المسيحية

كلمة الختام



كلمة الختام

كلمة
الختام

“لا
حجة بيننا وبينكم. الله يجمع بيننا. وإليه المصير”
(شورى 15)

نوجزها
بلمحتين خاطفتين:

1)
موقف أهل الإنجيل من القرآن ونبيه:

إنهم
يعترفون بأن محمداً بن عبد الله الهاشمي القرشي تطوع لأسمى رسالة يمكن أن يتطوع
لها بشر: رسالة التوحيد! أي دعوة الناس إلى الإيمان بالله واليوم الآخر.

ويشهدون
من القرآن ذاته أنها لم تكن رسالة مستقلة عما تقدمها في التوراة والإنجيل، بل إنما
جاءت تصديقاً وتفصيلاً لرسالة الكتاب (انعام 114، يونس 37) وشاهدة عليها (مائدة
51) وواحدة معها (بقرة 136، 285 وآل عمران 84 ونساء 163 وتوبة 112).

ويؤكدون
مع القرآن أن محمداً أخلص لرسالته كل الإخلاص، وعمل لها بالقلم والسيف ما استطاع
سبيلاً حتى توصل إلى غايته. فأنشأ أمة وديناً ودولة قادت شطراً من العالم أجيالاً
ولم يزل لها وزنها الثقافي والدولي.

ولا
يقلل من عظمة سيد العرب في نظر التاريخ أنه لبى الدعوة مندفعاً من نفسه أو مدفوعاً
من عل: فقد كان الرسول عظيماً والرسالة عظيمة ونتائجها عظيمة.

ونرى
اليوم ضرورة رسالة التوحيد أكثر من كل زمن مضى عندما نرى تيارات الإلحاد الجارف
تجتاح البشرية أو تكاد من مهاب الريح الأربعة. فالإيمان بالله واليوم الآخر هما الدعامتان
اللتان لابد منهما للبشرية لكي تصعد ولا تهبط، لكي تتقدم ولا تتأخر، لكي تسعد ولا
تشقى: وهذا كان عمل القرآن ونبيه.

فكم
هو جميع مشهد هذه المآذن الشواهق المنتشرة في العالم والتي تمثل اشتياق الأرض إلى
السماء، وسواعد البشرية المؤمنة المرتفعة فوق كل فضاء تنادي إلى الإيمان بالله
وعبادته!

 

2)
موقف القرآن من الإنجيل:

من
يطلع بإخلاص على شهادة القرآن للإنجيل رأى في القرآن مدخلاً إلى الإنجيل.

لقد
آمن القرآن ونبيه الإيمان كله بنبوة المسيح ورسالة الإنجيل، وما كان هذا
الكتاب الذي بين يديك إلا رسماً صادقاً لهذا الإيمان: فليس في القرآن شخصية تداني
شخصية المسيح، وليس في القرآن – بين الرسالات التي يخبر عنها – رسالة تسمو إلى
رسالة الإنجيل.

ولكن
النبي العربي لم يعترف ببنوة المسيح لأنه لم يعرفها حق معرفتها. فقد ظن أن
كل بنوة تخضع حكماً وضرورة لناموس الجسد، ولا تكون إلا بامرأة وزواج: “بديع
السماوات والأرض أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة” (أنعام 101)، وظن أن
البنوة في عالم الروح حاجة كما في عالم الأجساد “وما ينبغي للرحمن أن يتخذ
ولداً: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً” (مريم 93)ح ليست
البنوة في الروح حاجة “ما اتخذ صاحبة ولا ولداً” (الجن 3) بل هي فيض
جودته، وضياء مجده. ونقول جازمين لو أن النبي العربي عرف بنوة المسيح حق معرفتها
لاعترف بها دون ما تردد: “قل إن كان للرحمن ولد فأنا اول العابدين”
(زخرف 81).

تلك
هي بعض الأبحاث عن الكتاب والإنجيل في القرآن. فيها كل ما من شأنه أن يجمع ويؤلف
بين أهل الكتاب وأهل القرآن. فإن ما حفظ القرآن عن المسيح والإنجيل والنصارى مفخرة
للمسلمين والمسيحيين إذا تجردوا عن تفاسير الشحناء والبغضاء.

وفصل
الخطاب، على حد قول القرآن، ان هناك إلهاً واحداً، ووحياً واحداً، وكتاباً واحداًمنزلاً،
ورسالة واحدة وديناً واحداً في أصل، وإيماناً واحداً هو الإيمان بالله واليوم
الآخر (بقرة 62، 177 ومائدة 62، 72)؛ يعطيه اسماً جديداً عربياً
“الإسلام” أي التوحيد؛ وإن كان جديداً بالمبنى فليس جديداً بالمعنى
“هو سماكم المسلمين من قبل (في الكتاب) وفي هذا (في القرآن)” (الحج 87)
وقج ختم القرآن شهادته بمكة بقوله: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي
أحسن – إلا الذين ظلموا منهم – وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا
وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون” (عنكبوت 46)؛ وختم القرآن رسالته في المدينة في
آخر آية تقريباً من آخر سورة فيه بقوله: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة.. وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن”
(توبة 112).

وحسن
الختام في الصورة التي رسمها القرآن للإنجيل والمسيح: ليس بين الكتب المنزلة حسب
قوله أسمى من الإنجيل، وليس بين الأنبياء المرسلين افضل من المسيح. لقد أعجبنا
بتلك الصورة فجمعنا بعض خطوطها. ففي كل قصصه عن الأنبياء والمرسلين لا يرسم القرآن
الكريم صورة أسمى وأكمل من شخصية المسيح عيسى ابن مريم. لقد كان للإنجيل وقع عميق
في نفس النبي الأمي، وكان لتأثير شخصية المسيح على وجدان النبي العربي صدى بعيد
فملأت عظمة المسيح، الذي وحده بين البشر والأنبياء انتصر على الموت والحياة وارتفع
حياً إلى الله، كل مشاعره فرسمها بذلك الرسم الخالد.

أعاظم
الأنبياء في القرآن هم إبراهيم وموسى وداود وعيسى ومحمد. وكلهم جاء بكتاب. وأعظم
شخصية بينهم حسب القرآن هو المسيح عيسى ابن مريم لا يصف أحداً بما وصف به عيسى ابن
مريم. ولا يلقب أحداً بما لقب به المسيح:

عيسى
ابن مريم هو وحده مسيح الله.

عيسى
ابن مريم هو وحده كلمة الله.

عيسى
ابن مريم هو وحده روح الله.

فالمسحة
السرية، والكلمة من الله، وروح الله، نعني صلة ذاتية حقيقية لا مجازية بين المسيح
والله دون العالمين أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار