أهمية الصور وفائدتها
أهمية
الصور وفائدتها
المتنيح
الأنبا غريغوريوس
جريدة
وطنى 15/7/2007م
إن
فن التصوير لا يقل أبدا أهمية عن الوعظ والتعليم لأنه أسلوب
آخر من الوعظ الديني، فكما أن الواعظ بالكلام أو الإرشاد أو الموعظة
أو القصة التي يرويها، يحاول بتأثيرالكلمات أن يجعل الإنسان يأخذ
صورة ذهنية، وهذه الصورة الذهنية هي التي تؤثر فيه، فالفنان يصل
إلي هذا عن طريق التصوير فعليا علي الورق أو علي الحائط أو
علي الخشب…فيحدث نفس الأثر وأعمق، ممكن أن نعتبر الصورة مثل
العظة وأقوي منها، وأيضا مثل الصلاة، وفي بعض الأحيان تكون أقوي
حتي من الصلاة، وأنا اعتبر أن عمل الصورة هو نوع من الصلاة،
لأن في الصلاة نتأمل ونستحضر أفكارا، ثم نعبر عن مشاعرنا في ألفاظ
في حضرة الله، والفنان يعمل نفس العملية بالضبط لأنه يدخل داخل
نفسه أولانتيجة الدراسة، ثم يرسم التعبير نتيجة التأثير النفسي الذي
بداخله، بالضبط مثل الصلاة تماما.فهو أسلوب آخر من أساليب الوعظ
أو الصلاة، فالفن من هذه الوجهة ممكن أن يعتبر تعبيرا آخر من
تعبيرات العبادة، من هنا كانت الكنيسة منذ الابتداء تحتم الصور
وتري فيها وسيلة تعبير ووسيلة تأثير، والإنسان عندما يستخدم حواسه،
وقد أعطي هذه الحواس من الله لكي يتوسل بها ويتضرع بها لما
هو يفيده، لأن المعرفة في العالم الخارجي تصل إلينا عن طريق الحواس،
والمعرفة التي ننقلها نحن إلي العالم الخارجي تخرج منا عن طريق
الحواس، فأرواحنا مغلقة في وسط أجسامنا، ولكن الحواس تعتبر أبوابا
أو منافذ من الخارج إلي الداخل ومن الداخل إلي الخارج، فالصور
نوع من أنواع الطقوس التي هي وسيلة تعبير، وأيضا وسيلة تأثير،
وهذه مسأله تتمشي جدا مع طبيعة الإنسان، لأن الإنسان بطبيعته موجود
في الجسد وله حواس، والمعرفة تنتقل إليه عن طريق الحواس، وأيضا
ينقل هو هذه المعرفة إلي الآخرين عن طريق هذه الحواس، فالديانة
الناجحة هي الديانة التي تستغل هذه الحواس، ولا تتجاهلها لأننا
لسنا عقولا مجردة وإنما نحن كائنات لنا عقول في أجساد، وهذا ما
قاله يوحنا ذهبي الفم ‘أيها المسيحي لو كنت عاريا عن الجسد لكانت
عطايا الله تمنح لك علي هذا النمط، ولكن حيث أن نفسك متحدة
بجسدك فلزم أن الله يعطيك بعلامات محسوسة الأمور التي لا تدرك
إلا بالعقل’.
فوائد الصور:
فأمر
موضوع الصور وفائدتها لا يمكن أن ننكره إلا إذا أنكرنا طبيعة
الإنسان، ولذلك من ضمن الوسائل والوسائط التربوية لتعليم الأطفال
ما يسمونه وسائل الإيضاح من مصورات أو خرائط، وأحيانا يأخذون الأطفال
إلي الأماكن التي يرون فيها حيوانات مثل حديقة الحيوانات، وأحيانا
تعرض علي الأطفال أفلام سينمائية تعبيرية، ونري أن كتب الأطفال
كلها حسب الطريقة التربوية الحديثة كلها مصورات، وحتي الكتب التي
تقدم اللغة للأطفال وللكبار أيضا في جميع اللغات، تجد فيها صورا،
وجميع المجلات الآن مملوءة بالصور، وحتي الصحف العامة وإن كان لا
يوجد صورة يضعون صورة صاحب المقال، فهذا شئ في طبيعة الإنسان،
فكيف ننكر قيمة الصور وفائدتها وأثرها، وعملها في حياتنا، هذا كلام
ضد طبيعة الإنسان.
لذلك
منذ الابتداء موضوع الصور واحترام الصور وإجلال الصور، والإيمان بفائدة
الصور، دائما كان عندنا منذ الابتداء.
المظاهر الروحية الرائعة للصور:
عندما
يكون في مكان العبادة صور مقدسة طاهرة، نظرات عيونها كلها تثير
الطهارة، فتجدها كأنها نداءات نحو الفضيلة، ويوجد كثيريون لا يكتفون
بأن تكون هذه الصور موجودة في الكنائس، وإنما أيضا يضعوا هذه
الصور في بيوتهم، لأنهم يشعرون أن هذه الصور لها بركة، وهناك إحساس
أيضا أنها تحضر الملائكة، بينما تهرب الشياطين من الأماكن التي
فيها الصور، وهذا الكلام يسمع أحيانا من السحرة فيقول الواحد منهم،
هذا البيت لا أقدر أن أدخله لأن فيه أشياء كثيرة جدا مقدسة
من الصور والكتب المقدسة، فوجود الصور حتي في البيوت لها فوائد
وتحضر البركة، حتي يقال عن لص من اللصوص أنه دخل بيتا من البيوت
لكي يسرق، فوجد صور قديسين، فشعر كأنها توبخه، فقلبها لكي يتمكن
من السرقة، لأنه كان يحس أن عيونها توبخه وتزجره، وعندنا في تقليد
الكنيسة أن هذه الصور المقدسة أحيانا تكون مجالا لمظاهر روحية
رائعة، فمن ذلك المعروف أن في حادثة نقل جبل المقطم، عندما ظهرت
السيدة العذراء للبطريرك الأنبا إبرآم الثاني والستين من بطاركة
الكرسي المرقسي، الذي كان مطلوبا منه أن ينقل الجبل المقطم في
أيام الخليفة المعز، وعندما عقد صوما ثلاثة أيام وكان واقفا يصلي
ويبكي ويطلب تدخل الله، فالقصة تروي أن العذراء ظهرت له خارج
أيقونتها وكلمته، وهذه القصة لها في نظائرها الكثير، أن القديسين
يظهرون من صورهم، توجد قصة لطيفة للقديس أبي سيفين وهو مرقوريوس
فيلوباتير، نعلم أن الملاك ميخائيل ظهر له وأعطاه سيفا وقال له
بهذا تنتصر، وكان القائد الأعلي للقوات المسلحة في الإمبراطورية الرومانية
أيام ديكيوس، بعد أن استشهد وأقاموا علي جسده كنيسة تخليدا لذكراه،
أخذوا سيفه وهو غير سيف الملاك ميخائيل وعلقوه في الكنيسة، وفي
أيام إمبراطور عرف في التاريخ باسم يوليانوس الجاحد، أو الكافر
أو المرتد، هذا الرجل من كثرة كراهيته للمسيح كان لا يشاء أن
ينطق أحيانا اسمه فكان يسميه الجليلي، فهذا الرجل دخل في حرب
مع الفرس واستجابة لصلوات وتضرعات المسيحيين الذين عانوا في أيامه
ما عانوا، هزم هذا الإمبراطور في حربه مع الفرس وقتل، وكانت العبارة
الأخيرة التي قالها ‘لقد غلبتني أيها الجليلي’ ثم مات.أبو سيفين
كان له دور في هذا، لأن القديس باسيليوس الكبير البطريرك المعروف
المنسوب إليه القداس الباسيلي، والذي كان رجلا روحانيا، ورآه الأنبا
إبرآم السرياني عمودا من نور بين الأرض والسماء، وقال ‘هذا هو
باسيليوس’,القديس باسيليوس وجد أن سيف أبي سيفين غيرموجود في مكانه،
اختفي السيف فتعجب، كان هذا الكلام في أيام الحرب، وبعد قليل رجع
السيف في مكانه ثم جاءت الأخبار أن يوليانوس قتل وأنه هزم، فالقديس
باسيليوس نظر لصورة أبوي سيفين وقال ‘أنت الذي قتلته’,ورأي أبي
سيفين طأطأ برأسه في الصورة، ولذلك عملوا صورة أخري لأبي سيفين
يظهر فيها مطأطئ رأسه ويقول نعم والقديس باسيليوس واقف، هذه الصورة
رسمت تخليدا لهذه الواقعة.
فهذه
الصور مباركة، وتظهر منها معجزات في بعض الأحيان، هذا مجال واسع
جدا لا نريد أن نتكلم فيه لأنه ليس مجال الروحانيات، ومثلا في
الأديرة يوجد في كل دير من الأديرة حصن، من أيام القديس زينون
أبو القديسة إيلارية وكان الرهبان يدخلون فيه، ثم يشدون البكرة
فيرتفع الكوبري ويغلق الحصن وينفصل عن الدير، فالرهبان يعتزلون في
هذا الحصن، هربا من حروب البربر أو مايسمونهم عرب البدو، الذين
كانوا يهجمون علي الأديرة ويقتلون الرهبان.وفي أعلي الحصن كنيسة
لكي يصلي فيها الرهبان، ودائما تكون باسم الملاك ميخائيل باعتباره
أنه رئيس جند الرب.وفي الحصن طاقات منحنية لكي يقدر الرهبان
أن ينظروا منها إخوانهم الرهبان الذين لم يقدروا أن يصلوا إلي
هذا الملجأ، ففي بعض المرات حدث أن أحد الآباء الرهبان الروحانيين
رأي الرهبان الذين بالدير، الذين لم يستطيعوا أن يصلوا للحصن يقتلون،
فأخذته الغيرة والحماسة والغضب، ونظر في الكنيسة فرأي صور مارجرجس
وأبو سيفين والأمير تادرس وهولاء الناس العظماء الروحانيين، فقال
في نبرة غضب: ‘أنتم قاعدين هنا وتاركين الرهبان يقتلون، انصرف شوف
شغلك أنت وهو’فوجد كل الصور انمحت من البراويز، فنظر من الفتحه
فوجد ضباطا يحاربون هؤلاء الناس الذين يقتلون الرهبان وهم القديسون
مارجرجس وأبي سيفين والأمير تادرس فاستعجب جدا، وبعد أن انتهت المعركة
وجد الصور كما هي، ورجع القديسون إلي أماكنهم.من أجل ذلك الكنيسة
تدهن الصور بالميرون، لكي يحل فيها الروح القدس وتكون مقدسة ومدشنة،
لأجل ذلك تكون هذه الصور لها قداسة خاصة، ولها معان في نفوس
المسيحيين، وتكون مجال الاحترام والتقدير والإكبار.
الاهتمام بالإيقونات في روسيا الملحدة:
وأيضا
في الكنائس البيزنطية مبدأ احترام الإيقونات مبدأ سائد، وفي روسيا
حاليا عدد من الكنائس، تحولت إلي متاحف، بمعني لا أحد يصلي فيها،
إنما تدخل فتجد كنيسة كاملة وتجد الإيقونات فيها من أجمل ومن
أروع الجمال الديني، والحكومة تحضر علي نفقتها الفنان المختص لكي
يقوم بترميم للصور أو ترميم للمبني نفسه والقباب يطلوها بالذهب،
وكل سنة يجددون هذا، فالحكومة تنفق حاليا ملايين الملايين علي ترميم
الكنائس وعلي ترميم الإيقونات بمعرفة الفنانين.ليس تحت اسم الدين
ولكن تحت اسم الآثار وحفظ الآثار وحفظ التراث، ومن أجل السياحة
هذه الكنائس يسمونها متاحف، إنما هي كنائس كاملة لم تمسها يد
التحطيم أبدا، مع الأسف البالغ نجد الفرق واضح بين بلد آخر مثل
تركيا، كيف تحطم الموازييك الجميل وهو من القرن السادس للميلاد،
تري في كنيسة ‘تي آجيا صوفيا’ كيف تحطمت أجزاء كبيرة منه، الأمر
الذي يجعل الواحد كإنسان يحزن علي هذه العقلية التركية، وعلي هذه
الهمجية التركية، لأن هذا الفن وهذاالجمال من الوجهة الإنسانية البحتة
وليس الدينية، الإنسان لا يرضي أن هذا الجمال يتحطم بهذا الشكل،
ولذلك تجد كل فرد يذهب ليري كنيسة تي أجيا صوفيا وهي الآن
متحف، بلا شك يخرج ساخطا ويلعن هذا الشعب الذي في عقليته وتفكيره
أنه يعادي الفن ويعادي قيم الإنسان، تجد صورا رائعة، العذراء كاملة
وهي تحمل المسيح، حاجة جميلة جدا جدا، وتجد الكروبيم والسيرافيم،
وتجد أجزاء كبيرة محطمة فتحزن وتأسف، وتجد في روسيا علي الرغم
من الإلحاد أن هذه الكنائس باقية والصور باقية، ويقومون بالترميم
سواء كان فيما يتصل بالعمارة نفسها، أو فيما يتصل بالديكور وهي
الصور والإيقونات، وكل هذا يرجع إلي أن هناك خلفية روحية علي
الرغم من أن الدولة ملحدة رسميا، لكن الخلفية الروحية الدينية الموجودة
في روسيا، منعت من أن هذه الكنائس وهذه الصور والإيقونات تتحطم
حتي الآن، وتجد الإيقونات في كل مكان حتي في قاعات الطعام، وعندما
يصلون يتجهون نحو الإيقونة.لأن هناك تاريخا خلف هذا الإلحاد، هو
تاريخ روسياالمتدينة، وهذا هو السبب أن روسيا علي الرغم من الإلحاد
الرسمي هناك فرق ضخم جدا بين روسيا وبين الصين، وهذا مصدر الخلاف
بين الشيوعية في الصين، والشيوعية في روسيا، فتجد أن الصين تتهم
روسيا أنها خانت الماركسية، والحقيقة أن روسيا علي الرغم من الشيوعية
الرسمية، فإنه نظرا للخلفية المسيحية الأرثوذكسية حدث نوع من التكيف،
فالماركسية الموجودة الآن في روسيا ليست هي بعينها الماركسية في
الصين، وذلك يرجع للخلفية الموجودة عند هذا الشعب.