الفصل السادس
الفصل السادس
28- القيامة تعزية ورمز
أبنائى وأخوتى الأحباء:
أهنئكم بعيد القيامة المجيد، راجياً فيه لكم
جميعاً مباركة سعيدة وراجياً لبلادنا كل خير وسلام.
تكلمنا في كل عام من الأعوام السابقة عن جانب
معين من جوانب القيامة وفاعليتها في حياتنا. ونتابع اليوم تأملاتنا فنقول:
1- إن كلمة القيامة كلمة جميلة، فيها تعزية
للقلوب.
ولا شك أن قيامة المسيح كانت معزية لتلاميذه،
وكانت لازمة لهم، لتثبيت إيمانهم. ولبناء الكنيسة.. وأتذكر إننى في هذا المعنى،
كنت منذ أكثر من أربعين سنة، قد كتبت قصيدة قلت في مطلعها:
قم حطم الشيطان لا تبق لدولته بقية
قد نفذ الأرواح من قبر الضلالة والخطية
قم روع الحراس وابهرهم بطلعتك البهية
قم قو إيمان الرعاة ولم اشتات الرعية
واكشف جراحك مقنعاً توما فريبته قوية
واغفر لبطرس ضعفه وامسح دموع المجدلية
وقد كان هذا، وفى قيامة السيد المسيح، عزى تلاميذه،
وفرحوا بقيامته، وآمنوا بالقيامة، وبأنها ممكنة، وآمنوا أنهم أيضاً سيقومون بعد
الموت، فمنحهم كل هذا عزاء في حياتهم وعدم خوف من الموت..
على أنى أريد اليوم أن أطرق موضوع القيامة من
ناحية أخرى، وهى:
29- القيامة كرمز
2- القيامة هي رمز للتوبة:
أو أن التوبة تشبه بالقيامة:
فنحن نعتبر أن الخطية هي حالة من الموت، وأقصد
الموت الروحي. وقال القديس أوغسطينوس “إن موت الجسد، هو انفصال الجسد عن
الروح، أما موت الروح، فهو انفصال الروح عن الله “فالله هو ينبوع الحياة، أو
هو الحياة الكلية. كما قال في الإنجيل “أنا هو الطريق والحق والحياة”
(يو 14: 6). “أنا هو القيامة والحياة” (يو 11: 25)
من يثبت في الله، يكون بالحقيقة حياً. ومن ينفصل
عن الله يعتبر ميتاً.
والخطيئة هي انفصال عن الله، لأنه لا شركة بين
النور والظلمة” (2 كو 6: 14)
فالخاطئ إذن هو ميت روحياً، مهما كانت له أنفاس
تتحرك وقلب ينبض.. قد يكون جسده حياً. ولكن روحه ميته ميته.. وهكذا في مثل الأبن
الضال، الذي شرد بعيداً عن أبيه ثم عاد إليه، وقال عنه أبوه في هذه التوبة:
ابنى هذا كان ميتاً فعاش. وكان ضالاً فوجد (لو
15: 24).
وقيل في الكتاب عن الأرملة المتنعمة إنها ماتت
وهى حية” (1 تى 5: 6). وقال القديس بولس الرسول لأهل أفسس “إذ كنتم
أمواتاً بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلاً.. (اف 2: 1) وقال أيضاً
“ونحن أموات بالخطايا، أحيانا مع المسيح.. وأقامنا معه، وأجلسنا معه في
السماويات” (أف 2: 5). وقال السيد المسيح موبخاً راعى كنيسة ساردس:
“إن لك إسماً إنك حى، وأنت ميت” (رؤ 3:
1).
فحياته الظاهرية حياة حقيقية، لأن الحياة
الحقيقية هي الحياة مع الله، أو الحياة في الله، هي الحياة في الحق، وفى النور
والبر. أما ذلك الخاطئ، فإن له اسماً أنه حى، وهو ميت..
لذلك كنت أقول في معنى الحياة الحقيقية:
“أحقاً نحن أحياء..؟”
إن الحياة لا تقاس بالسنين والأيام، وإنما
بالفترات الروحية الحلوة التي نقضيها مع الله.. هي وحدها التي تحسب لنا، والتى
يقاس بها عمرنا الروحى، وبها يكون تقرير مصيرنا في القيامة. لذلك أيها الأخ بماذا
تجيب حينما يسألك الملائكة كم هي أيام عمرك على الأرض؟ هل ستحسبها بالجسد أم
بالروح؟..
ومع ذلك، فإن الخاطئ المعتبر ميتاً: إذا تاب
تعتبر قيامة..
وعن هذا المعنى يقول القديس بولس الرسول للخاطئ
الغافل عن نفس “استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضئ لك المسيح”
(أف 5: 14). مشبهاً التوبة هنا، بأنها يقظة روحية، وأنها قيامة من الأموات..
وقد ذكر الإنجيل للسيد المسيح ثلاث معجزات أقام
فيها أمواتاً. ويمكن اعتبار كل منها رمزاً لحالة من التوبة:
أقام ابنه يايرس وهى ميتة في بيت أبيها (مر 5).
وأقام ابن أرملة نايين من نعشه في الطريق (لو 7) وأقام لعازر وهو مدفون في القبر
من أربعة أيام.. وكانت كل إقامة هذه الأداث الثلاثة تحمل رمزاً خاصاً في حالات
التوبة.
أ- ابنه يايرس وهى في البيت، ترمز إلى الذي
يخطئ وهو لا يزال في بيت الله، في الكنيسة، لم يخرج منها ولم يخرج عنها. ولذلك قال
السيدعن ابنة يايرس “إنها لم تمت، ولكنها نائمة (مر 5: 39). ولما أقامها
أوصاهم أن يعطوها لتأكل (مر 5: 43). لأن هذه النفس تحتاج إلى غذاء روح يقويها، حتى
لا تعود فتنام مرة أخرى.
ب – أما ابن أرملة نايين وهو ميت محمول في نعش..
فهذا ميت خرج من البيت ترك بيت الله، وأمه تبكى عليه، أى تبكى عليه الكنيسة أو
جماعة المؤمنين. هذا أقامه المسيح، ثم “دفعه إلى أمه” (لو 7: 15). أرجعه
إلى جماعة المؤمنين مرة أخرى..
ج – لعازر المدفون في القبر، يرمز إلى الحالات
الميئوس منها:
حتى أن أخته مرثا لم تكن تتخيل مطلقاً أنه سيقوم.
وقالت للسيد أنتن، لأنه له أربعة أيام “
(يو 11: 39). إنه يرمز للذين ماتوا بالخطية
وتركوا بيت الله، بل تركوا الطريق كله، ومرت عليهم مدة طويلة في الضياع، ويئس من
رجوعهم حتى أقرب الناس إليهم. ومع ذلك أقامه المسيح، وأمر أن يحلوه من الرباطات
التي حوله (يو 11: 44).
فمثل هذا الإنسان يحتاج أن يتخلص من رباطاته
التي كانت له في القبر.
كل هذه أمثلة تدعونا إلى عدم اليأس من عودة
الخاطئ، فلابد أن له قيامة..
30- قم مثلما قام المسيح
إننى في مناسبة قيامة السيد المسيح، أقول لكل
خاطئ يسعى إلى التوبة:
قام المسيح الحى هل مثل المسيح تراك قمت
أم لا تزال موسداً فى القبر ترقد حيث أنت
والحديث عن القيامة من الخطية، هو نفس الحديث عن
القيامة من أية سقطة.
وقد يحتاج الأمر إلى دعوة للقيامة، أى إلى حافز
خارجى0
مثال ذلك كرة تدحرجت من على جبل. تظل هذه الكرة
تهوى من أسفل إلى أسفل، دون أن تملك ذاتها، أو تفكر في مصيرها. وتظل تهوى وتهوى
تباعاً، إلى ان يعترض طريقها حجر كبير،فيوقفها، وكأنه يقول لها “إلى أين أنت
تتدحرجين؟! وماذا بعد؟! “فتقف. إنها يقظة أو صحوة، بعد موت وضياع.. تشبه
بالقيامة..
أو مثال ذلك أيضاً فكر يسرح فيما لا يليق..
كإنسان يسرح في فكر غضب أو انتقام، أو في خطة
يدبرها، أو في شهوة يريد تحقيقها، أو في حلم من أحلام اليقظة. ويظل ساهماً في
سرحانه، إلى أن يوقفه غيره، فيستيقظ إلى نفسه، ويتوقف عن الفكر. إنها يقظة أو صحوة،
أو قيامة من سقطة.
3 – هناك أيضاً القيامة من ورطة، أو من ضيقة.
قد يقع الإنسان في مشكلة عائلية أو اجتماعية
يرزخ تحتها زمناً، أو في مشكلة مالية أو أقتصادية لا يجد لها حلاً. أو تضغط عليه
عادة معينة لا يملك الفكاك من سيطرتها. أو تملك عليه جماعة معينة أو ضغوط خارجية،
لا يشعر معها بحريته ولا بشخصيته، ولا بأنه يملك إرادة أو راياً..
وفى كل تلك الحالات يشعر بالضياع، وكأنه في موت،
يريد أن يلتقط أنفاسه ولا يستطيع.. إلى أن فتقده عناية الله وترسل له من ينقذه،
فيتخلص من الضيقة التي كان فيها. ولسان حاله يقول:
” كأنه قد كتب لى عمر جديد “. أليست
هذه قيامة؟ إنها حقاً كذلك.
4 – القيامة هي حياة من جديد. ما يسمونه
بالإنجليزية Revival.
حياة جديدة يحياها إنسان، أو تحياها أمة أو دولة،
أو أية هيئة من الهيئات.. أو يحياها شعب بعد ثورة من الثورات التي تغير مصيره إلى
أفضل، وتحوله إلى حياة ثانية، حياة من نوع جديد. فيشعر أن حياته السابقة كانت
موتاً، وأنه عاد يبدأ الحياة من جديد..
ويود أن حياته السابقة لا تحسب عليه. إنما تحسب
حياته من الآن.
هذه القيامة رأيناها في حياة الأفراد، ورأيناها
فىحياة الأمم: رأيناها في أوروبا بعد عصر النهضة والانقلاب الصناعى، ورأيناها في
فرنسا بعد الثورة الفرنسية المعروفة. ورأيناها في روسيا بع إللان البروستوكيا.
ورأيناها أيضاً في الهند على يد غاندى، وأيضاً في كل دولة تخلصت من الاستعمار أو
الاختلال أو الانتداب..
ورأيناها في مصر، مرة بعد التخلص من حكم
المماليك، ومرة أخرى بعد ثورة سنة 1919، ومرة ثالثة بعد ثورة سنة 1952. كما
رأيناها كذلك في الثورة الإقتصادية أو في النهضة الإقتصادية التي قادها طلعت حرب..
إن القيامة يا أخوتى، ليست هي مجرد قيامة الجسد.
إنما هناك حالات أخرى كثيرة توحى بها القيامة، أو تكون القيامة رمزاً لها.. وتبدو
فيها سمات حياة أخرى.
5 – ونحن نرجو من الله أن يجعل سمات القيامة في
حياتنا باستمرار.
عمليات تجديد وحياة أخرى، تسرى في دمائنا
أفراداً وهيئات.. كما قال الكتاب عن عمل الله في الإنسان إنه “يجدد مثل النسر
شبابه” (مز 103). وأيضاً كما قيل في نبوة اشعياء “وأما منتظرو الرب،
فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون” (أش
40: 31)
إلهنا الصالح، نسأله في روح القيامة، أن يهبكم
جميعاً قوة في حياتكم، ونسأله أن تحيا بلادنا حياة متجددة باستمرار، فيها الصحوة
وفيها النهضة وفيها روح القيامة، في عزة وفى مجد وفى قوة.
وأمنياتى لكم جميعاً بالسعادة والبركة وكل عام
وجميعكم بخير.