5- هل سقوط آدم يعتبر سقوط للبشرية جمعاء؟
5- هل
سقوط آدم يعتبر سقوط للبشرية جمعاء؟
ج:
نعيد ما سبق تسجيله في كتابنا “التجسد الإلهي.. هل له بديل؟” فنقول
“نعم، فبالخطية فسدت طبيعة آدم. كل ذرة في جسد آدم أصبحت فاسدة، مثل شجرة
التفاح التي أصابها مرض لعين فكل ثمارها أصبحت فاسدة، والشجرة الفاسدة تحمل بذاراً
فاسدة ولو زُرعت لن تنبت إلاَّ شجرة فاسدة تحمل بالتبعية ثماراً فاسدة.. وهلمَّ
جرا. لقد ورث الأبناء عن أبيهم الطبيعة الفاسدة المملوءة بالغرائز البهيمية وجرى
الدم الموبوء بالخطية في عروق جميع بني البشر ” ها أنذا بالآثام حُبِل بي
وبالخطية ولدتني أمي ” (مز 51: 5).
والدليل
على توارث الخطية أن الخطية جاءت إلى حواء من الخارج أي من الحية، وجاءت إلى آدم
من حواء التي سبقته في السقوط. لكن قايين من أين جاءته الخطية؟ إنها أتت من داخله،
لم يدفعه أحد لها بل هي ساكنة فيه، وهكذا سقط الجميع حتى الأنبياء “الجميع
زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل الصلاح ليس ولا واحد ” (رو 3: 12) صحيح إننا
لم نرتكب الخطية الأولى ولكننا وُلِدنا بها بالإضافة إلى خطايانا الشخصية، فليس
مولود إمرأة بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض. إذاً وراثة الخطية
أمر واقع” (1).
ويوضح
الإنجيل حقيقة توارث الخطية من أبينا آدم فيقول ” من أجل ذلك كإنما بإنسان
واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ
أخطأ الجميع ” (رو5: 12) فمن لا يخطئ بالفعل يخطئ بالقول ومن لا يخطئ بالقول
يخطئ بالفكر، و” النفس التي تخطئ تموت ” (حز 18: 4) ويقول القديس
أثناسيوس “لأن البشر لم يقفوا عند حد معين حتى في سوء أفعالهم، بل تدرجوا في
الشر حتى تخطوا كل حدود، وأصبحوا يخترعون الشر ويتفننون فيه، إلى أن جلبوا على
أنفسهم الموت والفساد، وبعد ذلك إذ توغلوا في الرذيلة، ولم يقفوا عند شر واحد، بل
راحوا يخترعون كل جديد من الشر، فقد أصبحت طبيعتهم مشبَّعة من الخطية. فها هي
خطايا الزنى والسرقة قد عمَّت كل مكان، وامتلأت كل الأرض بخطايا القتل والنهب،
وأصبح البشر لا يراعون حرمة للناموس، بل صاروا يرتكبون الجرائم في كل مكان، سواء
كأفراد أو جماعات.. وصار كل إنسان يتنافس مع أقرانه في الأعمال القبيحة، وأصبحوا
لا يترفعون حتى عن الجرائم التي ضد الطبيعة كما يقول عنهم بولس رسول المسيح وشاهده..
(رو 1: 26، 27) ” (تجسد الكلمة 5: 3 – 5).
وأقرّ
القرآن بأن كل الناس سقطوا في الخطية والظلم وأن الله لو أخذهم بظلمهم لأفناهم
“وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن
دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ
لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ” (النحل 61) كما ذكر
خطايا الأنبياء فعلى سبيل المثال ذكر خطايا:
أ-
آدم: “وعصى آدم ربه فغوى” (طه 121)
ب-
نوح: “رب أغفر لي ولوالدي” (نوح 28)
ج-
إبراهيم: “والذي أطمع أن يغفر لي خطيتي يوم الدين” (الشعراء 82) وقال
أبو هريرة عن رسول الله قال لم يكذب ابراهيم إلاَّ ثلاث كذبات أثنين منهن في ذات
الله. قوله سقيم وقوله فعله كبيرهم وقوله عن سارة أخته حين أراد الجبار القرب منها
(رواه البخاري ومسلم).
د-
موسى: قال له الله ” وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذاً
وأنا من الضالين” (الشعراء 19، 20)
ه-
داود: ” وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب. فغفر له
ذلك” (ص 24، 25).
و-
يونان: ” فالتقمه الحوت وهو مُليم. فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه
إلى يوم يبعثون” (الصافات 142 – 144)
وأيضاً
القرآن لم يغفل خطايا رسول الإسلام ” ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما
تأخَّر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً ” (الفتح 2) ” واستغفر
لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلَّبكم ومثواكم ” (محمد 19) ”
ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي انقض ظهرك ” (الضحى 1 – 3).
وقال
أبو هريرة ” كان رسول الله (ص) يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة، قال
أحسبه قال هُنيَّة، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة فما
تقول. قال أقول: اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم نقني من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أغسل خطاياي بالماء
والثلج والبرد ” (صحيح البخاري ج 1 ص 136) وقال أبو هريرة سمعت رسول الله
يقول إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة.
وقد
إختلف المفسرون فيما بينهم على عصمة الأنبياء، فقال البعض إن عصمتهم مطلقة، وقال
البعض عصمتهم تبدأ منذ نزول الوحي عليهم. بينما قال آخرون انهم معصومون فقط أثناء
إبلاغهم الرسالة لشعبهم، وأيد الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية الرأي الأخير
في جريدة المؤيد عدد 3328 (راجع حقيقة التجسد ص 37).
وكما
أنه لا يمكن أن نجني من الشوك تيناً ولا من الحسك عنباً، وكما أن الخنزيرة لا يمكن
أن تلد حملاً. كذلك لا يمكن أن يخرج من الإنسان الفاسد إنسان بار، ويقول عوض سمعان
” ولا يقل أحد أن الإنسان يولد بريئاً ولكن البيئة التي يعيش فيها هي التي
تزرع فيه الشر، لأن حتى الأطفال الذين يولدون في بيئة صالحة يصاحب تصرفاتهم الفساد
والكبرياء والأنانية والغيرة.. إلخ وجميع هذه النقائص هي خطايا، وحتى الذين يولدون
في الغابات بعيداً عن المدينة فإنهم لا يخلون من المكر والأنانية حتى أبْدا البعض
بعض الملاحظات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان فقالوا أن الإنسان يُولَد وبه ميل إلى
الخطية وهذا الميل وإن كان لا يبدو بوضوح في الصغر، غير أنه يأخذ في الظهور كلما
شبَّ الإنسان ونما. فمثل هذا الميل مثل السم الكامن في الثعبان، فإنه لا يرد إليه
من الخارج، بل أن الثعبان يُولَد وفي جسمه استعداد لتكوينه. وكل ما في الأمر، أن
هذا السم لا يظهر بنتائجه المميتة، إلاَّ إذا بلغ الثعبان سناً معيناً.. إن الذين
قالوا بسلامة الفطرة الإنسانية وكمالها، وبذلوا كل ما لديهم من جهد لتحسين حالة
الفقراء والبؤساء، لاقوا من أولئك وهؤلاء الكثير من المتاعب والمضايقات، ومن ثم
خابت آمالهم الطيبة من جهتهم جميعاً خيبة ليس بعدها خيبة ” (1).
وقد
يتساءل البعض كيف نقول أن البشر جميعاً قد ورثوا الخطية وفسدت طبيعتهم بينما يوجد
رجال أبرار صالحون في العهد القديم فقيل عن نوح ” كان نوح رجلاً باراً كاملاً
في أجياله ” (تك 6: 9) وقيل عن أيوب ” كان هذا الرجل كاملاً ومستقيماً
يتقي الله ويحيد عن الشر ” (أي 1: 1) وقيل عن زكريا وأليصابات انهما ”
كانا كلاهما بارين أمام الله ” (لو 1: 6).
فنقول
أن الصلاح بمعناه الحقيقي أن الإنسان لا يخطئ على الإطلاق لا بالفعل ولا بالقول
ولا بالفكر بالإضافة إلى عمل كل أعمال الخير. مثل هذا الصلاح لن نجده بين البشر
على الإطلاق، ولذلك قال الرب يسوع “ليس أحد صالحاً إلاَّ واحد وهو الله”
(لو 18: 19) أما رجال الله الصالحون فهم الذين فعلوا الصلاح النسبي وكانت خطاياهم
قليلة ويقدمون عنها اعترافاً وذبيحة فتغفر لهم على حساب دم المسيح.
وقد
يقول البعض أنه مادام الإنسان قد ورث الخطية وبالتالي أصبح لديه ميل طبيعي لها فهو
غير مسئول عن تصرفاته الخاطئة؟
ونقول
لمثل هؤلاء أن غير المسئولين عن تصرفاتهم هم الأطفال الذين لا يدركون الصح من
الخطأ، وكذلك ذوي العاهات الخاصة الذين لا يملكون قوة التمييز بين الصح والخطأ.
أما الإنسان الذي ميَّزه الله بالعقل الراجح ويعرف الخير من الشر فهو مسئول
مسئولية كاملة عن جميع تصرفاته لأنه فعلها بكامل حريته، وإذا إشتكى من ضعف إرادته
فالطريق إلى تقويتها هو الالتصاق بالله والتماس القوة منه، وعندئذ يقول الضعيف
بنعمة الله بطل أنا.