علم التاريخ

ثانياً: عصر المكابيين( ) (175-63 ق



ثانياً: عصر المكابيين( ) (175-63 ق

ثانياً:
عصر المكابيين([1])
(17563 ق.م)

(أ)
بدء حكم أنطيوخس إبيفانس وبوادر الثورة المكابية (175166 ق.م):

الأسباب الأُولى والأساسية التي أدَّت إلى الثورة اليهودية
هي النزاع القائم
بين شيعة الأتقياء([2])
“حسيديم” المستقيمي الرأي والمتمسكين بالدين والتقاليد،
والشيعة المثقَّفة
اليونانية والتي اصطبغت بصبغة تختلف تماماً عن باقي اليهود في الفكر والدين
والسياسة، والتي أرادت أن تفرض الرقي المدني
اليوناني في البلاد. وإن
كانت مظاهر الثورة لا تشير إلى وجود العنصر الديني
واضحاً، إلاَّ أن الدوافع الأصيلة العميقة كانت التعصُّب للتقاليد الموروثة. كذلك
كان النزاع القديم الموروث بين بيت “أونياس” أي رؤساء الكهنة، وبيت “طوبيا” أي رؤساء الضرائب، من العوامل الفعَّالة التي زكَّت
الثورة وإنما بطريق غير
مباشر.

كما
أن انقسام بيت “أونياس” وبيت “طوبيا” إلى سلالات سورية ومصرية متنافرة([3])
كان من الأسباب التي زادت من حدة الثورة.

كان
السبب الأول للثورة هو رفض جماعة “الأتقياء”- حسيديم- حق الحكام اليونان، أي
أنطيوخس إبيفانس (175164 ق.م)، في تعيين رؤساء الكهنة حتى ولو كان من
الوجهة السياسية المحضة بصفتهم رؤساء مسئولين أمام الولاة عن أحوال الشعب
السياسية. وكان العمل الإيجابي الذي قاموا به للتحدي هو رفضهم “منلاوس” من أن يكون
رئيساً للكهنة بعد أن عيَّنه أنطيوخس خلفاً لرئيس الكهنة “ياسون” (الذي كان
مُعيَّناً أيضاً سابقاً بواسطة أنطيوخس، والذي هرب إلى بلاد العمونيين وأقام
هناك)، باعتبار أن رئيس الكهنة يتحتَّم أن يكون ويتعيَّن ويُمسح من قِبَل الله لا
من قِبَل الناس.

ومما
زاد من إثارة “الأتقياء” هو أن منلاوس لم يكن من بيت رئيس الكهنة، وكان قد اشترك
في مقتل أونياس رئيس الكهنة القانوني السابق. وهذه الحادثة يشير إليها دانيال
النبي (26: 9)، (22: 11). كما أنهم اتهموه بسرقة أواني الهيكل (2مك 4: 3942).

وهنا تدخَّلت الشيعة- اليهودية اليونانية- لمناصرة أنطيوخس
في إعطائه الحق، محاولة منهم لكسب هذه الفرصة للانتصار إلى التجديد اليوناني ضد
التعصب والضيق الفكري التقليدي الذي انتقل من الأمور الدينية إلى الأمور المدنية،
مما كان يهدِّد في نظرهم رقي الأُمة اليهودية.

وبدخول الشيعة اليهودية اليونانية في شبه محالفة مع أنطيوخس بهذه الصورة الفعَّالة، بلغ الاحتكاك الفعلي بين الشيعتين
أقصاه فاندلعت نار
الثورة.

أمَّا
أنطيوخس إبيفانس، فبسبب هذه المساندة من جانب “اليهود اليونانيين” بدأ يتدخل بأقصى
قدرته ونشاطه لجعل اليهود كباقي الشعوب التي تخضع له من حيث أوضاعها وعلاقاتها
الداخلية سواء كانت دينية أو سياسية (1مك 1: 41و42). لأنه من جهته هو الآخر كان
يشعر بسلطان وشرعية ملوكيته على مستوى التقديس الإلهي كما يشعر اليهود تماماً من
جهة رئاسة كهنوتهم وعلى نفس المستوى. وإن كان لابد من التحدِّي فلابد من استخدام
القوة حتى الإبادة (1مك 1: 3032).

وأول
من أعلن المقاومة لرد هذه المحاولة من جانب أنطيوخس إبيفانس وشيعة اليهود اليونان
الموالية له هو مَتَّتْياس الذي من قرية مودين بجوار اللد، وهو رئيس عائلة تسمَّى
“هاسمون” ([4])
التي اشتُق منها كلمة “هاسمونيين” الذين دُعوا بالمكابيين. وقد بدأ
المقاومة بأن ذبح رسول الملك الذي كان يأمر بتقديم ذبيحة للوثن على مذبح للوثنيين،
ونادى الشعب، لكي كل مَنْ كان فيه أمانة للناموس
أن يتبعه إلى الجبل والمناطق المحيطة لتنظيم المقاومة (1مك 2: 1922)،
وقد استجاب الشعب لندائه بصورة غامرة (1مك 2: 23
28).

ولكن
بسبب شيخوخة مَتَّتْياس أن تسلَّم منه ابنه يهوذا مقاليد القيادة، وهو الذي سُمِّي
“المكابي” أي “المطرقة”.

وفي
سفريْ المكابيين الأول (1: 1115)، والثاني (4: 717) شرح
للأسباب التي دعت إلى الثورة. كما أن المؤرِّخ يوسيفوس يعلن عنها بدقة([5]).

أمَّا
وصف العنف الذي استخدمه أنطيوخس في إخضاع الثائرين في البداية، حيث أشعل النار في
المدينة وهدم بيوتها وسبى جزءاً كبيراً من شعبها، فيصفه سفر المكابيين الأول (1:
3032).

وهنا
استظهرت الشيعة اليهودية اليونانية التي صارت مكروهة جداً من “الأتقياء”، وقد
وصفوهم كأنهم غرباء وأعداء؛ بل كأنهم من أُمة أخرى غير أمتهم: “أمة خاطئة
متعدِّية للشريعة” (1مك 34: 1)

وهذه
الشيعة اليهودية اليونانية استخدمت أيضاً العنف لحماية نفسها فأراقت الدماء حول
الهيكل وداخله، فتعطَّلت مراسيم العبادة، وهرب كثيرٌ من اليهود إلى الجبال (1مك 1:
2540).

ولكن
كان طابع الثورة حتى الآن يخلو من الصدام الديني بين أنطيوخس واليهود، أو بين
اليهود الأتقياء واليهود اليونانيين. غير أن انحراف اليهود الأتقياء ضد الأوضاع
السياسية التي لليهود اليونانيين إلى الوضع الديني الصرف، وإعلان العصيان على أساس
ديني، جعل أنطيوخس إبيفانس يتحدَّى الديانة اليهودية علناً. فمنع إقامة الذبائح
داخل الهيكل، وألغى نظام السبت، ومنع الأعياد، وأوقف مراسيم الختان، وإمعاناً في
التحدِّي أقام هيكلاً للأوثان ومذابح للأصنام وقدَّم عليها حيوانات من المحسوبة
نجسة عند اليهود، وأمر بإعدام الأسفار المقدَّسة، وعقوبة الموت للمخالفة.

وختم
هذه الفظائع بأن أقام مذبحاً للإله “زيوس” فوق المذبح النحاس في الهيكل نفسه (وذلك
في سنة 167 ق.م)، فكان هذا إشارة إلى أول رجسة الخراب التي أشار إليها دانيال (11:
31و32)([6])
(وهي غير “رجسة الخراب” التي أشار إليها المسيح في (مت 15: 24) كعلامة للقضاء الذي
سيحل بأُورشليم واليهود، هذا الذي تمَّ في سنة 70 بعد الميلاد، أي بعد صعود المسيح
بحوالي 37 سنة تقريباً).

وهنا
يبلغ أنطيوخس إبيفانس إلى أقصى اعتزازه وتعظمه كمحطِّم للديانة اليهودية وعدو
لإلهها، ويصفه دانيال في نبوته بدقة: “ويفعل الملك كإرادته ويرتفع ويتعظَّم
على كل إله ويتكلَّم بأمور عجيبة على إله الآلهة (يهوه) وينجح إلى إتمام الغضب لأن
المقضيَّ به يُجرَى” (دا 36: 11)

وقد
خضع له كثير من اليهود، ولكن كثيرين قاوموا وماتوا([7])
(1مك 1: 4164). وقد اشتد لهيب الثورة ودارت الدائرة على اليهود
اليونانيين فقُتل منهم كثيرون، وهربوا إلى البلاد المجاورة وكثيرون هاجروا إلى
الأُمم البعيدة (1مك 44: 2).

أمَّا
“الحسيديم” الأتقياء فظلوا يتقوون جداً من يوم إلى يوم، وقد ذكرهم دانيال ووصفهم
في نبوته: “الشعب الذين يعرفون إلههم
“وميَّزهم عن الشيعة اليهودية اليونانية التي وصفها بأنها:
“المتعدُّون على العهد”:

+
“والمتعدُّون على العهد يغويهم بالتملقات، أمَّا الشعب الذين يعرفون إلههم فيقوون ويعملون، والفاهمون من الشعب يعلِّمون
كثيرين،
ويعثرون بالسيف
وباللهيب وبالسبي وبالنهب أياماً” (دا 11: 32و33)

واسترد “الأتقياء” وبقية اليهود الأمناء للشريعة والناموس
قوتهم، وحطَّموا
الهياكل الوثنية،
وختَّنوا الأطفال بالقوة، واستردوا سلطان الناموس (1مك
2: 4348).

وسلَّم
مَتَّتْياس قيادة الثورة لأولاده، وهم: “سمعان” وجعله المشير العام، و“يهوذا”
المدعو بالمكابي أي المطرقة وجعله القائد. وتوفِّي مَتَّتْياس في قرية مودين التي
بجوار اللد سنة 166 ق.م (1مك 2: 4970).



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار