الفصل الثلاثون

الفصل
الثلاثون
البرهان على حقيقة القيامة ببعض الوقائع وهى:
(1) غلبة الموت كما تبين مما سبق. (2) عجائب عمل المسيح هى من فعل شخص حي هو الله.
1
إن ما سبق أن قلناه إلى الآن ليس بالبرهان الهيّن على أن الموت قد أُبطِلَ وأن
صليب الرب هو علامة الانتصار عليه. أما عن قيامة الجسد إلى حالة عدم الموت التى أكملها المسيح مخلّص الكّل وهو الحياة الحقيقية لهم جميعًا، فهذه (القيامة) يمكن
إثباتها بالوقائع بوضوح أكثر من إثباتها بالحجج والمناقشات[1]،
وذلك لمن لهم بصيرة عقلية سليمة.
2
لأنه إن كان الموت قد أُبطِلَ، كما بينّا بالأدلة سابقًا، وإن كان الجميع قد وطأوه
بأقدامهم بقوة المسيح، فبالأولى جدًا يكون هو نفسه قد وطأه بجسده أولاً وأبطله. وإن كان
المسيح قد أمات الموت فماذا كان ممكنًا أن يحدث (بعد ذلك) إلا أن يقيم جسده ويظهره
كعلامة للنصرة على الموت؟ أو كيف كان ممكنًا إظهار أن الموت قد أبيد ما لم يكن جسد
الرب قد قام؟ ولكن إن كانت هذه الأدلة على قيامته تبدو لأحد غير كافية، فليتأكد
مما قلناه من الأمور التى تحدث أمام أعيننا[2].
3
لأنه عندما يكون المرء ميتًا لا يستطيع أن يمارس أي عمل[3]،
إذ إن قدرته وتأثيره ينتهيان عند القبر. فإن كانت الأعمال والتأثيرات في الآخرين
هي من خصائص الأحياء فقط فلينظر كل من أراد وليحكم، وليكن شاهدًا للحق مما يبدو
أمام عينيه.
4
لأنه إن كان المخلّص يعمل الآن بقوة بين البشر[4] ولايزال كل
يوم بكيفية غير منظورة[5]
يُقنع الجموع الغفيرة من كل المسكونة سواء من سكان اليونان[6] أو سكان
بلاد البرابرة[7] ليقبلوا
الإيمان به ويطيعون تعاليمه[8]،
فهل لا يزال يوجد من يتطرق الشك إلي ذهنه أن المخلّص قد أتم القيامة (بقيامته) وأن
المسيح حيّ أو بالأحرى أنه هو نفسه الحياة؟[9]
5
وهل يمكن لشخص ميت أن ينخس ضمائر الآخرين[10]
حتى يجعلهم يرفضون نواميس آبائهم الموروثة[11]،
ويخضعون لتعاليم المسيح؟ أو إن كان (المسيح) لم يعد يعمل ما يتفق مع خاصية مَن هو ميت فكيف
استطاع أن يوقف أعمال الأحياء حتى يكف الزاني عن الزنا، والقاتل عن القتل، والظالم
عن الظلم، ويصيّر الكافر تقيًا؟ ولو أنه لم يقم، بل لايزال ميتًا، فكيف يستطيع أن
يطرد ويطارد ويحطم تلك الآلهة الكاذبة التي يدّعى غير المؤمنين أنها حيّة؟ وأيضًا كيف يستطيع أن يطرد الأرواح الشريرة التي يعبدونها؟
6
لأنه حيث يُذكر اسم المسيح والإيمان به تتلاشى من هناك كل عبادة وثنية، وتُفضَح كل أضاليل الأرواح الشريرة، بل لم يستطع أي من هذه
الأرواح أن يحتمل مجرد سماع الاسم (اسم المسيح)، حتى إنه يختفي عند سماعه[12].
وهذا لا يمكن أن يكون عمل شخص ميت، بل هو عمل شخص حيّ، وبالحرى هو عمل الله.
7
وسيكون من الحماقة أن يُقال عن الأرواح التي بددها والأصنام التي أبطلها إنها حيّة[13]، بينما
يُقال عن ذلك الذي طردها، والذي بسلطانه منعها من الظهور وهو الذى يشهد له الجميع[14] أنه
ابن الله، أن يقال عنه إنه ميت.
1 في فصل 27
قدّم القديس أثناسيوس براهين على غلبة المسيح ـ بموت الصليب ـ للموت وذلك بإيضاح موقف كل تلاميذ المسيح من الموت وأنهم مع كل
مَن يؤمنون به لم يعودوا يخشونه بل يهزأون به كميت. وهنا في هذا الفصل يقدم براهين
على قيامة السيد المسيح ببعض الوقائع، إذ إن كل مَن يؤمن بالمسيح يطأ الموت
بقدميه، وأيضًا بإيضاح أن أعمال المسيح ومعجزاته هى أفعال شخص حي.
1 قبل المسيح كان الأموات لا يستطيعون تقديم أى شئ للأحياء، أما الأحياء فقد
كانوا فقط ينوحون على الأموات كأنهم هلكوا. انظر فصل 27/2.
6 يعتبر
القديس أثناسيوس أن هذا العمل هو دليل قوى على قوة السيد المسيح الإله الحقيقى مقابل ضعف آلهة الأوثان الكاذبة. انظر فصل 46/5.
9 أشار القديس
أثناسيوس عدة مرات في مقالته ضد الوثنيين (فصول 12، 26، 23، 39) إلى أن القوانين
الرومانية العادية تقف ضد بعض الأفعال التي يقوم بها أتباع العبادات الوثنية. وهنا
في هذا الفصل يجعل تعاليم المسيح هى التي تواجه وتؤثر في ضمائر الذين يتمسكون بنواميس آبائهم
الموروثة وهذا دليل على قوة قيامة المسيح.