المسيحية

شبهة آية النساء تكذب شبهة شائعة عن قتل المسيح



شبهة آية النساء تكذب شبهة شائعة عن قتل المسيح

شبهة
آية النساء تكذب شبهة شائعة عن قتل المسيح

يقول
فريق من علماء المسلمين: لم يقتل أحد بدل المسيح، بل هي إشاعة كاذبة ارجف بها
اليهود وصدقها قومهم، فكذبها القرآن في آية النساء.

هذا
لقول ينقض قصة الشبه التي اختلقها الفريق الآخر. والقول بان المسيح لم يقتل ولم
يمت، بل هي إشاعة كاذبة أطلقها اليهود، هو قول ينقض صريح القرآن الذي يؤكد موت
المسيح قبل رفعه إلى السماء في آيات مريم وال عمران والمائدة.

ولا
تجوز فرية على شعوب مختلفة كالرومان واليهود والنصارى الذين يشهدون جميعهم بموت
المسيح وقتله واستشهاده، وذلك مدو مئات السنين، حتى جاءت آية النساء تفتح فتحا
جديدا في التاريخ المتواتر، إذا ما فهمها القوم حسب ما يشتهون. لكن فهم آية النساء
حق فهمه يبدد كل تلك الشبهات.

 

التفسير
الصحيح لآية النساء في قتل المسيح

ان
تعارض آية النساء مع سائر القرآن بشان آخر المسيح تحملنا على تدبر ظاهرها، ليضح
باطنها، كما أمرنا القرآن: (أفلا يتدبرون القرآن؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا
فيه اختلافا كثيرا). النساء 81 قابل 47: 24؛ 23: 69 ؛ 38: 29.

يزول
التعارض بين آية النساء وسائر القرآن، إذا ما تدبرنا هذه الآية المتشابهة في
اسلوبها اللغوي، والموضوعي، والبياني، والكلامي.

الأسلوب
اللغوي يقوم على معنى (شبه لهم) انهم قتلوه وصلبوه. فالتعبير (شبه لهم) لا يعني
كما رأينا، ان المسيح ألقي شبهه على غيره فقتل هذا الغير المشبوه. بل تعني كما قال
الزمخشري، افضل من فسر لغة القرآن وبيانه: (خيل إليهم) أي توهموا انهم قتلوه
وصلبوه، فهو ميت لا حي ؛ بل هو حي لان الله رفعه اليه.

الأسلوب
الموضوعي: ما هي غاية القرآن في هذه الآية؟ بما ان القرآن قبلها وبعدها يؤكد موت
المسيح ثم رفعه حيا إلى السماء، فليس المقصود نفي القتل والصلب بل الرد على تبجح
اليهود به، وإفحامهم بتأكيد رفعه حيا إلى الله.

قال
البيضاوي: (وانما ضمهم الله تعالى بما دل عليه الكلام من جرأتهم على الله، وقصدهم
قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة، وتبجحهم به) ‍وما تشابه من قصد القرآن في آية
النساء، يظهر في آية آل عمران: (ومكروا (اليهود) ومكر الله، والله خير الماكرين:
اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اني متوفيك ورافعك الي، ومطهرك من الذين كفروا،
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة) 54-55.

فقد
مكر اليهود لقتل المسيح والقضاء عليه قضاء مبرما، فكان مكر الله اكبر، إذ توفاه ثم
رفعه اليه.

ومن
انسجام آية النساء وآية آل عمران في الموضوع الواحد، يظهر جليا ان موضوع آية
النساء ليس نفي القتل والصلب، بل الرد على مكرهم بمكر الله الذي اذ رفع المسيح حيا
الى السماء بعد قتله وصلبه، فوت عليهم مكرهم وقتلهم له. فالمسيح حيا خالدا في
السماء، مهما تبجحوا بقتله وصلبه

وسياق
التعبير في آية النساء يؤيد ما نذهب اليه: (وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه):
فاليهود أنفسهم مختلفون في القضاء النهائي على المسيح. (وما لهم به من علم الا
اتباع الظن)

فالذين
منهم يؤكدون القضاء المبرم على المسيح ان هم الا يظنون أثم. (وما قتلوه يقينا، بل
رفعه الله اليه): فبرفع المسيح الى الله، ما قتلوه يقينا، ذلك القتل الذي يجعله
معدوما ؛ بل هو حي عند الله، فكأنهم ما قتلوه وما صلبوه، وما تخلصوا منه. انه حي
يشهد بفشل مكرهم وقدرة الله وحكمته: (وكان الله عزيزا حكيما) برفع المسيح اليه بعد
موته.

 

الأسلوب
البياني على نوعين: أسلوب المقابلة الصحيحة بين أمرين قابل الخصم بينهما خطأ فيصدر
حدهما بأداة نفي، لا لنفي حقيقته، بل لإظهار فضل الآخر على الأول: فالقرآن يقابل
بين قتل المسيح وصلبه، وبين رفعه حيا إلى الله، فيصدر القتل والصلب بشكل النفي،
لاثبات فضل رفع المسيح على مكرهم بقتله وصلبه. يؤيد ذلك قوله: (وما قتلوه يقينا بل
رفعه الله اليه).

وهذا
أسلوب سامي، عبري، عربي متواتر في القرآن والكتاب. جاء في التوراة (سفر التكوين
45: 8) في خطاب يوسف لاحوته: (ليس انتم أرسلتموني إلى ههنا، بل الله). فهل ينكر
يوسف ان اخوته قد باعوه إلى تجار عابرين؟ كلا، بل يقابل بين قصدهم وعملهم، وقصد
الله وعمله، ليظهر فضل الله على عمل العبد. وفي الأنبياء قول هوشع (6: 6) لا أريد
ذبيحة، بل رحمة)، فالله يفرض عليهم الذبيحة، فكيف لا يريدها؟ إنما يقابل بين
الذبيحة وبين الرحمة، فتصدر الذبيحة بشكل نفي، والرحمة بشكل توكد، لإظهار فضل
الرحمة على الذبيحة.

هكذا
يقابل القرآن بين تبجح اليهود بقتل المسيح وصلبه، وبين إيمانه برفع المسيح حيا إلى
السماء، فيصدر تبجحهم بشكل نفي، وايمان القرآن برفع المسيح حيا إلى الله بشكل
توكد، لإظهار فضل الله برفع المسيح على مكر اليهود بقتله وصلبه، لا لإنكار قتله
وصلبه.

وأسلوب
المقابلة هذا يظهر من قوله: (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه).

وهناك
أسلوب آخر لاثبات معرض النفي، كالمدح في معرض القدح، حيث ظاهر الكلام يكون قدحا،
وباطنه مدحا، او ظاهره نفيا، وباطنه إثباتا. وبما ان القرآن قبل آية النساء وبعدها
يؤمن بموت المسيح ورفعه حيا الى السماء، ففي رده على تبجح اليهود بقتل المسيح
وصلبه، يرد القرآن عليهم بأسلوب النفي والإثبات، فيظهر نفي ما يقولون ليعلن فضل
ايمانه برفع المسيح حيا إلى السماء ؛ فيكون ظاهر الكلام نفيا، وباطنه إثباتا: (وما
قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه) ؛ فما قتلتم للمسيح قتلا، بل استشهادا لان الله
رفعه اليه.

 فالقرآن
في آية النساء، انسجاما مع القرآن كله، يثبت الموت بالقتل والصلب، في معرض النفي.

وهذا
الأسلوب البياني يسمى ايضا: (نفي الشيء لإيجابه).

 

الأسلوب
الكلامي يفضح التعارض الذي يخلقه ظاهر آية النساء بين آي القرآن، وبين القرآن
والإنجيل، وبين آية النساء والتاريخ العام.

آية
واحدة من آي القرآن الست يظهر انها تنفي ما يثبته آي القرآن كله عن اخرة المسيح،
من انه مات ورفع حيا إلى السماء. فمن الخطاء تفسير آي القرآن كله الصريح في موت
المسيح ورفعهحيا، بآية متشابهة ؛ ومن الخطاء تفسر الكل بالجزء فالمنطق يقضي تفسير
الجزء بالكل، وتفسير متشابه القرآن بمحكمه. وتفسير القوم آي القرآن في موت المسيح
ورفعه على ضوء ظاهر آية النساء يخلق تفاسيرهم المتعارضة التي يظهر تهافتها على ضوء
الواقع القرآني.

 وهذا
الواقع أقراني يشهد بتعارض ظاهر آية النساء مع سائر آي القرآن في موت المسيح.
فالأحرى التدقيق بباطن اية النساء على ضوء قرائنها وقرائن سائر الآيات لاتقاء
التناقض في تفسير القرآن. وهذا ما فعلناه استنادا الى الواقع القرآني كله.

ان
الإنجيل بأحرفه الأربعة مبني على قتل المسيح وصلبه، وموته ورفعه إلى السماء:
أفنخلق تعارضا بين الإنجيل والقرآن، والمسيحية والإسلام، بتفسير مغرض لآية متشابهة
يوضح معناها سائر آي القرآن؟ وبما ان القرآن ينقل ذكر وفاة المسيح ورفعه، عن
(الذكر الحكيم)

في
الإنجيل (آل عمران 58) ويقول: (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) الأنبياء 21 ؛
ويحيلنا مرارا إلى أهل الذكر للتثبت من صحة الذكر في القرآن: (واسألوا أهل الذكر
ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر) النحل 53 قابل الأنبياء 7؛ فمن التجني على
القرآن خلق التعارض بينه وبين الإنجيل، وهو منه براء: (قل كفى بالله شهيدا بيني
وبينكم ومن عنده علم الكتاب) الرعد 45. وعلم الكتاب يؤكد قتل المسيح وصلبه، فموته
ورفعه، والقرآن تصديق له وتفصيل.

وان
التاريخ العام الذي تمثله الوثنية الرومانية، واليهودية المجرمة في قتل المسيح،
والمسيحية المؤمنة بقتله، مدة ستمائة سنة ونيف قبل القرآن والإسلام، لا يطعن في
تواتر شهادتها بالإجماع قول آية متشابهة في ظاهرها. يقول الرازي: (فلو أنكرنا ذلك،
كان طعنا فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى
وسائر الأنبياء).

وهذا
خبر لا يصح فيه نسخ ؛ وخبر متواتر في التاريخ العام لا تنقضه آية متشابهة وتفسير
لها مشبوه.

لهذا
كله نرى ان التفسير الصحيح لتعاليم القرآن في آخرة المسيح هو ما يقيم الانسجام بين
آي القرآن، وبين الإنجيل، وبين التاريخ العام والقرآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار