الفصل الخامس والأربعين

الفصل
الخامس والأربعين
ومرة أخرى نقرر أن كل جزء من الخليقة يعلن مجد
الله. فالطبيعة وهى تشهد لخالقها تقدم شهادة ثانية (بالمعجزات) للإله
المتجسد. وإذ إنحرفت شهادة الطبيعة بسبب خطية الإنسان فقد أُجبرت على الرجوع إلى الحق بقوة أعمال المسيح. وإن لم تَكفِ هذه البراهين فليتأمل اليونانيون في الوقائع
والحقائق الثابتة.
1 إذن كان من الضرورى أن يتخذ كلمة
الله جسدًا ويستخدم أداةً بشريةً لكى يُحيي الجسد أيضًا، وكما أنه معروف فى الخليقة بواسطة أعماله فيجب أن يُعرف
بعمله فى الإنسان أيضًا، وأن يُظهر نفسه فى كل مكان، وبذلك لا يترك أيًا من
المخلوقات مقفرًا من ألوهيته ومعرفته[1].
2 فإنى أعود وأكرر[2]
ما قلته سابقًا[3]
إن المخلّص فعل ذلك حتى كما أنه يملأ كل الأشياء فى كل مكان بحضوره هكذا
أيضًا فإنه يملأ كل الأشياء من معرفته[4]،
كما يقول الكتاب المقدس أيضًا: ” الأرض كلها امتلأت من معرفة الرب “[5].
3 لأنه إن نظر الإنسان إلى السماء فإنه سيرى تنظيمه لها[6].
ولكن إن كان لا يستطيع أن يرفع وجهه إلى فوق بل ينظر فقط بين الناس سيرى من خلال
أعمال الله قوته التى لا مجال لمقارنتها بقوة البشر وسيعرف أن المسيح وحده بين البشر هو الله الكلمة (المتجسد)[7].
وإذا ضل إنسان، وإذا حوّل أحد نظره إلى الشياطين وكان يخاف منهم، فيمكنه أن يرى
المسيح يطرد الشياطين ويتيقن بهذا أن المسيح هو صاحب السلطان عليها[8].
أو إذا نزل الإنسان إلى عمق المياه[9]
وهو يتوهم أنها إله كما كان المصريون مثلاً يعبدون الماء[10]
فإنه يمكن أن يرى طبيعة المياه تتغير بسلطانه (المسيح)[11]
ويعرف أن المسيح الرب هو خالق المياه.
4 أما إذا نزل إنسان إلى الهاوية، ووقف
أمام أبطال العبادة الوثنية مرتعبًا منهم كآلهة فإنه يمكن أن يرى حقيقة قيامة
المسيح ونصرته على الموت، ويدرك بهذا أن المسيح هو وحده الرب والإله
الحقيقى[12].
5 لأن الرب لمَسَ[13]
كل أجزاء الخليقة وحرّرها من كل خداع كما يقول بولس: ” إذ جرّد الرياسات
والسلاطين وأشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فى الصليب“[14]،
لكى لا ينخدع أى إنسان[15]
فيما بعد بل يجد كلمة الله الحق فى كل مكان.
6 وهكذا إذ يكون الإنسان مُحاصرًا[16] من
كل ناحية (بأعمال الخليقة) وإذ يرى ألوهية الكلمة مُعلنة فى كل مكان في
السماء وفي الهاوية وفي الناس وعلى الأرض فإنه لا يبقى مُعرّضًا للانخداع بأى فكر مُضل عن الله بل يَعبُد المسيح وحده وبه يأتى مباشرة ليعرف الآب.
7 وعلى أساس هذه البراهين المعقولة[17] فإن
اليونانيون بدورهم سيخزون. أما إن اعتبروا هذه البراهين غير كافية لتخجيلهم[18]
فدعهم يتأكدون من صدق كلامنا بما سنقدمه (الآن) من حقائق ظاهرة أمام أنظار الجميع[19].
1 في هذه
الفقرة يلخص القديس أثناسيوس البراهين الفعلية لسبب ظهور الله الكلمة في الجسد، والتي سبق أن عرضها بإسهاب في الفصول 41ـ45. وأيضًا يكرر السببين
الرئيسيين للتجسد واللذين كانا قد ذكرهما بالتفصيل في الفصول (4ـ10)، (11ـ19) وهما
القضاء على الموت وعدم ترك البشر خاليين من معرفته.
5 عن تغيير
طبيعة الماء، انظر فصل 18/6 وبالطبع هنا الاشارة إلى عرس قانا الجليل حيث حوّل
السيد المسيح الماء إلى خمر.
7 في فصل44 رد
القديس أثناسيوس على اعتراض اليونانيين بأن كلمة الله لا يمكن أن يظهر في مادة مخلوقة أى جسد بشرى، وسبق أن أوضح في فصل 17 أن الكلمة لا
يتدنس بحلوله في الجسد وهنا في هذا الفصل يوضح أن الرب ” لمس ” كل أجزاء
الخليقة من أجل أن يحررها.
2 ما يذكره
القديس أثناسيوس هنا عن تحرر كل أجزاء الخليقة من كل خداع يماثل ما سبق أن ذكره في
فصل43/3. ومن بين كل هذه الخلائق لم يضل سوى الإنسان ولهذا كان من الضرورى أن يظهر
الكلمة في جسد بشرى.
3 الكلمة
بسبب تجسده لم يكن “محصورًا في الجسد” كما توهم البعض انظر فصل17/1. بل الإنسان هو الذي أصبح ـ
بسبب تجسد الكلمة ـ محاصرًا بأعمال الكلمة في الخليقة انظر فصل16/3.
5 سبق أن أشار
القديس أثناسيوس إلى أنه يجب على اليونانيين أن يخجلوا من أنفسهم بسبب عبادتهم للأخشاب
والأصنام انظر فصل41/1وفي فصل44/1 يذكر أنهم ربما بسبب خجلهم قد قبلوا البراهين
التي أوضحها لهم. غير أنهم مع هذا يظنون أن هذه البراهين غير كافية (في رده على
اليهود يشير ق. أثناسيوس إلى أنهم هم أيضًا ظنوا أن الأدلة المعطاة لهم غير كافية
فصل38/1).
6 لإيضاح
الفرق بين استخدام البراهين المعقولة والبراهين والأدلة من خلال الحقائق الظاهرة
في سياق الحديث عن الأمور الإيمانية مثل القيامة انظر فصل30/1حيث يذكر القديس
أثناسيوس أن القيامة ” يمكن اثباتها بالوقائع بوضوح أكثر من اثباتها بالحجج
والمناقشات “. وفي كتابه عن ” حياة أنطونيوس “، يذكر القديس
أثناسيوس ما حدث أثناء مقابلة بعض الفلاسفة اليونانيين للقديس انطونيوس وأنهم
طلبوا منه ” حججًا ” بالكلام المقنع. أما هو فقد قدّم براهينًا بوقائع
وأحداث تثبت إيمانه بالمسيح وقوته. (انظر حياة أنطونيوس فصل79).