هذه الآية نقلاً عن
اللغة اليونانية، لغة الإنجيل الأصلية، هكذا: “أنت بطرس (حجر صغير) وعلى هذه
البترا (حجر كبير) أبني كنيستي”. لقد استعمل الرب كلمتين مختلفتين للدلالة
على معنيين مختلفين. فقد دعا تلميذه باسم “بطرس”، أي حجر صغير. ولكنه
عندما ذكر الشيء الذي يجب أن تبني عليه الكنيسة، قال “تبرا” أي صخرة
كبيرة. كان بطرس حجراً صغيراً، ولكن الكنيسة مبنية على صخرة كبيرة. لقد ميز الرب
بين “بطرس” و “بترا”. والاختلاف بين المعنيين واضح كنور
الشمس. لاحظ أن المسيح لم يقل “أنت بطرس وعليك سأبني كنيستي” ولو أنه
كان يعني ذلك لقالها بصراحة.
إذاً
ماذا كانت الصخرة التي يجب أن تبنى عليها الكنيسة؟ كان بطرس قد قال للمسيح:
“أنت المسيح ابن الله الحي”. فصخرة الكنيسة إذاً هي لا هوت المسيح كما
تعلنه هذه الكلمات. وعندما أعلن القديس بطرس عن الرب يسوع هذه الحقيقة، كان جواب
الرب له: “أنت بطرس (حجر صغير) وعلى هذه الصخرة (أنا) أبني كنيستي”.
عرف
القديس بطرس أن المسيح كان الصخرة عندما قال في رسالته الأولى 2: 8 أن المسيح هو
صخرة الكنيسة. وفي العدد 7 يشير إلى المسيح كرأس الزاوية.
كذلك
يقول القديس بولس الأمر بوضوح بقوله: “والصخرة كانت المسيح” (1 كورنثوس
10: 4). وأيضاً في 1 كورنثوس 3: 11 “فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر
غير الذي وضع، الذي هو المسيح”.
عندما
نقرأ نفس الإصحاح باقي الأعداد، نستطيع أن ندرك خطأ تفسير الكنيسة الكاثوليكية لما
جاء في متى 16: 18. ففي نفس الإصحاح جواب الرب لبطرس عندما جرب أن يبعده عن طريق
الصلب – “اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما
للناس” (متى 16: 23). يا له من توبيخ قاس!! فمن المستحيل أن يقول الرب يسوع
لبطرس: “أنت الصخرة التي أبني عليها كنيستي” وفي نفس الإصحاح واللحظة
نرى كلمة التوبيخ المخيفة، كلمة “شيطان”. إن الفكرة القائلة أن بطرس هو
صخرة الكنيسة تجديف على الرب، فحاشا أن يكون بطرس هو أساس الكنيسة! وقد وبخه الرب
بطريقة قاسية لم يوبخ بها تلميذاً آخر.
من
أصعب المواقف التي واجهها الرب يسوع موقف محاكمته أمام رئيس الكهنة قبل محاكمته
أمام بيلاطس. وفي تلك الساعة كان الرب بحاجة للتلاميذ ليكونوا معه، ولكننا نقرأ في
متى 26 أن بطرس أنكر يسوع ثلاث مرات وحلف بأنه لا يعرفه قط. وهذا عمل لم يعمله
تلميذ آخر سوى بطرس.
وتقول
الكنيسة الكاثوليكية أيضاً إن بطرس كان رأس كل الرسل والتلاميذ. ولو كان هذا
الاعتقاد صحيحاً لذكره القديس بولس أو أحد كتّاب العهد الجديد، إذ أن في الأمر
أهمية كنائسية. ولكن الأمر غير مذكور. وهذا الصمت ظاهر، وهو برهان ساطع على أن
بطرس لم يكن في أي وقت من الأوقات رأساً للكنيسة.
نذكر
توبيخ الرب يسوع لبطرس في متى 16: 23، وتجديف بطرس وإنكاره للرب يسوع في متى 26:
74. وكتابة القديس بولس في مسألة مهمة في غلاطية 2: 11، قال “ولكن لما أتى
بطرس إلى إنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً”. ولو كان حقيقة أن بطرس هو
رأس الكنيسة لما استطاع القديس بولس أن يذكر ذلك.
أن
الحقيقة التي كان بطرس ملوماً فيها، ومقاومة بولس له مواجهة، ترينا بوضوح أن بطرس
لم يكن رأس الكنيسة. كان بطرس هو الرسول الوحيد الملام بين كل الرسل.
ذكر
القديس بولس أنه مساوٍ لباقي الرسل، ولو كان بطرس هو رأس الكنيسة لما استطاع بولس
أن يذكر ذلك. قال في 2 كورنثوس 11: 5 “لأنني أحسب أني لم أنقص شيئاً عن فائقي
الرسل” وكذلك في 2 كورنثوس 11: 5 “لأنني أحسب أني لم أنقص شيئاً عن
فائقي الرسل وإن كنت لست شيئاً” فإن كان بطرس بالحق هو رأس الكنيسة فكيف
استطاع القديس بولس أن يقول أنه مساوٍ “لفائقي الرسل؟” لو كان بطرس هو
رأس الكنيسة لما تجرأ بولس أن يقول ذلك، ولما كان التالي مساوياً له. هنا في 2
كورنثوس 11: 28 يعلن لنا القديس بولس بوضوح أن بطرس لم يكن رأس الكنيسة. قال
“عدا ما هو دون ذلك. التراكم عليّ كل يوم. الاهتمام بجميع الكنائس”. ومن
هنا نرى أن بولس هو الذي كان مهتماً بالكنائس وليس بطرس، كما أن بطرس نفسه لم يقل
ذلك.
هل
أعطى المسيح سلطة لبطرس أكثر من باقي الرسل؟ كلا بل على العكس. فعندما تشاجر الرسل
بين أنفسهم عمن هو الأعظم، وبخهم الرب في (لوقا 22: 24) “وكانت بينهم أيضاً
مشاجرة من منهم يظن أنه يكون أكبر” وفي (متى 20: 25 – 27):
“فدعاهم
يسوع وقال: أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكن
هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً، ومن أراد أن يكون
فيكم أولاً فليكن لكم عبداً”. هل كان بطرس رأس أو سيد الكنيسة؟ كلا! قال يسوع
في (متى 23: 8) – “لأن معلمكم واحد: المسيح، وأنتم جميعاً أخوة”. لم يكن
بطرس أعلى من باقي الرسل. وقد قال الرب أنه هو نفسه الذي كان سيد الجميع وليس أحد
غيره، لأن جميع الرسل كانوا أخوة. ومعنى هذا أنهم جميعاً كانوا متساوين وليس لأحد
منهم سلطة أعلى من الآخر.
يقول
القديس بولس في رسالة أفسس 5: 23 “أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة”. وكذلك
في كولوسي 1: 18 “المسيح هو رأس الجسد أي الكنيسة”. كان القديس بولس
يذكر في كتاباته أن المسيح رأس الكنيسة، لكنه لم يذكر ولا مرة واحدة ذلك عن بطرس.
كان يجب أن يقول القديس بطرس عن نفسه أنه رأس الكنيسة لو كان الأمر حقيقة، لأنه
بهذا ينال شرفاً واحتراماً أعظم من باقي الرسل، ولكنه ذكر عن نفسه أنه شيخ، إذ يقول
في رسالته الأولى 5: 1 “أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم، أنا الشيخ رفيقهم،
والشاهد لآلام المسيح، وشريك المجد العتيد أن يعلن”. فلو كان بطرس رئيساً
لأعلن عن نفسه وعن سلطته، ولأمر والرسل بالذهاب إلى أماكن مختلفة، ولكن على العكس
فإننا نرى أنه قبل أوامرهم وأنهم أرسلوه، فنقرأ في أعمال الرسل 8: 14 “ولما
سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس
ويوحنا”.
وعندما
اجتمع الرسل والإخوة في أورشليم (أعمال 15) كان بطرس بينهم، ولكنه لم يترأس
الاجتماع. ولو كان هو الرئيس لأعلن الأمر في ذلك الاجتماع، وأخذ بإصدار أوامره.
لقد ترأس الاجتماع القديس يعقوب، وقرر الأشياء المطلوبة. نقرأ في أعمال 15: 13، 14
“وبعدما سكتا أجاب يعقوب: أيها الرجال الأخوة اسمعوني: سمعان قد أخبر كيف
افتقد الله الأمم ليأخذ منهم شعباً على اسمه”. وعدد 19 أيضاً “لذلك أنا
أرى أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم”.
أين
هو البرهان على الاعتقاد برئاسة بطرس؟ ففي الكتاب المقدس “العهد الجديد”
الذي يحتوي على سبعة وعشرين سفراً موحى بها من الله، لا يوجد ذكر يؤيده. إن هذا
الصمت يوضح أن بطرس لم يكن في وقت ما في روما، لأنه لو وجد هناك فلابد من ذكر
الأمر في أحد كتب العهد الجديد. فالقديس بولس كتب رسالة مطولة إلى أهل روما، ولكنه
لم يذكر شيئاً عن وجود بطرس فيها. وبولس نفسه عاش في روما سنتين، وأثناء إقامته
فيها كتب عدة رسائل، لكنه لم يأت على أي ذكر لوجود بطرس في المدينة، الأمر الذي
كان يجب عليه ذكره لو أن بطرس كان حقاً في روما. إن العهد الجديد يذكر أن بطرس
سافر إلى إنطاكية والسامرة وقيصرية وإلى بعض الأماكن الأخرى، ولكنه لا يذكر أنه
سافر إلى روما. لماذا حذف ذكر هذه الحادثة من الكتاب؟ أليس لأنها لم تحدث؟
وبالإضافة
إلى ذلك، فإنه لا يوجد خارج الكتاب المقدس دلائل تثبت صدق أن بطرس كان في روما، أو
أنه كان مطراناً عليها. فالمخطوطات والكتب التي بين أيدينا، والتي كتبت في المئة
والخمسين سنة الأولى لصعود المسيح إلى السماء، خالية من أي ذكر للموضوع. وتظهر
الحقيقة التي لا مجال للشك فيها أنه لا في كتب العهد الجديد، ولا خارج هذه الكتب
يوجد أي برهان على كون بطرس مطراناً لروما أو حتى وجوده فيها!
ولو
كان بطرس مطراناً لروما، فأين هي الوثائق التي بموجبها سلم بطرس سلطته لمن خلفه؟
لم
تكن كنيسة روما أول كنيسة مسيحية. فقد بشر الرب يسوع والتلاميذ أولاً في أورشليم،
وهناك تأسست أول كنيسة مسيحية – “كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات
في اليوم الثالث، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من
أورشليم” (لوقا 24: 46، 47) كانت كنيسة أورشليم أم الكنائس، لأنها أول كنيسة.
لقد تأسست كنائس أخرى في إنطاكية وكورنثوس وغلاطية وفيلبي وتسالونيكي قبل تأسيس
كنيسة روما. يقول الكتاب المقدس في أعمال الرسل 11: 26 “ودعي التلاميذ
مسيحيين في إنطاكية أولاً”. هذا برهان على أسبقية تأسيس كنيسة إنطاكية عن
كنيسة روما، وهكذا فإن أول كنيسة كانت في أورشليم وليس في روما.
إن
الكتاب المقدس لم يذكر كلمة بابا أبداً، ولا يذكر رتبة أو مركزاً آخر كمركز
البابا. والمسيح لم يعلن عن بطرس أنه “البابا”، ولا التلاميذ ولا بطرس
نفسه أعلن أنه البابا. لذلك فلا سلطة للباباوات ولا هم أولياء عهد، لأن بطرس لم
يكن له أتباع أبداً. كان بطرس متزوجاً كما يظهر من متى 8: 14. وقال القديس بولس
“فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم بعل امرأة واحدة… ” (1 تي 3: 2).