الفصل الأربعون

الفصل
الأربعون
براهين من إبطال النبوة وخراب أورشليم، ومن تجديد الأمم واتباعهم إله موسى. كل النبوات عن المسيا تحققت في يسوع المسيح.
1 فاليهود إذن يخترعون أساطير[1]،
فالوقت الذي نتحدث عنه قد جاء فعلاً، أما هم فيحاولون أن يثبتوا أنه لم يأت بعد.
لأنه متى بَطُلت النبوة والرؤيا في إسرائيل إلاّ حينما جاء المسيح قدوس القدوسين؟ فالعلامة الواضحة والبراهين القوية على مجىء كلمة
الله أن أورشليم لن تكون فيما بعد، ولا يكون هناك نبي في وسطهم، ولا تُعلن لهم
رؤيا، وهذا ما كان من الطبيعي أن يحدث[2].
2 لأنه عندما يكون الذي أشارت إليه النبوات قد
جاء فعلاً فأى حاجة بعد ذلك لأية نبوة تشير إليه؟[3]
وعندما يكون الحق حاضرًا فأى حاجة تكون بعد إلى الظل؟[4]
فإن هدف تنبؤاتهم هو مجىء البر ذاته[5]
والذي يكون فدية عن خطايا الجميع. وهذا هو السبب في بقاء أورشليم حتى ذلك الوقت، حتى يستمروا في ممارسة الرموز هناك تمهيدًا لظهور
الحقيقة[6].
3 هكذا فحينما جاء قدوس القدوسين كان من الطبيعي
أن تبطل الرؤيا والنبوة وتنتهي مملكة أورشليم. فقد كان يجب أن يُمسح ملوك بينهم إلي أن يُمسح “قدوس
القدوسين”. فيعقوب تنبأ أن مملكة يهوذا تبقى حتى مجيء (المسيح) قائلاً: ” لا يزول حاكم من يهوذا ورئيس من بين أحقائه حتى
يأتي المُعد له ويكون هو رجاء الأمم“[7].
4 لهذا هتف المخلّص نفسه قائلاً: ” الناموس والأنبياء إلى يوحنا تنبأوا“[8].
فلو كان الآن بين اليهود ملك أو نبي أو رؤيا لكان لهم العذر أن ينكرون المسيح الذي أتى فعلاً. أما إن لم يكن هناك ملك ولا رؤيا، بل قد خُتمت كل
نبوة من ذلك الوقت وأُخذت المدينة والهيكل، فلماذا يجحدون ويتمردون إلى هذه الدرجة،
حتى أنهم بينما ينتظرون ما قد حدث فإنهم ينكرون المسيح[9]
الذي جعل كل هذه الأمور تتم؟[10]
ولماذا حينما يرون الوثنين يهجرون أصنامهم ويضعون رجاءهم في إله إسرائيل بإيمانهم بالمسيح نراهم هم (اليهود) ينكرون المسيح الذي وُلِدَ من
أصل يسى حسب الجسد صائرًا ملكًا إلى الآن؟[11]
لأنه لو كانت الأمم تعبد إلهًا آخر ولا تعترف بإله إبراهيم وأسحق ويعقوب وموسى لكان لهم العذر في أن يدّعوا أن الله لم يأت (في الجسد)[12].
5 أما إن كانت الأمم تكرّم نفس الإله[13]
الذي أعطى الناموس لموسى والذى سبق أن أعطى الوعد لإبراهيم، والذي احتقر اليهود كلمته
(المتجسد)، فلماذا يجهلون، أو لماذا يتجاهلون، أن الرب الذي سبق أن أنبأت عنه
الكتب المقدسة قد أشرق على العالم، وظهر للمسكونة متجسدًا كما قال الكتاب ” الرب
الإله قد أشرق علينا“[14]
وأيضًا ” أرسل كلمته فشفاهم“[15]،
وأيضًا ” لا رسول ولا ملاك بل الرب نفسه خلّصهم “[16]؟
6 ويمكن أن تقارن حالتهم بما يحدث لإنسان غير
متزن العقل يرى الأرض والشمس تضيؤها ومع ذلك ينكر الشمس التي تنيرها[17].
لأنه ما هو الأمر الذي لم يتممه المسيح (الذي أتى)، ويقولون أن مَن ينتظرونه سيتممه؟[18]
أَدعوة الأمم؟[19]
لقد دعاهم المسيح فعلاً[20].
أيبطل النبوّة والمُلك والرؤيا؟ وهذا أيضًا قد تم فعلاً[21].
أيفضح فساد وكفر العبادة الوثنية؟ لقد شُهّر بها فعلاً وشُجبت[22].
أيبيد الموت؟ لقد أُبيد فعلاً[23].
7 إذن فأى شيء كان ينبغي أن يفعله المسيح ولم يفعله؟ وأى شيء لم يتحقق حتى يصرُّ اليهود على عدم إيمانهم؟ وأقول
إن كان الأمر كما نرى فعلاً أنه لم يعد هناك ملك ولا نبى ولا أورشليم ولا ذبيحة ولا رؤية بينهم، بل قد امتلأت الأرض كلها من معرفة الله[24]، والأمم
تركوا ضلال عبادتهم الوثنية ولجأوا إلى إله إبراهيم بواسطة الكلمة، ربنا يسوع المسيح، فواضح إذن حتي لأشد الناس عنادًا أن المسيح قد جاء وأنه
قد أنار الجميع بنوره وأعطاهم التعليم الصحيح الإلهي عن أبيه.
8
وبهذه الأدلة وبغيرها الكثير مما هو في الكتب الإلهية[25]،
يمكن للمرء أن يفند حجج اليهود[26].
1 الأساطير
التي يخترعها اليهود هى عكس التعليم الإلهى انظر فصل3/1 وفي فصل2/1 يشير القديس
أثناسيوس إلى أساطير الأبيكوريين ويذكر أن ما يقولونه ” يناقضون به ما هو
واضح كل الوضوح ” وهذا هو ما يفعله اليهود بالضبط إذ إنهم عندما ”
يخترعون أساطير فإنهم يريدون أن يؤجلوا الوقت الذي قد جاء فعلاً إلى وقت آخر في المستقبل
“.
4 يتحدث
القديس أثناسيوس في “تجسد الكلمة” فصل3 وبالأكثر
في “المقالة الثانية ضد الآريوسيين” فصلى 22، 88 عن الفرق بين
الإعلان الإلهى عن طريق الخليقة كظل للإعلان الإلهى الحقيقى في شخص يسوع المسيح فيقول: ” لأن الله لا يريد بعد ـ مثلما حدث في العصور السابقة ـ أن يعرف عن طريق ظل
الحكمة الموجودة في المخلوقات بل جعل الحكمة الحقيقية ذاتها تتخذ جسدًا وتصير
إنسانًا وتعانى موت الصليب لكى يتمكن جميع الذين يؤمنون أن يخلصوا بالإيمان “.
1 حول استخدام
القديس أثناسيوس لتعبيرات أخرى مثل “البر ذاته aÙtodikaiosÚnh” انظر فصل20هامش (3) ص 57. وهذا التعبير يأتى من سياق نبوءة إشعياء7:9 عن أن المسيح يسوع هو ” البر الأبدى “.
2 يقول القديس
أثناسيوس في نهاية هذا الفصل4 فقرة7 ” أنه لم يعد هناك ملك ولا نبى ولا أورشليم ولا ذبيحة ولا رؤية بينهم ” وذلك لأنه ” عندما يكون الحق حاضرًا فأى حاجة تكون بعد إلى الظل ” فقرة2. وفي موضع آخر
يذكر ” أن الهيكل القديم الذي كان مشّيدًا من حجارة ومن ذهب لم يكن إلاّ مجرد
ظل. ولكن عندما جاءت الحقيقة بطل المثال من ذلك الحين. ولم يبق فيه حجر على حجر لم
يُنقض ” انظر الرسالة إلى أدلفيوس 7.
1 يذكر القديس
أثناسيوس أن اليهود قالوا ليس لنا ملك إلاّ قيصر، وبسبب إنكارهم لمُلك السيد
المسيح عليهم فقد لقوا عقابًا ” وتلاشت مدينتهم وأفكارهم ”
انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين. فقرة 42.
2 أى أنه كما
أن البراهين على القضاء على الموت بالصليب والقيامة يمكن لمسها من خلال وقائع
واضحة وأعمال جلية هكذا يكون الأمر بالنسبة للبرهان على صحة نبؤات العهد القديم
فالحال الذي يوجد عليه اليهود إذ ليس لهم ملك أو نبى أو رؤيا هى حالة واضحة وضوح الشمس وتثبت صدق نبوات العهد القديم. فيسوع هو المسيا المنتظر والملك المشهود
بملكه الأبدى من خلال أعماله ” لأنه لو لم يكن هناك أعمال لكان يحق لهم ألاّ
يؤمنوا بمن هو غير منظور، لكن إن كانت الأعمال تصرخ بصوت عالِ معلنة إياه بكل وضوح
فلماذا يصّرون على إنكار الحياة الواضحة الناتجة عن القيامة؟ انظر فصل32/2.
3 وهنا يشير
القديس أثناسيوس إلى إتمام نبوءة إشعياء10:11 ” سيكون سيكون أصل يسى الذي يقوم ليسود على الأمم، عليه يكون رجاء الأمم ” والتي
سبق أن أوردها في فصل 35/6.
4 لأنه لو أن
الأمم كانت تعبد إلهًا آخر لكان هذا معناه عدم اتمام نبوءة إشعياء 10:11 السابق الاشارة إليها.
5 عن عبادة الأمم لنفس الإله وإكرامها له يقول القديس أثناسيوس ” وليس
إسرائيل وحده الذي يعتمد عليه بل كل الأمم كما سبق القول وأنبأ النبى:
يتركون أصنامهم ويتعرفون على الإله الحقيقى أى المسيح ” راجع المقالة الأولى ضد الآريوسيين. فقرة 43.