علم الكتاب المقدس

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

الإنجيل ونوع
الوحى فيه

 

1- معنى كلمة إنجيل:

كلمة
“إنجيل فى اللغة اليونانية “إيوا نجليون
euangelion” وتعنى بصورة عامة “الأخبار السارة” أو
“البشارة المفرحة”(1)
good News.
وقد أخذت كما هى تقريباً فى اللاتينية والقبطية “إيفا نجليون
evangelion” وبنفس المعنى ويرادفها فى اللغة العبرية “بشارة”
أو “بشرى” وقد وردت فى العهد القديم ست مرات بمعنى البشارة أو البشرى
بأخبار سارة(2) أو المكافأة على أخبار
سارة. ويرادفها فى اللغة العربية أيضاً “بشارة” كما تنطق أيضاً
“إنجيل”(3).

وتعنى
كلمة “إنجيل” فى العهد الجديد وبصفة خالصة فى الأناجيل الأربعة
“بشارة الملكوت”(4)، “بشارة ملكوت
الله”(5) الذى جاء فى شخص المسيح
وبشر به:

“وكان
يسوع يطوف كل الجليل ويُعلم فى مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفى كل مرض وكل ضعف
فى الشعب”(6)،

“ويكرز
ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة شهادة لجميع الأمم”(7)،

والكلمة
المترجمة “بشارة” فى هذه الآيات هى “إيوانجليون” أى
“إنجيل الملكوت” كما ترجمت بشارة” و “إنجيل” فى آية
واحدة:

“جاء
يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان وأقترب ملكوت الله.
فتولوا وآمنوا بالإنجيل”(8).

هذا
“الإنجيل” أو هذه “البشارة” هو “إنجيل المسيح” وقد
تكررت عبارة “إنجيل المسيح”(9)
و”إنجيل ربنا يسوع المسيح”(10)
و “إنجيل أبنه”(11) أى ابن الله، 14 مرة فى
رسائل القديس بولس الرسول فى الكلام عن البشارة بالمسيح:

“أنى
من أورشليم وما حولها إلى إلليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح”(12)،

“جلت
إلى ترواس لأجل إنجيل المسيح”(13)،

“عيشوا
كما يحق لإنجيل المسيح”(14).

وهذا
الإنجيل ليس مجرد رسالة حملها المسيح إلى العالم بعد أن نزلت عليه من السماء سواء
عن طريق الوحى أو بواسطة ملاك أو فى حلم أو فى رؤيا أو بوسيلة أخرى كما حدث مع
أنبياء العهد القديم “الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق
كثيرة”(15)، وإنما هو شخص وعمل
وتعليم المسيح نفسه “جميع ما أبتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذى أرتفع
فيه”(16)، فالمسيح هو ذاته
الرسالة، محورها وجوهرها، هدفها وغايتها، كما أنه هو أيضاً حاملها وبعثها ومقدمها
إلى العالم، فالإنجيل ليس نصوصاً نزلت على المسيح من السماء، وليس وحياً أوحى إليه
أو رؤيا رآها أو حلماً حلم به، ولا هو رسالة سمائية نقلت إليه بواسطة ملاك من
السماء ولا كان بينه وبين الله وسيط من أى جنس أو نوع، إنما هو شخص المسيح ذاته،
عمله وتعليمه، فهو نفسه كلمة الله النازل من السماء، وكلمة الله هو الله الذى نزل
من السماء فى “ملء الزمان” وحل بين البشر:

“فى
البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. كل شئ به كان وبعيره لم
يكن شئ مما كان
والكلمة
صار (أتخذ) جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً
(17)،

“ولما
جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة”(18)،

“الذى
إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون مساوياً لله. لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة
عبد صائراً فى شبه الناس. وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع..”(19)،

“أجاب
يسوع وقال لهم هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذى هو أرسله
الحق أقول
لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبى يعطيكم الخبز الحقيقى من السماء. لأن
خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم
أنا هو خبز
الحياة. من يقبل إلى فلا يجوع ومن يؤمن بى فلا يعطش أبداً
كل ما
يعطينى الآب فإلى يقبل ومن يقبل إلى لا أخرجه خارجاً. لأنى قد نزلت من السماء ليس
لأعمل مشيئتى بل مشيئة الذى أرسلنى. وهذه مشيئة الآب الذى أرسلنى أن كل ما أعطانى
لا أتلف منه شيئاً بل أقيمه فى اليوم الأخير. لأن هذه مشيئة الذى أرسلنى إن كل من
يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير.. ليس أن أحداً
رأى الآب إلا الذى من الله. هذا قد رأى الآب. الحق الحق أقول لكم من يؤمن بى فله
حياة أبدية”(20).

والإنجيل
هو أيضاً “البشارة المفرحة” والخبر السار”
good News
المقدم للعالم كله فى شخص المسيح النازل من السماء ليقدم الخلاص والفداء للعالم
أجمع ولينقذ البشرية من الهلاك الأبدى:

“هكذا
أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبدية. لأنه لم يرسل الله أبنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذى
يؤمن به لا يدان والذى لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد”(21).

“هوذا
حمل الله الذى يرفع خطية العالم”(22)،

“هذا
هو بالحقيقة المسيح مُخلص العالم”(23)،

“أنا
قد جئت نوراً للعالم حتى كل من يؤمن بى لا يمكث فى الظلمة
لأنى لم آت
لأدين العالم بل لأخلص العالم”(24)،

ينبغى
أن يكرز بالإنجيل أولاً لجميع الأمم”(25)،

“أذهبوا
إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن وأعتمد خلص ومن لم يؤمن
يدان”(26)،

ويكرز
ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة شهادة لجميع الأمم”(27).

والخلاصة
هى أن كلمة إنجيل سواء فى الأناجيل الأربعة أو فى كل العهد الجديد أو فى المسيحية
بصفة عامة تعنى كما عبر بالروح القدس القديس لوقا الإنجيلى:

“جميع
ما أبتدأ يسوع يفعله ويُعلم به إلى اليوم الذى أرتفع فيه”(28).

والسيد
المسيح يوحد بين ذاته وبين الإنجيل ويعتبر أن ما له هو ما للإنجيل وما للإنجيل هو
له، فيقول “من يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها”(29)، “لأجلى ولأجل الإنجيل”(30). وعندما سكبت امرأة الطيب على رأسه قال:
“حيثما يكرز بهذا الإنجيل فى كل العالم يخبر بما فعلته المرأة تذكاراً
لها”(31). الإنجيل هو شخص وعمل
وتعليم السيد المسيح، فهو ذاته الرسالة النازلة من السماء وهو أيضاً الرسول الذى
قدم الرسالة بذاته وفى ذاته. هو نفسه جوهر هذه الرسالة ومضمونها:

“أنا
هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى. لو كنتم عرفتمونى لعرفتم
أبى أيضاً. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه
الذى رآنى
فقد رأى الآب
أنا فى
الآب والآب فى(32)“.

 

2- الوحى والسيد المسيح:

الإنجيل،
كما بيّنا ليس هو رسالة أو نصوص دينية نزلت على المسيح من الماء كما هو الحال فى
أسفار أنبياء العهد القديم والذين أعلن الله عن ذاته وأرسل رسالاته إلى الأرض
بواسطتهم وعن طريقهم وذلك بطرق الوحى المتنوعة مثل الرؤى والأحلام والتكلم مع بعض
الأنبياء كموسى “فماً إلى فم”؛ إن كان منكم نبى للرب فبالرؤيا أستعلن له
فى الحلم أكلمه. أما عبدى موسى
فماً إلى فم أتكلم معه وعياناً أتكلم
معه لا بالألغاز”(33)، “وكلمت الأنبياء
وكثرت الرؤى وبيد الأنبياء مثلت أمثالاً”(34)،
ومثل إرسال الملائكة برسالات محدده أو عن طريق الوحى بالروح مثلما أوحى الله لنوح
ببناء الفلك(36). إنما الإنجيل هو ما عمله
وعلمه المسيح ذاته، والمسيح لم تنزل عليه رسالة من السماء بل هو ذاته نزل من
السماء، فهو نفسه “كلمة الله الذاتى” و “صورة الله غير
المنظور” و “بهاء مجده (الله الآب) ورسم جوهره”، وقد كلمنا الله به
وفيه ومن خلاله مباشرة:

“الله
بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا فى هذه الأيام
الأخيرة فى ابنه الذى جعله وارثاً لكل شئ الذى به أيضاً عمل العالمين الذى وهو
بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته”(37).

ولن
المسيح هو كلمة الله الذاتى النازل من السماء فهو أعظم من الملائكة الذين حملوا
رسالات السماء إلى الأنبياء وأعظم من الأنبياء الذين حملوا رسالات السماء إلى
البشرية، والفرق بينه وبينهم هو الفرق بين “ابن الله” وخدام الله
وعبيده. يقول الكتاب عن الفرق بينه وبين الملائكة:

أنه
“أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم. لمن من الملائكة قال قط أنت
أبنى أنا اليوم ولدتك. وأيضاً أنا أكون له أباً وهو يكون لى أبناً. وأيضاً متى
أدخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع
ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور
ثم لمن من
الملائكة قال قط أجلس عن يمينى حتى أضع أعدائك موطناً لقدميك. أليس جميعهم أرواحاً
خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص”(38).

فالمسيح
هو الأعز وهو الابن، ابن الله، والبكر الذى تسجد له جميع ملائكة الله، والجالس عن
يمين الله الآب، بينما الملائكة هم أرواحاً خادمة وساجدة للسيد المسيح.

ويقول
الوحى الإلهى عن الفرق بين المسيح والأنبياء فى المقارنة بين موسى أعظم أنبياء
العهد القديم وبين المسيح “حسب أهلاً لمجد أكثر من موسى بمقدار ما لبانى
البيت من كرامة أكثر من البيت
وموسى كان أميناً فى كل بيته كخادم
شهادة للعتيدان يتكلم به. وأما المسيح فكأبن على بيته”(39).
موسى خادم فى بيت الله وإنما المسيح هو ابن الله وصاحب البيت ذاته..

الفرق
بين المسيح وبين الملائكة والأنبياء هو الفرق بين “الابن” و
“الوارث” و “صاحب البيت” وبين الخدام والعبيد فى ليت الله،
بين أبن الله وخدام وعبيد الله. ويبين لنا السيد المسيح نفسه الفرق بينه كابن الله
وبين الأنبياء كخدام الله وعبيده فى مثل الكرم والكرامين الأردياء:

“كان
إنسان رب البيت غرس كرماً وأحاطه بسياج
وسلمه إلى كرامين
وسافر. ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذوا أثماره. فأخذ
الكرامون عبيده وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً قائلاً يهابون أبنى. وأما الكرامون فلما
رأوا الابن قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه
وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه”(40).

السيد
المسيح يصف الله الآب هنا ب “صاحب الكرم” ويصف الأنبياء
“بالعبيد” وقادة إسرائيل “بالكرامين الأردياء” ويصف نفسه ب
“الابن، أبنه، أبنى، الوارث، أى أبن الله”.

ولأنه
ابن الله بينما الملائكة والأنبياء هم خدام الله وعبيده، فقد وصف نفسه بأنه
“الأعظم”، أعظم من الملائكة وأعظم من الأنبياء بل “وربهم”
جميعاً؛ فقال إنه “أعظم من يوحنا المعمدان”(41)
و “أعظم من يونان”(42)
النبى، و “أعزم من سليمان”(43)،
و “أعظم من يعقوب”(44)،
و “أعظم من إبراهيم” “ورب” إبراهيم “قبل أن يكون إبراهيم
أنا كائن”(45)، و “أعظم من
داود” و “رب” داود “وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع
قائلاً: ماذا تظنون فى المسيح. ابن من هو؟ قالوا ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه
داود بالروح رباً قائلاً قال الرب لربى.. فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون
أبنه؟”(46)، كما وصف نفسه بأنه
“أعظم من الهيكل”(47). فهو الأعظم فى السماء
وعلى الأرض والمسجود له من جميع الخلائق فى السماء وعلى الأرض “لكى تجثوا
بأسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن
يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”(48).
وكان هو رجاء جميع الأنبياء وقد تنبئوا جميعاً عنه فى كل أسفارهم “ابتدأ من
موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب
مكتوب عنى
فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير”(49)،
وجميع الأنبياء اشتهوا أن يروه وأن يسمعوه “أن أنبياء وأبراراً كثيرين اشتهوا
أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا. وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا”(50). وهذا ما أعلنه هو ذاته.

وبالتالى
فقد كانت رسالته مختلفة عن جميع الأنبياء، وكان شخصهن هو، هدف وغاية رسالات
الأنبياء، وكما كان هو غاية إعلانات السماء والإعلان السمائى الأخير، والذى فيه
تجلى الله على الأرض ظهر فى الجسد، فقد كان الإنجيل، إنجيله، إنجيل المسيح، هو
محور وجوهر وخلاصة وختام الوحى الإلهى والنبوة “فإن شهادة يسوع هى روح
النبوة”(51).

 

3- الإنجيل، جوهره ومضمونه:

الإنجيل،
كما بينا، ليس هو مجرد نصوص نزلت من السماء، إنما هو شخص وعمل وتعليم المسيح ذاته،
والمسيح ليس مجرد نبى نزل عليه وحى من السماء وإنما هو كلمة الله الذاتى الذى نزل
من السماء وأتخذ صورة العبد وظهر فى الجسد الإنسانى فى ملء الزمان. كما أن الإنجيل
لا يحتوى على مجرد تعاليم أو نواميس أو شرائع وإنما يقدم “بشارة الخلاص
الأبدى” لك البشرية فى كل العصور والأزمنة، فى شخص وعمل المسيح النازل من
السماء والإيمان به “كأبن الله الوحيد النازل من السماء ليعطى حياة أبدية
للعالم”. يقول القديس يوحنا الإنجيلى، بالوحى، عن محتوى وجوهر الإنجيل الذى
دونه بالروح القدس:

“وآيات
أخرى كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تُكتب فى هذا الكتاب (الإنجيل بحسب ما كتب
يوحنا). وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكى تكون لكم إذا
أمنتم حياة بأسمه”(52).

ويقول
عن جوهر ومحور الكرازة الإنجيلية، أو الرسالة المسيحية:

“الذى
كان من البدء الذى سمعناه الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة
كلمة الحياة. فإن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التى كانت
عند الآب وأظهرت لنا. الذى رأيناه وسمعناه نخبركم به كل يكون لكم أيضاً شركة معنا.
وأما شركتنا نحن فهى مع الآب ومع أبنه يسوع المسيح”(53).

“وهذه
هى وصيته (الله الآب) أن نؤمن بأسم ابنه يسوع المسيح”(54)،

“بهذا
أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل أبنه الوحيد إلى العالم لكى نحيا به.فى هذا
هى المحبة ليس أننا أحببنا الله بل هو أحبنا وأرسل أبنه كفارة لخطايانا
ونحن قد
نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الأبن مخلصاً للعالم. من أعترف أن يسوع هو ابن الله
فالله يثبت فيه وهو فى الله”(55)،

“إن
كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم لأن هذه هى شهادة الله التى قد شهد بها عن
ابنه. من يؤمن بأبن الله فعنده الشهادة فى نفسه. من لا يعرف الله فقد جعله كاذباً
لأنه لم يؤمن بالشهادة التى قد شهد بها الله عن أبنه. وهذه الشهادة أن الله أعطانا
حياة أبدية وهذه الحياة هى فى أبنه. من له الأبن فله الحياة ومن ليس له ابن الله
فليست له الحياة”(56)،

“يا
أولادى أكتب إليكم هذه لكى لا تخطئوا. وان أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع
المسيح البار وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايانا كل العالم
أيضاً”(57).

 

4- آلام المسيح وصلبه وقيامته، جوهر البشارة:

قال
السيد المسيح لتلاميذه بعد قيامته: “هذا هو الكلام كلمتكم له وأنا بعد معكم
انه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ
فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم
ويقوم من الأموات فى اليوم الثالث. وان يكرز بأسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع
الأمم مبتدأ من أورشليم. وأنتم شهود لذلك”(58).

وهو
بهذا يوضح لنا جوهر البشارة الأبدية، الإنجيل الأبدى، الأخبار السارة والتى سبق أن
أعلن عنها الوحى الإلهى فى جميع أسفار الأنبياء، وهى أنه لابد أن يقدم المسيح ذاته
على الصليب ويسفك دمه نيابة عن كل البشرية، من يؤمن به من البشر، يقدم ذاته كفارة
عن خطايا العالم وفدية عن الخطاة “هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد
لكى لا يهلك كل من يؤمن به ب لتكون له الحياة الأبدية”(59)،
“فإذ ذلك (المسيح) كان يجب أن يتألم مراراً كثيرة منذ تأسيس العالم ولكنه
الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه، وكما وضع للناس أن
يموتوا مرة ثم بعد الدينونة. هكذا المسيح أيضاً بعدما قدم مرة لكى يحمل خطايا
كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه”(60)،
فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقاً كرسه لنا حديثاً
بالحجاب أى جسده”(61)، “نحن مقدسون بتقديم
جسد يسوع المسيح مرة واحدة”(62).

مما
سبق يؤكد لنا أن جوهر البشارة هو ما قدمه المسيح للعالم، وهذا ما سبق أن تنبأ به
وأعلنه أنبياء العهد القديم، وما قدمه المسيح للعالم هو جسده الذى فيه تألم وصلب
ومات وقدم كفارة وفداء وخلاص للعالم أجمع، لكل يؤمن. وهذا ما نادت به الكنيسة منذ
لحظة ميلادها يوم الخمسين:

“وأما
إله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح تممه هكذا. فتوبوا
وأرجعوا لتمحى خطاياكم ولكى تأتى أوقات الفرج من عند الرب. ويرسل آخر تحت السماء
قد أعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص”(63).

والآيات
أيها الأخوة بالإنجيل الذى بشرتكم به وقبلتموه وفيه تقومون وبه أيضاً تخلصون
فإننى سلمت
إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه
دفن وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب”(64)،
“إنجيل الله الذى سبق فوعد به أنبيائه فى الكتب المقدسة عن أبنه. الذى صار من
نسل داود من جهة الجسد وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من
الأموات
يسوع
المسيح ربنا
الله الذى
أعبده بروحى فى إنجيل أبنه
لأنى لست أستحى بإنجيل المسيح لأنه قوة
الله للخلاص لكل من يؤمن
لأن فيه معلن بر الله”(65)،

“ولكن
إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنما هو مكتوم فى الهالكين الذين فيهم إله هذا الدهر قد
أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذى هو صورة الله.
فإننا لسنا نكرر بأنفسنا بل بالمسيح يسوع رباً ولكن بأنفسنا عبيداً لكم من أجل
يسوع. لأن الذى قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذى أشرق فى قلوبنا لمعرفة مجد الله
فى وجه يسوع المسيح”(66)، “إنه بإعلان عرفنى
بالسر
سر المسيح كما قد
أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح. أن الأمم شركاء فى الميراث والجسد
ونوال موعده فى المسيح بالإنجيل”(67).

“الذى
هو (المسيح) قبل كل شئ وفيه يقوم الكل
لأنه فيه سر، أن يحل
كل الملء “ملء اللاهوت”(68).
وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه
قد صالحكم
الآن فى جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه إن ثبتم على
الإيمان متأسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل الذى سمعتوه المكروز به فى
الخليقة التى تحت السماء”(69)،

“مخلصنا
يسوع المسيح الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل”(70)،

الإنجيل
إذاً هو غنى مجد المسيح صورة الله غير المنظور، نور المسيح الذى يشرق فى القلوب
قوة الله للخلاص بالمسيح، الخلود والحياة الأبدية فى المسيح، عمل الله فى المسيح
الذى سبق أن وعد به أنبياء فى القديم بالروح القدس “الخلاص الذى فتش وبحث عنه
أنبياء الذين تنبأوا عن النعمة بالآلام التى للمسيح والأمجاد التى بعدها”(71). أنه البشارة بالخلاص الأبدى البشارة المفرحة
والخبر السار بالحياة الأبدية فى المسيح، بشارة الخلود والحياة الأبدية فى المسيح.
ويمكن أن نلخص الإنجيل بعبارة واحدة هى: “إنجيل المسيح”،

“وأما
أنا فقد آتيت ليكون لهم حياة وليكون لهم أفضل”(72).

وهكذا
كان جوهر ومحور الكرازة المسيحية هو البشارة بالمسيح”:

“وكانوا
لا يزالون كل يوم فى الهيكل وفى البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح”(73)،

“وابتدأ
من هذا الكتاب (سفر إشعياء) فبشره بيسوع”(73).

 

(1)
استخدمت كلمة “إنجيل” فى الشعار هو ميروس الشاعر اليونانى صاحب الإلياذة
والأوديسا (ق8و9ق.م) بمعنى مكافأة لأخبار سارة ثم استخدمت منذ أيام ارستوفانيس
(450 – 388ق.م) بمعنى “الاحتفال بالأخبار السارة” وكانت تعبر عن أخبار
النصر فى الحروب، فكان الرسول الحامل لبشارة النصر يرفع حربته وهى مكللة بالغار
كما كان يحمل سعف النخل وينادى بصوت عال “بالإنجيل” أى “ببشارة
النصر” ويكرم هذا الرسول بأكاليل من الزهور وتقام الاحتفالات.

(2)
وردت الكلمة العبرية “بشارة” بمعنى أخبار سارة فى (2صم 20: 18،25،27؛ 2
مل 9: 7) وبمعنى مكافأة لأخبار سارة فى (2 صم 10: 4؛22: 18).

(3)
ويبدو أن نطق “إنجيل” فى العربية جاء من اللغة الحبشية التى تنطق الكلمة
“ونجيل” أو من اللغة الحميرية التى كانت لغة مسيحى العرب جنوبى الجزيرة
العربية (البشائر الأربعة. إنجيل واحد. د. مراد كامل ص5)، وربما جاء من اللغة
السريانية. وفى كل الأحوال فهى نطق محرف عن اليونانية.

(4)
متى 23: 4.

(5)
مر 14: 1.

(6)
متى 23: 4؛35: 9.

(7)
متى 14: 24.

(8)
مر 14: 1.

(9)
رو 16: 1؛19: 15،29؛ 1كو 15: 4؛18: 9؛ 2كو 12: 2؛4: 4؛13: 9؛14: 10؛ غل 7: 1؛ فى
27: 1؛ 1تس2: 3.

(10)
2تس 8: 1.

(11)
رو 9: 1.

(12)
رو 19: 15.

(13)
2كو 12: 2.

(14)
فى 27: 1.

(15)
عب 1: 1.

(16)
أع 1: 1،2.

(17)
يو 1: 1،2،14.

(18)
غل 4: 4.

(19)
فى 5: 2-7.

(20)
يو 29: 6-47.

(21)
يو 16: 3،17.

(22)
يو 29: 1.

(23)
يو 24: 4.

(24)
يو 46: 12،47.

(25)
مر 10: 13.

(26)
مر 15: 16،16.

(27)
متى 14: 24.

(28)
أع 1: 1،2.

(29)
مر 35: 8.

(30)
مر 29: 10.

(31)
متى 13: 26؛ مر 9: 14.

(32)
يو 6: 14-10.

(33)
عدد 6: 12-8.

(34)
هو 10: 12.

(36)
عب 7: 11.

(37)
عب 1: 1-3.

(38)
عب 4: 1-14.

(39)
عب 3: 3-6.

(40)
متى 33: 21-39.

(41)
متى 11: 11.

(42)
متى 41: 12.

(43)
لو 31: 11.

(44)
يو 12: 4.

(45)
يو 58: 8.

(46)
متى 41: 22-45.

(47)
متى 6: 12.

(48)
فى 10: 2،11.

(49)
لو 27: 24،44.

(50)
متى 7: 13.

(51)
رؤ 10: 19.

(52)
يو 31: 20.

(53)
1يو 1: 2-3.

(54)
1 يو 23: 3.

(55)
1يو 9: 4،10،14.

(56)
1يو 10: 5-12.

(57)
1يو 1: 2-2.

(58)
لو 44: 24-48.

(59)
يو 16: 3.

(60)
عب 26: 9-28.

(61)
عب 19: 10،20.

(62)
أع 8: 3-20.

(63)
أع 12: 4.

(64)
1كو 1: 15-4.

(65)
رو 1: 1-4،9،16،17.

(66)
2كو 3: 4-6.

(67)
أف 3: 3-6.

(68)
كو 9: 2.

(69)
كو 17: 1-23.

(70)
1بط 10: 1،11.

(71)
يو 10: 10.

(72)
أع 42: 5.

(73)
أع 35: 8 أنظر أع 36: 10؛32: 13؛18: 17؛ غل 16: 1؛ أف 8: 3.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار