الفصل الثامن والثلاثون

الفصل
الثامن والثلاثون
نبوات أخرى واضحة عن مجىء الله في الجسد. معجزات المسيح المنقطعة النظير.
1 فإن كانوا يظنون أن هذه البراهين غير كافية فليقتنعوا
على الأقل ببراهين أخرى مستقاة من الأقوال الإلهية التي عندهم[1].
لأنه عن من يقول الأنبياء “ صرت ظاهرًا لمن لم يطلبوننى، وُجدت من الذي لم يسألوا
عني، قلت هاأنذا للأُمَّة التي لم تُسمَّ باسمي، بسطت يدي إلى شعب معاند ومقاوم“[2]؟
2 ويمكن للمرء أن يسأل اليهود: مَن هو إذن الذي
صار ظاهرًا؟ فإن كان هو النبي فليقولوا لنا متى اختفى[3]
حتى يظهر ثانيةً، وأى نبي هذا الذي لم يظهر من الخفاء[4]
فقط، بل أيضًا بسط يديه على الصليب؟[5]
بالتأكيد أنه ليس بين الأبرار سوى كلمة الله فقط الذي هو بلا جسد حسب الطبيعة، ظهر في الجسد لأجلنا[6]
وتألم عن الجميع.
3 وإن كان حتى هذا لا يكفيهم فلعلهم على الأقل يصمتون
بواسطة برهان آخر واضح كل الوضوح[7]،
لأن الكتاب يقول ” تشدّدي أيتها الأيادي المسترخية والرُكب المرتعشة،
تعزوا يا خائفي القلوب، تشدّدوا لا تخافوا هوذا إلهنا يجازي منتقمًا، هوذا يأتي
ويخلّصنا. حينئذٍ تفتح عيون العُمي وآذان الصُمّ تسمع، حينئذٍ يقفز الأعرج كالأيّل
ولسان العيين يصير فصيحًا“[8].
4 والآن ماذا يمكن أن يقولوا عن هذا أو كيف
يجرأون على أن يواجهوا هذا بالمرة؟ فالنبّوة لا توضح فقط أن الله يحل هنا بل هي تكشف أيضًا عن علامات ووقت مجيئه. فهي تربط معًا
استعادة العُمي لبصرهم، وشفاء العرج ليمشوا، والصُمّ ليسمعوا، ولسان المتلعثم يصير
فصيحًا، وذلك بمجيء الإله الذي كان مزمعًا أن يحدث. فليخبرونا إذًا متى تمت هذه
العلامات في إسرائيل أو في أى مكان في اليهودية حدث أمر كهذا؟
5 فنعمان الذي كان أبرص تطهر[9]،
ولكن لم يحدث أن أصمًا سمع أو أعرج مشى. وإيليا أقام ميتًا، وهكذا فعل إليشع[10]، ولكن لم
يستَعِد أى أعمى منذ ولادته بصره[11].
حقًا إن إقامة الميت أمر عظيم ولكنه ليس مثل العجائب التي تمّمها المخلّص[12]. فإن كان
الكتاب لم يغفل ذكر حادثة الأبرص، ومعجزة ابن الأرملة الذي أقامه إيليا، بالتأكيد لو كان قد حدث أن إنسانًا أعرج مشى أو أعمى استعاد بصره
لما أغفل ذكر هذا أيضًا. وحيث إنه لم يَرِد شيء عن ذلك في الكتاب فواضح أن مثل هذه
الأمور لم تحدث مطلقًا من قبل[13].
6 إذن متى حدثت هذه (المعجزات) إلاّ عندما جاء كلمة
الله نفسه في الجسد؟ ومتي مشي العرج وتكلم المُتلعثمون بفصاحة، وسمع الصُمّ، وأستعاد
العُمي منذ ولادتهم بصرهم، إلاّ عندما جاء هو في الجسد؟ لأن هذا هو عين ما شهد به
اليهود الذين عاينوا تلك الأمور لأنهم لم يسمعوا أنها حدثت في أى وقت من قبل إذ
قالوا: “منذ الدهر لم يُسمع عن أحد فتح عيني مولود أعمى. لو لم يكن هذا من
الله لم يقدر أن يفعل شيئًا“[14].
1 راجع فصل
35/7. حيث يذكر القديس أثناسيوس أن هناك براهينًا وحججًا كثيرة من الكتب المقدسة
يمكن أن تقنع اليهود.
3 في فصل 12/2
يقول القديس أثناسيوس إن الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى البشر كانوا ” رجال معروفين لديهم ” وفي فصل 13/5 يعطى تشبيه
بأن هؤلاء الأنبياء كانوا مثل أصدقاء أرسلهم الملك للبشر.
6 انظر فصل
8/1 حيث يوضح معنى أن الكلمة ظهر من الخفاء بظهوره في الجسد من أجل خلاصنا. وعن معنى العبارة ” الذي بلا جسد حسب الطبيعة ظهر في الجسد لأجلنا ” انظر فصل 1/3.
2 إش 3:35ـ6، 4:42. اعتبر القديس أثناسيوس أن هذا
الشاهد سيكون أوضح في المعنى جدًا عندما يُكتب النص أولاً ثم يتساءل عن مَن هو
الشخص الذي تتحدث عنه النبوءة وعن زمن ومكان اتمامها. ويرى القديس أثناسيوس أنه يجب
على المرء عندما يدرس الكتب المقدسة أن يبحث عن الوقت والشخص والموضوع فيقول:
“من الملائم كما نعمل في كل الأسفار الإلهية هكذا من الضرورى أن نعمل هنا
أيضًا فيجب أن نفهم بأمانة الوقت الذي كتب عنه الرسول والشخص والموضوع اللذين كُتب
عنهما ” المقالة الأولى ضد الآريوسيين. فقرة 45. انظر أيضًا المقالة الثانية
ضد الآريوسيين. فقرة 7، وأيضًا الدفاع عن قانون الإيمان مجمع نيقية14. وفي الفقرة
التالية يطبق هذه القاعدة على النص.
1 1مل21:17ـ23
، 2مل33:4ـ35. لم تُذكر معجزات إقامة الموتى في نبوءة إشعياء. غير أن القديس أثناسيوس اعتمد على نص إنجيل متى5:11 الذي يذكر
قول السيد المسيح ” والبُرص يطهرون والموتى يقومون ” وهذا القول فيه
تتميم للنبوءة حيث كان في سياق الإجابة عن سؤال اليهود أنت هو الآتى أم ننتظر آخر؟
وما يقصده أثناسيوس بذكر معجزات إقامة الموتى بواسطة إيليا واليشع هو أن السيد المسيح أيضًا صنع هذه المعجزات. ولقد صمت
النبى عن ذكرها لأنه ركز على المعجزات التي انفرد السيد المسيح وحده بفعلها.
2 إجراء السيد
المسيح لمعجزة فتح عيني الأعمى منذ ولادته دليل على أن طبيعة البشر كانت خاضعة له. انظر فصل 8/4 ويستخدم القديس أثناسيوس هذه المعجزة
ليس في رده على اليهود فقط بل في محاجة الوثنيين أيضًا. انظر فصل49/1 من مقالته ضد
الوثنيين.
3 هناك فرق في
عمل المعجزات بين الأنبياء والمخلّص، فإيليا واليشع صرخا إلى الرب لإتمام المعجزة أما المسيح إذ هو الإله المتجسد فقد أتمها بنفسه ويقول القديس أثناسيوس
” حيث إن الأعمال التي عملها القديسون، كما اعترفوا هم أنفسهم، لم تكن
أعمالهم الخاصة بل أعمال الله الذي أعطاهم القوة فإيليا واليشع مثلاً يطلبان إلى الله أن يقيم
الأموات ” المقالة الثالثة ضد الآريوسيين. فقرة 2.