الرب لن يُساعد من يسير وفق ما يتصور انه إرادة الله
ومن لا يدركون وصية الرب ويتبعون هواهم
الرسالة الحادية عشر للقديس أموناس تلميذ الأنبا أنطونيوس الكبير
الآن يا أخوتي، يا أحبائي في الرب، الذين أحبهم من كل قلبي، ها أنا أسمع أن المحاربات تتعبكم، وأخشى أن يكون هذا صادراً من أنفسكم. لأني سمعت أنكم تُريدون أن تتركوا مكانكم. وقد حزنت عندما سمعت ذلك، مع أن الحزن لم يدخل إلى نفسي منذ مدة طويلة. لأني أعلم علم اليقين أنكم إذا تركتم مكانكم الحالي فلن تتقدموا على الإطلاق، لأنها ليس إرادة الرب. فإذا تصرفتم على مسئوليتكم فلن يعمل الله معكم كما لن يُرافقكم. وأخشى أن يجرنا هذا إلى كثير من الخطايا .
إن اتبعنا هوانا فلن نحظى بمعونة الله التي تُدَّعم كل طرق الإنسان وتُنجحها، لأنه إن فعل أحد شيئاً متصوراً إنه من قِبَلّ الرب بينما هو في حقيقته صدى لإرادته فإن الرب لن يُساعده، فتمتلئ نفسه مرارة ويكون قلبه ضعيفاً في كل عمل تمتد إليه أيديه وبحجة التقدم والنمو يُمكن أن يسير المرء في طريق خاطئ يؤدي به إلى السخرية والهُزء، فإن حواء لم تُخدع إلاَّ من مثل هذه الحجة وهي الرغبة في التقدم، إذ حين سمعت ” تكونان كالله عارفين الخير والشرّ ” ( تك 3: 5 ) ولم تُميز صوت المتكلم: خالفت وصية الرب. وهكذا ليس فقط لم تنل خيراً، بل أيضاً حلت عليها اللعنة.
ويقول سليمان الحكيم في الأمثال: [ توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت ] ( أم 14: 12 ). وهو يقول هذا الكلام لِمَن لا يدركون وصية الرب بل يتبعون هواهم. لأن مثل هؤلاء – لعدم معرفتهم إرادة الرب – يعطيهم إبليس في البداية غيره تجعلهم يحسون بفرح غير حقيقي، وبعد ذلك ينقلب إلى حزن وكآبة. أما من يتبع إرادة الرب فأنه يتحمل مشقة كثيرة في البداية ولكنه بعد ذلك يجد راحة وفرحاً. لهذا لا تتسرعوا في عمل شيء ما على هواكم، بل انتظروا حتى آتي وأتحدث معكم.
وهناك ثلاثة دوافع تصاحب الإنسان في كل مكان، ومعظم الرهبان يجهلونها، عدا أولئك الذين بلغوا الكمال، الذين يقول عنهم الكتاب: [ وأما الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشرّ ] ( عبرانيين 5: 14 ).
فما هي هذه الدوافع الثلاثة ؟؟
دافع يقدمه العدو، ودافع ينشأ في القلب، بينما الثالث يغرسه الله في الإنسان. ومن بين هذه الدوافع لا يقبل الله إلاَّ الدافع الذي يغرسه هوَّ.
لهذا اختبروا أنفسكم لتتبينوا أياً من هذه الدوافع تدفعكم إلى أن تبرحوا مكانكم حتى لا تفعلوا ذلك قبل أن يأذن الله به. وأنا أعلم ما هي إرادة الله لكم ولكن من الصعب أن تدركوا أنتم إرادة الرب. فإذا لم ينكر الإنسان نفسه ورغباته ويُطيع آبائه الروحيين فلن يستطيع إدراك إرادة الرب، وحتى إذا أدركها فهو يفتقر إلى معونة الرب كي تساعده على تنفيذها.
هكذا ترون أنه أمر عظيم أن تدركوا إرادة الرب، وأعظم من هذا أن تصنعوها. غير أن يعقوب كان لديه الأمران لأنه أطاع آباءه . لذلك حين قال له أن يتوجه إلى فدان آرام حيث لابان ( تك 28: 2 ) أطاع على الفور، رغم أنه لم يكن يُريد الانفصال عن والديه. وإذ أطاع فقد ورث بركة. فإذا لم أكن، وأنا أبوكم الروحي – قد أطعت آبائي الروحيين – لم يكن الله قد كشف لي إرادته. لأنه مكتوب: [ بركة الأب تبني بيوت الأبناء ] ( ابن سيراخ 3: 9 ). وإن كنت قد تحملت أتعاباً كثيرة في الصحراء والجبال سائلاً الرب ليلاً ونهاراً حتى كشف لي عن إرادته، فاصنعوا ذلك أنتم أيضاً لأبيكم من أجل راحتكم وتقدمكم.
لكني سمعت أنكم كنتم تقولون: [ إن أبانا لا يدري بتعبنا ولا يشعر كيف أن يعقوب هرب من عيسو ]. لكننا نعرف أيضاً أنه لم يهرب بحسب مشيئته بل نزولاً على رأي والديه. فتشبهوا بيعقوب وانتظروا حتى يأذن لكم أبوكم وحتى يبارككم حين تذهبون وهكذا ينجح الرب أعمالكم.
أستودعكم في الرب . آمين
______________
عن كتاب رسائل القديس أموناس ص 47 – 50
العيد المئوي لكنيسة السيدة العذراء بالفجالة
1884 / 1984
تعريب : القمص متياس فريد + الشماس عزيز ناشد