إنجيل يهوذا
إنجيل يهوذا .. هل يؤثر إكتشافة على
المسيحية؟
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية
بمسطرد
الفهرس
مدخل: لدراسة
إنجيل يهوذا الأبوكريفي
الفصل
الأول: من هو يهوذا الإسخريوطي؟
الفصل
الثاني: النص الكامل لإنجيل يهوذا
الفصل
الثالث: مصدر تأليف إنجيل يهوذا الأبوكريفي – جماعة القاينيين وجماعة السيزيان
الفصل
الرابع: إنجيل يهوذا الأبوكريفي والكتب الأبوكريفية الأخرى
مدخل: لدراسة
إنجيل يهوذا الأبوكريفي
ابتداء من أول إبريل
2006م نشرت أخبار عن ترجمة ونشر النص الكامل لكتاب إنجيل يهوذا الأبوكريفي، الذي
وُجد في المخطوط القبطي. وقد أثارت هذه الأخبار بعض ردود الأفعال من جانب الناشرين
وبعض الصحف والمجلات، وجانب الكنيسة والمتخصصين في الفكر الغنوسي الذي كان له وجود
ملموس ابتداء من النصف الأول من القرن الثاني إلى القرن الخامس الميلادي. وقد هلل
أصحاب الجانب الأول وقاموا بعمل دعاية ضخمة للكتاب قبل أن ينشر كاملاً ونشروا بعض
فقراته وتصور بعضهم، ومن تأثر بفكرهم، أن ما جاء بهذا الكتاب، من نصوص، سيقلب
المسيحية رأساً على عقب، أو كما قالت صحيفة الجارديان البريطانية: ” أنها لو
صحت 00 لانقلبت المسيحية كلها رأساً علي عقب 00 ولأهتزت كل الأسس. وكل التقاليد,
وكل ما قامت عليه ثاني الديانات السماوية في العالم “!!
1 – التهليل للكتاب
المنحول دون فهم محتواه:
وكالعادة هرول العديد
من الكتاب العرب في الكثير من الصحف، المصرية والعربية، يهتفون ويهللون لهذا الكشف
الذي تصوروا وزعموا أنه سيدمر المسيحية ويقلبها رأساً على عقب!! وراحوا يمدحون
الكتاب وما جاء فيه دون قراءة نصه ومعرفة محتواه، وهل يتفق في فكره مع الفكر المسيحي
الُمسلم من المسيح لتلاميذه وخلفائهم، بل وهل يتفق مع الفكر اليهودي والإسلامي من
جهة الإيمان بإله واحد، أم لا؟! لقد تجاهلوا ذلك وراحوا فقط يهللون لدمار الفكر
المسيحي المنتظر، كما تخيلوا!! حتى أن الكاتب السياسي المعروف الأستاذ محسن محمد أخذ
يقول في جريدة الجمهورية الصادرة يوم الخميس 13/4/2006: ” في وثائق المنيا أن
السيد المسيح هو الذي طلب من يهوذا أن يبيعه ويسلمه للرومان 000 وعلي هذا الأساس
فأن يهوذا لم يخن السيد المسيح بل انه أطاعه عندما سلمه للرومان ولم يفعل ذلك
طمعاً أو خبثاً. وقال السيد المسيح ليهوذا: ستحتقر لهذا العمل وستلعنك الأجيال. وطبقاً
للأوراق الجديدة فإن الفاتيكان لابد أن يغير تفكيره وان يعرف أن ما فعله يهوذا كان
بتعليمات شخصية من السيد المسيح نفسه وانه كان مطيعاً له. وفي المؤتمر
أسماء العلماء الذين راجعوا أوراق البردي وقاموا بترجمتها وقبل ذلك بالتحقق من
صدقها وكلهم متخصصون في الدراسات القبطية واللغة اليونانية واللغة المصرية القديمة
وأوراق البردي التي وجدت في المنيا تدمر ألفي سنة من المعتقدات المسيحية
وتجعل ألاف اللوحات التي رسمها الفنانون عبر العصور بلا قيمة, أو أنها لا تمثل
الحقيقة. وهذه الأوراق تفوق بمراحل كل اللفائف التي وجدت في البحر الميت
“!!!
ومن بين العديد من
الجرائد والمجلات التي نشرت هذه الأخبار وهللت لها نشرت جريدة الفجر الصادرة
بتاريخ 3/4/2006م مقالة مترجمة لخصت فيها ما جاء في جريدتي الجارديان البريطانية
والميل اون تايم، وتعبر عن رأي الجريدة أيضاً، تقول فيها: ” تخشي قطاعات
كبيرة في الكنيسة الكاثوليكية أن يسبب ظهور ذلك الإنجيل هزة عنيفة في المعتقدات المسيحية,
ووصف احد خبراء الفاتيكان إنجيل يهوذا بأنه شديد الخطورة 00 أن المخطوطات التي
عثر عليها كانت مكتوبة باللغة القبطية. واغلب الظن أنها مترجمة عن اللغة اليونانية
القديمة, وتؤكد الاختبارات العلمية التي أجراها العلماء عليه أنه نص اصلي 00 أي
أنه تاريخياً نص لا يرقي إليه الشك 00 ما يمكن التشكيك فيه هو مدي مصداقيته, ومدي
حقيقة ما ورد فيه, خاصة أن أول دفاع أطلقه علماء الدين في الفاتيكان هو أن هذا
الإنجيل كتبته طائفة منشقة في أيام المسيحية الأولي, أرادت فقط أن تطهر سمعة يهوذا
الإسخريوطي.
تباري رجال الدين المسيحي
في الهجوم علي الإنجيل قبل أن يظهر 000 أن قلب الكنيسة الكاثوليكية الذي
يرفض منذ القرن الثاني الاعتراف بإنجيل يهوذا, ويتعامل معه علي أنه هرطقة شديدة
الخطورة لم يقبل أن يتراجع اليوم عن موقفه 00 أعلن الفاتيكان أن من الخطر كل
الخطر, أن يحاول احد الاقتراب من شخصية يهوذا بشكل يخالف ما ورد في الأناجيل
الأربعة 00 وأن نشر إنجيل يهوذا لن يسبب إلا ارتباكاً عنيفاً للمؤمنين بالمسيحية
في العالم كله.
ولم يفت الفاتيكان
الفرصة للهجوم علي قناة ناشيونال جيوجرافيك, وتصدي كثير من مؤرخي الكاثوليكية
للتنكيل بإنجيل يهوذا, مؤكدين علي أنه مجرد نص ناقص, لا يمكن أن يرسم صورة واضحة
لما كان عليه الوضع أيام المسيح, ورأي هؤلاء المؤرخون أن القناة لا تسعي إلا إلى
إحداث فرقعة إعلامية, خاصة أنها تنوي نشر مقاطع إنجيل يهوذا المترجم في عيد
القيامة 00 وقبل شهر واحد من إطلاق فيلم شفرة دافنشي الذي ينتظره العالم كله بشغف
00 لأنه يناقش المسيحية بنفس المنطق الذي يهرطق الثوابت 00 بلا أدلة تاريخية
أحياناً “.
وتقول شبكة النبأ
المعلوماتية: ” أعلن المجلس الأعلى للآثار المصرية الأربعاء أن مصر استعادت
من الولايات المتحدة مخطوطة تعتبر النسخة الوحيدة في العالم من انجيل يهوذا غير
المعترف به من جميع الكنائس المسيحية في العالم 000 وقال الأمين العام للمجلس
الأعلى للآثار المصرية زاهي حواس: ” وتبين بعد ترميم المخطوطة وترجمتها أنها
سفر ليهوذا الذي يصور أبعادا مختلفة لعلاقته مع السيد المسيح بشكل مختلف عما نجد
في الأناجيل الأربعة المعروفة متى ومرقص ولوقا ويوحنا والتي أقرها المجمع القبطي
الذي عقد في عام 325 ميلادية في أحد مدن آسيا الصغرى. وقال الحواس إن الإنجيل
المكتشف يظهر أن يهوذا لم يخن المسيح ولم يسلمه للرومان مقابل 30 قطعة من الفضة بل
كان الحواري الطائع الأمين الذي قام بهذا العمل بناء على أوامر السيد المسيح
نفسه “.
وتقول جريدة ال BBC العربية: ” يهوذا: خائن للمسيح أم صديقه الأقرب؟ يهوذا لم
يكن خائنا وإنما صديق مقرب ليسوع المسيح، وعندما أسلمه للرومان لم يكن يفعل ذلك
إلا استجابة لرغبة صديقه الحميم. قد يكون هذا النبأ بمثابة الصدمة لبعض
المتدينين حيث تقر معظم الروايات الدينية التي وردت في العهد الجديد غير ذلك، وتصور
أناجيل متى ومرقص ولوقا ويوحنا يهوذا الإسخريوطي وهو أحد الحواريين من تلاميذ
المسيح على أنه شخص به مس من الشيطان، أسلم يسوع للرومان لقاء حفنة من النقود ثم انتحر.
لكن المؤتمر الحاشد الذي دعت إليه الجمعية الوطنية الجغرافية في واشنطن يوم الخميس،
تعرض بالشك للكثير من هذه المفاهيم. فقد كٌشف النقاب خلال المؤتمر عن إنجيل جديد
هو ” إنجيل يهوذا ” الذي يبين أن يهوذا كان من أقرب المقربين ليسوع
وربما كان أقربهم إليه وأنه لهذا السبب طلب منه يسوع أن يخلصه من عبء الجسد
ليتحد في طبيعته الإلهية فقط “.
وتقول جريدة نوافذ
الاليكترونية: ” قررت الجمعية الوطنية الجغرافية الأميركية التي تصدر المجلة
الشهرية ذائعة الصيت (National
geographic) نشر إنجيل يهوذا الإسخريوطي،
وهو الإنجيل الذي سيعود قريباً إلى مصر ليودع بالمتحف القبطي بالقاهرة. كان
الإنجيل المنسوب ليهوذا اكتشف عند مدينة (بنى مزار) بالمنيا شمال الصعيد في العام
1978 وتم تهريبه إلى الخارج ووصل إلى.سويسرا. وفي العام 2000
وضعت ” جمعية
الفنون القديمة ” ببازل يدها على المخطوط ذي الورقات الثلاث عشرة، وبدأت
بترجمتها من اللغة القبطية القديمة إلى عدد من اللغات الحية. وفي العام الماضي
وقعت الجمعيتان الأميركية والسويسرية اتفاقاً لنشر هذا الإنجيل، بعد أن يتم ترميمه
بمبلغ مليوني دولار تتقاسمهما الجمعيتان تحت إشراف العالم السويسري رودلف كاسير. ولأن
الكنائس الرسمية في مصر والعالم تأبى الاعتراف بهذا الإنجيل، فإنها استحسنت أن
تسميه بإنجيل ” المنيا ” – حيث عثر عليه – وإن كان المجلس الأعلى
للآثار المصرية ماض في طريقه إلى استرداد هذا الإنجيل، حرصاً على قيمته الأثرية،
تاركاً الجدل الديني والمذهبي يشتعل حوله. فهذه المساحة ليست في دائرة اختصاصه!
ولكن، لماذا ترفض
الكنائس في مصر والعالم هذا الإنجيل، بل لماذا ترفض أساساً نسبته إلى يهوذا؟ القصة
المعترف بها لدى جميع الكنائس أن يهوذا الإسخريوطي شنق نفسه بفرع شجرة تين بعد وقت
ضئيل من خيانته للمسيح، تكفيراً عن ذنبه وشعوره بالخيانة. لكن هذا الإنجيل الذي
عثر عليه بالمنيا يظهر يهوذا بصورة مغايرة، فيصفه بالتلميذ المفضل للمسيح،
ويضع خيانته في خانة استكمال ” المهمة السماوية ” التي تقود إلى موت
المسيح على الصليب إنقاذاً للبشرية، وهذا يؤسس لوجود أهم المبادئ في
المسيحية وهو ” سر القيامة “، ما يتطابق مع نظرة المذهب ” الغنوسي
” الذي يعود إلى القرن الثاني الميلادي، والذي عدته الكنيسة في حينه خصمها الأول،
والغنوسية تعتبر يهوذا (الخائن) أكثر حواريي المسيح استنارة، لأنه تصرف بطريقة
خلصت البشرية من ذنوبها من خلال صلب المسيح وقيامته، وهكذا تمحو من يهوذا أية شبهة
للخيانة!
الكنيسة الأرثوذكسية
المصرية تطعن بالتزوير على هذا المخطوط، نافية أنه ليهوذا الإسخريوطي. فيهوذا ليس
لديه وقت ليكتب شيئاً 000 أما د. زاهي حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار
المصرية فيقول: ليس للمجلس شأن بالجدل الديني حول هذا المخطوط، ومن البداية
رفضنا أن نسميه بإنجيل يهوذا فهو مسمى صحافي أكثر من كونه مسمى علمياً.
أيضاً المجلس يضم خبراء وعلماء ومفتشين في علوم الآثار لا رجال دين. ونحن نسترد
هذا المخطوط ليس لأننا نؤمن بما كتب فيه وإنما لأن عمره بلغ أكثر من 1700 سنة،
أي أنه مخطوط أثرى ومكتشف في أرضنا، واسترداده يأتي كجزء من سياق استردادنا
لآثارنا المسروقة المهربة إلى الخارج، والتي قمنا باسترداد عدد منها في السنين
الأخيرة!
2 – قصة اكتشاف إنجيل
يهوذا المنحول ونشره:
وتتابع جريدة الفجر
” قصة اكتشاف إنجيل يهوذا في مصر. وتهريبه منها 00 ثم عودته إليها, قصة
عجيبة, تحيط بها عشرات من علامات الاستفهام. لقد اكتشف الفلاحون المصريون تلك
المخطوطات لإنجيل يهوذا في إحدى قري محافظة المنيا في أواخر السبعينات (1978م)00
ولأنهم لم يعرفوا اللغة التي كتب بها, ولا معني ما ورد فيه. باعوه لرجل من القاهرة
باعه بدوره إلى احد تجار الآثار, الذي لم يفهم مدي أهميتها, فألقاها بإهمال في
مخازنه.
ظلت المخطوطات مع تاجر
الآثار المصري حتى رآها احد الخبراء السويسريين معه 00 كان ذلك الخبير واعياً بما
يكفي بمعني تلك المخطوطات, فسرقها وهربها إلى سويسرا 00 لكنها عادت مرة أخري إلى
القاهرة 00 غالباًَ بعدما استعادها تاجر الآثار المصري الذي نبهته سرقة المخطوطات
إلى مدى أهميتها 00 كل تلك المحاولات عرضت المخطوطات إلى تدمير عنيف 00 جعل أجزاء
منها ممسوحة تماماً. أو مقطعة إلى أجزاء, بشكل يوحي بأن احدهم مزقها في محاولة
لبيعها إلى من يدفع أكثر 00 سواء كانوا واحداً أو أكثر.
فشل تاجر الآثار
المصري في بيع تلك المخطوطات التي أراد الكل الحصول عليها مجاناً ولو بسرقتها 00
فألقاها بإهمال في احدي الخزائن البنكية في لونج ايلاند بنيويورك, وظلت هناك لمدة
16 سنة دمرتها أكثر, وزادت من صعوبة قراءة المكتوب فيها.
كان ذلك قبل أن تظهر
في الصورة باحثة اسمها ” فريدا نوسبرجر ” 00 هي خبيرة سويسرية في الآثار
وكانت احد أهم المتعاملين مع مهرب الآثار المصري طارق السويسي الذي يواجه عقوبة
الحبس حالياً.
كان اسم طارق السويسي
هو الاسم الذي ورد في أوراق كل من اهتم بتاريخ إنجيل يهوذا 00ولم يجهل احدهم
الإشارة صراحة إلى الصلة التي كانت تربط بينه وبين ” فريدا ” قبل دخوله
السجن 00 ويبدو أن طارق السويسي هو الذي كتب الفصل الختامي لخروج إنجيل يهوذا من
مصر كما يقول الباحث مايكل فان رين. احد كبار الباحثين في الآثار , وصاحب الاهتمام
الخاص بإنجيل يهوذا 00 أن ذلك الرجل هو احد أعداء تجارة التهريب غير الشرعي للآثار
ولذلك لم يتردد في فضح فريدا نوسبرجر, ولا في الإعلان للناس عن محاولتها بيع
مخطوطات إنجيل يهوذا, بعد أن حصلت عليها بشكل غير قانوني من مصر, إلى تاجر أثار
أمريكي في أوهايو اسمه بروس فيريني مقابل 2,5 مليون دولار.
لكن 00 فشلت محاولة
بيع إنجيل يهوذا إلى تاجر الآثار الأمريكي بعدما انكشفت المسألة وتزعم مايكل فان
رين حملة تطالب بإعادة هذا الإنجيل إلى مصر, لأنها الدولة الوحيدة التي تمتلك الحق
في تلك المخطوطات التي تم اكتشافها في أراضيها 00 وأمام تلك الحملة قدمت المؤسسة
السويسرية المخطوطات إلى مجلة ناشيونال جيوجرافيك 00 العلمية 00 الجادة, التي لم
تتردد بدورها في تشكيل فريق بحث ضخم من الخبراء والمؤرخين والمترجمين لفك غموض ذلك
الإنجيل العجيب 00 الحائر 00 والمثير أن كل من يعملون في المشروع مقتنعون تماماً
بضرورة إعادة النسخة الأصلية إلى مصر بعد أن ينتهوا منه, هو أمر, تعهدت مؤسسة
” مسيناس ” السويسرية التي تمتلك الإنجيل بإعادته رسمياً إلى مصر بعد
ترجمة محتوياته ونشرها 00 وانتهت القصة نهاية سعيدة بأن تفضلت الحكومة المصرية
بقبول العرض الذي قدمته لها المؤسسة السويسرية. دون أن تعرف علي الأرجح معني. ولا
مدي أهمية المخطوطات التي ستعيدها سويسرا إليها “.
3 – ما هي سمات هذا
الكتاب المنحول، ومن هو كاتبه؟
وقبل البدء في دراسة
هذا الكتاب الأبوكريفي المنحول نحب أن نوضح أنه لا يمكن أن يطلق عليه تعبير إنجيل
لأنه لا يحمل أي سمات للإنجيل. فكلمة إنجيل تعنى الخبر المفرح أو البشارة السارة
أو بشارة الملكوت. وجوهره كما قال القديس لوقا بالروح هو: ” جميع ما ابتدأ
يسوع يفعله ويعلّم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه ” (أع1: 1و2)، وكما قال
القديس يوحنا بالروح: ” وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو
المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه ” (يو20: 31).
وكانت هذه الأمور مؤكدة في الكنيسة كما تسلمتها من تلاميذ المسيح ورسله ” الأمور
المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة ” (لو1:
1و2). كما شهد القديس يوحنا وشهدت الكنيسة معه أنه يكتب عن الحق: ” هذا
هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق ”
(يو21: 24). الإنجيل إذا هو البشارة المفرحة بالخلاص الذي تم بتجسد المسيح وصلبه
وقيامته وفدائه للبشرية، وكان عمله وتعليمه متمماً للعهد القديم وصابغه بصبغة
المحبة، فقد تم في المسيح جميع ما تنبأ به عنه أنبياء العهد القديم من نبوات ورموز،
وصبغ وصاياه وناموسه بصبغة المحبة وقدمها في ضوء العهد الجديد.
أما هذا
الكتاب المنحول فنرى فيه مسيح أخر لا صلة له بالمسيح يسوع، مسيح التاريخ والمسيحية،
وإله أخر غير الله الذي نؤمن به، وإنجيل أخر يتميز بالصوفية والسرية والغموض لا
يفهمه إلا من يدعون المعرفة الإلهية!! فمسيح هذا الإنجيل المنحول كائن خيالي لا
وجود له في الواقع يظهر ويختفي ولا يعلم أحد إلى أين يذهب ولا متى يأتي، لا ميلاد
له ولا هيئة محددة بل يظهر في أشكال متنوعة وغالباً ما كان يظهر لتلاميذه كطفل! أما
تلاميذ المسيح ورسله، عدا يهوذا، فيقول لنا أنهم لم يعبدوا الإله الحقيقي بل عبدوا
إلهاً أخراً أقل وشرير، ويهوذا وحده هو الذي كان يعرف الإله الحقيقي!! ولذا كشف له
يسوع أسرار الملكوت، وحده!! كما يقدم لنا قصة أسطورية خرافية سرية غامضة عن خلق
الكون تتعدد فيها الآلهة!! فهناك الإله الحقيقي غير المدرك وغير المعروف وهناك
الإله المولود الذاتي والإله باربيلو المخنث أو المزدوج الجنس وهناك الإله سكالاس
الذي خلق هو وملائكته البشرية!! هذا بخلاف سلسلة لا تحصى من الآلهة والأيونات التي
هي كائنات روحية إلهية والملائكة ذات الصفة اللاهوتية التي لا تحصى ولا تعد!!
ويصور لنا شيث الابن الثالث لآدم كتجسد أول للمسيح، ويصوره ككائن إلهي تجسد في شكل
وصورة الكائن البشري!! كما يقول لنا أن آدم وحواء كان لهما وجوداً سابقاً في عالم
اللاهوت قبل أن يخلقا كبشر!! وهذا الفكر هو خليط ومزيج للوثنية الأفلاطونية
واليونانية والزردشتية والمصرية مع اليهودية المتأثرة باليونانية مع مسحة خفيفة من
المسيحية!!
ويحول
خيانة يهوذا للمسيح من خيانة تلميذ لمعلمه إلى سر الخيانة المقدس الذي تم بناء على
طلب المسيح نفسه من يهوذا ليخونه ويسلمه لليهود حتى يصلب ويقدم الفداء للبشرية بموت
جسده على الصليب!!
ومن هنا
أجمع العلماء وكل من درسوا هذا الكتاب المنحول على أنه كتاب غنوسي خرج من دائرة
إحدى فرق هذه الهرطقة التي مزجت المسيحية بالوثنية والتي ظهرت في النصف الأول
للقرن الثاني، وأن نصه الأول كتب فيما بين 130 و170م، حوالي سنة 150م، بعد موت
يهوذا بأكثر من 120 سنة وبعد انتقال آخر التلاميذ بحوالي 50 سنة، وأنه من المستحيل
أن يكون كاتبه هو يهوذا الإسخريوطي أو أي أحد له صلة به، فيهوذا كما يقول هذا
الكتاب المنحول نفسه مات مكللاً بالعار وملعوناً من التلاميذ الذين كانوا يعتقدون
بخيانته للمسيح، وأن الإنجيل المنسوب له هو إنجيل سري ورواية سرية خاصة به وحده،
ومن المفترض أنه لم يكشف عنه لأحد، كما أن ما جاء به من أفكار وخرافات لم يكن لها
أي وجود في وسط التلاميذ الذين كانوا، جميعهم من خلفية يهودية لا تؤمن بهذه
الأفكار الوثنية، أو في وسط آباء الكنيسة، ولم تظهر إلا بعد ظهور الفرق الغنوسية
التي كتبته كما سنوضح في الفصلين الثالث والرابع.