الفصل الخامس والعشرون

الفصل الخامس والعشرون
ولماذا
تم الموت بالصليب من بين كل أنواع الموت؟ لأنه كان يجب أن يحمل عنا اللعنة. هو بسط يديه على الصليب لكى يوحد الجميع اليهود والأمم في شخصه لأنه انتصر على “رئيس
سلطان الهواء” في منطقته، مخليًا الطريق إلى السماء وفاتحًا لنا الأبواب الدهرية.
1
وهذا يكفى للرّد على الذين هم من خارج[1]
الذين يحشدون المجادلات[2]
ضدنا. ولكن لو أراد أحد من شعبنا أن يسأل[3]
لا حبًا فى الجدل بل حبًا فى التعلّم لماذا لم يمت بأى شكل آخر غير الصليب، فهذا أيضًا نخبره بأنه لم تكن هناك طريقة أخرى نافعة لنا سوى
هذه، وأنه كان أمرًا حسنًا أن يحتمل الرب هذا الموت من أجلنا.
2
لأنه إن كان قد جاء ليحمل اللعنة الموضوعة علينا[4]،
فكيف كان ممكنًا أن (يصير لعنة) بأى طريقة أخرى ما لم يكن قد قَبِلَ موت اللعنة الذى هو (موت)
الصليب؟لأن هذا هو
المكتوب: ” ملعون كل من علق على خشبة “[5].
3
وإضافة إلى ذلك، إن كان موت الرب هو فدية (lÝtron) [6] عن الجميع
وبواسطة موته هذا نقض “حائط السياج المتوسط“[7]
وصارت الدعوة لجميع الأمم، فكيف كان ممكنًا أن يدعونا إليه لو لم يكن قد صُلِبَ؟
لأنه على الصليب وحده يمكن أن يموت إنسان باسطًا ذراعيه. لهذا كان لائقا بالرب أن يحتمل هذا الموت
ويبسط ذراعيه، لكى بأحدهما يجتذب الشعب القديم وبالذراع الأخر يجتذب الذين هم من
الأمم[8]،
ويوّحد الاثنين فى شخصه.
4
لأن هذا ما قاله هو نفسه عندما كان يشير إلى المِيتَة التى كان مزمعًا أن يفدى بها
الجميع إذ قال ” وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع “[9].
5
وأيضًا، إن كان الشيطان عدو جنسنا إذ قد سقط من السماء[10] يجول فى
أجوائنا السفلية[11]
ويتسلط فيها على الأرواح الأخرى المماثلة له فى المعصية، ويحاول أن يخدع الذين
تغويهم هذه الأرواح كما أنه يعوق الذين يرتفعون إلى فوق[12]،
وعن هذا يقول الرسول ” حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذى يعمل الآن فى أبناء المعصية “[13]، فإن
الرب قد جاء ليطرح الشيطان إلى أسفل[14]،
ويطهّر الهواء ويُعِدّ لنا الطريق الصاعد إلى السماء كما يقول الرسول ” بالحجاب
أى جسده “[15]،
وهذا يلزم أن يتم بالموت. فبأى نوع آخر من الموت كان ممكنًا أن يتم هذا، إلاّ
بالموت الذى تم فى الهواء، أى (موت) الصليب؟ فإن الذى يموت بالصليب هو وحده الذى يموت (معلقًا) فى الهواء. ولذلك كان لائقًا
جدًا بالرب أن يموت بهذه الطريقة.
6
لأنه إذ رُفع هكذا فقد طهّر الهواء من كل خبث الشيطان وكل الأرواح النجسة[16]
كما يقول: “رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء“[17]
وافتتح طريقًا جديدًا للصعود إلى السماء[18]
كما هو مكتوب ” ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب
الدهرية “[19].
فلم
يكن الكلمة نفسه هو المحتاج لانفتاح الأبواب إذ هو رب الكل[20]
فلم تكن مخلوقاته[21]
مغلقة في وجهه هو الذي خلقها بل نحن الذين كنا فى احتياج إلى ذلك (أى إلى انفتاح
الأبواب)، نحن الذين حملنا فى جسده الخاص. لأنه كما قدّم جسده للموت عن الجميع، هكذا، بنفس هذا الجسد أيضًا، أعدّ الطريق للصعود إلى السموات.
1 الذين هم من
خارج “ oƒ œxwqen “ تعبير شائع استخدامه في العهد الجديد لوصف من هم غير
مسيحيين. غلا13:3، تث 23:21.
2 المجادلات
هى سمة من سمات الفلاسفة. انظر فصل 50 وأيضًا كان يثيرها الهراطقة. انظر المقالات
ضد الآريوسيين 1/6 ، 2/1 ، 3/10.
3تعبير”أن
يسأل” zhte‹n هو تعبير تقنى فلسفى خاص بعملية البحث والتحرى عن أمر ما، ويوضح
القديس أثناسيوس مصادر المعرفة التي هى الكتب المقدسة وتعاليم الآباء في فصل
56/1،2.
4عندما أشار
القديس أثناسيوس إلى قصة السقوط في فصل4، لم يذكر أن الإنسان قد لُعن، بينما يذكر
سفر التكوين إصحاح4 أن الحيّة هى التي لُعنت، أما الإنسان فقد عوقب بالموت. ما
يذكره القديس أثناسيوس هنا له أساس كتابى أيضًا من رسالة بولس الرسول إلى أهل
غلاطية إصحاح 13:3.
2 السبب الثانى لموت المسيح على الصليب هو رفع الحاجز بين اليهود والأمم. ولقد استخدم القديس أثناسيوس
هنا الفعل ” نقض lÝein ” وهو فعل يناسب في اليونانية كلمة ” فدية lÝtron ” التي يصف بها موت الرب عن الجميع، كما يلاحظ أن القديس
أثناسيوس قد استخدم تعبيرًا يونانيًا آخر لكلمة “فدية” وهو ¢ntˆyucon وذلك في فصل 9/2.
4 يتبع القديس
أثناسيوس فكر القديس إيريناوس (ضد الهرطقات17:5.4) في أن المسيح بسط ذراعيه على الصليب لجذب اليهود بذراع والأمم بذراعه الآخر.
1 في موضع آخر
يوضح القديس أثناسيوس سبب سقوط الشيطان. ففي سياق حديثه عن البدعة الآريوسية يصف
أفكار الآريوسيين القائلة بعدم وحدة جوهر الآب والابن بأنها أفكار شريرة، فالقديسون وبالأكثر الملائكة
يؤمنون بألوهية الابن، أما الشيطان فهو شرير ومخالف لهذه العقيدة وهذا هو سبب
سقوطه (راجع القديس أثناسيوس عن مجمعى أرمينيا وسيلفكيا 48) وهناك يستخدم القديس
أثناسيوس آية إنجيل لوقا 18:10 ” فقال لهم يسوع: رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق “.
2 تمثل ”
الأجواء السفلى ” مكان تواجد الشيطان وذلك حسب تصور العصر المسيحى المبكر.
انظر على سبيل المثال أوريجانوس: المبادئ 2، 11، 6. وفي الحقيقة فإن هذا التصور
يرجع إلى الفلاسفة اليونانيين (انظر أفلاطون في t£maioj
127-136). ويوضح القديس أثناسيوس
نصرة السيد المسيح على الشياطين وطرده للأرواح الشريرة في الفصل 48. بينما يذكر كل
حيل وضلالات الشياطين وصراعاتهم في الفصل 47.
3 السبب
الثالث لموت المسيح عن طريق الصليب هو رفع الحاجز الذي وضعه الشيطان بين السماء والأرض. إذ أنه بمشورة الشيطان وبحسد إبليس جلب البشر على أنفسهم الموت والفساد (انظر فصل 5). انظر أيضًا ما ذكره
القديس أثناسيوس في كتابه “حياة أنطونيوس ” عن الرؤيا التي رآها القديس
أنطونيوس عن مقاومة الأرواح الشريرة للنفوس الصاعدة إلى السماء (حياة أنطونيوس 65،
66).
4 أف 2:2 سبق
لأوريجانوس استخدام هذا النص كشاهد كتابى على وجود الشياطين في أجواء الهواء السفلية (المبادئ 2، 11، 6).
6 عب 20:10 انظر أيضًا
المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 65 حيث يشرح القديس أثناسيوس هذه الآية في
إطار دفاعه ألوهية الابن.
1 الضربة التي
وُجهت للشياطين تكمن في فضح غواياتهم التي أضلت البشر وقادتهم للهلاك وعندما تم فضح الشيطان عاد البشر إلى معرفة الله الحقيقية.
3 هذا التعبير
متأثر بما جاء في عب20:10 ” فإذا لنا أيها الاخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس
بدم يسوع طريقًا كرَّسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أى جسده “، انظر
أيضًا الرسالة إلى ادلفيوس 7، الرسالة الفصحية رقم 22، حياة أنطونيوس 22 حيث يكرر
القديس أثناسيوس نفس المعنى.