الفصل الثالث

الفصل
الثالث
الذين قالوا بصلب المسيح وأسباب قولهم
بذلك
1 – عدم وضوح معنى الآية:
كما سبق أنْ بينّا من عدم وضوح معني قوله ” وَلَكِنْ
شُبِّهَ لَهُمْ ” فقد وُجد هناك أربعة أراء لأربع مجموعات من العلماء
المسلمين:
1 – الرأي الأول والذي يقول
بإلقاء شبه المسيح علي آخر، ولكن كيف ومتي ومن هو الشبيه فهذا
غير معلوم، وهذا ما يتلخّص في قول الإمام محمد أبو زهرة (إنَّ القرآن الكريم
لم يُبَيّن لنا ماذا كان من عيسي بين صلب الشبيه ووفاة عيسي أو رفعه علي الخلاف في
ذلك؟، ولا إلي أين ذهب؟، وليس عندنا مصدر صحيح يُعْتَمَد عليه)، وهذا هو الرأي
التقليديّ ورأي الأغلبية.
ومن ضمن أصحاب هذا الرأي الذين نقلوا روايات عن جهلاء أهل الكتاب
العرب، كما يقول ابن خلدون، أو الذين راحوا يؤلّفون روايات من وحي خيالهم هم!!
2 – الرأي الثاني والذي يري أنَّ
المسيح صُلِبَ فعلاً وإنما قول القرآن جاء من باب مجادلة اليهود
والمقصود بها التنقيص من شأنهم، كقول د. عبد المجيد الشرفي ” هذا فليس من
المستبعد أنْ يكون إنكار قتل اليهود عيسي وصلبه من باب المجادلة المقصود بها
التنقيص من شأن المجادلين”.
3 – الرأي الثالث والذي يقول
بصلب المسيح فعلاً ولكن بعدم موته علي الصليب، ومن هؤلاء الأستاذ
الجوهري فضلاً عمّا يناور ويقول به السيد أحمد ديدات!!
4 – الرأي الرابع والذي يقول
بصلب المسيح كما جاء في الأناجيل، سواء عن طريق النقل من الإنجيل
بأوجهه الأربعة دون تعليق، مثل المؤرّخ الإسلامي اليعقوبي، والأستاذ خالد محمد
خالد. وغيرهم. هذا فضلاً عن البيضاوي الذي نقل قول النسطورية: ” وقيل صُلِبَ
الناسوت ولم يُصْلَبْ اللاهوت “.
ولو كان نصّ الآية واضحًا تمامًا لما إختلف المسلمون عبر التاريخ في
جزئيّة واحدة حول معني الآية، ولكن اختلاف المفسّرين، بهذه الصورة دليلُ علي عدم
وضوحها، وخاصّة أنّها الآية القرآنيّة الوحيدة التي تكلّمت عن هذا الموضوع،
باستثناء آيات الموت والوفاة، وهذا موضوع آخر.
2 – العلماء والمؤرخون المسلمون الذين قالوا بصلب المسيح:
ظهر بعض الكتاب والعلماء والمؤرخين المسلمين الذين حاولوا التوفيق
بين حقيقة وتاريخية صلب المسيح وتفسيرهم لقوله “ وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا
فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ
الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ” (النساء:
157). ولذا فقد قالوا بصلب المسيح، وفيما يلي أهم من قالوا بذلك:
(1) وقال الشيخ احمد بن أبي يعقوب، اليعقوبي،
الذي يُعدّ من أقدم مؤرّخي الإسلام والذي قال ” ولما طلب اليهود من بيلاطس
أنْ يُصْلَبَ المسيح. قال لهم خذوه أنتم
واصلبوه أمّا أنا فلا أجد عليه علّة. قالوا قد وجب عليه القتل من أجل أنَّه قال
أنَّه ابن الله. ثم أخرجه وقال لهم خذوه أنتم واصلبوه فأخذوا المسيح وحملوه
الخشبة التي صُلِبَ عليها ” (تاريخ اليعقوبي ج 1: 64).
(2) وقال أخوان الصفا من القرن الخامس الهجري (457 – 459): ”
فلما أراد الله تعالى أن يتوفّاه (أي المسيح) ويرفعه إليه اجتمع معه حواريّوه في
بيت المقدس في غرفة واحدة، وقال أني ذاهب إلي أبي وأبيكم وأوصيكم بوصية 00 وأخذ
عهدًا وميثاقًا فمن قبل وصيّتي وأوفى بعهدي كان معي غدًا 000 فقالوا له ما تصديق
ما تأمرنا به. قال أنا أوّل من يفعل ذلك. وخرج في الغد وظهر للناس وجعل يدعوهم
ويعظهم حتى أُخذ وحُمل إلي ملك إسرائيل فأُمر بصلبه. فصُلِبَ ناسوته (جسده) وسُمِّرَتْ
يداه علي خشبتي الصليب وبقي مصلوبًا من صحوة النهار إلي العصر. وطلب الماء فسُقِيَ
الخل وطُعِنَ بالحربة ثم دُفِنَ في مكان الخشبة ووُكِّلَ بالقبر أربعون نفرًا.
وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه فلمّا رأوا ذلك منه أيقنوا وعلموا أنَّه لم
يأمرهم بشيء يخالفهم فيه. ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام في الموضع الذي وعدهم
أنْ يتراءى لهم فيه. فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم وفشا الخبر في بني
إسرائيل أنَّ المسيح لم يُقْتَل. فنُبِشَ القبر فلم يُوجّد فيه الناسوت ”(رسالة
إخوان الصفا ج 4: 96-97).
(3) ويقول د. عبد المجيد الشرفي (عميد كلية
الآداب بتونس، وله كثير من المقالات التي تتعلق بالعلاقات المسيحيّة – الإسلاميّة):
” وكما نفي القرآن ألوهيّة عيسي وعقيدة الثالوث، فإنَّه نفى في الآية 157 من
سورة النساء أنْ يكون اليهود قتلوا عيسي أو صلبوه (وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ 000 وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً)،
فهل تعني هذه الآية أنَّه قُتل وصُلب، لكن علي غير أيدي اليهود أم أنَّه لم يُقتل
ولم يُصلب البتة؟ لا شئ مبدئيًا يمكّننا من ترجيح أحد الاحتمالين إنْ اقتصرنا علي
النصّ القرآني وحده، ولم نعتمد السنّة التفسيريّة التي بتّت في اتجاه نفي الصليب
جملة في أغلب الأحيان. علي أنَّ هذه الآيات لا يجوز أنْ تُفصل عن الآية 33 من
سورة مريم: { وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ
أُبْعَثُ حَيًّا}، وكذلك عن الآية 55 من آل عمران: { إِذْ
قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ }، وعن
الآية 117 من المائدة: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا
دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ }،
وهي صريحة في أنَّ عيسي يموت ويتوفّي.
فليس من المستبعد أنْ يكون إنكار قتل اليهود عيسي وصلبه من باب
المجادلة المقصود بها التنقيص من شأن المجادلين، لا سيّما
أنَّ كل الأحداث المتعلّقة بحياة المسيح لم تزلْ منذ القديم محلّ أخذ ورد
واختلاف، ولا أحد يستطيع إدعاء اليقين فيها. يُضاف إلي هذا أنَّ إقرار القرآن
برفع عيسي في الآية الموالية يتّفق والعقيدة المسيحية في هذا الرفع، بل ويتماشي
والعقليّة الشائعة في الحضارات القديمة والمؤمنة بهذه الظاهرة. والأمثلة علي ذلك
كثيرة. فهل نحن في حاجة إلي التنقيب عن مصدر العقيدة القرآنيّة المتعلّقة بنهاية
حياة المسيح في آراء الفرق الظاهرانية (Docetiste)؟¨، ” أليس في منطق الدعوة ذاته ما يفسّر هذا الموقف الواضح
في سائر الأنبياء من جهة، والذي يترك الباب مفتوحًا للتأويل واعتماد المعطيات
التاريخيّة في أمر من جهة أخري “. ويقول المؤلف أيضًا تحت عنوان: الصلب:
” من اليسير أولاً أنْ نسجّل أنِّ هذا الفرض لم يكنْ محلّ
عناية كبيرة من قِبَل المفكّرين المسلمين، رغم أنَّه غرض محوريّ في المنظومة
اللاهوتيّة المسيحيّة ويحق لنا أنْ نتساءل عن علّة هذا الإعراض النسبيّ، وهل ينمّ
عن نوع من الحرج في مواجهة الرواية ذات الصبغة التاريخيّة المتعلّقة بالصليب
والسائدة في أوساط النصاري 000 بمجرّد آية قرآنية؟ أم هل اعتبر المسلمون أنَّ
نظريّة الفداء تسقط بطبيعتها إنْ لم ترتكز علي أساس متين بعد النقد الصارم الذي وُجّه
إلي عقيدتي التثليث والتجسّد؟ “(المسيح في
كشمير. د. فريز صموئيل ص139-140).
(4) وقال عبد الرحمن سليم البغدادي الذي كان
عراقيًا وُلد وعاش ومات في بغداد (1832 – 1911)، وكان رئيسًا لمحكمتها التجارية وانتخب نائبًا في المجلس
العثماني ” (مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ)
لا يُفهم منها أنَّ المسيح لم يمتْ قطّ، بل هو نصّ صريح في أنَّ القتل والصلب لم
يقعا علي ذاته من اليهود فقط “. ربما يقصد إنما صُلب علي
أيدي الرومان(المرجع السابق ص 141).
(5) وقال الأستاذ نبيل الفضل ” إنَّ
عملية الصلب لا يهمّ أنْ تكون علي عمود
رأسي وآخر أفقي كما في الصليب، بل قد تكون علي عمود رأسي فقط. وصلب المسيح
ربما كان علي صليب ذي عمودين رأسي وأفقي، أو ربما علي عمود رأسي فقط، فإنْ كان
المسيح قد ُصلب علي عمود رأسي فقط، فإن تعبير(صلب المسيح) يكون تعبيرًا غير كامل.
فتعبير صلب يجوز في حالة وجود عمود رأسي وأفقي، فإنْ كان عمود واحد فالأدق أنْ
يكون التعبير هو (تعليق المسيح) لا (صلب المسيح). ورغم أنَّ الحالتين تؤدّيان إلي
الوفاة بالاختناق، إلا أنَّ هذا يذكّرنا بقول القرآن (وَمَا
صَلَبُوهُ) “(” هل بشّر المسيح بمحمد ”
نبيل فضل. رياض الريس للكتب والنشر. لندن ص 72-73؛ قبر المسيح في كشمير ص 142).
(6) وقال المفكر والفيلسوف الدكتور فؤاد حسنين على أستاذ الفلسفة
” قتلوه وما قتلوه، صلبوه وما صلبوه
ولكن شبه لهم. قتلوا الجسد وما قتلوا الكلمة، صلبوا الجسد وصعدت الروح إلي خالقها
000″. ثم تحدّث عن محاكمات المسيح وكلماته علي الصليب وإستهزاء اليهود به
ثم قال ” أسلم يسوع روحه فصعدت إلي ربها راضية مرضية ” وتحدّث
عن صلب المسيح وموته باستفاضة
وكذلك عن دفنه حتى وصل إلي قيامته من الموت فقال ” وموت المسيح علي الصليب ليس
هو معجزة المسيحيّة. والعكس هو الصحيح أعني قيامة المسيح
من بين الموتي ” إلي أنْ ختم مقاله بقوله ” إِذْ قَالَ
اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ
إِلَيَّ 000إلخ “(جريدة أخبار اليوم في 22/4/1970).
(7) وكذلك تبني السيد أحمد ديدات وناشر كتبه
السيد على الجوهري لقول الفرقة القاديانية التي تعتقد أنّ المسيح صُلِبَ علي
الصليب ولكنّه لم يمتْ عليه بل أُغْمَي عليه وأُنْزِلَ
من علي الصليب حّيًا (أنظر كتاب ” صلب المسيح بين
الحقيقة والافتراء ” أحمد ديدات ترجمة علي الجوهري)!!
(8) بل وقال الأمير شكيب أرسلان في كتابه ” حاضر العالم “:
” قال درنغم (أحد المستشرقين): فقول القرآن (وَلَكِنْ
شُبِّهَ لَهُمْ) يذكّرنا بأقوال العهد الجديد 000 إننا لو فرضنا وجوب أخذ هذه الآية
علي ظاهرها فلا مانع من ذلك حسب عقيدة الكنيسة نفسها، لأنَّ آباء الكنيسة ما
زالوا يقولون، إنَّه ليس ابن الله هو الذي صلبه اليهود، وأماتوه علي الصليب،
وإنما الطبيعة البشرية في المسيح. وهكذا لا يكون اليهود قتلوا كلمة الله الأبديّة،
ولكن يكونون قتلوا الرجل الذي يشبهها، واللحم والدم المتجسّدين في بطن مريم
“.
” وقال (المستشرق): فلا يكون القرآن فيما قاله بشأن الصلب إلا
مؤيدًا عقيدة الكنيسة الكبري، وهي أنَّ في المسيح طبيعتين: إلهيّة وبشريّة، وأنَّ
القتل وقع علي الطبيعة البشريّة فقط 00 “. وقال الأمير أرسلان معلقًا ”
ولا نريد أنْ نفرغ من هذه المسألة بدون أنْ نُعلّق علي بعض الملاحظات علي ما قاله
درنغم فيها. فأمّا ذهابه أنّ مراد القرآن بالآية الكريمة: (وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) إنما
هو وقوع القتل علي الجسد فقط، وأنَّ الله بعد ذلك رفعه إليه، (فأن له وجها
وجيهاً) لا سيما وأنَّ آية أخرى: ” { إِذْ
قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ
مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } تعزز هذا الرأي “(كتاب
” مقدمة في نشأة الكتابات الدفاعية بين الإسلام والمسيحية ” حسني يوسف
الأطير: ص 25- 28).
(9) وقال الإمام محسن فاني في كتابه الدابستاني في القرن التاسع
للهجرة ” أنه عندما قبض اليهود علي عيسي، بصقوا علي وجهه المبارك
ولطموه ثم أنَّ بيلاطس حاكم اليهود جلده حتى أنَّ جسمه من رأسه إليى قدمه صار
واحدًا 000 ولما رأي بيلاطس من إصرار اليهود علي صلب عيسي وقتله قال ” أني
بريء من دم هذا الرجل وأغسل يدي من دمه “، ” فوضعوا الصليب على كتف
عيسى وساقوه للصلب “(عن كتاب ” إنجيل برنابا في
ضوء العقل والدين ” لعوض سمعان ص 110).
(10) وقال الكاتب الإسلامي المعروف خالد محمد خالد،
بعد أنْ تكلّم في فصل كامل عن محاكمات المسيح: ” لقد كان الصليب الكبير الذي
أعدّه المجرمون للمسيح يتراءى له دومًا “. ” المسيح قد حمل الصليب من
أجل السلام “.” الصليب الذي حمله المسيح سيف أراد اليهود أنْ يقضوا علي
ابن الإنسان ورائد الحق “.
ثم قال ” وأريد للمسيح أنْ تنتهي حياته الطاهرة علي صورة تشبه
الأحقاد الملتوية، الملتاثة. لخراف إسرائيل الضالة “(كتاب
” معًا علي الطريق محمد والمسيح ” ص 34 و 181).
(11) ونقل الكاتب محمود أبو ريه فقرات
كاملة من الإنجيل بأوجهه الأربعة خاصة بكلام المسيح قبل صلبه مباشرة وكلام المسيح
وهو معلق على الصليب وعند قيامته . وذلك كحقيقة تاريخية(كتابه
” محمد والمسيح أخوان ” ص 46).
(12) ويرى د. محمد أحمد خلف الله (في كتابه
الفن القصصي في القرآن الكريم) أنّ القصة القرآنيّة لم يُقصد بها التاريخ، ولكن
العظة والاعتبار ولذلك يُهمل الزمان والمكان، وهي تمثّل الصور الذهنيّة للعقليّة
العربيّة في ذلك الوقت ولا يلزم أنْ يكون هذا هو الحق والواقع ومن حقنا أنْ نبحث
وندقّق. وهذا هو ما كتبه بالنص:
+ ” يدلنا الاستقراء علي أنَّ ظواهر كثيرة من ظاهرات الحريّة
الفنيّة توجد في القرآن الكريم، ونستطيع أنْ نعرض عليك منها في هذا الموقف ما
يلي:
1 – إهمال القرآن حين يقصّ لمقومات التاريخ من زمان ومكان 000
“.
2 – اختياره لبعض الأحداث دون البعض، فلم يعنِ القرآن بتصوير الأحداث
الدائرة حول شخص أو الحاصلة في أمة تصويرًا تامًا كاملاً، وإنما كان
يكتفي باختيار ما يساعده علي الوصول إلي أغراضه.
3 – كما لا يهتم بالترتيب الزمني أو الطبيعي في إيراد الأحداث
وتصويرها وإنما كان يخالف هذا الترتيب ويتجاوزه.
4 – إسناده بعض الأحداث لأناس بأعينهم في موطن ثم إسناده نفس الأحداث
لغير الأشخاص في موطن آخر.
5 – إنطاقه الشخص الواحد في الموقف الواحد عبارات مختلفة حين يكرّر
القصة.
6 – وجود مواقف جديدة لم تحدث في سياق القصة التي تصور أحداثًا وقعت
انتهت. ” القرآن يجري في فنه البياني علي أساس ما كانت
تعتقد العرب وتتخيّل، لا علي ما هو الحقيقة العقليّة ولا علي ما هو الواقع العمليّ
“.
” إنَّ المعاني التاريخية ليست مما بُلّغَ علي أنَّه دين يُتّبَع،
وليست من مقاصد القرآن في شئ، ومن هنا أهمل القرآن مقوّمات التاريخ من زمان ومكان
وترتيب للأحداث 00 إنَّ قصد القرآن من هذه المعاني إنما هو العظة والعبرة أي في
الخروج بها من الدائرة التاريخيّة إلى الدائرة الدينيّة. ومعني ذلك أنَّ المعاني
التاريخيّة من حيث هي معانٍ تاريخيّة لا تُعْتَبَر جزءًا من الدين أو عنصرًا من
عناصره المكوّنة له. ومعني هذا أيضًا أنَّ قيمتها التاريخيّة ليست مما حماه
القرآن الكريم ما دام لم يقصده.
” إنَّ ما بالقصص القرآني من مسائل تاريخيّة ليست إلا الصور
الذهبيّة لما يعرفه المعاصرون للنبي من التاريخ، وما يعرفه هؤلاء لا يَلْزَم أنْ
يكون الحق والواقع، كما لا يُلْزِم القرآن أنْ يُصَحّح هذه المسائل أو يردّها إلي
الحق والواقع، لأنَّ القرآن الكريم، كان يجئ في بيانه المعجز علي ما يعتقد العرب،
وتعتقد البيئة ويعتقد المخاطبون. ويضيف الكاتب أيضًا:
” إنّ القرآن الكريم لا يطلب الإيمان برأي معين في هذه المسائل
التاريخيّة. ومن هنا يُصْبِح من حقّنا أو من حقّ القرآن علينا أنْ نُفْسِح المجال
أمام العقل البشريّ ليبحث ويدقّق، وليس عليه بأس في أنْ ينتهي من هذه البحوث إلي
ما يُخَالِف هذه المسائل، ولن تكون مخالفة لما أراده الله أو لما قصد إليه القرآن
لأنَّ الله لم يردْ تعليمنا التاريخ، ولأنَّ القصص القرآنيّ لم يقصدْ إلا الموعظة
والعبرة وما شابههما من مقاصد وأغراض. ونوجز ما سبق فيما يلي:
1 – القصة القرآنية، قصة لا تتوافر فيها مقومات
التاريخ، ولم يكنْ هدفها التاريخ بل العظة والاعتبار. وهي ما يعرفه المعاصرون
للنبيّ من تاريخ، ولا يلزم أنْ يكون هذا هو الحق والواقع.
2 – هناك أقوال جاءت علي لسان بعض الأشخاص، لم
ينطقوا بها بل القرآن أنطقها علي لسانهم.
3 – القرآن لا يطلب منا الإيمان برأي معين في هذه
المسائل التاريخيّة ومن حقّنا أو من حقّ القرآن علينا أنْ نبحث ونفتّش لمعرفة
الحدث التاريخيّ كما وقع ومخالفتنا للقصة القرآنيّة لا يمسْ القرآن.
وإذا طبّقنا هذه المبادئ علي حادثة صلب المسيح نري:
+ أنَّ اليهود لم يقولوا أنَّ المسيح هو رسول الله، وإن القول ” وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ” هو ما يعرفه بعض
المعاصرين.
+ إنّ القرآن لا يطلب منّا الإيمان بعدم قتل وصلب المسيح. إذا رأينا من
الكتب المقدّسة أو من التاريخ ما يُؤكّد حقيقة صلب وموت المسيح، فالواجب علينا أو
من حق القرآن علينا أنْ نُؤمن بذلك، ولهذا فالمسيح قد صُلِبَ ومات علي الصليب.
” إن القرآن لم يقصد إلي التاريخ من حيث هو تاريخ إلا في
النادر الذي لا حكم له، وأنَّه علي العكس من ذلك عمد إلي إبهام مقومات التاريخ من
زمان ومكان “.
” إنَّ وصف عيسي بأنَّه رسول الله في قول اليهود الذي حكاه
عنهم القرآن في قوله تعالي: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا
الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ }، لا يمكن
أنْ يُفهم علي أنَّه قد صدر حقًا من اليهود، فهم لم ينطقوا بهذا الوصف وإنما
القرآن هو الذي أنطقهم به، ذلك لأنَّ وصفه بالرسالة ليس إلا التسليم بأنَّه رسول
الله وهم لم يسلّموا بهذا، ولو سلّموا بهذا لأصبحوا مسيحيّين، ولما كان بينهم
وبينه أي لون من ألوان العداء، ولما كان قُتل وصُلب. إنَّ اليهود إنما يتهمون عيسي
بالكذب، ويُنكرون عليه أنَّه رسول الله، ويذكرونه بالشرّ، ويقولون إنَّه ابن زنا
وأنَّ أمه زانية. يقول اليهود كلّ هذا وأكثر منه، ومن هنا لم يستطعْ العقل
الإسلاميّ أنْ يُسَلّم بأنَّ وصف عيسي بأنّضه رسول الله قد صدر حقًا من
اليهود”.
” مصادر القصص القرآني في الغالب هي العقليّة العربيّة،
فالقرآن لم يبعدْ عنها إلا القليل النادر، ومن هنا جاءت فكرة الأقدمين القائلة:
إن القرآن ليس إلا أساطير الأولين، وذلك لأنهم نظروا فوجدوا الشخصيات القصصية
والأحداث القصصية مما يعرفون “(” الفن القصصي في
القرآن ” محمد أحمد خلف الله مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم، وكتاب ”
قبر المسيح في كشمير ” د. صموئيل فريز 151-152).
(13) الأستاذ على الجوهري: والذي ترجم عددًا من كتب
السيد أحمد ديدات والتعليق عليها، وكان رأيه في قضية موت المسيح، كما بينّا في
الفصل السابق، هو كالآتي: ” إذا لم يكن معني قوله سبحانه وتعالي: ولكن شبه
لهم هو إلقاء شبه المسيح علي شخص آخر غيره، فما هو معناها؟ هل لها معني آخر؟، وما
هو هذا المعني الأخير؟ ثم يركّز بعد ذلك علي القول بعدم موت المسيح علي الصليب
وإنزاله من علي الصليب حيًا، مغمي عليه(أنظر
تعليقه علي كتاب ” أخطر مناظرات العصر، هل مات المسيح علي الصليب”)!!!
وقد تصوّر بذلك أنَّه حلّ مشكلتين الأولي عدم تاريخيّة ومعقوليّة
ومنطقيّة إلقاء شبه المسيح علي آخر، والثانية هي إبطال عقيدة الفداء بدم المسيح.